القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٣

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5841-63-1
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨٥٦

وسبعمائة وأربعون حرفا (١).

والمسلمون لا يرون صحة أمثال هذه الأحاديث.

وفي الحديث (كه) ٢٥ ـ أصحاب العربية يحرّفون كلام الله عن مواضعه لعل المراد منه القراءات المختلقة اللاتي جاء بها علماء العربية.

والحديث (سا) ٦١ ـ نزل القرآن أرباعا ، و (نج) ٣٥ ـ نزل القرآن اثلاثا سيأتي تفسيرهما في بحث (روايات لا أصل لها).

وسيأتي تفسير أمثال الحديث (نب) ٥٢ ـ لو قرئ القرآن على ما أنزل والحديث (ح) ٨ ـ لو قرئ القرآن كما أنزل في بحث روايات التحريف والتبديل.

والحديث (ط) ٩ ـ كانت فيه اسماء الرجال فالقيت.

والحديث (له) ٣٥ ـ ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه وبعض أحاديثه الأخر كذب الغلاة فيها.

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ١ / ٢٤٩.

١٤١

(٥)

مختلقات واهية

(يد) ١٤ ـ محمد بن العباس ماهيار في تفسيره على ما نقله عنه الشيخ شرف الدين النجفي (١) في تأويل الآيات الباهرة (٢) في سورة زخرف عن محمد بن مخلد الدهان عن علي بن أحمد العريضي بالرقة عن إبراهيم بن علي بن جناح عن الحسن علي بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى علي عليه‌السلام إلى أن قال : قام الصادق عليه‌السلام : ولقد قال عمرو العاص على منبر مصر : محي من كتاب الله الف حرف ، وحرف منه بالف درهم ، وأعطيت ألف درهم على أن يمحى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ، فقالوا : لا يجوز ذلك ، فكيف جاز ذلك لهم ولم يجز لي؟ فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه : قد بلغني ما قلت على منبر مصر ولست هناك.

(كط) ٢٩ ـ محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد عن الحسين قال : حدثني أحمد بن إبراهيم عن عمار عن إبراهيم بن الحسين عن بسطام عن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني عمر بن يزيد عن هشام الجواليقي عن أبي

__________________

(١) الصواب : الأسترآبادي.

(٢) الصواب : الظاهرة. راجع الذريعة ٤ / ٢٤٢ بترجمة تفسير ابن الحجام.

١٤٢

عبد الله عليه‌السلام ، قال : ان لله مدينة خلف البحر سعتها مسير أربعين يوما ، فيها قوم لم يعصوا الله قط ـ إلى أن قال ـ : إذا رأيتهم رأيت الخشوع والاستكانة وطلب ما يقربهم إليه إذا حبسنا ظنوا ان ذلك من سخط يتعاهدون الساعة (١) التي تأتيهم فيها لا يسئمون ولا يفترون ، يتلون كتاب الله كما علمناهم ، وان فيما نعلمهم ما لو تلي على الناس لكفروا به ولا نكروه.

(لو) ٣٦ ـ الثقة الجليل حسين بن سعيد الاهوازي في كتابه على ما نقله عنه في البحار عن أبي الحسن بن عبد الله بن (٢) أبي يعفور قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده نفر من أصحابه فقال لي : يا ابن أبي يعفور هل قرأت القرآن؟ قال : قلت : نعم قرأت هذه القراءة قال : عنها سألتك ليس من غيرها قال : فقلت : نعم جعلت فداك ، ولم؟ قال : لان موسى حدث قومه بحديث لم يحتملوه عنه ، فخرجوا عليه بمصر فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم ولان عيسى حدث قومه بحديث فلم يحتملوه عنه فخرجوا عليه بتكريت فقاتلوه فقاتلهم فقتلهم وهو قول الله عزوجل : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) ، وانه أول قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه فتخرجون عليه بزميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم وهي آخر خارجة تكون .. الخبر.

دراسة الاسناد

أولا ـ الرواية (يد) ـ ١٤ :

١ ـ محمد بن مخلد الدهان.

٢ ـ علي بن أحمد العريضي.

__________________

(١) في الاصل : ساعة تصحيف.

(٢) البحار ٥٢ / ٣٧٥ وفيه ابو الحسن بن عبد الله ، عن ابن أبي يعفور.

١٤٣

٣ ـ إبراهيم بن علي بن جناح.

٤ ـ الحسن بن علي بن محمد : مجهولون لم يعرف حالهم.

ثانيا ـ الرواية (كط) ـ ٢٩ :

قال الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن الصفار ، قمي ، له كتب ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ... وأخبرنا بذلك ـ أيضا ـ جماعة عن ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن رجاله ، إلّا كتاب بصائر الدرجات ، فانه لم يروه عنه ابن الوليد (١).

وفي الذريعة (٣ / ٥٢٥) : ... ويروي عنه ـ أيضا ـ محمد بن الحسن الوليد سائر كتبه غير بصائر الدرجات.

واحمد بن محمد ، من هو؟ أهو السياري؟ ومن هو الحسين؟ ومن عمار؟ وإبراهيم بن الحسين لم يوثق في كتب تراجم الرواة.

ثالثا ـ الرواية (لو) ـ ٣٦ :

مرسلة وفي سندها : أبو الحسن بن عبد الله لم نجد له ذكرا في كتب الرجال.

دراسة المتون

أولا ـ الرواية (يد) ـ ١٤ :

أخرج السيوطي في تفسير سورة «إنا أعطيناك الكوثر» بطرق متعددة انه لما توفي القاسم ابن رسول الله (ص) قال العاص بن الوائل السهمي : قد انقطع نسله ـ نسل رسول الله (ص) ـ فهو أبتر.

فأنزل الله سبحانه :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَ

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٥ / ٢٧٧.

١٤٤

شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).

والرواية المختلقة تشير إلى هذه الواقعة فان عمرو بن العاص هذا كان واليا على مصر من قبل معاوية ، وفي عصر معاوية ومختلق الحديث يزعم ان عمرو العاص قال على منبر مصر : (محي من كتاب الله الف حرف أي ألفه جملة وكل حرف محي بألف درهم وأعطيت ألف درهم على أن يمحى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ـ والتي نزلت في شأن أبيه ـ فقالوا : لا يجوز ذلك فكيف جاز لهم ذلك ولم يجز لي).

بعد أن درسنا مغزى الكلام نسأل المختلق من هم الذين دفعوا لحذف كل مورد من ألف مورد ألف درهم وبلغ مجموعه الف الف درهم؟ ومن الذي أخذ هذه المبالغ ومحا من القرآن ما محا ـ والعياذ بالله؟ وينافي ما في هذه الرواية الواقع التاريخي للقرآن في عصور الخلفاء قبله.

لقد مرّ بنا في بحث أخبار القرآن والسنّة بعد الرسول (ص) من المجلد الثاني من هذا الكتاب ص ١٦٤ انه : لما ولي الخلافة الصحابي القرشي أبو بكر جمع الناس وقال في حديثه معهم : (.. فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه).

أخبار الكتاب والسنّة على عهد الخليفة القرشي عمر

ذكرنا أن الخليفة عمر هو الصحابي الذي رفع ـ حسب اجتهاده ـ بكل صلابة شعار حسبنا كتاب الله في وجه رسول الله (ص) وفي آخر ساعة من حياته وعلى أثر ذلك وقع ما وصفه ابن عم الرسول (ص) عبد الله بن عباس بقوله : (الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب) و (بكى حتّى خضّب دمعه الحصباء) وانه (فلمّا أكثروا اللغط قال رسول

١٤٥

الله (ص) : قوموا عنّي لا ينبغي عند نبي تنازع) (١).

وعمل باجتهاده في عصر خلافته بكل شدة وقوة ورفع شعار : جردوا القرآن عن حديث الرسول ، كما مرّ بنا نقلا عن تاريخ الطبري في ذكر بعض سيرة الخليفة عمر انه كان إذا استعمل العمال خرج يشيعهم ويقول لهم : (جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد وأنا شريككم). وكان من الولاة الذين أوصاهم بذلك.

أ ـ أبو موسى الأشعري : كما رواه الطبري وابن كثير : لما بعث أبا موسى إلى العراق قال له : إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالاحاديث وأنا شريكك في ذلك قال ابن كثير : (وهذا معروف عن عمر) (٢).

ب ـ قرظة بن كعب الذي قال ما موجزه : لما سيرنا عمر إلى العراق خرج يشيعنا وقال لنا ـ خارج المدينة ـ : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله (ص) وأنا شريككم! قال قرضة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله (ص) وكان إذا قالوا له : حدثنا. يقول : نهانا عمر (٣).

__________________

(١) راجع صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، ١ / ٢٢١ ، وكتاب الجزية ، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ٢ / ١٣٦ ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب كراهة الخلاف ٤ / ١٨٠ ، وكتاب المرضى ، باب قول المريض : قوموا عني ٤ / ٥ ، وكتاب المغازي ، باب مرض النبي (ص) ٣ / ٦٢ ، وكتاب الجهاد والسير ، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم ١٢٠٢ ؛ وصحيح مسلم ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية بآخر الباب ، ٥ / ٧٥ وراجع سائر مصادره في أول بحث السقيفة من (عبد الله بن سبأ ج ١).

(٢) تاريخ الطبري بترجمة الخليفة عمر ؛ وتاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٧.

(٣) تذكرة الحفاظ ١ / ٧ ؛ وسنن الدارميّ ١ / ٨٥ ؛ ومستدرك الحاكم ١ / ١٠٢ ؛ وطبقات ـ

١٤٦

ونكّل بصبيغ بن عسل من أشراف قبيلة تميم حيث كان يدور في الأجناد ، الكوفة والبصرة يسأل عن تفسير آيات القرآن حتى بلغ جند الاسكندرية فأخبر والي الاسكندرية عمرو بن العاص الخليفة بذلك فطلب منه إرساله إلى المدينة فلما أخبر الخليفة بوصوله أحضر رطائب من جريد نخل وضربه حتى دمي رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجده ـ ثم تركه حتى برئ ثم عاد حتى اضطربت الدماء في ظهره ثم تركه حتى برئ.

وفي الثالثة قال له صبيغ : إن كنت تريد قتلي ، فاقتلني قتلا جميلا ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت (١).

وأرسله على قتب إلى أبي موسى الأشعري ، وكتب ألّا يجالس صبيغا ، وأن يحرم عطاءه ورزقه.

قال الراوي : فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه.

وفي رواية أخرى : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ، ويجلس وهم لا يعرفونه ، فيناديهم الحلقة الأخرى عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف له بالايمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان شيئا فكتب في ذلك إلى الخليفة فكتب إليه ما أخاله إلّا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم.

في كنز العمال عن عامر الشعبي قال : كتب رجل مصحفا ، وكتب عند كل

__________________

ـ ابن سعد ط. بيروت ٦ / ٧.

(١) سنن الدارمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥ ؛ وتفسير آية (الذاريات) بتفسير القرطبي والإتقان للسيوطي. وقد مرت مصادره مفصلا.

١٤٧

آية تفسيرها ، فدعا به عمر ، فقرضه بالمقراضين (١).

على عهد الخليفة الصحابي عثمان :

أمر بكتابة سبعة مصاحف مجردة عن حديث الرسول (ص) ، ووزعها على أمهات البلاد الإسلامية ، وبحرق ما عداها من مصاحف الصحابة.

فأحرقوا ما تمكنوا من احراقه من مصاحف الصحابة ، ونسخ المسلمون المصاحف في شتى البلاد الإسلامية على النسخ السبع في عصر عثمان والعصور التي كانت بعده وإلى عصرنا الحاضر.

وبناء على ما أوردناه :

أولا ـ لم يكن أهل مصر الاقباط اولئك القرشيين الذين عاصروا نزول الآية ، ليعرفوا شأن نزولها ، ولم تكن لديهم مصاحف قبل عصر عثمان وحرقه مصاحف الصحابة واستنساخه نسخا من القرآن بدون تفسير وتوزيعه على البلاد وهو هذا القرآن الذي بأيدينا ليقول لهم عمرو بن العاص ما نسب إليه ثم ألم يفكّر مختلق الرواية ان عمروا لم يكن ليقول هذا القول على منبر مصر ، لانّه كان يدفع بأهل مصر بقوله ذلك ان يبحثوا عن مغزى كلامه ، ويدركوا بعد ذلك ان الآية نزلت في ذم أب الوالي عمرو إذن لم يكن ليقول ذلك ابن العاص إلّا في ما إذا أراد أن اشتهر عندهم ان الآية نزلت في ذم أبيه!!

ثانيا ـ الرواية (كط) ـ ٢٩ :

لست أدري ولا المنجم يدري أين تقع هذه المدينة التي سعتها مسيرة أربعين يوما أي قريبا من ١٢٠٠ كيلومترا وخلف أي بحر من بحار الأرض تقع!؟

__________________

(١) كنز العمال ط. حيدرآباد سنة ١٣٦٤ ، ٢ / ٢٠٤ ، ح ٣٠٢٣.

١٤٨

ثالثا ـ الرواية (لو) ـ ٣٦ :

لست أدري كيف نسي مختلق الرواية ان بني اسرائيل كانوا مستضعفين في مصر استعبدهم فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وبعد عبورهم البحر الاحمر الى صحاري سيناء وغرق فرعون أصبحوا أحرارا ولم يقاتل أحد منهم نبي الله موسى عليه‌السلام.

وعيسى بن مريم (ع) لم يكن معه إلّا بضعة عشر رجلا من الحواريين ولم يبلغوا أمة يقتل بعضهم بعضا وكانوا يسكنون في فلسطين ومتى جاءوا الى تكريت شمالي بغداد وفي العراق!!

ووصفنا هذه المختلقات بالواهية نسبة الى مختلقات سيف اللاتي درسنا بعضها في مجلدي (عبد الله بن سبأ) و (خمسون ومائة صحابي مختلق) القوية الرصينة.

١٤٩

(٦)

روايات لا أصل لها

(يج) ١٨ ـ الشيخ الطبرسي في (الاحتجاج) قال : جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال له : لو لا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم ، وساق الخبر وهو طويل ، وفيه تسعة مواضع فيها دلالة صريحة على النقصان والتحريف ذكرناها في حال مصحف أمير المؤمنين (ع).

واعلم انه رحمه‌الله قال في أول كتابه : ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار باسناده إمّا لوجود الاجماع عليه أو موافقته لما دلت عليه العقول أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والموالف إلّا ما أوردته عن أبي محمد عليه‌السلام الخ.

وروى هذا الخبر الشيخ الصدوق (ره) في (كتاب التوحيد) عن أحمد الحسن القطان عن أحمد بن يحيى عن بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا أحمد بن يعقوب بن مطر ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن زيد عن عبد الله عن أبي معمر السعداني أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وساق الخبر مع نقصان كثير عما في (الاحتجاج) منه ما يتعلق بنقصان القرآن وتغييره اما لعدم الحاجة إليه كما يفعل ذلك كثيرا فيه وفي سائر كتبه أو لعدم موافقته لمذهبه.

١٥٠

قال المحقق النحرير الشيخ أسد الله الكاظمي في (كشف القناع) في جملة كلام له.

وبالجملة فأمر الصدوق مضطرب جدا ، ولا يحصل من فتواه غالبا علم ولا ظن ، لا يحصل من فتاوى أساطين المتأخرين وكذلك الحال في تصحيحه وترجيحه ، وقد ذكر صاحب (البحار) حديثا عنه في (كتاب التوحيد) عن الدقاق عن الكليني باسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، ثم قال : هذا الخبر مأخوذ من (الكافي) ، وفيه تغييرات عجيبة تورث سوء الظن بالصدوق ، وانه انما فعل ذلك لتوافق مذهب أهل العدل انتهى ، وربما طعن عليه بعض القدماء بمثل ذلك في حديث رواه في العمل في الصوم بالعدد. وهذا عجيب من مثله.

جعلنا هذا الحديث من أدلة الباب الحادي عشر ونضيف إليه مما رواه الشيخ النوري في الدليل الثاني عشر الأحاديث الآتية ثم نجيب عنها باذنه تعالى.

(الف) ٢٠٧ ـ الشيخ الطبرسي في (الاحتجاج) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انه قال للزنديق وأما ظهورك على تناكر قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء يتامى فهو مما قدمت ذكره من اسقاط المنافقين من القرآن وبين قوله في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن. الخبر.

(يو) ٦٥٠ ـ الطبرسي في (الاحتجاج) في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام متناقضات القرآن بزعمه قال (ع) بعد سؤاله عن هذه الآية والكناية عن أسماء ذوي الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وانها من فعل المغيرين المبدلين الذين جعلوا القرآن عضين. الخبر.

(يح) ٧٤٣ ـ احمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج في خبر الزنديق المكرر إليه الاشارة قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله سلام على آل يس ان الله سمى النبي

١٥١

صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الاسم حيث قال : يس (ص) والقرآن الحكيم لعلمه انهم يسقطون سلام على آل محمد كما اسقطوا غيره.

كانت الاخبار الاربعة الآنفة ما تلاعب بها الطبرسي صاحب الاحتجاج دون أن يذكر لنا سندا.

والصحيح ما أخرجه الشيخ الأقدم الصدوق (ره) بكتاب التوحيد في باب الردّ على الثنويّة والزنادقة وقال :

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدّثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر عبد الله بن حبيب ، قال : حدّثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدّثنا محمد بن الحسن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيدة عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إنّي قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له عليه‌السلام : ثكلتك امّك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟ قال : لأني وجدت الكتاب يكذّب بعضه بعضا ، فكيف لا أشك فيه؟

فقال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : إنّ كتاب الله ليصدّق بعضه بعضا ولا يكذّب بعضه بعضا ، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عزوجل. قال له الرجل ، إني وجدت الله يقول : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) وقال أيضا : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) وقال : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا). فمرّة يخبر أنّه ينسى ، ومرّة يخبر أنّه لا ينسى ، فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين.

قال : هات ما شككت فيه أيضا قال : وأجد الله يقول : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) وقال : «واستنطقوا فقالوا والله ربّنا ما كنّا مشركين» وقال : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) وقال : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وقال :

١٥٢

(لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) وقال : (نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) فمرّة يخبر أنّهم يتكلمون ، ومرّة يخبر أنّهم لا يتكلمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، ومرّة يخبر أنّ الخلق لا ينطقون ، ويقول عن مقالتهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ومرّة يخبر أنّهم يختصمون ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله عزوجل يقول : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ويقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ويقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) ويقول : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ومن أدركه الابصار فقد أحاط به العلم ، فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال : هات أيضا ، ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) وقال : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وقال : (وَناداهُما رَبُّهُما) وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ) وقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله جلّ ثناؤه يقول : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) وقد يسمّى الانسان سميعا بصيرا وملكا وربّا فمرّة يخبر بأنّ له أسامي كثيرة مشتركة ، ومرّة يقول : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وجدت الله تبارك وتعالى يقول : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ). ويقول : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ). ويقول : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ

١٥٣

لَمَحْجُوبُونَ). كيف ينظر إليهم من يحجب عنهم وأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله عزوجل يقول : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) وقال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وقال : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) وقال : (وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) وقال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وقال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات أيضا ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله جلّ ثناؤه يقول : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) وقال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ) وقال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) فمرّة يقول : «يوم يأتي ربّك» ومرّة يقول : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع.

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله جلّ جلاله يقول : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) وذكر المؤمنين فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) وقال : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) وقال : (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) وقال : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) فمرّة يخبر أنّهم يلقونه ، ومرّة : «أنّه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الابصار» ، ومرّة يقول : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله تبارك وتعالى يقول : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها). وقال : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ

١٥٤

الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) وقال : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) فمرّة يخبر أنّهم يظنون ومرّة يخبر أنّهم يعلمون ، والظن شك فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات ما شككت فيه ، قال : وأجد الله تعالى يقول : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) وقال : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) وقال : (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) وقال : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشكّ فيما تسمع.

قال : هات ويحك ما شككت فيه ، قال : وأجد الله تعالى يقول : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) وقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وقال : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) وقال : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) وقال : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع ، وقد هلكت إن لم ترحمني وتشرح لي صدري فيما عسى أن يجري ذلك على يديك ، فإن كان الرّبّ تبارك وتعالى حقّا والكتاب حقّا والرّسل حقّا فقد هلكت وخسرت ، وإن تكن الرّسل باطلا فما عليّ بأس وقد نجوت.

فقال عليّ عليه‌السلام : قدوس ربّنا قدوس تبارك وتعالى علوا كبيرا ، نشهد أنّه هو الدائم الّذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأنّ الكتاب حقّ والرّسل حقّ ، وأنّ الثواب والعقاب حقّ ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإنّ ذلك بيد الله ، إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك ، ولكن سأعلّمك ما شككت فيه ، ولا قوّة إلّا بالله ، فإن أراد الله بك خيرا أعلمك بعلمه وثبّتك ، وإن يكن شرا ظللت وهلكت.

١٥٥

أمّا قوله : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) إنّما يعني نسوا الله في دار الدّنيا ، لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عزوجل : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) يعني بالنسيان أنّه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الّذين كانوا في دار الدّنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب ، وأمّا قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فإن ربّنا تبارك وتعالى علوّا كبيرا ليس بالذي ينسى ولا يغفل بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان : قد نسينا فلان فلا يذكرنا أي أنّه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ، فهل فهمت ما ذكر الله عزوجل قال : نعم ، فرّجت عنّي فرّج الله عنك وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك.

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) وقوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وقوله : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) وقوله : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وقوله : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) وقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) فإنّ ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ، يجمع الله عزوجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ، ويكلّم بعضهم بعضا ويستغفر بعضهم لبعض ، اولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدّنيا للرؤساء والاتباع ، ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدّنيا ، المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا. والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) وقول إبراهيم خليل الرّحمن : (كَفَرْنا بِكُمْ) يعني تبرأنا منكم ، ثمّ يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه فلو أنّ تلك الأصوات بدت لأهل

١٥٦

الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معايشهم ، ولتصدّعت قلوبهم إلّا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدّم ، ثمّ يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكلّ معصية كانت منهم ، ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عزوجل : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) فيستنطقون فلا يتكلمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، فيقول الرّسل صلّى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن فذلك قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد (ص) وهو المقام المحمود ، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثمّ يثني على الملائكة كلّهم فلا يبقى ملك إلّا أثنى عليه محمد (ص) ثمّ يثني على الرّسل بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثمّ يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصدّيقين والشهداء ثمّ بالصالحين ، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظّ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظّ ولا نصيب ، ثمّ يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كلّه قبل الحساب ، فإذا اخذ في الحساب شغل كلّ إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم ، قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك يا أمير المؤمنين وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك.

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله عزوجل : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) وقوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) وقوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فأمّا قوله :

١٥٧

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فإنّ ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عزوجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمّى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقا فيذهب عنهم كلّ قذى ووعث ثمّ يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربّهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنّة ، فذلك قوله عزوجل من تسليم الملائكة عليهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنّة والنظر إلى ما وعدهم ربّهم فذلك قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وإنّما يعني بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وأمّا قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) ، فهو كما قال : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) يعني لا تحيط به الاوهام (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير ، وذلك مدح امتدح به ربّنا نفسه تبارك وتعالى وتقدّس علوّا كبيرا ، وقد سأل موسى عليه‌السلام وجرى على لسانه من حمد الله عزوجل (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب ، فقال الله تبارك وتعالى : (لَنْ تَرانِي) في الدّنيا حتّى تموت فتراني في الآخرة (وَلكِنِ) إن أردت أن تراني في الدّنيا فانظر (إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) فأبدى الله سبحانه بعض آياته وتجلّى ربّنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثمّ أحياه الله وبعثه وتاب عليه ، فقال : (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أوّل مؤمن آمن بك منهم أنّه لن يراك ، وأمّا قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) يعني محمد (ص) كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله وقوله في آخر الآية : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) رأى جبرئيل (ع) في صورته مرّتين هذه المرّة ومرّة أخرى وذلك أن خلق جبرئيل عظيم ، فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلّا الله ربّ العالمين.

وأمّا قوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً

١٥٨

يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) لا يحيط الخلائق بالله عزوجل علما إذ هو تبارك وتعالى جعل على أبصار القلوب الغطاء ، فلا فهم يناله بالكيف ، ولا قلب يثبته بالحدود ، فلا يصفه إلّا كما وصف نفسه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، الأول والآخر والظاهر والباطن ، الخالق البارئ المصوّر ، خلق الاشياء فليس من الاشياء شيء مثله تبارك وتعالى ، فقال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك وحللت عنّي عقدة فأعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) وقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وقوله : (وَناداهُما رَبُّهُما) وقوله : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فأمّا قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) فإنّه ما ينبغي لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا وليس بكائن إلّا من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، كذلك قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا ، قد كان الرّسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسل السماء رسل الارض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الارض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء ، وقد قال رسول الله (ص) : يا جبرئيل هل رأيت ربّك؟ فقال جبرئيل : إنّ ربّي لا يرى ، فقال رسول الله (ص) : فمن أين تأخذ الوحي؟ فقال : من إسرافيل فقال : ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الرّوحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال : يقذف في قلبه قذفا ، فهذا وحي ، وهو كلام الله عزوجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلّم الله به الرّسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرّسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ ، فهو كلام الله ، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله ، فإنّ معنى كلام الله ليس بنحو واحد فإنّ منه ما يبلغ به رسل السماء رسل الأرض ، قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

١٥٩

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فإنّ تأويله هل تعلم أحدا اسمه الله غير الله تبارك وتعالى ، فإيّاك أن تفسّر القرآن برأيك حتّى تفقهه عن العلماء ، فإنّه ربّ تنزيل يشبه كلام البشر وهو كلام الله ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيء من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر ، فكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبّه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضلّ ، قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك ، وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك يا أمير المؤمنين.

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، كذلك ربّنا لا يعزب عنه شيء ، وكيف يكون من خلق الأشياء لا يعلم ما خلق وهو الخلّاق العليم. وأمّا قوله : (لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يخبر أنه لا يصيبهم بخير ، وقد تقول العرب : والله ما ينظر إلينا فلان ، وإنّما يعنون بذلك أنّه لا يصيبنا منه بخير ، فذلك النظر هاهنا من الله تعالى إلى خلقه ، فنظره إليهم رحمة منه لهم ، وأمّا قوله : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) فإنّما يعني بذلك يوم القيامة أنّهم عن ثواب ربّهم محجوبون. قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك وحللت عنّي عقدة فعظّم الله أجرك.

فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) وقوله : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) فكذلك الله تبارك وتعالى سبّوحا قدّوسا ، تعالى أن يجري منه ما يجري من المخلوقين وهو اللطيف الخبير ، وأجلّ وأكبر أن ينزل به شيء ممّا ينزل بخلقه وهو على العرش استوى علمه ، شاهد لكل نجوى ، وهو الوكيل على كلّ شيء ، والميسر لكلّ شيء ، والمدبّر للأشياء كلّها ، تعالى الله عن أن

١٦٠