القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

اختلاف مدرسة الخلفاء في وجوب قراءة البسملة أو عدمه ، وفي الجهر بها أو عدمه.

فقد قال الشافعي : إنّها آية من أوّل سورة الفاتحة ويجب قراءتها معها.

وقال مالك والأوزاعي : انّه ليس من القرآن ولا يقرأ لا سرّا ولا جهرا إلّا في قيام شهر رمضان.

وقال أبو حنيفة : تقرأ ويسرّ بها ، ولم يقل : إنّها آية من السورة أم لا. قال يعلى : سألت محمّد بن الحسن عن (بِسْمِ اللهِ ...) فقال ما بين الدفتين قرآن ، قال : قلت فلم تسرّه ـ أي تقرأه سرّا ـ قال فلم يجبني (١).

ثالث عشر ـ أسّ العلل في ما روي مناقضا لروايات وجوب قراءة البسملة :

لكلّ الأحاديث الّتي رويت مناقضة لروايات وجوب قراءة البسملة علل تكشف عدم صحّتها. وقد أفاض القول في دراية أحاديث البسملة كلّ من البيهقي في سننه والحاكم في مستدركه والرازي في تفسيره كلّ واحد منهم تحدّث باسلوبه الخاصّ به. وأشار إليها الذهبي في تلخيص المستدرك. وأقام الشافعي الدليل على ما اختاره في كتابه الأم.

وإذا بحثنا عن منشأ اختلاف الروايات في قراءة البسملة ، أدركنا بعد دراسة بعض الملابسات الّتي حصلت في قراءتها ، أسّ علل الروايات المناقضة للروايات المتواترة في وجوب قراءتها كالآتي :

__________________

(١) راجع أقوال العلماء المذكورين في بحوث من تفسير الرازي ١ / ١٩٤ ؛ وكتاب الام للشافعي ١ / ١٠٧ ؛ ومختصر المزني ، ص ١٤ ؛ والعدّة للصنعاني ٢ / ٤١٠ ؛ والإتقان في علوم القرآن ، طبعة بيروت ١ / ٧٨ و ٧٩ ؛ والبيان للسيّد الخوئي ، ط. ٣ ، ص ٤٦٧ ـ ٤٦٨ و ٥٥٢ ؛ والمنتقى ١ / ١٥١ ؛ وسبل السلام في شرح بلوغ المرام للكحلاني ١ / ١٧٢.

٦١

رابع عشر ـ منشأ تناقض الروايات في البسملة :

أ ـ روى الشافعي في الأم والحاكم في المستدرك بسندين والبيهقي في سننه بثلاثة أسانيد ، وتبعهم الرازي والسيوطي في تفسيريهما ، عن أنس بن مالك واللّفظ للحاكم :

(أنّ أنس بن مالك قال : صلّى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة ، فقرأ فيها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) لأمّ القرآن ولم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) للسورة الّتي بعدها حتّى قضى تلك القراءة ، فلمّا سلّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كلّ مكان : يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) للسورة الّتي بعد أمّ القرآن وكبّر حين يهوي ساجدا. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ...).

قال الحاكم ـ أيضا ـ : وهو علّة لحديث شعبة وغيره من قتادة على علو قدره ، يدلّس ويأخذ عن كلّ أحد وإن كان قد ادخل في الصحيح حديث قتادة ، فإنّ في ضدّه شواهد ، أحدها ما ذكرناه ، ومنها ... ، ثمّ ذكر الأحاديث الّتي رواها في قراءة البسملة والّتي ذكرناها سابقا.

وقد أيّد الذهبي قول الحاكم في قتادة وقال : (فإنّ قتادة يدلّس).

وقال الرازي بعد ذكر الحديث :

وهذا الخبر يدلّ على إجماع الصحابة (رضي الله عنهم) على أنّه من القرآن ومن الفاتحة وعلى أنّ الأولى الجهر بها (١).

ب ـ روى البيهقي بثلاثة أسانيد والشافعي بسندين عن عبد الله بن عثمان ابن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه : أنّ معاوية قدم المدينة فصلّى

__________________

(١) الام للشافعي ١ / ١٠٨ ؛ ومستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي ١ / ٢٣٣ ؛ وسنن البيهقي ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ؛ وتفسير الرازي ١ / ١٩٨ و ١٩٩ ؛ والدرّ المنثور ١ / ٨.

٦٢

بهم فلم يقرأ ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع ، فناداه المهاجرون حين سلّم والأنصار : أن يا معاوية! سرقت صلاتك ، أين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ وأين التكبير إذا خفضت ورفعت؟ فصلّى بهم صلاة اخرى فقال ذلك فيها الّذي عابوا عليه (١).

الصّلاة الّتي لم يقرأ فيها معاوية البسملة

قال عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد : أنّ معاوية صلّى بالمدينة للناس العتمة ، فلم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فلمّا انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار ، فقالوا : يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ أين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ... الحديث (٢).

دراسة الخبر وما أنتج :

إنّ هذا الخبر يوضّح لنا ما غمض من بعض الروايات الّتي سبق إيرادها ، منها قول ابن الزّبير : (ما يمنعهم منها إلّا الكبر).

وقول ابن شهاب : (أوّل من قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) سرّا بالمدينة

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ / ٤٩ ـ ٥٠ ؛ والشافعي في الامّ ١ / ١٠٨.

وإسماعيل بن عبيد بن رفاعة الأنصاري الزرقي المدني ، قال ابن حجر في لسان الميزان ٦ / ٥٠٩ : ما علمت روى عنه سوى ابن خثيم. وعبد الله بن عثمان بن خثيم القارئ المكّي ، وثّقه يحيى بن معين والعجلي. لسان الميزان ٦ / ٨٢٤. ترتيب مسند الإمام الشافعي ١ / ٨٠ ؛ سنن البيهقي ٢ / ٤٢ ـ ٤٤ ؛ مستدرك الحاكم ١ / ٢٣١ ، ٢٣٢ ؛ كنز العمال ٤ / ٣٠ ؛ تفسير الزمخشري ، تفسير سورة الحمد.

(٢) المصنف لعبد الرزّاق ٢ / ٩٢ ؛ وراجع كنز العمال ، ج ٤ ، الحديث ٤٤٩٤. وعتمة الليل : ظلامه ، ظلام أوّله بعد زوال نور الشفق ، يقصد أنّه صلّى المغرب وهي جهرية فلم يقرأ بها البسملة.

٦٣

عمرو بن سعيد بن العاص وكان رجلا حييا) (١).

لست أدري ممّ حياؤه في الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية الّتي يقرأ فيها الحمد والسورة جهرا؟ لعلّه الحياء من معاوية وعصبة الأمويين أن يجهر بها مع ما بدر من معاوية من عدم قراءتها ، والحياء من المهاجرين والأنصار أن يترك قراءتها.

ومنها قول ابن عباس كما نقله السيوطي في الإتقان ، قال :

أخرج ابن خزيمة والبيهقي في المعرفة بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : استرق الشيطان من الناس أعم آية من القرآن : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢).

وفي لفظ البيهقي في السنن : إنّ الشيطان استرق من أهل القرآن أعظم آية في القرآن (٣).

وقال يحيى بن جعدة : (قد اختلس الشيطان من الأئمّة آية بسم الله ...) (٤).

وكان الزهري يفتتح ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويقول آية من كتاب

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ١ / ١١٠ وحذف الذهبي جملة : (وكان رجلا حييا).

(٢) الإتقان ١ / ٨٠ ، وقال في الدرّ المنثور ١ / ٧ ؛ وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس ... الحديث.

وسعيد بن منصور بن شعبة الخراساني ، الحافظ ، أبو عثمان ، من تآليفه : تفسير القرآن ، السنن في الحديث (ت : ٢٢٧ ه‍).

تذكرة الحفاظ ١ / ٤١٦ ؛ وهدية العارفين ١ / ٣٨٨.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ٥٠ ؛ وراجع قول مجاهد في مصنف عبد الرزّاق ٢ / ٩٢.

(٤) المصنف لعبد الرزّاق ٢ / ٩١.

ويحيى بن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، ثقة ، من الطبقة الوسطى من التابعين. أخرج حديثه أبو داود والنّسائي وابن ماجة والترمذي في الشمائل. تقريب التهذيب ٢ / ٣٤٤.

٦٤

الله تعالى تركها الناس (١).

يقصدون من سرقة الشيطان البسملة واختلاسه إيّاها ، ترك الناس إيّاها في الصلاة.

* * *

إذا جمعنا الروايات في البسملة وأخبارها ، بعضها إلى بعض ، نرى فيها مصداق قول ابن عباس كالآتي :

كان المسلمون في الحرمين الشريفين مذ عصر الرسول (ص) حتّى خلافة معاوية يقرءون البسملة مع السور ، كما يكتبونها كذلك في المصاحف ، وكان معاوية لا يقرأها مع السورة في الصلاة وهو خليفة المسلمين بالشام ، فلمّا جاء إلى المدينة وأمّ المهاجرين والأنصار بمسجد الرسول (ص) تركها في الصلاة على عادته ، فناداه من سمعه من المهاجرين والأنصار من كلّ مكان أسرقت الصلاة أم نسيت؟ فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ البسملة للسورة وكان ذلك في المدينة ، ويظهر من استعراض الأخبار أنّه عاد إلى تركها في صلاته بالشام وتبعه على ذلك الخلفاء من آل اميّة من بعده.

ويقول ابن الزّبير في وصف فعلهم : (ما يمنعهم إلّا الكبر) ، ويقول ابن عمر محتجّا عليهم (لم كتبت في المصحف إن لم تقرأ) ، ويستمر على قراءتها أهل الحرمين فلمّا ولي عمرو بن سعيد بن العاص الأموي ، الحرمين ، كان أوّل من قرأها سرّا في المدينة ، راعى في قراءته كرامة معاوية من جانب ورأي المهاجرين والأنصار والتابعين من جانب آخر. ثمّ قويت شوكة الأمويين بعد قتل منافسهم ابن الزّبير بمكّة. ورويت بعض الأحاديث تأييدا لمعاوية وصونا

__________________

(١) وكان يقول : من سنّة الصلاة أن يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم ثمّ فاتحة الكتاب ثمّ بسم الله الرّحمن الرّحيم ثمّ سورة. تذكرة الحفاظ ١ / ١١٠ ؛ ومصنف عبد الرزّاق ٢ / ٩١.

٦٥

لكرامته. واختلف المسلمون بمدرسة الخلفاء بعد ذلك ، فمنهم من يقرأها ، ومنهم من اتبع سنّة معاوية واجتهاده وترك قراءتها سواء من كان منهم في الحرمين الشريفين أم في غيرهما.

خامس عشر ـ هل يتيسر الرجوع إلى القرآن الكريم دون الحديث؟

قد تبعث موارد من تلكم الروايات المتناقضة بعض المصلحين ليرفع عقيرته مناديا بالدعوة للرجوع إلى القرآن الكريم وحده دون الرجوع إلى الأحاديث النبويّة الشريفة المختلفة حرصا منه على حفظ وحدة المسلمين ، وغيرة منه محمودة للحفاظ على مصلحة المسلمين. ولست أدري بما ذا ينصح اولئك المصلحون في أمثال روايات البسملة والّتي تخصّ تلاوة القرآن الكريم نفسه كما أنزله الله!؟

ثمّ انّ الاختلاف في شأن البسملة قد وقع بين المسلمين على أي حال فمنهم من يجهر بها في تلاوة سورة الفاتحة في الصلاة الجهرية ومنهم من يتركها فيها وكلتا القراءتين تنشران على العالم بواسطة إذاعات البلاد الإسلامية. إذا فلا جدوى في ترك البحث عن الصحيح من الروايات المتناقضة حرصا على حفظ الوحدة بين المسلمين. ثمّ إنّه لا يمكن الاقتصار على القرآن الكريم وحده وهو مساوق للقول بترك فهم الإسلام لأنّ الله سبحانه جعل بيان القرآن للناس في أحاديث الرسول (ص) وقال : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النّحل / ٤٤) ، فلا بدّ لنا إذا من القيام بتمحيص سنّة الرسول للتمسّك بالصحيح منها وترك المدسوس فيها.

وفي صدد تمحيص سنّة الرسول ومعرفة الصحيح من رواياتها عن الضعيف منها ، ركن علماء مدرسة الخلفاء إلى ما ارتآه الشيخان البخاري ومسلم في ذلك وقلّدوهما في هذا الأمر وقالوا بصحّة جميع الروايات الّتي جاءت في

٦٦

الصحيحين ، وقد مرّ بنا ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن أنس من أنّه قال :

صلّيت خلف النبيّ (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله ربّ العالمين لا يذكرون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وجاء فيها ـ أيضا ـ عن أنس وغيره انّ الرسول (ص) والخلفاء كانوا يجهرون بقراءة البسملة في سورة الحمد من الصلاة الجهرية. والمجموعتان من الروايتين متناقضتان ولا يمكن أن توصف كلتاهما بالصحّة ، فلا بدّ إذا من البحث عن ميزان آخر لمعرفة الصحيحة منهما للعمل بموجبها وترك المجموعة الأخرى ، ونقترح في مثل هذه الموارد أن ندرس المجتمع الّذي روي فيه الحديث ، أي طرفي الزمان والمكان للحديث مع تجرّد علمي بحت ، فإنّه ينير لنا السبيل للقيام بتمحيص سنّة الرسول (ص).

وإذا عملنا بهذا الاقتراح ، رأينا أنّ المجتمع في المدينة في عصر الصحابة يناسب المجموعة الاولى من الأحاديث ؛ لأنّ ضجة المصلّين في مسجد الرسول (ص) على خليفة المسلمين معاوية ، تتناسب مع رؤيتهم الرسول والخلفاء من بعده وهم يجهرون بالبسملة في صلواتهم ، ولمّا خالف معاوية من سبقه في ذلك جابهوه مرّتين بذلك الاستنكار الشديد ، ولا يصدق عكسه أي : أن يكونوا صلّوا خلف رسول الله (ص) والخلفاء من بعده وسمعوهم يقرءون الفاتحة دون البسملة ومع ذلك جابهوا خليفتهم بالاستنكار ، فلا بدّ إذا أن نقول : إنّ روايات المجموعة الثانية لم تكن قد رويت في عصر الصحابة في المدينة بل رويت بعد واقعة عدم قراءة معاوية البسملة في الصلاة في مسجد الرسول (ص) وفضح صحابة الرسول (ص) إيّاه ، ولا يناسب المدينة أن تكون مكان اختلاق تلكم الروايات في عصر الصحابة الّذين جهروا باستنكارهم على الخليفة عدم قراءتها.

إذا فانّه ينبغي القول بأنّ تلكم الروايات رويت بادئ بدء خارج المدينة وفي الشام ـ مثلا ـ واسندت روايتها إلى الصحابة وانتقلت روايتها بعد عصر

٦٧

الصحابة إلى المدينة وغيرها من البلاد الإسلامية وكل ذلك كان في عصر بني اميّة ، وأصبحت تقابل الروايات الصحيحة منذ ذلك العصر حتى العصر الحاضر.

وفي هذا المقام يوجّه إلينا السؤال الآتي : كيف لم يتعلّم معاوية ما علمه صحابة الرسول في قراءة البسملة؟ والجواب : إنّ معاوية لم يكن من المهاجرين الأوّلين ولا من السابقين إلى الإيمان من الأنصار بل بقي مشركا إلى ما بعد فتح مكّة ، ولمّا أسلم أبوه أبو سفيان بعد فتح مكّة أنشد شعرا يعيّره على إسلامه ، وقال :

يا صخر لا تسلمن فتفضحنا

بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا

وبعد غزوة حنين أعطاه الرسول (ص) سهم المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين بتألف قلبه على الإسلام ، وتدل سيرته مع الرسول (ص) بعد ذلك أنّه كان غير آبه بالإسلام ليتعلمه ، وبعد الرسول (ص) لم يمكث كثيرا في المدينة فقد أرسله الخليفة الأوّل مع أوّل جيش بعثه لغزو الشام.

ومن أجل معرفة سيرة معاوية بعد اسلامه في عصر الرسول (ص) وبعده ينبغي قراءة فصل (مع معاوية) من المجلّد الأوّل من كتابنا : «أحاديث امّ المؤمنين عائشة» فانّه يدفع الاستغراب في هذا الشأن.

وفي ختام البحث نذكر من روايات البسملة ما نرى أنّها ـ أيضا ـ وضعت للدفاع عن الخليفة الأموي كالآتي :

رواية اخرى مفتراة في شأن البسملة :

روى ابن سعد وغيره واللفظ لابن سعد بسنده عن الشعبي أنّه قال :

كان رسول الله (ص) يكتب كما تكتب قريش : (باسمك اللهمّ) حتّى نزلت عليه : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) فكتب : (بسم الله) حتّى نزلت

٦٨

عليه : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فكتب : (بسم الله الرّحمن) حتّى نزلت عليه : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فكتب : (بسم الله الرّحمن الرّحيم) (١).

هكذا جاء الخبر في هذه الرواية وإذا رجعنا إلى سيرة الرسول (ص) ، وجدنا مكاتباته كانت في المدينة وبعد تشكيله الحكومة الإسلامية في حين انّ (ارْكَبُوا فِيها ...) جاءت في الآية ٤١ من سورة هود و (قُلِ ادْعُوا اللهَ ...) في الآية ١١٠ من الإسراء و (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ...) في الآية ٣٠ من النمل والسور الثلاث مكّية.

وبذلك ثبت اختلاق الرواية ، وليس لنا بعد ذلك أن نلقي تبعة الأمر على الشعبي بدليل انّه كان يحتطب بحبال بني اميّة ولا على من روى عنه ، ولكنّنا نقول : انّ هذا الحديث يشبه الأحاديث الّتي وضعتها الزنادقة موافقة لمصلحة السلطة بقصد تخريب الإسلام لأنّها تحقق الغايتين كالآتي :

أ ـ الدفاع عن الخليفة الأموي معاوية فانّها تثبت بصورة غير مباشرة أنّ البسملة لم تنزل في أوّل كل سورة لكي لا يكون عدم قراءة معاوية إيّاها في صلاته منقصة له.

ب ـ زعزعة الثقة بالنص القرآني عن طريق التشكيك بنزول البسملة أوّل كل سورة مع أنّها مدونة أوّل كلّ سورة عدا سورة براءة ، وسوف ندرس غاية الزنادقة من وضع الأحاديث في ما يأتي إن شاء الله تعالى.

ونرى ـ أيضا ـ انّ ما رواه الصحابي أبو هريرة من نسيان الرسول (ص)

__________________

(١) طبقات ابن سعد ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ؛ والتنبيه والاشراف للمسعودي ، ص ٢٢٥ ؛ وراجع كنز العمال ٥ / ٢٤٤ ، وط. الثانية ٢ / ١٩٠ ؛ ومصنف عبد الرزّاق ٢ / ٩١ ؛ والسيرة الحلبية ٣ / ٢٤٤ ؛ والعقد الفريد ٣ / ٤ ؛ وتفسير روح المعاني ١ / ٣٧.

٦٩

ركعتين من الصلاة كان احتسابا للخير ودفاعا عن الخليفة معاوية في ادّعائه نسيان البسملة (١).

وأخيرا نستطيع أن نعرف سنّة الرسول (ص) الصحيحة بعرض المجموعتين من الأحاديث المتناقضة على كتاب الله الّذي بأيدينا والّذي ورثه المسلمون خلفا عن سلف عمّن كتبه في عصر الرسول (ص) وبارشاده ، ونأخذ منها ما وافق النص القرآني المكتوب ونطرح ما خالفه. وإذا فعلنا ذلك وجدنا أنّ البسملة دوّنت في أوّل كلّ سورة من القرآن عدا سورة براءة وأنّ المسلمين كافة عند ما يتلون أيّة سورة على المصحف يبدءون بقراءة البسملة عدا سورة براءة ، ونستدل من ذلك انّ الروايات الّتي ذكرت أنّ الرسول (ص) وأصحابه كانوا يبدءون قراءة السور في الصلاة بالبسملة هي الروايات الصحيحة والمبينة لسنّة الرسول (ص) الصحيحة ونطرح الروايات الّتي خالفتها.

وبناء على ما ذكرنا لا بدّ لنا من دراسة متون الأحاديث ـ أيضا ـ مثلا : ندرس مع دراسة السند تناسب الخبر المروي مع زمان الخبر ، فإذا روي لنا أنّ الرسول (ص) أرسل ابن عمّه عليّا إلى المدينة ، وأمره أن لا يدع بها وثنا إلّا كسره ولا قبرا إلّا سوّاه ولا صورة إلّا لطخها ، فذهب وامتثل أمر الرسول (ص) ، نعلم أنّ علّة هذا الحديث مع فرض صحّة سنده أنّه لا يصدق مع الزمان الّذي كان الرسول (ص) فيه بمكّة ، ولا الزمان الّذي كان فيه في المدينة ، كما بحثنا شأنه مفصلا في الجزء الأوّل من كتاب معالم المدرستين (٢).

وأحيانا نجد ملابسات اخرى تيسر لنا معرفة شأن الحديث كما وجدناه

__________________

(١) راجع بحث سهو النبيّ (ص) عن ركعتين من كتاب (أبو هريرة) لآية الله شرف الدين.

(٢) راجع معالم المدرستين ١ / ٦٧ ـ ٦٨ من الطبعة الرابعة ، بحث الخلاف حول البناء على قبور الأنبياء.

٧٠

في خبر ترك خليفة المسلمين معاوية البسملة في مسجد الرسول (ص) وما تبعه من ملابسات ، وأحيانا نجد أدلّة اخرى تنير لنا السبيل لتشخيص سنّة الرسول (ص) الصحيحة.

نتيجة البحث :

تواترت الروايات الصحيحة بأنّ البسملة كانت تنزل في ابتداء كل سورة من القرآن ، وأنّ الرسول (ص) والخلفاء كانوا يقرءونها جهرا في السورتين من الصلاة ، غير أنّ معاوية كان لا يقرأها في الصلاة ، ولمّا اعترض عليه الصحابة في مسجد الرسول (ص) قال : نسيتها. ويظهر أنّه ترك قراءتها عند ما عاد إلى مقر خلافته الشام وتبعه على ذلك عمّاله ، مثل والي المدينة. ثمّ رويت روايات نسبت إلى رسول الله (ص) أنّ الرسول (ص) لم يقرأها في الصلوات و ـ أيضا ـ رويت روايات اخرى للدفاع عن الخليفة مثل رواية أبي هريرة نسيان الرسول (ص) ركعتين من الصلاة وأمثالها ، ونرى أنّ كل تلكم الروايات رويت احتسابا للخير ودفاعا عن كرامة خليفة المسلمين معاوية.

والأنكى من ذلك ما وجدنا في روايات البسملة من أنّ الرسول (ص) كان يقتدي في كتابة باسمك اللهمّ في كتبه وانّه تدرج في كتابة البسملة مع نزول البسملة متدرجا حتّى كمل نزولها في سورة النمل ، ومدلول هذه الرواية أنّ البسملة لم تنزل في بدء أيّة سورة من القرآن.

وأنتج كلّ ذلك وجود روايات متناقضة في شأن قراءة البسملة ، ولم ينحصر الأمر في اختلاق الروايات في أمر القرآن بتلك الروايات وإنّما رويت روايات اخرى مختلفة في شأن جمع القرآن كما ندرس بعضها في البحث الآتي ، إن شاء الله تعالى.

٧١
٧٢

البحث الثالث

روايات جمع القرآن وتناقضها

١ ـ تناقض روايات جمع القرآن

٢ ـ مناقشة روايات جمع القرآن استنادا إلى ما جاء فيها

٣ ـ محاولة العلماء رفع تناقض الروايات بعضها مع بعض

٧٣
٧٤

تناقض روايات جمع القرآن واستدلال الشيخ النوري بها

إنّ أوّل ما استدلّ به المحدّث النوري في فصل الخطاب على مدّعاه بعد الدليل الأوّل روايات جمع القرآن وما فيها من تناقض (١).

ونحن نرجع إلى مصادرها ، وننقل موجز الروايات منها ، ثمّ ندرسها بحوله تعالى.

أحاديث جمع القرآن :

من قال : أوّل من جمع القرآن أبو بكر

١ ـ رووا عن الإمام عليّ (٢) ، وعبد خير (٣) ، ولفظ الحديث للثاني ، قال : أوّل من جمع كتاب الله بين اللوحين أبو بكر.

٢ ـ وقد أخرج ابن أشتة في المصاحف ، عن الليث بن سعد وقال :

(أوّل من جمع القرآن أبو بكر ، وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت ، فكان لا يكتب آية إلّا بشهادة عدلين.

وإنّ آخر سورة (براءة) لم توجد إلّا مع خزيمة بن ثابت ، فقال : اكتبوها ، فإنّ رسول الله (ص) جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب.

__________________

(١) فصل الخطاب ، ص ٩ ـ ١٣.

(٢) المصاحف لابن أبي داود ١ / ٥ ـ ٦ ، باب جمع القرآن بأسانيد متعددة ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٦٢ ، ط. الهند ؛ ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٢ / ٤٤ ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٨٩.

(٣) المصاحف ١ / ٥ ـ ٦. وعبد خير بن يزيد الهمداني ، مرّت ترجمته في ص ٥٤ من هذا الكتاب.

٧٥

وإنّ عمر أتى بآية الرجم ، فلم نكتبها لأنّه كان وحده) (١).

٣ ـ في صحيح البخاري :

روى زيد بن ثابت ، قال : (أرسل إليّ أبو بكر ، مقتل أهل اليمامة (٢) ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر : إنّ عمر أتاني ، فقال : إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن ، فيذهب كثير من القرآن ، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن.

قلت لعمر : كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله (ص)؟

قال عمر : هذا والله خير.

فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر.

قال زيد : قال أبو بكر : إنّك رجل شابّ عاقل لا نتّهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) ، فتتبع القرآن فاجمعه.

فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ ممّا أمرني به من جمع القرآن.

قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله (ص)؟

قال : هو والله خير ، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للّذي

__________________

(١) في الإتقان النوع الثامن عشر ، ١ / ٦٠. والليث بن سعد بن عبد الرّحمن الفهمي ، أبو الحارث ، المصري ، ثقة ، ثبت ، فقيه ، مشهور ، أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت : ١٧٥ ه‍). تذكرة الحفاظ ص ٢٢٤.

(٢) اليمامة : بلاد وسط الجزيرة العربية من مقاطعات نجد وهي اليوم واحة في المملكة العربية السعودية تدعى العارض ، ويوم اليمامة كان في السنة الثانية عشرة للهجرة يوم قاتل المسلمون مسيلمة المتنبّئ الكذاب وقومه بني حنيفة وغلبوهم.

٧٦

شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ، واللخاف ، وصدور الرجال ، حتّى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع غيره : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (التوبة / ١٢٨ ، ١٢٩) ، حتّى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفاه الله ، ثمّ عند عمر حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر (١).

وفي لفظ آخر للبخاري وسنن الترمذي : فوجدت آخر سورة براءة ـ التوبة ـ مع خزيمة بن ثابت ... الحديث (٢).

٤ ـ وفي رواية اخرى :

(لمّا أسرع القتل في قرّاء القرآن يوم اليمامة ، قتل منهم يومئذ أربعمائة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب ، فقال له : إنّ هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا.

وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب.

فقال له : انتظر حتّى أسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر ، فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجلا حتّى اشاور المسلمين ، ثمّ قام خطيبا في الناس ، فأخبرهم بذلك.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٥٠ ، كتاب فضائل القرآن ؛ وبشرحه فتح الباري ١٠ / ٣٨٤ ـ ٣٩٠ ؛ والمصاحف ١ / ٦ ـ ٧.

(٢) صحيح البخاري ٣ / ٩٤ ، آخر تفسير براءة ؛ وشرحه فتح الباري ٩ / ٤١٤ و ٤ / ١٦٠ ـ ١٦٢ ، كتاب الأحكام ، باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا ، و ١٦ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨ ؛ وسنن الترمذي ، شرح ابن العربي ١١ / ٢٥٨ ـ ٢٦٨ ؛ والمصاحف لابن أبي داود ١ / ٨ ـ ٩ ؛ وموجز الحديث في مسند أحمد ١ / ١٣.

٧٧

فقالوا : أصبت ، فجمعوا القرآن. فأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس : من كان عنده شيء من القرآن فليجئ به ...) (١).

٥ ـ وفي رواية اخرى :

لمّا استحرّ القتل بالقرّاء يومئذ فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع ، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت : اقعدا على باب المسجد ، فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه (٢).

٦ ـ وفي رواية :

(إنّ أبا بكر الصدّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى ، حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتّى توفّي ، ثمّ عند عمر حتّى توفّي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج النبيّ (ص) ، فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتّى عاهدها ليردنّها إليها فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان في هذه المصاحف ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها ...) (٣).

٧ ـ وفي رواية :

عن ابيّ بن كعب أنّهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر (رض) ، فكان رجال يكتبون ، ويملي عليهم ابيّ بن كعب ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية من

__________________

(١) منتخب الكنز ٢ / ٤٦ ؛ وكنز العمال ، ط. الثانية ٢ / ٣٦٤ ، عن ابن الأنباري في المصاحف. وابن الأنباري ، الحافظ ، العلّامة ، شيخ الأدب ، أبو بكر محمّد بن القاسم بن بشار ، صنّف التصانيف الكثيرة (ت : ٣٢٨ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ٨٤٢ ـ ٨٤٥ ؛ وفي مادّة المصاحف من كشف الظنون ، ذكر له : (المصاحف).

(٢) المصاحف ١ / ٦ ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٨٨ ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٦٢ ؛ ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد ٢ / ٤٥.

(٣) المصاحف ١ / ٩ ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ؛ ومنتخب الكنز بهامش مسند أحمد ٢ / ٤٤ ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٩٠.

٧٨

سورة براءة (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) فظنّوا أنّ هذا آخر ما انزل من القرآن ، فقال لهم ابيّ بن كعب : إنّ رسول الله (ص) أقرأني بعدها آيتين : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) إلى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).

ثمّ قال : هذا آخر ما نزل من القرآن ، قال : فختم بما فتح به : (بالله الّذي لا إله إلّا هو) وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)(١).

من قال : إنّ الخليفة عمر بن الخطاب جمع القرآن في المصحف

في المصاحف لابن أبي داود وغيره :

١ ـ (إنّ عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله ، فقيل : كانت مع فلان ، فقتل يوم اليمامة.

فقال : إنّا لله ، وأمر بالقرآن ، فجمع ، وكان أوّل من جمعه في المصحف).

٢ ـ وقال : وروى عبد الله بن فضالة :

(لمّا أراد عمر أن يكتب الإمام ، أقعد له نفرا من أصحابه ، وقال : إذا اختلفتم في اللّغة ، فاكتبوها بلغة مضر ، فإنّ القرآن نزل على رجل من مضر).

٣ ـ وقال :

قال عمر بن الخطاب (رض) : (لا يملينّ في مصاحفنا إلّا غلمان قريش وثقيف) (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٣٤ ؛ والمصاحف ١ / ٩ ، باب جمع القرآن ؛ وفتح الباري ١٠ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، باب جمع القرآن.

(٢) الروايات ١ و ٢ و ٣ ـ في المصاحف لابن أبي داود ١ / ١٠ ـ ١١ ، باب جمع عمر بن الخطاب ـ

٧٩

وفي منتخب كنز العمال ، قال :

(لمّا جمع عمر بن الخطاب المصحف سأل : من أعرب الناس؟

قيل : سعيد بن العاص.

فقال : من أكتب الناس؟

فقيل : زيد بن ثابت.

قال : فليمل سعيد وليكتب زيد.

فكتبوا مصاحف أربعة ، فأنفذ مصحفا منها إلى الكوفة ، ومصحفا إلى البصرة ، ومصحفا إلى الشام ، ومصحفا إلى الحجاز) (١).

من قال : إنّ الخليفة عمر بدأ بجمع القرآن والخليفة عثمان أتمه

في المصاحف ومنتخب الكنز بسندهما قالا :

(أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن ، فقام في الناس ، فقال : من كان تلقى من رسول الله (ص) شيئا من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب.

وكان لا يقبل من أحد شيئا حتّى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان ، فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان.

فجاء خزيمة بن ثابت ، فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما.

قالوا : ما هما؟

__________________

ـ (رض) القرآن في المصحف ، والرواية رقم ١ ـ بفتح الباري ١٠ / ٣٨٦ ، ومنتخب الكنز ١ / ٤٥ ، والرواية رقم ٢ ـ في منتخب الكنز ٢ / ٤٦ ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٦٤.

(١) في منتخب كنز العمال ٢ / ٤٧ ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٦٦ عن ابن الأنباري في المصاحف.

٨٠