القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

موجز عام

لأخبار القرآن والسنّة

أ ـ في عصر الرسول (ص)

ب ـ بعد عصر الرسول (ص)

٦٦١
٦٦٢

موجز عام لأخبار القرآن في عهد الرسول (ص)

نورد في ما يأتي موجزا من تاريخ القرآن عن المجلّد الأوّل مع إضافات تقتضيها الدراسة المستوعبة لروايات جمع القرآن ، ونقول بإذنه تعالى :

قال الله سبحانه :

أ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ). (الحجر / ٩)

ب ـ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ). (القيامة / ١٧ ـ ١٩)

ج ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). (النّحل / ٤٤)

د ـ (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى). (الأعلى / ٦)

ه ـ (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ). (الإسراء / ١٠٦)

وصدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم فقد أنزل القرآن متدرجا ليتيسر للمؤمنين حفظه عن ظهر قلب ، وأوحى لفظه ومعناه إلى رسوله (ص) ، وأوحى مع كل آية معنى كل آية يحتاج فهم معناها إلى بيان بوحي غير قرآني مثل معنى (آية التيمّم وآية أقم الصلاة لدلوك الشمس) أي بيان كيفية التيمم وكيفية الصلوات اليومية الخمس.

إذا فقد كان الله جلّ اسمه أوّل مقرئ للقرآن وأوّل جامع له ، وكان رسوله (ص) أوّل قارئ للقرآن.

والقارئ وجمعه القرّاء من تعلّم تلاوة لفظ القرآن مع تعلّم معناه.

٦٦٣

والمقرئ من امتهن تعليم القرآن كذلك ، كما برهنّا على ذلك في بحث المصطلحات القرآنية في الجزء الأوّل من القرآن الكريم وروايات المدرستين ، والحمد لله.

والجامع من حفظ جميع القرآن عن ظهر قلب ، وقد جمع الله القرآن أوّلا في قلب رسوله (ص) ، وكان الرسول (ص) أوّل جامع للقرآن فقد حفظ القرآن عن ظهر قلب مع كلّ ما اوحي إليه في بيان آياته ، وكان جبرائيل (ع) يقارئه في كلّ شهر رمضان كلّ ما أنزل الله من القرآن إلى تاريخه ، وعارضه القرآن في آخر سنة من حياته مرّتين ، وقام الرسول (ص) بإقراء القرآن كذلك مصداقا لقوله تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). (الأنعام / ١٩)

ونهض الرسول (ص) بأعباء التبليغ بكل ما استطاع إليه سبيلا في نوعين من التبليغ :

أ ـ نشر تلاوة القرآن في صلاته (ص) في البيت في مواسم الحج :

لمّا كان دأب القبائل العربية الاجتماع في أسواقهم حول مكة : ذي المجاز وعكاظ وعرفات وغيرها في الأشهر الحرم ، والاستماع إلى قصائد شعرائهم وحفظهم إياها عن ظهر قلب وترديدها على مسامع من لم يحضر الموسم منهم وكانت السور المكية أقصر من تلك القصائد وأعلى بلاغة منها وفيها من المعاني الرفيعة ما لم يسمعوها قبل ذلك ، لذا كانوا يتهافتون إلى استماع تلاوة الرسول (ص) في صلاته ويحفظونها عن ظهر قلب وينقلونها إلى حيث ما بلغ بهم المسير ، كما مرّ بنا قول عمرو بن سلمة الجرمي :

كنت أتلقّى الركبان فيقرءوني حتّى جمعت قرآنا كثيرا ، وكان يومذاك صغير السنّ ، وإذا كان هذا شأن صغيرهم في شبه الجزيرة العربية ، فكيف كان حال ذوي السنّ والشأن منهم في هذا الأمر.

٦٦٤

ب ـ إقراء الرسول (ص) القرآن لمن أسلم بمكّة :

كان لإقراء المؤمنين بمكّة مرحلتان :

١ ـ مرحلة الإقراء السريّة : في هذه المرحلة كان الرسول (ص) يجتمع بالمؤمنين سرّا في دار الأرقم بن أبي الأرقم بأصل الصفا لإقرائهم في دور سريّة الدعوة ، ولم يكن الاجتماع بهم لحياكة مؤامرة ضدّ قريش ، ولعلّ في هذا الدور كان ما أخبره الصحابي عمر بن الخطاب وقال :

كان رسول الله (ص) يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند الرجل به قوّة ـ وفي رواية من أهل اليسار ـ فيكونان معه ويصيبان من طعامه ، وقد كان ضمّ إلى زوج اختي رجلين ، فدخلت عليهم وكان القوم جلوسا يقرءون القرآن في صحيفة ، وفي لفظ آخر بكتاب.

وعن الإقراء في مكّة قال ابن مسعود :

بينا نحن عنده على حرّاء إذ نزلت عليه سورة المرسلات فأخذتها وإن فاه ليرطب بها (١).

٢ ـ مرحلة الإقراء العلنية : ونرى انّ في دور التبليغ العلني كان من خبر الضرير ابن ام مكتوم في ما جاء في روايات تفسير (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) أن الإقراء كان بعد ذلك علنا ، ويظهر من قراءة عبد الله بن مسعود سورة الرّحمن في الحرم على قريش وقراءة جعفر بن أبي طالب خبر عيسى بن مريم من سورة مريم على النجاشي في الحبشة أنّهم في مكّة كانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب.

* * *

__________________

(١) بترجمة ابن مسعود من مختصر تاريخ ابن عساكر ١٤ / ٤٧.

٦٦٥

كانت تلكم بعض أخبار الإقراء في العصر المكّي ، ولمّا أسلم من حجّاج أهل المدينة من أسلم أرسل إليهم قبل أن يهاجر إليها مصعب بن عمير وابن ام مكتوم يقرءان من أسلم منهم القرآن ، وكان مصعب بن عمير يسمّى في المدينة بالمقرئ.

قال زيد بن ثابت : أتى النبي (ص) المدينة وقد قرأت سبع عشرة سورة فقرأت على رسول الله (ص) فأعجبه ذلك (١).

ومن الأنظمة الّتي سنّها الرسول (ص) في المدينة لإقراء القرآن وتدوينه :

أوّلا ـ إقراء القرآن :

أ ـ كيفية الإقراء :

عن عثمان وابن مسعود وابيّ أنّ الرسول (ص) كان يقرئهم في مسجده العشر فلا يجاوزونها إلى عشر اخرى حتّى يتعلّموا ما فيها من العلم والعمل فيعلّمنا القرآن والعمل جميعا.

وفي رواية :

... لم نتعلّم العشر الّتي بعدها حتّى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها.

وفي رواية :

ولا يأخذون في العشر الاخرى حتّى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل فعلّمنا العلم والعمل (٢).

كانوا لا يأخذون في تعلم آيات اخرى حتّى يعلموا ما فيها من العلم وانّها

__________________

(١) بترجمة زيد في الإصابة. وانّ السور الّتي قال زيد انّه كان قد حفظها كانت من السور المكية.

(٢) كنز العمال ، ط. بيروت سنة ١٤٠٩ ه‍ ، ٢ / ٣٤٧ ، الحديث ٤٢١٥.

٦٦٦

في أية حادثة نزلت؟ وفي شأن من نزلت؟ وكذلك يعلموا ما أوحى الله إلى رسوله في بيانها من فنون المعرفة من بدء الخلق إلى المعاد وشرح ما فيها من الحلال والحرام ، أي : يعلموا كل ما فيها من العلم والعمل جميعا ، وكذلك كان الصحابة يعلّمون جميع ذلك لمن يقرءونه القرآن في عصر الرسول (ص).

ب ـ المتعلّمون هم :

١ ـ جميع أصحاب الرسول (ص) من الرسول (ص) نفسه وأحيانا من القرّاء الّذين عيّنهم الرسول (ص) للإقراء.

٢ ـ جميع أهل بيت الصحابة في بيوتهم من أزواجهم وآبائهم من الصحابة كما قال الصحابي لرسول الله (ص) : (نحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة).

٣ ـ بعض أعضاء الوفود إلى المدينة الذين تعلموا من قرّاء الصحابة الذين تعلموا القراءة من الرسول (ص).

ج ـ أماكن الإقراء :

١ ـ مسجد الرسول (ص) لإقراء الرسول (ص) أصحابه.

٢ ـ صفة مسجده لتعليم أصحابه من لا مأوى له.

٣ ـ جميع دور الصحابة بلا استثناء لتعليم الصحابة أهل بيتهم وأحيانا من يفوّض إليهم الرسول (ص) تعليمه من أعضاء الوفود.

ثانيا ـ نظام المفاضلة :

جعل أقرأهم للقرآن إماما للجمعة والجماعة وواليا عليهم في المدينة وإن كان أصغرهم سنّا ، ونشر الاهتمام بحفظ السور الطّوال وخاصّة سورة البقرة

٦٦٧

وجعلها شعارا في غزوة حنين ، وأمر العباس أن ينادي عند فرارهم : يا أصحاب سورة البقرة! وكذلك تنادوا بها بعد وفاة الرسول (ص) في حرب مسيلمة فتجمهروا في المعركتين وكرّوا وانتصروا ، ولم يجر هذا النظام في تعيين قوّاد الجيوش بل اتخذ من أكثرهم دراية لا دارة دفة الحرب لامارة الجيوش في الحروب.

وسمّى الرسول (ص) البقرة وآل عمران بالزهراوين ، وكان يقرأهما في صلاة اللّيل وأحيانا يقرأهما مع سورة النّساء.

وكذلك اهتمّ الصحابة بحفظ سورة البقرة عن ظهر قلب مثل الصحابي عمر بن الخطّاب.

وممّا عمله الرسول (ص) في المفاضلة ، أن جعل أكثر الشهداء في أحد حفظا للقرآن أمام أصحابه في القبر.

وقال (ص) في فضل من حفظ القرآن عن ظهر قلب يوم القيامة عدّة أحاديث مثل قوله (ص) : من تعلّم القرآن فاستظهره وحفظه أدخله الله الجنّة وشفّعه في عشرة من أهل بيته.

وقال في فضل تعليم القرآن : يا عليّ! تعلّم القرآن وعلّمه الناس فلك بكل حرف عشر حسنات ، فإن متّ متّ شهيدا ... حجّت الملائكة إلى قبرك كما تحجّ الناس إلى بيت الله العتيق.

وقوله (ص) : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفظتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده.

ونتيجة كلّ ذلك ، كان يسمع لمسجد رسول الله (ص) ضجّة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله (ص) أن يخفضوا أصواتهم لئلّا يتغالطوا ، وأصبحت دور

٦٦٨

المهاجرين والأنصار أماكن لإقراء القرآن ، وعلى أثر ذلك كثر في الصحابة من حفظ القرآن عن ظهر قلب ، وبلغ عدد القرّاء منهم درجة لا يمكن حصرهم وعدّهم إلّا من ذكر اسمهم لمناسبة ؛ مثل خبر القرّاء السبعين من شبّان الأنصار يقال لهم القرّاء ، يتدارسون القرآن ليلا ، فأرسلهم الرسول (ص) ليقرئوا بعض القبائل العربية خارج المدينة ، فاستشهدوا جميعا غير واحد منهم ، ووجدنا ذكر قرابة أربعين صحابيا ذكرت أسماؤهم في مناسبات في عداد القرّاء وجامعي القرآن ، وكان فيهم مثل عبد الله بن عمرو بن العاص ، الّذي أراد أن يختم القرآن في ليلة ، فنهاه الرسول (ص) عن ذلك ، وأرشده إلى أن يقرأه في سبع ليال ، وكل ذلك يناقض ما رواه أنس من أنّه حصر من جمع القرآن على عهد الرسول (ص) في الأنصار دون المهاجرين ، و ـ أيضا ـ جعل هذه الميزة لقبيلته من الخزرج دون قبيلة الأوس من الأنصار.

اهتمام الرسول (ص) بسور خاصّة :

اهتمّ الرسول (ص) بذكر سورة هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت والمرسلات وعمّ يتساءلون والقارعة وسأل سائل لما جاء فيها من تخويف ، وأمثلة ممّا جرى على الامم السالفة من العذاب.

وقال ـ أيضا ـ : اعطيت مكان التوراة السّبع الطّوال واعطيت مكان الزبور المئين ، واعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل.

والسبع الطوال : البقرة وآل عمران والنّساء والمائدة والأنعام والأعراف والكهف ، والمئون : ما وليها سمّيت بذلك لأنّ كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها ، والمثاني : ما ولي المئين ، والمفصل : ما ولي المثاني في قصار السور إلى آخر سورة الناس بلا نزاع (١).

__________________

(١) الإتقان للسيوطي ١ / ٦٥.

٦٦٩

وسنّ نظاما للمفاضلة بحفظ القرآن ، وخاصّة السور الطّوال ، وعيّن ممّن حفظ السور الطّوال الولاة ، وكذلك كان شأنه وشأن سائر المسلمين في مجتمعاتهم خارج المدينة ، حيث أرسل لكل مجتمع إسلامي مقرئا يقرئهم القرآن ويحذون حذوه في أمر نشر تعليم القرآن في تلكم المجتمعات ، ولا يتيسر إحصاء من حفظ القرآن عن ظهر قلب من المسلمين في عصر الرسول (ص) ، وكذلك من كتبه مع بيان الرسول حوله والّذي تلقاه بواسطة الوحي.

وما روي عن أنس في حصر من جمع القرآن من أقربائه عن ظهر قلب بأربعة أو خمسة فإنّه مردود بما تواتر من أخبار من جمع القرآن وكتبه من غير أفراد قبيلته ، وما بلغنا من أخبار من جمع القرآن أو كتبه أو حفظ منه ما حفظ إنّما ذكر لمناسبة استدعت ذكر من حفظه عن ظهر قلب أو جمعه ؛ مثل خبر عبد الله بن عمرو الّذي كان قد جمع القرآن وكان يريد أن يتلوه في أقل من سبع ليال ، فنهاه الرسول (ص) عن ذلك ؛ ومثل خبر المصحف الّذي كان في بيت الرسول (ص) وجمعه الإمام عليّ وعرضه عليهم في مسجد الرسول (ص) فأبوا أن يقبلوه ؛ وخبر إملاء ابن مسعود القرآن في الكوفة عن ظهر قلب وعدم تسليمه مصحفه لوزعة الخليفة عند ما أحرقوا نسخ القرآن عند الصحابة ، أو خبر الشهيدة امّ ورقة من النّساء ، أو خبر من كان كتب في مصحفه مع كل آية تفسيرها ـ أي ما بيّن الرسول (ص) في حديثه حولها ـ فقرض الخليفة عمر تفسير الآيات بالمقراضين ، أو خبر حفظ زيد بن ثابت سبع عشرة سورة من القرآن قبل أن يهاجر الرسول (ص) إلى المدينة ، أو قول ابن مسعود أخذت من في رسول الله (ص) نيفا وسبعين سورة وزيد له ذؤابتان ، أو نحر الصحابي جزورا عند إتمامه حفظ سورة البقرة عن ظهر قلب ، أو مثل خبر اشتراك ثلاثة آلاف قارئ في معركة اليمامة قرابة سنة بعد وفاة الرسول (ص) في جيش بلغ عدد أفراده ثلاثة عشر ألف مقاتل أكثرهم من أعراب البوادي.

٦٧٠

وإذا كان في هذا الجيش وحده ثلاثة آلاف قارئ فكم كان عدد القرّاء الّذين لم يشتركوا مع هذا الجيش ممن كانوا في المدينة ومكة والطائف وسائر المجتمعات الإسلامية يومذاك؟ مثل الإمام عليّ من الرجال والقارئة الشهيدة أم ورقة من النّساء في المدينة ، وصرّح المؤرخون انّ عدد القتلى من المسلمين كان أربعمائة وخمسين أو خمسمائة وفي الشهداء خمسون أو ثلاثون من حملة القرآن. ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أسماءهم وأنسابهم كما ذكروا في سائر كتب السيرة أسماء الشهداء في غزوة بدر وأحد وغيرهما من غزوات الرسول (ص).

وبناء على ذلك بقي من القرّاء في ذلك الجيش وحده خمسون وتسعمائة وألفا قارئ على أقل تقدير ، وان هذه الأخبار تناقض ما رووا.

* * *

كان ذلكم موجزا عامّا لأخبار القرآن في عصر الرسول (ص) ، وفي ما يأتي نورد بإذنه تعالى موجز أخبار تدوين القرآن في ذلك العصر.

أوّلا ـ اهتمام الرسول (ص) بأمر تدوين القرآن :

عند ما هاجر الرسول (ص) إلى المدينة كان فيها من الأوس والخزرج أحد عشر رجلا يكتب بالإضافة إلى سبعة عشر رجلا من القرشيين الّذين كانوا يكتبون في مكّة وهاجروا متدرّجا إلى المدينة ، ومن النّساء المهاجرات الشّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية وهي الّتي علّمت حفصة الكتابة (١).

وفي ترجمة الحكم عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي من أسد الغابة

__________________

(١) بترجمتها من الاستيعاب ٢ / ١٨٥ ـ ١٨٦ ، والإصابة. أسلمت الشّفاء قبل الهجرة وهي من المهاجرات الأوائل ، وبايعت النبيّ قبل الهجرة ، وكانت من عقلاء النّساء ، وراجع أمر الخط في فتوح البلدان.

٦٧١

والإصابة : أنّه قدم على النبيّ (ص) مهاجرا وكان اسمه الحكم ، فسمّاه النبيّ (ص) عبد الله ، وكان يكتب في الجاهلية ، فأمره رسول الله (ص) أن يعلّم الكتاب بالمدينة ، وكان كاتبا محسنا. وجعل فدية من يعرف الكتابة من أسرى قريش في غزوة بدر تعليم كل واحد منهم الكتابة لعشرة من صبيان المدينة.

وانتشرت القراءة والكتابة في المدينة بين الكبار والصغار والرجال والنّساء ، فقد كان في النّساء ممّن تكتب : حفصة زوجة الرسول (ص) وامّ كلثوم بنت عقبة وعائشة ابنة سعد بن أبي وقاص وقد علّمها أبوها الكتابة وكريمة ابنة المقداد وزوجتا الرسول (ص) عائشة وام سلمة كانتا تقرءان ولا تكتبان.

ثانيا ـ كيفية تدوين القرآن :

كان تدوين القرآن بوحي من الله وتعليم الرسول (ص) مصداقا لقوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ، قال الصحابي عثمان بن أبي العاص : كنت عند رسول الله (ص) إذ شخص ببصره ... فقال : أتاني جبرائيل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...).

وكان رسول الله (ص) يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد ـ الآيات الكثيرة ـ وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذا في السورة الّتي تقول فيها كذا وكذا ...

وكان الرسول (ص) يهتم بانتشار تعلّم الكتابة في المسلمين لتدوين القرآن إلى جنب جمعهم القرآن حفظا عن ظهر قلب ، ولا يتيسّر إحصاء من جمع القرآن حفظا عن ظهر قلب في عصر الرسول (ص) من الصحابة فقد مرّ بيان أنّه كان يسمع لمسجد رسول الله (ص) ضجّة بتلاوة القرآن فأمرهم رسول الله (ص) أن يخفضوا أصواتهم لئلّا يتغالطوا ، وكان حفظهم للقرآن عن ظهر قلب حفظ نصّ كلام الله سبحانه.

٦٧٢

كلام الله سبحانه.

وكذلك كان من تعلّم الكتابة يتسابق إلى تدوين القرآن على ما حضره يكتب عليه كما تعلّمه من الرسول (ص) ، أي أنّه كان يكتب النص القرآني مع بيان الرسول (ص) ممّا اوحي إليه في تفسير الآيات ؛ فإنّ ابن مسعود مثلا كان ممّن تعلّم من الرسول (ص) عشر آيات عشر آيات من القرآن مع ما اوحي إلى الرسول (ص) حولها من العلم ، وعند ما قال : (أخذت من في رسول الله (ص) سبعين سورة وإنّ زيد بن ثابت له ذؤابتان) ، أي أخذها من في رسول الله (ص) مع ما اوحي إليه في بيانها ، وعند ما كتب نسخته من المصحف كتب فيه ما أخذه من كلام الله الّذي أوحاه إلى رسوله (ص) مع بيانه الّذي ـ أيضا ـ أوحاه إلى رسوله (ص) ، ولم ينحصر ما أخذه من في رسول الله (ص) بالسبعين سورة ، وانّما استمرّ أخذه من في رسول الله (ص) بعد ذلك ـ أيضا ـ حتّى كتب المصحف كاملا على عهد الرسول (ص) كذلك ، و ـ أيضا ـ لم ينحصر أمر أخذ القرآن وتفسيره من في رسول الله (ص) وكتابته كذلك بالصحابي ابن مسعود وإنّما قام بذلك كل من استطاعه والّذي مرّ بنا ذكره.

ومن هنا نعتقد أنّه لا يمكن التكهن بعدد من جمع القرآن عن ظهر قلب من المسلمين في المدينة وخارجها قبيل وفاة الرسول (ص) بالمئات ولا بالالوف ، وكذلك لا يمكن حصر من كتبه منهم بالمئات ولا الألوف.

٦٧٣

موجز عام لأخبار القرآن والسنّة بعد الرسول (ص)

على عهد الخليفتين الصحابيين القرشيين أبي بكر وعمر

أوّل قرآن جمع بعد الرسول (ص)

أوصى الرسول (ص) ابن عمّه عليّا أن لا يرتدي رداءه حتّى يجمع القرآن الّذي كان في بيته مكتوبا على الورق والخشب والجلد وغيرها ، وكان مكتوبا مع آيات ذلك القرآن ما اوحي إلى الرسول (ص) في معناه وأملاه الرسول (ص) بلفظه ، فلمّا أتمّ جمعه وجاء به مع غلامه قنبر إلى المسجد يحملانه قالوا له : ارفعه لا حاجة لنا به فأرجعه إلى بيته.

قال فيه ابن سيرين إنّه كتبه على تنزيله ، فلو اصيب ذلك الكتاب كان فيه علم.

وقال له الصحابي عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن بما يدعونا إليه.

العمل بشعار (حسبنا كتاب الله)

مرّ بنا أنّ الصحابي عمر منع من كتابة وصيّة الرسول (ص) في آخر ساعة من حياته (ص) وقال : حسبنا كتاب الله.

ولمّا ولي الخلافة الصحابي القرشي أبو بكر جمع الناس وقال في حديثه معهم : (... فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه).

وكان الرسول (ص) قد أنبأ عن هذا الموقف في قوله (ص) :

٦٧٤

(أيحسب أحدكم متّكئا على أريكته قد يظنّ أنّ الله لم يحرّم شيئا إلّا ما في هذا القرآن ، ألا وإنّي قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنّها لمثل القرآن أو أكثر) (١).

إنّها لمثل القرآن ؛ لأنّه تلقّاها عن طريق الوحي من الله وأكثر من القرآن في شرح أحكام الإسلام وشأن نزول القرآن وذم اناس والثناء على آخرين ، كما مرّ بنا في ما سبق.

ومن أخبار القرّاء في عصر الخليفة أبي بكر أنّه بعد وفاة رسول الله (ص) بما يقارب سنة بعث خالد بن الوليد لقتال مسيلمة ومعه ثلاثة عشر ألف مقاتل فلمّا التقوا انكشف الجيش الإسلامي لكثرة ما فيه من الأعراب ، وكان في الجيش ثلاثة آلاف من قرّاء القرآن فنادوا : يا خالد خلصنا ـ يقولون ميزنا ـ من هؤلاء الأعراب ، فميّزوا وصدقوا الحملة وقاتلوا قتالا شديدا ، وجعلوا يتنادون يا أصحاب سورة البقرة فلم يزل ذلك دأبهم حتى فتح الله.

وفي تاريخ خليفة بن خياط : كان جميع القتلى من المسلمين أربعمائة وخمسين رجلا أو خمسمائة رجل ، وكان ممن قتل من المهاجرين والأنصار مائة وأربعون رجلا فيهم خمسون أو ثلاثون من حملة القرآن (٢).

* * *

كانت تلكم أخبار القرّاء والقرآن على عهد الخليفة الأوّل ، ولم يطل به الزمن وتوفّي لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة

__________________

(١) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، ١ / ١٤٩.

(٢) تاريخ خليفة بن خياط (ت : ٢٣٠ أو ٢٤٠ ه‍) ط. النجف سنة ١٣٨٦ ، ص ٧٧ ـ ٨٣ ، وذكر أسماء من استشهد وقبائلهم فردا فردا.

٦٧٥

النبويّة (١) بعد أن ولّى على المسلمين الصحابي القرشي عمر بن الخطاب ، وكان من أخبار الكتاب والسنّة في عهده ما يأتي ذكره بإذن الله تعالى.

أخبار الكتاب والسنّة على عهد الخليفة القرشيّ عمر

ذكرنا أنّ الخليفة عمر هو الصحابي الّذي رفع ـ حسب اجتهاده ـ بكل صلابة ، شعار : حسبنا كتاب الله في وجه رسول الله (ص) وفي آخر ساعة من حياته ، وعلى أثر ذلك وقع ما وصفه ابن عم الرسول (ص) عبد الله بن عباس بقوله : (الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله (ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب) و (بكى حتّى خضّب دمعه الحصباء) (فلمّا أكثروا اللغط قال رسول الله (ص) : قوموا عنّي لا ينبغي عند نبي تنازع) (٢).

وعمل باجتهاده في عصر خلافته بكلّ شدّة وقوّة ورفع شعار : جرّدوا القرآن من حديث الرسول ، كما مرّ بنا نقلا عن تاريخ الطبري في ذكر بعض سيرة الخليفة عمر أنّه كان إذا استعمل العمال خرج يشيعهم ويقول لهم : (جردوا القرآن

__________________

(١) عهد الخلفاء الراشدين من تاريخ الإسلام للذهبي ، ط. القاهرة سنة ١٣٦٧ ، ١ / ٣٨٧.

(٢) راجع صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم ، ١ / ٢٢ ، وكتاب الجزية ، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ، ٢ / ١٣٦ ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب كراهة الخلاف ، ٤ / ١٨٠ ، وكتاب المرضى ، باب قول المريض : قوموا عنّي ، ٤ / ٥ ، وكتاب المغازي ، باب مرض النبي (ص) ، ٣ / ٦٢ ، وكتاب الجهاد والسير ، باب : هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم ، ٢ / ١٢٠ ؛ وصحيح مسلم ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية بآخر الباب ، ٥ / ٧٥ ، وراجع سائر مصادره في أوّل بحث السقيفة من (عبد الله بن سبأ ، ج ١). وينبغي لي أن أسجّل هنا وأقول : يحز في نفسي أن أذكر أمثال هذه الحوادث من تاريخنا الإسلامي وأنا أعلم ان بسبب ذكرها تنقبض عني نفوس كريمة عليّ ولكن لا بدّ ممّا لا بدّ منه ، فإنّه لن يتيسّر لنا دراسة الروايات الّتي تبعث الشك في ثبوت النصّ القرآني كما اوحي إلى الرسول (ص) دون دراسة أسباب انتشار تلكم الروايات ، كما قمنا به في هذه البحوث بمنّه تعالى.

٦٧٦

وأقلوا الرواية عن محمّد وأنا شريككم). وكان من الولاة الّذين أوصاهم بذلك :

أ ـ أبو موسى الأشعري ، كما رواه ابن كثير في تاريخه وقال : لما بعث أبا موسى إلى العراق قال له : إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوي النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث وأنا شريكك في ذلك ، قال ابن كثير : (وهذا معروف عن عمر) (١).

ب ـ قرظة بن كعب الّذي قال ما موجزه : لما سيّرنا عمر إلى العراق خرج يشيّعنا وقال لنا ـ خارج المدينة ـ : إنّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله (ص) وأنا شريككم! قال قرظة : فما حدّثت بعده حديثا عن رسول الله (ص) ، وكان إذا قالوا له : حدّثنا ، يقول : نهانا عمر.

ونكل بصبيغ بن عسل من أشراف قبيلة تميم حيث كان يدور في الأجناد ، الكوفة والبصرة يسأل عن تفسير آيات القرآن حتى بلغ جند الاسكندرية فأخبر والي الاسكندرية عمرو بن العاص الخليفة بذلك فطلب منه إرساله إلى المدينة ، فلمّا اخبر الخليفة بوصوله ، أحضر رطائب من جريد نخل وضربه حتى دمي رأسه فقال : يا أمير المؤمنين! حسبك قد ذهب الّذي كنت أجده ، ثمّ تركه حتى برئ ثمّ عاد حتّى اضطربت الدماء في ظهره ثمّ تركه حتّى برئ.

وفي الثالثة قال له صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت (٢). أرسله على قتب إلى أبي موسى الأشعري وكتب ألّا يجالس صبيغا وأن يحرم عطاءه ورزقه. قال الراوي : فلو جاءنا ونحن

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٧.

(٢) سنن الدارمي ١ / ٥٤ ـ ٥٥ ؛ وتفسير آية (الذاريات) بتفسير القرطبي والإتقان للسيوطي. وقد مرّت مصادره مفصّلا.

٦٧٧

مائة لتفرقنا عنه. وفي رواية اخرى : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنّه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الاخرى عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه ، فلم يزل كذلك حتّى أتى أبا موسى ، فحلف له بالأيمان المغلظة أنّه لا يجد في نفسه ممّا كان شيئا فكتب في ذلك إلى الخليفة ، فكتب إليه ما أخاله إلّا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيّدا فيهم (١).

كان ذلكم عمله مع من يسأل عن تفسير القرآن ، وفي الخبر الآتي عن عمله في من كان معه مصحف فيه تفسير :

في كنز العمال عن عامر الشعبي قال : كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين (٢).

كل ما ذكرناه كان يخص أمر تفسير القرآن وكان مهتما بأمر تعليم تلاوة القرآن ، وكان ممّن يعلم تلاوة القرآن من عمّاله أبو موسى الأشعري ، كما جاء بترجمته من حلية الأولياء (١ / ٢٥٦) بسنده عن أبي رجاء العطاردي أنّه قال : كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد ، مسجد البصرة يقعد حلقا ، فكأنّي أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرئني القرآن ومنه أخذت هذه السورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) قال أبو رجاء : فكانت أوّل سورة انزلت على محمّد رسول الله (ص).

ومرّ بنا أنّ ابن مسعود كان يملي القرآن على الناس في الكوفة عن ظهر قلبه.

وأنّ الخليفة كتب إلى امراء الأجناد أن ارفعوا إلي كل من حمل القرآن (أي

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ، مخطوطة الظاهرية بدمشق ، مصوّرة المجمع العلمي الإسلامي (٨ / ق ١ / ورقة ١١٧ ـ ١١٨).

(٢) كنز العمال ، ط. دائرة المعارف العثمانية ، حيدرآباد سنة ١٣٦٤ ه‍ ، ٢ / ٢٠٤ ، ح : ٣٠٢٣.

٦٧٨

حفظه عن ظهر قلب) حتّى الحقهم في الشرف من العطاء وارسلهم في الآفاق يعلّمون الناس ، فجمع أبو موسى الأشعري القرّاء وقال : لا تدخلوا عليّ إلّا من جمع القرآن ، فدخل عليه زهاء ثلاثمائة قارئ جمع القرآن.

وأنّ عبد الرّحمن بن ملجم كان من قرّاء القرآن فكتب عمر إلى عمرو بن العاص : قرّب داره من المسجد ليعلّم الناس القرآن والفقه (١).

وأنّه أرسل إلى مدن الشام للإقراء معاذ بن جبل وأبا الدرداء وعبادة بن الصامت ، وأن أبا الدرداء كان إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريفا ويقف وهو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه ، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله ، وأنّه ناف عددهم على ألف وستمائة ، ويظهر من الرواية الآتية انّ بعضهم كان يسافر إلى المدينة لأخذ القرآن من منبعه مباشرة.

جاء في مصاحف ابن أبي داود السجستاني :

عن عطية بن قيس قال : انطلق ركب من أهل الشام إلى المدينة يكتبون مصحفا لهم فانطلقوا معهم بطعام وادام فكانوا

يطعمون الذين يكتبون لهم ، قال وكان ابيّ بن كعب يمرّ عليهم يقرأ عليهم القرآن. قال : فقال له عمر : يا ابيّ بن كعب كيف وجدت طعام الشامي؟ قال : لأوشك إذا ما نشبت في أمر القوس ما أصبت لهم طعاما ولا إداما (٢).

__________________

(١) راجع أخبار القراءة والإقراء في عصر عمر في هذا الكتاب.

(٢) مصاحف ابن أبي داود ، ط. مصر سنة ١٣٥٥ ه‍ ، ص ١٥٧. وعطية بن قيس الكلابي أبو يحيى الحمصي ويقال الدمشقي ، وقال عبد الواحد بن قيس كان الناس يصلحون مصاحفهم على قراءة عطية بن قيس ، وتوفّي سنة ١١٠ ه‍. تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٨.

٦٧٩

على عهد الخليفة الصحابي عثمان

أمر بكتابة سبعة مصاحف مجرّدة من حديث الرسول (ص) ، ووزّعها على امّهات البلاد الإسلامية ، وبحرق ما عداها من مصاحف الصحابة.

فأحرقوا ما تمكّنوا من إحراقه من مصاحف الصحابة ونسخ المسلمون المصاحف في شتى البلاد الإسلامية على النسخ السبع في عصر عثمان والعصور الّتي كانت بعده وإلى عصرنا الحاضر.

على عهد الإمام عليّ (ع)

بعد تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) في عصر الخلفاء الصحابة القرشيين الثلاثة ، وأمرهم بقراءة القرآن مجرّدا من حديث الرسول (ص) ، ومنعهم الشديد من كتابة حديث الرسول (ص) ونشره ، فتح الإمام عليّ على عهده باب نشر سنّة الرسول (ص) على مصراعيه سواء في تفسير القرآن وغيره من فنون المعارف الإسلامية أو في خطبه وكتبه إلى ولاته ، وحثّ من كان معه من الصحابة على نشر حديث الرسول (ص).

وأملى على تلاميذه خاصّة أمثال ميثم التمار وابن عباس ما حملوه عنه في تفسير القرآن عن الرسول (ص).

* * *

وأجرى لمن ولد في الإسلام وقرأ القرآن في كلّ سنة مائتي دينار وفرض للكبار الذين قرءوا القرآن ـ أصبحوا من القرّاء ـ ألفين ألفين ، وعلى أثر ذلك تنامى عدد القرّاء في عصره ، وكان يسمع من مسجد الكوفة ضجّة تلاوة القرآن ، كما كان ذلك شأن مسجد الرسول (ص) في عصره ، وبلغ عدد القرّاء معه وفي جيشه بصفين عشرين ألف قارئ.

٦٨٠