القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

سنّة الرسول للسبب الّذي ذكرناه اخترع علماء العربية علم قراءة القرآن المحرّفة للقرآن الكريم كما درسناه في بحث القراءات ولله الحمد.

* * *

درسنا كيفية تنقيط المصاحف من قبل أبي الأسود الدؤلي ، وقد جاء كيفية التنقيط في اختلاف المصاحف لابن أبي داود كالآتي نصّه :

ب ـ كيف تنقّط المصاحف؟

قال أبو حاتم السجستاني : ونقطه بيده هذا كتاب يستدلّ به على علم النقط ومواضعه. إذا كان الحرف مرفوعا غير منون نقطته قدامه واحدة مثل قوله «؟» ، وإذا كان منصوبا غير منون نقطته واحدة فوقه كقوله «؟» ، وإذا كان مجرورا غير منون نقطته واحدة تحته كقوله «؟» ، وأمّا ما كان منونا فنقطتان مثل قوله في الرفع «؟» وفي النصب «؟» وفي الجر «؟» وربّما تركوا في النصب ، لأنّ الألف تدلّ على النصب ، فخفّفوا على الايجاز ، إلّا أنّهم ينونون عند الحروف الستة ، وإنما النقط على الايجاز لأنّهم لو تتبّعوا كما ينبغي أن ينقط عليه فنقطوه لفسد المصحف ، لو نقطوا قوله «؟» «فمثله» على الفاء والميم والثاء واللّام والهاء ونحو ذلك فسد ، ولكنّهم ينقطون على الميم واحدة فوقها وواحدة من بين يدي اللّام ، لأنّ اللّام حرف الإعراب وقد تنصب اللام وترفع وتجر ، وفتحوا الميم لئلا يظن القارئ أنها «فمثل» ، وإذا جاء شيء يستدلّ بغيره عليه ترك مثل قوله (قُتِلُوا (١) فِي سَبِيلِ اللهِ) ينقط بين يدي القاف واحدة ولا ينقط على التاء شيء ، لأنّ ضمتها تدلّ على أنّهم فعلوا.

__________________

(١) قتلوا : يعني في الخط الكوفي «؟».

٦٢١

وأمّا قوله (قُتِّلُوا (١) تَقْتِيلاً) ، فإنّك تنقط تحت التاء واحدة ، لأنّ هذه مشدّدة ، فتفرّق بين المخفّف والمشدّد ، فقس كل شيء بهذا إن شاء الله.

وأمّا الهمزة فإذا كانت مفتوحة غير ممدودة نقطتها في قفا الألف ، وإذا كانت ممدودة نقطتها بين يدي الألف ، فأما غير الممدود فمثل قوله «بل آتيناهم (٢) بذكرهم» لأنّها بمعنى جئناهم ، وأما «ولقد آتيناهم (٣)» فبين يدي الألف وترفعها قليلا إلى رأس الألف ، لأنّ آتيناهم معناه أعطيناهم ، وكذلك إن كانت الممدودة والمقصورة في آخر الكلمة ، فأمّا المقصور غير المنون ، فمثل قوله (أَنْ لا مَلْجَأَ (٤) مِنَ اللهِ) ، وإن كان منونا فنقطتان مثل قوله (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) ، ومثل قوله (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ (٥) يَقِينٍ).

وأمّا الممدود الّذي ليس بمنوّن فمثل قوله (كُلَّما أَضاءَ (٦) لَهُمْ) و «جاء» و (لَوْ شاءَ رَبُّكَ) ، والمنوّن مثل قوله (وَالسَّماءَ بِناءً)(٧) وقوله (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً).

وإذا أشكل عليك الهمزة ، فقس الهمزة بالعين ، فإن كانت العين تقع قبل الواو أو الألف ، جعلتها في قفاها نقطة بعد الواو والألف جعلتها بين يديها نقطة ، وإن كانت هي الواو والألف جعلت النقطة في جبهتها ، وكان حدها أن تكون في نفس الواو ، ولكنّها جعلت في الجبهة ، لتنحى عن السواد.

__________________

(١) قتلوا : هي في الخط الكوفي «؟».

(٢) أَتَيْناهُمْ : وهي في الخط الكوفي : «؟».

(٣) آتيناهم : في الخط الكوفي «؟».

(٤) ملجأ : في الخط الكوفي «؟» ، وفي (س ٩ آ ٥٧) «؟».

(٥) سبأ بنبإ : وهي في الخط الكوفي «؟».

(٦) أضاء : في الخط الكوفي «؟» و «؟» و «؟».

(٧) والسّماء بناء : في الخط الكوفي «؟» وكذلك «؟».

٦٢٢

فالممدود مثل قوله «السّوء» (١) تقديره السوع ، فهي بعد الواو ، و «السّماء» تقديره (٢) السّماع وهي بعد الألف ، وإذا كانت متحركة بالنصب فالنقطة فوق الواو مثل قوله (وَيُؤَخِّرَكُمْ)(٣) و (لا تُؤاخِذْنا) ، وأمّا الهمزة الّتي تقع في قفا الواو إذا كانت قبلها فمثل «يستهزءون» (٤) وكذلك «ليواطئوا» لأنّ قياسها يستهزءون ، فالعين قبل الواو ، وكذلك ليواطعوا لأن العين قبل الواو ، ومثله (أُوتُوا (٥) الْعِلْمَ) لأنّ قياسها عوتوا ولأنّه من الواو ووزنها افعلوا.

وأمّا (وَأُتُوا (٦) بِهِ مُتَشابِهاً) فالنقطة قدام الألف ، وكذلك «أولئك» الهمزة في الألف ، فالواو ليس لها موضع ، لأن قياسها علائك ، فالواو كتبت ، لأنّ الهمزة مرفوعة ، وقال قوم كتبوها ليفصلوا بينها وبين «إليك» في الخطّ ، وأما «الأولى» (٧) فإن الهمزة في قفا الواو ، لأن قياسها العولى فكذلك (أُوفِ (٨) بِعَهْدِكُمْ).

وإذا كانت الهمزة منتصبة نحو «القرآن» و (نَبَّأَنَا (٩) اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) ، وقوله (فَرَآهُ حَسَناً)(١٠) ، فإنّها تنقط عليها ثنتان : واحدة قبل الألف ، والاخرى

__________________

(١) «السوء» : فشكلها في الخط الكوفي «؟» وكذلك في السماء «؟».

(٢) تقديره : في الأصل تقدير.

(٣) ويؤخركم : هي في الخط الكوفي «؟» وكذلك «؟».

(٤) يستهزءون : هي في الخط الكوفي «؟» وكذلك «؟».

(٥) أوتوا : وهي في الخط الكوفي «؟».

(٦) وأوتوا : هي في الخط الكوفي «؟» وكذا أولئك «؟».

(٧) الأولى : هي في الخط الكوفي «؟».

(٨). (٢ آ ٤٠) : في الخط الكوفي «؟».

(٩) نبأنا : وشكلها في الخط الكوفي «؟» وكذا القرآن «؟».

(١٠) (س ٣٥ آ ٨) : هي في الخط الكوفي «؟».

٦٢٣

بعدها ، إلّا أن الّتي بعدها أرفع من الاولى سنّا ، وهي تسمّى المقيدة.

وإنّما نقطت بثنتين ، لأنّ واحدة للهمزة والاخرى للنصب وهي الثانية ، وإن كانت جزما فلا تنقط إلّا واحدة مثل قوله (وَأْتُوا (١) الْبُيُوتَ) و (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) واحدة قبل الألف.

وأمّا قولهم (أَنْذَرْتَهُمْ) (أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) ، فمن جعلها مدة أنذرتهم ، وهي لغة العرب الفصحاء ، فانك تنقطها واحدة بين يديها كما تنقط (آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) ، ومن همزها همزتين نقطها مقيدة على ما وصفنا في (نَبَّأَنَا اللهُ) ونحوها ، لأنّها لا بدّ من تقييدها للهمزتين بغيرها مثل (نَبَّأَنَا اللهُ).

وأمّا «آمنوا» و «آدم» و «آخر» فواحدة بعد الألف في أعلاها.

وأمّا إذا كانت الهمزتان مختلفتين فإنّ همزتهما نقطت على الألف الاولى نقطة بين يديها وعلى الاخرى نقطة فوقها مثل «السفهاء» (٢).

وإن شئت تركت همزة الاولى ، وهو قول أبي عمرو بن العلا ، إذا اختلفتا تركت الآخرة ولم تنقط عليها ، وإن أحببت فانقط عليها بخضرة ليعرف أنها تقرأ على وجهين.

وكلّ ما كان فيه وجهان ، فانقط بالخضرة والحمرة ، فإذا كانت الهمزتان متفقتين وهما في كلمتين مثل (جاءَ أَمْرُنا) و (شاءَ أَنْشَرَهُ) ، فان أبا عمرو يدع الهمزة الاولى ، ولا يشبه هذا عنده إذا اختلفتا بزعم أنهما إذا اتّفقتا خلفت احداهما الاخرى ، وإذا اختلفتا لم تخلف احداهما الأخرى ، فمن ثمّ همز أبو عمرو الآخرة في اختلافهما.

__________________

(١) وأتوا : فشكلها في الخط الكوفي «؟» وكذلك «؟» امرؤ.

(٢) السفهاء : وشكلها في الخط الكوفي «؟».

٦٢٤

وإذا جاءتا متفقتين على ما ذكرت ، فمن همز همزتين نقطها جميعا على ألف «جاء» من بعدها في أعلاها لأنها ممدودة ، وعلى ألف «أمرنا» في قفاها لأنها مقصورة.

ومن قال بقول أبي عمرو لم ينقط على ألف «جاء» شيئا إلّا بالخضرة.

وقد جاءت في القرآن حروف كتبت على غير الهجاء :

فمثل «العلمؤا ومثل «برءاؤا» ، فاذا نقطت «من عباده العلمؤا» (١) جعلتها في جبهة الواو ، لأن الواو مكان الألف الّتي ينبغي لها أن تكتب ، وإنما صيرتها في جبهتها ، لأنّ الهمزة في الواو ونظيرتها العلماع ، وكذلك برواع إلّا أنك تنقط بين الراء والواو واحدة «برءوا» (٢) وترفعها شيئا للنصبة لأنّها هي الهمزة وهي منتصبة ، فمن ثمّ دفعتها بينهما وتنقط اخرى في جبهة الواو لأن قياسها برعاع ، فتجمعها الهمزة بين الراء والألف الّتي كان ينبغي لها أن تكتب والواو بمنزلة الألف. وكان بشار الناقط ينقط «بروا» بواحدة قبل الألف والاخرى قبل الألف مرفوعة من قدامها وهو خطأ.

وممّا يكتب في المصحف على غير القياس في الهجاء «نشؤا» كتبوا بعضها بالألف وبعضها بالواو ، وهي في هود «أو أن نفعل في أموالنا ما نشؤا» ، فالنقطة تقع في جبهة الواو ، لأنّ الواو بدل الألف.

ومن ذلك «الضّعفؤا» في بعض القرآن ، و «الملأ (٣) من قومه» في مواضع تنقطها في الجبهة ، و «الموءودة سئلت» بواو واحدة وكان ينبغي لهم أن يكتبوها بواوين ، لأنّ قياسها الموعودة ، فلو كتبوها بواوين نقطت الهمزة في قفا الواو

__________________

(١) العلمؤا : فهي في الخط الكوفي «؟».

(٢) برءوا : وشكلها في الخط الكوفي «؟».

(٣) الملأ : في مصحفنا «الملأ الّذين كفروا من قومه». انظر أيضا (س ٢٧ آ ٢٩ ر ٣٢ ر ٣٨).

٦٢٥

الثانية ، فلمّا تركت نقطت بين الواو والدال ، لأنّ موضعها بينهما ، ولو نقطت في قفا الواو لاختلطت وظن المنقوط له أنها المودة على قياس المعودة. ومما يكتب أيضا في المصحف «ليسؤا وجوهكم» ، من قرأها على الجماع (١) كتب بواو واحدة فاذا نقطها نقطها في قفا الواو لأنّ قياسها ليسوعوا ، فقد ذهبت عين الفعل والواو الساقطة من المودّة الّتي بعد الواو الّتي فيها ، والواو واو الجمع ، ولا بدّ من إثباتها فهذا فرق ما بينهما. ومن قرأ «ليسؤا» ويرفعها شيئا للنصبة لأنّ قياسها ليسوع ، فالهمزة بعد الواو ، فليس على الألف منها شيء ، لأنّ الألف ليست من الحرف ، وكذلك «إنّي اريد أن تبوأ بإثمي» ، وكذلك «شيئا». وأمّا أبو محمّد فقال في هذه النقطة «تبوأ بإثمي» و «ليسؤا وجوهكم» تقع على الألف واحدة ويحتج في ذلك بقوله لو قلت أمرتهما أن تبوا الآيتين لم يكن بد من تقييدها وإن كانت النقطة تقع على الألف مقيّدة ، فالألف أولى بها في غير التقييد ، وإنما نقطت «وجيء» (٢) فتحتها بعد الياء ورفعتها ، لأنّها غير مكتوبة بالألف ، فالهمزة مكان الألف ، وكذلك «سيء بهم».

فأمّا إذا كانت الهمزة مجزومة وما قبلها مكسور مثل «يئس» نقطت الهمزة من أسفل لا تجعلها قبل الياء لأنّ قياسها يعس والهمزة هي الياء. وأمّا «باءو بغضب» و «جاءو» فكتبت في المصحف بغير ألف وقياسها جاعوا وباعوا ، فإذا نقطتها في قفا الواو كان ينبغي أن يكتب الألف بعد الواو ودخول الألف وخروجها في النقط من هذا سواء ، لأنّ الهمزة قبل الواو.

وقوله «ورأوا» (٣) كتبت أيضا بغير ألف ونقطتها تقع قبل الألف ، لأنّها مثل «اتو» مقصورة ، وإذا جاءت الهمزة في مثل «ائتوني به» و «ائذن لي» ، فإنّ الهمزة

__________________

(١) الجماع : كذا هي في الأصل والمراد الجمع.

(٢) وجيء : وهي في المصاحف الحديثة «وجايء».

(٣) ورأوا : وهي في مصحفنا بالألف.

٦٢٦

في الياء وينظر إلى ما قبلها ، فان كان مرفوعا نقطت الهمزة مرفوعة ، وإن كان منصوبا نقطت الهمزة فوقها ، وإن كانت مجرورة نقطتها من تحتها مثل (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) قدام الياء ، والنصب (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ) النصب في اللّام ، قال والخفض في قوله (فِي السَّماواتِ ائْتُونِي) وليس على الألف الّتي في «ائتوني» شيء من ذاك ، إنّ هذه الألف الّتي قبلها تسقط في الوسط وهي مختلفة كتبت للابتداء. فاذا كانت في معنى جيئوني كتبوا بالواو ، وإذا كانت في معنى أعطوني كتبوا بغير ياء ، وقرأ الأعمش «أتوني (١) أفرغ» على معنى جيئوني (٢).

تبديل النقاط بالحروف :

استمرّ الأمر على التنقيط كما مرّ بنا ، ثمّ بدّل الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت : ١٧٠ ه‍) النقط بالحركات كما رواه السيوطي في الإتقان (٢ / ١٧١) وقال : «والّذي اشتهر الآن في القرن التاسع الهجري الضبط بالحركات المأخوذة من الحروف وهو الّذي أخرجه الخليل وهو أكثر وأوضح وعليه العمل ، فالفتح شكلة مستطيلة فوق الحروف والكسر كذلك تحته والضم واو صغرى فوقه والتنوين زيادة مثلها ...».

الأمر بكتابة تفسير الآيات في المصاحف :

ذكرنا خبر تنقيط المصاحف من أمر التدوين ، أمّا أمر كتابة بيان الرسول مع القرآن في المصاحف مع التفسير اللغوي ، فكان خبره كالآتي :

بعد منع الخلفاء من نشر حديث الرسول (ص) وكتابته كما مرّ بنا شجع خلفاء الأمويين الشعراء وعلماء الأنساب ، فأصبح كل متخصّص بهما مقرّبا إلى

__________________

(١) آتوني : وهي في القراءة المشهورة «ءاتوني».

(٢) المصاحف ، ص ١٤٤ ـ ١٥٠.

٦٢٧

ديوان الخلفاء ومبجلا في المجتمع ، ويكفي لمعرفة ذلك مراجعة كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني في هذا الصدد.

ولما ولي منهم عمر بن عبد العزيز ، أمر بكتابة حديث الرسول (ص) ، والّذي كان من ضمنه تفسير الآيات ، غير ان ذلك لم يتم ، لأنّه حكم قرابة سنتين وتوفّي مسموما ، وبقي الحكم بعده ، حتّى قامت الخلافة العباسية وانتهى أبو جعفر المنصور من إبادة المعارضين للحكم.

ولما استتب له الأمر أمر في سنة ١٤٣ هجرية بتدوين العلوم كما سيأتي خبره في خصائص المجتمع الإسلامي على عهد العباسيين.

* * *

بهذا ننهي ذكر أخبار القرآن على عهد بني اميّة لندرس في ما يأتي بإذنه تعالى خصائص المجتمع الإسلامي على عهد بني العباس.

٦٢٨

خصائص المجتمع الإسلامي على عهد العباسيين

اختلفت سياسة الخلفاء العباسيين في أوّل عهدهم عمّا كان عليه الأمويون من تفسخ خلقي وتجاهر بمخالفة الأحكام الإسلامية ، غير أنّ التعصّب القبلي بين أبناء الامّة لم يتغير ، بل اتسع في آخر العهد الأموي واشتدّ حتى عمّ جميع قبائل الأنصار اليمانيين القحطانيين من جانب وجميع قبائل النزاريين والعدنانيين من جانب آخر ، وبقي الأمر كذلك إلى العهد العباسي.

وجرت بين القبيلتين مفاخرات ومنافرات عادت على اللغة العربيّة بأدب غزير شعرا ونثرا في الحماسة والهجاء وغيرهما ، وكان أبطالها الشعراء من أبناء القبيلة كالكميت ودعبل ، أو من مواليها وأدعيائها كأبي نواس الحسن بن هانئ.

وكانت المفاخرة تقوم على ذكر بطولات أفراد القبيلة ، ومن ثمّ كان احياء أيّام العرب في الجاهليّة والإسلام ، وذكر أمجادها وأمجاد من يمتّ إليها بنسب ، أو سبب.

ومن ذلك ما ذكره المسعودي في التنبيه والإشراف ، وقال :

من أشعار ولد معد بن عدنان في افتخارهم بالفرس على اليمانيّة ، وانّهم من ولد أبيهم إبراهيم ، كقول جرير بن عطيّة الخطفي التميمي مفتخرا لنزار على اليمن :

أبونا خليل الله لا تنكرونه

فأكرم بإبراهيم جدّا ومفخرا

وأبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا

حمائل موت لا بسين السنوّرا(١)

__________________

(١) السنوّر : الدّرع أو جملة السّلاح.

٦٢٩

إذا افتخروا عدّوا الصبهبذ منهم

وكسرى ، وعدوا الهرمزان وقيصرا

أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا

أب كان مهديا نبيا مطهرا

ويجمعنا والغرّ أبناء فارس

أب لا نبالي بعده من تأخّرا

وكقول إسحاق بن سويد العدوي عديّ قريش :

إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد

أتى فخرنا أعلى عليها وأسودا

ملكناهم بدءا بإسحاق عمّنا

وكانوا لنا عونا على الدّهر اعبدا

ويجمعنا والغرّ ابناء فارس

أب ، لا نبالي بعده من تفرّدا(١)

وكقول بعض النزارية :

وإسحاق وإسماعيل مدّا

معالي الفخر والحسب اللّبابا

فوارس فارس وبنو نزار

كلا الفرعين قد كبرا وطابا(٢)

وقال في ص ٧٦ منه :

واليمانية من العرب تدّعى الضحاك (٣) ، وتزعم أنّه من الأزد (٤) ، وقد ذكرته الشعراء في الإسلام ، فافتخر به أبو نواس الحسن بن هانئ مولى بني حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن ... يعرب بن قحطان في قصيدته الّتي هجا فيها قبائل نزار بأسرها ، وافتخر بقحطان وقبائلها ، وهي قصيدته المشهورة الّتي أطال الرشيد حبسه بسببها.

وقيل : إنّه حدّه لأجلها ، فقال فيها مفتخرا باليمن وذاكرا للضحّاك :

__________________

(١) أعبد جمع عبد : المملوك.

(٢) التنبيه والأشراف للمسعودي ، ط. مصر عام ١٣٠٧ ه‍ ، ص ٩٤ ـ ٩٥.

(٣) الضحاك : من ملوك الفرس ويسمى ال (بيوراسب) ملك ألف سنة.

(٤) الأزد : هو أدد بن الغوث من سبأ.

٦٣٠

فنحن أرباب ناعط ولنا

صنعاء والمسك في محاربها

وكان منّا الضحّاك يعبده الـ

 ـ خابل والطير في مساربها

ويقول فيها يهجو نزارا :

واهج نزارا وافر جلدتها

وكشف الستر عن مثالبها(١)

* * *

كان ذلك من خصائص المجتمع الإسلامي في جانب أفراد الامّة الإسلامية. ومن جانب الخلفاء اشتدّت المنافسة بين خلفاء بني العباس وذرّيّة الإمام عليّ بدءا بزمان المنصور ، وأثّر ذلك في ما بقي من ذلك العصر من تراث علمي وأدبي كما يوضح ذلك بعض الأمثلة الّتي نوردها في ما يأتي بإذنه تعالى :

قال الخليفة العباسي ابن المعتزّ (ت ٢٩٦ ه‍) يخاطب ذرية الإمام عليّ :

يا بني عمنا إلى كم وحتى

ليس ما تطلبونه يستقيم

أأبو طالب كمثل أبي الف

 ـ ضل أما منكم بهذا عليم

سائلوا مالكا ورضوان عن ذا

أين هذا وأين هذا مقيم

يقصد أنّ أبا الفضل مقيم في الجنّة وأبا طالب مقيم في النار على حدّ زعمه ، وقال :

دعوا آل عباس وحق أبيهم

وإيّاكم منهم فإنّهم هم

يقصد وحق أبيهم العباس في خلافة الرسول (ص) الّتي ورثوها منه ، وقال :

أبى الله إلّا ما ترون فما لكم

عتاب على الأقدار يا آل طالب

عطيّة ملك قد حبانا بفضله

وقدّره ربّ جزيل المواهب(٢)

 (١) ناعط : قصر بالقرب من عدن باليمن ، والخابل : الجنّي ، الشّيطان ، والمسارب : جمع المسرب : وهو الطريق أو المسلك ، وافر : أي واقطع.

(٢) ديوان ابن المقفع ، دار صادر ، بيروت ، ص ١٦ و ٥١.

٦٣١

وقد أثمرت جهود الأمويين في عصرهم في تربية الناس كما شاءوا ، وبقيت آثارها إلى العهد العباسي وما بعده ، كما نلاحظ ذلك في الخبرين الآتيين :

أوّلا : في الشام :

روى الذهبي وابن خلكان في ترجمة النّسائي ما موجزه :

الحافظ ، الإمام ، شيخ الإسلام ، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائي ، كان إمام أهل عصره في الحديث وله كتاب السنن تفرّد بالمعرفة وعلوّ الإسناد ، واستوطن مصر.

وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويجتهد في العبادة ليلا. وخرج مع أمير مصر إلى الغزو ، وكان يحترز عن مجالسه والانبساط في المأكل ، وخرج آخر عمره حاجّا وبلغ دمشق ، وصنّف في دمشق كتاب الخصائص في فضل عليّ بن أبي طالب (رض) وأهل البيت ، وأكثر رواياته فيه عن أحمد بن حنبل ، فأنكروا عليه ذلك ، فقال : دخلت دمشق والمنحرف عن عليّ بها كثير ، فصنفت كتاب الخصائص رجوت أن يهديهم الله بهذا الكتاب.

فقيل له : ألا تخرج فضائل معاوية؟

فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث اللهمّ لا تشبع بطنه؟

فسكت السائل ، وسئل ـ أيضا ـ عن معاوية وما جاء من فضائله ، فقال : ألا يرضى رأسا برأس حتّى يفضل ، فما زالوا يدفعون في خصييه وداسوه ، حتى اخرج من المسجد وحمل إلى الرملة.

قال الحافظ أبو نعيم : مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول.

وقال الدارقطني : امتحن بدمشق وادرك الشهادة. كان ذلك سنة ٣٠٣ ه‍ (١).

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ، ص ٦٩٨ ، ووفيات الأعيان ١ / ٥٩.

٦٣٢

ثانيا : في العراق :

روى الذهبي في ترجمة ابن السقا من تذكرة الحفاظ ، وقال :

الحافظ الإمام محدّث واسط ، أبو محمّد ، عبد الله بن محمّد بن عثمان الواسطي (ت : ٣٧٣ ه‍).

اتّفق أنّه أملى حديث الطير ، فلم تحتمله نفوسهم ، فوثبوا به فأقاموه ، وغسلوا موضعه ، فمضى ولزم بيته. فكان لا يحدّث أحدا من الواسطيين ، فلهذا قلّ حديثه عندهم (١).

وهكذا بقيت آثار السياسة الأموية بين أبناء الامّة في المجتمع الإسلامي كما أرادوها من بعدهم ، ومن راجع بحثي (كتمان فضائل الإمام عليّ ونشر سبّه ولعنه والسبب فيهما) و (عشرة أنواع من الكتمان والتحريف لسنّة الرسول (ص)) في المجلّد الأوّل من كتاب «معالم المدرستين» يدرك أنّ آثار سياستهما لم تزل سارية في المجتمع الإسلامي ، غير أنّ سياسة الحكم عند الخليفة أبي جعفر المنصور ، اقتضت الأمر بكتابة جميع فنون المعرفة في عصره ، كما سندرس خبره بإذنه تعالى في ما يأتي.

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ، ص ٩٦٦. وحديث الطير أن رسول الله (ص) اهدي إليه طير مشوي فوضع بين يديه فقال : اللهمّ ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي ، فجاء عليّ بن أبي طالب وأكل معه. وراجع أسانيد حديث الطّير في : ٢ / ١٠٥ ـ ١٥٥ ، من سيرة الإمام عليّ في تاريخ دمشق لابن عساكر ، تحقيق البحّاثة المحقق المحمودي ط. بيروت سنة ١٣٩٥ ه‍.

٦٣٣

عصر تدوين الحديث

تمهيد :

في أخريات العهد الأموي وأوائل العصر العباسي ، وانشغال الطرفين بالحروب بينهما فسح المجال للناس أن يأخذوا أحاديث الرسول (ص) من الإمام الباقر والإمام الصادق (ع) من أئمّة أهل البيت ، وفسح المجال للإمام جعفر بن محمّد الصادق (ت : ١٤٨ ه‍) أن يروي الحديث مسلسلا عن آبائه عن رسول الله (ص) كما بيّنّا الخبر بهذا السند في الفصل الرابع من المجلّد الثاني من كتابنا «معالم المدرستين» بحث (القرآن والسنّة هما مصدرا التشريع لدى مدرسة أهل البيت) ، ولما فسح المجال للإمام الصادق أن يروي الحديث لانصراف آخر الأمويين إلى الحرب مع العباسيين ، اجتمع على الإمام الصادق آلاف الرواة ، وقد كتب ابن عقدة (ت : ٣٣٣ ه‍) أسماء الّذين رووا عن الصادق أربعة آلاف رجل كما جاء ذلك في ترجمته في الكنى والألقاب للقمي ، وراجع ترجمة ابن عقدة في ميزان الاعتدال للذهبي. لذا اقتضى الدافع السياسي لأبي جعفر المنصور (ت : ١٥٨ ه‍) أن يأمر بكتابة العلم كالآتي بيانه :

ذكرنا في بحث منع كتابة سنّة الرسول (ص) من المجلّد الثاني من معالم المدرستين كيف منع الخلفاء من تدوين سنّة الرسول (ص) إلى عصر عمر بن عبد العزيز والذي أمر بتدوينها.

غير أنّه لم يتم الأمر لوفاة عمر بن عبد العزيز بالسمّ عام (١٠١ ه‍) ، وفقد ما كان دوّن في عصره. فقد روى ابن حجر في ترجمة أبي بكر بن محمّد بن عمرو ابن حزم (ت : ١١٧ ه‍) ما موجزه :

كتب إليه عمر بن عبد العزيز ، أن يكتب له العلم. وقال ابنه بعد وفاته : ضاعت تلك الكتب (١).

__________________

(١) راجع تهذيب التهذيب ١٢ / ٣٩.

٦٣٤

وكذلك لم يبق ما دوّن غيره من العلم ، حتى ولي أبو جعفر المنصور وحرض العلماء على التدوين ، قال الذهبي في ذكر حوادث سنة ١٤٣ :

وفي هذا العصر شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنّف ابن جريج التصانيف بمكّة ؛ وصنّف سعيد بن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ؛ وصنّف الأوزاعي بالشام ؛ وصنّف مالك الموطأ بالمدينة ؛ وصنّف ابن إسحاق المغازي ؛ وصنّف معمر باليمن ؛ وصنّف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة ؛ وصنّف سفيان الثوري كتاب الجامع ؛ ثمّ بعد يسير صنف هشيم كتبه ؛ وصنّف اللّيث بمصر وابن لهيعة ثمّ ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب. وكثر تدوين العلم وتبويبه ، ودوّنت كتب العربية واللّغة والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان سائر الأئمة يتكلّمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة. فسهل ولله الحمد تناول العلم وأخذ الحفظ يتناقص ، فلله الأمر كلّه (١).

ونقل الخبر عنه السيوطي في تاريخ الخلفاء ، ص ٢٦١.

وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي :

ولمّا حجّ المنصور سنة ١٤٣ رغب إلى مالك في تأليف (الموطأ) كما رغّب هو وولاته العلماء في التدوين.

وقد دوّن ابن جريج ، وابن عروبة ، وابن عيينة وغيرهم ، ودوّن سائر فقهاء الأمصار وأصحابهم (٢).

قال المؤلّف :

__________________

(١) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ٦ / ٦.

(٢) موسوعة الفقه الإسلامي (جمال عبد الناصر) ، إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة ١ / ٤٧.

٦٣٥

ولا يناقض ما ذكرناه هنا ما نقلوا عن وجود مدوّنات حديثية لبعضهم قبل هذا العصر مثل ما قالوا : إنّه كان للصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص الصحيفة الصادقة ، وكذلك قالوا : كان للتابعي الزهري أحاديث مدوّنة. فإنّ أمثال ذينك المدوّنتين بلغ أسماؤها إلى العلماء في عصر تدوين الحديث فحسب.

ثمّ تسابق المحدّثون بمدرسة الخلفاء بعد ذلك ـ وعلى عهد المنصور العباسي ـ في تدوين ما بقي في ذاكرتهم من سنّة الرسول (ص).

تراجم المذكورين في الأخبار :

ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكّي ، سمع جمعا من العلماء. يقال : إنّه أول من صنّف الكتب وكان أحمد بن حنبل يقول : كان ابن جريج من أوعية العلم. توفّي سنة ١٥١.

تذكرة الحفاظ ١ / ١٦٠ ؛ وابن خلكان ١ / ٢٨٦ ؛ وتاريخ بغداد ١٠ / ٤٠٠ ؛ ودول الإسلام للذهبي ١ / ١٩.

وسعيد بن أبي عروبة أبو نظر العدوي ولاء البصري ، وهو أوّل من صنّف الأبواب بالبصرة. قال أحمد بن حنبل :

لم يكن له كتاب إنّما كان يحفظ وتغير حفظه قبل موته بعشر سنين (توفّي : ١٥٦ للهجرة).

راجع ترجمته بتذكرة الحفاظ للذهبي ١ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

وحماد بن سلمة بن دينار البصري الرّبعي بالولاء ، أبو سلمة ، مفتي البصرة ، وأحد رجال الحديث وهو أوّل من صنّف التصانيف المرضية (ت : ١٦٧ ه‍).

تهذيب التهذيب ٢ / ١١ ؛ وميزان الاعتدال ١ / ٢٧٧ ؛ وحلية الأولياء ٦ / ٢٤٩ ؛ والأعلام للزركلي.

٦٣٦

والأوزاعي : أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن يحمد كيكرم إمام أهل الشام ، ولم يكن بالشام أعلم منه ، وكان يسكن بيروت ، وكانت وفاته ١٥٧ ه‍. والأوزاعي نسبة إلى أوزاع بطن من همدان ينسب إليه الأوزاعي المذكور لا القرية الواقعة بدمشق خارج باب الفراديس.

الفهرست لابن النديم ١ / ٢٢٧ ؛ والوفيات ١ / ٢٧٥ ؛ وحلية الأولياء ٦ / ١٣٥ ؛ وتهذيب الأسماء واللغات ، القسم الأوّل من الجزء الأوّل ، ص ٢٩٨.

مالك بن أنس الأصبحي (ت : ١٧٩ ه‍) كتب الموطأ للخليفة المنصور وسمعه منه المهدي وأخوه الهادي. مقدمة الموطأ بتصحيح محمّد فؤاد عبد الباقي ص (ز ـ حك) وترجمته بتذكرة الحفاظ ١ / ٢٠٧ ـ ٢١٣.

وابن إسحاق محمّد بن ياسر صاحب السيرة ومؤلفات اخرى (ت : ١٥١ ه‍).

ومعمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي بالولاء ، أبو عروة ، فقيه ، حافظ للحديث ، من أهل البصرة. ولد واشتهر فيها وسكن اليمن. وهو عند مؤرخي رجال الحديث أوّل من صنّف باليمن (ت : ١٥٣ ه‍).

تذكرة الحفاظ ١ / ١٧٨ ؛ وتهذيب التهذيب ١٠ / ٢٤٣ ؛ وميزان الاعتدال ٣ / ١٨٨.

وسفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، أبو عبد الله ، وصفوه بأنّه أمير المؤمنين في الحديث. ولد ونشأ في الكوفة. له من الكتب : الجامع الكبير (ت : ١٦١ ه‍).

تهذيب التهذيب ٤ / ١١١ ـ ١١٥ ؛ وابن سعد ٦ / ٢٥٧ ؛ وابن النديم ١ / ٢٢٥ ؛ ودول الإسلام ١ / ٨٤ ؛ وحلية الأولياء ٦ / ٣٥٦ ؛ وابن خلكان ١ / ٢١٠.

واللّيث بن سعد بن عبد الرّحمن الفهمي بالولاء. أبو الحارث ، إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها.

٦٣٧

كان كبير الديار المصرية ورئيسها. وأمير من بها في عصره ، بحيث أنّ القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته. أصله من خراسان ووفاته في القاهرة وله تصانيف (ت : ١٧٥ ه‍).

تذكرة الحفاظ ١ / ٢٠٧ ؛ وتهذيب التهذيب ٨ / ٤٥٩ ؛ ووفيات الأعيان ١ / ٤٢٨.

وابن لهيعة : أبو عبد الرّحمن ، عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري ، كان كثير الرواية في الحديث والأخبار ، تولّى قضاء مصر بأمر المنصور الدوانيقي سنة ١٥٥ ، وصرف عن القضاء سنة ١٦٤ ، وحديثه مذكور في صحيحي الترمذي وأبي داود وغيرهما ، توفّي بمصر سنة ١٧٤ ه‍.

ميزان الاعتدال ٢ / ٤٧٥ ؛ ووفيات الأعيان ٢ / ٢٤٢.

وابن المبارك : أبو عبد الرّحمن عبد الله بن المبارك المروزي العالم الزاهد العارف المحدث ، كان من تابعي التابعين. وروي عن أبي أسامة ، قال : ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.

تاريخ بغداد ١٠ / ١٥٢ ؛ والكنى والألقاب ١ / ٤٠١.

وعبد الله بن وهب بن مسلم الفهري بالولاء ، المصري أبو محمّد ، فقيه من الأئمة ، من أصحاب مالك. جمع بين الفقه والحديث. له كتب منها : الجامع.

تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧٩ ؛ ووفيات الأعيان ١ / ٢٤٩.

كان ذلكم خبر تدوين الحديث وعصره ، وينبغي لنا أن ندرس في ما يأتي بإذنه تعالى كيفية رواية الحديث في عصر منع تدوين الحديث وأثرها على الحديث في عصر تدوينه.

٦٣٨

كيفية رواية الحديث في عصر منع تدوينه وعصر الأمر بتدوينه

أ ـ في عصر الصحابة :

قال ابن الجوزي (ت : ٥٩٧ ه‍) في كتاب الموضوعات ، الباب الثالث ، في الأمر بانتقاد الرجال والتحذير من الرواية عن الكذابين والبحث عن الحديث المباين للاصول :

كان السرب الأوّل صافيا ، فكان بعض الصحابة يسمع من بعض ويقول : قال رسول الله (ص) من غير ذكر رواة له ، لأنّه لا يشك في صدق الراوي. ودليل ذلك رواية أبي هريرة وابن عباس قصة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وهذه قصة كانت بمكّة في ـ بدو ـ [بدء] الإسلام وما كان أبو هريرة قد أسلم ، وكان ابن عباس يصغر عن ذلك. وكذلك روى ابن عمر وقوف رسول الله (ص) على قليب بدر وابن عمر لم يحضر. وروى المسور بن ـ محرمة ـ [مخرمة] ومروان بن الحكم قصة الحديبية وسنهما لا يحتمل ذلك لأنّهما ولدا بعد الهجرة بسنين. وروى أنس بن مالك حديث انشقاق القمر بمكّة ، وقال البرّاء بن عازب : ليس كلّ ما يحدّثكموه [سمعناه] من رسول الله (ص) ، ولكن حدثنا أصحابنا ، ثمّ لم تزل الآفات تدب حتى وقعت التهم فاحتيج إلى اعتبار العدالة (١).

هكذا قال ابن الجوزي وسائر العلماء في شأن روايات الصحابة ، ومنشأ قولهم هذا إنّما هو اعتقادهم بعصمة الصحابة عن الزلل والخطأ والنسيان ، وسوف

__________________

(١) كتاب الموضوعات ، ط. المدينة المنوّرة سنة ١٣٨٦ ه‍ (١ / ٩٩). وسمعناه ، في الأصل : سعمناه.

٦٣٩

نناقش هذا القول في ما يأتي إن شاء الله ، ونقتصر هنا على إيراد ما نقله كلّ من ابن عساكر وابن كثير في تاريخيهما :

بسندهما عن بسر بن سعيد أنّه قال : اتّقوا الله وتحفظوا من الحديث ، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله (ص) ، ويحدّثنا عن كعب الأحبار ثمّ يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله (ص) عن كعب ، وحديث كعب عن رسول الله (ص) ، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله (ص) ، وما قاله رسول الله (ص) عن كعب ، فاتّقوا الله وتحفّظوا في الحديث.

وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلس ـ أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله (ص) ولا يميز هذا من هذا ـ ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه «من أصبح جنبا فلا صيام له» فإنّه لما حوقق عليه قال : أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله (ص). وقال شريك عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة ، وروى الأعمش عن إبراهيم. قال : ما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة ، وقال الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئا ، وما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة ، إلّا ما كان من حديث صفة جنّة أو نار ، أو حث على عمل صالح ، أو نهي عن شرّ جاء القرآن به (١).

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ، ط. بيروت سنة ١٤٠١ ه‍ (٨ / ١١٧ ـ ١١٨) ؛ وترجمة الصحابي أبي هريرة في تاريخ ابن عساكر ، مصوّرة مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ١٩ / ١٢٢ / أ ـ ب ؛ وتفسير النّسائي بتفسير آية (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من سورة البقرة ١ / ٢٠٤.

٦٤٠