القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

البسملة لدى المدرستين(١)

اختلف المسلمون في شأن البسملة.

فذهبت طائفة : إلى أنّه يجب قراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، في أوّل الحمد وأوّل كلّ سورة.

وذهبت طائفة اخرى : إلى أنّه لا يجب.

والأوّل أصح!!

لأنّ يقين البراءة يحصل به ، فإنّ من قرأها صحّت صلاته إجماعا ؛ ومن تركها في أحد الموضعين ، صحّت صلاته عند بعضهم ، وبطلت عند الباقين ؛ فتعيّن قراءتها في الموضعين ، ليحصل الخروج عن هذه التكاليف ، بالإجماع.

* * *

هذا ما نذهب إليه في هذا الشأن ، وفي ما يأتي نورد بإذنه تعالى الروايات المختلفة في شأن البسملة لندرسها بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) كتب المحدّث النوري صفحة واحدة عن البسملة في كتابه (فصل الخطاب) ، ص ١٢٢ في كون بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آية من القرآن وجزءا من كل سورة ، ولم يأت في ما ذكر بشيء نافع.

٤١

أوّلا ـ ما يدلّ على أنّ البسملة آية من سور القرآن :

أ ـ عن عبد الله بن عباس قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، آية (١).

ب ـ عن طلحة بن عبيد الله قال : قال رسول الله (ص) : «من ترك (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقد ترك آية من كتاب الله» (٢).

ج ـ عن الصحابي أنس ، قال : بينا رسول الله (ص) ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثمّ رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : أنزلت عليّ آنفا سورة ، فقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ...)(٣).

د ـ عن ابن عمر ، قال : نزلت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في كلّ سورة (٤).

__________________

(١) الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن ابن الضريس.

(٢) الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن الثعلبي. والثعلبي ، العلّامة أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري (ت : ٤٣٧ ه‍). من تآليفه : الكشف والبيان في تفسير القرآن. تذكرة الحفاظ ، ص ٩٠ ، وهدية العارفين ١ / ٧٥. وطلحة بن عبيد الله الصحابي أبو محمّد التيمي ، رووا عنه ٣٨ حديثا. قتل في حرب الجمل سنة ٣٦ ه‍.

جوامع السيرة ، ص ٢٨١ ؛ وتذكرة الحفاظ ، ص ١٠٩٠ ؛ تقريب التهذيب ١ / ٣٧٩.

(٣) صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب (حجّة من قال : إنّ البسملة آية من كلّ سورة سوى براءة) الحديث ٥٣ ، واللّفظ له ١ / ٣٠٠ ؛ وسنن النّسائي ، كتاب الافتتاح ، باب قراءة البسملة ؛ وسنن أبي داود ، كتاب الصلاة ، باب من لم ير الجهر بالبسملة ١ / ٢٠٨ ؛ ومسند أحمد ٣ / ١٠٢ ؛ وسنن البيهقي ١ / ٤٣.

وأنس بن مالك ترجم له في معالم المدرستين ١ / ١٣٤ ، ط. الرابعة.

(٤) الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن الواحدي.

والواحدي ، الإمام أبو الحسن عليّ بن أحمد بن محمّد ، المفسّر النيسابوري ، من تآليفه : أسباب ـ

٤٢

ه ـ عن ابن عمّ النبيّ (ص) ؛ ابن عباس : أنّ النبي (ص) كان إذا جاءه جبريل فقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، علم أنّها سورة (١).

و ـ عن ابن عباس قال : كان النبيّ (ص) لا يعرف فصل السورة ، وفي لفظ ، خاتمة السورة حتّى ينزل عليه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). زاد البزار والطبراني : فإذا نزلت عرف أنّ السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدأت سورة اخرى (٢).

ز ـ عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا يعرفون انقضاء السورة حتّى تنزل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فإذا نزلت عرفوا أنّ السورة قد انقضت (٣).

ح ـ في رواية ابن مسعود : كنّا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتّى تنزل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

ط ـ قال سعيد بن جبير : في عهد النبيّ (ص) كانوا لا يعرفون انقضاء السورة حتّى تنزل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فإذا نزلت علموا أن قد انقضت السورة ونزلت اخرى (٤).

__________________

ـ النزول في تبليغ الرسول (ص) ، والبسيط والوجيز في تفسير القرآن (ت : ٤٦٨ ه‍).

هدية العارفين ٢ / ٦٩٢ ، ومادّة الوجيز بكشف الظنون.

وابن عمر ترجم له في الجزء الأوّل ، ص ١٩٥ ، ط. الرابعة من معالم المدرستين.

(١) في مستدرك الحاكم ١ / ٢٣١ ، هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. ونقله السيوطي ـ أيضا ـ في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان.

(٢) سنن أبي داود ، كتاب الصلاة ، باب من جهر بها ١ / ٢٠٩ ؛ وسنن البيهقي ٢ / ٤٣ ؛ ومستدرك الحاكم ١ / ٢٣٢ ، وقال هذا حديث صحيح ولم يخرجاه. وقال الذهبي : أمّا هذا فثابت ؛ وراجع مجمع الزوائد للهيثمي ٦ / ٣١٠ ؛ وفي الدرّ المنثور ١ / ٧ ؛ عن الطبراني والبيهقي.

(٣) مستدرك الحاكم ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ؛ وسنن البيهقي ٢ / ٤٣ ؛ والدر المنثور ١ / ٧.

(٤) رواية ابن مسعود في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن البيهقي في شعب الإيمان. والواحدي ، وخبر ـ

٤٣

ي ـ عن ابن عباس قال : سألت عليّ بن أبي طالب (رض) ، لم لم تكتب في براءة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ قال : لأنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أمان ، وبراءة نزلت بالسيف (١).

ثانيا ـ أنّ البسملة آية من سورة الحمد وقرأها النبيّ في الصلاة وأمر بها :

أ ـ عن امّ سلمة قالت : إنّ النبي (ص) كان يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(٢).

وفي رواية ، سئلت امّ سلمة عن قراءة رسول الله (ص) ، فقالت : كان يقطّع قراءته آية آية : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ...)(٣).

__________________

ـ سعيد بن جبير فيه عن أبي عبيد ، ومصنف عبد الرزاق ٢ / ٩٢. وسعيد بن جبير الكوفي الوالبي ولاء ، الفقيه ، المقرئ من التابعين. أخرج حديثه أصحاب الصحاح والسنن. خرج مع عبد الرّحمن بن الأشعث على الحجّاج ، فلمّا غلبهم الحجّاج قتله سنة ٩٥ هجرية.

تذكرة الحفاظ ، ص ٧٦ ـ ٧٧ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٢٩٢.

(١) الدرّ المنثور بتفسير سورة التوبة : أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس.

(٢) مستدرك الحاكم وتلخيصه ٢ / ٢٣٢ ، ولفظه : (يقرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يقطعها حرفا حرفا). قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأيّده الذهبي في تلخيصه ، والفخر الرازي أخرجها بسندين في تفسيره ١ / ١٩. وامّ سلمة ترجمت في الجزء الأوّل من معالم المدرستين ، ص ١٣٣ ، الطبعة الرابعة.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٣٠٢ ؛ وسنن أبي داود ٤ / ٣٧١ ، كتاب القراءات والحروف ؛ وسنن ـ

٤٤

ب ـ عن ابن عباس قال : (كان النبيّ (ص) يفتتح صلاته ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)) (١).

ج ـ عن جابر ، قال : قال لي رسول الله (ص) : كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟ قلت : أقرأ الحمد لله ربّ العالمين ، قال : قل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢).

د ـ عن نافع ، أنّ ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة يقرأ ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في امّ القرآن وفي السورة الّتي تليها. ويذكر أنّه سمع ذلك من رسول الله (ص) (٣).

__________________

ـ البيهقي ٢ / ٤٤ ، وفي ٥٣ منه بإيجاز.

وأضاف السيوطي في الدرّ المنثور ١ / ٧ وقال : أخرج أبو عبيد وابن سعد في الطبقات وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني والخطيب وابن عبد البرّ ، كلاهما في كتاب المسألة عن امّ سلمة ... وفي آخره : (وعدّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية).

وابن خزيمة ، أبو بكر محمّد بن إسحاق الشافعي النيسابوري ، انتهت إليه الإمامة والحفظ في خراسان. قالوا : مصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابا.

تذكرة الحفاظ ، ص ٧٢٠ ـ ٧٣١ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٢٩.

والدارقطني ، الحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر بن أحمد الشافعي ، إمام عصره في الحديث ، وأوّل من صنف القراءات وعقد لها أبوابا. من تآليفه : السنن والإلزامات على الصحيحين (ت : ٣٨٥ ه‍).

تذكرة الحفاظ ٣ / ٩٩١ ؛ وهدية العارفين ١ / ٦٨٣.

(١) سنن الترمذي ٢ / ٤٤ ، أبواب الصلاة ، باب ما جاء في الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم. والدرّ المنثور ١ / ٨ ، عن الدارقطني وأبي داود ، كتاب الصلاة ، باب من جهر بها ـ البسملة ـ ، ح : ٧٨٨ ، ١ / ٢٠٩.

(٢) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، عن الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ٤٧ ؛ والسيوطي ١ / ٨ عن الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي واللفظ للسيوطي لإيجازه. وفي لفظ البيهقي : أنّ رسول الله (ص) كان إذا افتتح الصلاة يبدأ ببسم الله ...

٤٥

ه ـ عن أبي هريرة أنّ النبيّ (ص) كان إذا قرأ وهو يؤمّ الناس ، افتتح ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال أبو هريرة : هي آية من كتاب الله ، اقرءوا (١) إن شئتم فاتحة الكتاب فإنّها الآية السابعة (٢).

و ـ عن قتادة ، قال : سئل أنس بن مالك ، كيف كانت قراءة رسول الله (ص)؟ قال : كانت مدّا ثمّ قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يمدّ : (بِسْمِ اللهِ) ويمدّ (الرَّحْمنِ) ويمدّ (الرَّحِيمِ)(٣).

ز ـ عن أبي هريرة (رض) قال : قال رسول الله (ص) : إذا قرأتم الحمد فاقرءوا (٤) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، إنّها امّ القرآن وامّ الكتاب والسبع المثاني ، و (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إحدى آياتها (٥).

وفي رواية : أنّ النبيّ (ص) كان يقول : الحمد لله ربّ العالمين ، سبع آيات إحداهن : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ... ويعدّه كالحديث السابق (٦).

ح ـ عن أبي هريرة قال : كنت مع النبيّ (ص) في المسجد إذ دخل رجل

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) في سنن البيهقي ٢ / ٤٧ ؛ وفي الدرّ المنثور ١ / ٣ نقله عن الدارقطني ـ أيضا ـ. وأبو هريرة الدوسي الصحابي ، اختلفوا في اسمه واسم أبيه. رووا عنه (٥٣٧٤) حديثا (ت : ٥٧ أو ٥٨ أو ٥٩ ه‍).

جوامع السيرة ، ص ٢٧٥ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٤٨٤.

(٣) صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب مدّ القرآن ٣ / ١٥٦ ؛ وسنن البيهقي ، باب افتتاح القراءة في الصلاة ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، والجهر بها إذا أجهر بالفاتحة ٢ / ٤٣.

(٤) هكذا في الأصل.

(٥) و (٦) الحديثان بسنن البيهقي ٢ / ٤٥ ؛ وفي الدرّ المنثور ١ / ٣ ؛ قال عن الحديث الأوّل : أخرج الدارقطني وصحّحه ، وقال عن الحديث الثاني : أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه في تفسيره. ونقل الأوّل بإيجاز ، كلّ من الرازي في تفسيره ١ / ١٩٦ ؛ والمتقي في كنز العمال ، ط. الثانية ١ / ٤٩٧ ؛ والسيوطي في الإتقان ١ / ٨١.

٤٦

يصلّي ، فافتتح الصلاة وتعوّذ ، ثمّ قال : الحمد لله ربّ العالمين ، فسمع النبيّ (ص) فقال له : يا رجل! قطعت على نفسك الصلاة ، أما علمت أنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من الحمد؟ فمن تركها فقد ترك آية ، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته (١).

ثالثا ـ الجهر بالبسملة في الصلاة :

أ ـ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) : علّمني جبريل الصلاة فقام فكبّر لنا ثمّ قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في ما يجهر به في كلّ ركعة (٢).

ب ـ عن عائشة ، أنّ رسول الله (ص) كان يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣).

ج ـ عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كان النبيّ (ص) يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في السورتين جميعا (٤).

د ـ عن أبي الطفيل ، قال : سمعت عليّ بن أبي طالب وعمّارا يقولان إنّ رسول الله (ص) كان يجهر في المكتوبات ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة

__________________

(١) في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، قال أخرج الثعلبي.

(٢) في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، قال أخرجه الدارقطني ، وعلى هذه الرواية يحمل ما رواه الدارقطني عن النعمان بن بشير ، قال : قال رسول الله (ص) «أمّني جبريل (ع) عند الكعبة فجهر ب بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ». والنعمان بن بشير ، أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي ، استعمله معاوية وابنه يزيد ، ولمّا مات معاوية ابن يزيد دعا الناس في الشام إلى بيعة ابن الزّبير ، فخالفه أهل حمص وقتلوه سنة ٦٤ أو ٦٥ ه‍. رووا عنه ١١٤ حديثا.

جوامع السيرة ، ص ٢٧٨ ؛ وأسد الغابة ٥ / ٢٢ ـ ٢٣ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٣٠٣.

(٣) و (٤) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، قال : أخرج الدارقطني عن عائشة. وفي الثانية عن عليّ.

٤٧

الكتاب (١).

ه ـ عن أبي هريرة قال : كان رسول الله (ص) يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة ، فترك الناس ذلك (٢).

ز ـ عن أبي الطفيل قال : سمعت رسول الله (ص) يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣).

ح ـ عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله (ص) يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٤).

رابعا ـ من قال صلّيت خلف رسول الله (ص) فجهر بالبسملة :

أ ـ عن ابن عمر ، قال صلّيت خلف النبيّ (ص) وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٥).

ب ـ عن محمّد بن أبي السري العسقلاني قال : صلّيت خلف المعتمر بن

__________________

(١) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، قال : أخرج البزار والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل.

وأبو الطفيل ، عامر بن واثلة بن عبد الله اللّيثي ، وربّما سمّي عمرا ، روى عنه أصحاب الصحاح تسعة أحاديث (ت : ١١٠ ه‍).

جوامع السيرة ، ص ٢٨٦ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٣٨٩.

(٢) سنن البيهقي ٢ / ٤٧ ؛ وفي مستدرك الحاكم ١ / ٢٣٢ ؛ وفي الدرّ المنثور ١ / ٨ عنهما وعن الدارقطني ، ولفظهم : إلى ... فترك الناس ذلك.

(٣) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، قال : أخرج الطبراني والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان عن طريق أبي الطفيل.

(٤) مستدرك الحاكم ١ / ٢٣٣ ، وقال : رواة الحديث عن آخرهم ثقات ، وأيّده الذهبي في تلخيصه ، ورواه في الدرّ المنثور عن الدارقطني أيضا.

(٥) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، عن الدارقطني.

٤٨

سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب ، فكان يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قبل فاتحة الكتاب وبعدها. وسمعت المعتمر يقول : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي ، وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك ، وقال أنس بن مالك ، ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله (ص) (١).

ج ـ روى الحاكم عن أنس قال : صلّيت خلف النبيّ (ص) وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف عليّ فكلّهم كانوا يجهرون بقراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

قال الحاكم : (إنّما ذكرت هذا الحديث شاهدا لما تقدّمه ، ففي هذه الأخبار الّتي ذكرناها معارضة لحديث قتادة الّذي يرويه أئمتنا عنه ، وقد بقي في الباب عن أمير المؤمنين عثمان) وذكر أسماء جمع من الصحابة ترك إيراد حديثهم وقال : (كلّها مخرجة عندي ، إيثارا للتخفيف ...) (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم وتلخيصه ١ / ٢٣٤ ، وقال الحاكم : رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات ، وأيّده الذهبي.

ومحمّد بن أبي السري ، محمّد بن المتوكل بن هاشم العسقلاني الهاشمي ولاء. أخرج حديثه أبو داود (ت : ٢٣٨ ه‍). تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٤.

والمعتمر بن سليمان ، الحافظ أبو محمّد التيمي البصري الملقّب بالطفيل ثقة ، حدّث عن أبيه. أخرج حديثه أصحاب الصحاح (ت : ٢٨٢ ه‍).

تذكرة الحفاظ ، ص ٢٦٦ ؛ ومادّة (عسقلان) من أنساب السمعاني ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٢٦٣.

(٢) مستدرك الحاكم ١ / ٢٣٤ ، وكذّب الخبر الذهبي في تلخيصه اعتباطا دون أن يذكر للحديث علّة من ضعف السند وما شابهه.

وفي الباب عن الحكم بن عمير أو عمرو الثمالي ، وكان بدريّا ، أنّه صلّى خلف النبيّ (ص) صلاة اللّيل والغداة والجمعة فجهر بالبسملة. رواه عنه بترجمة الحكم في أسد الغابة ٢ / ٣٧ ، وقال : (يعدّ في الشاميين ، سكن حمص). ونقله السيوطي عن الدارقطني في الدرّ المنثور ١ / ٨ ؛ ونقل الرواية ـ

٤٩

خامسا ـ من قال صلّيت خلف بعض الخلفاء فجهر بالبسملة :

بالإضافة إلى الروايات السابقة الّتي رويت عمّن صلّى خلف النبيّ (ص) والخلفاء وجهروا بالبسملة ، في ما يأتي روايات عمّن صلّى خلف بعض الخلفاء ورآهم يجهرون بالبسملة.

الخليفة عمر بن الخطّاب :

روى عبد الرّحمن بن أبزي وقال : صلّيت خلف عمر بن الخطاب ، فجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١).

الإمام عليّ بن أبي طالب :

ب ـ روى الشعبي وقال : رأيت عليّ بن أبي طالب وصلّيت وراءه فسمعته يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

ج ـ في تفسير الرازي بسنده أنّ الإمام عليّا كان إذا افتتح السورة في

__________________

ـ أيضا ـ ابن حجر بترجمة موسى بن أبي حبيب في لسان الميزان ٦ / ١١٥. وانّما تركناه لأنّهم تكلّموا في رواية موسى بن أبي حبيب. وكذلك تركنا حديث الصحابي بريدة في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، عن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والبيهقي في سننه : (أنّ النبيّ (ص) سأله عمّا يفتتح به من القرآن في الصلاة ، فقال : بسم الله ... فقال النبيّ (ص) له : هي هي) ، لأنّ السيوطي ضعّف سنده.

(١) سنن البيهقي ٢ / ٤٨.

وعبد الرّحمن بن أبزي هو عبد الله بن عبد الرّحمن ، أبوه عبد الرّحمن بن أبزي الكوفي ، الخزاعي ولاء كان في عهد عمر رجلا ، صحابي صغير ، قال فيه الخليفة عمر : ممّن رفعه الله بالقرآن. ولي خراسان للإمام عليّ. رووا عنه ١٢ حديثا. جوامع السيرة ، ص ٢٨٤ ؛ وأسد الغابة ٣ / ٤٢١ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٤٧٢.

٥٠

الصلاة يقرأ (بِسْمِ اللهِ ...) ، وكان يقول من ترك قراءتها فقد نقص (١).

عبد الله بن الزّبير :

روى الأزرق بن قيس وقال : صلّيت خلف ابن الزبير فقرأ فجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

قال البيهقي : وروينا عن أبي هريرة بإسناد صحيح عنه (٢).

ويتبع هذا الباب ما جاء في تفسير ابن كثير ، قال :

أ ـ روى النّسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة أنّه صلّى فجهر بقراءته بالبسملة. وقال بعد أن فرغ إنّي لأشبهكم صلاة برسول الله (ص) ، وصحّحه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم (٣).

ب ـ روى الدارقطني في سننه بسنده عن يحيى بن حمزة قال :

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ / ٤٩ ؛ وفي تفسير الرازي ١ / ١٩٦.

والشعبي ، هو أبو عمرو عامر بن شراحيل الكوفي ، كان يتحامل على شيعة عليّ بن أبي طالب. وذكر له ابن عبد البرّ في (جامع بيان العلم) قصّة في هذا الصدد. مات بعد المائة. أخرج حديثه أصحاب الصحاح.

تذكرة الحفاظ ١ / ٧٩ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٣٨٧ ؛ وهدية العارفين ١ / ٤٣٥.

(٢) سنن البيهقي ٢ / ٤٩.

وابن الزبير ، أبو خبيب ، عبد الله بن الزبير ، بويع بالخلافة بمكّة سنة إحدى وستّين هجرية ، وقتله الحجّاج سنة ٧٣ ه‍. رووا عنه ٣٣ حديثا.

جوامع السيرة ، ص ٢٨١ ، وتقريب التهذيب ١ / ٤١٥.

والأزرق بن قيس الحارثي البصري ، ثقة من التابعين. أخرج حديثه البخاري والنّسائي وأبو داود. مات بعد العشرين والمائة. تقريب التهذيب ١ / ٥١.

(٣) تفسير ابن كثير ١ / ١٦.

٥١

صلّى بنا المهدي المغرب ، فجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين! ما هذا؟ فقال : حدثني أبي عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس :

أنّ النبي (ص) جهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

قال : فقلت : نأثره عنك؟

قال : نعم (١).

سادسا ـ يفتتح القراءة بالبسملة ويستفتح ، أي يجهر بقراءتها :

أ ـ روى البيهقي ، عن ابن عباس أنّ النبيّ (ص) كان يستفتح القراءة ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة (٢) ، يعني كان يجهر بها. قال : وله شواهد عن ابن عباس ذكرناها في الخلافيات (٣).

ويؤيّد قول البيهقي (يستفتح القراءة ... يعني كان يجهر بها) ، ما رواه هو والذهبي عن ابن شهاب أنّه قال : من سنّة الصلاة أن يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، ثمّ فاتحة الكتاب ، ثمّ يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، ثمّ يقرأ سورة ، فكان ابن شهاب يقرأ أحيانا بسورة مع فاتحة الكتاب يفتتح كلّ سورة منها ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وكان يقول : أوّل من قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ

__________________

(١) سنن الدارقطني ١ / ٢٠٣ و ٢٠٤. ويحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي ، أبو عبد الرّحمن الدمشقي القاضي (ت : ١٣٨ ه‍) على الصحيح وله ثمانون سنة ، أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب ٢ / ٣٤٦.

(٢) كذا في الأصل.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ٤٧ ، وقال في كشف الظنون ، ص ٧٢١ : وخلافيات البيهقي جمع فيه المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة. ورواه الشافعي في الامّ ١ / ١٠٧ ، إلى قوله : يفتتح القراءة.

٥٢

الرَّحِيمِ) سرّا بالمدينة عمرو بن سعيد بن العاص وكان رجلا حييّا (١).

فإنّ ابن شهاب لمّا قال : (يفتتح كلّ سورة منها ببسم الله ... وأوّل من قرأ بسم الله ... سرّا بالمدينة عمرو) ، جعل (يفتتح كلّ سورة) مقابل (قرأ سرّا).

وبناء على هذا ، كلّ ما جاء في الحديث : يفتتح أو يستفتح القراءة بالبسملة ، يعني يقرأها جهرا مثل الرواية الآتية :

عن بكر بن عبد الله قال : كان ابن الزبير (رضي الله عنهما) يستفتح القراءة في الصلاة ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويقول ما يمنعهم منها إلّا الكبر (٢).

سابعا ـ أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء في البسملة مضافا إلى قراءتهم إيّاها :

أ ـ قال البيهقي ، عن عبد خير قال سئل عليّ (رض) عن السبع المثاني فقال :

__________________

(١) سنن البيهقي ٢ / ٥٠ ؛ وتذكرة الحفاظ ١ / ١١٠ ؛ والدرّ المنثور ١ / ٨. وقول ابن شهاب من سنّة الصلاة ، أي : من سنّة رسول الله (ص) في الصلاة.

وابن شهاب ، أبو بكر محمّد بن مسلم القرشي الزهري المدني ، الإمام الحافظ ، الفقيه ، تابعي.

أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت : ١٢٥ ه‍) ، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين.

تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٧ ؛ تذكرة الحفاظ ١ / ١٠٨ ـ ١١٢.

وعمرو بن سعيد بن العاص بن اميّة ، لقّب بالأشدق لفصاحته وكان والي مكّة والمدينة لمعاوية وابنه يزيد وجعله مروان وليّا للعهد بعد ابنه عبد الملك وقتله عبد الملك سنة ٧٠ ه‍. أخرج حديثه مسلم والترمذي والنّسائي وابن ماجة وأبو داود في المراسيل.

تقريب التهذيب ٢ / ٧٠ ؛ وتاريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير في ذكر حوادث سنة (٤٢ ـ ٧٠ ه‍).

(٢) سنن البيهقي ٢ / ٤٩.

وبكر بن عبد الله ، أبو عبد الله البصري المزني ، ثقة ، ثبت ، جليل ، من التابعين ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح (ت : ١٠٦ ه‍). تقريب التهذيب ١ / ١٠٦.

٥٣

الحمد لله ، فقيل له إنّما هي ستّ آيات ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية (١).

ب ـ وعن عليّ ، أنّه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وكان يقول : من ترك قراءتها فقد نقص ، وكان يقول هي تمام السبع المثاني (٢).

ج ـ وجاءت عن ابن عباس روايات متعدّدة في ذلك في بعضها بيان وتأكيد على البعض الآخر ، نذكر موجز روايتين منها :

١ ـ (قال : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، هي امّ القرآن ، وأنّه قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) الآية السابعة ، وقال : أخرجها ـ الله ـ لكم وما أخرجها لأحد قبلكم).

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، أي : البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأيّده على ذلك الذهبي (٣).

٢ ـ (قال : إنّ السبع المثاني هي فاتحة الكتاب ، وأنّه قرأها ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) سبعا ، فسئل الراوي هل أخبرك أنّه قال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من كتاب الله؟ قال : نعم ، ثمّ قال : قرأها ابن عباس ب (بِسْمِ اللهِ

__________________

(١) في سنن البيهقي ٢ / ٤٥ ؛ والدرّ المنثور ١ / ٣ ، قال : أخرج الدارقطني والبيهقي بسند صحيح ؛ والإتقان ١ / ٨١ ؛ وكنز العمال ١ / ١٩١.

وعبد خير ، أبو عمارة بن يزيد الهمداني الكوفي ، مخضرم ، ثقة ، من كبار التابعين ، وكان من أكابر أصحاب عليّ ، سكن الكوفة. قال ابن حجر : من الثانية ، لم يصحّ له صحبة. أخرج حديثه أصحاب الصحاح سوى الشيخين. أسد الغابة ٣ / ٢٧٧ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٤٧٠.

(٢) في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، قال : أخرج الثعلبي عن عليّ الحديث ، وكنز العمال ٢ / ١٩١ ، ٣٧٥.

(٣) مستدرك الحاكم وتلخيصه ١ / ٥٥٠ ـ ٥٥١ ؛ وكنز العمال ٢ / ١٩٢.

٥٤

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الركعتين معا) (١).

د ـ عن نافع عن عبد الله بن عمر ، كان يفتتح امّ الكتاب ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) ، وأنّه كان إذا افتتح الصلاة كبّر ثمّ قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ ...) ، فإذا فرغ قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال وكان يقول لم كتبت في المصحف إن لم تقرأ (٣)

ه ـ عن محمّد بن كعب القرظي ، قال : فاتحة الكتاب سبع آيات ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٤).

و ـ قال البيهقي :

(وروينا) الجهر بها عن فقهاء مكّة ، عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير (٥).

__________________

(١) مستدرك الحاكم وتلخيصه ١ / ٥٥١ ؛ وسنن البيهقي ٢ / ٤٧ ـ ٤٨. وباقي روايات ابن عباس ، فقد أخرج الحاكم في باب فضائل القرآن من مستدرك الحاكم ١ / ٥٥٠ ـ ٥٥٢ ، سبعا منها. وقال السيوطي في الإتقان ١ / ٨٠ ـ ٨١ : أخرج ابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح ، وفي الامّ للشافعي ١ / ١٠٧.

(٢) سنن البيهقي ٢ / ٤٨ ، ٤٩.

(٣) سنن البيهقي ٢ / ٤٤ ؛ والدرّ المنثور ١ / ٧. وفي رواية أنّ العبادلة أبناء عباس وعمر والزبير كانوا يجهرون بها. ونافع ، أبو عبد الله المدني ، مولى ابن عمر ، ثقة ، ثبت ، فقيه ، من التابعين. أخرج حديثه أصحاب الصحاح (ت : ١١٧ ه‍ أو بعدها).

تذكرة الحفاظ ، ص ٩٩ ؛ تقريب التهذيب ٢ / ٢٩٦.

(٤) في الدرّ المنثور ١ / ٨ ، عن أبي عبيد.

ومحمّد بن كعب القرظي المدني قد نزل الكوفة مدّة ، ثقة ، عالم. أخرج حديثه أصحاب الصحاح (ت : ١٢٠ ه‍). تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٣.

(٥) سنن البيهقي ٢ / ٥٠.

٥٥

ز ـ وفي مصنف عبد الرزاق ، باب قراءة البسملة (... عن ابيّ وآخرين من الصحابة والتابعين أنّهم كانوا يقرءونها) (١).

ثامنا ـ تواتر القول بجزئية البسملة من السورة في مدرسة الخلفاء :

أ ـ قال الرازي : إنّ النقل المتواتر ثابت بأنّ (بِسْمِ اللهِ ...) كلام أنزله الله على محمّد (ص) وبأنّه مثبت في المصحف بخطّ القرآن (٢).

وقال : وكلّ ما ليس من القرآن (٣) غير مكتوب بخطّ القرآن ، ألا ترى أنّهم منعوا من كتابة أسامي السور في المصحف ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس. والغرض من ذلك كلّه أن يمنعوا من أن يختلط بالقرآن ما ليس منه ، فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخطّ القرآن ، ولمّا أجمعوا على كتبها بخطّ القرآن علمنا أنّها من القرآن (٤).

__________________

ـ وعطاء بن يسار ، أبو محمّد المدني ، مولى ميمونة ، من صغار التابعين ، ثقة ، فاضل. أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت : ٩٤ ه‍ وقيل بعده).

تقريب التهذيب ١ / ٢٣ ؛ تذكرة الحفاظ ١ / ٩٠.

وطاوس ، أبو عبد الرّحمن بن كيسان اليماني ، الفارسي ، الحميري ولاء ، قيل اسمه ذكوان.

وطاوس لقب ، تابعي ، ثقة ، فقيه ، فاضل. أخرج حديثه أصحاب الصحاح جميعا (ت : ١٠٦ ه‍).

تذكرة الحفاظ ١ / ٩٠ ؛ تقريب التهذيب ١ / ٣٧٧.

ومجاهد بن جبر أبو الحجّاج المخزومي ، مولاهم ، تابعي ، ثقة ، إمام في التفسير والعلم. أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت : ١٠١ أو ١٠٢ أو ١٠٣ أو ١٠٤ ه‍).

تقريب التهذيب ١ / ٢٢٩ ؛ وتذكرة الحفاظ ١ / ٩٢ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٤.

(١) المصنف ، كتاب الصلاة ، باب قراءة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، ١ / ٩٠ ـ ٩١.

(٢) تفسير الرازي ١ / ١٩٥.

(٣) في النسخة (من القرآن فانّه غير مكتوب) خطأ مطبعي ، والصواب ما أثبتناه.

(٤) تفسير الرازي ١ / ١٩٧.

٥٦

ب ـ وقال السيوطي في ردّ من أنكر تواتر جزئية البسملة من السورة :

(ويكفي في تواترها إثباتها في مصاحف الصحابة فمن بعدهم بخطّ المصحف مع منعهم أن يكتب في المصحف ما ليس منه ، كأسماء السور وآمين والأعشار ، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخطّه من غير تمييز ، لأنّ ذلك يحمل على اعتقادها قرآنا ، فيكونون مغرّرين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا ، وهذا ممّا لا يجوز اعتقاده في الصحابة. فإن قيل لعلّها أثبتت للفصل بين السور ، أجيب بأنّ هذا فيه تغرير ولا يجوز ارتكابه لمجرّد الفصل ولو كانت له لكتبت بين براءة والأنفال) (١).

تاسعا ـ إجماع مدرسة أهل البيت على وجوب قراءة البسملة في الصلاة :

أجمعت مدرسة أهل البيت تبعا لأئمّتهم في ما يروون عن رسول الله (ص) على أنّ البسملة آية من كلّ سورة ، وانّ قراءتها واجبة في الحمد والسورة في كلّ صلاة ، ويجب الجهر بها في الجهرية.

وقد ذكر السيّد البروجردي (ت : ١٣٨٠ ه‍) في كتابه (جامع أحاديث الشيعة) ما روي عن أئمّة أهل البيت بشأن البسملة في :

أ ـ باب أنّ البسملة آية من الحمد ومن كلّ سورة عدا براءة ، فيجب قراءتها ، ومن تركها يعيد.

ب ـ باب وجوب الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية وحكمه في الصلاة الإخفاتية.

ونقتصر بذكر ثلاث روايات ممّا أوردها في البابين المذكورين في ما يأتي :

__________________

(١) الإتقان ١ / ٨.

٥٧

١ ـ نقل عن عيون الأخبار والأمالي للصدوق بسنده عن الحسن بن عليّ (ع) ، قال : قيل لأمير المؤمنين ـ الإمام عليّ ـ : يا أمير المؤمنين! أخبرنا عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أهي من فاتحة الكتاب؟ فقال : نعم ، كان رسول الله (ص) يقرئها ويعدّها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني (١).

٢ ـ ونقل في علّة إسقاط البسملة من سورة براءة :

(أنّ البسملة أمان والبراءة كانت إلى المشركين ، فأسقط منها الأمان) (٢).

٣ ـ وعن صفوان الجمّال ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله (ع) ـ الإمام جعفر ـ أيّاما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها ، جهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وكان يجهر في السورتين جميعا (٣).

عاشرا ـ أفرد عدّة من العلماء كتبا في وجوب قراءة البسملة ، مثل :

أ ـ كتاب البسملة لابن خزيمة (ت : ٣١١ ه‍).

ب ـ كتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي (ت : ٤٦٣ ه‍).

ج ـ كتاب الجهر بالبسملة لأبي سعيد البوشنجي (ت : ٥٣٦ ه‍).

د ـ كتاب الجهر بالبسملة لجلال الدين المحلي الشافعي (ت : ٨٦٤ ه‍).

ه ـ كتاب في بسم الله الرّحمن الرّحيم لعليّ بن عبد العزيز الدولابي من أصحاب الطبري المؤرّخ.

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ، ط. قم ، سنة ١٣٩٨ ، ٥ / ١١٥ ، وفي الباب أحاديث اخرى بمضمونه.

(٢) المصدر السابق ، ص ١١٩.

(٣) المصدر السابق ، باب وجوب الجهر ، الحديث ٢ ، عن الكافي. وروى الحديث في الباب بأسانيد اخرى ٥ / ١٢٨ ـ ١٢٩.

٥٨

و ـ وكتب الدارقطني (ت : ٣٨٥ ه‍) جزءا في البسملة وصحّحه (١).

ونقتصر في إيراد روايات البسملة بما قدمنا ذكره.

* * *

بعد إيراد روايات وجوب قراءة البسملة نستعرض في ما يأتي الروايات المناقضة لها :

حادي عشر ـ الروايات المناقضة لروايات وجوب قراءة البسملة :

مع كلّ تلكم الروايات الصحيحة والموثقة والصريحة بأنّ رسول الله (ص) والخلفاء وجمعا من الصحابة والتابعين جهروا بقراءة البسملة في الصلاة وقالوا أنّها جزء من الحمد وأمروا بقراءتها إلى زمن فقهاء الحرمين ، نجد في كتب صحاح الحديث روايات تناقض الروايات المتواترة السابقة مثل رواية مسلم في صحيحه والنّسائي في سننه وأحمد في مسنده عن قتادة عن أنس بن مالك ، قال : صلّيت مع رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ

__________________

(١) أ ـ في الدرّ المنثور ١ / ٧ ، وأخرج سعيد بن منصور في سننه ، وابن خزيمة في كتاب البسملة ، والبيهقي عن ابن عباس قال : استرق الشيطان من الناس ... الحديث.

ب ـ في ترجمة الخطيب البغدادي من طبقات الشافعية للشيخ جمال الدين عبد الرّحيم بن حسن الأشنوي (ت : ٧٧٢ ه‍) سنة ١٣٩ ه‍ ، ١ / ٢٠١ ، سمى من تصانيفه : الجهر بالبسملة.

ج ـ في مادّة الجهر من ذيل كشف الظنون ١ / ٣٨٨ (الجهر بالبسملة) لأبي سعيد إسماعيل بن عبد الواحد البوشنجي الهروي الشافعي.

د ـ في مادّة الجهر من كشف الظنون ١ / ٦٢٣ ، الجهر بالبسملة لجلال الدين محمّد بن أحمد المحلي الشافعي.

ه ـ فهرست النديم ، ص ٢٩٩.

و ـ قال القرطبي بتفسير البسملة من تفسيره ١ / ٩٥ : روى جماعة قرآنيتها ، وقد تولّى الدارقطني جمع ذلك في جزء وصحّحه. وذكره الدارقطني في سننه ١ / ٣١١.

٥٩

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١).

ومثل ما رواه الثلاثة ـ أيضا ـ :

عن أنس أنّه قال : صلّيت خلف النبيّ (ص) وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله ربّ العالمين لا يذكرون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أوّل قراءة ، ولا في آخرها (٢).

وما رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده عن يزيد بن عبد الله ، قال : سمعني أبي وأنا أقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال أي بني إياك. قال : ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله (ص) كان أبغض إليه حدثا في الإسلام منه ، فإنّي قد صلّيت مع رسول الله (ص) ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها. إذا أنت قرأت فقل : الحمد لله ربّ العالمين (٣).

وعبد الله المذكور هو الصحابي عبد الله بن مغفل المزني سكن المدينة ثمّ بعثه عمر عاشر عشرة إلى البصرة ليفقّهوا الناس (ت : ٥٩ أو ٦٠ ه‍) في البصرة أيّام ولاية ابن زياد. ترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، وابنه الراوي عنه مجهول الحال عندنا.

ثاني عشر ـ اختلاف الفقهاء بمدرسة الخلفاء في شأن البسملة :

من الطبيعي أن يؤدّي تناقض الروايات الآنفة في شأن البسملة إلى

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب حجّة من قال لا يجهر بالبسملة ، الحديث رقم ٥٠ و ٥٢ ؛ وسنن النّسائي ، باب ترك الجهر بالبسملة من كتاب افتتاح الصلاة ١ / ١٤٤ ؛ ومسند أحمد ٣ / ١٧٧ و ٢٧٣ و ٢٧٨.

(٢) صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة ، الحديث ٥٢ ؛ وسنن النّسائي ، كتاب افتتاح الصلاة ، الباب ٢٠ ؛ ومسند أحمد ٣ / ٢٠٣ و ٢٠٥ و ٢٢٣ و ٢٥٥ و ٢٧٣ و ٢٧٨ و ٢٨٦ و ٢٨٩.

(٣) راجع سنن الترمذي ٢ / ٤٣ ؛ ومسند أحمد ٤ / ٨٥ ؛ والمصنف لعبد الرزّاق ٢ / ٨٨.

٦٠