القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

الموالي مرّة ، وتقدّم إلى مجلس أمير المؤمنين ، ووبّخه وعنّفه. ولمّا كان معاوية يفضّل في العطاء الرؤساء وأهل الشّرف من قبائل العرب على غيرهم ، مال الرؤساء إليه وهاجروا إليه ، فمشى إلى الإمام أصحابه وقالوا له : يا أمير المؤمنين! فضّل في العطاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم!

فقال : أتأمرونّي أن أطلب النّصر بالجور؟! والله لا أفعل.

هكذا استطاع الإمام أن يهدّم ذلك النظام الطبقي الّذي شيّده الخلفاء قبله واستمرّ زهاء ربع قرن ، وأن يعيد إلى المجتمع العدل الإسلامي الإنساني الّذي جاء به الرسول (ص) ، وكان ذلكم من خصائص المجتمع الإسلامي في ظل حكم الإمام.

ولمّا كانت قريش على رأس هرم ذلك النظام الطّبقي ، حيث كانت قد حصلت على امتيازات في المجتمع الإسلامي وترى أنّ لها ميزة على سائر البشر كما يرى بنو إسرائيل أنّ لهم ميزة على سائر البشر وساواهم الإمام بغيرهم من المسلمين الموالي وغير الموالي ، قادت قريش الناس إلى قتاله في الجمل وصفين وفي الغارات على بلاده.

ومن ثمّ كان الإمام يشكو قريشا ويذكرهم بذلك ويقول : اللهمّ إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعوا رحمي ، وأكفئوا إنائي وأجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله (ص).

٥٦١

أخبار القرآن على عهد الإمام عليّ (ع)

أ ـ القراءة والإقراء :

بعد أن نجح الخلفاء الثلاثة قبل الإمام عليّ بتجريد القرآن من حديث الرسول (ص) وأوصدوا هذا الباب في وجوه المسلمين ، وأمروا بتلاوة النص فقط ، فتح وصي الرسول (ص) هذا الباب على مصراعيه ، وأعاد أمر اقراء القرآن على ما كان عليه في عهد الرسول (ص) ، وحث على نشر حديث الرسول (ص) ، وحث الناس على السؤال عن القرآن مرّة بعد اخرى كما نراه في الأخبار الآتية :

دعوة عامّة للسؤال عن تفسير القرآن

أهم أخبار الوصي في دعوته للسؤال عن تفسير القرآن قوله على المنبر : (سلوني ...) كما رواه ابن عساكر وغيره ، واللّفظ لابن عساكر عن أبي الطفيل قال :

أقبل عليّ بن أبي طالب ذات يوم ، حتى صعد المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثمّ قال : «يا أيّها الناس! سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ في ما انزلت ولا أين نزلت ولا ما عني بها» (١).

__________________

(١) ترجمة الإمام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٠. وأبو الطفيل عامر بن واثلة اللّيثي ولد عام أحد (ت ١١٠ ه‍) ، وهو آخر من مات من الصحابة. أخرج الحديث جميع أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب ١ / ٣٨٩.

٥٦٢

وفي رواية قال : سمعت عليّا وهو يخطب الناس ، فقال : يا أيّها الناس! سلوني ، فإنّكم لا تجدون أحدا بعدي هو أعلم بما تسألونه منّي ، ولا تجدون أحدا أعلم بما بين اللّوحين منّي ، فسلوني (١).

وفي ترجمة الإمام عليّ من الاستيعاب وتاريخ ابن عساكر والإصابة ، واللفظ للأوّل عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّا يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلّا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل (٢).

وروى ابن سعد في الطبقات وابن عساكر بسندين آخرين وقالا : قال عليّ : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت ، وأين نزلت وعلى من نزلت ، إنّ ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا (٣).

وروى ابن عساكر عن عمير بن عبد الله ، قال : خطبنا عليّ بن أبي طالب على منبر الكوفة فقال : أيها الناس! سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجنبين مني علم جم (٤).

وروى ـ أيضا ـ عن أبي الطفيل قال :

خطب عليّ بن أبي طالب في عامه ـ أي عامه الّذي قتل فيه ـ فقال :

__________________

(١) ترجمة الإمام عليّ من تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٢.

(٢) ترجمة الإمام عليّ من الاستيعاب ٢ / ٤٦٣ ، وتاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٢ ، وشواهد التنزيل ١ / ٣١ ، وأنساب الأشراف ٢ / ٩٩ ، والإصابة ٤ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ٣٣٨ ؛ وتاريخ ابن عساكر ٢ / ٢١ ؛ وحلية الاولياء ١ / ٦٧ ـ ٦٨ ؛ وشواهد التنزيل ١ / ٣٣.

(٤) ترجمة الإمام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٤. وعمير بن عبد الله الهلالي أبو عبد الله المدني مولى امّ الفضل ويقال له مولى ابن عباس ، أخرج حديثه البخاري ومسلم وغيرهما. (تقريب التهذيب ٢ / ٨٦).

٥٦٣

يا أيّها الناس! إنّ العلم يقبض قبضا سريعا ، وإنّي اوشك أن تفقدوني فاسألوني ، فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلّا نبأتكم بها وفيما انزلت وانّكم لن تجدوا أحدا من بعدي يحدّثكم (١).

وروى ابن عساكر عن ابن شبرمة انّه قال : ما كان أحد على المنبر يقول : سلوني عن ما بين اللّوحين إلّا عليّ بن أبي طالب (٢).

عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من أصحاب النبيّ (ص) يقول : «سلوني» إلّا عليّ (٣).

وذات مرّة تعرض له ابن الكواء كما رواه الطبري وغيره عن أبي الطفيل.

قال : رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رض) قام على المنبر فقال : سلوني قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي ، فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة ، إلّا حدثتكم به ، سلوني عن كتاب الله ، فو الله ما من آية إلّا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل نزلت أم في جبل.

قال : فقام ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين! ما الذاريات ذروا؟

قال : ويلك! سل تفقّها ، ولا تسل تعنّتا.

والذاريات ذروا : الرياح.

__________________

(١) ترجمة الإمام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٠.

(٢) تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٤. وعبد الله بن شبرمة الضبي (ت ١٤٤ ه‍) ثقة فقيه ، أخرج حديثه أصحاب الصحاح. تقريب التهذيب ١ / ٤٢٢.

(٣) تاريخ ابن عساكر ٣ / ٢٤. وسعيد بن المسيب بن حزن المخزومي قال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب ١ / ٣٠٥ : أحد العلماء الاثبات. أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح. مات بعد التسعين.

٥٦٤

قال : فما الحاملات وقرا؟

قال : السحاب.

قال : فما الجاريات يسرا؟

قال : السفن.

قال : فما المقسمات أمرا؟

قال : الملائكة.

قال : فمن الّذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم؟

قال : منافقو قريش (١).

الإمام يحيي سنّة الرسول (ص) في إقراء القرآن

في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة بسنده عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (ع) قال : كان عليّ (ع) إذا صلّى الفجر لم يزل معقّبا إلى أن تطلع الشمس ، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس فيعلّمهم الفقه

__________________

(١) قد جاء في تفسير أوّل سورة وَالذَّارِياتِ : وكلّ من كتب الحديث الآتي ، ذكر طرفا من هذه الرواية ، فجمعنا بعضها إلى بعض ، وأوردناها في سياق واحد في تفسير الذاريات. تفسير الطبري ٢٦ / ١١٦ ؛ ومستدرك الحاكم وتلخيصه ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ وصحّحاه. وفي فتح الباري أخطأ فقد ذكر بدل المقسمات أمرا ، والمدبرات امرا ١٠ / ٢٢١ ؛ وتهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٨ ؛ وكنز العمال ٢ / ٣٥٧. وابن الكواء : عبد الله بن عمرو اليشكري من عتاة الخوارج ، قرأ في صلاة الجماعة جهرا (... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ...) الزّمر / ٦٥ ، فسكت الإمام حتّى أنهى الآية فاستمر الإمام في قراءته ، فأعاد ابن الكواء قراءة الآية جهرا إلى ثلاث مرّات ، فقرأ الإمام : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) الروم / ٦٠. نسبه في جمهرة أنساب العرب ، ط. القاهرة عام ١٣٨٢ ه‍ ، ص ٣٠٨ ؛ والاشتقاق لابن دريد ، ط. القاهرة سنة ١٣٧٨ ه‍ ، ص ٣٤٠ ؛ والكنى والألقاب ، ط. بيروت سنة ١٣٥٢ ه‍ ، ١ / ٣٨٣.

٥٦٥

والقرآن وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك (١).

دراسة الخبر :

مرّ بنا في تاريخ القرآن على عهد الرسول (ص) أنّه كان من سيرته ـ في تعليم القرآن ـ :

أن يعلم أصحابه بمسجده عشر آيات لا يتعدّونها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.

وعيّن عبادة بن الصّامت لإقراء الفقراء من أهل الصفّة وكان يرسل القرّاء إلى المسلمين خارج المدينة لتعليمهم القرآن والفقه.

وبناء على ذلك كانت سنّته في إقراء القرآن تعليمهم القرآن مع بيان ما فيه من العلم والعمل مع التفقّه في الدّين. وإنّما يتحقّق ذلك بتعليم ما جاء من حديث الرسول (ص) في بيان القرآن. وعلى عهد الخليفة عمر أمر بتجريد القرآن من حديث الرسول (ص) وتعليمهم تلاوة لفظ القرآن فقط. وبقي الأمر على ذلك زهاء عشرين عاما. وعلى عهد الإمام أحيى سنّة الرسول (ص) في إقراء القرآن فقام بنفسه بتعليم القرآن والفقه للفقراء وغيرهم بمسجده ، وتعليم الفقه مع القرآن يتحقق بتعليم ما جاء من حديث الرسول (ص) في بيان الآيات. وهكذا أحيى الإمام سنّة الرسول (ص) في الإقراء.

وأيضا شابه مسجده مسجد الرسول (ص) في سماع ضجّة من يقرأ القرآن فيه ، كما جاء في كنز العمّال عن كليب قال :

كنت مع عليّ ، فسمع ضجّتهم في المسجد يقرءون القرآن فقال : طوبى

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، تحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم ، ط. الحلبي ، القاهرة سنة ١٣٧٩ ه‍ ٤ / ١٠٩.

٥٦٦

لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله (ص) (١).

اهتمام الإمام بأمر القرّاء :

في كنز العمال :

عن عليّ قال : من ولد في الإسلام فقرأ القرآن ، فله في بيت المال في كل سنة مائتا دينار ، إن أخذها في الدنيا ، وإلّا أخذها في الآخرة.

وعن سالم بن أبي الجعد :

أنّ عليّا فرض لمن قرأ القرآن ألفين ألفين (٢).

دراسة الأخبار :

على عهد الخلفاء الثلاثة قبل الإمام ، أمروا بتجريد القرآن من حديث الرسول (ص) وبلغ بهم الأمر أن نكّلوا بصبيغ بن عسل ، لسؤاله عن معنى (الذاريات ذروا) بينما الإمام يحرّض المسلمين على تعلّم تفسير القرآن ، وفي ذلك العصر كان تفسير القرآن في ما روي عن رسول الله (ص) ، وبناء على ذلك فقد كانت سياسة الحكم على عهد الإمام نشر حديث الرسول (ص).

__________________

(١) كنز العمال ، ط. بيروت سنة ١٤٠٩ ه‍ ٢ / ٢٨٨ ، رقم الحديث ٤٠٤٥ ، وط. حيدرآباد الدكن الثانية ٢ / ١٨٥ ، رقم الحديث ٢٠٤٣. وكليب بن وائل بن هبّار التيمي اليشكري الكوفي أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي. ترجمته في تهذيب التهذيب ٨ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ١٣٦.

(٢) كنز العمال ٢ / ٣٣٩ ، الحديث رقم ٤١٨٥ و ٤١٨٦ ، وطبعة حيدرآباد الدكن الثانية ٢ / ٢١٩. وسالم بن أبي الجعد واسم الجعد رافع الأشجعي ـ مولاهم ـ الكوفي ، تابعي ، روى عن الإمام عليّ وصحابة آخرين ، ثقة ، كثير الحديث (ت : ٩٩ أو ١٠٠ أو ١٠١ ه‍) ترجمته بتهذيب التهذيب ٣ / ٤٣٢.

٥٦٧

وإنّما سأل ابن الكوّاء عن معنى و (الذاريات ذروا) وقال له الإمام : ويلك سل تفقها لأنّه ظنّ أن تفسير هذه الآية معضلة كان يسأل عنها صبيغ في أجناد المسلمين ولم يتلق جوابا فأراد ان يحرج الإمام بسؤاله عن تفسيرها.

وكان أمثال تفسير قول الإمام للآية : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ ...) (إبراهيم / ٢٨ ـ ٢٩) ، (منافقو قريش) هي السبب في تجريد حكومة الخلافة القرشية القرآن من حديث الرسول (ص).

ب ـ أمر تدوين القرآن :

روى السيوطي في الإتقان (١) وقال :

«مرّ بي عليّ وأنا أكتب مصحفا ، فقال : اجل قلمك.

فقضمت من قلمي ، ثمّ جعلت أكتب ، فقال : نعم هكذا نوّره كما نوّره الله».

جلاه : كشف صدأه وصقله ، وقضمه : كسره بأطراف أسنانه.

قال المؤلف : ويظهر من الخبر أنّ رأس القلم كان قد تشعّب وكان يكتب الحروف مشوشة ولما كسر رأس القلم الّذي كان من القصب كتب جليا ، وكنا نكتب قديما بهذا القلم وإذا كتبنا به كثيرا وتشعب رأس القلم قططناه بالسكين فيجلو الخط.

كان هذا إرشاد الإمام في تحسين خط القرآن وكتابته واضحة وجلية ، وقد أسّس نظاما يصان به اللسان عن الخطأ في تلاوة القرآن كالآتي بيانه بحوله تعالى.

__________________

(١) الإتقان ٢ / ١٧٠.

٥٦٨

أسس الإمام نظاما يصان به القرآن عن الخطأ في التلاوة :

مرّ بنا تصوير قلم المصحف في عصر الرسول (ص) وكيف كانت الحروف فيها مجرّدة من التنقيط والحركات والسكنات الّتي تميّز الحروف عن مثيلاتها ، وتبين نوع الإعراب في أواخر الكلمات ، ولم يكن العربي يومذاك بحاجة إليها فقد تعلم كل ذلك مع تعلمه النطق والتلفظ وهو في حضن امّه ، وأتقنها كلّما تقدّمت سنّه ومارس التكلم مع أقرانه ، حتى اذا انتشر الإسلام ، ودخل فيه أقوام من العجم وسكن من الفرس عشرات الالوف في بلد الكوفة المركز الإداري لبلاد فارس واتخذها الإمام عليّ (ع) عاصمة له دعاه ما رآه من حاجة تقويم لسانهم أن يلقي على تلميذه أبي الأسود اصول علم النحو تعليما للفرس ، تعليما لهم ما يقوّم به لسانهم أو حفظا للعربي من انتشار اللّحن من لسان هؤلاء إلى لسانهم على مرّ الزمن ، وهذا الخبر مشهور بين العلماء.

قال أبو بكر محمّد بن الحسن الزبيدي (ت ٣٧٩ ه‍) (١) :

«سئل أبو الأسود الدؤلي عمّن فتح له الطريق إلى الوضع في النحو ، وأرشده اليه فقال : تلقيته من عليّ بن أبي طالب رحمه‌الله.

وفي حديث آخر قال : ألقى إليّ عليّ اصولا احتذيت عليها».

وقال النديم (ت : ٣٨٠ ه‍) : «إنّ النحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي وإنّ أبا الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، ولمّا ألقى اليه شيئا في اصول النحو ، قال أبو الأسود : فاستأذنته أن أصنع نحو ما صنع ، فسمّي ذلك نحوا» (٢).

__________________

(١) طبقات النحويين ، بترجمة أبي الأسود ، ص ١٣.

(٢) الفهرست للنديم ، المقالة الثانية ، الفن الأوّل من أخبار النحويين ، ص ٥٩ ـ ٦٠ ، وط. الجديدة ، ص ٤٥.

٥٦٩

وقال ابن خلكان (ت ٦٨١ ه‍) بترجمة أبي الأسود الدؤلي : (إنّ عليّا (رض) وضع له «الكلام كله ثلاثة أضرب : اسم وفعل وحرف» ثمّ دفعه اليه ، وقال له : تمّم على هذا) (١).

وتواتر نقل هذا الخبر بين العلماء وكل نقل طرفا منه مع اختلاف في اللفظ وبعد دراسة رواياتهم دراسة مقارنة وجدت أصدقهم قولا أبا الفرج حين قال في الأغاني ، أوّل خبر أبي الأسود الدؤلي :

وأملى عليه ـ الإمام عليّ (ع) ـ الكلام كلّه لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. قال : وهذا المنقول أوّل كتاب سيبويه. وقال : ثمّ رسم اصول النحو كلها ، فنقلها النحويون ، وفرعوها ، ثمّ قال : هذا حفظته وأنا حديث السن فكتبته من حفظي واللفظ يزيد وينقص وهذا معناه (٢).

وفي ترجمة أبي الأسود من تاريخ دمشق لابن عساكر :

قال : كتب معاوية إلى زياد يطلب عبيد الله ، فلمّا قدم عليه كلمه ، فوجده يلحن فرده إلى أبيه ، وكتب إليه كتابا يلومه فيه ، ويقول : أمثل عبيد الله يضيع؟

فبعث زياد إلى أبي الأسود فقال : يا أبا الأسود! إنّ هذه الحمراء ـ أراد بهم العجم لغلبة الحمرة على ألوانهم ـ قد أفسدت من ألسن العرب ، فلو وضعت شيئا يصلح به الناس كلامهم ، ويعربون به كتاب الله.

فأبى ذلك أبو الأسود فوجّه زياد رجلا ، فقال له : اقعد في طريق أبي الأسود ، فاذا مر بك ، فاقرأ شيئا من القرآن ، وتعمد اللحن فيه ، ففعل ذلك ، فلمّا مرّ به أبو الأسود رفع الرّجل صوته يقرأ (ان الله بريء من المشركين ورسوله) فاستعظم ذلك أبو الأسود وقال : عزّ وجه الله أن يبرأ من رسوله ، ثمّ رجع من

__________________

(١) وفيات الأعيان ٢ / ٢١٦ ؛ والبداية والنهاية لابن كثير ٨ / ٣١٢.

(٢) الأغاني ١٢ / ٣٠٢ ، وط. ساسي ١١ / ١٠١.

٥٧٠

فوره إلى زياد ، وقال : قد جئتك إلى ما سألت ورأيت أن أبدأ بإعراب القرآن ، فابعث إلى ثلاثين رجلا.

فأحضرهم زياد فاختار منهم أبو الأسود عشرة ، ثمّ لم يزل يختارهم حتّى اختار منهم رجلا من عبد القيس ، فقال : خذ المصحف وصبغا يخالف لون المداد ، فاذا فتحت شفتي ، فانقط واحدة فوق الحرف ، واذا ضممتها ، فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، فإذا كسرتها ، فاجعل النقطة في أسفله ، فإن اتبعت شيئا من هذه الحركات نقطة فانقط نقطتين.

فابتدأ بالمصحف ، حتى أتى على آخره ، ثمّ وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك (١).

وقال القفطي (ت ٦٢٤ ه‍) في كتابه إنباه الرّواة :

ذكر أوّل من وضع النحو وما قاله الرواة في ذلك :

الجمهور من أهل الرواية على أنّ أوّل من وضع النحو أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (ع) ؛ قال أبو الأسود الدؤلي : دخلت على أمير المؤمنين عليّ (ع) فرأيته مطرقا مفكرا ، فقلت : فيم (٢) تفكّر يا أمير المؤمنين؟

فقال : سمعت ببلدكم لحنا ، فأردت أن أصنع كتابا في اصول العربية.

فقلت له : إن فعلت هذا أبقيت فينا (٣) هذه اللّغة العربيّة ، ثمّ أتيته بعد أيّام ،

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ، ترجمة أبي الأسود الدؤلي. مصوّرة المجمع العلمي بدمشق ، ٨ / ٢ / ٢٠٨.

(٢) في الأصل : «فيما تفكر».

(٣) في رواية ياقوت عن الزجاج : «إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا ، وبقيت فينا هذه اللّغة». معجم الادباء ١٤ / ٤٩.

٥٧١

فألقى إليّ صحيفة فيها :

(بسم الله الرّحمن الرّحيم ، الكلام كلّه اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل).

ثمّ قال : «تتبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم أنّ الأشياء (١) ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنّما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر».

فجمعت أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها : إنّ وأن ، وليت ، ولعلّ ، وكأنّ ، ولم أذكر لكن ، فقال : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها. فقال : بلى هي منها ، فزدها فيها.

هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو. وقد تعرض الزجّاجي أبو القاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام عليّ ، كرم الله وجهه.

ورأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الوراقين جزءا فيه أبواب من النحو ، يجمعون على أنّها مقدمة عليّ بن أبي طالب الّتي أخذها عنه أبو الأسود الدؤلي.

وروي أيضا عن أبي الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، فأخرج لي رقعة فيها : (الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى). قال : فقلت : ما دعاك إلى هذا؟

قال : رأيت فسادا في كلام بعض أهلي ، فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ.

فأخذ أبو الأسود النحو عن عليّ (ع) ولم يظهره لأحد.

__________________

(١) وكذا في معجم الادباء ١٤ / ٤٩ ؛ وفي نزهة الألباء ، ص ٥ : «أنّ الأسماء» ، وهو أوفق.

٥٧٢

ثمّ إنّ زيادا سمع بشيء ممّا عند أبي الأسود (١) ، ورأى اللّحن قد فشا ، فقال لأبي الأسود : أظهر ما عندك ليكون للناس إماما. فامتنع من ذلك ، وسأله الإعفاء ، حتّى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ : (إنّ الله بريء من المشركين ورسوله) بالكسر ، فقال : ما ظننت أمر الناس آل إلى هذا. فرجع إلى زياد فقال : أنا أفعل ما أمر به الأمير ، فليبغني (٢) كاتبا لقنا (٣) يفعل ما أقول ، فأتي بكاتب من عبد القيس (٤) ، فلم يرضه ، فأتي بكاتب آخر ـ قال المبرد : أحسبه منهم ـ فقال له أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، وإن ضممت فمي ، فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت ، فاجعل نقطة من تحت الحرف ، وإن مكنت (٥) الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين ، ففعل ذلك ، وكان أول ما وضعه لهذا السبب.

وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح أنّ أوّل من وضع النحو عليّ بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي ، وأخذ عن أبي الأسود الدؤلي نصر بن عاصم البصري ، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلاء البصري ، وأخذ عن أبي عمرو الخليل بن أحمد ، وأخذ عن الخليل (٦) سيبويه

__________________

(١) أي علم النحو الّذي أخذه عن الإمام عليّ كما مرّ بنا خبره.

(٢) يقال : أبغني الشيء ، أي أعني على طلبه.

(٣) اللّقن : سريع الفهم.

(٤) عبد القيس : قبيلة من أسد ، وكانت ديارهم في تهامة ، ثمّ خرجوا منها إلى البحرين.

(٥) في أخبار النحويين للسيرافي ، ص ١٦ : «فإن أتبعت شيئا من ذلك غنّة ، فاجعل مكان النقطة نقطتين».

(٦) زيادة تقتضيها صحّة الرواية ، ولم يذكر أحد من واضعي التراجم أن سيبويه أخذ عن أبي عمرو بن العلاء. والروايات تجمع على أنّه أخذ عن الخليل ، وهذا أخذ عن أبي عمرو بن العلاء. انظر ابن خلكان ٣ / ١٣٣ ؛ وابن كثير ١١ / ٧٠.

٥٧٣

أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (١) ، وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط ، وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمّد المازني الشيباني وأبو عمر الجرمي ، وأخذ عن المازني والجرمي أبو العباس محمّد بن يزيد المبرد ، وأخذ عن المبرد أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السراج ، وأخذ عن ابن السراج أبو عليّ الحسن بن عبد الغفار الفارسي (٢).

وكذلك وجدت أتمّ الروايات وأصوبها ما رواها أبو عبد الله ياقوت الحموي بسنده عن أبي الأسود الدؤلي ، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) فرأيته مطرقا مفكّرا ، فقلت : فيم تفكّر يا أمير المؤمنين؟ قال : إنّي سمعت ببلدكم هذا لحنا ، فأردت أن أضع كتابا في اصول العربية.

فقلت : إن فعلت هذا يا أمير المؤمنين أحييتنا ، وبقيت فينا هذه اللّغة.

ثمّ أتيته بعد أيام فألقى إليّ صحيفة فيها :

بسم الله الرّحمن الرّحيم : الكلام كلّه اسم وفعل وحرف ، والاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثمّ قال لي : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر ولا مضمر. قال : فجمعت منه أشياء ، وعرضتها عليه ، وكان من ذلك حروف النصب ، فكان منها إنّ وأنّ وليت ولعلّ وكأنّ ولم أذكر لكنّ. فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها. فقال : بل هي منها فزدها فيها (٣).

__________________

(١) قنبر ، بضم ثمّ فتح وسكون. كذا ضبطه في تاريخ العروس ٣ / ٥٠٨.

(٢) إنباه الرواة ، تأليف أبي الحسن عليّ بن يوسف القفطي ١ / ٤ ـ ٦ ، ط. القاهرة سنة ١٣٦٩.

(٣) معجم الأدباء (١٤ / ٤٩ ـ ٥٠) ؛ وراجع إنباه الرواة للقفطي ١ / ٤.

٥٧٤

سبب وضع النحو :

وسبب وضع عليّ (ع) لهذا العلم ما روى أبو الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، فوجدت في يده رقعة. فقلت : ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : إنّي تأمّلت كلام الناس فوجدته قد فسر بمخالطة هذه الحمراء «يعني الأعاجم» ، فأردت أن أضع لهم شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه. ثمّ ألقى إليّ الرقعة وفيها مكتوب «الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما انبئ به ، والحرف ما جاء لمعنى» وقال لي : انح هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك. واعلم أنّ الأسماء ثلاثة : ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وانما يتفاضل الناس يا أبا الأسود في ما ليس بظاهر ولا مضمر ، وأراد بذلك الاسم المبهم.

ثمّ قال : وضعت بابي العطف والنعت ، ثمّ بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب (إنّ وأخواتها) ما خلا لكنّ ، فلمّا عرضتها على عليّ (ع) أمرني بضمّ لكنّ إليها ، وكنت كلّما وضعت بابا من أبواب النحو عرضته عليه (ع) إلى أن حصلت على ما فيه الكفاية قال : «ما أحسن هذا النحو الّذي قد نحوت» فلذلك سمّي النحو.

وكان أبو الأسود ممّن صحب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) ، وكان من المشهورين بصحبته ومحبّته ومحبّة أهل بيته ، وفي ذلك يقول :

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر لا تنسى عليا

فقلت لهم فكيف يكون تركي

من الأشياء ما يحصى عليا

احب محمّدا حبّا شديدا

وعبّاسا وحمزة والوصيا

فإن يك حبّهم رشدا اصبه

وفيهم اسوة إن كان غيا

فكم رشدا أصبت وحزت مجدا

تقاصر دونه هام الثّريا

٥٧٥

وكان ينزل البصرة في بني قشير ، وكانوا يرجمونه باللّيل لمحبّته عليّا وأهل بيته ، فإذا ذكر رجمهم له قالوا : ان الله يرجمك.

فيقول لهم تكذبون ، لو رجمني الله أصابني ، ولكنّكم ترجمون فلا تصيبون.

وروى انّ سبب وضع عليّ (ع) لهذا العلم انّه سمع اعرابيا يقرأ : لا يأكله إلّا الخاطئين ، فوضع النحو.

وفي نزهة الألباء في طبقات الادباء ، ذكر من نسب وضع علم النحو لغير الإمام عليّ ، ثمّ قال :

والصحيح انّ أوّل من وضع النحو عليّ بن أبي طالب (ع) ؛ لأنّ الروايات كلّها تسند إلى أبي الأسود ، وأبو الأسود يسنده إلى عليّ ، فانّه روي عن أبي الأسود انّه سئل فقيل له : من أين لك هذا النحو؟ قال : لفقت حدوده من عليّ ابن أبي طالب (١).

* * *

وبعد أن علّم الإمام عليّ (ع) أبا الأسود علم النحو ، أخذ من أبي الأسود من جاء بعده جيلا بعد جيل ، ورجح عندنا تسلسل طبقات النحويين كما رسمناه في الجدول الآتي بعيد هذا.

من أخذ النحو عن أبي الأسود؟

قال ابن الأنباري :

وأخذ عن أبي الأسود عنبسة الفيل (٢) ، وميمون الأقرن (٣) ، ونصر بن

__________________

(١) نزهة الألبّاء في طبقات الادباء ، ص ١٨ ـ ٢٢.

(٢) عنبسة بن معدان الفيل ، انظر الزبيدي ، طبقات النحويين : ٢٤ ، ياقوت الحموي ، معجم الادباء ٦ / ٩١.

(٣) ميمون الأقرن النحوي ، انظر السيوطي ، بغية الوعاة ٤٠١ ، الزبيدي ، طبقات : ٢٤ با ، أبو الطيب اللغوي ، مراتب النحويين ٢٠ ، ياقوت ، إرشاد ، ١٩ / ٢٠٩.

٥٧٦

عاصم وعبد الرّحمن بن هرمز (١) ، ويحيى بن يعمر ... (٢). وقال في آخر الكتاب ...

وأخذه سيبويه عن الخليل بن أحمد ، وأخذه الخليل (٣) عن عيسى بن عمر ، وأخذه عيسى بن عمر عن ابن أبي إسحاق ، وأخذه ابن أبي إسحاق عن ميمون الأقرن ، وأخذه ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي ، وأخذه أبو الأسود الدؤلي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (رض) على ما قدّمناه في أوّل الكتاب (٤).

ج ـ القرّاء :

من أخبار القرّاء في عصر الإمام عليّ :

وبلغ كثرة القرّاء في البلاد الإسلامية إلى حد أنّه خرج على الإمام عليّ بعد تحكيم الحكمين ثمانية آلاف من قرّاء الناس من بلد الكوفة (٥).

وبسبب كلّ ما ذكرنا ، ولم يكن يولد مولود في أي بقعة أرض من أراضي

__________________

(١) عبد الرّحمن بن هرمز المتوفّى ١١٧ ه‍ ، انظر السيرافي ، أخبار النحويين البصريين : ٢١ ؛ السمعاني ، الأنساب : ١٤٤ ؛ السيوطي ، البغية : ٣٠٣ ؛ ابن الأثير ، الكامل ٤ / ٢٢٤ ، ابن عساكر ٢٣ / ٤٦٣ ؛ الذهبي ، تذكرة الحفاظ ١ / ٩١ ؛ ابن حجر ، تهذيب التهذيب ٦ / ٢٠٩ ؛ ابن العماد ، شذرات الذهب ١ / ١٥٣ ؛ الزبيدي ، طبقات : ٢٠ ؛ ابن سعد ، طبقات ٥ / ٢٠٩ ؛ ابن الجزري ، طبقات القراء ١ / ٣٨١ ؛ النديم ، الفهرست ٣٩.

(٢) نزهة الألبّاء في طبقات الادباء ، ص ٢٢.

(٣) الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي ، الأزدي كان إماما في النحو وهو أوّل من استخرج علم العروض وله من الكتب : كتاب العين في اللّغة ، وكتاب العروض ، وكتاب النقط والشكل ، ومنه أخذ سيبويه علم النحو وكان رجلا صالحا عاقلا حليما وقورا ، توفّي سنة ١٧٠ ه‍ ، كما في ترجمته في الفهرست ، ص ٤٨ وقال غير ذلك ابن خلكان في ترجمته في وفيات الأعيان ٢ / ١٥ ـ ١٩.

(٤) نزهة الألبّاء في طبقات الادباء ، ص ٣٠٢.

(٥) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٨٥ ، في ذكر حوادث سنة ٣٨ ه‍.

٥٧٧

المسلمين ولا يعتنق الإسلام انسان ما على وجه الأرض منذ عصر الرسول (ص) حتى عصر الإمام عليّ (ع) إلّا ويشترك مع سائر المسلمين في حلبة السباق في تقارؤ القرآن مؤمنا كان أم منافقا ؛ فالمؤمن طلبا لرضا الله ، والمنافق طلبا للشهرة في مجتمع كان القرآن فيه ميزانا للمفاضلة بين أهله ، ولذلك لما انتشرت الفتوح في عصر الخليفة عمر ، بلغ عدد القرّاء بين المسلمين عددا لا يحصيه غير الله سبحانه.

د ـ حصيلة الأخبار :

آثار تأسيس علم النحو :

أ ـ حفظ النص القرآني من التحريف والتغيير منذ عصره إلى اليوم وإلى أبد الدهر.

ب ـ استفادة الامم الإسلامية من ضبط الكلمات بالحركات الإعرابية في لغاتها أبد الدّهر كما يرى ذلك في الجدول الآتي :

٥٧٨

٥٧٩

خلاصة أخبار المجتمع والقرآن على عهد الإمام عليّ (ع)

بيعة الإمام عليّ (ع):

قتل عثمان ورجع إلى المسلمين أمرهم وانحلّوا من كل بيعة سابقة توثقهم فأتاه أصحاب رسول الله (ص) ، فقالوا : إنّ هذا الرّجل قد قتل ولا بدّ للناس من إمام ولا نجد اليوم أحقّ بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله (ص) فقال : لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا : لا ، والله ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك. قال : ففي المسجد فإنّ بيعتي لا تكون خفيّا ولا تكون إلّا عن رضا المسلمين ...

فاسقط في يد طلحة والزّبير وجاءا مع المهاجرين والأنصار وسبقهم طلحة في البيعة ، وبعد ما تمّت البيعة أمر أن يوزّع ما في بيت المال عليهم بالسويّة وأن يعطي كلّا منهم ثلاثة دنانير ، وأخذ لنفسه مثلهم ، ولم يفضّل المهاجرين والأنصار على الموالي ، فلم يقبل ذلك جماعة في مقدمتهم طلحة والزّبير ودخلا المسجد وجلسا ناحية عن الإمام عليّ وانضمّ إليهم بنو اميّة ؛ وبلغ امّ المؤمنين عائشة خبر قتل عثمان في طريق عودتها من الحجّ إلى المدينة وكانت واثقة أن يلي الأمر ابن عمّها طلحة وحثّت على السير وإذا بها تخبر بأنّ الإمام عليّا بويع فنادت ردّوني ردّوني إنّ عثمان قتل مظلوما ، قتله عليّ.

وفي المدينة طلب طلحة والزّبير أن يوليهما الإمام البصرة والكوفة فأبى أن يفعل ، فخرجا مع ثلّة من بني اميّة والتحقوا بعائشة وذهبوا جميعا إلى البصرة يطالبون عليّا بدم عثمان ، ولمّا قامت الحرب رمى مروان طلحة بسهم فقتله طلبا بثأر عثمان ، ولمّا انتهت أرجع الإمام امّ المؤمنين بكل احترام إلى بيتها في المدينة وذهب إلى الكوفة واتخذها كرسي دولته.

٥٨٠