القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

الغزو فمنعه من ذلك.

وقال له مروان : انّ ابن مسعود أفسد عليك العراق أفتريد أن يفسد عليك الشام؟

فلم يبرح المدينة حتّى توفّي قبل مقتل عثمان بسنتين.

وكان مقيما بالمدينة ثلاث سنين.

ولما مرض ابن مسعود مرضه الّذي مات فيه أتاه عثمان عائدا ، فقال :

ما تشتكي؟

قال : ذنوبي.

قال : فما تشتهي؟

قال : رحمة ربي.

قال : ألا أدعو لك طبيبا؟

قال : الطبيب أمرضني.

قال : فلا آمر لك بعطائك ـ وكان قد تركه سنتين ـ (١)؟

قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه وتعطينيه وأنا مستغن عنه.

قال : يكون لولدك.

قال : رزقهم على الله.

قال : استغفر لي يا أبا عبد الرّحمن.

قال : أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي.

وأوصى أن يصلّي عليه عمّار بن ياسر ، وأن لا يصلّي عليه عثمان ، فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم فلمّا علم غضب ، وقال : سبقتموني به.

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٧ / ١٦٣ ؛ وراجع اليعقوبي ٢ / ١٩٧ ؛ ومستدرك الحاكم ٣ / ١٣.

٤٨١

فقال عمار بن ياسر : إنّه أوصى أن لا تصلّي عليه.

فقال ابن الزّبير :

لأعرفنك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي

وتوفّي ابن مسعود سنة ٣٢ ودفنه الزّبير ليلا ولم يؤذن به عثمان. وكان عمره بضعا وستين (١).

كان ذلك شأن الخليفة ووالي الكوفة مع مقرئ أهل الكوفة ابن مسعود وسوف يأتي في محلّه من هذا البحث شأنهم معه عند حرق المصاحف.

موقف عمّار بن ياسر :

من أخباره مع عمّار :

أ ـ ما رواه البلاذري وقال : انّه لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة ، قال : رحمه‌الله. فقال عمّار بن ياسر : نعم ، فرحمه‌الله من كلّ أنفسنا ، فقال عثمان : يا عاض أير أبيه! أتراني ندمت على تسييره؟ وأمر فدفع في قفاه وقال : الحق بمكانه ، فلمّا تهيّأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى عليّ فسألوه أن يكلّم عثمان فيه. فقال له عليّ : يا عثمان! اتق الله فإنّك سيّرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره ، وجرى بينهما كلام حتّى قال عثمان : أنت أحق بالنفي منه. فقال عليّ : رم ذلك إن شئت ، واجتمع المهاجرون فقالوا : إن كنت كلّما كلّمك رجل سيّرته ونفيته فإنّ هذا شيء لا يسوغ. فكفّ عن عمّار (٢).

__________________

(١) لقد رجعنا في ما ذكرنا من قصّة ابن مسعود إلى البلاذري في أنساب الأشراف ٥ / ٣٦ ، وفي بعضه إلى ترجمته في طبقات ابن سعد ٣ / ١٥٠ ـ ١٦١ ، طبعة دار صادر بيروت ؛ والاستيعاب ١ / ٣٦١ ؛ وأسد الغابة ٣ / ٣٨٤ ، رقم الترجمة ٣١٧٧ ؛ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٠ ؛ وراجع تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٨ ؛ وابن أبي الحديد ، طبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٤٩ و ٥٤ ؛ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٣ ؛ والعقد الفريد ٢ / ٢٧٢.

٤٨٢

ب ـ ما رواه البلاذري وغيره في حملة كتاب استنكار الصحابة على عثمان وقالوا :

إنّ المقداد بن عمرو ، وعمّار بن ياسر ، وطلحة ، والزّبير في عدّة من أصحاب رسول الله (ص) كتبوا كتابا عدّدوا فيه أحداث عثمان وخوّفوه ربّه وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع ؛ فأخذ عمار الكتاب وأتاه به فقرأ صدرا منه فقال له عثمان : أعليّ تقدم من بينهم؟ فقال عمار : لأنّي أنصحهم لك. فقال : كذبت يا ابن سميّة! فقال : أنا والله ابن سميّة وابن ياسر ، فأمر غلمانه فمدّوا بيديه ورجليه ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه (١).

وفي خبر آخر :

فضربه حتى غشي عليه ثمّ اخرج فحمل حتى أتي به منزل امّ سلمة زوج رسول الله (ص) فلم يصلّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا توضأ وصلّى قال : الحمد لله ليس هذا أوّل يوم اوذينا فيه في الله. وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله (ص) وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثمّ قالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ، فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما يقول ، فالتج المسجد وقال الناس : سبحان الله ، سبحان الله ، وكان عمرو بن العاص واجدا على عثمان لعزله إيّاه عن مصر فجعل يكثر التعجّب والتسبيح (٢).

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) نفس المصدر السابق.

٤٨٣

موقف عمرو بن العاص :

في تاريخ الطبري وأنساب الأشراف ما موجزه والسياق للطبري :

(... فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليّا مرة فيؤلّبه على عثمان ويأتي الزّبير مرّة فيؤلبه على عثمان ويأتي طلحة مرة فيؤلبه على عثمان ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان ، فلمّا كان حصر عثمان الأوّل خرج من المدينة حتّى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع فنزل في قصر له يقال له العجلان وهو يقول : العجب ما يأتينا عن ابن عفان! قال : فبينا هو جالس في قصره ذلك إذ مرّ بهم راكب فناداه عمرو من أين قدم الرجل؟ فقال من المدينة ، قال ما فعل الرجل ـ يعني عثمان ـ؟ قال تركته محصورا شديد الحصار ، قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار ، فلم يبرح مجلسه ذلك حتّى مرّ به راكب آخر فناداه عمرو : ما فعل الرجل ـ يعني عثمان ـ؟ قال قتل ، قال : أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها ، إن كنت لاحرّض عليه حتى إنّي لاحرّض عليه الرّاعي في غنمه على رأس الجبل (١).

موقف معاوية :

بعد أن بلغ السيل الزبى ، وثار المسلمون بعثمان في المدينة كتب عثمان إلى معاوية فيمن كتب إليه من ولاته يستمدّه ويقول :

بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أمّا بعد فإنّ أهل المدينة كفروا ، وأخلفوا الطاعة ، ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول.

فلمّا جاء معاوية الكتاب تربّص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (ص) ، وقد علم اجتماعهم ، فلمّا أبطأ أمره على عثمان ، كتب إلى أهل الشام

__________________

(١) الطبري ١ / ٢٩٦٧ ـ ٢٩٧٢ ؛ وأنساب الأشراف ٤ / ق ١ / ٥٦٤ ـ ٥٦٩ و ٥٩٨.

٤٨٤

يستنفرهم ... (١) الحديث.

قال البلاذري : ولمّا أرسل عثمان إلى معاوية يستمدّه بعث يزيد بن أسد القسري (٢) وقال له : إذا أتيت ذا خشب (٣) فأقم بها ، ولا تتجاوز ، ولا تقل : يرى الشاهد ما لا يرى الغائب ، فإنّني أنا الشاهد وأنت الغائب ، قال : فأقام بذي خشب حتى قتل عثمان ، فاستقدمه حينئذ معاوية ، فعاد إلى الشام بالجيش الّذي كان ارسل معه ؛ وإنّما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان ، فيدعو إلى نفسه (٤). انتهى.

وجاء في تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٥ :

فكتب عثمان إلى معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه ، فتوجّه إليه في اثني عشر ألفا ، ثمّ قال : كونوا بمكانكم في أوائل الشأم ، حتى آتي أمير المؤمنين لأعرف صحّة أمره ، فأتى عثمان ، فسأله عن المدّة ، فقال : قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم فأجيئك بهم. قال : لا والله ، ولكنّك أردت أن اقتل فتقول : أنا وليّ الثأر. ارجع ، فجئني بالناس! فرجع ، فلم يعد إليه حتى قتل.

ولمّا بويع لعليّ ندم معاوية على ما فرط في جنب عثمان ؛ ورأى أنّ الخلافة قد زويت عنه ، فكتب لطلحة والزّبير يمنّيهما الخلافة ، ويدفعهما إلى قتال عليّ ، حتى قتلا بالبصرة (٥).

موقف عبد الرّحمن بن عوف :

روى البلاذري بسنده في أنساب الأشراف :

__________________

(١) الطبري ٥ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٢) اختلفوا في إدراكه صحبة النبيّ ، راجع ترجمته باسد الغابة ٥ / ١٠٣.

(٣) «خشب» بضم أوّله وثانيه : واد على مسير ليلة من المدينة. معجم البلدان.

(٤) شرح النهج ٤ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٥) صفين لنصر بن مزاحم ، ص ٥٢ ؛ وشرح النهج ٢ / ٥٨٠ ـ ٥٨١.

٤٨٥

أ ـ قال : لمّا توفّي أبو ذر بالرّبذة ، تذاكر عليّ وعبد الرّحمن بن عوف فعل عثمان ، فقال عليّ : هذا عملك ، فقال عبد الرّحمن : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني.

ب ـ قال : ذكر عثمان عند عبد الرّحمن بن عوف في مرضه الّذي مات فيه فقال عبد الرحمن : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه ، فبلغ ذلك عثمان ، فبعث إلى بئر كان يسقى منها نعم عبد الرّحمن بن عوف فمنعه إيّاها ، فقال عبد الرّحمن : اللهمّ اجعل ماءها غورا ، فما وجدت فيها قطرة.

ج ـ إنّ عبد الرّحمن بن عوف كان حلف ألا يكلم عثمان أبدا.

د ـ إنّ عبد الرّحمن أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان ، فصلّى عليه الزّبير أو سعد بن أبي وقّاص ، وتوفّي سنة اثنتين وثلاثين (١).

موقف امّ المؤمنين عائشة من تلكم الأحداث :

قال البلاذري في أنساب الأشراف :

أنّه وصلت من امّ المؤمنين (كتب إلى البلاد تحرض المسلمين على الخروج عليه) (٢).

وذكر اليعقوبي في تاريخه وقال :

كان عثمان يخطب ، إذ دلّت عائشة قميص رسول الله ، ونادت «يا معشر المسلمين! هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنّته» ، فقال عثمان : «ربّ اصرف عنّي كيدهنّ إنّ كيدهنّ عظيم» (٣).

__________________

(١) أنساب الأشراف ط. بيروت ١٤٠٠ ه‍ (ق ٤ / ١ / ٥٤٦ ـ ٥٤٧).

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ١٠٣.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧٥.

٤٨٦

وقال ابن أعثم :

ولمّا رأت امّ المؤمنين اتّفاق الناس على قتل عثمان ، قالت له :

أي عثمان! خصّصت بيت مال المسلمين لنفسك ، وأطلقت أيدي بني اميّة على أموال المسلمين ، وولّيتهم البلاد ، وتركت امّة محمّد في ضيق وعسر ، قطع الله عنك بركات السماء وحرمك خيرات الأرض ، ولو لا أنك تصلّي الخمس لنحروك كما تنحر الإبل (١).

فقرأ عليها عثمان : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(٢) انتهى.

إنّ هذه الكلمات القارصة من الخليفة في امّ المؤمنين عائشة ذات الطبع الحادّ والّتي لم تكن لتملك نفسها عند سورة الغضب ، والكتاب الّذي عثر عليه أخوها محمّد في طريقه إلى مصر والّذي فيه أمر صريح بقتله وآخرين من رفقته ممّن أدركوا صحبة النبيّ وغيرهم من المسلمين ؛ قد دفعت امّ المؤمنين ـ الّتي كانت تذهب نفسها في سبيل الدفاع عن ذوي قرباها ـ أن تصدر الفتوى الصريحة بقتل الخليفة عثمان وكفره ، فتقول فيه :

اقتلوا نعثلا فقد كفر.

__________________

(١) كتاب الفتوح ، ٢ / ٢٢٥. وينبغي أن تكون هذه المحاورة قبل عثور أخيها محمّد على كتاب عثمان في طريق مصر يأمر فيه بقتلهم ، فإنّها بعد ذلك كانت تفتي بقتله غير مبالية بصلاته.

(٢) الآية العاشرة من سورة التحريم وكان عثمان يعرض بها إلى ما أطبق عليه المفسّرون من أنّ منشأ قصّة التحريم ما قامت به امّ المؤمنين عائشة واخرى معها من امّهات المؤمنين ، فنزلت فيهما سورة التحريم.

٤٨٧

وقالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط (١).

انطلقت هذه الكلمة من فم امّ المؤمنين ، فانتشرت بين الناس (٢).

ولمّا اشتدّ الأمر على عثمان أمر مروان بن الحكم وعبد الرّحمن بن عتاب بن اسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحجّ فقالا لها :

لو أقمت ، فلعلّ الله يدفع بك عن هذا الرجل ، «وقال مروان : ويدفع لك بكل درهم أنفقتيه درهمين» (٣).

فقالت : قد قرنت ركائبي وأوجبت الحجّ على نفسي وو الله لا أفعل! فنهض مروان وصاحبه ، ومروان يقول :

وحرّق قيس عليّ البلاد

فلمّا اضطرمت أحجما

ورد البيت في الأنساب ٥ / ٧٥ هكذا :

وحرّق قيس عليّ البلا

د حتّى إذا اضطرمت أجذما

فقالت عائشة : يا مروان! «لعلك ترى أنّي في شكّ من صاحبك» (٤) ، والله لوددت أنّه في غرارة من غرائري هذه وأنّي طوقت حمله حتى القيه في البحر (٥).

__________________

(١) الطبري ٤ / ٤٧٧ ، ط. القاهرة سنة ١٣٥٧ ، وط. أوربا ١ / ٣١١٢ ؛ وابن أعثم ، ص ١٥٥ ؛ وابن الأثير ٣ / ٨٧ ؛ وابن أبي الحديد ٢ / ٧٧ ؛ ونهاية ابن الأثير ٤ / ١٥٦ ؛ وشرح النهج ٤ / ٤٥٨.

وراجع لغة نعثل في النهاية لابن الأثير وتاج العروس ولسان العرب.

(٢) راجع خبر انتشار كلمة امّ المؤمنين في بحث على عهد عثمان من المجلّد الأوّل من كتابنا أحاديث امّ المؤمنين عائشة.

(٣) الزيادة ما بين القوسين في تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٢٤ ، وط. بيروت ٢ / ١٧٦.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) أخرج هذه الرواية كل من البلاذري في الأنساب ٥ / ٧٥ ؛ وابن أعثم ٢ / ٢٢٥ ؛ وابن ـ

٤٨٨

خرجت امّ المؤمنين من المدينة متوجهة إلى مكة وخرج ابن عباس أميرا على الحاج من قبل عثمان ، فمرّ بعائشة في الصلصل وهي في طريقها إلى مكّة ، فقالت : يا ابن عباس! انشدك الله فإنّك اعطيت لسانا إزعيلا أن تخذّل عن هذا الرجل. وفي الأنساب : إيّاك أن تردّ عن هذه الطاغية (١) وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار وتحلّبوا من البلدان لأمر قد جمّ ، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتّخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر.

قال : قلت : يا امّه لو حدث بالرجل ما حدث ما فزع الناس إلّا إلى صاحبنا.

فقالت : إيها عنك إنّي لست اريد مكابرتك ولا مجادلتك (٢).

تراجم المذكورين في الخبر :

أ ـ عبد الرّحمن بن عتاب بن اسيد بن أبي العيص بن اميّة بن عبد شمس قتل يوم الجمل تحت راية عائشة ، وقطعت يده ، فاختطفها نسر وفيها خاتمه ، فطرحها ذلك اليوم باليمامة ، فعرفت يده بخاتمه ، (جمهرة نسب قريش ، ص : ١٨٧ ـ ١٩٣).

ب ـ عبد الله بن العباس بن عبد المطلّب بن هاشم القرشي ، كنّي بأبيه

__________________

ـ سعد في الطبقات ، ط. ليدن ٥ / ٢٥ بترجمة مروان ، وذكر من أتى عائشة زيد بن ثابت. والغرارة : الجوالق.

(١) في الأنساب ٥ / ٧٥.

(٢) الطبري ٥ / ١٤٠ ، وط. أوربا ١ / ٣٠٤٠ ؛ وابن أعثم ، ص ١٥٦ ، واللّفظ للطبري والبلاذري. والصلصل : من نواحي المدينة على مسيرة أميال منها. معجم البلدان. والأزعيل : الذلق ، وفي القاموس : النشيط.

٤٨٩

العبّاس وهو أكبر ولده ، وامّه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية ، ولد والنبيّ بالشعب من قبل الهجرة بثلاث. شهد مع عليّ الجمل وصفين والنهروان ثمّ ولّاه البصرة ، وترك البصرة في آخر خلافة عليّ وذهب إلى مكّة ، ولمّا وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزّبير وعبد الملك ألحّ ابن الزّبير عليه وعلى محمّد بن الحنفية أن يبايعا فأبيا ، فجمع الحطب على داريهما حتّى بلغ رءوس الجدر ليحرقهم ، فجاءتهم أربعة آلاف فارس من الكوفة وأنقذتهم ، وخاف ابن الزّبير فتعلّق بأستار الكعبة وقال : أنا عائذ بالبيت فمنعهم عنه ابن عباس. وتوفّي بالطائف سنة ثمان وستين أو سبعين ـ كما ذكره ابن عبد البرّ وابن الأثير وابن حجر ـ وهو ابن سبعين أو إحدى وسبعين سنة ، (الاستيعاب / ٣٧٢ ـ ٣٧٤ ، الترجمة رقم ١٥٩١ ؛ وأسد الغابة ، الترجمة رقم ٣٠٣٥ ، ٣ / ١٩٢ ـ ١٩٥ ؛ والإصابة ، الترجمة رقم ٤٧٨١ ، ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٦).

د ـ مصر وتولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح عليها :

كان عمرو بن العاص فاتح مصر عاملا عليها حتّى عزله الخليفة عثمان عن الخراج واستعمله على الصلاة ، واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج ثمّ جمعهما لعبد الله بن سعد (١).

روى البلاذري أنّ محمّد بن أبي حذيفة ومحمّد بن أبي بكر حين أكثر الناس في أمر عثمان قدما مصر وعليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ووافقا بمصر محمّد بن طلحة بن عبيد الله وهو مع عبد الله بن سعد ؛ وإنّ ابن أبي حذيفة شهد صلاة الصبح في صبيحة الليلة الّتي قدم فيها ، ففاتته الصلاة فجهر بالقراءة فسمع ابن أبي سرح قراءته فأمر إذا صلّى أن يؤتى به. فلمّا رآه قال : ما جاء بك

__________________

(١) الطبري ٥ / ١٠٨ ، وط. أوربا ١ / ٢٢٦٦.

٤٩٠

إلى بلدي؟ قال : جئت غازيا ، قال : ومن معك؟ قال : محمّد بن أبي بكر ، فقال : والله ما جئتما إلّا لتفسدا الناس ، فأمر بهما فسجنا ، فأرسلا إلى محمّد بن طلحة يسألانه أن يكلمه فيهما لئلّا يمنعهما من الغزو ، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح إفريقيا ، فأعدّ لهما سفينة مفردة لئلّا يفسدا عليه الناس فمرض ابن أبي بكر فتخلّف ، وتخلّف معه ابن أبي حذيفة ، ثمّ انّهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلّا وقد أوغرا صدور الناس على عثمان.

وقال في حديث آخر : وكانت غزوة ذات الصواري في المحرّم سنة ٣٤ (١).

وفي تاريخ الطبري وأنساب الأشراف (٢) :

خرج محمّد بن أبي حذيفة ومحمّد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد ، فأظهرا عيب عثمان وما غيّر وما خالف به أبا بكر وعمر وأنّ دم عثمان حلال ، ويقولان : استعمل عبد الله بن سعد رجلا كان رسول الله (ص) أباح دمه ، ونزل القرآن بكفره [حين قال : سانزل مثل ما أنزل الله](٣) وأخرج رسول الله (ص) قوما وأدخلهم (٤) ـ إلى قوله ـ فأفسدا أهل تلك الغزاة وعابا عثمان أشدّ العيب.

وقال : (ومحمّد بن أبي حذيفة يقول للرجل : أما والله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقّا ، فيقول الرجل : وأيّ جهاد؟! فيقول : عثمان بن عفان فعل كذا وكذا حتّى أفسد الناس ، فقدموا بلدهم وقد أفسدهم ، وأظهروا من القول ما لم يكونوا ينطقون به).

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٥٠.

(٢) الطبري ٥ / ٧٠ ـ ٧١ ، في ذكره غزوة ذات الصواري في سنة ٣١ ، وط. أوربا ١ / ٢٨٧٠ ـ ٢٨٧١.

(٣) هذه الجملة في أنساب الأشراف ٥ / ٥٠.

(٤) يقصد بهم الحكم بن أبي العاص وولده.

٤٩١

وممّا ساعد المحمّدين في أمرهم تذمّر المصريين من سيرة ابن أبي سرح فيهم ، وظلمه إيّاهم ، وقد بلغ الأمر به معهم أن يضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتّى يتوفّى ، وقد أورد قصّة قدوم المصريين على عثمان في شكواهم من ابن أبي سرح كلّ من الطبري وابن الأثير في حديثهما عن شكوى المصريين من ابن أبي سرح ، وقالا :

(وقد قدّموا في كلامهم ابن عديس فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمّة واستئثارا منه في غنائم المسلمين ، فإذا قيل له في ذلك قال هذا كتاب أمير المؤمنين إليّ ...) (١).

تراجم المذكورين في الخبر :

أ ـ عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري. وهو أخو عثمان من الرضاعة ، أرضعت امّه عثمان.

أسلم قبل الفتح وهاجر إلى المدينة ، وكتب الوحي لرسول الله ، ثمّ ارتدّ مشركا ، وصار إلى قريش بمكّة ، فقال لهم : إنّي كنت أصرف محمّدا حيث اريد ؛ كان يملي عليّ : «عزيز حكيم» فأقول : «عليم حكيم»! فيقول : نعم ، كلّ صواب ؛ فأنزل الله تعالى فيه :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ). (الأنعام / ٩٣)

فلمّا كان يوم الفتح ، أهدر رسول الله دمه ، وأمر بقتله ولو وجد متعلّقا

__________________

(١) الطبري ٥ / ١١٨ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٩٤ ؛ وابن الأثير ٣ / ٥٩ ـ ٧٠.

٤٩٢

بأستار الكعبة. ففرّ عبد الله إلى عثمان فغيّبه حتى أتى به إلى رسول الله (ص) فاستأمنه له ، فصمت رسول الله (ص) طويلا ثمّ قال : نعم ، فلمّا انصرف عثمان قال لمن حوله : ما صمتّ إلّا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ، فقالوا : هلّا أومأت إلينا ، فقال : إنّ النبيّ لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين.

ولّاه عثمان مصر سنة ٢٥ ه‍ ، وعزل عنها عمرو بن العاص ففتح إفريقيا فأعطاه عثمان خمس غنائم الغزوة الاولى ، وبقي أميرا على مصر حتّى سنة ٣٤ حيث ثار ابن أبي حذيفة في مصر ، فمضى إلى عسقلان فأقام بها حتّى قتل عثمان. وتوفّي سنة ٥٧ أو ٥٩ (١).

ب ـ محمّد بن أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان ، وأمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة كانت تحت جعفر وتزوجها أبو بكر بعد وفاة جعفر بن أبي طالب فولدت له محمّدا في طريقهم إلى مكّة في حجة الوداع ، ولمّا توفّي أبو بكر تزوجها عليّ فنشأ محمّد في حجر عليّ وكان ربيبه ، شهد مع عليّ الجمل وصفين ، ثمّ ولّاه مصر فدخلها في الخامس عشر من شهر رمضان سنة ٣٧ ، فجهّز معاوية عمرو بن العاص إلى مصر سنة ٣٨ ، فتغلّب عليه وقتله معاوية بن خديج صبرا وأدخلوا جثته في بطن حمار ميّت وأحرقوه (٢).

ج ـ أبو القاسم محمّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي العبشمي ، وأمّه سهلة بنت سهيل بن عمرو العامرية ، ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله (ص) واستشهد أبوه أبو حذيفة باليمامة فضمّ عثمان ابنه هذا إليه وربّاه.

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٣٦٧ ـ ٣٧٠ ؛ والإصابة ٢ / ٣٠٩ ـ ٣١٠ و ١ / ١١ ـ ١٢ ؛ وأسد الغابة ٣ / ١٧٣ ـ ١٧٤ ؛ وأنساب الأشراف ٥ / ٤٩ ؛ والمستدرك ٣ / ١٠٠ ؛ والمفسّرون كالقرطبي وغيره في تفسيرهم الآية ٩٣ من سورة الأنعام ؛ وابن أبي الحديد ١ / ٦٨.

(٢) رواه المؤرّخون في ذكرهم حوادث سنة ٣٠ و ٣٨ ه‍ ، وبترجمته في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة.

٤٩٣

استأذن عثمان في أن يذهب إلى مصر للغزو فأذن له فأخذ هناك يؤلب الناس على عثمان ثمّ وثب على خليفة عبد الله بن سعد بمصر وأخرجه منها وبايعه أهل مصر بالإمارة ، ولمّا استخلف عليّ أقره عليها فبقي عليها حتّى سار إليه معاوية عند مسيره إلى صفين ، فخرج إليهم محمّد ومنعه من دخول الفسطاط ثمّ تصالحوا على أن يخرج محمّد بن أبي حذيفة ومن معه آمنين فخرج محمّد وثلاثون رجلا فغدر بهم معاوية وحبسه في سجن دمشق ثمّ قتله رشدين مولى معاوية! وكان محمّد ممّن أدركوا صحبة الرسول (١).

د ـ محمّد بن طلحة بن عبيد الله ، وامّه حمنة بنت جحش ، كنيته أبو سليمان ، ولد في عصر الرسول (ص) ، وقتل يوم الجمل فمرّ عليه عليّ وقال : أبوه صرعه هذا المصرع ، ولو لا أبوه وبرّه به ما خرج ذلك المخرج (٢).

عود على بدء

قال ابن أعثم : جاء إلى المدينة وفد من أشراف مصر يشكون عاملهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فدخلوا مسجد الرسول ، فرأوا فيها جماعة من أصحاب رسول الله (ص) من المهاجرين والأنصار ، فسلّموا عليهم ، فسألتهم الصحابة عمّا أقدمهم من مصرهم ، فقالوا : ظلم والينا ، وفساده ، فقال لهم عليّ : لا تعجلوا في أمركم ، واعرضوا على الإمام شكواكم ، فلعل عاملكم عمل برأيه فيكم. اذهبوا إلى الخليفة واشرحوا له ما ساءكم من عاملكم ، فإن أنكر عليه وعذله أصبتم بغيتكم ، وإن لم يفعل وأقرّه على ما هو عليه ؛ رأيتم أمركم ، فدعا له المصريون وقالوا : أصبت القول فنرجو أن تحضر مجلسنا عنده ، فقال : لا حاجة

__________________

(١) راجع تاريخ الطبري وابن الأثير في حوادث سنة ٣٠ ـ ٣٦ ؛ وترجمته في الاستيعاب ٣ / ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، الترجمة رقم ٩٩١ ؛ وأسد الغابة ٤ / ٣١٥ ؛ والإصابة ٣ / ٥٤.

(٢) راجع ترجمته في الطبقات ٥ / ٣٧ ـ ٣٩.

٤٩٤

في ذلك فالأمر يتمّ بحضوركم عنده ، فقالوا : وإن كان الأمر كذلك غير إنّا نرغب أن تحضر وتشهد ، فقال عليّ : يشهدكم من هو أقوى منّي وأعظم من جميع المخلوقين وأرحم على عباده.

فذهب أشراف مصر إلى دار عثمان واستأذنوا للدخول عليه ، فلمّا أذن لهم ودخلوا عليه أكرمهم وأجلسهم إلى جنبه ، ثمّ سألهم وقال : ما الّذي أقدمكم؟ وما ذا دهاكم فقدمتم دونما رخصة منّي أو من عاملي؟!

فقالوا : جئنا نستنكر منك ما يصدر منك ، ونؤاخذك بما يصدر من عاملك.

ثمّ ذكر ابن أعثم ما جرى بينهم من حجاج وأقوال (١).

محنة المسلمين وموقف الإمام عليّ منها :

وكان نتيجة شكوى أهل مصر ما ذكره البلاذري (٢) حيث قال :

لمّا ولي عثمان كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله (ص) لأن عثمان كان يحبّ قومه ، فولي الناس اثنتي عشرة حجّة ، وكان كثيرا ما يولّي من بني اميّة من لم يكن له مع النبيّ (ص) صحبة ، فكان يجيء من امرائه ما ينكره أصحاب محمّد (ص) ، وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم ، فلمّا كان في الست الأواخر استأثر ببني عمّه فولّاهم ، وولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلّمون منه ... فكتب إليه كتابا يتهدّده فيه فأبى أن ينزع عمّا نهاه عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان حتى قتله.

ولمّا ضاق الأمر بالمسلمين ، كتب من كان من أصحاب النبيّ (ص) بالمدينة

__________________

(١) فتوح ابن أعثم ، ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٥ ـ ٢٦.

٤٩٥

إلى إخوانهم في الأمصار يدعونهم إلى غزو عثمان في ما رواه الطبري وغيره (١) واللّفظ للطبري ، قال :

لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبيّ (ص) إلى من بالآفاق منهم وكانوا قد تفرقوا في الثغور :

إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عزوجل تطلبون دين محمّد فإنّ دين محمّد قد افسد من خلفكم وترك فهلمّوا ، فأقيموا دين محمّد (ص).

وفي رواية ابن الأثير : فإنّ دين محمّد (ص) قد أفسده خليفتكم ؛ وفي شرح ابن أبي الحديد : فاخلعوه ؛ فأقبلوا من كلّ افق حتى قتلوه.

وروى البلاذري (٢) وقال :

لمّا كانت سنة ٣٤ ، كتب بعض أصحاب رسول الله (ص) إلى بعض ، يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله وما الناس فيه من عمّاله ، ويكثرون عليه ، ويسأل بعضهم بعضا أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد ، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله (ص) يدفع عن عثمان ولا ينكر ما يقال فيه إلّا زيد بن ثابت ، وأبو اسيد الساعدي ، وكعب بن مالك بن أبي كعب من بني سلمة من الأنصار ، وحسّان بن ثابت ؛ فاجتمع المهاجرون وغيرهم إلى عليّ فسألوه أن يكلّم عثمان ويعظه ، فأتاه فقال له :

__________________

(١) الطبري ٥ / ١١٤ ـ ١١٥ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٨٣ ؛ وابن الأثير ٥ / ٧٠ ؛ وابن أبي الحديد ١ / ١٦٥. وإنّما ذكرنا كتب أصحاب النبيّ (ص) إلى أهل الأمصار وموافاتهم بالموسم خلال بحثنا عن تأثير المحمّدين في مصر وتحريضهما أهلها على عثمان لصلة الحوادث بعد هذا بعضها ببعض.

(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٦٠ ؛ وراجع تاريخ الطبري ٥ / ٩٦ ـ ٩٧ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٣٧ ـ ٢٩٣٩ ؛ وابن الأثير ٣ / ٦٣ ؛ وابن أبي الحديد ١ / ٣٠٣ ؛ وابن كثير ٧ / ١٦٨ ؛ وأبا الفداء ١ / ١٦٨. والنص ما بين القوسين للطبري.

٤٩٦

إنّ الناس ورائي قد كلّموني في أمرك ، وو الله ما أدري ما أقول لك ، ما عرّفك شيئا تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه ، وإنّك لتعلم ما نعلم ، وما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولقد صحبت رسول الله (ص) وسمعت ورأيت مثل ما سمعنا ورأينا ، وما ابن أبي قحافة وابن الخطّاب بأولى بالحقّ منك ؛ ولأنت أقرب إلى رسول الله (ص) رحما ، ولقد نلت من صهره ما لم ينالا ، فالله الله في نفسك ؛ فإنّك لا تبصّر من عمى ؛ ولا تعلّم من جهل.

فقال له عثمان : والله لو كنت مكاني ما عنّفتك ، ولا أسلمتك ، ولا عتبت عليك إن وصلت رحما وسددت خلّة وآويت ضائعا ، وولّيت من كان عمر يولّيه ؛ نشدتك الله : ألم يولّ عمر المغيرة بن شعبة وليس هناك ...

قال : نعم.

قال : فلم تلومني إن ولّيت ابن عامر في رحمه وقر.

قال عليّ : سأخبرك. إنّ عمر بن الخطاب كان كلّما ولّى فإنّما يطأ على صماخه ، إن بلغه حرف جلبه ، ثمّ بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل. ضعفت ورفقت على أقربائك.

قال عثمان : هم أقرباؤك أيضا.

فقال عليّ : لعمري إنّ رحمه منّي لقريبة ولكنّ الفضل في غيرهم.

قال : أولم يولّ عمر معاوية؟

فقال عليّ : إنّ معاوية كان أشدّ خوفا وطاعة لعمر من يرفأ ، وهو الآن يبتزّ الأمور دونك ويقطعها بغير علمك ويقول للناس : هذا أمر عثمان ، ويبلغك فلا تغيّر ، ثمّ خرج ، وخرج عثمان بعده ، فصعد المنبر فقال :

أمّا بعد ، فإنّ لكلّ شيء آفة ، ولكلّ أمر عاهة ، وإنّ آفة هذه الامّة وعاهة هذه النعمة ، عيّابون طعّانون يرونكم ما تحبّون ، ويسرّون لكم ما تكرهون ، مثل النعام يتّبعون أوّل ناعق ... الحديث.

٤٩٧

تراجم المذكورين في الخبر

أ ـ زيد بن ثابت ذكرنا ترجمته في بحث جمع القرآن.

ب ـ أبو اسيد الساعدي مالك بن ربيعة بن البدن الأنصاري الخزرجي شهد بدرا وما بعدها ، عمي قبل أن يقتل عثمان. اختلفوا في وفاته.

ج ـ كعب بن مالك الخزرجي وامّه ليلى بنت زيد من بني سلمة. شهد المشاهد مع رسول الله (ص) ، خلا بدرا وتبوك.

د ـ يرفأ : اسم غلام الخليفة عمر.

راجع تراجمهم في الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، أمّا حسان فستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى.

مسير أهل الأمصار إلى عثمان :

روى البلاذري (١) وقال : التقى أهل الأمصار الثلاثة : الكوفة والبصرة ومصر في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام ، وكان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة النهدي ، ورئيس أهل البصرة المثنى بن مخرّبة العبدي ، ورئيس أهل مصر كنانة ابن بشر بن عتّاب بن عوف السكوني ثمّ التجيبي ، فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاء بما أعطى من نفسه ، وعاهد الله عليه ، وقالوا لا يسعنا الرضا بهذا ، فاجتمع رأيهم على أن يرجع كل واحد من هؤلاء الثلاثة إلى مصره ، فيكون رسول من شهد مكّة من أهل الخلاف على عثمان إلى من كان على رأيهم من أهل بلده ، وأن يوافوا عثمان في العام المقبل في داره ويستعتبوه ، فإن أعتب وإلّا رأوا رأيهم فيه ، ففعلوا ذلك.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٥ / ٥٩.

٤٩٨

ولمّا كانت مصر (١) أشدّ على عثمان من غيره وأراد عثمان أن يخفّف من غلوائهم ، أرسل إلى رئيسهم ابن أبي حذيفة بمال في ما رواه البلاذري (٢) أيضا وقال : وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة ، فأمر به فوضع في المسجد وقال : يا معشر المسلمين! ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني ويرشوني عليه!!؟ فازداد أهل مصر عيبا لعثمان وطعنا عليه واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة ، فرأسوه عليهم.

إنّ دراهم عثمان لم تمنع المصريين من موافاة المدينة في موعدهم مع أهل الأمصار بل خرجوا من مصر مع محمّد بن أبي بكر في ما رواه الطبري وقال (٣) :

فقدم محمّد بن أبي بكر ، وأقام محمّد بن أبي حذيفة بمصر ، فلمّا خرج المصريون خرج عبد الرّحمن بن عديس البلوي في خمسمائة وأظهروا أنّهم يريدون العمرة وخرجوا في رجب ، وبعث عبد الله بن سعد رسولا سار إحدى عشرة ليلة يخبر عثمان أن ابن عديس البلوي وأصحابه قد وجّهوا نحوه ، وأن محمّد بن أبي حذيفة شيّعهم إلى عجرود ثمّ رجع ، وأظهر محمّد أن قال خرج القوم عمّارا وقال في السرّ : خرج القوم إلى إمامهم ، فإن نزع وإلّا قتلوه ، وسار القوم المنازل لم يعدوها حتى نزلوا ذا خشب.

وقال في حديث آخر له : ثمّ إنّ عبد الله بن سعد خرج إلى عثمان في آثار المصريين وقد كان كتب إليه يستأذنه في القدوم عليه فأذن له فقدم ابن سعد حتى إذا كان بايلة بلغه أنّ المصريين قد رجعوا إلى عثمان وأنّهم قد حصروه ومحمّد بن أبي حذيفة بمصر ، فلمّا بلغ محمّدا حصر عثمان وخروج عبد الله بن سعد

__________________

(١) الطبري ٥ / ١١٤ و ١١٥ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٨٤.

(٢) أنساب الأشراف ٥ / ٥٩.

(٣) الطبري ٥ / ١٠٩ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٦٨.

٤٩٩

عنه غلب على مصر فاستجابوا له ، فأقبل عبد الله بن سعد يريد مصر فمنعه ابن أبي حذيفة فتوجّه إلى فلسطين فأقام بها حتى قتل عثمان (رض).

وروى الطبري (١) بسنده إلى الزّبير بن العوّام ، قال : كتب أهل مصر بالسقيا (٢) أو بذي خشب إلى عثمان بكتاب ، فجاء به رجل منهم حتى دخل به عليه ، فلم يردّ عليه شيئا ، فأمر به فاخرج من الدار ، وكان أهل مصر الّذين ساروا إلى عثمان ستمائة رجل على أربعة الوية لها رءوس أربعة ، مع كل رجل منهم لواء ، وكان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وكان من أصحاب النبيّ (ص) ، وإلى عبد الرّحمن بن عديس التجيبي ، فكان في ما كتبوا :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمّا بعد ، فاعلم أنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ، فالله الله ، ثمّ الله الله فانّك على دنيا فاستتمّ إليها معها آخرة ولا تنس نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا ، واعلم أنّا والله لله نغضب ، وفي الله نرضى ، وإنّا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرّحة أو ضلالة مجلّحة مبلجة (٣) ، فهذه مقالتنا لك وقضيّتنا إليك ، والله عذيرنا منك والسلام.

وروى البلاذري (٤) وقال :

__________________

(١) الطبري ٥ / ١١١ ـ ١١٢ ، وط. أوربا ١ / ٢٩٨٦ ـ ٢٩٨٧ ؛ والبلاذري ٥ / ٦٤ ـ ٦٥ ؛ وابن الأثير ٣ / ٦٨ ؛ وشرح النهج ١ / ١٦٣ ـ ١٦٤ ؛ وابن كثير ٧ / ١٧٢ ؛ وابن أعثم في ذكره ما نقم على عثمان ؛ وابن خلدون ٢ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

(٢) السقيا : من أسافل أودية تهامة.

(٣) جلح على الشيء : أقدم عليه إقداما شديدا. وجلح في الأمر : صمّم وركب رأسه. مبلجة : واضحة ، بينة.

(٤) أنساب الأشراف ٥ / ٦٣ ـ ٦٤.

٥٠٠