القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

رواه ـ أيضا ـ السيوطي وقال :

وعن عبد الله بن الحارث قال : كنت عند عائشة ، وعندها كعب ، فذكر إسرافيل (ع) ، فقالت عائشة : اخبرني عن إسرافيل (ع).

قال : له أربعة أجنحة جناحان في الهواء ، وجناح قد تسرول به ، وجناح على كاهله والقلم على أذنه. فإذا نزل الوحي كتب القلم ودرست الملائكة وملك الصور أسفل منه جاث على احدى ركبتيه وقد نصب الاخرى ، فالتقم الصور فحنى ظهره وطرفه إلى إسرافيل ضمّ جناحيه ان ينفخ في الصور (١).

روى كعب عن النبي (ص) مرسلا ، وعن عمر وصهيب وعائشة ، وروى عنه من الصحابة ابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وابن الزّبير ومعاوية ، ومن كبار التابعين أبو رافع الصائغ ومالك بن عامر وسعيد بن المسيب وابن امرأته تبع الحميري ، وممّن بعدهم عطاء وعبد الله بن ضمرة السلولي وعبد الله بن رباح الأنصاري وآخرون (٢).

وقال رأس الجالوت لهم : إن كل ما تذكرون عن كعب بما يكون أنّه يكون إن كان قال لكم إنّه مكتوب في التوراة ، فقد كذبكم ، إنما التوراة كتابكم إلّا أن كتابكم جامع يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض وفي التوراة يسبح لله الطير والشجر وكذا وكذا.

وإنّما الّذي يحدّث به كعب عمّا يكون من كتب أنبياء بني إسرائيل وأصحابهم كما تحدّثون أنتم عن نبيّكم وعن أصحابه.

وأحيانا كان الصحابة يردّون على كعب ما يرويه كالخبر الآتي :

__________________

(١) الدرّ المنثور للسيوطي ٥ / ٣٣٨ ، تفسير سورة الزّمر / ٦٨.

(٢) تهذيب التهذيب بترجمة كعب الأحبار ٨ / ٤٣٨.

٤٤١

قال : بلغ حذيفة أن كعبا يقول : إن السماء تدور على قطب كالرحى ، فقال كذب كعب ، إنّ الله يقول (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) ، ووقع ذكره في عدّة مواضع في الصحيح منها عند مسلم في حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبيّ (ص) قال : «إذا أدّى العبد حقّ الله وحق مواليه كان له أجران» ، قال أبو هريرة فحدثت به كعبا فقال ليس عليه حساب ولا على مؤمن زهد (١).

وذكر أبو الدرداء كعبا فقال : إنّ عند ابن الحميريّة لعلما كثيرا (٢).

ح ـ أخبار القراءة والإقراء وتدوين القرآن :

روى ابن أبي داود في باب كتابة المصاحف حفظا من كتابه المصاحف ، ص ١٣٧ بسنده وقال ما موجزه :

جاء رجل إلى عمر وهو يعرفه ، فقال : يا أمير المؤمنين! جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه.

قال : فغضب عمر ، وقال : من هو ويحك!؟

قال : هو عبد الله بن مسعود.

فتسرّى عنه الغضب وعاد إلى حالته.

وإذا علمنا ان ابن مسعود كان الموفد من قبل الخليفة لإقراء القرآن في الكوفة وأن الإقراء كان في حالة كهذه في مسجد البلد أدركنا أن عدد تلاميذه كان يبلغ الألوف ممّن يكتبون في مصاحفهم ما يملي عليهم ابن مسعود من القرآن.

__________________

(١) الإصابة ٣ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ في القسم الثالث ، تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ٤٣٨ ، ومصوّرة مخطوطة ابن عساكر ١٤ / ٢ / ٢٨٤ (ب).

(٢) طبقات ابن سعد ٧ / ١٥٦ من الطبقة الثانية ، وقصد من العلم روايات كعب الآنفة.

٤٤٢

وروى السيوطي بسنده في الإتقان ٢ / ١٧٠ وقال : إنّ الخليفة عمر وجد مع رجل مصحفا قد كتبه بقلم دقيق ، فكره ذلك وضربه ، وقال : عظّموا كتاب الله تعالى.

قال : وكان عمر إذا رأى مصحفا عظيما سرّ به.

من أخبار القرّاء في عصر عمر :

في مصاحف ابن أبي داود السجستاني عن عطيّة بن قيس قال : انطلق ركب من أهل الشام إلى المدينة يكتبون مصحفا لهم ، فانطلقوا معهم بطعام وإدام وكانوا يطعمون الّذين يكتبون لهم ، فكان ابي يمرّ عليهم يقرأ القرآن فقال عمر : يا ابيّ! كيف وجدت طعام الشام؟ قال : لاوشك إذا ما نسيت أمر القوم ما أصبت لهم طعاما ولا إداما (١).

وروى البخاري وقال : كان القرّاء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا كانوا أم شبّانا (٢).

وروى المتقي في كنز العمال ، وقال : كتب عمر بن الخطاب إلى امراء الأجناد أن ارفعوا إليّ كلّ من حمل القرآن حتى الحقهم في الشرف من العطاء وارسلهم في الآفاق يعلّمون الناس ، فكتب إليه الأشعري انّه بلغ من قبلي من حمل القرآن ثلاثمائة وبضع رجال (٣).

__________________

(١) كنز العمال ٢ / ٣٤٢ ، رقم الحديث ٤١٩٦ ، عن مصاحف ابن أبي داود. وعطية بن قيس الكلابي : أبو يحيى الحمصي ويقال الدمشقي ، وقال عبد الواحد بن قيس كان الناس يصلحون مصاحفهم على قراءة عطية بن قيس ، وتوفّي سنة ١١٠ ه‍. تهذيب التهذيب ٧ / ٢٢٨.

(٢) البخاري ، كتاب الاعتصام باب (٢٨) ٤ / ١٨١ ، وباب الاقتداء بسنن رسول الله (ص) ٤ / ١٧١. وكتاب التفسير ، باب خذ العفو وأمر بالعرف ٣ / ٨٩.

(٣) كنز العمال ٢ / ١٨٣ ، الحديث ٢٠٣٧.

٤٤٣

عن محمّد بن كعب القرظي ، قال : جمع القرآن في زمان النبي (ص) خمسة من الأنصار : معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وابيّ بن كعب ، وأبو أيوب ، وأبو الدرداء.

فلمّا كان زمان عمر بن الخطاب كتب إليه يزيد بن أبي سفيان ، انّ أهل الشام قد كثروا وربلوا وملئوا المدائن ، واحتاجوا إلى من يعلّمهم القرآن ، ويفقّههم فأعن يا أمير المؤمنين برجال يعلّمونهم.

فدعا عمر اولئك الخمسة ، فقال لهم : إنّ إخوانكم من أهل الشام قد استعانوني بمن يعلّمهم القرآن ويفقّههم في الدّين ، فأعينوني رحمكم الله بثلاثة منكم ، إن أحببتم فاستهموا ، وإن انتدب منكم ثلاثة فليخرجوا.

فقالوا : ما كنّا لنساهم ، هذا شيخ كبير ـ لأبي أيوب ـ ، وأمّا هذا ، فسقيم ـ لابيّ ابن كعب ـ.

فخرج معاذ بن جبل وعبادة وأبو الدرداء ، فقال عمر : ابدءوا بحمص ، فإنّكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة ، منهم من يلقن ، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس فاذا رضيتم منهم فليقم بها واحد ، وليخرج واحد إلى دمشق ، والآخر إلى فلسطين.

فقدموا حمص ، فكانوا بها حتى اذا رضوا من الناس أقام بها عبادة ، ورجع أبو الدرداء إلى دمشق ، ومعاذ إلى فلسطين.

فأمّا معاذ ، فمات عام طاعون عمواس ، وأمّا عبادة ، فسار بعد إلى فلسطين فمات بها ، وأمّا أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتّى مات (١).

__________________

(١) كنز العمال ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦ ، الحديث رقم ١٨٨٣ ، ط. حيدرآباد سنة ١٣٦٤ ه‍ ، وطبقات ابن سعد ، ط. أوربا ٢ / ق ٢ / ١١٤ ، وط. بيروت ٢ / ٣٥٧.

٤٤٤

دراسة الأخبار :

أ ـ كان القرّاء يشاركون جنود المسلمين في سكنى مراكز الجنود مثل الكوفة والبصرة ، فأراد الخليفة أن يوظّف القرّاء للإقراء في آلاف البلاد الّتي فتحت على عهده.

ب ـ كان الخليفة دوّن دواوين للعطاء ، وفضّل فيه بعضهم على بعض ، فقد فرض ـ مثلا ـ لأهل بدر خمسة آلاف درهم ، ولمن حضر أحدا بعد أهل بدر أربعة آلاف ، ولمن بعدهم أقلّ من ذلك إلى ثلاثمائة درهم ومائتين (١) ، وعليه يكون الشّرف من العطاء الّذي رفع إليه الخليفة عمر القرّاء خمسة آلاف درهم.

وبعث القرّاء للإقراء في البلاد الإسلامية مثل ابن مسعود الّذي بعثه للإقراء في الكوفة ، وعبادة بن الصامت ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء للشام ، ونصب عبد الرّحمن بن ملجم مقرئا لمصر.

وكان يضيف لبعضهم مع الإقراء وظيفة اخرى كما روى ابن الأثير في أسد الغابة بترجمة عبادة وقال : «أرسله عمر بن الخطاب وأرسل معه معاذ بن جبل وأبا الدرداء ، ليعلّموا الناس القرآن بالشام ويفقّهوهم في الدّين ، وأقام عبادة بحمص وأقام أبو الدرداء بدمشق ومضى معاذ إلى فلسطين» (٢).

وقال : إنّ عبادة تولّى قضاء فلسطين.

وبلغ كثرة القرّاء في البلاد الإسلامية إلى حد أنّه خرج على الإمام بعد تحكيم الحكمين ثمانية آلاف من قراء الناس من بلد الكوفة (٣).

وبسبب كل ما ذكرناه لم يكن يولد مولود في أي بقعة أرض من أراضي

__________________

(١) راجع ذكر العطاء في خلافة عمر بفتوح البلدان للبلاذري ٦٢٩ ـ ٦٤٦.

(٢) أسد الغابة ٣ / ١٠٦.

(٣) تاريخ الإسلام للذهبي ٢ / ١٨٥ في ذكر حوادث سنة ٣٨ ه‍.

٤٤٥

المسلمين ولا يعتنق الإسلام إنسان ما على وجه الأرض منذ عصر الرسول حتى عصر الإمام عليّ (ع) إلّا ويشترك مع سائر المسلمين في حلبة السباق في تقارؤ القرآن مؤمنا كان أو منافقا ، فالمؤمن طلبا لرضا الله والمنافق طلبا للشهرة في مجتمع كان القرآن فيه ميزانا للمفاضلة بين أهله.

ولذلك لما انتشرت الفتوح في عصر الخليفة عمر بلغ عدد القرّاء بين المسلمين ما لا يحصيه غير الله سبحانه.

كثرة القرّاء في عصر عمر :

ومن أخبار القرّاء في هذا العصر ما رواه أبو نعيم بسنده عن أبي الأسود الدؤلي أنّه قال (١) : جمع أبو موسى القرّاء ، فقال : لا تدخلوا عليّ إلّا من جمع القرآن.

قال : فدخلنا عليه زهاء ثلاثمائة فوعظنا ، وقال : أنتم قراء أهل البلد ، فلا يطولن عليكم الأمد ...

وأيضا روى عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري : أنّه جمع الّذين قرءوا القرآن فاذا هم قريب من ثلاثمائة ، فعظم القرآن وقال : إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا ...

وقال : كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد ـ مسجد البصرة ـ يقعد حلقا ، فكأنّي أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرئني القرآن ومنه أخذت هذه السورة (اقرأ باسم ربّك الّذي خلق) ، قال أبو رجاء : فكانت أوّل سورة نزلت على محمّد رسول الله (ص).

* * *

__________________

(١) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ / ٢٥٦ و ٢٥٧.

٤٤٦

كان ذلكم بعض أخبار القرّاء في هذا العصر ، وفي ما يأتي نذكر بحوله تعالى خبر اثنين منهم أكثر تفصيلا في ما يأتي :

أ ـ عبد الرّحمن بن ملجم المرادي :

قال ابن حجر في ترجمته من الإصابة :

(أدرك الجاهلية وهاجر في خلافة عمر وقرأ على معاذ بن جبل).

وقال في ترجمته بلسان الميزان :

شهد فتح مصر واختطّ بها.

وانّ عمرو بن العاص أمره بالنزول بالقرب منه ، لأنّه كان من قرّاء القرآن وانّ عمر ـ الخليفة ـ كتب إلى عمرو أن قرّب دار عبد الرّحمن بن ملجم من المسجد ليعلّم الناس القرآن والفقه (١).

ب ـ أبو الدرداء :

مثال عن كيفية الإقراء بعد الصحابة :

قال الذهبي في معرفة القرّاء الكبار ، ص ٣٨ ـ ٣٩ ما موجزه :

أبو الدرداء : عويمر الأنصاري الخزرجي ، اختلفوا في اسم أبيه ، قرأ القرآن على عهد النبيّ (ص) ، تأخّر إسلامه عن بدر ، وآخى الرسول بينه وبين سلمان ، وقال :

كان أبو الدرداء إذا صلّى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه ، فكان يجعلهم عشرة عشرة ، وعلى كل عشرة عريفا ، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره ، فاذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه ، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك.

__________________

(١) الإصابة ٣ / ٩٩ ، ط. مصر سنة ١٣٥٨ ه‍ ، لسان الميزان ٣ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

٤٤٧

قال : طلب أبو الدرداء أن يعدّوا من يقرأ عنده القرآن ، فعدّوهم ألفا وستمائة ونيفا ، وكان لكل منهم مقرئ.

وكان أبو الدرداء قائما عليهم ، وكان إذا حكم الرجل منهم تحوّل إلى أبي الدرداء (١).

حصيلة الأخبار :

نجحت سياسة الخليفة في توجيه المسلمين إلى الاقتصار على ترديد النص القرآني دون معرفة شأن نزوله في جميع الموارد ، واتّبعه المسلمون في الرجوع عمّا تعوّدوه في عصر الرسول (ص) من تعلّم جميع ما في الآيات من علم وعمل إلى قراءة النص القرآني وحده (٢).

ونشأ على أثر تلكم السياسة جيل من القرّاء فضّلتهم الخلافة على سائر المسلمين بمنحهم شرف العطاء ، وكان كل ما لدى هؤلاء القرّاء ، حفظ النص القرآني عن ظهر قلب وتكراره صباح مساء دون التفقه في الدين ، ونشأ بذلك في كل بلد اسلامي طبقة متميّزة من سائر المسلمين يتمتعون باحترام خاصّ. وكان لهذه السياسة أثر بعيد كما بينا ذلك في بحث القرّاء ، وأثر قريب سوف ندرسه في بحث تاريخ القرآن في عصر عليّ ـ إن شاء الله تعالى ـ.

* * *

كانت تلكم سياسة الخليفة عمر في عمله بسياسة الخليفة أبي بكر وتجريده القرآن والإقراء من حديث الرسول ، وفي ما يأتي ندرس بإذنه تعالى خصائص المجتمع الإسلامي وأخبار القرآن على عهد الخليفة عثمان.

__________________

(١) معرفة القراء الكبار للذهبي ، ص ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) راجع قبله نظام تعلم القرآن في عصر الرسول في المدينة.

٤٤٨

خصائص المجتمع الإسلامي على عهد الخليفة عثمان

بما أنّ فهم كثير من روايات مدرسة الخلفاء حول القرآن الكريم متوقّف على دراسة ما جرى في الحكم الأموي لا سيّما ما جرى من قبل الخليفتين عثمان ومعاوية والأمير الحجّاج ، ندرس بإذنه تعالى في ما يأتي ما جرى على عهدهم بشيء من التفصيل بعد ما بويع لعثمان مستهلّ محرّم عام ٢٤ ه‍.

في الاغاني :

وعند ما ولي عثمان الخلافة دخل عليه أبو سفيان ، فقال : يا معشر بني اميّة! إنّ الخلافة صارت في تيم وعديّ حتى طمعت فيها ، وقد صارت إليكم فتلقّفوها بينكم تلقّف الصبيّ الكرة ؛ فو الله ما من جنّة ولا نار ؛ فصاح به عثمان : «قم عنّي ، فعل الله بك وفعل» (١).

وفي رواية اخرى أنّه قال : يا بني اميّة! تلقّفوها تلقّف الكرة ، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرنّ إلى صبيانكم وراثة ، فانتهره عثمان وساءه ما قال (٢).

وفي رواية اخرى : دخل أبو سفيان على عثمان بعد أن كفّ بصره ، فقال : هل علينا من عين؟ قال : لا. فقال : يا عثمان! إنّ الأمر أمر عالميّة ، والملك ملك

__________________

(١) الأغاني ٦ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، والاستيعاب ، ص ٦٩٠ ، راجع النزاع والتخاصم للمقريزي ص ٢٠ ، ط. النجف.

(٢) مروج الذهب بهامش ابن الأثير ٥ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

٤٤٩

جاهليّة ، فاجعل أوتاد الأرض بني اميّة (١).

وفي هذا العصر كان ما روي عنه : أنّه مرّ بقبر حمزة ، وضربه برجله ، وقال : يا أبا عمارة! إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس صار في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به (٢).

قال المؤلّف :

سوف نرى في ما يأتي من بحوث ـ إن شاء الله تعالى ـ كيف نفّذ بنو اميّة وصيّة شيخهم وعميد اسرتهم في مدّة حكمهم بكلّ اتقان.

أمّا الخليفة الأموي عثمان ، فقد أدنى أقرباءه ، بدءا بعمّه الحكم بن أبي العاص الّذي استقدمه من الطائف إلى المدينة وكان الرسول (ص) لعنه وطرده إليها لما كان يتجسّس على الرسول (ص) ، ويغمزه باصبعه كما في ترجمته في الإصابة.

وكان أبو بكر وعمر قد رفضا طلب عثمان ولم يأذنا له بالعودة إلى المدينة (٣).

روى اليعقوبي في تاريخه في هذا الصدد وقال :

كان على الحكم يوم قدم المدينة فزر خلق (فزر الثوب : انشقّ وتقطّع وبلي) وهو يسوق تيسا حتى دخل دار عثمان والناس ينظرون إلى سوء حاله

__________________

(١) الأغاني ٦ / ٣٣٥ ، وفي تهذيب ابن عساكر (٦ / ٤٠٩) ، وهذا لفظه : «وعن أنس أنّ أبا سفيان دخل على عثمان بعد ما عمي ، فقال : هل هاهنا أحد؟ فقال : لا. فقال : اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني اميّة».

(٢) شرح النهج ٤ / ٥١ ، الطبعة المصرية الاولى. وطبعة دار إحياء الكتب العربية ، تحقيق محمّد أبي الفضل إبراهيم ، ١٦ / ١٣٦.

(٣) الإصابة ١ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، والاستيعاب ١ / ١١٨ ـ ١١٩.

٤٥٠

وحال من معه ، ثمّ خرج وعليه جبّة خزّ وطيلسان (١).

وقال ابن قتيبة في المعارف : أعطاه مائة ألف درهم (٢).

وقال البلاذري في الأنساب : ولّاه صدقات قضاعة ـ حيّ في اليمن ـ فبلغت ثلاثمائة ألف درهم ، فوهبها له حين أتاه بها ، وكان يجلسه على سريره ، ولمّا مات بالمدينة ضرب على قبره فسطاطا (٣).

وأدنى مروان بن الحكم صهره من ابنته امّ أبان ، واتّخذه كاتبا وأعطاه خمسمائة ألف دينار (خمس غنائم إفريقيا) (٤).

وأقطع الحارث بن الحكم صهره من ابنته عائشة سوق مهزور بالمدينة وكان تصدق بها رسول الله (ص) على المسلمين (٥) واعطاه ثلاثمائة ألف درهم وقدمت إبل الصدقة ، فوهبها له (٦).

وأعطى سعيد بن العاص بن اميّة مائة ألف درهم (٧).

وأعطى لعبد الله بن خالد بن اسيد بن أبي العاص بن اميّة ثلاثمائة ألف درهم ولكل رجل من قومه الف درهم (٨) ، اعطى عبد الله أربعمائة ألف درهم ،

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٤.

(٢) المعارف لابن قتيبة ، ص ٨٤.

(٣) أنساب الأشراف ٥ / ٢٨.

(٤) المعارف لابن قتيبة الدينوري ، ص ٨٤ ، والنهج لابن أبي الحديد ١ / ٦٦ ، والعقد الفريد ٤ / ٢٨٣ ، وأنساب الأشراف ٥ / ٢٥ و ٨٨ ، ومخطوطة تاريخ ابن عساكر ، مصوّرة المجمع العلمي بطهران ١١ / ١ / ١٤٠ أ.

(٥) المعارف لابن قتيبة الدينوري ، ص ٨٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٦٧ ، العقد الفريد ٤ / ٢٨٣.

(٦) أنساب الأشراف ٥ / ٢٨.

(٧) أنساب الأشراف ٥ / ٢٨.

(٨) أنساب الأشراف ٥ / ٢٨.

٤٥١

وزوج ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد ، وأمر له بستمائة ألف درهم (١).

وأعطى أبا سفيان مائتي الف من بيت المال في اليوم الّذي أمر فيه لمروان ابن الحكم بمائة ألف من بيت المال (٢). قال البلاذري : كان في بيت المال سفط فيه حليّ وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض اهله ، فأظهر الناس الطّعن عليه في ذلك ، وكلّموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه ، فقال :

هذا مال الله اعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم.

وفي لفظ : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت انوف أقوام ... (٣).

وجاء إليه أبو موسى بكيلة ذهب وفضّة ، فقسّمها بين نسائه وبناته ، وأنفق أكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره (٤).

وقال ابن سعد :

كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم ، وخمسون ومائة ألف دينار.

وترك ألف بعير بالربذة وصدقات ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار (٥).

وفي ترجمة عثمان من انساب الأشراف للبلاذري وغيره : عن سليم ، أبي عامر ، قال : رأيت على عثمان بردا ثمنه مائة دينار.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٨ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٦٦ ، والعقد الفريد ٤ / ٢٨٣.

(٢) ابن أبي الحديد ١ / ٦٧.

(٣) أنساب الأشراف ٥ / ٥٨.

(٤) الصواعق المحرقة ، ص ٦٨ ، والسيرة الحلبية ٢ / ٧٨.

(٥) طبقات ابن سعد ٣ / ٥٣.

٤٥٢

وفي رواية اخرى عن محمّد بن ربيعة بن الحارث قال : رأيت على عثمان مطرف خز ثمّنته مائة دينار فقال : هذا لنائلة كسوتها إيّاه فأنا ألبسه لأسرّها بذلك (١).

وقال الذهبي : كان قد صار له أموال عظيمة (رض) وله ألف مملوك (٢).

وقال المسعودي : بنى في المدينة دارا وشيّدها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتنى أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة.

وذكر عبد الله بن عتبة انّ عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف خيلا كثيرا وابلا (٣).

ويتلخّص ما جرى في مدّة خلافته ما رواه ابن سعد وقال : لمّا ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميرا يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئا ، وانّه لأحبّ إلى قريش من عمر بن الخطّاب ، لأنّ عمر كان شديدا عليهم ، فلمّا وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ، ثمّ توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في السّت الأواخر ، وكتب لمروان بخمس مصر ، واعطى أقرباءه المال ، وتأوّل في ذلك الصّلة الّتي أمر الله بها ، واتخذ الاموال ، واستسلف من بيت المال ، وقال : إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما ، وإنّي اخذته ، فقسّمته في أقربائي ، فأنكر الناس عليه ذلك.

وروى ـ أيضا ـ وقال :

__________________

(١) أنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٣ ، ط. بغداد ، والرواية الثانية في طبقات ابن سعد ٣ / ٤٠ مع اختلاف في اللفظ.

(٢) دول الإسلام ١ / ٢٤ ، ط. مصر سنة ١٩٧٤ م.

(٣) مروج الذهب للمسعودي ٢ / ٣٣٢.

٤٥٣

إنّ عثمان كان يقول : أيّها الناس! إنّ أبا بكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف أنفسهما ـ يريدان المشقة لأنفسهما ـ وذوي أرحامهما ، وانّي تأوّلت فيه صلة رحمي (١).

وروى ابن عساكر في ترجمة عثمان عن الزهري وقال :

إنّ عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة ، لأنّ عثمان كان يحبّ قومه ، فولي الناس اثنتي عشرة سنة ، وكان كثيرا ما يولّي بني اميّة ممّن لم يكن له مع النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ صحبة ، فكان يجيء من امرائه ما ينكره أصحاب محمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم ، وذلك في سنة خمس وثلاثين ، فلمّا كان في الستّ الأواخر استأثر بني عمّه ، فولّاهم وما أشرك معهم ، وأمرهم بتقوى الله ، فولّى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلّمون منه ، وقد كان قبل ذلك من عثمان هناة إلى عبد الله بن مسعود ، وأبي ذر ، وعمّار بن ياسر ، فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود ، وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها ، وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمّار بن ياسر (٢).

تولية بني اميّة على رقاب المسلمين :

كانت تلكم أمثلة من سيرة الخليفة الأمويّ عثمان في الأموال ، وكانت سيرته في توليته بني عمومته على رقاب المسلمين كما يأتي بيانه :

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ / ٤٤.

(٢) تاريخ دمشق لابن عساكر ، مخطوطة مصوّرة المجمع العلمي الإسلامي بطهران ١١ / ١ / ١٤٠ أ ، والعقد الفريد ٤ / ٢٨٧ ، وأنساب الأشراف للبلاذري ٥ / ٢٦.

٤٥٤

قال الذهبي في دول الإسلام ، ص ٢٤ :

ثمّ أخذوا ينقمون على خليفتهم عثمان ، لكونه يعطي المال لأقاربه ويولّيهم الولايات الجليلة ، فتكلّموا فيه.

وفي ما يأتي تفصيل الخبر :

أ ـ اتّخذ مروان كاتبا ووزيرا ، وكان مروان يقطع الامور دونه ، قال اليعقوبي في تاريخه (٢ / ١٧٣) : وكان الغالب عليه مروان بن الحكم وأبو سفيان ابن حرب.

ب ـ أقطع الحارث بن الحكم سوق المدينة (١).

ج ـ جمع بلاد الشام لمعاوية بن أبي سفيان (٢).

د ـ جمع البصرة وبلاد فارس لابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز (٣).

ه ـ ولّى على الكوفة أخاه لأمّه الوليد بن عقبة بن أبي معيط ثمّ سعيدا (٤).

و ـ ولّى على مصر وإفريقيا أخاه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح (٥).

__________________

(١) المعارف لابن قتيبة الدينوري ، ص ٨٤ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٦٧ ، والعقد الفريد ٤ / ٢٨٣.

(٢) تاريخ الكامل لابن الأثير ٣ / ٤٤ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٢٤.

(٣) أنساب الأشراف ٥ / ٣٠ ، تاريخ الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٧ ، البداية والنهاية لابن كثير ٧ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

(٤) أنساب الأشراف (٥ / ٢٩ و ٣٩) ، وتاريخ الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٩ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٥ ، وتاريخ الطبري ٤ / ٣١٧ ، والاغاني (٤ / ١٧٥) ، والبداية والنهاية لابن كثير ٧ / ١٥١.

(٥) أنساب الأشراف ٥ / ٢٦ ـ ٢٨ ، وأسد الغابة ٣ / ١٧٣ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٧ / ٢٥٠ ، وتاريخ الكامل لابن الأثير ٣ / ٣٣ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٥ ، وذكر تفصيل أسماء عماله في تاريخ الكامل لابن الأثير (٣ / ٤٢).

٤٥٥

وبذلك أصبحت جميع المدن الشامية وأجنادها تحت حكم معاوية ، والبصرة وجندها وما تبعها من المدن الخليجية تحت حكم عبد الله بن عامر ، والكوفة وجندها والولايات الشرقية في إيران التابعة لها تحت حكم الوليد وسعيد ، ومصر وجميع قارّة إفريقيا تحت حكم عبد الله بن سعد بن أبي سرح (١).

ونحن نورد مختصر أخبار ولاته على الشام والكوفة والبصرة ومصر ، بإذن الله تعالى :

أ ـ الشام :

كان واليه على الشام معاوية ، وهذا خبره قبل ان يلي الشام وبعده :

(أسلم معاوية بعد فتح مكّة) (٢) واخباره قبل اسلامه مع أبيه في حروبه لرسول الله مشهورة ، ورأى رسول الله (ص) ذات يوم أبا سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق ، فقال : (لعن الله الراكب والقائد والسائق) (٣).

وتأخّر إسلامه بعد الفتح عن إسلام أبيه ولام أباه على إسلامه وأنشد قائلا :

يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا

بعد الّذين ببدر أصبحوا مزقا

خالي وعمّي (٤)

وعم الامّ ثالثهم

وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا

لا تركننّ إلى أمر تكلّفنا

والراقصات به في مكة الخرقا

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ، مخطوطة مصوّرة المجمع العلمي الإسلامي بطهران ١١ / ١ / ١٤٠ ب.

(٢) أنساب الأشراف ١ / ٥٣٢.

(٣) تذكرة الخواص ، ص ٢٠١ ، وجمهرة خطب العرب ٢ / ٢٣ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ٢٣.

(٤) لم نعرف لمعاوية «عمّا» قتل يوم بدر ، ولعلّ الصّواب «جدّي» بدل «عمّي» ، ومن الجائز أنّه يقصد بقوله «عمّي» أحد أبناء عمومة أبيه الّذين قتلوا ببدر.

٤٥٦

فالموت أهون من قول العداة لقد

«حاد ابن حرب عن العزّى إذا فرقا»(١)

ولمّا أسلم أعطاه الرسول (ص) (سهم المؤلّفة قلوبهم في غزوة حنين) (٢) ثمّ استكتبه أشهرا قبل وفاته ، وبعث إليه ذات يوم ابن عبّاس يدعوه ليكتب له ، فوجده يأكل ، فأعاده النبيّ في طلبه ، فوجده يأكل إلى ثلاث مرّات ، فقال النبيّ (لا أشبع الله بطنه) (٣).

وخرج رسول الله في سفره ، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :

يزال حواري تلوح عظامه

زوى الحرب عنه أن يجنّ فيقبرا

فقال النبيّ : «انظروا من هما؟» ، فقالوا : معاوية وعمرو بن العاص ، فرفع رسول الله (ص) يديه ، فقال : (اللهمّ اركسهما في الفتنة ركسا ودعّهما إلى النار دعّا) (٤).

__________________

(١) رواه الزّبير بن بكار في المفاخرات ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ١٠٢ ، وجمهرة خطب العرب ٢ / ٢٣ ، وفي تذكرة الخواص ، ص ٢٠١ البيت الأوّل والثالث حيث قال «طوعا» بدل «يوما» و «بنعمان به الحرقا» بدل «به في مكّة الخرقا» ، والخرق : ضعف الرأي بسوء التصرّف ، الجهل والحمق ، وحاد عنه : مال عنه : والفرق : الفزع.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٣.

(٣) أنساب الأشراف ١ / ٥٣٢ ، وفيه هذه التتمّة : فكان معاوية يقول : لحقني دعوة رسول الله (ص) ، وكان يأكل في كل يوم مرات أكلا كثيرا ، وراجع صفين ، ومسلما في صحيحه ٤ / ٢٠١٠ ، حديث ٩٦ في باب (من لعنه النبيّ (ص)) ، وشرح نهج البلاغة ١ / ٣٥٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٢٣ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١١٩.

(٤) في مسند أحمد ٤ / ٤٢١ عن أبي برزة الأسلمي ولفظه «فقالوا فلان وفلان» ، وفي صفين لنصر بن مزاحم ، ص ٢٤٦ الحديث عن أبي برزة كذلك ، وفيه تصريح باسميهما ـ معاوية وعمرو بن العاص ـ ، وأخرجه ابن عقيل في ص ٥٩ من النصائح الكافية عن أبي يعلى بهذا السند ، ـ

٤٥٧

وقال : (إذا رأيتموهما اجتمعا ، ففرّقوا بينهما ، فانّهما لن يجتمعا على خير) (١).

ولمّا استخلف أبو بكر بعد الرسول ، وأرسل في السنة الثالثة عشرة من الهجرة أخاه يزيد بن أبي سفيان مع الامراء لغزو الشام سار معاوية تحت لواء أخيه يزيد.

(وعلى عهد عمر ، لمّا طعن يزيد سنة ثماني عشرة بالطاعون واحتضر ، استعمل أخاه معاوية على عمله دمشق وجندها ، فأقرّه الخليفة عليها) (٢).

سيرة معاوية على عهد عمر :

(لمّا دخل عمر الشام ، تلقّاه معاوية في موكب عظيم ، فقال عمر : هذا كسرى العرب ، فلمّا دنا منه سأله عمر عن ذلك مع وقوف ذوي الحاجات ببابه

__________________

ـ وعن الطبراني في الكبير بسنده إلى ابن عباس. وأخرجه السيوطي في اللّآلئ المصنوعة ، باب مناقب سائر الصحابة عن أبي يعلى عن أبي برزة ، وأخرجه أيضا عن الطبراني في الكبير عن ابن عباس وأخرجه عن سيف بعد أن مسخه ، راجعه في ١ / ٤٢٧.

و «يزال» حذف منه «لا» كما يقال «زلت أفعل» أي : ما زلت أفعل ، و «الحواري» : الصاحب الناصح وأنصار الأنبياء ، و «زوى عنه» منع عنه ، و «يجن» : يكفن ويدفن وفي بعض النسخ «يحس» والمعنى في البيت لا يزال الناصر الناصح تلوح عظامه منع الحرب عن كفنه ودفنه. و «أركسه» : أعاده إلى الحالة السيئة ، و «أركسه» : نكسه ، وفي القرآن الكريم : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) ، و «الدع» : الدّفع الشديد ، العنيف.

(١) في العقد الفريد ٤ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦ أن معاوية بعث إلى عبادة بن الصامت يستنصره في حرب عليّ ؛ فلمّا جاء جلس بين عمرو ومعاوية وحدّثهما بهذا الحديث.

في صفين ٢٤٥ ـ ٢٤٦ أن زيد بن أرقم دخل على معاوية فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير فلمّا رأى ذلك جاء حتّى رمى بنفسه بينهما وحدّثهما بهذا الحديث : «إذا رأيتم معاوية وعمرو ابن العاص مجتمعين ، ففرّقوا بينهما فإنّهما لن يجتمعا على خير».

(٢) سير أعلام النبلاء ١ / ٣٣٠ ، ط. بيروت ، وتاريخ الطبري ٤ / ٢٠٢ ، والبداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٢٤.

٤٥٨

فاعتذر معاوية انّهم بأرض جواسيس العدو بها كثير ، ولذلك ينبغي أن يعيش كذلك) (١).

وأرسل الخليفة عمر عبادة بن الصامت مقرئا لأهل الشام ، فغزا معاوية غزاة ، فغنموا آنية من فضّة ، فأمر معاوية أن تباع في أعطية الناس بمثلي ما فيه من الفضة فتسارع الناس إلى شرائها ، فبلغ عبادة بن الصامت فقال : إني سمعت رسول الله (ص) ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة ... إلّا سواء بسواء وعينا بعين ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.

فردّ الناس ما أخذوه ؛ فبلغ ذلك معاوية ، فقام خطيبا فقال : ألا ما بال رجال يتحدّثون عن رسول الله أحاديث قد كنّا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه.

فقام عبادة بن الصامت ، فأعاد القصّة ، ثمّ قال : لنحدّثن بما سمعنا من رسول الله (ص) وإن كره معاوية أو قال : وإن رغم ، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء (٢) ؛ وفي مسند أحمد ٥ / ٣١٩ ؛ والنّسائي ٧ / ٢٧٤ إنّي والله لا أبالي أن لا أكون بأرض يكون بها معاوية.

وفي أسد الغابة والنبلاء بترجمة عبادة : أنّ عبادة أنكر على معاوية شيئا فقال : لا اساكنك بأرض ، فرحل إلى المدينة ، فقال له عمر : ما أقدمك؟ فأخبره

__________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٢٤ ، ولكنّه لم يذكر كلمة (هذا كسرى العرب).

(٢) في صحيح مسلم ٣ / ١٢١٠ ، حديث ٨٠ ، كتاب المساقاة ، ط. بيروت سنة ١٣٧٥ ه‍ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٢١٥ ، ط. بيروت سنة ١٣٩٩ ه‍ ، وقد أوردته ملخّصا من صحيح مسلم. وعبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي ، شهد مشاهد رسول الله كلّها وعاش إلى سنة أربع وثلاثين ، وتوفّي بالرملة أو ببيت المقدس ، ودفن هناك ، ترجمته في الاستيعاب ، ص ٤١٢ ، وأسد الغابة ٣ / ١٦٠ ، وتهذيب ابن عساكر ٧ / ٢٠٩ ـ ٢١٧ ، والإصابة ٢ / ٢٦٠ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٥ ـ ١١.

٤٥٩

بفعل معاوية ؛ فقال له : ارحل إلى مكانك ، فقبّح الله أرضا لست فيها وأمثالك فلا إمرة له عليك (١).

* * *

كان ذلكم في عصر عمر ، ولما استخلف عثمان الأموي ولّاه على جميع بلاد الشام وأرخى له زمامه فانطلق معاوية على سجيته لا يردعه عمّا يشتهيه رادع.

وفي هذا العصر ، جرى له مع عبادة بن الصامت ما رواه ابن عساكر والذهبي (٢) وقالا :

إنّ عبادة بن الصامت مرّت عليه قطارة (٣) وهو بالشام تحمل الخمر ؛ فقال : ما هذه؟ أزيت؟

قيل : لا ، بل خمر يباع لفلان.

فأخذ شفرة من السوق ، فقام إليها ، فلم يذر فيها راوية إلّا بقرها ـ وأبو هريرة إذ ذاك بالشام ـ فأرسل فلان إلى ابي هريرة ، فقال : أتمسك عنا أخاك عبادة ؛ أمّا بالغدوات فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذّمة متاجرهم ، وأمّا بالعشيّ فيقعد في المسجد ليس له عمل إلّا شتم أعراضنا وعيبنا!

قال : فأتاه أبو هريرة فقال : يا عبادة! ما لك ولمعاوية؟ ذره وما حمل.

فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ؛ والأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) أسد الغابة ٣ / ١٦٠ ، رقم الترجمة ٢٧٨٩ ، وسير أعلام النبلاء ٢ / ٥.

(٢) تهذيب ابن عساكر ٧ / ٢١٤ ، وسير اعلام النبلاء ٢ / ١٠ ، ومسند أحمد ٥ / ٣٢٥ عن ابن خيثم حدثني إسماعيل بن عبيد الأنصاري ، غير انّ الحديث حذف من أوّله في مسند أحمد ، وجاء هكذا : «حدثني إسماعيل بن عبيد الأنصاري» فذكر الحديث «فقال عبادة : يا أبا هريرة إنّك لم تكن معنا إذ بايعنا» ثمّ ساق الحديث إلى آخره.

(٣) «القطارة» : الإبل تسير على نسق : واحدا خلف واحد.

٤٦٠