القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

ثمّ تصرّح الآيات ، أنّ أهل الكتاب : اليهود والنصارى يعرفون النبيّ وصفاته ، وأنّه النبيّ الّذي يصلّي إلى قبلتين ، وأنّ الأخيرة منهما الكعبة الّتي بناها إبراهيم ، يعرفونه بهذا وبأكثر من هذا كما يعرفون أبناءهم ، ثمّ يؤكّد الله ـ سبحانه ـ الأمر بالتوجّه إلى الكعبة ، ويقول : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ـ في اتّباع قبلتهم ـ (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ـ وهم المشركون بمكّة ـ (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي).

* * *

كان ذلكم تفسير الآيات مع ملاحظة ما جاء في الروايات بيانا لشأن نزولها ، أمّا ما قال علماء مدرسة الخلفاء ، فإنّهم على عادتهم في تجزئة المجموعة الواحدة من الآيات القرآنية ، ثمّ درسهم كلّ آية على حدة ، قالوا ورووا عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة وعن عدد غير الصحابة كذلك (١) في تفسير آية :

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) البقرة / ١١٥ : إنّ الناس كانوا يصلّون نحو بيت المقدس ، فنزلت آية : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (البقرة / ١٤٩) فنسخت تلك الآية.

في حين أنّ الآية الّتي زعموا أنّه كان فيها حكم القبلة إنّما جاءت تكملة لآيات سبقتها ، ومنها الآية الّتي قبلها : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ...) (البقرة / ١١٤) ، (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (البقرة / ١١٥) ، وهما بقية الآيات السابقة ، ولا صلة بين

__________________

(١) راجع تفسير القرطبي ٢ / ٨٣ ؛ والدرّ المنثور ١ / ١٠٨ ، وعدّه السيوطي في الإتقان ١ / ٢٣ ، من العشرين الّذي نسخ حكمه دون تلاوته.

٣٢١

المجموعة وبين القبلة ، وإنّما الكلام حول منع المصلّين من الصلاة إلى بيت المقدس أو البيت الحرام ، وأنّ الأرض كلّها لله أين ما صلّوا فثمّ وجه الله.

إنّهم في ما قالوا : اقتطعوا من تلك المجموعة آية ومن هذه المجموعة نصف هذه الآية ، أو نصف تلك ، وجعلوا منهما ناسخا ومنسوخا ، باجتهادهم الخاصّ ، دون أن يكون لهم أي دليل على اجتهادهم! ولم ينحصر اجتهادهم في آيات القبلة بهذا ، بل لهم فيها اجتهاد آخر وقول آخر في كشف الناسخ والمنسوخ بتلك الآيات.

وفي الاجتهاد الثاني ضرر كبير في البحوث القرآنية وهو ما ذكره القرطبي وقال :

قوله ـ تعالى ـ (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ...).

قال العلماء هذه الآية مقدمة في النزول على قوله ـ تعالى ـ : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) (١).

وعدّ الزركشي ـ أيضا ـ هذا المورد من الناسخ الّذي تقدّم على المنسوخ في القرآن (٢).

نتيجة هذا النوع من الدراسة :

أنتج هذا النوع من الدراسة المبنيّة على الاجتهادات الفرديّة ، أن يقول القائل من أمثال المحدّث النوري : أنّ ترتيب نزول الآيات لم يراع في تدوين المصحف المتداول بين المسلمين!

__________________

(١) تفسير القرطبي ٢ / ١٥٨.

(٢) البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٨.

٣٢٢

ثالثا ـ مورد واحد ذكر فيه الحكم المنسوخ في القرآن قد يوهم أنّه ينقض ما ذهبنا إليه :

كان في ما تتبّعنا من موارد الحكم المنسوخ في القرآن الكريم نظير ما ذكرناه ، عدا موردا واحدا قد يقال : انّه يخالف ما قلناه وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (المجادلة / ١٢)

فقد قال أكثر العلماء إنّها منسوخة بقوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). (المجادلة / ١٣)

خبر هذا الحكم المؤقت :

كان رسول الله (ص) يوزع كلامه ونظره بين حضّار مجلسه بالسوية ، لا يميز في ذلك أحدا على غيره (١).

كان هذا في ما يملك أمره ، وكان بعضهم يغتصب منه التناجي معه ، يبتغي بذلك الامتياز على الآخرين (٢).

وكان رسول الله (ص) حييّا كريما لا يردّ طلب أحد ، ما لم يكن محرّما شرعا (٣) ، وكان الله ـ سبحانه ـ هو الّذي يؤدّب المسلمين في مثل هذه الحالات ويعلمهم كيف يعاشرون نبيّه (ص) ، مثل قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ ...) (الحجرات / ٢) ، وقوله

__________________

(١) السيرة الحلبية عند ذكر كرائم أخلاق رسول الله (ص) في باب يذكر فيه صفته (ص).

(٢) فحوى الأحاديث بتفسير الآية في تفسير الطبري ٢٨ / ١٥ ؛ والسيوطي ٦ / ١٨٥.

(٣) السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٩.

٣٢٣

تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ...) (الأحزاب / ٥٣).

وفي مورد التناجي ثقل ذلك على رسول الله (ص) وصبر عليه كعادته في سائر الموارد المشابهة له فأنزل الله حكم دفع الصدقة لكلّ مناجاة إيّاه ، فكفّ اولئك من عملهم ولم يعمل بهذا الحكم كما أجمعت عليه روايات الفريقين غير الإمام عليّ (ع) ، كانت له حاجة فتصدّق وناجى الرسول في حاجته أو حاجاته (١). وانتهى أمد هذا الحكم بكف المناجين رسول الله (ص) في غير ما حاجة ، فنسخ الله هذا الحكم إشفاقا على من له حاجة ولا يستطيع دفع الصدقة ، ولم يكن من الطبيعي أن يعود إلى التناجي المعتادون عليه بلا حاجة إليه بعد أن لم يقدموا على دفع الصدقة للمناجاة في حينه. فنزلت الآيتان تحكي القصة عقيب ذلك كما يعلم ذلك من سياق القول في الآية الثانية : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا ...) فإنّ هذا الكلام تفريع على الكلام في الآية السابقة وتتمة له وليس مستقلّا بنفسه ، كي يقال جاءت الآية السابقة بالحكم على حدة ، وبعد عمل الإمام عليّ بها نزلت الآية الثانية بنسخ الآية السابقة ومستقلة عنها في التعبير.

هذا إذا اقتصرنا في دراسة المورد على الأعم الأغلب ممّا جاء في القرآن من أخبار النسخ ، حيث وجدنا الآيات في تلك الموارد تنزل لتحكي خبر الناسخ والمنسوخ بعد نزول الحكم ونسخه بوحي غير قرآني. وإذا رجعنا إلى الأحاديث الّتي ذكرت شأن نزول الآيتين نجد في بعض ألفاظها ما يوهم أنّ الآية الاولى نزلت بحكم الصدقة لمن أراد أن يناجي الرسول (ص) ثم عمل بها الإمام عليّ (ع) ، ثمّ نزلت الآية الثانية ونسختها. ونحن نرى أنّ تلك الأحاديث رويت بالمعنى

__________________

(١) تفسير الآية بتفسير الطبري ٢٨ / ١٤ ـ ١٥ ؛ والسيوطي ٦ / ١٨٥.

٣٢٤

ولم يتقيّد الرواة بالألفاظ وقالوا : عمل الإمام عليّ (ع) بالآية (١) بدل أن يقولوا عمل بالحكم ، ومن ثمّ أوجدوا هذا التوهم. هذا ما نراه ولا ندخل في نقاش مع من أصرّ على رأيه.

رابعا ـ آية أوّلها منسوخ وآخرها ناسخ :

أكثر العلماء من تعداد هذا الصنف من النسخ على حد زعمهم في شأن النسخ. قال الزركشي في بيان نوع من هذا الصنف :

(الرابع ما اجتمع فيه الناسخ والمنسوخ وهي إحدى وثلاثون سورة) ثمّ عدّها وقال :

ومن غريب هذا النوع آية أوّلها منسوخ وآخرها ناسخ ... وهي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة / ١٠٥) ، فهذا ـ أي لا يضركم ـ ناسخ لقوله : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) (٢). انتهى كلام الزركشي.

لست أدري هل يرى قائل هذا القول : أنّ النصف الأوّل من هذه الآية هبط به جبرائيل على النبيّ (ص) وبلّغه النبيّ (ص) للمسلمين وعمل به المسلمون ، ثمّ هبط جبرائيل مرّة ثانية من قبل الله بالنصف الثاني ، وبلّغه النبيّ (ص) للمسلمين ثمّ ألصق النبيّ (ص) نصفي الآية بعضها ببعض بأمر من الله وأصبحت آية واحدة! لست أدري ما ذا يقول؟!

ثمّ لست أدري أين الناسخ والمنسوخ في هذه الآية! لست أدري؟!

* * *

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٥.

٣٢٥

يكفينا ما ذكرنا من الأمثلة من الثلاث والستين سورة الّتي حسبوها في ما نسخ حكمه وبقي تلاوته (١) لمعرفة مدى تثبّتهم في ما كتبوا حول النسخ في القرآن.

وينبغي أن نشير هنا إلى جواب تساؤل قد يرد بأنّه إذا كانت الأحكام المنسوخة المذكورة في القرآن ، كان الحكم ونسخه قد جاء بوحي غير قرآني ، فما حكمة ذكرهما في القرآن؟ والجواب كالآتي :

__________________

(١) راجع البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٧.

٣٢٦

ثاني عشر ـ حكمة ذكر الحكم المنسوخ بوحي غير قرآني في القرآن :

أوّلا ـ في عصر الرسول (ص):

لقد مرّ بنا التشويش العظيم الّذي اصيب به المجتمع الإسلامي يومذاك بعد نسخ حكم القبلة بوحي غير قرآني بفعل اليهود وغيرهم ، ثمّ تساؤل المسلمين عن حكم ما مضى من صلاتهم ، وكان فيصل القول في الأمر ما فصله القرآن في هذا الصدد ، وأدحض أباطيل المشكّكين وأجاب عن تساؤل المتسائلين ، وأكّد بوحي قرآني الحكم الموحى بوحي غير قرآني ، وانتهى بما أنزله الله كلّ بلبلة وتشويش.

ثانيا ـ بعد الرسول (ص):

إنّ في حكاية حكم الناسخ والمنسوخ في القرآن بعد تبليغ الرسول (ص) إيّاهما للمسلمين رفع الالتباس الّذي قد يحدث في الامّة بعد الرسول (ص) في بعض الحالات ، فقد يقصّ بعض الصحابة ـ مثلا ـ لذريّته بعد رسول الله (ص) أنّهم ائتمّوا برسول الله (ص) ، وصلّى بهم الفرائض مستقبلا بيت المقدس ، ومع مرور الزمن يتوهّم الخلف جواز استقبال القبلتين في الصلاة ، ويرتفع هذا الالتباس بما حكاه الله في قرآنه عن خبر تحويل القبلة.

هذه بعض حكم ذكر خبر الحكم المنسوخ في القرآن ، وثمّة حكم اخرى لا مجال لذكرها هنا.

٣٢٧

تنبيه لرفع توهّم

لقد كرّرنا القول في هذا البحث بخطإ تجزئة المجموعة القرآنية الواحدة وتفسير بعض آياتها على حدة.

وهذا القول لا يطّرد في ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله (ص) في بيان معنى آية جاءت ضمن ما نراها مجموعة قرآنيّة واحدة ، فإنّ قولنا يخصّ اجتهادات فرديّة للمفسّرين في هذا المقام.

أمّا حديث الرسول (ص) ، فإنّنا نؤمن به ، ونصدّقه ، وليس لأحد من المسلمين أن يجتهد ويعمل برأيه في مقابل نصوص السنّة النبويّة.

* * *

كان هذا نزرا يسيرا ممّا ينبغي البحث عنه في باب منسوخ الحكم دون التلاوة.

وفي ما يأتي نستعين الله وندرس الصنفين الآخرين اللّذين ذكروهما في بحث النسخ.

٣٢٨

ثالث عشر ـ درجهم روايات نقصان القرآن ـ معاذ الله ـ في صنفي منسوخ التلاوة :

أدرج العلماء روايات نقصان القرآن ـ معاذ الله ـ تحت صنفي منسوخ التلاوة ، وهما حسب تصنيفهم :

أ ـ ما نسخت تلاوته دون حكمه

أي النصّ القرآني الّذي نسخت تلاوته من القرآن ، وبقي حكمه في الشرع الإسلامي (١).

ب ـ ما نسخت تلاوته وحكمه جميعا

أي النصّ القرآني الّذي نسخت تلاوته من القرآن ونسخ حكمه من الشرع الإسلامي (٢).

إنّ ما ذكروه في بحث النسخ بكلا الصنفين يبتني على أساس ثبوت نصّ قرآني أوحى الله به إلى خاتم أنبيائه ، ثمّ نسخ الله تلاوته وحكمه ، وأنساه ، أو نسخ تلاوته ، وأبقى حكمه.

وقد قال العلماء في كيفيّة ثبوت النصّ القرآني ما يأتي :

قال الزركشي في علوم القرآن والسيوطي في الإتقان واللفظ للأوّل :

__________________

(١) سيأتي مثالهما بعيد هذا.

(٢) سيأتي مثالهما بعيد هذا.

٣٢٩

(لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن ، يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه.

وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه ، فعند المحققين من علماء أهل السنّة كذلك ، أي : يجب أن يكون متواترا ، فإنّ العلم اليقينيّ حاصل أنّ العادة قاضية بأنّ مثل هذا الكتاب العزيز ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّه الهادي للخلق إلى الحقّ ، المعجز الباقي على صفحات الدّهر ، الّذي هو أصل الدّين القويم ، والصراط المستقيم ، فمستحيل ألّا يكون متواترا في ذلك كلّه ، إذ الدواعي تتوافر على نقله على وجه التواتر ، وكيف لا ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، والحفظ إنّما يتحقّق بالتواتر ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

والبلاغ العام إنّما هو بالتواتر ، فما لم يتواتر ممّا نقل آحادا ، نقطع بأنّه ليس من القرآن) (١).

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ٢ / ١٢٥ ، النوع التاسع والثلاثون : معرفة وجوب تواتره ؛ والإتقان ١ / ٧٩ ، في (تنبيهات الأوّل) من النوع الخامس والثلاثون.

٣٣٠

رابع عشر ـ ردّ بعض علماء مدرسة الخلفاء القول بنسخ التلاوة :

نقل الزركشي والسيوطي عن القاضي أبي بكر في الانتصار أنّه حكى عن قوم إنكار هذا القسم ، لأنّ الأخبار فيه أخبار الآحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها (١).

ويعرف ـ أيضا ـ شأن نسخ التلاوة بالقياس على ما قاله أبو الوليد الباجي في نسخ الحكم الشرعي ، حيث قال :

(النسخ : إزالة حكم ثابت بشرع متقدم ، بشرع متأخّر عنه على وجه لولاه لكان ثابتا) (٢).

وبالقياس على هذا القول ، فإنّ نسخ التلاوة إزالة آي أو سور من القرآن بآي أو سور متأخّرة عنها على وجه لولاها لكانت تلك الآيات أو السور ثابتة في المصحف.

ونقل الزركشي عن ابن ظفر في كتاب الينبوع أنّ : (الخبر الواحد لا يثبت القرآن) (٣).

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٩ ـ ٤٠ ؛ والإتقان للسيوطي ٢ / ٢٦ ، ورجعنا إلى الأوّل في النقل ؛ والانتصار لأبي بكر محمّد بن الطيب الباقلاني (ت : ٤٠٣ ه‍). انتهت إليه رئاسة الأشاعرة ببغداد. ردّ على المعتزلة والشيعة والخوارج والجهمية وغيرهم. من تآليفه : الانتصار وإعجاز القرآن. تذكرة الحفاظ ، ص ١٠٧٩ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٥٩ ؛ وترجمة الانتصار من كشف الظنون.

(٢) كتاب الحدود في الاصول ، ط. الاولى ، سنة ١٣٩٢ ، ص ٤٩. تأليف الحافظ أبي الوليد سليمان بن خلف الأندلسي ، الباجي (ت : ٤٧٤ ه‍) ، ترجمته في الوفيات وتذكرة الحفاظ ، ص ١١٧٨ ـ ١١٨٣ وطبقات المفسّرين للسيوطي.

(٣) البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٦. ـ

٣٣١

ومن المتأخرين ، قال الدكتور صبحي الصالح ما موجزه :

أمّا الجرأة العجيبة ، ففي ما زعموا أنّها نسخت تلاوة آيات معينة إمّا مع نسخ الحكم وإمّا من دونه.

والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركبا ، فتقسيم المسائل إلى أضراب إنّما يصلح إذا كان لكلّ ضرب شواهد كثيرة أو كافية ـ على الأقلّ ـ ليتيسّر استنباط قاعدة منها.

وما لعشاق النسخ إلّا شاهد أو اثنان من هذين الضربين ، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها.

وبهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر في كتاب الينبوع إذ أنكر أنّ هذا ممّا نسخت تلاوته ، وقال : لأنّ الخبر الواحد لا يثبت القرآن (١).

كان هذا أقوال بعض علماء مدرسة الخلفاء في روايات النسخ. وفي ما يأتي رأي بعض علماء مدرسة أهل البيت (ع) في ذلك.

__________________

ـ وكتاب ينبوع الحياة في التفسير في مجلّدات لأبي عبد الله بن ظفر محمّد بن محمّد الصقلي (ت : ٥٦٨ ه‍).

كشف الظنون ٢ / ٢٠٥٢ ، مادة ينبوع ؛ وبهامش علوم القرآن ٢ / ٣٦ ، منه. أجزاء متفرقة خطية بدار الكتب المصرية ، رقم ٣١٠ التفسير ؛ وراجع مباحث علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح ، ص ٢٦٦.

(١) مباحث علوم القرآن ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

٣٣٢

خامس عشر ـ رأي مدرسة أهل البيت في نسخ القرآن بالسنّة ونسخ التلاوة :

إنّ القول بنسخ التلاوة ـ كما قلنا في حقيقته ـ قول بثبوت نصّ قرآني بروايات الآحاد ، ونسخ النصّ القرآني ـ أيضا ـ بروايات الآحاد. وقد قال في ذلك الشيخ المفيد في أوائل المقالات :

(إنّ القرآن ينسخ بعضه بعضا ولا ينسخ شيئا منه السنّة ، بل تنسخ السنّة به كما تنسخ السنّة بمثلها من السنّة. قال الله عزوجل : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها). وليس يصحّ أن يماثل كتاب الله تعالى غيره ، ولا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه) (١).

يقصد أنّ حديث الرسول هو كلام الرسول (ص) الّذي خلقه الله ، ولا يصحّ أن يقال إنّ كلام الرسول (ص) مثل كلام الله أو خير من كلام الله ـ معاذ الله ـ لينسخ به القرآن وهو كلام الله.

وقال صاحب المعالم :

(ولا تنسخ الكتاب والسنّة المتواترة بالآحاد عند أكثر العلماء ، لأنّ خبر الواحد مظنون وهما معلومان ، ولا يجوز ترك المعلوم بالمظنون) (٢).

ويقصد بغير الأكثر من العلماء : بعض العلماء من الأخباريين.

__________________

(١) أوائل المقالات ، ط. النجف ، سنة ١٣٩٣ ، ص ١٥٥ ـ ١٥٦ للشيخ المفيد (ت : ٤١٣ ه‍).

(٢) معالم الدين وملاذ المجتهدين للشيخ حسن بن زين الدين العاملي (ت : ١٠١١ ه‍) ، ط. النجف ، تحقيق البهبهاني ، ص ٣٦٩ ، (أصل في نسخ الكتاب والسنّة).

٣٣٣

وقد أفصح القول في نسخ التلاوة متأخّرو علماء مدرسة أهل البيت ، فقد جاء في تفسير البيان واصول المظفر واللفظ للأوّل :

(إنّ القول بنسخ التلاوة عين القول بالتحريف) (١).

وهذا هو معنى قول الإمام الباقر (ع) : (أمّا كتاب الله فحرّفوا ، وأمّا العترة فقتلوا).

أمّا الكتاب ، فقد حرّفوه في كتبهم بأقوالهم بالنسخ.

وأمّا العترة فقد قتلوهم بكربلاء بأنواع السلاح ، ولكن الله حفظ كتابه من التحريف كما حفظ خليله إبراهيم من التحريق.

اولئك حرّقوا إبراهيم ، ولكنّ الله حفظه من لظى النار.

وهؤلاء حرّفوا القرآن ، ولكنّ الله حفظه من عبث التحريف.

* * *

بعد عرض ما تقدم ، ندرس ـ بحوله تعالى ـ روايات نقصان القرآن ـ معاذ الله ـ والّتي سمّيت بروايات النسخ والإنساء في ما يأتي :

__________________

(١) البيان في تفسير القرآن لأستاذ الفقهاء السيّد الخوئي ، ط. النجف ، سنة ١٣٩٠ ، ص ٢٢٤ و ٢٢٥ ؛ واصول الفقه للشيخ المظفّر ، ط. النجف ٣ / ٥٢ ، بحث نسخ الكتاب العزيز ـ حقيقة النسخ ـ.

٣٣٤

سادس عشر ـ دراسة روايات النسخ والإنساء :

إنّ روايات النسخ والإنساء شيء واحد. وقد قسّموا النسخ في القرآن كما سبق ذكره إلى ثلاثة أصناف ، درسنا منه منسوخ الحكم في ما سبق ، وندرس الصنفين الآخرين في ما يأتي :

أوّلا ـ روايات منسوخ التلاوة والحكم جميعا :

وجدوا لهذا الصنف موردا واحدا على حسب قولهم ، وهو ما روته امّ المؤمنين عائشة ، قال الزركشي :

الثالث : نسخهما جميعا ، فلا تجوز قراءتها ولا العمل بها ، كآية التحريم [بعشر رضعات] ، فنسخن [بخمس] ، قالت عائشة : كان ممّا انزل [عشر رضعات معلومات] ، فنسخن [بخمس معلومات] ، فتوفّي رسول الله (ص) وهي ممّا يقرأ من القرآن. رواه مسلم (١).

وقال السيوطي : (ما نسخ تلاوته وحكمه معا ، قالت عائشة : كان في ما أنزل ، [عشر ...] رواه الشيخان) (٢).

وبما أنّ هذا المورد منحصر عندهم بالرواية عن امّ المؤمنين عائشة ، إذا نحن نسمّيه بفتوى امّ المؤمنين عائشة. وندرس أوّلا ظروف هذه الرواية وملابساتها ونقول :

__________________

(١) الزركشي في البرهان ٢ / ٣٩.

(٢) السيوطي في الإتقان ٢ / ٢٢.

٣٣٥

فتوى امّ المؤمنين عائشة في الرضاع وظروفها

كانت امّ المؤمنين عائشة على أثر إرجاع الخلفاء إليها في السنن منذ عهد الشيخين حتّى عصر معاوية ـ عدا عليّ بن أبي طالب ـ أكثر امّهات المؤمنين حاجة لملاقاة المستفتين.

وقد شاركت في حوادث سياسيّة عنيفة ، ممّا لم نعهد لغيرها من امّهات المؤمنين أن شاركن في نظائرها.

ولعلّ هذا وذاك كان الباعث لها أن تتأول وتفتي بأنّ الرجل الكبير إذا أرضعته امرأة خمس رضعات تنتشر الحرمة بينه وبين المرضع. وتعمل بفتواها وترسل الرجل الّذي (أحبّت أن يراها ويدخل عليها) إلى أخواتها وبنات أخيها ، فيرضعنه كذلك ، ويدخل عليها بتلك الرضاعة.

وكان سالم بن عبد الله بن عمر من اولئك ، فقد بعثته إلى اختها امّ كلثوم فأرضعته ، وقالت في جواب إنكار أزواج الرسول عليها : إنّ الرسول أمر سهلة زوجة أبي حذيفة أن ترضع مولاهم سالما الّذي كان متبناهم قبل ذلك أن ترضعه خمس رضعات ، ويدخل عليها بذلك ، وأبت أزواج الرسول أن يدخل عليهنّ أحد حتّى يرضع في المهد (١).

وفي سنن أبي داود وفتح الباري في شرح صحيح البخاري واللفظ للأوّل :

(كانت عائشة (رض) تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبّت عائشة أن تراه ، ويدخل عليها ، وان كان كبيرا ، خمس رضعات ، ثمّ يدخل عليها بتلك ، وأبت امّ سلمة وسائر أزواج النبيّ (ص) أن يدخل عليهن بتلك

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٨ / ٢٧١ ، بترجمة سهلة ، وفيه خبر إفتاء عائشة بذلك وإرضاع امّ كلثوم سالما. وفي ص ٤٦٢ منه بترجمة امّ كلثوم ابنة أبي بكر ، إرسال امّ المؤمنين سالما إليها وإرضاعها إيّاه. وفي ٣ / ٨٧ منه بترجمة سالم مولى أبي حذيفة إباء سائر أزواج الرسول من ذلك.

٣٣٦

الرضاعة أحد من الناس حتّى يرضع في المهد ، وقلن لعائشة والله ما ندري لعلّها كانت رخصة من النبيّ (ص) لسالم دون الناس).

وفي لفظ النّسائي :

(أبى سائر أزواج النبيّ (ص) أن يدخل عليهنّ بتلك الرضعة أحد من الناس ، يريد رضاعة الكبير ... وقلن : والله لا يدخل علينا أحد بهذه الرضعة ولا يرانا) (١).

* * *

هكذا كانت القالة حول رضاع الكبير من امّهات المؤمنين واسعة. وكان خير علاج لها الرواية الآتية الّتي رواها إمام الحنابلة أحمد في مسنده (٢) وابن ماجة (٣) في سننه :

عن امّ المؤمنين عائشة قالت :

(لقد انزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا) ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله (ص) وتشاغلنا ، دخل علينا داجن فأكله.

وروت ، أيضا :

كان في ما انزل من القرآن [عشر رضعات معلومات يحرمن] ثمّ نسخن

__________________

(١) سنن أبي داود ، كتاب النّكاح ٢ / ٢٢٣ ، باب : في من حرم به ، أي حرم برضاع الكبير ، الحديث : ٢٠٦١ ؛ وفتح الباري ١١ / ٥٣ ، باب : لا رضاع بعد الحولين ، وقال ابن حجر في شأن الحديث : (إسناده صحيح) ؛ وسنن النّسائي ٢ / ٨٤ ، باب : رضاع الكبير ؛ وموطأ مالك ، باب : الرضاع ، الحديث : ٦٢٧ ؛ وروى ـ أيضا ـ مسلم : إباء أزواج الرسول (ص) من ذلك في صحيحه ، باب : رضاعة الكبير ، الحديث : ٣٠ و ٣١ ، ص ١٠٧٧ و ١٠٧٨ منه.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٦٩.

(٣) سنن ابن ماجة ، كتاب النّكاح ، باب رضاع الكبير ، الحديث ١٩٤٤ ، ص ٦٢٥.

٣٣٧

بـ [خمس معلومات] ، فتوفي رسول الله وهنّ في ما يقرأ من القرآن (١).

والحديثان يكمل أحدهما الآخر على هذا النحو :

لقد نزلت رضاعة الكبير عشرا وآية الرجم الّتي أخبر عنها الخليفة على المنبر معا وأكلهما الداجن.

ونسخت رضاعة الكبير عشرا بخمس معلومات.

ومن ثمّ كانت تفتي امّ المؤمنين بخمس رضعات للكبير يحرمن ، وتعمل بفتواها.

ومن ثمّ قالوا : إنّها الآية الوحيدة الّتي نسخت تلاوتها وحكمها!

انحصرت هذه الروايات كلّها بأمّ المؤمنين عائشة ، وهي جميعا مخالفة لفطرة الإنسان ، فلم يسمع قبل فتوى امّ المؤمنين عن إنسان رضع في الكبر. ولا تبديل لخلق الله.

ومخالفة ـ أيضا ـ لقوله تعالى : (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) فإنّها تدلّ على أنّ إتمام الرضاعة في الحولين : سنتي الرضاعة.

ومخالفة لسنّة الرسول الجامعة لقوله (ص) : «الرضاعة من المجاعة» ، وقوله : «لا رضاع إلّا ما فتق من الأمعاء» ، وقوله : «لا رضاع إلّا ما شدّ العظم ، وأنبت اللّحم وأنشز العظم».

وانتبه البعض إلى هذا التناقض فرده قسم كالاستاذ السائس بقوله على حديث عائشة :

حديث لا يصحّ الاستدلال به لاتفاق الجميع على انّه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاة الرسول (ص) وهذا هو الخطأ الصراح (٢).

__________________

(١) سبق ذكر اسناده في بحث (نقصان حكم رضاع الكبير) بأوّل الباب.

(٢) فتح المنان ، عليّ حسن العريض ، ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

٣٣٨

وحاول علاجه آخرون بأوهى من بيت العنكبوت ولا يستحق الإطالة بإيراده ، وإنّما نحن بصدد مناقشة قولهم بصنفين من النسخ في القرآن استنادا إلى هذه الأحاديث.

* * *

كانت تلكم ظروف رواية امّ المؤمنين عائشة وملابساتها ، وسوف نناقش رواياتها ضمن مناقشتنا سائر روايات النسخ الآتية إن شاء الله تعالى.

ثانيا ـ روايات منسوخ التلاوة وسائر روايات النسخ

أوردنا في ما سبق حديث الصحابي أبي موسى أنّه انسي سورتين كبيرتين ، ونقل الطبري وابن كثير والسيوطي إضافة إليه روايات نظيره في تفسير آية : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ...) ، أربع منها رووها من الصحابة يعضد بعضها بعضا.

إحداها ـ عن أبي إمامة ، قال فيها ما موجزه :

(قام رجل من جوف اللّيل يريد أن يفتتح سورة ، فلم يقدر على شيء منها إلّا بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ووقع ذلك لناس من أصحابه ، فأصبحوا ، فسألوا رسول الله (ص) ، فقال : نسخت البارحة ، فنسخت من صدورهم ومن كلّ شيء) (١).

__________________

(١) في الدرّ المنثور ١ / ١٠٥ ، قال أخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي في فضائله ، عن أبي إمامة. وفي رواية ثانية بعدها : وأخرج أبو داود في ناسخه والبيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي إمامة ، الحديث. وأبو إمامة ، أسعد ، وقيل سعد بن سهل بن حنيف الأنصاري ، معدود في الصحابة وله رؤية ولم ـ

٣٣٩

والثانية عن ابن عمر ، قال : قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأهما رسول الله (ص) ، وكانا يقرءان بها ، فقاما يقرءان ذات ليلة يصلّيان ، فلم يقدرا منها على حرف ، فأصبحا غاديين على رسول الله (ص) ، فقال : إنّها ممّا نسخ أو نسي فالهوا عنه.

والروايتان الاخريان نظيرهما (١).

لست أدري هل تعدّ مدرسة الخلفاء السورة أو السور المنسيّة المذكورة في هذه الروايات ضمن السور الأربع الّتي أوردناها سابقا أي : سورتي الحفد والخلع ، وسورتي أبي موسى المنسيتين ، أم أنّها تضيف المنسيات في هذه الروايات إلى تلك الأربع ، ويزداد بذلك عندهم عدد المنسيات!؟

وفي الدرّ المنثور ـ أيضا ـ عن ابن عباس قال : كان ممّا ينزل على النبيّ (ص) الوحي باللّيل وينساه بالنهار ، فأنزل الله (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٢).

وبناء على هذه الروايات رووا الرواية التالية :

__________________

ـ يسمع النبيّ (ص). أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح (ت : ١٠٠ ه‍). تقريب التهذيب ١ / ٦٤. وأبو ذر الحافظ عبد بن أحمد بن محمّد شيخ الحرم. من تصانيفه : فضائل وتفسير القرآن (ت : ٤٣٤ ه‍) ، كما في تذكرة الحفاظ ، ص ١١٠٣ ـ ١١٠٥. واسم تأليفه في هدية العارفين ١ / ٤٣٧.

(١) في الدرّ المنثور ١ / ١٠٤ ، قال أخرج الطبراني عن ابن عمر ... الحديث.

(٢) في الدرّ المنثور ١ / ١٠٤ ، قال أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس ... الحديث. وابن عدي ، الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني ، ويعرف ـ أيضا ـ بابن القطان. من تصانيفه : كتاب الانتصار على مختصر المزني في الفروع. (ت : ٣٦٥ ه‍). تذكرة الحفاظ ص ٩٤٠ ؛ وهدية العارفين ١ / ٤٤٧.

٣٤٠