القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

١ ـ من كل رواية جاء فيها ذكر تبديل لفظ القرآن بغيره من قبل الصحابة صحيحة كانت الرواية حسب مقاييس علم الدراية بمدرسة الخلفاء أم ضعيفة وشاذّة.

٢ ـ من كل لغة لكل قبيلة من قبائل العرب سواء أكانت شائعة لديهم أم شاذة ونادرة ، وكل قاعدة من قواعد اللّغة العربية دونما ملاحظة لموارد الاستثناء منها.

٣ ـ أضافوا إليهما اعتمادهم على ما استحسنوه في تبديل النصّ القرآني حسب اجتهادهم.

وفي ضوء ما ذكرناه قاموا بعرض النصوص القرآنية على المألوف عندهم من قواعد اللّغة العربية ، وبدلوا من النصّ القرآني ما زعموه مخالفا لها بلفظ يوافقها ، وبحثوا في لغات العرب واختاروا منها لغات بدّلوا بها لغة القرآن وتسابقوا في جمع كل ما جاء لكل قبيلة وفي كل رواية وكل قاعدة ، وأخضعوا جميع كلمات القرآن لجميع تلكم الروايات واللغات والقواعد ، وسمّوا كل لفظ بدّلوا النصّ القرآني به شاذا كان أم غير شاذ ب (قراءة) ، وسمّوا عملهم ذلك ب (علم القراءة) ، وسمّوا أنفسهم ب (القرّاء) ، وكسبوا بذلك جاها وسمعة في المجتمع الإسلامي زعما من النّاس أنّهم علماء تخصّصوا بعلم قراءة كتاب الله المجيد ، ولم يدركوا أنّ عملهم تغيير لكلام الله المجيد.

وإليكم مثالا واحدا من أنواع عملهم المختلق واساءتهم الأدب ازاء القرآن العظيم كما أورده القرطبي في تفسيره سورة الفاتحة (١) وقال :

التاسعة والعشرون ـ (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).

__________________

(١) تفسير القرطبي ، ط. مصر سنة ١٣٨٧ ه‍ ، ١ / ١٤٠ ـ ١٤٩.

٢٤١

ولغة القرآن «الذين» في الرفع والنصب والجر ؛ وهذيل تقول : اللّذون في الرفع ، ومن العرب من يقول : اللذو (١) ، ومنهم من يقول : الّذي (٢) ؛ وسيأتي.

وفي «عليهم» عشر لغات ؛ قرئ بعامتها :

«عليهم» بضم الهاء وإسكان الميم.

و «عليهم» بكسر الهاء وإسكان الميم.

و «عليهمي» بكسر الهاء والميم وإلحاق ياء بعد الكسرة.

و «عليهمو» بكسر الهاء وضم الميم وزيادة واو بعد الضمة.

و «عليهمو» بضم الهاء والميم كلتيهما وإدخال واو بعد الميم.

و «عليهم» بضم الهاء والميم من غير زيادة واو.

وهذه الأوجه الستّة مأثورة عن الأئمة من القرّاء.

وأوجه أربعة منقولة عن العرب غير محكية عن القرّاء : «عليهمي» بضم الهاء وكسر الميم وإدخال ياء بعد الميم ، حكاها الحسن البصري (٣) عن العرب.

و «عليهم» بضم الهاء وكسر الميم من غير زيادة ياء.

و «عليهم» بكسر الهاء وضم الميم من غير إلحاق واو.

و «عليهم» بكسر الهاء والميم ولا ياء بعد الميم. وكلّها صواب ، قاله ابن الأنباري.

__________________

(١) قال أبو حيان في البحر ١ / ٢٦ : واستعماله بحذف النون جائز. كذا في اللسان.

(٢) أي إفرادا أو جمعا في الرفع والنصب والجرّ ؛ كما يؤخذ من لسان العرب.

(٣) في بعض نسخ الأصل : «الأخفش البصري» وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة.

٢٤٢

دراسة الخبر :

أ ـ قال في أوّل كلامه : (وفي عليهم عشر لغات) واللّغات جمع اللّغة ، ولغة كل قبيلة الكلمات الّتي تختص هي بتلفظها ، وقد يقال لها (اللهجة) ، وكذلك يقال لما جاء في القرآن : (لغة القرآن) كما قال القرطبي قبل إيراده اللغات العشر :

(ولغة القرآن الّذين في الرفع والنصب والجرّ ، وهذيل تقول : اللّذون في الرفع ...).

ولمّا كانت الثانية من اللّغات الّتي ذكرها : (عليهم) بكسر الهاء وسكون الميم ، هي لغة القرآن ، كما كتبت في المصاحف ، عرفنا انّ اللّغات التسع الباقية هي من اجتهادات القرّاء ولغات القبائل العربية ، وبيان ذلك كالآتي :

ب ـ قال بعد إيراد ست لغات منها : (وهذه الأوجه الستّة مأثورة عن الأئمة القرّاء).

أي أن القرّاء الّذين يقتدى بهم في قراءة القرآن قرءوا بهذه اللّغات الستّ ، ويصحّ للمسلمين أن يقتدوا بهم ، ويقرءوا بأيّ اللّغات الست شاءوا.

ويظهر من كلامه أن بعض القرّاء قرأ (عليهم) بلغة القرآن والخمسة الباقين قرءوها حسب اجتهاداتهم.

ج ـ قال بعده : (وأوجه أربعة منقولة عن العرب غير محكيّة عن القرّاء).

وإنّما ذكر الأوجه الأربعة الّتي لم يقرأ بها القرّاء في عداد القراءات العشر ، لأنّها نقلت من لغات العرب ، ولغات العرب أحد المنابع الّتي أخذوا منها القراءات المختلفة مقابل النصّ القرآني ، ويؤيّد ذلك ما جاء في أوّل كلامه :

أوّلا ـ (قرئ بعامّتها) أي قرئ النصّ القرآني بعامّة تلكم اللّغات العشر لأنّه يقصد من (قرأ وقرئ) في علم القراءات قراءة النصّ القرآني كما انّ القارئ هو المتخصص بقراءة القرآن.

٢٤٣

ثانيا ـ قال في آخر كلامه : (وكلّها صواب ، قاله ابن الأنباري).

وابن الأنباري هو أبو بكر محمّد بن القاسم اللغوي النحوي ، وصفوه بأنّه : كان علّامة وقته في الأدب ، كان يحفظ عشرين ومائة تفسير للقرآن الكريم بأسانيدها ـ أي يرويها بأسانيدها عن مؤلفيها ـ وثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن المجيد ـ أي أنه كان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت من أشعار العرب يستشهد بها أحيانا على صحّة النصّ القرآني ، وأحيانا على صحّة القراءات الّتي اكتشفها القرّاء ، وأحيانا يستدل بها على معنى النصّ القرآني ـ وكان يحفظ ثلاثة عشر صندوقا من الكتب (ت : ٣٢٨) (١).

وإنّما قال ابن الأنباري (كلّها صواب) لأنّه وجد ستّا منها في قراءة القرّاء الكبار بما فيها لغة القرآن المجيد وأربعا منها في لغات العرب.

د ـ إنّ اللغات التسع الّتي قرئت مقابل النصّ القرآني : (عليهم) لم ينزل بها الله من سلطان ، ولم ترو قراءتها عن الرسول (ص) ولا عن صحابته ، لأنّ القراءة لو كانت مرويّة عنهم لنسبها إليهم كما قال قبله :

(والخامسة عشرة) اختلف العلماء أيّما أبلغ : ملك أو مالك؟ والقراءتان مرويتان عن النبيّ (ص) وأبي بكر وعمر ، ذكرهما الترمذي.

وقال بعده :

الموفية الثلاثين : قرأ عمر بن الخطاب وابن الزّبير (رض) «صراط من أنعمت عليهم».

نتيجة دراسة قراءات «عليهم» :

أوّلا ـ إنّ القراءة الثانية (عليهم) كانت موافقة لخطّ المصحف الّذي بأيدي

__________________

(١) راجع ترجمته في الكنى والألقاب للقمّي ، وأنباه الرواة في طبقات النحاة ٣ / ٢٠١.

٢٤٤

الناس كلّ الناس اليوم ، وكذلك ورثوه خلفا عن سلف جيلا بعد جيل ، ولذلك قرأها الناس كلّ الناس منذ عصر رسول الله (ص) حتّى اليوم ما عدا طبقة القرّاء منهم الّذين اختلقوا القراءات ، وكذلك أنزلها الله ـ جلّ جلاله ـ على رسوله (ص) ، وكذلك كتبها جميع من كتبها من المسلمين على العسب واللخاف وغيرهما على عهد رسول الله (ص) وبتعليم الرسول (ص) إيّاهم أن يقرءوها كذلك ومن فمه المبارك ، وكذلك كتبها المسلمون منذ عصر الرسول (ص) حتّى عصرنا الحاضر ، وكذلك كتبها القرّاء أنفسهم في كل العصور ، ولم يكتبوا معها ما اختلقوا من قراءات.

أمّا اللّغات التسع الباقية : فمنها ما اختلقها القرّاء بأنفسهم استحسانا منهم لها.

ومنها ما اقتبسوها من تلفّظ بعض القبائل العربية لكلمة (عليهم) في محاوراتهم الخاصّة بهم.

ثمّ أخضعوا كلام الله المجيد لتلفظ تلك القبائل ، وهكذا اختلقوا تسع قراءات في مقابل النصّ القرآني لم ينزل الله بها من سلطان ولم يقرأها الرسول (ص) ولا من كان في عصره سواء الصحابة منهم أم سائر المسلمين.

ثانيا ـ قال في الموفية الثلاثين :

(قرأ عمر بن الخطاب وابن الزّبير (رض) «صراط من أنعمت عليهم») أي : إنّ هذه القراءة رويت عن عمر وابن الزّبير خاصّة ولم ترد في النصّ القرآني ولم ترد عن رسول الله (ص).

ودليلنا على ذلك أنّه قال قبله : إنّ قراءة ملك ومالك رويت (عن النبيّ وأبي بكر وعمر).

وهكذا ذكر اسم النبيّ (ص) في عداد من قرأ (ملك ومالك) بينا نسب قراءة (صراط من أنعمت) إلى عمر وابن الزّبير ، ولم يذكر اسم النبيّ (ص) في

٢٤٥

عداد من قرأ كذلك.

إذا فإنّ هذه القراءة مقابل النصّ القرآني (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الّذي توارثه المسلمون خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل إلى أن ينتهوا إلى الّذين أخذوه من فم الرسول (ص) ، وكتبوه بأمره ، ونحن نعلم أنّ الرسول (ص) أخذ هذه القراءة من الله سبحانه حيث قال تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى).

وبناء على ذلك قالوا : أقرأ الله ورسوله (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) المسلمين كما هو في النصّ القرآني وقرأ عمر وابن الزّبير (صراط من أنعمت عليهم)!!!

ولست أدري كيف استساغوا أن يقولوا : قال الله ورسوله وقال الصحابة والقرّاء!!!

ولست أدري ممّن أخذ عمر وابن الزّبير وغيرهما تلك القراءة ، لست أدري!!!

وإنّ عملهم في اختلاق القراءة لم يقتصر على ما اختلقوه لكلمة عليهم من قراءة ، وإنّما هو دأبهم مع جميع الكلمات القرآنية في اخضاعها لما رووه عن الصحابة من قراءة ، أو ما وجدوه في شتى لغات القبائل العربية ، أو ما ألفوه من قواعد اللّغة في غير الموزون من الكلام ، أو لما استحسنوه من بديل آخر للنصّ القرآني الكريم.

وهكذا اختلقوا ما لا نستطيع له عدا من القراءات لكلام الله المجيد استنادا إلى اجتهادهم في تبديل كلام الله المجيد بغيره.

وكل تبديل لكلام الله بغيره تحريف.

وكذلك حرّفوا كلام الله بأنواع التحريف :

٢٤٦

أ ـ تحريف كلمات كلام الله المجيد مثل ما مرّ تبديلهم : (ننسه) ب (ننساه) و (وَلَا الضَّالِّينَ) ب (غير الضالّين).

ب ـ تحريف الحركات الإعرابية والحروف الإعرابية لكلام الله مثل ما مرّ تبديلهم : (إِنْ هذانِ) ب (إنّ هذين).

ج ـ تحريف ضبط الكلمات ، مثل ما مرّ تبديلهم : (عَلَيْهِمْ) ب (عليهم) و (عليهم).

وهكذا حرّفوا القرآن تحريفا بما لا يتيسر عدّه ومزّقوه تمزيقا لم يجر نظيره على أي نصّ آخر سماويا كان مثل التوراة والإنجيل المحرّفين ، أو من كلام البشر مثل قصائد شعراء الجاهليين كامرئ القيس أو مخضرمين كأبي طالب وحسان ابن ثابت ، أو إسلاميين كالمتنبي والحمداني ، وكذلك في خطب الخطباء وتصانيف المؤلّفين في أيّ لغة من لغات الإنسان.

ثمّ سمّوا كل ذلك التحريف للقرآن بعلم القراءة.

وإليكم وصفا موجزا لكيفية انتشار تلك القراءات والّذي يسمّى بعلم القراءات وكيفية ارتحال طلابها من بلد إلى بلد لاقتناء هذا العلم المزيف من شيوخه نصا من كتاب البرهان للزركشي (١ / ٣٢٤ و ٣٢٥) حيث قال :

(فكان من قدماء علمائنا ممّن حجّ يأخذ بمصر شيئا يسيرا ، كأبي عمر الطلمنكي (١) صاحب الروضة ، وأبي محمّد مكّي بن أبي طالب (٢). ثمّ رحل

__________________

(١) هو أحمد بن محمّد بن عبد الله بن لب ، أبو عمر الطلمنكي ، نزيل قرطبة ، رحل إلى المشرق ؛ ولقي كثيرا من العلماء بمصر ، منهم ابن غلبون ؛ وعاد إلى الأندلس ، وألّف كتاب الروضة. توفّي سنة ٤٢٩ ه‍ (طبقات القرّاء لابن الجزري ١ / ١٢٠).

(٢) ولد بالقيروان ، وحجّ فسمع بمكّة ، ورحل إلى مصر فقرأ على ابن غلبون وابنه ، ثمّ عاد إلى القيروان ، ورحل إلى الأندلس ، ومات سنة ٣٩٤ ه‍ (طبقات القرّاء ٢ / ٣١٠).

٢٤٧

أبو عمرو الداني (١) لطول إقامته بدانية (٢) فأخذ عن أبي خاقان ، وفارس ، وابن غلبون ؛ وصنف كتاب «التيسير» ، وقرأ على هؤلاء.

ورحل أيضا أبو القاسم يوسف بن جبارة الأندلسي (٣) ، فأبعد في الشقّة ، وجمع بين طريق المشرق والمغرب ، وصنف كتاب الكامل ، يحتوي على القراءات السبع وغيرها ، ولم أر ولم أسمع أوسع رحلة منه ، ولا أكثر شيوخا.

وقد أقرأ القرآن بمكّة أبو معشر الطبري (٤) ، وأبو عبد الله الكارزيني (٥) وكانا متّسعي الرواية.

وكان بمصر أبو عليّ المالكي (٦) مؤلّف الروضة ، وكان قد قرأ بالعراق ، وأقرأ بمصر.

__________________

(١) هو عثمان بن سعيد أبو عمرو الداني القرطبي ، شيخ مشايخ المقرئين في عصره ؛ توفّي سنة ٤٤٤ ه‍ (وانظر ترجمته في طبقات القرّاء ١ / ٥٠٣ ـ ٥٠٥).

(٢) دانية : دانية بالأندلس ، من أعمال بلنسية ؛ كانت قاعدة ملك أبي الحسن مجاهد العامري ؛ وأهلها أقرأ أهل الأندلس ، لأنّ مجاهدا كان يستجلب القرّاء ويفضل عليهم ، وينفق لهم الأموال فكانوا يقصدونه ويقيمون عنده ؛ فكثروا في بلاده (ياقوت ، مادّة دانية).

(٣) هو يوسف بن عليّ بن جبارة أبو القاسم الهذلي اليشكري ؛ قال في كتابه الكامل : «لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستين شيخا ، من آخر المغرب إلى فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا ؛ ولو علمت أحدا تقدّم عليّ في هذه الطبقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته ...» ، توفّي سنة ٤٦٥ ه‍ (طبقات القرّاء ٢ / ٣٩٧).

(٤) هو عبد الكريم بن عبد الصمد أبو معشر الطبري ، صاحب كتاب التلخيص في القراءات الثمان ، توفّي سنة ٤٧٨ ه‍ (طبقات القرّاء ١ / ٤٠١).

(٥) في الاصول «الكارزوني» تصحيف ؛ وهو أبو عبد الله محمّد بن الحسين الكارزيني الفارسي ؛ تنقل في البلاد وعاش بمكّة. قال الذهبي : كان حيا سنة ٤٤٠ ه‍ (طبقات القرّاء ٢ / ١٣٢).

(٦) هو الحسن بن محمّد بن إبراهيم البغدادي. توفّي سنة ٤٣٨ ه‍ (طبقات القرّاء ١ / ٢٣٠).

٢٤٨

وبعدهم التاج الكندي (١) فأقرأ الناس بروايات كثيرة لم تصل إلى بلادنا.

وكان أيضا ابن مامويه (٢) بدمشق يقرئ القرآن بالقراءات العشر.

وبمصر النّظام الكوفي (٣) يقرئ بالعشر وبغيرها ، كقراءة ابن محيصن والحسن.

وكان بمكّة أيضا زاهر بن رستم (٤) وأبو بكر الزنجاني (٥) ، وكانا قد أخذا عن أبي الكرم الشّهرزوري كتاب المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر ؛ وأقرأه الزنجاني بعض شيوخنا.

وكان عزّ الدين الفاروقي (٦) بدمشق ، يقرئ القرآن بروايات كثيرة ، حتّى قيل إنّه أقرأ بقراءة أبي حنيفة.

والحاصل اتّساع روايات غير بلادنا ، وأنّ الّذي تضمّنه التيسير ، والتبصرة (٧) والكافي (٨) وغيرها من تآليفهم ؛ انّما هو قلّ من كثر ، ونزر من بحر.

__________________

(١) هو زيد بن الحسن بن زيد أبو اليمن الكندي البغدادي نزيل بغداد ، توفّي بدمشق سنة ٦١٣ ه‍ (طبقات القرّاء ١ / ٢٩٨).

(٢) هو أحمد بن محمّد بن مامويه أبو الحسن الدمشقي ، ذكره ابن الجزري في طبقات القرّاء ١ / ١٢٨ ، ولم يذكر تاريخ وفاته.

(٣) لعلّه محمّد بن عبد الكريم الملقّب بنظام الدين ، وانظر طبقات القرّاء ٢ / ١٧٤.

(٤) زاهر بن رستم أبو شجاع الأصبهاني الشافعي ، مات بمكّة سنة ٦٠٩ ه‍ (طبقات القرّاء ١ / ٢٨٨).

(٥) هو أبو بكر محمّد بن إبراهيم الزنجاني المجاور بمكة ؛ ذكره ابن الجزري في الطبقات ٢ / ٤٨.

(٦) خطيب دمشق أصله من واسط ، ورحل إلى دمشق ثمّ عاد إلى موطنه ؛ وتوفّي سنة ٦٩٤ ه‍ (طبقات القرّاء ١ / ٢٥).

(٧) التبصرة في القراءات السبع ، لأبي محمّد مكّي بن أبي طالب القيسي.

(٨) الكافي في القراءات السبع ، لمحمّد بن شريح الإشبيلي.

٢٤٩

وبيانه أن في هذه الكتب مثلا قراءة نافع من رواية ورش وقالون ، وقد روى الناس عن نافع غيرهما ؛ منهم إسماعيل بن أبي جعفر المدني وأبو خلف وابن حبّان ، والأصمعي).

انتهى نقل نصّ كتاب البرهان للزركشي.

دراسة بعض ما جاء في الصفحتين الآنفتين :

قال في ص ٣٢٥ : انّ ابن مامويه بدمشق كان يقرئ القرآن بالقراءات العشر ، وبمصر النظّام الكوفي يقرئ بالعشر وبغيرها.

وانّ عزّ الدين الفاروقي بدمشق كان يقرئ بروايات كثيرة حتى قيل : إنّه أقرأ بقراءة أبي حنيفة.

ومغزى أقواله : أنّ ابن مامويه بدمشق كان يبدل لغة القرآن بعشرة أنواع من لغات غير القرآن ، وأن عزّ الدين فيها كان يبدل لغة القرآن بلغات كثيرة حتّى لغة أبي حنيفة.

وقال : (والحاصل اتّساع روايات غير بلادنا).

ثمّ وصف مؤلّفات شيوخ بلاده في القراءة وقال : (هو قلّ من كثر ، ونزر من بحر) مع أنّه ذكر قبله في ص ٣٢٤ ان أبا القاسم الأندلسي أبعد في الشقّة وجمع بين طرق المشرق والمغرب ، وذكر في الهامش ان أبا القاسم هذا قال : (لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستّين شيخا من آخر المغرب إلى فرغانة يمينا وشمالا وجبلا وبحرا ، ولو علمت أحدا تقدّم عليّ في هذه الطبقة في جميع بلاد الإسلام لقصدته) وانّ فرغانة في آخر بلاد الشرق.

أي أنّ هذا القارئ سافر برّا وبحرا وسهلا وجبلا في كل بلاد الإسلام من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق.

٢٥٠

وكان في بلنسية من الأندلس ملك يستجلب القرّاء ، وينفق عليهم الأموال ، وذلك مثال على اهتمام المسلمين بأمر القراءات المختلفة في سائر البلاد الإسلامية يومذاك!!!

نتيجة الدراسة :

نستنتج من الدراسة المستفيضة السابقة ما يأتي :

أوّلا ـ انّ قواعد النحو والصرف اكتشفت من محاورات بلغاء العرب وبدئ بتدوين أسسها بعد ربع قرن من نزول القرآن.

وأنّهم وجدوا ـ مثلا ـ أنّ بلغاء العرب تغير حركات أواخر الكلمات منعا للّبس ، فتحرّك آخر الفاعل بالضمّة وآخر المفعول بالفتحة ، وتقول : درّس الحسن الحسين ، ليعلم أنّ الحسن مدرس والحسين تلميذ.

وفي كتابة الهمزة تكتب الهمزة المكسور ما قبلها على نبرة الياء مثل (فئة) ولمّا كان من الجائز في عدد (مائة) حكّ الهمزة في جملة (خمس مائة درهم) ـ مثلا ـ وتقرأ عندئذ (خمس منه درهم) ويلتبس الأمر ، خالفوا القاعدة هنا ، وأضافوا في الكتابة قبل الهمزة ألفا ليّنة لرفع هذا اللّبس وكتبوها : مائة ، وخمسمائة.

إذا فالحكمة في وضع هذه القواعد رفع اللّبس في النطق والكتابة.

ثانيا ـ نجد البلغاء قد يتركون بعض تلك القواعد في الكلام الموزون مثل الشعر ، ويسمّون المبرّر له (ضرورة الشعر) ونحن نسمّيه (قاعدة الكلام الموزون). كما فصلنا القول فيه بمنه تعالى في ما سبق.

ثالثا ـ إنّ لكلّ سورة من سور القرآن وزنا خاصّا بها ، تهفو لسماعه النفوس في مقابل أوزان الشعر والنثر الفني.

وقد بني هذا الوزن في آي القرآن على تناسق الكلمات الموزونة في الجمل ،

٢٥١

والجمل بعضها مع بعض في السورة ، وإذا تغيّر شيء من بنائه فقد النغم المحبب إلى النفس.

وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم ، فهو معجز في تشييد مبانيه كما هو معجز في اختيار معانيه ، وهو معجز في جميع جوانبه ، وهو فوق كلام بلغاء العرب كافّة.

فإن لم يؤمن أحد بأنّه وحي إلهي ، فإنّه يقول عندئذ : إنّه من نطق سيّد من صميم قريش أفصح قبائل العرب لسانا ، وقد قال ـ (ص) ـ : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش» (١).

وعلى هذا يجب أن يتّخذ القرآن ميزانا لمعرفة صحّة الكلام العربي ويقاس بتعابيره قواعد لغتها ، فما وافقه فهو صحيح وما خالفه فهو زائف وسقيم.

وبعد هذا البيان نقول : إنّ العلماء لما وجدوا في قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) خلافا للقاعدة المكتشفة من لسان العرب حيث يقولون : (إن هذين لساحران) ، أجروا عليه التبديلات المذكورة كلّ حسب اجتهاده ، ينوون بذلك الخير في عملهم حين يقومون بتصحيح كلام الله ـ نعوذ بالله ـ بما يوافق تعابيرهم في كلامهم غير الموزون.

وبناء على عملهم هذا ينبغي لهم أن يصحّحوا شعر حسان (ملأوس أو ملخزرج) ويقرءوه :

لما رأى بدرا تسيل جلاهها

بكتائب من الأوس أو من الخزرج

 ويفقدوه وزنه الّذي به امتاز على سائر محاورات العرب.

بعد بيان ما سبق ، نقف وقفة تأمّل واستنتاج لما ذكرناه.

__________________

(١) نهاية اللّغة لابن الأثير ، مادّة (بيد).

٢٥٢

وقفة تأمّل واستنتاج مع الآية الكريمة إزاء اجتهادهم فيها :

أوّلا ـ إنّ لفظ (إن هذين لساحران) ثقيل على السمع والنطق ، ولفظ (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) خفيف على السمع والنطق ، وموزون محبب للنفس.

ثانيا ـ لا يلتبس المعنى مع هذا اللفظ على السامع ، وذلك ـ أيضا ـ ما عناه من رواه عن الخليفة عثمان في ما روى ابنه أبان وقال : قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان ، فقال : لحن وخطأ!!!

فقال له قائل : ألا تغيّروه؟

فقال عثمان : دعوه فإنّه لا يحرّم حلالا ولا يحلّل حراما (١).

وقد برهنا على ان أمثال هذه الروايات افتري بها على الصحابة.

ثالثا ـ كلّ ما قالوه من وجوه لتصحيح الآية أو لتحريفها كما نسمّيه ، لم يتعدّ أقوالا دوّنت في كتب الحديث والتفسير والقراءات. وحفظ الله كتابه المجيد من أن تشوبه اجتهاداتهم ، ولم يكتب فيه ممّا تداوله المسلمون منذ عصر القرّاء إلى عصرنا الحاضر.

وقد قال الطبري في تفسير الآية : (قرأته عامّة قرّاء الأمصار (إن هذان) بتشديد (إن) وبالألف في (هذان) ، وقالوا قرأنا ذلك كذلك).

وقال : (وإنّه كذلك هو في خطّ المصحف) ، وذكر خلاف بعض أهل العربية من أهل البصرة وبعض نحويي الكوفة (٢).

__________________

(١) القرطبي بتفسير الآية ١١ / ٢١٦ ، معاذ الله أن يكون في كلام الله لحن أو خطأ ، وإنّما الخطأ في اجتهاداتهم ، صحابة وتابعين وقرّاء.

(٢) بتفسير الطبري للآية ١٦ / ١٣٦ ـ ١٣٧.

٢٥٣

رابعا ـ وجدنا منشأ هذا النوع من اختلاف القراءة ، أخذهم قواعد العربية من أقوال لغات القبائل العربية وتعبّدهم بتلك القواعد وقياسهم آي القرآن على تلك القواعد ، فما خالفها من تعابير القرآن وصفوه بفساد الاعراب كما مرّ بنا آنفا ، وعدم دركهم بأنّ القرآن كلام موزون لا تجري عليه تلك القواعد ، وأنّ عليهم أن يتعلّموا استثناء تلك القواعد من القرآن الكريم.

ولست أدري ما المسوّغ لاتّخاذ محاورات العرب ميزانا لمعرفة صحّة تعابير كلام الله وليس العكس.

أما آن للعلماء أن يحرّروا عقولهم من ربقة التقليد الأعمى للسلف؟!

هب أن مخاطبهم في البحث لا يؤمن بالوحي ورسالة خاتم الأنبياء (ص) فهل يشكّ أحد في بلاغة القرآن الّذي تحدّى ببلاغته الناس أجمعين ، ولا يزال تحدّيه باقيا إلى اليوم وإلى يوم الدين. أضف إليه أن القرآن نزل بلغة قريش وهم أفصح العرب لغة.

خامسا ـ إنّ تلك القراءات جميعها رويت عن آحاد وأحيانا ينتهي سندها إلى واحد ، خلافا للنصّ القرآني المتداول بين جميع البشر والّذي رواه الملايين من الناس عن الملايين ، جيلا بعد جيل إلى أن ينتهي سندها إلى مئات الالوف عن عشرات الألوف من المسلمين الّذين تلقّوها عن فم رسول الله (ص) سماعا وعيانا.

سادسا ـ أخطئوا في فهم ما روي عن الخليفة عثمان أنّه قال : (فيه لحن ستقيمه العرب بألسنتها) وظنوا أنّه قال في النصّ القرآني من المصاحف الّتي نسخت بأمره لحن ستقيمه العرب ، أي : ان العرب ستغيّر كلمات القرآن بألسنتها وكان ذلك من أسباب تولد القراءات المختلفة ، بينا قصد الخليفة انّ في رسم نسخ المصاحف المكتوبة لحنا في مثل كتابة (يعيسى) و (يأهل الكتاب) و (أيمنهم) و (يوم

٢٥٤

القيمة) وستقيمها العرب بألسنتها وتقرأها : يا عيسى ويا أهل الكتاب وايمانهم ويوم القيامة كما تعلّموا قراءتها كذلك ممّن تعلّمها كذلك من الصحابة والصحابة من رسول الله (ص) عن جبرائيل (ع) عن الله جلّ اسمه. وكذلك جرت كتابة المصاحف على رسم خط مصحف عثمان جيلا بعد جيل حتّى اليوم.

وأخيرا أوجدت ما رووا من اجتهادات الصحابة المختلفة في قراءة الآيات لزعمهم أنّ القرآن فيه لحن ـ معاذ الله ـ اختلافا في القراءات من بعدهم ، كما رأيناه في كلمة (عليهم) من سورة الفاتحة ، وتعددت مدارس القراءة وتكاثر عدد القرّاء ومدارسهم ومؤلفاتهم.

وإنّ الذهبي ـ مثلا ـ ترجم لنيف وسبعمائة من القرّاء الكبار منهم في كتابه : معرفة القرّاء الكبار ، كان كلّ منهم له مدرسة متميزة عن غيرها في القراءة ، وطلّاب يأخذون منه القراءات ، ثمّ اقتصروا على قراءة سبعة من القرّاء.

ونقل السيوطي في الإتقان سبب ذلك عن مكّي بن حمّوش ما موجزه :

إنّ السبب في الاقتصار على السبعة مع أنّ في أئمّة القرّاء من هو أجلّ منهم قدرا أو مثلهم أكثر من عددهم ، أنّ الرواة عن الأئمّة ـ أئمّة القرّاء ـ كانوا كثيرين جدّا ، فلمّا تقاصرت الهمم أفردوا من كلّ مصر إماما واحدا ، ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه غير الأئمّة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة به ، كقراءة يعقوب وأبي جعفر وشيبة والأعمش وغيرهم (١).

__________________

(١) ما نقلناه هنا عن السيوطي في الإتقان فهو من التنبيه الثاني والثالث من آخر الأنواع المرقمة ٢٢ ـ ٢٧ في معرفة المتواتر ... ١ / ٨٢ و ٨٣.

ومكّي بن حمّوش أبو محمّد القيسي الأندلسي (ت : ٤٣٧ ه‍) ، مقرئ ، مفسّر. من مؤلّفاته : الهداية في علوم القرآن ، في سبعين جزءا ، والكشف عن وجوه القراءات وعللها ، في عشرين جزءا. ترجمته بمعجم المؤلفين.

٢٥٥

وكان الّذي ألّف كتابا وأفرد من كلّ مصر إماما واحدا هو المقرئ أحمد ابن جبير بن محمّد الكوفي ، نزيل أنطاكية (ت : ٢٥٨ ه‍) ، قال في كشف الظنون : جمع كتابا في القراءات الخمس (١).

قال الزركشي (ت : ٧٩٤ ه‍) ، في البرهان في علوم القرآن والسيوطي في الإتقان ما موجزه (٢) :

(ألّف ابن جبير كتابا في القراءات سمّاه كتاب الخمسة واقتصر فيه على خمسة من القرّاء ، اختار من كلّ مصر إماما. وإنّما اقتصر على ذلك لأنّ المصاحف الّتي أرسلها عثمان كانت خمسة ، إلى هذه الأمصار.

ويقال : إنّه وجّه بسبعة : هذه الخمسة ـ أي المدينة ومكّة والشام والبصرة والكوفة ـ ومصحفا إلى اليمن ومصحفا إلى البحرين.

ولكن لما لم يسمع لهذين المصحفين خبر ، وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف ، أكملوا الخمسة بقارءين آخرين كمل بهما عدد السبعة).

__________________

ـ يعقوب : هو يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، إمام أهل البصرة (ت : ٨٠٥ ه‍). طبقات القرّاء ٢ / ٣٨٦ ـ ٣٨٩.

وقصد من أبي جعفر : يزيد بن القعقاع المترجم بالقرّاء العشرة.

وشيبة بن نصاح المخزومي (ت : ١٣٠ ه‍) ، إمام أهل المدينة في القراءة ، له كتاب ، ترجمته في الأعلام ومعجم المؤلفين.

والأعمش ، أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي ولاء ، نشأ وتوفّي بالكوفة (ت : ١٤٨ ه‍). قالوا بترجمته : كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض ، يروي نحو ١٣٠٠ حديث.

(١) ترجمته في معرفة القرّاء الكبار ، ص ١٧٠ ؛ وكشف الظنون ، مادّة : كتاب القراءات ، ص ١٤٤٩. وما ننقله عن كشف الظنون من هنا.

(٢) البرهان في علوم القرآن للزركشي ، ط. مصر الثانية ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ؛ والإتقان للسيوطي ١ / ٨٣.

٢٥٦

فمن هو ابن مجاهد؟ وما ذا فعل؟

هو أحمد بن موسى بن العباس ، مجاهد (ت : ٣٢٤ ه‍) ، مصنف كتاب القراءات السبع ، شيخ القرّاء في بغداد ، رحل إليه من الأقطار وبعد صيته (١).

وقال الزركشي في بيان عمل ابن مجاهد :

إنّ القراءات لم تكن متميّزة من غيرها إلّا في قرن الأربعمائة ، جمعها أبو بكر بن مجاهد ولم يكن متسع الرواية والرّحلة كغيره ـ يقصد أنّه لم يسافر في طلب علم القراءة كغيره ـ وكان علمه بالقرّاء والقراءة ضئيلا. وأنّه بتأليفه كتاب : القراءات السبع ميّزها من غيرها.

وفي ما يلي القرّاء السبعة على السياق الّذي ذكره الزركشي :

أ ـ أبو سعيد عبد الله بن كثير المكّي القرشي ولاء ، (ت : ١٢٠ أو ١٢٢ ه‍).

ب ـ أبو رويم نافع بن عبد الرّحمن بن أبي نعيم ، المدني الليثي ولاء ، (ت : ١٦٩ ه‍).

ج ـ أبو عمرو عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي ، (ت : ١١٨ ه‍).

د ـ أبو عمرو العلاء بن عمّار البصري ، (ت : ١٥٤ ه‍).

ه ـ أبو بكر عاصم بن أبي النجود الأسدي الكوفي ، (ت : ١٢٧ أو ١٢٨ ه‍).

و ـ أبو عمارة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي التيمي ولاء ، (ت : ١٥٦ أو ١٥٨ ه‍).

ز ـ أبو الحسن عليّ بن حمزة الكسائي الكوفي الأسدي ولاء (ت : ١٩٨ ه‍) (٢).

__________________

(١) ترجمته في معرفة القرّاء الكبار ، ص ٢١٦ ؛ وكشف الظنون ، وطبقات القرّاء ١ / ١٣٩.

(٢) لخّصنا تراجمهم من البرهان في علوم القرآن ١ / ٣٢٧ ـ ٣٢٩.

٢٥٧

ونقل عن مكّي بن حمّوش : أنّ يعقوب كان مقدّما على الكسائي ، وأنّ ابن مجاهد هو الّذي أثبت الكسائي سابع القرّاء بدلا من يعقوب.

ثمّ قال : وليس في هؤلاء من العرب إلّا ابن عامر وأبو عمرو.

وقال : قال مكّي ـ أي ابن حمّوش ـ :

ونقل ـ أيضا ـ عن مكّي أنّه قال : أوّل من اقتصر على هؤلاء السبعة أبو بكر بن مجاهد في سنة ثلاثمائة وتابعه الناس.

وأنّه قال :

وإنّما كانوا سبعة لوجهين :

أحدهما : أنّ عثمان (رض) كتب سبعة مصاحف ، ووجّه بها إلى الأمصار فجعل عدد القرّاء على عدد المصاحف.

الثاني : أنّه جعل عددهم على عدد الحروف الّتي نزل بها القرآن ، وهي سبعة ، على أنّه لو جعل عددهم أكثر أو أقلّ لم يمتنع ذلك ، إذ عدد الرّواة الموثوق بهم أكثر من أن يحصى.

وقال : قد ألّف ابن جبير قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات وسمّاه : كتاب الخمسة ، وذكر فيه خمسة من القرّاء لا غير.

وألّف غيره كتابا وسمّاه : الثمانية وزاد على هؤلاء السبعة يعقوب الحضرمي (١).

قال الزركشي : ومنهم من زاد ثلاثة وسمّاه كتاب العشرة.

قال السيوطي عن القرّاء السبعة :

__________________

(١) علوم القرآن ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

٢٥٨

(فوافق عددهم ما ورد في الخبر نزول القرآن بالأحرف السبعة ، فظنّ من لم يعرف أصل المسألة ولم تكن له فطنة ، أنّ المراد بالأحرف السبعة في الخبر القراءات السبع) (١).

قال المؤلّف :

وقد تعرض لابن مجاهد وعمله كلّ من القرّاب وابن عمّار ، كما نقل عنهما السيوطي وقال :

قال القرّاب (ت : ٤١٤ ه‍) في الشافي : التمسك بقراءة سبعة من القرّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنّة ، وإنّما هو من جمع بعض المتأخرين ، فانتشر ، وأوهم أنّه لا تجوز الزيادة على ذلك ، وذلك لم يقل به أحد (٢).

وقال : قال أبو العباس بن عمّار (٣) : لقد فعل مسبع هذه السبعة (٤) ما لا ينبغي له. وأشكل الأمر على العامّة بإيهامه كلّ من قلّ نظره ، أنّ هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، وليته إذا اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة. وقال : وربّما بالغ من لا يفهم ، فخطأ أو كفر (٥). (وقال) أبو بكر بن العربي (٦) ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتّى لا يجوز غيرها.

__________________

(١) الإتقان ١ / ٨٣.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) قالوا بترجمته : أحمد بن عمّار أبو العباس المغربي ، نحوي ، لغوي ، مقرئ ، مفسّر. من تصانيفه : الجامع لعلوم التنزيل ، تفسير كبير ، والهداية في القراءات السبع. معجم المؤلّفين.

(٤) قصد بقوله (مسبع السبعة) ابن مجاهد الّذي جعل القرّاء السبعة.

(٥) الإتقان ١ / ٨٢.

(٦) من تصانيفه الكثيرة : قانون التأويل في تفسير القرآن. مرت ترجمته في بحث جمع القرآن ، باب محاولة العلماء رفع تناقض الروايات.

٢٥٩

ونقل عن ابن حيان (١) ما موجزه :

(ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلّا النزر اليسير ، ثمّ ذكر أسماءهم وقال : ليس لهم مزية على غيرهم والجميع مشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ ، قال : ولا أعرف لهذا سببا إلّا ما قضى من نقص العلم) ـ أراد نقص علم ابن مجاهد ـ.

(وقال ، قال أبو شامة (٢) : ظنّ قوم أنّ القراءات السبع الموجودة الآن هي الّتي أريدت في الحديث. وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة ، وإنّما يظنّ ذلك بعض أهل الجهل).

ونقل عن مكّي أنّه قال ما موجزه :

(من ظنّ أنّ قراءة هؤلاء السبعة هي الأحرف السبعة ، فقد غلط غلطا عظيما ، ويلزم من هذا أنّ ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة ممّا ثبت عن الأئمّة ووافق خطّ المصحف ـ مصحف عثمان ـ أن لا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم ، فإنّ الّذين صنّفوا القراءات من الأئمّة المتقدّمين قد ذكروا أضعاف هؤلاء) (٣).

__________________

(١) أبو حيان أثير الدين محمّد بن يوسف عليّ بن حيّان الأندلسي (ت : ٧٤٥ ه‍). قالوا في ترجمته : أديب ، نحوي ، لغوي ، مفسّر ، محدّث ، مقرئ ، مؤرّخ. سمع الحديث من نحو أربعمائة وخمسين شيخا. درس التفسير والإقراء بمصر. من مؤلّفاته : عقد اللآلئ في القراءات. معجم المؤلّفين.

(٢) أبو شامة عبد الرّحمن بن إسماعيل المقدسي (ت : ٦٦٥ ه‍). من مؤلّفاته : إبراز المعاني في القراءات. معجم المؤلّفين.

(٣) أبو عبيد ، القاسم بن سلام ، قالوا في ترجمته : محدّث ، حافظ ، فقيه ، مقرئ ، عالم بعلوم القرآن. من تصانيفه : كتاب القراءات ، جعلهم ٢٥ قارئا.

كشف الظنون ومعجم المؤلّفين.

وأبو حاتم السجستاني من القرّاء العشرة ، له كتاب القراءات. كشف الظنون.

٢٦٠