القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

مخطط البحوث للمجلّد الثاني

أ ـ الدليل المشترك بين المدرستين.

ب ـ روايات البسملة وتناقضها ومنشؤه.

ج ـ روايات جمع القرآن وتناقضها.

د ـ روايات اختلاف المصاحف وروايات الزيادة والنقصان.

ه ـ روايات نزول القرآن على سبعة أحرف وأربعون اجتهادا خاطئا في تأويلها.

و ـ القراءات والقرّاء.

ز ـ بحوث النسخ والإنساء.

ح ـ دراسة الروايات السابقة واجتهاداتهم الخاطئة.

خصائص المجتمع الإسلامي وأخبار القرآن :

١ ـ في عصر الخلفاء الصحابة الثلاثة.

٢ ـ في عصر الإمام عليّ.

٣ ـ في عصر بني اميّة.

٤ ـ في عصر بني العباس.

دراسات مقارنة بين الروايات السابقة ونتائج البحوث الآنفة.

ط ـ المستشرقون والقرآن الكريم.

٢١
٢٢

البحث الأوّل

الدليل المشترك بين المدرستين

على وقوع التحريف في شرائع الأنبياء

٢٣
٢٤

برهن الشيخ النوري أوّلا في (ص ٣٥ ـ ٥٣) على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل وقال في آخر ص ٥٣ ما موجزه :

(إنّ كل ما وقع في الامم السابقة خاصّة ببني إسرائيل يقع في هذه الامّة المرحومة وأنّها تتبع سنن السابقين وسيرة من كان قبلهم في كل أحوالهم وجميع أطوارهم خصوصا في ما يتعلّق بأمر الدين).

ثمّ أيّد ما ادّعاه في (ص ٥٤ ـ ٦٩) بأنّ هذه الامّة شابهت في بعض أعمالها الامم السابقة ، وأكّد ثانية ما ادعاه هنا في آخر الدليل الثاني عشر ، ص ٣٦٦ ـ ٣٧٧.

هذا ما ادعاه الشيخ النوري وأقام عليه الأدلّة تلو الأدلّة ، وهذا البحث من أقوى أدلّته على مدّعاه في تحريف القرآن ـ معاذ الله ـ ، وخنس إحسان إلهي ظهير في هذا المقام خنوسا شديدا. ولم يشر إلى ما أورده الشيخ النوري في خمس وأربعين صفحة من كتابه ، ونستعين الله ونقول :

لقد برهنّا في كتبنا على وقوع التحريف في الامم السابقة ، مثل ما ذكرناه في باب الدين والإسلام من كتابنا (عقائد الإسلام من القرآن الكريم) وفي البحث التمهيدي الخامس من المجلّد الثاني من (خمسون ومائة صحابي مختلق) ، ونورد هنا بعض تلك البحوث :

٢٥

أوّلا ـ مثال واحد ممّا وقع من التحريف في التوراة :

نورد في ما يلي صورا للأعداد من الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية عن طبعات مختلفة للتوراة لنرى التحريف فيهن عيانا :

أ ـ تصوير النسخة الّتي ترجمها القسيس رابنسن من الأصل العبراني إلى الفارسية وطبعت بمطبعة رجارد واطسن بلندن سنة ١٨٣٩ م :

باب سي وسيوم

واينست دعاي خير كه موسى مرد خدا قبل از مردن بر بني اسرائيل خواند وگفت كه خداوند از سيناى بر آمد واز سعير نمودار گشت واز كوه فاران نورافشان شد وبا ده هزار مقرّبان ورود نمود واز دست راستش شريعتي آتشين براى ايشان رسيد بلكه قبائل را دوست داشت وهمگى مقدّساتش در قبضه تو هستند ومقرّبان پاي تو بوده تعليم ترا خواهند پذيرفت موسى ما را بشريعتي امر كرد كه ميراث جماعت بني يعقوب باشد ب ـ النسخة المطبوعة (١) بجامعة اكسفورد بلندن ، دون تاريخ ، ص ١٨٤ :

__________________

(١) امتازت بطبع اللون الأحمر مع الأسود للكلمات ـ في العهد الجديد فقط ـ وسمّيت بred letter edition.

٢٦

ج ـ تصوير النسخة المطبوعة بمطبعة رجارد واطسن بلندن سنة ١٨٣١ م عن النسخة المطبوعة في رومية العظمى سنة ١٦٧١ لمنفعة الكنائس الشرقية :

الاصحاح الثالث والثلاثون

فهذه البركة التي بها بارك موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته* وقال جاء الرب من سينا واشرق لنا من ساعير استعلن من جبل فاران ومعه الوف الاطهار في يمينه سنّة من نار* احب الشعوب جميع الاطهار بيده والذين يقتربون من رجليه يقبلون من تعليمه* موسى امرنا بسنة : ميراثا لجماعة يعقوب (١).

د ـ تصوير النسخة المطبوعة بالمطبعة الأمريكية في بيروت سنة ١٩٠٧ :

الأصحاح الثّالث والثّلاثون

وهذه هي البركة الّتي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته فقال.

جاء الرّبّ من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعة لهم. فأحبّ الشّعب. جميع قدّيسيه في يدك وهم جالسون عند قدمك يتقبّلون من أقوالك. بناموس أوصانا موسى ميراثا لجماعة يعقوب (٢).

__________________

(١) جاء العدد الثالث من هذا الإصحاح من التوراة في وصف من كانوا مع خاتم الأنبياء ، لعلّه يكون من مصاديق قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ...) الفتح / ٢٩.

(٢) كذلك النص في ط. نيويورك سنة ١٨٦٧ م.

٢٧

المحرّف في هذا الإصحاح وسببه :

إنّ الأعداد (١ ـ ٤) من هذا الإصحاح تخبر أنّ موسى بن عمران تكلم قبل موته عن ثلاثة أماكن أظهر الله فيهن أمره وأنزل شرائعه ، وهي :

أ ـ سيناء ـ وهو المكان الّذي أنزل الله فيه شريعة التّوراة على موسى (ع) ووصف تلك الشريعة في العدد الرابع منه بأنّها ميراث لجماعة يعقوب وهم بنو إسرائيل. إذا فهي شريعة خاصة ببني إسرائيل.

ب ـ سعير أو ساعير ـ وهي الأراضي الّتي فيها الجبال المحيطة بالقدس كما في مادّة «سعير» من قاموس الكتاب المقدس ومادّة «ساعير» من معجم البلدان. وهو المكان الّذي نزلت فيه شريعة الإنجيل على عيسى بن مريم (ع) ولم يرد حوله شرح في كلام موسى (ع) هنا.

ج ـ جبل فاران ـ وفاران كما جاء في الإصحاح ٢١ من سفر التكوين من التوراة مكان كان قد سكنته هاجر وإسماعيل بعد أن صرفهما إبراهيم من منزله بطلب من سارة ، وجاء في العدد ٢١ منه خاصّة في إسماعيل ما يلي :

«وسكن في برية فاران وأخذت امّه له امرأة من مصر».

هذا ومن المجمع عليه أن إسماعيل وهاجر بعد مغادرتهما منزل إبراهيم سكنا مكّة وعاشا بها حتّى توفيا بها ، ومدفنهما مشهور إلى اليوم بحجر إسماعيل ، وعلى هذا لا بدّ أن يكون جبل فاران من جبال مكّة كما صرح بذلك ـ أيضا ـ في مادّة «فاران» كل من ياقوت في معجم البلدان ، وابن منظور في لسان العرب ، والفيروزآبادي في القاموس ، والزبيدي في تاج العروس.

وقد جاء شرح صفات الشريعة الّتي نزلت بجبل فاران وكيفية ظهور أمر الله فيه بنسخة القس رابنسن والنص الانجليزي ما ترجمته كما يلي :

٢٨

«وأشرق من جبل فاران ، وورد مع عشرة آلاف من المقرّبين وآتاهم بيمينه شريعة نارية ، يحبّ القبائل ، وجميع مقدّساته في يدك ، ومقرّبين إلى رجلك ، يأخذون تعاليمك».

وجاء في المطبوعة عن النسخة الرومية ما يلي :

«استعلن من جبل فاران ، ومعه ألوف الأطهار ، في يمينه سنّة من نار ، أحبّ الشعوب ، جميع الأطهار بيده ، يقتربون من رجليه ، يقبلون من تعليمه».

ولمّا كان الإشراق من جبل فاران يصدق على نزول شريعة القرآن على خاتم الأنبياء محمّد (ص) بغار حراء في جبل فاران حول مكّة ، وهو الّذي جاء بعد ذلك إلى مكّة ـ أراضي فاران ـ مع عشرة آلاف وفتح مكّة (١) ، وهو الّذي كان في يمينه شريعة نارية أو (سنّة نارية) أي شريعة الحرب ، وهو الّذي (أحبّ القبائل) أو (يحبّ الشعوب) ، كما أعلن القرآن عنه بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء / ١٠٧) ، وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (سبأ / ٢٨).

لمّا كان هذا الإشراق يصدق على بعثة خاتم الأنبياء ولا يصدق على غيره فإنّ موسى الّذي جاء مع أخيه وعيسى الّذي كان معه نفر من الحواريين لا يصدق على أحدهما أنّه جاء (مع عشرة آلاف من المقربين).

وكذلك لا يصدق على عيسى أنّه (في يمينه شريعة نارية).

ولا يصدق على موسى الّذي جاء بناموس يخصّ جماعة يعقوب أنّه أحبّ الشعوب أو يحب القبائل (؟).

__________________

(١) روى ابن هشام في سيرته ٤ / ١٧ ، والطبري في تاريخه ١ / ١٦٢٨ ، عن ابن إسحاق قال : كان مع رسول الله (ص) في فتح مكّة «عشرة آلاف من المسلمين».

٢٩

لهذا كلّه وقع التحريف في هذه النسخ كما يلي :

أ ـ الجملة الاولى

ب ـ الجملة الثانية

ج ـ الجملة الثالثة

ترجمة نسخة رابنسن الانجليزية

ورد مع عشرة آلاف من المقرّبين

وآتاهم بيمينه شريعة نارية

يحبّ القبائل

النسخة الرومية

ومعه ألوف الأطهار

في يمينه سنة من نار

أحبّ الشعوب

الطبعة الأمريكية

وأتى من ربوات القدس

وعن يمينه نار شريعة لهم

فأحبّ الشعب

في الفقرة (أ) حرّفت (وورد مع عشرة آلاف من المقربين) إلى (ومعه ألوف الأطهار) ، ثمّ رفعت الجملة نهائيا أخيرا ووضع مكانها (وأتى من ربوات القدس) ليصدق هذا التحريف الأخير على ظهور عيسى ابن مريم (ع)!!!

وفي الفقرة (ب) حرّفت (شريعة نارية) أو سنة من نار إلى (نار شريعة) ، لئلّا تدلّ على شريعة الحرب فتصدق على شريعة خاتم الأنبياء خاصّة.

وفي الفقرة (ج) حرّفت (القبائل) أو (الشعوب) الّتي جاءت بلفظ الجمع إلى (الشعب) بلفظ المفرد ليصدق على غير خاتم الأنبياء.

ثانيا ـ ما جاء في الأحاديث المروية عن الرسول (ص)

جاء في الأحاديث المرويّة عن رسول الله (ص) متابعة هذه الامّة للأمم السابقة في كل ما فعلوا حذو القذة بالقذة ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع في ما رواه كلّ من :

أ ـ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة عن جعفر بن محمّد الصادق (ع) ، عن آبائه (ع) ، قال : قال رسول الله (ص) :

«كل ما كان في الامم السالفة فانّه يكون في هذه الامّة مثله ، حذو النعل

٣٠

بالنعل والقذّة بالقذّة» (١).

وروى الصدوق ـ أيضا ـ في كمال الدين عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله (ص) :

«والّذي بعثني بالحق نبيا وبشيرا لتركبنّ أمّتي سنن من كان قبلها حذو النعل بالنعل ، حتّى لو أنّ حيّة من بني إسرائيل دخلت في جحر لدخلت في هذه الامّة حيّة مثلها» (٢).

ب ـ قال ابن حجر في فتح الباري :

وفي حديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي بسند صحيح :

«لتركبنّ سنّة من كان قبلكم حلوها ومرّها» (٣).

__________________

(١) سلسلة رواة هذا الحديث من أئمّة أهل بيت النبيّ (ص) وهم جعفر الصادق (ت : ١٤٨ ه‍) عن أبيه محمّد الباقر (ت : ١١٤ ه‍) عن أبيه عليّ زين العابدين (ت : ٩٥ ه‍) عن أبيه الحسين سبط رسول الله (ص) (ت : ٦١ ه‍) عن أبيه عليّ بن أبي طالب (ع) (ت : ٤٠ ه‍) عن ابن عمّه رسول الله (ص).

قال ابن رستة في الأعلاق النفيسة ، ص ٢٢٩ :

«ليس في الأرض خمسة يكتب عنهم الحديث توالوا غير جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (رض)». والقذّة : ريش السهم.

(٢) كمال الدين للصدوق ، ط. الحيدري بطهران سنة ١٣٩٠ ه‍ ، ص ٥٧٦ ، ورواه عنه المجلسي في البحار ، ط. الكمباني ٨ / ٣ ، وأشار إليه كل من الطبري في مجمع البيان ، وكازر في جلاء الأذهان بتفسير آية (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ). وسلسلة رواة هذا الحديث من أئمة أهل بيت النبيّ (ص) : جعفر الصّادق عن أبيه محمّد الباقر عن جدّه الحسين سبط النّبيّ عن جدّه رسول الله (ص).

(٣) فتح الباري ١٧ / ٦٤. ـ

٣١

ج ـ أحمد في مسنده ومسلم والبخاري في صحيحيهما واللفظ للأخير ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ (ص) قال :

«لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم.

قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟

قال : فمن؟».

وفي رواية اخرى بمسند أحمد :

«لتتبعنّ سنن بني إسرائيل حتّى لو دخل رجل من بني إسرائيل جحر ضبّ لتبعتموه» (١).

__________________

ـ يروي هذا الحديث الشافعي عن عبد الله بن عمرو ، والشافعي هو : أبو عبد الله محمّد بن إدريس ابن العباس بن شافع المطلبي واختلفوا في امّه أهاشمية هي أم أزدية ، وعلى هذا فقول بعضهم له «ما رأيت هاشميا قط قدّم أبا بكر وعمر على عليّ (رض)» ، كما في طبقات الشافعية يكون تغليبا للهاشمي على المطّلبي الّذي هو من أولاد أخي هاشم.

مات بمصر سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة. تقريب التهذيب (٢ / ١٤٣).

وعبد الله بن عمرو بن العاص قرشي سهمي كان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة أسلم قبل أبيه ، قرأ القرآن والكتب المتقدمة وروى عن رسول الله (ص) سبعمائة حديث. شهد صفين مع أبيه ثمّ ندم وكان يقول : وددت أنّي متّ قبله بعشرين سنة. اختلفوا في وفاته وهل توفّي سنة ٦٣ أو ٦٥ بمصر أو ٦٧ بمكّة أو ٥٥ بالطائف أو ٦٨ وكذلك اختلفوا في مدّة عمره.

أسد الغابة (٣ / ٢٣٣ ـ ٢٣٥) وجوامع السيرة لابن حزم ، ص ٢٧٦.

(١) مسند الطيالسي ، الحديث ٢١٧٨ ؛ ومسند أحمد ٣ / ٨٤ و ٩٤ ؛ وصحيح مسلم بشرح النووي ، كتاب العلم ١٦ / ٢١٩ ؛ وفتح الباري بشرح صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب (قول النبيّ (ص) : لتتبعنّ سنن من كان قبلكم) ١٧ / ٦٣ و ٦٤ ؛ وصحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب (ما ذكر عن بني إسرائيل) ٢ / ١٧١ ؛ وكنز العمال ١١ / ١٢٣. ـ

٣٢

د ـ البخاري في صحيحه وابن ماجة في سننه وأحمد في مسنده والمتقي في كنز العمال واللفظ للأوّل ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ (ص) قال :

«لا تقوم الساعة حتّى تأخذ امّتي بأخذ القرون قبلها ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع».

فقيل : يا رسول الله! كفارس والروم!؟

فقال : «ومن الناس إلّا اولئك».

ولفظ أحمد في مسنده :

«والّذي نفسي بيده لتتبعن سنن الّذين من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا فباعا حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه».

قالوا : ومن هم يا رسول الله! أهل الكتاب؟

قال : فمن؟ (١).

ه ـ الترمذي في صحيحه ، والطيالسي وأحمد في مسنديهما والمتقي في كنز العمال واللفظ للأوّل :

في حديث أبي واقد الليثي ، عن النبيّ (ص) قال :

__________________

ـ ولفظته في رواية اخرى للبخاري «لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه». وأبو سعيد سعد بن مالك ابن سنان الأنصاري من بني خدرة عرضه أبوه على رسول الله (ص) يوم الخندق وهو ابن ثلاث عشرة وأخذ بيده وهو يقول : يا رسول الله (ص) انّه عبل العظام فردّه رسول الله (ص) وشهد غزوة بني المصطلق وهو من الرواة المكثرين ، روى عن رسول الله (ص) (١١٧٠ حديثا) وأخرجها جميع أصحاب الحديث وتوفّي سنة ٧٤ ه‍. أسد الغابة ، وجوامع السيرة ، ص ٢٧٦.

(١) صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب قول النبيّ (ص) «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم» ٤ / ١٧٦ ؛ وفتح الباري ١٧ / ٦٣ ؛ وسنن ابن ماجة ، الحديث ٣٩٩٤ ؛ ومسند أحمد ٢ / ٣٢٧ وفيها «فمه» تصحيف و ٢ / ٣٦٧ و ٤٥٠ و ٥١١ و ٥٢٧ ؛ وكنز العمال ١١ / ١٢٣.

٣٣

«والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنّة من كان قبلكم».

ولفظ أحمد في مسنده :

«لتركبنّ سنن من قبلكم سنّة سنّة» (١).

و ـ الترمذي في صحيحه والحاكم في مستدركه حسب ما رواه السيوطي في تفسيره واللفظ للأوّل ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله (ص) :

«ليأتين على أمّتي ما أتى على بني إسرائيل ؛ حذو النعل بالنعل حتى إن كان في بني إسرائيل من أتى أمّه علانية لكان في أمّتي من فعل ذلك» (٢).

ز ـ البزار في مسنده ـ كما في مجمع الزوائد ـ والحاكم في مستدركه كما في كنز العمال ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله (ص) :

«لتركبنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبّ لدخلتم ، حتى لو أنّ أحدهم جامع امّه لفعلتم» (٣).

__________________

(١) سنن الترمذي ٩ / ٢٧ و ٢٨ ؛ ومسند الطيالسي ، الحديث ١٣٤٦ ؛ ومسند أحمد ٥ / ٢١٨ ؛ وكنز العمال ١١ / ١٢٣ ، باب الأقوال من كتاب الفتن.

وأبو واقد الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة اختلفوا في اسمه وفي زمن اسلامه وهل حضر بدرا أم حضر الفتح أو لم يشهدهما وأسلم بعدهما ، روى عن رسول الله (ص) (٢٤ حديثا) وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ، جاور مكّة وتوفّي بها سنة ثمان وستين وله خمس وسبعون أو خمس وثمانون سنة.

أسد الغابة ٥ / ٣١٩ ، وجوامع السيرة ، ص ٢٨٢.

(٢) سنن الترمذي ١٠ / ١٠٩ ، أبواب الإيمان ؛ والدر المنثور للسيوطي ٤ / ٦٢ في تفسير الآية : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) من سورة آل عمران ، عن المستدرك للحاكم.

(٣) مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ ، رواه عن البزّار والحاكم ؛ وكنز العمال ١١ / ١٢٣ ، عن مستدرك الحاكم.

وعبد الله بن عباس روى عن رسول الله (١٦٦٠ حديثا) ، أخرج حديثه جميع أصحاب الحديث. جوامع السيرة ، ص ٢٧٦ ، وبقية ترجمته في عبد الله بن سبأ ١ / ١١٤.

٣٤

ح ـ أحمد في مسنده ومجمع الزوائد عن سهل بن سعد الأنصاري عن النبيّ (ص) قال :

«والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم مثلا بمثل».

وزاد الطبراني كما في مجمع الزوائد : «حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لا تبعتموه».

قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟

قال : فمن إلّا اليهود والنصارى؟ (١).

ط ـ الطبراني كما في مجمع الزوائد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (ص) :

«أنتم أشبه الامم ببني إسرائيل ، لتركبنّ طريقهم حذو القذّة بالقذة حتّى لا يكون فيهم شيء إلّا فيكم مثله ...» (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٣٤٠ ؛ ومجمع الزوائد ٧ / ٢٦١.

وسهل بن سعد بن مالك الأنصاري الساعدي كان له يوم توفّي رسول الله (ص) خمس عشرة سنة ، أدرك الحجّاج وأرسل إليه ثمّ أمر به فختم عنقه لأنّه لم ينصر عثمان ، روى عن رسول الله (ص) (١٨٨ حديثا) أخرج حديثه أصحاب الحديث جميعا ، توفّي سنة ثمان وثمانين أو إحدى وتسعين ، ويقال : انّه آخر من بقي من أصحاب رسول الله (ص) بالمدينة.

أسد الغابة (٢ / ٣٦٦) وجوامع السيرة (ص ٢٧٧) والتقريب (١ / ٣٣٦).

(٢) مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ عن الطبراني.

وأبو عبد الرّحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي من بني سعد بن هذيل وحليف بني زهرة من قريش ، أسلم قديما بمكّة ، قالوا كان أوّل من أجهر بالقرآن بها ، وهاجر إلى الحبشة والمدينة وشهد مشاهد رسول الله (ص) كلّها ، وروى عنه (٨٤٨ حديثا) وأخرج حديثه أصحاب الحديث جميعا وعينه الخليفة عمر معلما لأهل الكوفة وخازنا لبيت ما لهم ، وعلى عهد عثمان شكاه الوليد إلى الخليفة فجلبه إلى المدينة وأمر به فضرب به الأرض فدق ضلعه ، وحرمه عطاءه سنتين فلمّا مرض مرض الوفاة أراد أن يعطيه عطاءه فلم يقبل وأوصى ألّا يصلّي عليه عثمان وتوفّي سنة ٣٢ ه‍ ، ودفن ـ

٣٥

ي ـ الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد وكنز العمال عن المستورد بن شدّاد أنّ رسول الله (ص) قال :

«لا تترك هذه الامّة شيئا من سنن الأوّلين حتّى تأتيه» (١).

ك ـ أحمد في مسنده والطبراني كما في مجمع الزوائد عن شدّاد بن أوس عن حديث رسول الله (ص) :

«ليحملنّ شرار هذه الامّة على سنن الّذين خلوا من قبلهم أهل الكتاب حذو القذّة بالقذّة» وبترجمته في أسد الغابة (خلوا من قبلكم) (٢).

* * *

__________________

ـ بغير علم عثمان.

أسد الغابة ٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٨ ؛ وجوامع السيرة ، ص ٢٧٦ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٤٥٠ ؛ وكتابنا : أحاديث امّ المؤمنين عائشة ١ / ٦٢ ـ ٦٥.

(١) مجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ ؛ وكنز العمال ١١ / ١٢٣ عن الطبراني في الأوسط.

المستورد بن شداد بن عمرو القرشي الفهري وأمّه دعد اخت كرز بن جابر بن حسل كان غلاما حين قبض النبيّ (ص) وروى عنه سبعة أحاديث ، أخرج حديثه أصحاب الحديث والبخاري معلّقا ، سكن الكوفة ومصر وتوفّي سنة ٤٥ ه‍.

أسد الغابة ٤ / ٣٥٤ ؛ وجوامع السيرة ، ص ٢٨٧ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٢٤٢.

وستأتي ترجمته مفصّلة في فصل (خصائص المجتمع الإسلامي على عهد الخليفة عثمان).

(٢) مسند أحمد ٤ / ١٢٥ ؛ ومجمع الزوائد ٧ / ٢٦١ عن الطبراني ، وقاموس الكتاب المقدّس تأليف المستر ماكس الأمريكي ، المطبعة الأمريكية ببيروت سنة ١٩٠٧ م.

وشدّاد بن أوس ، ابن أخي حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي روى عن رسول الله (ص) خمسين حديثا وأخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح ، سكن بيت المقدس ، توفّي بالشام سنة ٤١ أو ٥٨ أو ٦٤.

أسد الغابة ٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ؛ وجوامع السيرة ، ص ٢٧٩ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٣٤٧ ، الترجمة رقم ٢٦.

٣٦

وجدنا في ما سبق أنّ الله سبحانه أخبر عن وقوع التحريف في الأمم السابقة وأخبر رسوله عن متابعة هذه الامّة للامم السابقة في كل ما فعلوه.

وإذا قارنّا بين ما وقع من التحريف في هذه الامّة وما وقع منه في الامم السابقة وجدنا أنّ التحريف قد وقع في الامم السابقة في الكتب السماوية كما أخبر الله سبحانه بذلك في قوله :

(قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً). (الأنعام / ٩١)

صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم في ما أخبرا عن تحريف الامم السابقة لكتب الله ومتابعة هذه الامّة الامم السابقة في تحريفها كتاب الله ، غير أنّ الله تبارك وتعالى حفظ كتابه العظيم ـ القرآن الكريم ـ عن كل ما فعلوه في تحريف القرآن كما حفظ خليله إبراهيم (ع) من الاحتراق بالنار الّتي ألقاه قومه فيها ، ومنع لهيب النار من الوصول إليه وإحراقه. كذلك حفظ الله القرآن من وصول التحريفات الّتي جاءت في الروايات من الوصول إلى نسخ القرآن الكريم. وبقيت نسخ القرآن محفوظة بمشيئة الله من تلكم التحريفات أبد الدهر. وسيأتي بيانه في البحوث الآتية بإذنه تعالى.

روايات تحريف القرآن الكريم ـ معاذ الله ـ وحفظ الله كتابه من التحريف

حرّف بعض أفراد هذه الامّة القرآن الكريم بالقراءات المختلفة ، فانّهم ـ مثلا ـ حرّفوا (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) بتسعة أنواع من التحريف كالآتي :

أ ـ غير المغضوب عليهم وغير الضّالّين.

ب ـ غير المغضوب عليهمي.

٣٧

ج ـ غير المغضوب عليهمو.

د ـ غير المغضوب عليهمو.

ه ـ غير المغضوب عليهم.

و ـ غير المغضوب عليهمي.

ز ـ غير المغضوب عليهم.

ح ـ غير المغضوب عليهم.

ط ـ غير المغضوب عليهم (١).

والصحيح غير المغضوب عليهم.

هكذا قام في هذه الامّة من سمّوا بالقرّاء بتحريف القرآن الكريم آلاف المرّات باسم القراءات المختلفة كما سندرسها إن شاء الله في بحث القراءات ، ولكن الله حفظ قرآنه الكريم كما وعد عن أن تناله أيدي المحرّفين وأبقى كتابه الكريم سالما عن كل ذلك التحريف بأيدي كلّ الناس ، والحمد لله على هذه النعمة العظيمة.

ولم يكن الشيخ النوري ، الوحيد ممّن شوّش فكره من تلك الأحاديث ، بل سبقه إلى ذلك علماء مدرسة الخلفاء ، وقالوا بالتحريف ولكنّهم بدّلوا اسم التحريف وسمّوه باسم النسخ والإنساء أو بأسماء اخرى وفق اجتهاداتهم ، كما سيأتي دراسته في بحث روايات السبعة أحرف ، وأخيرا نشر المستشرقون تلك الروايات وتلك القراءات بهدف التشكيك بثبوت النصّ القرآني ، كما سنذكر بعضها في آخر هذا المجلّد إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) راجع تفسير سورة الحمد من تفسير القرطبي ١ / ١٤٨ ـ ١٥١.

٣٨

البحث الثاني

روايات البسملة وتناقضها ومنشؤه

١ ـ ما يدلّ على أنّ البسملة آية من سور القرآن. ٢ ـ أنّ البسملة آية من سورة الحمد وقرأها النبيّ (ص) في الصلاة وأمر بها. ٣ ـ الجهر بالبسملة في الصلاة. ٤ ـ من قال : صلّيت خلف رسول الله (ص) فأجهر بالبسملة. ٥ ـ من قال صلّيت خلف بعض الخلفاء فأجهر بالبسملة. ٦ ـ لفظ (يفتتح القراءة بالبسملة ويستفتح) بمعنى يجهر بها. ٧ ـ أقوال الصحابة والتابعين والفقهاء في البسملة بالإضافة إلى كيفية قراءتهم إيّاها. ٨ ـ تواتر القول بجزئية البسملة من السورة. ٩ ـ إجماع مدرسة أهل البيت (ع) على وجوب قراءة البسملة في الصلاة. ١٠ ـ أفرد عدّة من العلماء كتبا في وجوب قراءة البسملة. ١١ ـ الروايات المناقضة لروايات وجوب قراءة البسملة. ١٢ ـ اختلاف الفقهاء بمدرسة الخلفاء في شأن قراءة البسملة. ١٣ ـ أسّ العلل في ما روي مناقضا لروايات وجوب قراءة البسملة. ١٤ ـ منشأ تناقض الروايات في البسملة. ١٥ ـ هل يتيسّر الرجوع إلى القرآن الكريم دون الحديث؟

٣٩
٤٠