القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

البحث الخامس

روايات «أنزل القرآن على سبعة أحرف»

و «على سبعة أوجه»

١٢١
١٢٢

أشار الشيخ النوري في الدليل العاشر من كتابه إلى روايات السبعة أحرف ، ونحن نخرجها أدناه بإيجاز من مصادرها بحوله تعالى :

في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنّسائي والترمذي وابن ماجة ومسند أحمد وتفسير الطبري وأسد الغابة بسندهم عن :

أ ـ الخليفة عمر بن الخطاب

أنّه قال :

سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (ص) ، فاستمعت لقراءته ، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (ص) ، فكدت اساوره في الصلاة ، فتصبرت حتّى سلّم فلببته بردائه ، فقلت من أقرأك هذه السورة الّتي سمعتك تقرأ؟

قال : أقرأنيها رسول الله (ص) ، فقلت : كذبت ، فإنّ رسول الله (ص) قد أقرأنيها على غير ما قرأت.

فانطلقت به أقوده إلى رسول الله (ص) ، فقلت : إنّي سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها.

فقال رسول الله (ص) : أرسله ، اقرأ يا هشام!

فقرأ عليه القراءة الّتي سمعته يقرأ ، فقال رسول الله (ص) : كذلك أنزلت.

ثمّ قال : اقرأ يا عمر! فقرأت القراءة الّتي أقرأني ، فقال رسول الله (ص) :

١٢٣

كذلك انزلت. إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا (١) ما تيسّر منه (٢).

وفي رواية بتفسير الطبري ما موجزها :

قرأ رجل عند عمر فغيّر عليه ، فقال : لقد قرأت على رسول الله (ص) ، فلم يغيّر عليّ ، فاختصما عند النبيّ (ص) ، فقال : يا رسول الله (ص)!

ألم تقرئني آية كذا وكذا؟

قال : بلى.

فوقع في صدر عمر شيء.

__________________

(١) هكذا في النص.

(٢) لفظ الحديث للبخاري في صحيحه ، كتاب فضل القرآن ، باب انزل القرآن على سبعة أحرف ٣ / ١٥١ ، وباب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة ٣ / ١٥٦.

وكتاب التوحيد باب قول الله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ٤ / ٢٠٤ ، وكتاب استتابة المرتدّين ، باب ما جاء في المتأولين ٤ / ١٣٢ ، وكتاب الخصومات ، باب كلام الخصوم بعضهم في بعض ٢ / ٤١.

ومسند الطيالسي ، ح ٤٠ ، ص ٩.

وصحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، الحديث ٢٧٠ و ٢٧١ ، ص ٥٦٠ و ٥٦١.

وسنن أبي داود ، كتاب الصّلاة ، باب انزل القرآن على سبعة أحرف ٢ / ٧٥.

وسنن النّسائي ، كتاب الافتتاح ، باب جامع ما جاء في القرآن ١ / ١٤٩.

وسنن الترمذي ، أبواب القراءات ، باب ما جاء : انزل القرآن على سبعة أحرف ١١ / ٦٢.

وتفسير الطبري ١ / ١٠.

ومسند أحمد ١ / ٢٤ و ٤٠ و ٤٢.

ولببته بردائه : أخذته بردائه من عنقه وجررته.

وهشام بن حكيم بن حزام القرشي الأسدي ، صحابي ابن صحابي. أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنّسائي. قيل استشهد بأجنادين. رووا عنه ستّة أحاديث. جوامع السيرة لابن حزم ، ص ٢٨٨ وترجمته في تقريب التهذيب وأسد الغابة.

١٢٤

فعرف النبيّ (ص) ذلك في وجهه ، قال : فضرب صدره وقال : أبعد شيطانا ، قالها ثلاثا.

ثمّ قال : يا عمر! إنّ القرآن كلّه صواب ، ما لم تجعل رحمة عذابا أو عذابا رحمة (١).

وفي رواية بعدها قال : انزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف (٢).

ب ـ امّ أيّوب

في مسند أحمد وتفسير الطبري : عن امّ أيّوب قالت : قال رسول الله (ص) : نزل القرآن على سبعة أحرف ، أيّها قرأت أجزاك.

وفي تفسير الطبري : أيّما قرأت أصبت (٣).

ج ـ عمرو بن العاص

في مسند أحمد قال : سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من القرآن ، فقال : من أقرأكها؟ قال : رسول الله (ص).

قال : فقد أقرأنيها رسول الله على غير هذا.

فذهبا إلى رسول الله (ص). فقال أحدهما : آية كذا وكذا ثمّ قرأها.

فقال رسول الله (ص) : هكذا انزلت.

__________________

(١) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ١ / ١٠ ـ ١١.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٤٣٣ و ٤٦٣ ؛ وتفسير الطبري ١ / ١١. وامّ أيّوب بنت قيس بن عمرو الخزرجي ، زوجة أبي أيّوب ، رووا عنها ثلاثة أحاديث. أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة ، ترجمتها في أسد الغابة ٥ / ٥٦٨ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٦١٩ ؛ وجوامع السيرة ، ص ٢٩٣.

١٢٥

فقال الآخر : يا رسول الله! فقرأها على رسول الله (ص) ، فقال : أليس هكذا يا رسول الله؟

قال : هكذا أنزلت؟

فقال رسول الله (ص) : إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فأيّ ذلك قرأتم فقد أحسنتم ، ولا تماروا فيه. فإنّ المراء فيه كفر أو آية الكفر (١).

د ـ أبو جهيم الأنصاري

في مسند أحمد ، قال أبو جهيم :

إنّ رجلين اختلفا في آية من القرآن ، فقال هذا : تلقيتها من رسول الله (ص).

وقال الآخر : تلقيتها من رسول الله (ص).

فسألا النبيّ (ص).

فقال : القرآن يقرأ على سبعة أحرف. فلا تماروا في القرآن ، فإنّ مراء (٢) في القرآن كفر (٣).

ه ـ ابيّ بن كعب

في صحيح مسلم وغيره واللفظ لمسلم قال :

كنت في المسجد فدخل رجل يصلّي ، فقرأ قراءة أنكرتها عليه ، ثمّ دخل

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٢٠٥ وفي ٢٠٤ منه بإيجاز.

(٢) هكذا في الأصل.

(٣) مسند أحمد ٤ / ١٦٩ ـ ١٧٠. وأبو جهيم بن عبد الله بن الصمة بن عمر الأنصاري. اختلفوا في اسمه واسم أبيه. ابن اخت ابيّ ابن كعب ، صحابي معروف بقي إلى خلافة معاوية ، أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح ، ترجمته في تقريب التهذيب ٢ / ٤٠٧.

١٢٦

آخر ، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه.

فلمّا قضينا الصلاة ، دخلنا جميعا على رسول الله (ص) ، فقلت : إنّ هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه.

فأمرهما رسول الله (ص) فقرءا ، فحسن النبيّ (ص) شأنهما ، فسقط في نفسي من التكذيب ، ولا إذ كنت في الجاهلية ، فلمّا رأى رسول الله (ص) ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا ، وكأنّما أنظر إلى الله عزوجل فرقا.

فقال لي : يا ابيّ! ارسل إليّ : أن اقرأ القرآن على حرف. فرددت إليه : أن هون على امّتي.

فردّ إليّ الثانية : اقرأه على حرفين. فرددت إليه : أن هون على امّتي.

فردّ إليّ الثالثة : اقرأه على سبعة أحرف (١).

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف. الحديث ٢٧٣ ، ص ٥٦١ وح : ٢٧٤ ، ص ٥٦٢ ـ ٥٦٣. فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ، معناه : وسوس لي الشيطان تكذيبا للنبوّة أشدّ ممّا كنت عليه في الجاهلية. لأنّه في الجاهلية كان غافلا أو متشككا. فوسوس لي الشيطان الجزم بالتكذيب.

قال القاضي عياض : معنى قوله : سقط في نفسي ، أنّه اعترته حيرة ودهشة.

قال : وقوله : ولا إذ كنت في الجاهلية ، معناه أنّ الشيطان نزغ في نفسه تكذيبا لم يعتقده. قال : وهذه الخواطر إذا لم يستمر عليها ، لا يؤاخذ بها.

قال القاضي : قال المازريّ : معنى هذا أنّه وقع في نفس ابيّ بن كعب نزغة من الشيطان غير مستقرة ثمّ زالت في الحال ، حين ضربه النبيّ (ص) بيده في صدره ففاض عرقا. و (ضرب في صدري ففضت عرقا) قال القاضي : ضربه (ص) في صدره تثبيتا له حين رآه قد غشيه ذلك الخاطر المذموم قال : ويقال : فضت عرقا وفصت. بالضاد المعجمة والصاد المهملة. قال وروايتنا هنا بالمعجمة. قال النوويّ : وكذا هو في معظم اصول بلادنا. وفي بعضها بالمهملة. ـ

١٢٧

وفي لفظ الطبري :

فأمرني أن أقرأ على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنّة كلّها شاف (١).

وفي رواية اخرى ، قال :

ما حاك في صدري منذ أسلمت إلّا أنّي قرأت آية ، وقرأها آخر غير قراءتي ، فقلت : أقرأنيها رسول الله (ص).

وقال الآخر : أقرأنيها رسول الله (ص). فأتيت النبيّ (ص) ، فقلت يا نبيّ الله! أقرأتني آية كذا وكذا؟

قال : نعم.

وقال الآخر : ألم تقرئني آية كذا وكذا؟

قال : نعم ، إنّ جبريل وميكائيل (ع) أتياني ، فقعد جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري ، فقال جبريل (ع) : اقرأ القرآن على حرف.

فقال ميكائيل : استزده استزده حتّى بلغ سبعة أحرف ، فكلّ حرف شاف كاف (٢).

وفي رواية اخرى ، بسنن أبي داود :

__________________

ـ رجعنا في شرح الحديث إلى نسخة تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، ص ٥٦٢ ، الهامش (١) و (٢). وصحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب انزل القرآن على سبعة أحرف ٣٠ / ١٥١ ، وكتاب بدء الخلق ، باب ذكر الملائكة ٢ / ١٤٢.

وسنن النّسائي ١ / ١٥٠.

ومسند أحمد ١ / ٢٦٤ و ٢٩٩ و ٣١٣ ، و ٥ / ٤١ و ١١٤ و ١٢٤ و ١٢٥ و ١٢٧ ـ ١٢٩.

(١) تفسير الطبري ١ / ١٢ ـ ١٣.

وسنن النّسائي ١ / ١٥٠ ؛ ومسند ٥ / ١٢٢ ، وقريب منه في ٥ / ١٢٧.

(٢) نفس المصدر السابق.

١٢٨

ليس منها إلّا شاف وكاف. إن قلت : سميعا عليما ، عزيزا حكيما ، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب (١).

وفي رواية اخرى بسنن النّسائي :

قال رسول الله (ص) لكلّ منهما حين قرأ ما يخالف الآخر : أحسنت (٢).

وفي رواية اخرى عند الطبري :

فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنّة ، كلّها شاف كاف (٣).

وفي لفظ رواية اخرى عنده :

فقرأت النحل ، ثمّ جاء رجل آخر ، فقرأها على غير قراءتي ، ثمّ دخل رجل آخر ، فقرأ بخلاف قراءتنا. فدخل في نفسي من الشكّ والتكذيب أشدّ ممّا كان في الجاهلية ، فأخذت بأيديهما ، فأتيت بهما النبيّ (ص) ، فقلت : يا رسول الله (ص)! استقرئ هذين.

فقرأ أحدهما.

فقال : أصبت.

ثمّ استقرأ الآخر ، فقال : أصبت.

فدخل قلبي أشدّ ممّا كان في الجاهلية من الشكّ والتكذيب ، فضرب رسول الله (ص) صدري ، وقال : أعاذك الله من الشكّ وأخسأ عنك الشيطان ... الحديث (٤).

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ / ٧٦ ، الحديث ١٤٤٧ و ١٤٤٨.

(٢) سنن النّسائي ١ / ١٥٠.

(٣) تفسير الطبري ١ / ١٣.

(٤) نفس المصدر السابق.

١٢٩

وفي رواية اخرى عنده :

فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنّة ، كلّها شاف كاف (١).

وفي مسند أحمد ، قال ابيّ :

قرأت آية ، وقرأ ابن مسعود خلافها. فأتيت النبيّ (ص) ، فقلت : ألم تقرئني آية كذا وكذا؟

قال : بلى.

فقال ابن مسعود : ألم تقرئنيها كذا وكذا؟

فقال : بلى ، كلا كما محسن مجمل.

قال : فقلت له (٢) فضرب صدري ، فقال : يا ابيّ بن كعب! إنّي قرأت القرآن ، فقيل لي : على حرف أو على حرفين ، قال : فقال الملك الّذي معي : على حرفين. فقلت : على حرفين؟ فقال على حرفين أو ثلاثة ـ واستمرّت المحاورة ـ حتّى بلغ سبعة أحرف ، ليس منها إلّا شاف كاف.

إن قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : سميعا عليما ، أو : عليما سميعا ، فالله كذلك ، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب (٣).

وفي رواية اخرى :

إنّ امّتك يقرءون القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منهم على حرف ، فليقرأ كما علّم ولا يرجع عنه ... فلا يتحوّل منه إلى غيره رغبة عنه (٤).

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) هكذا النصّ.

(٣) مسند أحمد ٥ / ١٢٤.

(٤) مسند أحمد ٥ / ٣٨٥.

١٣٠

ورووا عن لسان ابيّ محاورة الرسول (ص) مع جبريل كالآتي :

في صحيح مسلم وغيره واللفظ لمسلم ، قال أبيّ :

أتى جبريل رسول الله (ص) عند إضاءة بني غفار ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تقرئ امّتك القرآن على حرف.

فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ امّتي لا تطيق ذلك.

ثمّ أتاه الثانية ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تقرئ امّتك القرآن على حرفين.

فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ أمّتي لا تطيق ذلك.

ثمّ جاءه الثالثة ، فقال : إنّ الله يأمرك أنّ تقرئ امّتك القرآن على ثلاثة أحرف.

فقال : أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإنّ امّتي لا تطيق ذلك.

ثمّ جاءه الرابعة ، فقال : إنّ الله يأمرك أن تقرئ امّتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيّما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا (١).

وفي رواية اخرى قال ابيّ :

لقي رسول الله (ص) جبريل عند أحجار المراء ، فقال : يا جبريل! إنّي بعثت إلى امّة امّيين ، منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الّذي لم يقرأ كتابا قط ، قال : يا محمّد! إنّ القرآن انزل على سبعة أحرف (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافرين ، الحديث ٢٧٤ ؛ والنّسائي ١ / ١٥٠ ؛ ومسند أحمد ٥ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ؛ ومسند الطيالسي ، ح ٥٥٨٠ ، ص ٧٦. وإضاءة بني غفار ، الإضاءة ـ بفتح الهمزة وتخفيف الضاد بوزن حصاة ـ هو الغدير.

(٢) سنن الترمذي ١١ / ٦٣ ؛ ومسند الطيالسي ، ح ٥٤٣ ، ص ٧٣ عن ابيّ بن كعب ؛ ومسند أحمد ٥ / ١٣٢ ؛ وتفسير الطبري ١ / ١٢. واللفظ لمسند أحمد. وأحجار المراء لم أجد ترجمتها في البلدانيات.

١٣١

وروى أحمد هذه الرواية عن حذيفة ـ أيضا ـ (١).

و ـ أبو بكرة

وفي مسند أحمد وتفسير الطبري ، واللفظ للأوّل :

عن أبي بكرة :

إنّ جبريل (ع) قال : يا محمد! اقرأ القرآن على حرف.

قال ميكائيل : استزده ، حتّى بلغ سبعة أحرف ، قال : كلّ شاف كاف ، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، وآية رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلمّ ، واذهب وأسرع وعجّل.

وفي لفظ الطبري ، كقولك : هلمّ وتعال (٢).

ز ـ أبو هريرة

في مسند أحمد وتفسير الطبري : قال أبو هريرة ، قال رسول الله (ص) :

أنزل القرآن على سبعة أحرف : عليما حكيما ، غفورا رحيما (٣).

وفي رواية :

عليم حكيم ، غفور رحيم (٤).

وفي رواية :

قال أبو هريرة : إنّ رسول الله (ص) قال :

إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ولا حرج ، ولكن لا تختموا

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ٤٠٠ و ٤٠٥.

(٢) مسند أحمد ٥ / ٤١ و ٥٠ ؛ وتفسير الطبري ١ / ١٤.

(٣) مسند أحمد ٢ / ٣٣٢ ؛ وتفسير الطبري ١ / ٩.

(٤) مسند أحمد ٢ / ٤٤٠.

١٣٢

ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة (١).

ح ـ عبد الله بن مسعود

في صحيح البخاري ، قال ابن مسعود :

سمعت رجلا قرأ آية ، سمعت من النبيّ (ص) خلافها ، فأخذت بيده ، فأتيت به رسول الله (ص) ، فقال : كلاكما محسن. لا تختلفوا ، إنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا (٢).

وفي مسند أحمد :

سمعت رجلا يقرأ الأحقاف ، فقرأ وقرأ رجل آخر حرفا لم يقرأه صاحبه ، وقرأت أحرفا لم يقرأها صاحباي ، فانطلقنا إلى النبيّ (ص) فأخبرناه ، فقال : لا تختلفوا فإنّما هلك من كان قبلكم باختلافهم ، ثمّ قال : انظروا أقرأكم ، فخذوا بقراءته (٣).

وفي مستدرك الحاكم وتلخيصه :

قال عبد الله :

أقرأني رسول الله (ص) سورة (حم) ، ورحت إلى المسجد عشية فجلس إليّ رهط ، فقلت لرجل من الرهط : اقرأ عليّ ، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرأها ، فقلت له : من أقرأكها؟

قال : أقرأني رسول الله (ص).

__________________

(١) تفسير الطبري ١ / ١٥.

(٢) البخاري ، كتاب الخصومات ، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود ، ٢ / ٤٠ ؛ ومسند أحمد ١ / ٤١١ و ٤٢٤ ، واللفظ للأوّل.

(٣) مسند أحمد ١ / ٤٠١.

١٣٣

فانطلقنا إلى رسول الله (ص) وإذا عنده رجل ، فقلت له : اختلفنا في قراءتنا ، فإذا وجه رسول الله (ص) قد تغيّر ووجد في نفسه حين ذكرت له الاختلاف ، فقال : إنّما أهلك من قبلكم الاختلاف.

ثمّ أسرّ إلى عليّ ، فقال عليّ : إنّ رسول الله (ص) يأمركم أن يقرأ كلّ رجل منكم كما علّم.

فانطلقنا وكلّ رجل منا يقرأ حروفا لا يقرؤها (١) صاحبه (٢).

وفي تفسير الطبري ومسند أحمد ، قالا ما موجزه :

لمّا خرج ابن مسعود من الكوفة ، اجتمع إليه أصحابه فودّعهم ، ثمّ قال : لا تنازعوا في القرآن ، فإنّه لا يختلف ... وإنّ شريعة الإسلام وحدوده وفرائضه فيه واحدة ، ولو كان شيء من الحرفين ينهى عن شيء يأمر به الآخر كان ذلك الاختلاف ... ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله (ص) فيأمرنا ، فنقرأ عليه ، فيخبرنا أنّ كلّنا محسن ... ، ولقد قرأت من لسان رسول الله (ص) سبعين سورة. وكان يعرض عليه القرآن في كلّ رمضان. وعرض عليه في عام قبض مرّتين ، فكان إذا فرغ أقرأ عليه ، فيخبرني أنّي محسن ، فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنّها رغبة عنها ، ومن قرأ شيئا من هذه الحروف فلا يدعنّه رغبة عنه ، فمن جحد بآية جحد به كلّه (٣).

وفي رواية بمسند أحمد ، قال :

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) مستدرك الحاكم وتلخيصه ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤. وقد صحّح الحديث الحاكم والذهبي كلاهما.

(٣) تفسير الطبري ١ / ١١ ؛ ومسند أحمد ١ / ٤٢١ باختصار. وقد أوجزت لفظ الحديث عند الطبري.

١٣٤

... إنّ هذا القرآن أنزل على حروف ، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشدّ ما اختصما في شيء قطّ. فإذا قال القارئ : هذا أقرأني ، قال : أحسنت ، وإذا قال الآخر ، قال : كلاكما محسن ... فمن قرأه على حرف فلا يدعه رغبة عنه ، ومن قرأه على شيء من تلك الحروف الّتي علم رسول الله (ص) ، فلا يدعه رغبة عنه ، فانّه من يجحد بآية منه يجحد به كلّه ، فإنّما هو كقول أحدكم لصاحبه : أعجل وحيّ هلا ... وإنّي عرضت في العام الّذي قبض فيه مرّتين ، فأنبأني أنّي محسن ، وقد قرأت من في رسول الله سبعين سورة (١).

خلاصة محتوى الروايات :

نجد في الروايات الآنفة :

إنّ هشام بن حكيم قرأ سورة الفرقان على حروف تخالف قراءة عمر بن الخطاب.

وأنّ ابن مسعود واثنين آخرين اختلفت قراءاتهم لسورة الأحقاف.

وفي رواية : في سورة (حم).

وأنّ تبيّا اختلفت قراءته مع ابن مسعود في آيات من القرآن.

وأنّه ـ أيضا ـ اختلفت قراءته مع قراءتين لرجلين آخرين في سورة النّحل.

وأنّ عمرو بن العاص اختلفت قراءته لآية مع قراءة رجل آخر.

وأنّهم جميعا تحاكموا إلى الرسول (ص) ، وأنّه استقرأ كلّ واحد منهم على حدة ، وقال لكلّ واحد حين قرأ ما يخالف الآخر : أحسنت أو أصبت ، هكذا نزلت السورة أو الآية.

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٤٠٥.

١٣٥

وأنّه وقع في صدر عمر شيء من ذلك ، فضرب الرسول (ص) صدره ، وقال ثلاثا : أبعد شيطانا!

وأنّه دخل في نفس ابيّ من الشكّ والتكذيب للنبوّة أشدّ ممّا كان في الجاهلية ، وأنّ الرسول ضرب صدره ـ أيضا ـ وقال له : أعاذك الله من الشّكّ وأخسأ عنك الشيطان.

ورووا في بيان ذلك :

أنّ جبريل قعد عن يمين الرسول (ص) وميكائيل عن يساره ، فقال له جبريل : اقرأ القرآن على حرف ، فقال له ميكائيل : استزده ، استزده حتّى بلغ سبعة أحرف ، كلّها شاف كاف.

وفي رواية :

لقي رسول الله (ص) جبريل عند أحجار المراء ، فقال : يا جبريل! إنّي بعثت إلى امّة أمّيين ، منهم العجوز والشيخ الكبير و... والرجل الّذي لم يقرأ كتابا قط ، فقال : يا محمّد! إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

وفي رواية :

أنّ جبريل أتى رسول الله (ص) في اضاءة بني غفار ، وقال له : إنّ الله يأمرك أن تقرئ امّتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيّما حرف قرءوا عليه ، فقد أصابوا.

وفي رواية أنّ جبريل قال لرسول الله (ص) :

إنّ امّتك يقرءون على سبعة أحرف ، فمن قرأ منهم على حرف ، فليقرأ كما علم ولا يرجع عنه ... فلا يتحول عنه إلى غيره رغبة عنه.

وفي رواية : أنّ الرسول (ص) قال :

١٣٦

انزل القرآن على سبعة أحرف ، من سبعة أبواب الجنّة ، كلّها شاف ، فاقرءوا ما تيسر منه ، وأيّ ذلك قرأتم فقد أحسنتم ، فقد أصبتم.

وقال : أيّ حرف قرءوا أصابوا.

وقال لبعضهم : أيّ حرف قرأت أجزأك ، وأيّما قرأت أصبت ، ليس منها إلّا شاف كاف ، إن قلت سميعا عليما ، عزيزا حكيما ، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب.

وفي رواية ، قال :

ان قلت : غفورا رحيما ، أو سميعا عليما ، أو عليما سميعا ، فالله كذلك ، ما لم تختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل وهلمّ ، واذهب وأسرع وعجّل.

وفي رواية أبي هريرة :

انزل القرآن على سبعة أحرف : عليما حكيما ، غفورا رحيما.

وفي رواية الصحابيين عمرو بن العاص وأبي جهيم واللفظ للأوّل :

أنّ الرسول (ص) قال :

ولا تماروا فيه ، فإنّ المراء فيه كفر أو آية الكفر.

وفي رواية ابن مسعود :

أنّ الرسول أقرأه سورة (حم) وسمع رجلا في المسجد يقرأ حروفا لا يقرأها ، فانطلقا إلى رسول الله (ص) ، وقال ابن مسعود للرسول (ص) : اختلفنا في قراءتنا ، فتغيّر وجهه ، ووجد في نفسه ، وقال : أهلك من قبلكم الاختلاف.

وأسرّ إلى عليّ ، فقال عليّ : إنّ الرسول يأمركم أن يقرأ كلّ رجل منكم كما علّم ، فانطلقا وكلّ واحد منهم يقرأ حروفا لا يقرأها صاحبه.

١٣٧

وفي رواية ، قال ابن مسعود :

من قرأ على شيء من تلك الحروف الّتي علّم رسول الله (ص) فلا يدعه رغبة عنه ، فإنّ من يجحد بآية منه جحد به كلّه. فإنّما هو كقول أحدكم لصاحبه : أعجل وحيّ هلا.

مغزى هذه الروايات :

إنّ هؤلاء الرواة قالوا : لك أن تبدّل كلام الله بكلامك لو شئت بمحض رغبتك! لا حرج عليك في ذلك! لأنّ الله ورسوله قد أذنا للنّاس ، كلّ النّاس أن يحرّفوا القرآن كلّ القرآن ، على أن يحتفظوا بأمرين :

١ ـ ألّا يزيد عدد التحريف في الكلمة الواحدة على سبعة أنواع من التحريف!

٢ ـ ألّا يتبدّل بالتحريف آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ، وألّا يتبدّل الحلال بالحرام ولا الحرام بالحلال! وهنا يرد سؤال ، وهو :

هل تجرّأ أحد من المسلمين على ذلك وفعله!؟

هذا ما سنفهمه ـ إن شاء الله ـ في بحث القراءات.

والّذي ينبغي أن نقوله هنا :

إنّه لم يسمع عن كاتب أو شاعر من البشر في غابر الدهر ولا حاضره أن يكون قد سمح للناس كلّ الناس أن يغيّروا من لفظه ما شاءوا كما شاءوا بشرط أن يحافظوا ـ مثلا ـ على المدح كي لا يتبدّل بالذمّ وعلى الذمّ كي لا يتبدّل بالمدح ، بل الّذي شاهدناه في عصرنا أنّهم يحاسبون أصحاب المطابع عن الخطأ في نسخ كلمة بدل اخرى إلّا أن يكون الكاتب أو الشاعر خرفا لا يعي ما يقول

١٣٨

وما يصنع مع قوله.

هكذا شأن البشر في ما يخصّ انتاجهم شعرا كان أو نثرا موزونا كان النثر أو غير موزون.

أما شأن كلام الله : القرآن فهو موزون في جميع جوانبه :

موزون في إيراد المعاني في السور!

موزون في التعبير اللفظي في الآيات!

موزون في إيراد الكلمة في الجمل!

موزون في إيراد الحروف في كلّ ذلك!

ويفسد كلّ تلك الأوزان تبديل كلمة واحدة منها بغيرها.

هكذا شأن القرآن كلام الله المجيد ، بل إنّ شأنه أعظم من هذا وأعظم.

وأمّا شأن تلكم الروايات المصرّحة أنّ الله قد رضي بأن يبدل البشر كلامه ، وأنّ رسوله بلّغ أصحابه بذلك ، فسندرسه ـ بإذنه تعالى ـ بعد إيراد أقوال العلماء في توجيه تلكم الروايات في ما يأتي :

١٣٩

أربعون اجتهادا خاطئا في توجيه الأحرف السبعة والأوجه السبعة

أدرك علماء مدرسة الخلفاء عظم الكارثة على المسلمين في روايات الإنساء ، والسبعة أحرف والسبعة أوجه. فاجتهدوا وعالجوا روايات الإنساء بالقول بالنسخ. وأخطئوا ، كما سنبيّنه في ما سيأتي بحوله تعالى. واجتهدوا أيضا وعالجوا روايات السبعة أحرف بأقوال كثيرة ، بلغت في عصر ابن حبّان (ت : ٣٥٤ ه‍) خمسة وثلاثين اجتهادا خاطئا ، حيث قال :

«اختلف الناس فيها على خمسة وثلاثين قولا» (١).

وبلغت في عصر ابن حجر (ت : ٨٥٢ ه‍) على نحو أربعين قولا.

وبعد أن أورد معظمها ، قال : (ومنها أشياء لا أفهم معناها) (٢).

وكان كلّ واحد من اولئك العلماء يردّ قول الآخر واجتهاده. ونحن نرجع في ما يأتي إلى الطبري إمام المفسّرين بمدرسة الخلفاء ، وندرس أهمّ ما نقل من اجتهاداتهم في الباب وأشهرها ، بإذن الله تعالى.

النوع الأوّل :

قولهم : بأنّ المقصود من السبعة أحرف : سبعة أوجه

اجتهد بعض العلماء ، وحاول أن يجمع بين روايات السبعة الأحرف

__________________

(١) راجع البرهان في علوم القرآن للزركشي ١ / ٢١٢ ، النوع الحادي عشر : معرفة كم نوع ؛ والإتقان ١ / ٥٠.

(٢) راجع الإتقان ١ / ٤٧ ـ ٥١ ، المسألة في الأحرف السبعة.

١٤٠