القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ٢

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5841-73-9
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٨١٤

وفي الإتقان عن الطبراني ما ملخّصه قال : (إنّه روى عن عبد الله بن زرير ، قال : لقد علّمني عليّ بن أبي طالب سورتين علّمهما إيّاه رسول الله (ص) : [... اللهمّ إنّا نستعينك ...]) الحديث.

وروى عن البيهقي وأبي داود عن خالد بن أبي عمران : (أنّ جبريل نزل بذلك على النبيّ وهو في الصلاة ...) الحديث.

وقال وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي إسحاق قال : (أمّنا اميّة ابن عبد الله بن خالد بن اسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين : [إنّا نستعينك] و [نستغفرك](١) ، أي : أنّ اميّة كان يقرأ في الصلاة سورتي الحفد والخلع اللّتين

__________________

ـ وعبد الله بن عبد الرّحمن ، مرّت ترجمته في البحث الثاني من هذا الكتاب ، الهامش رقم ١ ، ص ٥٠. وابنه عبد الله من التابعين. أخرج حديثه أبو داود والنّسائي والبخاري معلقا.

تهذيب التهذيب ٥ / ٢٩٠ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٤٢٧.

(١) الإتقان ١ / ٦٧ ، النوع التاسع عشر ، باب (عدد سوره وآياته ...).

والطبراني ، أبو القاسم ، سليمان بن أحمد اللخمي الشامي ، من كبار المحدثين ، أصله من طبرية الشام. له المعاجم الثلاثة : الكبير والصغير والأوسط في الحديث وكتاب التفسير وغيرها (ت : ٣٦٠ ه‍).

ترجمته في وفيات الأعيان ٢ / ١٤١ ، الترجمة : ٢٦٠ ؛ تذكرة الحفاظ ، ص ٩١٢ ؛ تهذيب ابن عساكر ٦ / ٢٤٠ ؛ هدية العارفين ١ / ٣٩٦.

عبد الله بن زرير الغافقي المصري ، من كبار التابعين ، أخرج حديثه أبو داود والنّسائي وابن ماجة (ت : ٨٠ ه‍) أو ما بعدها. تقريب التهذيب ١ / ٤١٥.

خالد بن أبي عمران التجيبي ، فقيه ، صدوق ، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي (ت : ١٢٥ أو ١٢٩ ه‍).

تقريب التهذيب ١ / ٢١٧.

والتجيبي نسبة إلى محلة بمصر وإلى امّ عدي وإلى سعد بن أشرس السكوني ، لباب الأنساب ، مادّة تجيب. ـ

١٠١

فيهما : [إنّا نستعينك ونستغفرك]).

كما جاء التصريح بهذه التسمية في الأحاديث الآتية :

في تفسير الفاتحة من الدرّ المنثور :

(أخرج عبد بن حميد ومحمّد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة ، وابن الأنباري في المصاحف عن محمّد بن سيرين ، أنّ ابيّ بن كعب كان يكتب (فاتحة الكتاب) و (المعوذتين) و [اللهمّ إيّاك نعبد] و [اللهمّ إيّاك نستعين]. ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهنّ. وكتب عثمان بن عفان الفاتحة والمعوذتين (١). يعني أنّ ابيّ

__________________

ـ واميّة بن عبد الله بن خالد بن اسيد بن أبي العيص اميّة بن عبد شمس ولّاه الخليفة عبد الملك خراسان. أخرج حديثه النّسائي وابن ماجة (ت : ١٨٣ ه‍).

راجع جمهرة النسب لابن الكلبي ، تحقيق وخط فردوس العظم ، الطبعة الثانية ١ / ٣٨. وتقريب التهذيب ١ / ٨٣.

وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق ، عبسي ، مولى بني بنانة من بني سعد بن لؤي ، نزيل مرو.

أخرج حديثه الترمذي وأبو داود (ت : ٢١٥ ه‍).

تهذيب التهذيب ١ / ١٠٣ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ٣١.

(١) الدرّ المنثور ١ / ٣ ؛ ونقله في الإتقان ١ / ٦٧ عن أبي عبيد.

وعبد بن حميد بن نصر الكسيّ ، وقيل اسمه عبد الحميد ، صاحب المسند والتفسير. أحد أئمّة الحديث (ت : ٢٤٩ ه‍). نسب إلى مدينة كس بأرض السند. معجم البلدان ، مادّة : (كس) ؛ تذكرة الحفاظ ، ص ٥٣٤ ؛ وفي هدية العارفين ١ / ٤٣٧ (الكشي).

ومحمّد بن نصر ، أبو عبد الله المروزي ، الفقيه الشافعي ، له تصانيف كثيرة ، منها : تعظيم الصلاة.

هدية العارفين ٢ / ٢١.

وابن الأنباري ، الحافظ العلّامة محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشّار ، شيخ الأدب. صنّف التصانيف الكثيرة في القراءات والغريب والمشكل والتفسير ، منها المصاحف (ت : ٣٢٨ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ٨٤٢ ـ ٨٤٤. والعبر ٢ / ٢١٤. ومادّة المصاحف في كشف الظنون.

وابن سيرين ، أبو بكر محمّد بن سيرين البصري الأنصاري ولاء ، ثقة ، ثبت ، كان لا يرى ـ

١٠٢

ابن كعب كان يكتب في مصحفه الفاتحة والمعوذتين والسورتين المزعومتين : الحفد والخلع وأنّ ابن مسعود لم يكتب الفاتحة والمعوذتين في مصحفه وأنّ عثمان كتب في المصحف الفاتحة والمعوذتين).

ونقل الزركشي عن المنادي في (الناسخ والمنسوخ) أنّه قال : ولا خلاف بين الماضين والغابرين أنّهما مكتوبتان في المصاحف المنسوبة إلى ابيّ بن كعب. وأنّه ذكر عن النبيّ (ص) أنّه أقرأه إيّاهما ، وسميتا سورتي الخلع والحفد (١).

تسجيل السورتين المزعومتين في عداد السور القرآنية

إنّ كثرة الأحاديث المروية في شأن السورتين المزعومتين أدّت بالسيوطي إلى أن يدونهما في تفسيره الدرّ المنثور بعد سورة الناس ٦ / ٤٢٠ ـ ٤٢٢ ، كالآتي تصويره :

__________________

ـ الرواية بالمعنى. أخرج حديثه أصحاب الصحاح والمسانيد (ت : ١١٠ ه‍). تذكرة الحفاظ للذهبي ، ص ٧٧ ـ ٧٩ ، وعدّه من الثالثة ؛ تقريب التهذيب ٢ / ١٦٩ ؛ هدية العارفين ٢ / ٧. وابن مسعود (ت : ٣٥ ه‍) ، عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي ، من السابقين الأوّلين من الصحابة. رووا عنه ٨٤٨ حديثا. (ت : ٣٢ ه‍) أو الّتي بعدها. جوامع السيرة ، ص ٢٧٦ ؛ تقريب التهذيب ١ / ٤٥٠. وعثمان بن عفان الأموي ، ثالث الخلفاء. رووا عنه (١٤٦) حديثا. جوامع السيرة ، ص ٢٧٧ ؛ تقريب التهذيب ٢ / ١٢.

(١) البرهان في علوم القرآن ٢ / ٣٧. والمنادي أو ابن المنادي هو الحافظ أبو الحسين أحمد بن جعفر ، من كبار القرّاء. من تآليفه : الناسخ والمنسوخ (ت : ٣٣٤ أو ٣٣٦ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ٨٤٩ ؛ وكشف الظنون ٢ / ١٩٢١ في مادّة الناسخ والمنسوخ.

١٠٣

(ذكر ما ورد فى سورة الخلع وسورة الحفد)

قال ابن الضريس فى فضائله أخبرنا موسى بن إسماعيل أنبانا حماد قال قرأنا فى مصحف أبى بن كعب اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك قال حماد هذه الآن سورة واحسبه قال اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نخشى عذابك وترجو رحمتك ان عذابك بالكفار ملحق* وأخرج ابن الضريس عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه قال صليت خلف عمر بن الخطاب فلما فرغ من السورة الثانية قال اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك بالكفار ملحق وفى مصحف ابن عباس قراءة أبى وأبى موسى بسم الله الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك وفى مصحف حجر اللهم انا نستعينك وفى مصحف ابن عباس قراءة أبى وأبى موسى اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نخشى عذابك وترجو رحمتك ان عذابك بالكفار ملحق* وأخرج أبو الحسن القطان فى المطوّلات عن أبان بن أبى عياش قال سألت أنس بن مالك عن الكلام فى القنوت فقال اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد ترجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّان عذابك بالكفار ملحق قال أنس والله ان أنزلتا الا من السماء* وأخرج محمد بن نصر والطحاوى عن ابن عباس ان عمر بن الخطاب كان يقنت بالسورتين اللهم اياك نعبد واللهم انا نستعينك* وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبزى قال قنت عمر رضى الله عنه بالسورتين* وأخرج محمد بن نصر عن عبد الرحمن بن أبى ليلى ان عمر قنت بهاتين السورتين اللهم انا نستعينك واللهم اياك نعبد* وأخرج البيهقى عن خالد بن أبى عمران قال بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدعو على مضر اذ جاءه جبريل فاومأ اليه ان اسكت فسكت فقال يا محمد ان الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا وانما بعثك رحمة للعالمين ولم يبعثك عذابا ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون ثم علمه هذا القنوت اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخضع لك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد ترجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك الجد بالكفار ملحق* وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف ومحمد بن نصر والبيهقى فى سننه عن عبيد بن عميران عمر بن الخطاب قنت بعد الركوع فقال بسم الله الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد ولك نسفى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك بالكفار ملحق وزعم عبيد أنه بلغه انهما سورتان من القرآن فى مصحف ابن مسعود* وأخرج ابن أبى شيبة عن عبد الملك بن سويد الكاهلى ان عليا قنت فى الفجر بهاتين السورتين اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك بالكفار ملحق* وأخرج ابن أبى شيبة ومحمد بن نصر عن ميمون بن مهران قال فى قراءة أبى بن كعب اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك بالكفار ملحق* وأخرج محمد بن نصر عن ابن إسحاق قال قرأت فى مصحف أبى بن كعب بالكتاب الاول العتيق بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق الى آخرها بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس الى آخرها بسم

١٠٤

الله الرحمن الرحيم اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك ان عذابك بالكفار ملحق بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لا تنزع ما تعطى ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وغفرانك وحنانيك اله الحق* وأخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبى حبيب قال بعث عبد العزيز بن مروان الى عبد الله بن رزين الغافقى فقال له والله انى لاراك جافيا ما أراك تقرأ القرآن قال بلى والله انى لأقرأ القرآن وأقرأ منه ما لا تقرأ به فقال له عبد العزيز وما الذى لا أقرأ به من القرآن قال القنوت حدثنى على بن أبى طالب انه من القرآن* وأخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال كان أبو عبد الرحمن يقرئنا اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثنى عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلى ونسجد واليك نسعى ونحفد ترجو رحمتك ونخشى عذابك الجدان عذابك بالكفار ملحق وزعم أبو عبد الرّحمن ان ابن مسعود كان يقرئهم اياها ويزعم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرئهم اياها* وأخرج محمد بن نصر عن الشعبى قال قرأت أو حدثنى من قرأ فى بعض مصاحف أبى بن كعب هاتين السورتين اللهم انا نستعينك والاخرى بينهما بسم الله الرحمن الرحيم قبلهما سورتان من المفصل وبعدهما سور من المفصل* وأخرج محمد بن نصر عن سفيان قال كانوا يستحبون أن يجعلوا فى قنوت الوتر هاتين السورتين اللهم انا نستعينك واللهم اياك نعبد* وأخرج محمد ابن نصر عن إبراهيم قال يقرأ فى الوتر السورتين اللهم اياك نعبد اللهم انا نستعينك ونستغفرك* وأخرج محمد بن نصر عن خصيف قال سألت عطاء بن أبى رباح أى شىء أقول فى القنوت قال هاتين السورتين اللتين فى قراءة أبى اللهم انا نستعينك واللهم اياك نعبد* وأخرج محمد بن نصر عن الحسن قال نبدأ فى القنوت بالسورتين ثم ندعو على الكفار ثم ندعو للمؤمنين والمؤمنات* وأخرج البخارى فى تاريخه عن الحارث بن معاقب ان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فى صلاة من الصلوات بسم الله الرحمن الرحيم غفار غفر الله لها واسلم سالمها الله وشىء من جهينة وشىء من مزينة وعصية عصت الله ورسوله ورعل وذكوان ما أنا قلته الله قاله قال الحارث فاختصم ناس من أسلم وغفار فقال الاسلميون بدأ باسلم وقالت غفار بدأ بغفار قال الحارث فسألت أبا هريرة فقال بدأ بغفار* وأخرج ابن أبى شيبة ومسلم عن خفاف بن ايماء بن رحضة الغفارى قال صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفجر فلما رفع رأسه من الركعة الآخرة قال لعن الله لحيانا ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله أسلم سالمها الله غفار غفر الله لها ثم خر ساجدا فلما قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه فقال أيها الناس انى لست قلت هذا ولكن الله قاله (١).

__________________

(١) صوّرنا من الأحاديث التي أوردها السيوطي ما فيها صراحة بأنّ الحفد والخلع سورتان.

١٠٥

روايات حك ابن مسعود سورتي المعوّذتين من القرآن بزعم أنّهما زائدتان

في تفسير سورة الفلق بتفسير السيوطي :

أخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه عن طرق صحيحة عن ابن عباس وابن مسعود : أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنّهما ليستا من كتاب الله ، إنّما أمر النبيّ أن يتعوّذ بهما.

وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما (١).

وقال في الإتقان :

أخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه :

(... قال كان ابن مسعود يحكّ المعوّذتين من مصاحفه ويقول : إنّهما ليستا من كتاب الله).

وأخرج البزار والطبراني من وجه آخر عنه ، (أنّه كان يحكّ المعوّذتين من المصحف ويقول : إنّما أمر النبيّ أن يتعوّذ بهما وكان عبد الله لا يقرأ بهما).

وقال ابن حجر في شرح البخاري : (قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك ، فأخرج أحمد وابن حبّان عنه أنّه يحكّ المعوّذتين في مصحفه) (٢).

__________________

(١) الدرّ المنثور للسيوطي ٦ / ٤١٦.

(٢) الإتقان ١ / ٨١ ؛ ومسند أحمد ٥ / ١٢٩ ولفظه : يحكّه من مصاحفه. وعبد الله أبو عبد الرّحمن بن أحمد بن حنبل الشيباني ، ثقة ، له زوائد المسند ـ أي الأحاديث الّتي أضافها على مسند والده ـ أخرج حديثه النّسائي. (ت : ٢٩٠ ه‍). تقريب التهذيب ١ / ٤٠١ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٤٤٢. وابن مردويه ، الحافظ الثبت العلّامة أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني صاحب التفسير المسند للقرآن ، والتاريخ وغير ذلك. (ت : ٤١٠ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ١٠٥١ ؛ وهدية العارفين ١ / ٧١. والبزار ، أبو بكر أحمد بن عمرو بن الحافظ (ت : ٢٩٢ ه‍) ، له مسندان : كبير وصغير. ـ

١٠٦

وفي الإتقان ـ أيضا ـ :

وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة سورة لأنّه لم يكتب المعوّذتين. وفي مصحف ابيّ ستّ عشرة ـ بعد المائة ـ لأنّه كتب سورتي الحفد والخلع.

أخرج أبو عبيد عن ابن سيرين ، قال : كتب ابيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوّذتين و [اللهمّ إنّا نستعينك] و [اللهمّ إيّاك نعبد] ، وتركهنّ ابن مسعود وكتب عثمان منهنّ فاتحة الكتاب والمعوّذتين (١).

وفات المحدّث الاخباري النوري أن ينقل عن تفسير ابن كثير أيضا ، فإنّه روى ذلك عن الحافظ أبي يعلى وعبد الله بن أحمد (٢).

وفاته أن ينقل ما جاء في فهرست النديم (باب ترتيب نزول القرآن في مصحف عبد الله بن مسعود).

قال الفضل بن شاذان (ت : ٢٦٠ ه‍) : وجدت في مصحف عبد الله بن مسعود تأليف سور القرآن على هذا الترتيب : البقرة. النّساء ... فذلك مائة سورة

__________________

ـ ترجمته بتاريخ بغداد ٤ / ٣٣٤ ؛ وتذكرة الحفاظ ، ص ٢٠٤ ؛ وهدية العارفين ١ / ٥٤. ابن حبان ، الحافظ العلّامة أبو حاتم محمّد بن حبان البستي ، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره. (ت : ٣٥٤ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ٩٢٠ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٤٤.

(١) الإتقان ١ / ٦٧ ، النوع التاسع عشر : في عدد سوره.

وأبو عبيد ، القاسم بن سلام (ت : ٢٢٤ ه‍) ، كان أبوه عبدا روميّا من هراة ، وكان ثقة ، حافظا للحديث ، إماما في القراءات ، رأسا في اللّغة. من تصانيفه : القراءات ومعاني القرآن ، وناسخ القرآن ومنسوخه. أخرج حديثه أبو داود والبخاري في جزء القراءة ، ١ / ١١٣.

تذكرة الحفاظ ، ص ٤١٧ ـ ٤١٨ ؛ تقريب التهذيب ٢ / ١١٧ ؛ وهدية العارفين ١ / ٨٢٥.

(٢) تفسير المعوذتين بتفسير ابن كثير ٤ / ٧١.

وأبو يعلى ، أحمد بن عليّ التميمي (ت : ٣٠٧ ه‍). الحافظ ، الثقة ، محدث الجزيرة ، صاحب المسند الكبير. تذكرة الحفاظ ، ص ٧٠٧ ـ ٧٠٩ ؛ ومجمع الزوائد ، كتاب التفسير ، باب ما جاء في المعوّذتين ٧ / ١٤٩ عن عبد الله بن أحمد ؛ وأحمد والبزار والطبراني.

١٠٧

وعشر سور.

وفي رواية اخرى : وكان عبد الله بن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه ولا فاتحة الكتاب.

قال محمّد بن إسحاق : رأيت عدّة مصاحف ذكر نسّاخها أنّها مصحف ابن مسعود ، ليس فيها مصحفان متفقان وأكثرها في رق كثير النسخ ، وقد رأيت مصحفا قد كتب منذ مائتي سنة فيه فاتحة الكتاب (١).

ثانيا ـ روايات نقصان آيات من بعض سور القرآن الكريم ـ معاذ الله ـ :

نقل النوري (٢) عن السيوطي وغيره نقصان عشرات الآيات من بعض السور ، ونحن نرجع إلى مصادره ، وننقل البعض منها في ما يأتي :

نقل السيوطي في تفسير الدّر المنثور عن تاريخ البخاري ، عن حذيفة أنّه قال : قرأت سورة الأحزاب على النبيّ (ص) ، فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها (٣).

وعن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيّ (ص) مائتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلّا على ما هو الآن (٤).

__________________

(١) فهرست النديم ، ط. مصر سنة ١٣٤٨ ه‍ ، ص ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) فصل الخطاب ، ص ١١٣ و ١٤٥.

(٣) الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، في أوّل تفسير سورة الأحزاب. وحذيفة بن اليمان ، حليف الأنصار ، صحابي ابن صحابي ، سمّاه قومه باليمان لمحالفته الأنصار وهم من اليمن ، أعلمه رسول الله (ص) بالمنافقين. رووا عنه ٢٢٥ حديثا. جوامع السيرة ، ص ٢٧٧ ؛ وتقريب التهذيب ١ / ١٥٦ ؛ وبقية ترجمته في الجزء الأوّل ، ص ١٩٨ ، الطبعة الرابعة من معالم المدرستين.

(٤) الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، عن أبي عبيد وابن الأنباري وابن مردويه. وامّ المؤمنين عائشة ، ترجم لها في الجزء الأوّل ، ص ٢٧١ ، الطبعة الرابعة من كتاب معالم المدرستين.

١٠٨

وعن حذيفة قال : قال لي عمر بن الخطاب : كم تعدّون سورة الأحزاب؟

قلت : اثنتين أو ثلاثا وسبعين آية.

قال : إن كانت لتعدل بسورة البقرة وإن كان فيها لآية الرّجم (١).

وفي تفسير ابن كثير ومستدرك الحاكم وتلخيص الذهبي وصحّحاه ، وابن مردويه والضياء في المختارة.

عن زر عن ابيّ بن كعب قال : كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة) (٢).

وفي تفسير التوبة من الدرّ المنثور للسيوطي قال :

وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن حذيفة (رض) قال :

الّتي تسمّون سورة التوبة هي سورة العذاب. والله ما تركت أحدا إلّا نالت منه ، ولا تقرءون منها ممّا كنّا نقرأ ربعها (٣).

__________________

(١) الدرّ المنثور ٥ / ١٨٠ ، قال : وأخرج ابن مردويه عن حذيفة. الحديث.

(٢) المستدرك وتلخيصه ٢ / ٤١٥ ، تفسير سورة الأحزاب ؛ والإتقان ، النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه ٢ / ٢٥. والضياء ، الإمام العالم ، الحافظ ، ضياء الدين أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد المقدسي. من تآليفه :المختارة في الحديث ، التزم فيه الصحّة. (ت : ٦٤٣ ه‍). تذكرة الحفاظ ، ص ١٤٠٥ ؛ وكشف الظنون ١ / ١٦٢٤.

(٣) تفسير التوبة من الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٨ ؛ والمستدرك للحاكم وتلخيصه للذهبي ٢ / ٣٣١ وصحّحا أسانيده. وابن أبي شيبة الإمام الحافظ ، أبو بكر ، عبد الله بن محمّد بن شيبة العبسي (ت : ٢٣٥ ه‍) له المصنف ، كتاب كبير فيه فتاوى التابعين وأقوال الصحابة وأحاديث الرسول (ص) على طريقة ـ

١٠٩

وفي الإتقان قال : قال مالك : إنّ أوّلها لما سقط ، سقط معه البسملة ، فقد ثبت أنّها كانت تعدل البقرة (١).

وفي الإتقان : قيل لبراءة : الفاضحة (٢).

ومن ثمّ قال الصحابي عبد الله بن عمر :

لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ، ما يدريه ما كلّه ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد أخذت ما ظهر منه (٣).

وفي الإتقان وكنز العمال عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه وأبو نصر السجزي في الإبانة ، عن الخليفة عمر بن الخطاب أنّه قال :

(القرآن ألف ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف) (٤).

بينا نقل الزركشي : أنّهم عدّوا حروف القرآن ، فأجمعوا على أنّه ثلاثمائة ألف حرف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون

حرفا (٥).

__________________

ـ المحدّثين بالأسانيد. تذكرة الحفاظ ، ص ٤٣٢ ؛ وكشف الظنون ٢ / ١٧١١. مادّة المصنف. وأبو الشيخ الحافظ عبد الله محمّد بن جعفر بن حيّان (وحبّان خطأ) ، الأنصاري الأصبهاني (ت : ٣٦٩ ه‍) ، مسند زمانه. من مؤلّفاته التفسير. تذكرة الحفاظ ، ص ٩٤٥ ؛ ولباب الأنساب لابن الأثير ١ / ٣٣١ ؛ وكشف الظنون ، ص ١٤٠٦ ؛ وهدية العارفين ١ / ٤٤٧.

(١) الإتقان ١ / ٦٧.

(٢) الإتقان ١ / ٥٦ عن ابن أبي حاتم ؛ والدرّ المنثور ٣ / ٢٠٨.

(٣) في تفسير : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) البقرة / ١٠٦ في الدرّ المنثور ١ / ١٠٦ ، عن أبي عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف والإتقان ٢ / ٢٥.

(٤) كنز العمال ١ / ٤٦٠ ، الحديث ٢٣٠٩ ، وص ٤٨١ ، الحديث ٢٤٢٧ ؛ والإتقان ١ / ٧٢ في آخر النوع التاسع عشر في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ؛ والدرّ المنثور ٦ / ٤٢٢. والحافظ أبو نصر السجزي ، عبيد الله بن سعيد بن حاتم الوابلي ، (وابل قربة بسجستان) ، (ت : ٤٤٤ ه‍) بمكّة ، له تصانيف كثيرة منها : الإبانة الكبرى في الحديث. تذكرة الحفاظ ، ص ١١١٨ ؛ وكشف الظنون ١ / ٢ وذيله ص ٦٤٨ ؛ وهدية العارفين ١ / ٦٤٨.

(٥) البرهان في علوم القرآن ١ / ٢٤٩ ، فصل في عدد سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.

١١٠

وبناء على ما روي عن الخليفة عمر ، فقد ذهب ثلثا القرآن ـ معاذ الله ـ.

ثالثا ـ روايات نقصان آيات فيها أحكام شرعية ـ معاذ الله ـ :

ونقل النوري عن مسند أحمد وصحيح البخاري وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم ومحاضرات الراغب والإتقان (١) (نقصان آيات فيها أحكام شرعية) ونحن نرجع إلى مصادره ، ونضيف إليها مصادر اخرى من الصحاح والسنن والمسانيد ، وننقل منها في ما يأتي :

أ ـ نقصان آية الرجم

في الصحاح الستّة : البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وغيرها : عن الخليفة عمر (رض) أنّه قال وهو على المنبر :

إنّ الله بعث محمّدا (ص) بالحقّ ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل الله (آية الرجم) ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها. رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن ، ثمّ إنّا كنّا نقرأ من كتاب الله (أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) (٢).

__________________

(١) فصل الخطاب ، ص ١١٠ ـ ١١٩ ؛ ومحاضرات الأدباء ٢ / ٤٣٣ ؛ ومستدرك الحاكم ٢ / ٤١٥ ، وستأتي بقية المصادر في الهامش الآتي.

(٢) أ ـ صحيح البخاري ، كتاب الحدود ، باب رجم الحبلى من الزّنا ، ٤ / ١٢٠.

ب ـ صحيح مسلم ، كتاب الحدود ، باب رجم الثيب في الزّنى ، ط. الاولى ٥ / ١١٦. وتصحيح محمّد فؤاد عبد الباقي ، ص ١٣١٧.

ج ـ سنن أبي داود ، كتاب الحدود ، باب في الرجم ٢ / ٢٢٩. ـ

١١١

ب ـ نقصان حكم رضاع الكبير

والحديث المروي عن امّ المؤمنين عائشة (رض) أنّها قالت : كان في ما نزل من القرآن : [عشر رضعات معلومات يحر منّ] ثمّ نسخن ب [خمس معلومات] فتوفّي رسول الله (ص) وهن في ما يقرأ من القرآن (١).

وفي لفظ ابن ماجة : (نزل القرآن بعشر رضعات ...) الحديث.

وفي لفظ آخر : (نزل في القرآن [عشر رضعات معلومات] ، ثمّ نزل أيضا : [خمس معلومات]).

وفي سنن ابن ماجة أيضا ، عن عائشة ، قالت : (نزلت آية الرجم [ورضاع الكبير عشرا]. ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله (ص) تشاغلنا بموته فدخل داجن فأكلها) (٢).

* * *

__________________

د ـ سنن الترمذي ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في تحقيق الرّجم ٦ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

ه ـ سنن ابن ماجة ، كتاب الحدود ، باب الرجم ، الحديث رقم : ٨٥٣ ، ٢٥٥٣.

و ـ سنن الدارمي ، كتاب الحدود ، باب في حدّ المحصنين بالزّنا ٢ / ١٧٩.

ز ـ موطأ مالك ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في الرّجم ٣ / ٤٢.

ح ـ مسند أحمد ١ / ٢٣ ، ٢٩ ، ٣٦ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٧ ، ٥٠ ، ٥٥ و ٥ / ١٣٢ ، في حديث السقيفة وموجزه : في ص ٤٧ منه.

ط ـ تاريخ الطبري ، ط أوربا ١ / ١٨٢١.

(١) أ ـ صحيح مسلم ، كتاب الرّضاع ، باب التحريم بخمس رضعات ، ط. الاولى ٤ / ١٦٧ ، وتحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، ص ١٠٧٥ ، الحديث : ٢٤ و ٢٥.

ب ـ سنن أبي داود ، كتاب النّكاح ، باب هل يحرم ما دون خمس رضعات ، ٢ / ٢٢٤.

ج ـ سنن النّسائي ، كتاب النّكاح ، باب القدر الّذي يحرم من الرضاعة ، ٢ / ٨٢.

د ـ سنن الدارمي ، كتاب النّكاح ، باب كم رضعة تحرم ، ١ / ١٥٧.

ه ـ موطأ مالك ، كتاب الرّضاع ، باب جامع ما جاء في الرّضاعة ، ٢ / ١١٨ ، الحديث : ٦٢٥.

(٢) سنن ابن ماجة ، كتاب النّكاح ، باب رضاع الكبير ١ / ٦٢٦ ، الحديث : ١٩٤٤.

١١٢

ما ذكرنا إلى هنا وإلى أكثر من ألف مورد غيرها نقلها المحدّث النوري من كتب مدرسة الخلفاء مباشرة أو بواسطة تصرّح بوجود نقص أو زيادة أو اختلاف في القراءة في كتاب الله الّذي بأيدينا ـ معاذ الله ـ سوف ندرسها في موارد من البحوث الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ ، وندرس في ما يأتي ما رووا أنّه كان لبعض الصحابة وامّهات المؤمنين مصاحف تختلف عمّا بأيدينا من المصاحف بحوله تعالى. قال ابن أبي داود في كتابه المصاحف :

باب اختلاف مصاحف الصحابة

إنّما قلنا مصحف فلان لما خالف مصحفنا هذا من الخطّ أو الزيادة أو النقصان أخذته عن ابيّ (ره) ، هكذا فعل في كتاب التنزيل.

ثمّ ذكر ابن أبي داود اخبار اختلاف عشرة مصاحف للصحابة وأحد عشر مصحفا للتابعين من الكتاب وآخرها باب ما غيّر الحجّاج (١) في مصحف عثمان ، ونحن نقتصر على ذكر خمسة منها.

ونسأل الله أن يوفقنا في ما يأتي من هذا البحث ، لبيان علل بعض الروايات المروية في كتب المدرستين في هذا الصدد بمنّه وكرمه.

أوّلا ـ مصاحف امّهات المؤمنين :

مصحف امّ المؤمنين عائشة

نقل النوري عن صحيح مسلم والدّر المنثور للسيوطي وابن حجر في فتح

__________________

(١) المصاحف لابن أبي داود ، ص ٥٠ ـ ١١٧. وأبو محمّد الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت : ٩٥ ه‍). ولّاه عبد الملك مكة والمدينة والعراق ، رمى الكعبة بالمنجنيق في حرب ابن الزبير سنة ٧٢ ه‍ ، واحترقت أستارها. تاريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير ، حوادث سنة ٧٢ و ٩٥ ه‍.

١١٣

الباري والزمخشري في الكشاف والجزء الثاني من تاريخ نيسابور عن امّ المؤمنين عائشة وامّ المؤمنين حفصة أنّ كلّا منهما أمرت أن يكتب لها مصحف ويكتب فيه : (والصلاة الوسطى وصلاة العصر) (١).

وهذا نصّ الحديث في صحيح مسلم عن أبي يونس مولى عائشة ، أنّه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ، وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ، فلمّا بلغتها آذنتها ، فأملت عليّ : (حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين). قالت عائشة : سمعتها من رسول الله (ص).

وأخرج الحديث بلفظه مسلم والترمذي وقال في آخره :

(وفي الباب عن حفصة). والنّسائي في سننه وأحمد في مسنده (٢).

مصحف امّ المؤمنين حفصة

وفي تفسير الآية بتفسير الطبري والدّر المنثور للسيوطي ، وأخرج

__________________

(١) فصل الخطاب ، ص ١٧٤ و ١٧٥. امّ المؤمنين حفصة ابنة ثاني الخلفاء عمر بن الخطاب. رووا عنها ٦٠ حديثا. (ت : ٤١ أو ٤٥ ه‍). جوامع السيرة ، ص ٢٧٩ ؛ وأسد الغابة ٥ / ٤٢٥.

(٢) صحيح مسلم ، كتاب المساجد ، باب الدليل لمن قال : الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ١ / ٤٣٧ ـ ٤٣٨ ؛ وسنن أبي داود ، كتاب الصّلاة ، باب وقت صلاة العصر ١ / ١١٢ ؛ وسنن الترمذي ، كتاب التفسير ، تفسير سورة البقرة ١١ / ١٠٥ ؛ وسنن النّسائي ، كتاب الصّلاة ، باب المحافظة على صلاة العصر ١ / ٨٢ ـ ٨٣ ؛ وموطأ مالك ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة الوسطى ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ وتفسير الآية في الدرّ المنثور ١ / ٣٠٢ و ٣٠٣. وفي فتح الباري ٩ / ٢٦٥ ؛ ومسند أحمد ٦ / ٧٣ و ٨٧٨ منه ؛ وفصل الخطاب ، ص ١٧٤ ـ ١٧٥. وأبو يونس مولى عائشة ، ثقة من الطبقة الوسطى من التابعين. أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي والبخاري في الأدب المفرد. تقريب التهذيب ٢ / ٤٩٢.

١١٤

عبد الرزّاق والبخاري في تاريخه وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة ، قال : استكتبتني حفصة مصحفا ، فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتّى امليها عليك كما قرأتها.

فلمّا أتيت على هذه الآية : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ...).

قالت : اكتب : (حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى ، وصلاة العصر).

فلقيت ابيّ بن كعب فقلت : أبا المنذر ، إنّ حفصة قالت كذا وكذا.

فقال : هو كما قالت (١).

مصحف امّ سلمة

وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر عن عبد الله بن رافع عن امّ سلمة ، أنّها أمرته أن يكتب لها مصحفا.

فلمّا بلغت : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) قالت : اكتب : (حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) (٢).

__________________

(١) الدّر المنثور ١ / ٣٠٢ ؛ وفي موطأ مالك ، كتاب الصّلاة ، باب الصلاة الوسطى ١ / ١٥٨ عن عمرو بن رافع. وفي لفظه بعد الصلاة الوسطى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ). وعبد الرزّاق في المصنف ، كتاب الطّهارة ، باب صلاة الوسطى ، الحديث رقم ٢٢٠٢ ؛ وتفسير الطبري ٢ / ٣٤٣ ؛ والمصاحف لابن أبي داود ، ص ٨٥ ـ ٨٦. وأبو رافع مولى حفصة ، لعلّه نفيع الصائغ المدني مولى آل عمر ، أدرك الجاهلية ، ثقة ، ثبت ، مشهور بكنيته. أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح ، وموته قريب من موت أنس. تذكرة الحفاظ ، ص ٦٠ ؛ وتقريب التهذيب ٢ / ٣٠٦.

(٢) الدّر المنثور ١ / ٣٠٣ ؛ والمصاحف لابن أبي داود ، ص ٨٧. ـ

١١٥

ورواها ـ أيضا ـ بتفسير الآية القرطبي والرازي عن عائشة والزمخشري عن حفصة ، وفي لفظه ، قالت :

(لا تكتبها حتّى امليها عليك كما سمعت رسول الله (ص) يقرأها ...) الحديث.

وقال : وروي عن عائشة وابن عباس (رض) : والصّلاة الوسطى وصلاة العصر (١).

ثانيا ـ مصاحف الصحابة :

أ ـ مصحف الإمام عليّ

نقل النوري عن الاستيعاب والإتقان وغيرهما ، أنّ الإمام عليّا آلى بعد وفاة النبيّ أن لا يرتدي حتّى يجمع القرآن ، وأنّه رتّب القرآن على حسب نزوله (٢).

وروى السيوطي عن ابن حجر عن ابن أبي داود ، أنّ الإمام عليّا جمع القرآن على ترتيب نزوله عقيب موت النبيّ (ص) (٣).

وفي الاستيعاب عن ابن سيرين أنّه قال : بلغني أنّه كتب على تنزيله ، ولو

__________________

ـ وكيع الحافظ ، أبو سفيان ، وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، الفقيه ، محدث العراق. من تصانيفه : تفسير القرآن ، كتاب السنن (توفّي سنة : ١٩٧ ه‍) بفيد راجعا من الحجّ.

تذكرة الحفاظ ، ص ٣٠٦ ؛ وكشف الظنون ، ص ٤٦١ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٥٠٠.

ابن المنذر. أبو بكر محمّد بن إبراهيم النيسابوري ، شيخ الحرم بمكّة ، فقيه ، مجتهد ، من الحفاظ صاحب الكتب الّتي لم يؤلّف مثلها ، منها تفسير القرآن (ت : ٣١٠ ه‍).

تذكرة الحفاظ ، ص ٧٨٢ ؛ ولسان الميزان ٥ / ٢٧ ؛ وهدية العارفين ٢ / ٣١.

(١) تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٩ ؛ والتفسير الكبير للرازي ٦ / ١٥٠ ؛ وتفسير الكشاف ١ / ٣٧٦ ؛ والمصاحف لابن أبي داود ، ص ٨٣ ـ ٨٤ ؛ والدرّ المنثور ١ / ٣٠٢.

(٢) فصل الخطاب ، ص ٦ و ٧. والإمام عليّ (ع) ترجم له في الجزء الأوّل ، ص ١٣٣ ، الطبعة الرابعة من كتاب معالم المدرستين.

(٣) الإتقان ، النوع العشرون في حفاظه ورواته ، ١ / ٧٤.

١١٦

اصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير.

وفي الإتقان ، قال ابن سيرين : تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه (١).

وقال اليعقوبي وروى ما موجزه :

أنّ عليّ بن أبي طالب جمع القرآن لما توفّي رسول الله (ص) وأتى به وقال : «هذا القرآن قد جمعته».

وقال : وكان قد جزّأه سبعة أجزاء ، في كلّ جزء ٨٨٦ آية ونقل كيفية تقسيم السور على الأجزاء (٢).

ونحن لا نعرف صحّة ما زعمه.

وقال السيوطي في الإتقان :

(إنّ جمهور العلماء اتّفقوا على أنّ ترتيب السور كان باجتهاد الصحابة. وأنّ ابن فارس استدلّ لذلك بأنّ منهم من رتّبها على النزول ، وهو مصحف عليّ ، كان أوّله : اقرأ ثمّ نون ثمّ المزمل ثمّ تبّت ثمّ التكوير ...) ، هكذا ذكر السور إلى آخر المكّي ثمّ المدني (٣).

ب ـ مصحف ابيّ بن كعب

أوّلا ـ ترتيب السور فيه :

__________________

(١) بترجمة عبد الله بن أبي قحافة ، أبي بكر من الاستيعاب ١ / ٣٣٤ ؛ وراجع الإتقان ، النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه ، ١ / ٥٩.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣٥.

(٣) الإتقان ١ / ٦٦. وابن فارس اللغوي أبو الحسين ، أحمد بن فارس بن زكريا الرازي المالكي الهمداني ، من تصانيفه : جامع التأويل في تفسير التنزيل. هدية العارفين ١ / ٦٨.

١١٧

نقل السيوطي عن ترتيب السور في مصحفه وقال :

هذا تأليف مصحف ابيّ : (الحمد ، البقرة ، النّساء ... إلى قوله : الفلق ثمّ الناس) (١).

ثانيا ـ قد رووا الكثير في اختلاف القراءة بين مصحف ابيّ وغيره من مصاحف الصحابة (٢). ونكتفي بما ذكرناه في ما سبق في ذكر السور الأربع المزعومات ، وما نضطر إلى ذكره خلال البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.

وفي تفسير الطبري عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني ابن عبّاس مصحفا فقال : هذا على قراءة ابيّ قال : وفيه فما استمتعتم به منهنّ ـ إلى أجل مسمّى (٣) ـ.

ج ـ مصحف عبد الله بن مسعود

أوّلا ـ ترتيب السور فيه :

روى في الإتقان كيفية ترتيب مصحف ابن مسعود كالآتي :

(البقرة والنّساء وآل عمران ... إلى قوله : وأ لم نشرح وليس فيه الحمد ولا المعوذتان) (٤).

ثانيا ـ اختلاف القراءات في مصحفه عن غيره من مصاحف الصحابة وما روي عنه في نقصان القرآن ـ معاذ الله ـ فسيأتي ذكر ما نضطر إلى ذكره

__________________

(١) الإتقان ١ / ٦٨ ، عن المصاحف لابن أشتة.

(٢) الإتقان ١ / ٦٦.

(٣) تفسير الآية بتفسير الطبري ٥ / ٩ ؛ وراجع تفسيرها بتفسير القرطبي ٥ / ١٣٠ ؛ والزمخشري ١ / ٥١٩ ؛ وابن كثير ١ / ٤٧٤ ؛ وسنن البيهقي ٧ / ٢٠٥ ؛ وشرح النووي على صحيح مسلم ٩ / ١٧٩.

(٤) الإتقان ١ / ٦٦ ، عن المصاحف لابن أشتة.

١١٨

خلال البحوث إن شاء الله تعالى ، بالإضافة إلى ذكر ما روي عنه في الفاتحة والمعوّذتين.

* * *

كان ذلكم ما رووا عن شأن القرآن في عصر الصحابة ، وقالوا عن شأن القرآن في عصر الحجّاج ما يأتي :

ما قيل إنّ الحجّاج غيّر في مصحف عثمان

قال ابن أبي داود في هذا الباب من كتابه اختلاف المصاحف ، باب ما كتب الحجّاج بن يوسف في المصحف :

(بسنده عن عوف بن أبي جميلة أنّ الحجّاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفا ، قال : كانت في سورة البقرة / ٢٥٩ (لم يتسنّ وانظر) فغيّرها (لَمْ يَتَسَنَّهْ) بالهاء ...).

وقال :

كانت في سورة يونس / ٢٢ (هو الّذي ينشّركم) فغيّره (يُسَيِّرُكُمْ).

وقال :

وكانت في سورة محمّد / ١٥ (من ماء غير ياسن) فغيّرها (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ).

وكانت في سورة الحديد / ٧ (فالّذين آمنوا منكم واتّقوا منكم لهم أجر كبير) فغيّرها (مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا)(١) وهكذا أتمّ عدد الأحد عشر تغييرا على حدّ زعمه.

__________________

(١) المصاحف لابن أبي داود ، ص ٤٩ ـ ٥٠.

١١٩

أوردنا بعض أخبار اختلاف المصاحف وبعض روايات الزيادة والنقيصة في القرآن الكريم في هذا البحث ، وأوردنا قبله روايات جمع القرآن ، ولا بدّ في دراسة المجموعتين من إيراد بحوث مفصّلة سوف نوردها في آخر الكتاب ، وندرس إن شاء الله تعالى في ضوئها جميع الأخبار الواردة في هذا المجلّد ، وفي ما يأتي ندرس بحوله تعالى روايات السبعة أحرف.

١٢٠