القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

كان ذلكم بعض أخبار عقائد العرب في الغول والسعلاة ونظائرهما وسندرس بعد هذا أمر اليهودية والنصرانية في الجزيرة العربية باذنه تعالى.

ج ود ـ اليهوديّة والمسيحية

انتشرت اليهودية في بلاد اليمن ومنطقة المدينة والمسيحية في اليمن ونواحي الشام.

وبنت النصارى بعض الكنائس مضاهاة للكعبة مثل كنيسة نجران الّتي قال فيها الأعشى :

وكعبة نجران حتم عليك

حتى تناخى باعتابها

وكنيسة قليس الّتي بناها ابرهة ، وأمر العرب أن يحجّوا إليها ، فتغوط فيها بعضهم فهمّه ذلك فأتى بجيش الفيل لهدم الكعبة (١).

ومن معتقدات الوثنيين وأهل الكتاب في الجاهلية ما أخبر الله عنه بقوله تعالى في سورة الأنعام :

(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ* بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الآيات / ١٠٠ ـ ١٠٢) اما البنون الذين خرقوا فقد أخبر الله عنه في قوله تعالى :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ...) (التوبة / ٣٠).

وكانت اليهود يومذاك تزعم ان عزيرا ابن الله وكانت النصارى ولا زالت تقول بأنّ المسيح عيسى بن مريم (ع) : ابن الله.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١ / ٤٣ ، ومعجم البلدان ٤ / ٧٥٦.

٨١

أما البنات ، فقد أخبر الله عن عقيدتهم في قوله تعالى :

(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ...) (النحل / ٥٧).

وقوله تعالى :

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ* أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ* أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ* وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) (الصافات / ١٤٩ ـ ١٥٣).

***

تشريع الجاهليين في الأطعمة

كذلكم يشرع الانسان الجاهلي لنفسه وفق هواه وتخيلاته ، بينما شرع ربّ العالمين للانسان نظاما يتناسب وفطرته ، وسماه دين الاسلام وبلغه بواسطة أنبيائه (ص) ، وأكمله في شريعة خاتم الأنبياء (ص) ، ولكن الانسان الجاهلي شرّع لنفسه من الطعام حلالا وحراما في مقابل ما شرعه رب العالمين كما أخبر الله تعالى عن ذلك وقال :

١ ـ في سورة يونس :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ* وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (الآيات / ٥٩ ـ ٦٠)

٢ ـ في سورة النحل :

(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (الآية / ١١٦)

وشرع الانسان الجاهلي ـ أيضا ـ ما أخبر الله عنه في الآيات الآتية :

أ ـ في سورة المائدة :

٨٢

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (الآية / ١٠٣)

ب ـ في سورة الأنعام :

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (الآيات / ١٣٩ ـ ١٤٠)

ج ـ في سورة الأنعام :

(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الآية / ١٥١)

د ـ في سورة المائدة يخاطب المؤمنين :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (الآيات / ٨٧ ـ ٨٨)

شرح الكلمات :

أ ـ البحيرة :

الناقة كانت إذا ولدت في الجاهلية خمسة أبطن شقّوا أذنها ، واعفوها أن ينتفع بها ولا يمنعوها من مرعى ولا ماء.

٨٣

ب ـ السائبة :

البعير الذي يدرك نتاج نتاجه فيسيب ، أي يترك ولا يركب ولا يحمل عليه.

والناقة المهملة التي كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه ، فان الرجل إذا نذر القدوم من سفر أو البرء من علة أو ما أشبه ذلك ، قال : ناقتي سائبة ، فكانت السائبة كالبحيرة لا ينتفع بها ولا تمنع من ماء وكلاء.

ج ـ الوصيلة :

كانت الشاة في الجاهلية إذا ولدت انثى ، فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا ، جعلوه لآلهتهم.

فان ولدت توأما ذكرا وانثى قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.

د ـ حام :

كانت العرب في الجاهلية إذا انتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره ، فلا يحمل عليه ، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.

ويظهر مما جاء في التفاسير ومعاجم اللغة انهم لم يكونوا متفقين على ما ذكرناه بل كان للحام والوصيلة عند اقوام غير ما ذكرناه من معنى.

ه ـ وقالوا ما في بطون هذه الانعام :

يعني قال الجاهليون ما في بطون السائبة وبعض أنواع الوصيلة خالصة لذكورنا لا يشركهم فيها أحد من الاناث ، وان يكن الجنين ميتة فالذكور والاناث فيه سواء.

***

كان ذلكم تشريع الجاهليين في الاطعمة وتشريعهم في أمر الزواج كالآتي :

٨٤

الأنكحة في الجاهلية :

كان في الجاهلية سبعة أنواع من النكاح متعارف عليها فقد روى البخاري أربعة منها عن عائشة انها قالت : ان النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها :

١ ـ نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها.

٢ ـ ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته ، اذا طهرت من طمثها أرسلي الى فلان ، فاستبضعي منه ، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا ، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فاذا تبين حملها ، أصابها زوجها إذا أحب.

وانما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا النكاح : نكاح الاستبضاع.

٣ ـ ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة ، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فاذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد ان تضع حملها ارسلت اليهم ، فلم يستطع رجل منهم ان يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان! تسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها لا يستطيع ان يمتنع منه الرجل.

٤ ـ والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير ، فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهنّ البغايا كنّ ينصبن على أبوابهن رايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن ، فاذا حملت احداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لهم القافة ، ثم الحقوا ولدها بالذي يرون ، فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد (ص) بالحق هدم نكاح الجاهلية كله الا نكاح الناس اليوم (١).

__________________

(١) البخاري ٣ / ١٦٥ كتاب النكاح باب من قال لا نكاح إلّا بوليّ.

٨٥

ومن امثلة النكاح الثالث نكاح النابغة أم عمرو بن العاص كما رواه الزمخشري وغيره واللفظ للزمخشري في كتاب «ربيع الابرار» قال :

كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمّة لرجل من عنزة ، فسبيت ، فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة ، فكانت بغيا ثم اعتقها فوقع عليها ابو لهب بن عبد المطلب وأمية بن خلف الجمحي ، وهشام بن المغيرة المخزومي وأبو سفيان بن حرب ، والعاص بن وائل السهمي ، في طهر واحد ، فولدت عمرا ، فادعاه كلهم ، فحكمت امه فيه ، فقالت : هو من العاص بن وائل ، وذاك لان العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا.

قالوا : وكان أشبه بأبي سفيان وفي ذلك يقول : أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص.

ابوك ابو سفيان لا شك قد بدت

لنا فيك منه بينات الشمائل(١)

ومن امثلة النكاح الرابع ما رواه ابن حجر في فتح الباري وقال : (هنّ بغايا كنّ في الجاهلية معلومات لهنّ رايات يعرفن بها) وقال :

وقد ساق ابن الكلبي في كتاب المثالب اسامي صواحب الرايات في الجاهلية فسمّى منهن أكثر من عشر نسوة مشهورات تركت ذكرهن اختيارا.

وذكر قبله اسم واحدة منهنّ (٢).

وفي العقد الفريد ما موجزه.

كانت سمية أمّ زياد أمة للحارث بن كلدة وزوجها عبيدا عبدا لابنته ، فولدت على فراشه زيادا.

وكانت البغايا في الجاهلية لهن رايات يعرفن بها ، وينتحيها الفتيان وكان

__________________

(١) ابن ابي الحديد ٦ / ٢٨٣ ، ٢٩١ وراجع ج ٢ / ١٢٥ منه وأوردها الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات كما روى عنه ابن ابي الحديد في شرح الخطبة ٨٢ ومن كلام له في ذكر عمرو بن العاص ط. مصر الاولى ١ / ٩٩.

(٢) فتح الباري ١١ / ٩٠ في باب لا نكاح إلا بولي من كتاب النكاح.

٨٦

أكثر الناس ، يكرهون اماءهم على البغاء والخروج الى تلك الرايات يبتغون عرض الحياة الدنيا وان أبا سفيان خرج يوما وهو ثمل الى تلك الرايات ، فوقع بسمية فولدت له زيادا على فراش عبيد (١).

٥ ـ نكاح الشغار :

من انكحتهم نكاح الشغار : قال ابن الأثير في نهاية اللغة :

وهو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني اختك أو ابنتك أو من تلي أمرها ، حتى ازوجك اختي أو بنتي أو من إليّ أمرها ولا يكون بينهما مهر ، ويكون بضع كل واحدة منهما في مقابلة بضع الاخرى وقيل له شغار لارتفاع المهر بينهما من شغر الكلب إذا رفع احدى رجليه ليبول (٢).

٦ ـ نكاح المقت :

نكاح المقت قال ابن الأثير في مادة (مقت) من نهاية اللغة والمقت ان يتزوج الرجل امرأة أبيه اذا طلقها أو مات عنها ، وكان يفعل ذلك في الجاهلية وحرّمه الإسلام ، ومثاله ما رواه ابن اسحاق في سيرته وقال :

(وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعد ـ أبيه ـ فولدت له زيد بن عمرو وكان الخطاب عمه وأخاه لأمه) (٣).

__________________

(١) العقد الفريد ٥ / ٤ ـ ٥ في ذكر أخبار زياد.

(٢) مادة (شغر) من نهاية اللغة لابن الاثير ٢ / ٢٢٦ وقد لخص ما اورده هنا من الروايات في باب الشغار من كتاب النكاح في صحيح البخاري (٣ / ١٦٣) وصحيح مسلم ص ١٠٣٤ ـ ١٠٣٥ الاحاديث ٥٧ ـ ٦٢ وسنن ابي داود (٢ / ٢٢٧) الحديث ٢٠٧٤ و ٢٠٧٥ وسنن ابن ماجة ١ / ٦٠٦ الحديث (١٨٨٣ ـ ١٨٨٥) وسنن النسائي ٦ / ١١٠ ـ ١١٢ وسنن الدارمي ٢ / ١٣٦ ومسند احمد (٢ / ٧ ، ١٩ ، ٢٥ ، ٦٢ ، ٩١ ، ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢٨٦ ، ٤٣٩ ، ٤٩٦) ، (٣ / ٣٢١ ، ٣٣٩ ، ٤ / ٤٢٩ ، ٤٣٩ ، ٤٤١ ، ٤٤٣) ، ومن مادة شغر في معاجم اللغة.

(٣) سيرة ابن اسحاق ط. المغرب ص ٩٧ سنة ١٣٩٦ ه‍.

٨٧

ومثال آخر منه ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج وقال :

(وصنع أمية في الجاهلية شيئا لم يصنعه أحد من العرب ، زوج ابنه أبا عمر وامرأته في حياته منه ، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أميّة. والمقيتون في الإسلام هم الّذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم ، فأمّا أن يتزوجها في حياة الأبّ ويبني عليها وهو يراه ، فإنّه شيء لم يكن قط) (١).

ولم يقتصر النكاح بالإرث على نكاح الولد زوجة أبيه بعد موته بل يعمّ وارثي المتوفي كما رواه الطبري وغيره في تفسير قوله تعالى (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ) وقالوا :

كان الرجل في الجاهلية يموت أبوه أو أخوه أو ابنه ، فاذا مات وترك امرأته ألقى الرجل عليها ثوبه ، فورث نكاحها ، وكان أحقّ بها ، وكان ذلك عندهم نكاحا فان شاء أمسكها ، حتّى تفتدي منه.

وقال : كان إذا توفى الرجل كان ابنه الأكبر هو أحقّ بامرأته ينكحها إذا شاء إذا لم يكن ابنها أو ينكحها من شاء أخاه أو ابن أخيه.

وقال : وإن كان صغيرا حبست عليه حتى يكبر فان شاء أصابها ، وإن شاء فارقها.

وقال : كان الرجل إذا مات أبوه أو حميمه ، فهو أحقّ بامرأته إن شاء أمسكها أو يجلسها ، حتّى تفتدي منه بصداقها أو تموت فيذهب بمالها (٢).

٧ ـ نكاح البدل :

وهو أن يقول الرجل للرجل : انزل عن امرأتك وأنزل لك عن امراتي ، وكان من هذا القبيل خبر عيينة بن حصن شيخ قبيلة بني فزارة عند ما دخل على رسول الله (ص) بغير إذن ، فقال له رسول الله (ص) وأين الإذن.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة تحقيق محمد ابو الفضل ط. مصر ١٥ / ٢٠٧.

(٢) تفسير الطبري ٤ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٨٨

فقال ما استأذنت على أحد من مضر وكانت عنده عائشة (رض) قبل ان ينزل الحجاب فقال : من هذه؟

قال : هذه عائشة.

قال : أفلا انزل لك عن أم البنين ـ زوجة عيينة ـ فتنكحها.

فغضبت عائشة (رض) وقالت : من هذا؟

فقال رسول الله (ص) : هذا أحمق مطاع يعني في قومه (١).

وكذلك شرع الجاهليين في شأن الأشهر الحرم والنسيء كالآتي :

الأشهر الحرم في الجاهلية :

قال الله تعالى في سورة التوبة :

(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (الآيات / ٣٦ ـ ٣٧)

تفسير الكلمات :

في كتاب الله : أي في ما فرض الله كما يأتي تحقيقه في بحث المصطلحات الإسلامية إن شاء الله تعالى.

أربعة حرم : أربعة أشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.

__________________

(١) راجع عمدة القارئ ٢٠ / ١٢٢ كتاب النكاح الحديث (٦٠) وترجمة عيينة في الاستيعاب وأسد الغابة والاصابة.

٨٩

النسيء : نسأت الشيء فهو منسوء ، إذا أخرته والنسيء بمعنى المنسوء مثل القتيل بمعنى المقتول ورجل ناسئ وقوم نسأة على وزن فاسق وفسقة. ليواطئوا : واطأه وافقه طابقه.

المعنى :

كانت العرب تحرم الشهور الأربعة وذلك مما تمسّكت به من ملّة إبراهيم وإسماعيل ، وكانوا أصحاب حروب وغارات ، فربّما كان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية ، ذي القعدة ، وذي الحجة ، ومحرم ولا يغيرون فيها بعد أن أتموا حجّهم في ذي الحجة ، ويقولون : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر لا نصيب فيها شيئا لنهلكن ، فكانوا إذا صدروا عن منى يقوم منهم رئيس ، ويقول : أنا الذي لا أعاب ولا أخاب ولا يرد لي قضاء فيقولون : نعم صدقت. أنسئنا شهرا واجعل حرمة المحرم في صفر وأحل المحرم ، فيفعل ذلك.

فيكون صفر تلك السنة عندهم شهر المحرم والصفر ربيع أول وهكذا يتسلسل حتى يكون ذو الحجة الآتي بعدها في شهر محرم وكذلك كانت الاشهر تدور عندهم وأحيانا يصادف عندهم أن يحجوا في شهر ذي الحجة.

ولما حجّ النبي (ص) حجة الوداع وافقت شهر ذي الحجة ، فقال في خطبته ألا وان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ورجب الذي بين جمادي وشعبان.

أراد (ص) أن الأشهر الحرم ، رجعت إلى مواضعها وعاد الحجّ إلى ذي الحج وبطل النسيء وكان أول من سن النسيء عمرو بن لحي وحين جاء الاسلام كان ينسؤها رجل يقال له القلمس وفي ذلك قال رجل من قومه اسمه عمير بن قيس بن جذل الطعان :

٩٠

السنا الناسئين على معد

شهور الحل نجعلها حراما (١)

نتيجة البحث :

ما يهمنا ممّا ذكرناه ان نظام الحكم في المجتمع العربي الجاهلي كان قبيليا محضا عليه بنيت جميع اعراف المجتمع.

وفي مقدمة جميع أعرافهم حب كسب الفخر للقبيلة ونشر فضائلها ، ومن ثم كان للشعر أكبر الاثر في نفوس افراد ذلك المجتمع وكانت أهم خصيصة من خصائصها أثر الشعر فيهم ، بحيث ان مديحا واحدا من شاعر لفقير مدقع يجعله شريفا يتسابق أشراف القبائل الى خطبة بناته ولملك ظافر ان يطلق اسرى القتال.

وقصيدة واحدة تدفع القبائل للحرب والقتال ، ولذلك دفعت قريش مائة ناقة للأعشى الشاعر كي لا يذهب الى المدينة وينصر المسلمين بشعره ، وبلغ خوفهم من هجاء الشعر لهم ان يسبّ بهم الاحياء والاموات ، ويبقى أثره حي الاعقاب مثل لقب أنف الناقة لبني قريع من بني تميم الذي اصبح ذمّا لاولاده يعيّرون به ويغضبون منه ويفرقون الى ان قال الخطيئة في مدحهم :

قوم هم الانف والاذناب غيرهم

ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا

فصاروا يتطاولون بهذا النسب ، ويمدّون به اصواتهم في جهارة.

ومن هنا نعرف حكمة مجيء النبي (ص) في أولئكم الناس بمعجزة القرآن الذي فاق بلاغة كل بليغ ، وسوف ندرس في بحوثنا الآتية باذنه تعالى أثر القرآن في المجتمع العربي الجاهلي والاسلامي.

ونبدأ بذكر من تاريخ القرآن على عهد الرسول (ص) بمكة.

__________________

(١) أوردنا تفسير الكلمات من مفردات الراغب ولسان العرب والخبر من تفسير الآية بتفسير القرطبي ٨ / ١٣٦ ـ ١٣٨ وتفسير مجمع البيان ٥ / ٢٨ ـ ٢٩.

٩١
٩٢

بحوث تمهيدية

(٢)

من تاريخ القرآن

الفصل الأول : أخبار القرآن في عصر نزوله بمكة.

الفصل الثاني : أخبار القرآن في عصر نزوله في المدينة

٩٣
٩٤

الفصل الأول

أخبار القرآن في عصر نزوله بمكة على عهد

الرسول الأكرم (ص)

أ ـ القرآن وما فيه.

ب ـ خصائص القرآن المكي وآثاره الادبية والفكرية.

ج ـ أخبار بدء الدعوة.

د ـ مقابلة قريش للقرآن الكريم.

ه ـ سياسة النبي في أمر القراءة والاقراء.

و ـ تدوين القرآن في مكة.

ز ـ خصائص المجتمع الاسلامي على عهد الرسول (ص).

٩٥
٩٦

اولا ـ القرآن وما فيه :

في ليلة السابع والعشرين من رجب وفي غار جبل حراء على بعد ثلاثة أميال من مكة أنزل الله أول مرة مع جبرئيل على نبيه (ص) :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) (الآيات / ١ ـ ٥)

ثم توالى نزول القرآن ثلاثا وعشرين سنة. قال تعالى :

(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً ...) (النحل / ٨٩).

وكما أخبر الله سبحانه في سورة الجمعة :

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الآية / ٢)

وكما قال تعالى في سورة البقرة :

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

أنزل الله في القرآن جميع أنواع المعرفة الدينية من صفات الخالق وأخبار المعاد وأحكام الإسلام وآدابه وأصناف المعرفة بجميع عوالم الوجود ؛ عوالم السموات والأرض ، وعوالم الملائكة والجن والإنس والنبات والحيوان ، وأخبار

٩٧

الأمم السابقة والبائدة وأنبيائها ، وأخبار الغيوب الآتية ، وأودع مفاتيح تلك الكنوز من المعرفة ، إلى رسول الله (ص) وقال تعالى في سورة النحل / ٤٤ :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)

نزل القرآن على رسول الله (ص) ثلاث عشرة سنة في مكّة وعشر. سنوات في المدينة ولكلّ خصائصه ، كما نذكرها في ما يأتي بحوله تعالى.

٩٨

ثانيا ـ خصائص القرآن المكي وآثاره :

أ ـ الخصائص الادبية في القرآن المكي :

نزل القرآن بمكة في ثلاث عشرة سنة قصيرة آياته صغيرة في جلّ سوره.

وفي القرآن المكّي ما يدحض مزاعم قريش الباطلة في تعدد الآلهة ، ويدمغ حججهم الواهية في التمسك بها وبأعرافهم الجاهلية بحجج رصينة ويجيب عن أسئلتهم بأجوبة شافية وافية وما فيه تعنيف شامت ورد على اقتراحاتهم الجاهلية.

ومنه ما يقص ما جرى بين الرسول (ص) وقريش من مناظرات ومجادلات ، وما يحكي عن حوادث معاصرة أو غابرة ممّا جرى بين الأنبياء وأممهم يضرب بها مثلا لكفار قريش وما يجري بينهم وبين نبيّهم من مشاجرات ، ومنه ما يصور أهوال يوم القيامة ممّا يقشعرّ لها جلد العربي ذو الحسّ المرهف ، ولكلام الله في القرآن الكريم ميزات كثيرة على كلام البشر جليّة نقتصر في ما يأتي على ذكر الامتياز البلاغي ـ الأدبي ـ ثمّ الفكري للقرآن المكّي بحوله تعالى :

أثر الامتياز الأدبي في القرآن الكريم :

أمثلة من آيات تتجلى فيها الميزة الأدبية في القرآن المكي :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ

٩٩

لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى * وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ* وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى / ١ ـ ١١).

أية قطعة فنية من كلام البشر شعرا كان أم نثرا تضاهى هذه السورة أو تدانيها ، أم أية قطعة أدبية من كلام البشر توازي أو تدانى قوله تعالى في سورة الرحمن :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ* عَلَّمَهُ الْبَيانَ* الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ* وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ* وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ* ... فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الآيات / ١ ـ ٧ و ١٣)

أم أية قطعة أدبية من كلام الآدميين توازي أو تداني قوله عزّ اسمه في سورة التكوير :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ* وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ* وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ* وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ* وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ* وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ* وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ... فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ* إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (الآيات / ١ ـ ٩ و ٢٦ ـ ٢٨).

خذ أى فن من فنون كلام بلغاء الآدميين ، وقارنه بما شئت من مثيله في القرآن الكريم ، لترى بلاغة القرآن كضوء الشمس يخفي ضياؤه لمعان كل نجم في سماء الأدب صغيرا كان أو كبيرا خذ مثلا الفن القصصي من كلام الآدميين وقارنه بنظيره في القرآن الكريم حيث قال ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة الفيل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي

١٠٠