القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

البديهيات ، وكنا في هذه البحوث نخاطب عامة الناس المتخصص منهم بهذه العلوم وغير المتخصص والمسلم منهم وغير المسلم ، اضطررنا أحيانا إلى شرح بعض المصطلحات التي يبحث عنها في بدايات العلوم هي من البديهيات عند المشاركين في العلوم الإسلامية ، وأحيانا عند عامة المسلمين ، كما إننا اضطررنا أحيانا إلى تكرار بعض المفاهيم التي سبق شرحها ، لما كان الاستدلال عليها في البحث الجديد يتوقف على التذكير بتلك المفاهيم وخاصة الجديدة منها على المجتمع وادرنا البحوث المذكورة وفق المخطط الآتي :

٢١
٢٢

مخطط البحوث القرآنية

المجلّد الأوّل : بحوث تمهيدية

البحث الأوّل : ملامح المجتمع العربي الجاهلي الذي نزل فيه القرآن وخصائصه ١ ـ النظام القبيلي.

٢ ـ الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية.

٣ ـ النظم الاجتماعية.

٤ ـ أديان العرب في العصر الجاهلي.

البحث الثاني : من تاريخ القرآن.

أخبار القرآن على عهد الرسول (ص).

أ ـ في العصر المكي.

ب ـ في العصر المدني.

البحث الثالث : مصطلحات إسلاميّة قرآنية

المجلّد الثاني

دراسات مقارنة لروايات مدرسة الخلفاء حول القرآن الكريم

أ ـ الدليل المشترك بين المدرستين.

ب ـ روايات البسملة وتناقضها ومنشؤه.

٢٣

ج ـ روايات جمع القرآن وتناقضها.

د ـ روايات اختلاف المصاحف وروايات الزيادة والنقصان.

ه ـ روايات نزول القرآن على سبعة أحرف وأربعون اجتهادا خاطئا في تأويلها.

و ـ القراءات والقرّاء.

ز ـ بحوث النسخ والإنساء.

ح ـ استناد المستشرقين بالروايات المختلفة والاجتهادات الخاطئة في التشكيك بثبوت النصّ القرآني.

ط ـ دراسة الروايات السابقة واجتهاداتهم الخاطئة.

المجلّد الثالث

دراسة مقارنة لروايات مدرسة أهل البيت (ع) وما نسب

إلى مدرستهم من روايات

٢٤

بحوث تمهيدية

(١)

ملامح المجتمع العربي الجاهلي الذي نزل

فيه القرآن وخصائصه

أ ـ النظام القبيلي.

ب ـ الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية.

ج ـ النظم الاجتماعية.

د ـ أديان العرب في العصر الجاهلي.

٢٥
٢٦

أولا ـ النظام القبيلي :

كان أكثر سكان الجزيرة العربية في العصر الجاهلي قبائل رحلا يسكنون البادية. ونذكر في ما يأتي شيئا من عاداتهم نقلا من كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام بتصرف وإيجاز (١) :

أمّا البدو ، فهم القبائل الرّحّل المتنقّلون من جهة إلى أخرى طلبا للمرعى أو للماء ، والطبيعة هي الّتي تجبر البدويّ على المحافظة على هذه الحياة.

وحياة البدوي حياة شاقّة مضنية ، ولكنه ـ وهو متمتع بأكبر قسط من الحرية ـ يفضّلها على أي حياة مدنية أخرى.

هذه الحياة الخشنة هي الّتي جعلت القبائل يتقاتلون في سبيل المرعى والماء ، وهي الّتي جعلت سوء الظنّ يغلب على طباعهم ، فالبدويّ ينظر إلى غيره نظرة العدوّ الّذي يحاول أخذ ما بيده أو حرمانه من المرعى.

إنّ البدويّ في الصحراء لا يهمّه إلّا المطر والمرعى ، فأزمته الحقيقية انحباس المطر وقلّة المرعى ، ولا يبالي بما يصيب العالم في الخارج ما دامت أرضه مخضرة ، وبعيره سمينا ، وغنمه قد اكتنزت لحما وقد طبقت شحما.

أما إذا نما السكان وضاقت بهم الأرض ، أو لم تجد أراضيهم بالمرعى ،

__________________

(١) المفصّل في تاريخ العرب قبل الاسلام تأليف الدكتور جواد علي ط. بيروت سنة ١٩٧٦ م ١ / ٢٧٤ ـ ٢٧٩.

٢٧

فليس هناك سبيل إلا الزحف والقتال ، أو الهجرة إن كان هناك سبيل إليها ، وكذلك القبيلة التي غلبت على أمرها وحرمت من مراعيها وأراضيها ليس أمامها سبيل آخر سوى الهجرة.

والمرأة البدوية ترفض الزواج من غني ، إذا كان ابن صانع ، أو أنّه من سلالة العبيد ، أو كان نسبه القبيلي يحيط به شيء من الشّكّ ، فسلطان المال لا قيمة له عند العرب ومع وجود هذه الروح الارستقراطية الّتي تتجلّى فقط في الزواج ورئاسة القبيلة والحكم ، فإنّه لا يكاد يوجد فارق في طرق المعيشة الأخرى.

ومن عادة القسم الأكبر من سكان الجزيرة ـ ولا سيما البدو ـ مخاطبة رؤسائهم بأسمائهم أو بألقابهم ، لأنهم لا يعرفون الألقاب وألفاظ التعظيم والتفخيم ، فيقولون يا فلان ويا أبا فلان ويا طويل العمر.

والبدوي لا ينسى المعروف ، ولا ينسى الإساءة كذلك ، فإذا أسيء إليه ، ولم يتمكن من ردّ الإساءة في الحال ، كظم حقده في نفسه ، وتربص بالمسيء ، حتى يجد فرصته فينتقم منه ، فذاكرة البدوي ذاكرة قوية حافظة لا تنسى الأشياء.

وللبدو مهارة فائقة في اقتفاء الأثر ، وكثيرا ما كانت هذه المعرفة سببا في اكتشاف كثير من الجرائم ولا تكاد تخلو قبيلة من طائفة منهم.

والقبائل العريقة المشهورة من حضر وبادية تحافظ على أنسابها تمام المحافظة وتحرص عليها كل الحرص ، فلا تصاهر إلّا من يساويها في النسب. والقبائل المشكوك في نسبها لا يصاهرها أحد من القبائل المعروفة.

وإنّ من الصعب عليه نبذ ما كان عليه آباؤه وأجداده من عادات وتقاليد فالتقاليد والعرف وما تعارفت عليه القبيلة هي عنده قانون البداوة ، وقانون البداوة دستور لا يمكن تخطيه ولا مخالفته ، ومن هنا يخطئ من يظنّ أنّ البداوة حريّة لا حدّ لها ، وفوضى لا يردعها رادع ، وأنّ الأعراب فرديّون لا يخضعون

٢٨

لنظام ولا لقانون على نحو ما يتراءى ذلك للحضري أو للغريب.

إنّهم في الواقع خاضعون لعرفهم القبيلي خضوعا صارما شديدا ، وكلّ من يخرج عن ذلك العرف يطرد من أهله ويتبرأ قومه منه ، ويضطر أن يعيش طريدا أو صعلوكا مع بقية الصعاليك.

والعربي رجل جاد صارم ، لا يميل إلى هزل ولا دعابة ، فليس من طبع الرجل أن يكون صاحب هزل ودعابة ، لأنّهما من مظاهر الخفّة والحمق ، ولا يليق بالرجل أن يكون خفيفا ، لهذا حذر في كلامه وتشدّد في مجلسه ، وقلّ في مجتمعه الإسفاف ، وإذا كان مجلس عام ، أو مجلس سيد قبيلة ، روعي فيه الاحتشام والابتعاد عن قول السخف ، والاستهزاء بالآخرين ، وإلقاء النكات والمضحكات ، حرمة لآداب المجالس ومكانة الرجال.

وإذا وجدوا في رجل دعابة أو ميلا إلى الضحك أو إضحاك عابوه عليه وانتقصوا من شأنه كائنا من كان.

وعبارة مثل «لا عيب فيه غير أنّ فيه دعابة» أو «لا عيب فيه إلّا أنّ فيه دعابة» هي من العبارات الّتي تعبّر عن الانتقاص والهمز واللمز.

والبدوي محافظ متمسك بحياته وبما قدر له ، معتزّ بما كتب له وإن كانت في حياته خشونة وصعوبة ومشقة.

ولهذا كان للقبيلة قيمتها في بلاد العرب ، فالإنسان يقوى بأبنائه وأبناء عمومته الأقربين والأبعدين ، وإذا كانت القبيلة ضعيفة استقوت بالتحالف مع سواها حتّى يقوى الفريقان ويأمنا شر غيرهما من القبائل القويّة.

وقد جرى العرف أنّ القبائل تعتبر الأرض الّتي اعتادت رعيها ، والمياه الّتي اعتادت أن تردها ملكا لها. لا تسمح لغيرها من القبائل الأخرى بالدنو منها إلّا بإذنها ورضاها ، وكثيرا ما تأنس إحدى القبائل من نفسها القوة فتهجم بلا سابق إنذار على قبيلة أخرى ، وتنتزع منها مراعيها ومياهها.

إن قبائل العرب ليسوا كلّهم سواء في الشرّ والتعدّي على السابلة

٢٩

والقوافل ، فبعضها قد اشتهر أمره بالكرم والسماحة والترفع عن الدنايا ، كما اشتهر بعضها بالتعدّي وسفك الدماء بلا سبب سوى الطمع فيما في أيدي الناس.

ليس للبدوي قيمة حربية تذكر ، ولذا كان اعتماد الأمراء على الحضر ، فهم الذين يصمدون للقتال ويصبرون على بلائه وبلوائه.

والبدوي إذا لم يجد سلطة تردعه أو تضرب على يده يرى من حقّه نهب الغادي والرائح ، فالحقّ عنده هو القوّة يخضع لها ، ويخضع غيره بها. على أنّ لهؤلاء قواعد للبادية معتبرة عندهم كقوانين يجب احترامها ، فالقوافل الّتي تمر بأرض قبيلة وليس معها من يحميها من أفراد هذه القبيلة معرضة للنهب ، ولذا اعتادت القوافل قديما أن يصحبها عدد غير قليل من القبائل الّتي ستمر بأرضها ويسمّون هذا رفيقا.

والبدوي يحتقر الحضري مهما أكرمه ، كما ان الحضري يحقر البدوي. فإذا وصف البدوي الحضري ، فانه في الغالب يقول حضيري تصغيرا لشأنه.

ومن عادة البدوي الاستفهام عن كل شيء ، وانتقاد ما يراه مخالفا لذوقه أو لعادته بكل صراحة ، فإذا مررت بالبدوي في الصحراء استوقفك وسألك من أين أنت قادم؟ وعمن وراءك من المشايخ والحكام؟ وعن المياه التي مررت بها؟ وعن أخبار الأمطار والمراعي ، وعن أسعار الأغذية والقهوة؟ وعمن في البلد من القبائل؟ وعن العلاقات السياسية بين الحكام بعضهم مع بعض (١).

***

أوردنا ما جاء في كتاب المفصل في وصف عرب البادية في العصر الحاضر لأنّا رأيناه كذلك يصدق على عرب البادية في العصر الجاهلي حيث كان النظام القبيلي أساس النظم الاجتماعية في الجزيرة العربية قبل مبعث الرسول (ص)

__________________

(١) كان ذلكم قبل ان ينتشر الراديو والتلفاز عندهم.

٣٠

فقد كان المقاتل العربي يجاهد في سبيل أمجاد قبيلته ومصالحها ، وشاعر القبيلة ينظم القصائد في سبيل إعلاء كلمة القبيلة ومولى القبيلة وحليف القبيلة واللصيق بالقبيلة والمتبنّى كذلك يفعلون.

ونذكر في ما يأتي بإذنه ـ تعالى ـ الوضع الاقتصادي في المجتمع العربي الجاهلي.

٣١

ثانيا ـ الوضع الاقتصادي ومصادر الثروة في الجزيرة العربية :

كانت قريش خاصة وسكان مكة عامة يمتهنون التجارة.

واهل المدينة والقرى التي حواليها وأهل الطائف والمدن اليمانية والقرى العربية في العراق وحوالي الشام يمتهنون الغرس والزرع وتربية الماشية.

وكان من مصادر الثروة لأهل مكة والطائف والمدينة خاصة ونادرا ما لغيرهم من العرب ، الربا والقمار ـ الميسر ـ والاكتساب من الجواري في البغاء.

وكان ما عدا سكان المدن من العشائر ، قبائل رحل يتبدون ويتنقلون طلبا للماء والكلأ لأنفسهم ولجمالهم وكان جلهم يغير البعض منهم على البعض الآخر في غزوات يقاتلون فيها الرجال ويسبون النساء والاطفال وينهبون الأموال ولهم أسواق لتبادل السلع فيها وللمفاخرة وما يتصل بها من انشاد شعرائهم ما أحدثوا من شعر وفي ما يأتي بيان ذلك بحوله تعالى.

أوب ـ التجارة والايلاف

اتسعت تجارة قريش منذ عصر هاشم واخوته ، كما رواه القرطبي وغيره واللفظ للقرطبي في تفسير سورة قريش ، قال :

كان أصحاب الايلاف أربعة أخوة : هاشم ، وعبد شمس ، والمطلب ونوفل ، بنو عبد مناف.

فأما هاشم ، فانه كان يؤلف ملك الشام ، أي أخذ منه حبلا وعهدا يأمن به في تجارته إلى الشام.

٣٢

وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى الحبشة.

والمطلب إلى اليمن.

ونوفل إلى فارس.

ومعنى يؤلف يجير.

فكان هؤلاء الاخوة يسمون المجيرين. وكان تجار قريش يختلفون إلى الأمصار بحبل هؤلاء الاخوة ، فلا يتعرض لهم.

والايلاف : شبه الاجارة بالخفارة يقال : آلف يؤلف : إذا أجار الحمائل بالخفارة.

والحمائل : جمع حمولة.

قال : والتأويل : ان قريشا كانوا سكان الحرم ، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع ، وكانوا يميرون في الشتاء والصيف آمنين ، والناس يتخطّفون من حولهم ، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا : نحن أهل حرم الله ، فلا يتعرض الناس لهم (١) وأخبر الله عن ذلك بقوله :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)

وسيأتي في بحث شظف العيش في الجاهلية ان هاشما هو الذي سن لقريش الرحلتين للتجارة مع بيان سبب قيامه بذلك إن شاء الله تعالى :

__________________

(١) تفسير القرطبي ط. بيروت سنة ١٣٨٧ ه‍ افست على الطبعة المصرية الثالثة ٢٠ / ٢٠٤. شرح الفاظ الخبر : الاجارة : الاغاثة والحماية والخفارة : الامان والحمولة : الابل التي تحمل.

٣٣

ج ود ـ الضرع والزرع :

ولا حاجة لاطالة الكلام في بيانهما.

ه ـ الربا

١ ـ في سورة البقرة :

(قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

٢ ـ في سورة آل عمران :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الآيات / ١٣٠ ـ ١٣٢)

تفسير الكلمات :

١ ـ الربا :

ربا الشيء يربو رباء وربوءا زاد ونما والربا : الزيادة على رأس المال ، والربا المنهي عنه في الاسلام نوعان :

٣٤

أ ـ أن يدفع انسان لآخر مبلغا من الذهب أو الفضة إلى أجل معين على أن يأخذ في الاجل زيادة على رأس ماله.

ب ـ أن يدفع جنسا ويأخذ نفس الجنس مع زيادة في الوزن مثل أن يبيع اناء مصنوعا من ذهب وزنه خمسون مثقالا ويأخذ بدله خمسا وخمسين مثقالا من الذهب النقد غير المصنوع.

٢ ـ يمحق :

محق الشيء : نقصه ، محق الله المال أذهب بركته.

٣ ـ فاذنوا :

فاسمعوا باعلان حرب من الله.

٤ ـ النظرة :

الامهال والتأخير.

٥ ـ ذو عسرة :

ضيق ذات اليد والعجز عن الوفاء بالدين.

خبر الربا في العصر الجاهلي :

كان الربا في الجاهلية من مصادر الثراء لأهل مكة والطائف واليهود في المدينة وحواليها.

وذكر المفسرون مثل السيوطي في تفسير (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أنواعا من الربا في الجاهلية منها :

أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل فإذا حلّ الأجل قال : أتقضي أم تربي؟ فإن قضاه أخذ وإلّا زاده في حقه وزاده الآخر في الأجل.

وكان العباس عمّ النبي ورجل من بني المغيرة شريكيين في الجاهلية يسلفان في الربا فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ، وقال رسول الله (ص) في خطبته في حجة الوداع : ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع (فَلَكُمْ

٣٥

رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وأول ربا موضوع ربا العباس (١).

و ـ الاكتساب ببغي الجواري

قال ابن حبيب في المحبر :

ومن سننهم انهم كانوا يكسبون بفروج امائهم وكان لبعضهن راية منصوبة في أسواق العرب ، فيأتيها الناس فيفجرون بها ، فأذهب الاسلام ذلك وأسقطه (٢).

روى الطبري والسيوطي في تفسير (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) واللفظ للأول : انهم كانوا في الجاهلية يأمرون إماءهم وولائدهم يباغين يفعلن ذلك فيصبن فيأتينهم بكسبهن (٣).

وفي العقد الفريد :

وكان لبعضهن رايات على أبواب بيوتهن (٤).

ومن جملتهن سمية جارية الحارث بن كلدة امرأة عبده عبيد وأم زياد بن أبيه.

وقد ذكرنا خبرها مع أبي سفيان واستلحاق معاوية اياه بنسبه في بحث استلحاق نسب زياد في المجلد الأول من كتاب عبد الله بن سبأ.

وكان في المدينة جاريتان لعبد الله بن أبيّ يكتسب من أجر بغائهما ، إحداهما معاذة وأرادها على نفسها قرشي من أسرى بدر وكانت قد أسلمت فأبت ذلك لإسلامها وكان أبيّ يضربها ليكرهها على ذلك رجاء أن تحمل للقرشي

__________________

(١) تفسير السيوطي ١ / ٣٦٦ ـ ٣٧٧.

(٢) المحبر لابن حبيب ص ٣٤.

(٣) الطبري ١٨ / ١٠٣ ، والدر المنثور ٥ / ٤٧.

(٤) راجع العقد الفريد ط. القاهرة سنة ١٣٧٥ ه‍ ٥ / ٤.

٣٦

فيطلب فداء ولده ، فأنزل الله تعالى :

(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١) (النور / ٣٣).

***

شظف العيش في الجاهلية :

إنّ الكثرة الكاثرة من العرب في الجاهلية كانوا يعيشون في فقر مدقع ، يأكلون القد والعلهز والفصيد والهبيد من فرط الجوع ، ويشربون الطرق وأحيانا الفظ من العطش.

قالت فاطمة ابنة رسول الله (ص) في خطبتها للمهاجرين والأنصار : «وكنتم .. تشربون الطرق وتقتاتون القد» (٢)

أوب ـ القد والطرق :

قال ابن الأثير : الطرق : الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه وبعرت.

وقال في مادة القدّ :

ومنه حديث عمر : كانوا يأكلون القدّ يريد جلد السخلة في الجدب.

قال المؤلف : يقصد الجلد غير المدبوغ.

ج ـ العلهز :

قال ابن الأثير وابن منظور في مادة العلهز :

في دعائه (ع) على مضر : «اللهم اجعل عليهم سنين كسني يوسف».

فابتلوا بالجوع حتى أكلوا العلهز ، هو شيء يتخذونه في سنين المجاعة

__________________

(١) تفسير الآية بتفسير الطبري ط. بيروت سنة ١٣٩٢ ه‍ ١٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤ ، والدر المنثور ٥ / ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) شرح النهج ١٦ / ٢٥٠.

٣٧

يخلطون الدم بأوبار الابل ثم يشوونه بالنار ويأكلونه.

وقيل : كانوا يخلطون فيه القردان ويقال للقراد الضخم العلهز ، ومنه حديث عكرمة كان طعام أهل الجاهلية العلهز.

د ـ الهبيد

قال ابن الأثير وابن منظور ما موجزه :

الهبيد : الحنظل يكسر ويستخرج حبّه وينقع لتذهب مرارته ويتّخذ منه طبيخ يؤكل عند الضرورة وفي حديث عمر وأمّه فزودتنا من الهبيد.

ه ـ الفصيد والبجة :

قال ابن الأثير وابن منظور في مادة الفصيد ما موجزه :

وكانوا يفصدون عرق الناقة ليخرج الدم منه فيشرب ، يفعلونه أيام الجوع. كما كانوا يأخذون ذلك الدم ويسخنونه إلى أن يجمد ويقوى فيطعم به الضيف في شدّة الزمان ، إذا نزل بهم ضيف فلا يكون عندهم ما يقريه ، ويشح أن ينحر المضيف راحلته فيفصدها.

و (الفصيد) دم كان يوضع في الجاهلية في معى من فصد عرق البعير ويشوى وكان أهل الجاهلية يأكلونه ويطعمونه الضيف في الأزمة.

وقال ابن الأثير ـ أيضا ـ في تفسيرها :

وفي حديث أبي رجاء لما بلغنا أنّ النبيّ (ص) قد أخذ في القتل هربنا فاستثرنا شلو ارنب دفينا وفصدنا عليها فلا أنسى تلك الأكلة أي فصدنا على شلو الارنب بعيرا وأسلنا عليه دمه وطبخناه وأكلناه.

وقالا في مادة البجّة ما موجزه :

ويقال للفصيد (البجّة) كذلك. و (البجّة) دم الفصيد ، يأكلونها في الأزمة. والبج الطعن غير النافذ ، فقد كانوا يفصدون عرق البعير ويأخذون الدم يتبلغون به في السنة المجدبة. جاء في الحديث : (إن الله قد أراحكم من الشجّة والبجّة).

٣٨

و ـ الفظ :

ماء كرش البعير.

وافتظّ البعير : شقّ كرشه ، واعتصر ماءه ليشربه ، وكان المسافر في الصحراء يسقي الإبل ، ثمّ يشدّ أفواهها ، لئلا تجترّ ، فإذا عطش افتظها (١).

وفي تاريخ العرب قبل الإسلام لم يكن في وسع كثير من الجاهليين الحصول على اللحم لفقرهم. فكانوا يأتدمون (الصليب) وهو الودك ـ ودك العظام ـ يجمعون العظام ويكسرونها ويطبخونها ، ثم يجمعون الودك الذي يخرج منها ليأتدموا به.

وقد عرفوا ب (أصحاب الصلب).

ولما قدم الرسول مكّة (أتاه أصحاب الصلب الذين يجمعون العظام إذا لحب عنها لحمانها فيطبخونها بالماء ويستخرجون ودكها ويأتدمون به).

ولم يكن في استطاعة الفقراء أكل الخبز لغلائه بالنسبة لهم. لذلك عدّ أكله من علائم الغنى والمال ، وكان الذي يطعم الخبز والتمر يعد من السادة الكرام. وكان أحدهم يفتخر بقوله (خبزت القوم وتمرتهم) ، بمعنى أطعمتهم الخبز والتمر.

وقد افتخر (بنو العنبر) بسيدهم (عبد الله بن حبيب العنبري) ، لأنّه كان لا يأكل التمر ولا يرغب في اللبن ، بل كان يأكل الخبز ، فكانوا إذا افتخروا ، قالوا : منّا آكل الخبز.

وكانوا يقولون (أقرى من آكل الخبز) لأنه كان جوادا.

وكان منهم من رضي وقنع بالدون من المعيشة ، فعاش في فقر مدقع ،

__________________

(١) أخذنا موجز ما قاله ابن الأثير في نهاية اللغة وابن منظور في لسان العرب بترجمة القد والعلهز والهبيد والفصيد والبجّة والفظّ وأوردناه سياقا واحدا وأخذنا ترجمة الفظّ من مادته في المعجم الوسيط.

٣٩

والدقع الرضا بالدون من المعيشة وسوء احتمال الفقر واللصوق بالأرض من الفقر والجوع ، فهم ينامون على التراب ويلتحفون السماء ، والدوقعة الفقر والذل ، وجوع أدقع وديقوع شديد ، وهم مثل (بنو غبراء) في الفقر والحاجة ، أولئك الذين توسدوا الغبراء واتخذوا التربة فراشا لهم ، لعدم وجود ملجأ لهم يأوون إليه ، ولا مكان يحتمون به (١).

***

كانت تلكم بعض انواع طعامهم في ايام المخمصة واحيانا كانوا لا يجدون ما يقتاتون به ، فيؤدي ذلك بهم الى الانتحار الذي كانوا يسمونه الاعتفاد كالآتي بيانه :

وكان بين الجاهليين فقراء معدمون مقعدون لم يملكوا من حطام هذه الدنيا شيئا ، وكانت حالتهم مزرية مؤلمة ، منهم من سأل الموسرين نوال إحسانهم ، ومنهم من تحامل على نفسه تكرما وتعففا ، فلم يسأل غبا ولم يطلب من الموسرين حاجة ، محافظة على كرامته وعلى ماء وجهه ، مفضلا الجوع على الشبع بالاستجداء ، حتى ذكر ان منهم من كان يختار الموت على الدنية ، والدنية هي أن يذهب الى رجل ، فيتوسل إليه بأن يجود عليه بمعروف ، ومنهم من اعتقد ، والاعتفاد أن يغلق الرجل بابه على نفسه ، فلا يسأل أحدا حتى يموت جوعا ، وكانوا يفعلون ذلك في الجدب ، قيل : كانوا إذا اشتد بهم الجوع وخافوا أن يموتوا أغلقوا عليهم بابا وجعلوا حظيرة من شجرة يدخلون فيها ليموتوا جوعا (٢).

روى السيوطي بتفسيره سورة قريش عن عمر بن عبد العزيز انه قال : كانت قريش في الجاهلية تعتقد وكان اعتقادها : أنّ أهل البيت منهم كانوا إذا

__________________

(١) تاريخ العرب قبل الاسلام تأليف الدكتور جواد علي ٥ / ٨٠ ـ ٨١ ط. دار العلم في بيروت سنة ١٩٧٠ م.

(٢) مادة عفد من تاج العروس وتاريخ العرب قبل الاسلام ٥ / ٨٠.

٤٠