القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

ثانيا ـ القرآن والكتاب والمصحف :

أ ـ القرآن :

القرآن : هو كلام الله الّذي نزّله نجوما ـ في أوقاتها المعينة لانزالها ـ على خاتم أنبيائه محمد (ص) ، بلغة العرب ولهجة قريش منهم ، ويقابله الشعر والنثر في الكلام العربي.

وعليه فإنّ الكلام العربي ينقسم إلى قرآن وشعر ونثر.

وكما أنّه يقال لديوان الشاعر : «شعر» ، وللقصيدة في الديوان : «شعر» ، وللبيت الواحد فيه : «شعر» وللشطر الواحد أيضا : «شعر» ، كذلك يقال لجميع القرآن : «قرآن» ، وللسورة الواحدة : «قرآن» ، وللآية الواحدة : «قرآن» ، وأحيانا لبعض الآية : «قرآن» ، مثل (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) في الآية الثالثة من سورة البقرة. والقرآن بهذا المعنى ، مصطلح إسلامي وحقيقة شرعية. إنّ منشأ هذه الاستعمالات مجيئه في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.

أسماء أخرى للقرآن (١) :

استخرج العلماء من القرآن أسماء أخرى للقرآن الكريم مثل : (الكتاب) و (النور) و (الموعظة) و (كريم).

١ ـ الكتاب : لقوله تعالى في سورة البقرة :

__________________

(١) البرهان في علوم القرآن للزركشي ت : ٩٧٤ ه‍ ، ط. القاهرة. النوع الخامس عشر : معرفة أسمائه ١ / ٢٧٣ و ٢٧٦.

٢٦١

(الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).

٢ ـ النور : لقوله تعالى في سورة النساء / ١٧٤ :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)

٣ ـ الموعظة : لقوله تعالى في سورة يونس / ٥٧ :

(... قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ...).

٤ ـ كريم : لقوله تعالى في سورة الواقعة / ٧٧ :

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ).

وندرس من الاسماء الآنفة الكتاب فيما يأتي :

ب ـ الكتاب :

يظهر بأدنى تدبّر في موارد استعمال الكتاب في القرآن الكريم بانها جاءت هي ونظائرها وصفا للقرآن الكريم ، وليست أسماء له ، ما عدا الكتاب الذي ليس واضحا أنه ليس اسما للقرآن الكريم ، ومن ثم ندرس موارد استعمال لفظ (الكتاب) في اللغة والقرآن الكريم في ما يأتي باذنه تعالى :

جاء استعمال الكتاب في اللغة والقرآن لمعان متعددة منها :

أولا ـ في اللغة :

أ ـ كتب الكتاب كتبا وكتابا.

أي دوّن حروف الهجاء على أشكال تكون فيها الكلمات والجمل مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة / ٧٩ :

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ)

ب ـ جاء الكتاب مصدرا سمّي به المكتوب فيه ، مثل قوله تعالى في حكاية قول بلقيس في سورة النمل :

٢٦٢

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ* إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

ثانيا ـ في القرآن الكريم :

اطلق الكتاب في القرآن على التوراة والانجيل والقرآن وكل كتاب أنزله الله على رسله مثل قوله ـ تعالى ـ في سورة البقرة :

١ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ...) (الآية / ٨٧) للتوراة.

٢ ـ (... وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) (الآية / ١١٣) للانجيل.

٣ ـ (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (الآية / ١ ـ ٢) للقرآن الكريم.

٤ ـ (... فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ...) (الآية / ٢١٣) أي أنزل مع كلّ منهم كتابا.

وسمّى اليهود والنصارى أهل الكتاب في قوله تعالى في سورة المائدة / ٦٨ :

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ)

***

كان هذا معنى الكتاب الذي يساوي المصحف في المعنى في اللغة والقرآن الكريم واشتهر عند النحويين كتاب سيبويه في النحو ب (الكتاب).

قال حاجي خليفة في باب الكتاب من كشف الظنون :

(كتاب سيبويه في النحو : كان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علما عند النحويين ، فكان يقال بالبصرة : وقرأ فلان الكتاب ، فيعلم أنّه كتاب سيبويه ، وقرأ نصف الكتاب ، فلا يشكّ أنّه كتاب سيبويه ...).

وشرحه أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن خروف النحوي

٢٦٣

الأندلسي الإشبيلي (ت : ٦٠٩ ه‍) ، وسمّاه تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب.

وشرح أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري البغدادي الحنبلي (ت : ٦١٦ ه‍) أبياته وسمّاه : لباب الكتاب.

ولأبي بكر محمد بن حسن الزبيدي الأندلسي الإشبيلي (ت : ٣٨٠ ه‍) : أبنية الكتاب (١).

إذا فليس (الكتاب) اسما للقرآن في القرآن الكريم ولا في عرف المسلمين.

ونستنتج من هذا البحث ونقول :

إنّ العلماء أخطئوا إذ فسّروا ما جاء من لفظ (الكتاب) أو (كتاب) في محاورات الصحابة بمعنى القرآن ، في حين أنهم قصدوا من (الكتاب) ما فرض الله على عباده ، كما درسناها مفصلا في بحث روايات اختلاف المصاحف.

ج ـ المصحف :

١ ـ في اللغة :

(الصحيفة : الّتي يكتب فيها ، والجمع صحائف وصحف وصحف ، والمصحف والمصحف : الجامع للصحف بين الدفتين) (٢).

__________________

(١) كشف الظنون لحاجي خليفة ، مصطفى بن عبد الله (ت : ١٠٧٦ ه‍) تركيا ، ٢ / ١٤٢٧ و ١٤٢٨.

وسيبويه ، أبو مبشر ، أو بشر ، عمرو بن عثمان بن قنبر البصري ، مولى بني الحارث بن كعب ، توفي سنة ١٨٠ ه‍.

(٢) راجع مادة (صحف) في الصحاح للجوهري ، (ت : ٣٩٣ ه‍). والمحكم لابن سيده (ت : ٤٥٨ ه‍). والمفردات للراغب ، (ت : ٥٠٢ ه‍). ولسان العرب لابن منظور (ت : ٧١١ ه‍). والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ت : ٨١٦ أو ٨١٧ ه‍).

٢٦٤

وقالوا في تفسير الدفّتين ، الدفّة : الجنب من كلّ شيء وصفحته ، ودفّتا الطبل : الجلدتان اللتان تكتنفانه ، ويضرب عليهما ، ومنه دفّتا المصحف ، يقال : حفظ ما بين الدفّتين (١) ـ أي حفظ الكتاب من الجلد إلى الجلد.

وبناء على ما ذكرنا ، فإنّ المصحف : اسم للكتاب المجلد ، وذلك لأنّه إذا كانت الصحيفة هي ما يكتب فيها وجمعها الصحف ، والمصحف : هو الجامع للصحف بين الدفّتين والدفّتان ـ هما جلدتا الكتاب ـ فالمصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلد في كلامنا.

وبناء على ما ذكرنا ، إنّ المصحف : اسم لكلّ كتاب مجلد قرآنا كان أم غير قرآن.

٢ ـ في مصطلح الصحابة :

استعمل المصحف بالمعنى اللّغوي الّذي ذكرناه في روايات (جمع القرآن) حتى عهد عثمان.

فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخّصه : أن الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن. قال : «فتتبعت القرآن أجمعه ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتّى توفاه الله ، ثمّ عند عمر في حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر (رض)».

وروى بعدها عن أنس ما ملخصه :

(أنّ عثمان عند ما أراد أن يجمع القرآن أرسله الى حفصة : أن ارسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك ...) الخبر (٢).

ومن الواضح أنّ الصحف والمصاحف ذكرا في الخبرين المذكورين آنفا

__________________

(١) راجع تاج العروس للزبيدي (ت : ١٢٠٥ ه‍) والمعجم الوسيط ، مادة (دفف).

(٢) صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ، ٣ / ١٥٠.

٢٦٥

بنفس المعنى اللّغوي : (الكتاب المجلد).

وأكثر تصريحا ممّا جاء عند البخاري ، ما جاء عند ابن أبي داود السجستاني في باب : جمع القرآن في المصحف من كتابه : (المصاحف) ، فقد روى فيه :

أ ـ عن محمد بن سيرين ، قال :

«لما توفي النبيّ (ص) أقسم عليّ أن لا يرتدي الرداء إلّا لجمعة ، حتّى يجمع القرآن في مصحف».

ب ـ عن أبي العالية :

(أنّهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر).

ج ـ عن الحسين :

(أنّ عمر بن الخطاب أمر بالقرآن ، وكان أوّل من جمعه في المصحف) (١).

استشهدنا بهذه الروايات الثلاث لأنّها تدلّ على أنّ في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم أعمّ من القرآن ، فقد جاء فيها على حسب التسلسل :

أ ـ (حتى يجمع القرآن في مصحف).

ب ـ (جمعوا القرآن في مصحف).

ج ـ وأمر بالقرآن فجمع ، وكان أوّل من جمعه في المصحف).

ولو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالآتي :

أ ـ حتى يجمع القرآن في القرآن.

ب ـ جمعوا القرآن في القرآن.

ج ـ وكان أوّل من جمع القرآن في القرآن.

__________________

(١) كتاب المصاحف للحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت : ٣١٦) ه. تصحيح الدكتور اثر جفري ، ط. الأولى ، القاهرة ١٣٥٥ ه‍. والروايتان : أ. وج. في ص ١٠ منه والرواية : ب في ص ٩ منه.

٢٦٦

٣ ـ في روايات أئمة أهل البيت (ع):

وقد جاء المصحف في روايات أئمة أهل البيت (ع) بنفس المعنى اللغوي لمدرسة الخلفاء ، فقد روى الكليني في باب (قراءة القرآن في المصحف) :

الحديث الأوّل عن أبي عبد الله جعفر الصادق (ع) ، قال :

من قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره ، وخفّف عن والديه ، وإن كانا كافرين.

وفي الحديث الرابع منه ـ أيضا ـ عن أبي عبد الله (ع) ، قال : «قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين ، ولو كانا كافرين» (١).

وبناء على ما ذكرنا ثبت أن المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة والتابعين والرواة بمدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت (ع) ويراد به الكتاب المجلد ، أي : أنّ المصحف استعمل في محاوراتهما في عصر الإسلام الأوّل في معناه اللّغوي واشتهر بعد ذلك في مدرسة الخلفاء تسمية القرآن المدوّن والمخطوط بين الدفّتين ب (المصحف).

٤ ـ في أخبار مدرسة الخلفاء :

وقد سمي في مدرسة الخلفاء غير القرآن بالمصحف كالآتي :

مصحف خالد بن معدان :

روى كل من ابن أبي داود (ت : ٣١٦ ه‍) وابن عساكر (ت : ٥٧١ ه‍) والمزّي (ت : ٧٤٢ ه‍) وابن حجر (ت : ٨٥٢ ه‍) بترجمة خالد بن معدان وقالوا :

ان خالد بن معدان كان علمه في مصحف له ازرار وعرى (٢).

__________________

(١) أصول الكافي ، ط. طهران ، سنة ١٣٨٨ ه‍ ، ٢ / ٦١٣.

(٢) المصاحف ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

٢٦٧

فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف؟

كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام ومن التابعين ، أدرك سبعين من الصحابة ، ترجم له ابن الأثير (ت : ٦٣٠ ه‍) في مادة الكلاعي (١) ، وقال : توفي خالد سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة هجرية.

٥ ـ اشتهار المصحف في كل ما كتب وجعل بين الدفّتين : الكتاب المجلد

كان استعمال المصحف في ما كتب وجعل بين الدفّتين ، أي الكتاب المجلد مشهورا ومتداولا لدى العلماء والباحثين بمدرسة الخلفاء ، وإليكم المثالين الآتيين لذلك :

أ ـ عنون ابن أبي داود السجستاني من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالآتي :

١ ـ جمع أبي بكر الصديق (رض) القرآن في المصاحف بعد رسول الله (ص).

٢ ـ جمع عليّ بن أبي طالب (رض) القرآن في المصحف.

٣ ـ جمع عمر بن الخطاب (رض) القرآن في المصحف (٢).

ب ـ ومن المعاصرين قال ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر

__________________

ـ وتاريخ دمشق مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ، مصورة المجمع العلمي الإسلامي؟ بطهران ، ٥ / ٢ / ٢٥٩ أ.

وتهذيب الكمال ، مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران ، ٢ / ١٧٠.

وتهذيب التهذيب ج ٣ / ١١٨ ـ ١١٩.

(١) اللباب في تهذيب الأنساب ٣ / ٦٢ ـ ٦٣. وراجع مصادر ترجمته في الهامش رقم ٨.

(٢) كتاب المصاحف ص ٥ و ١٠ منه ، حسب التسلسل الّذي أوردناه.

٢٦٨

الجاهلي : وكانوا يطلقون على الكتاب المجموع : لفظ المصحف ، ويقصدون به مطلق الكتاب ، لا القرآن وحده ، فمن ذلك ما ذكره ...

ثمّ نقل خبر مصحف خالد بن معدان من كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني (١).

٦ ـ في مصطلح الامم السابقة :

تسمية الكتب الدينية للامم السابقة بالمصحف :

وكذلك سميّت الكتب الدينية للأمم السابقة بالمصحف كما جاء في طبقات ابن سعد بسنده :

عن سهل مولى عتيبة أنه كان نصرانيا من أهل مريس ، وأنه كان يتيما في حجر أمه وعمه ، وأنه كان يقرأ الإنجيل ، قال : فأخذت مصحفا ، لعمي فقرأته حتى مرّت بي ورقة ، فأنكرت كتابتها حين مرّت بي ومسستها بيدي ، قال : فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء ، قال : ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد ، (ص) ، أنه لا قصير ولا طويل ، أبيض ، ذو ضفيرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتباء ، ولا يقبل الصدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ، ويلبس قميصا مرقوعا ، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر ، وهو يفعل ذلك ، وهو من ذرية إسماعيل اسمه أحمد ، قال سهل : فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد (ص) جاء عمّي ، فلما رأى الورقة ضربني وقال : ما لك وفتح هذه الورقة وقراءتها؟ فقلت : فيها نعت النبي (ص) أحمد ، فقال : إنه لم يأت بعد (٢).

***

وهكذا وجدنا المصحف اسما عاما للصحف بين الدفتين وإن صحّ ما جاء

__________________

(١) مصادر الشعر الجاهلي ، الطبعة الخامسة ، ص ١٣٩ ، وقد نقله من المصاحف للسجستاني ، ص ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٢) طبقات ابن سعد ط. بيروت ١ / ٣٦٣.

٢٦٩

في رواية المصاحف لابن أبي داود أنّ الخليفة أبا بكر كان قد سمّى القرآن بالمصحف فإنّ هذه التسمية لم تشتهر حتّى عصر عثمان ، كما يظهر ذلك من الخبرين اللذين نقلناهما آنفا من صحيح البخاري ، وإنما اشتهرت تسمية القرآن بالمصحف بعد ذلك ، وعند ذاك أيضا لم تبق هذه التسمية منحصرة بالقرآن ، بل سميت كتب أخرى في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ب (المصحف). وكان منها مصحف فاطمة ابنة رسول الله (ص) كالآتي خبره :

٧ ـ مصحف فاطمة ابنة الرسول (ص):

جاء في الروايات أنّ فاطمة ابنة رسول الله (ص) كان لها كتاب اسمه المصحف فيه إخبار بالمغيبات.

لقد جاء في بصائر الدرجات بأكثر من سند عن الامام الصادق (ع) قال : قال أبو عبد الله لأقوام كانوا يأتونه ويسألونه عمّا خلف رسول الله (ص) إلى عليّ (ع) وعمّا خلف عليّ إلى الحسن : لقد خلّف رسول الله (ص) عندنا ما فيها كل ما يحتاج إليه حتى أرش الخدش والظفر ، وخلّفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن ... الحديث (١).

اذن فقد كان لابنة رسول الله (ص) مصحف كما كان لخالد بن معدان كتاب اسمه المصحف فيه علمه.

وإنّ أئمة أهل البيت الّذين انتشر منهم هذا الخبر نصّوا على أنّه ما هو بالقرآن وليس فيه شيء من القرآن ، بل فيه أخبار بالحوادث الكائنة في المستقبل. ومع الأسف الشديد افترى بعض الكتاب في مدرسة الخلفاء وقال : إن مصحف فاطمة عند أتباع مدرسة أهل البيت ، قرآن آخر!!! ولكن أتباع مدرسة أهل البيت لم يقولوا هذا القول في شأن مصحف خالد ولا الكتاب لسيبويه.

__________________

(١) بصائر الدرجات ص ١٥٦. وأوردت موضع الحاجة من الحديث ، وراجع تفصيل الخبر في معالم المدرستين ٢ / ٣٢٢ ..

٢٧٠

٨ ـ مصاحف الصحابة :

مرّ بنا في بحث من تاريخ القرآن في المدينة ذكر مصاحف الصحابة ويأتي تفصيله ـ ان شاء الله تعالى ـ في بحث اختلاف مصاحف الصحابة في المجلد الثاني من هذا الكتاب.

انه كان لكثير من الصحابة مصاحف كتب كل منهم في مصحفه القرآن وما سمعه من رسول الله (ص) في تفسير بعض آيات القرآن إذا كان معنى مصاحف الصحابة في عصر الصحابة : القرآن المكتوب مع حديث الرسول في تفسير بعض آياته كما هو الحال في تفاسير القرآن بالمأثور مثل الدرّ المنثور في تفسير القرآن بالمأثور للسيوطي في مدرسة الخلفاء والبرهان في تفسير القرآن لدى اتباع مدرسة أهل البيت (ع).

مثالان لمصاحف الصحابة :

أ ـ مصحف أم المؤمنين عائشة :

رووا عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال امرتني عائشة أن اكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذنّي : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) فلما بلغتها آذنتها فاملت عليّ (حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى «وصلاة العصر» وقوموا لله قانتين) قالت عائشة سمعتها من رسول الله (ص).

ب ـ مصحف أم المؤمنين حفصة :

عن أبي رافع مولى حفصة أنه قال : استكتبتني حفصة مصحفا ، فقالت : إذا أتيت على هذه الآية ، فتعال حتّى أمليها عليك كما قرأتها ، فلما أتيت على هذه الآية : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) ، قالت : اكتب : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [وصلاة العصر](١).

__________________

(١) سيأتي تفصيل اخبار مصاحف الصحابة باسنادها ان شاء الله تعالى في المجلد الثاني من هذا الكتاب في بحث اختلاف مصاحف الصحابة.

٢٧١

ومصاحف أخرى سوف نذكرها في ما يأتي بإذنه تعالى.

٩ ـ مصحف الرسول (ص):

سيأتي في بحث من تاريخ القرآن على عهد الخليفة أبي بكر أنّ الرسول (ص) أوصى الإمام عليا ان لا يرتدي رداءه بعد وفاة الرسول (ص) حتى يجمع الصحف التي كانت في بيت الرسول (ص) الّتي كتب عليها القرآن بأمر الرسول (ص) ، ولم تكن آي القرآن التي كتبت في تلك الصحف بدعا عما كتبها الصحابة في صحفهم مما تعلموها من لفظ الآيات ومعانيها ممّا تلقاها الرسول (ص) جميعا عن طريق الوحي ، بل لا بدّ أن تكون مشابهة لمصاحف الصحابة في كتابة اللفظ والمعنى معا ما عدا أمرا واحد وهو أن كل صحابي كان يكتب مع ما يكتب من آي القرآن ما بلغه عن رسول الله (ص) في تفسير الآية ، وكان رسول الله (ص) قد أمر الإمام عليا بكتابة كل ما يحتاجه المسلمون في تفسير الآيات ممّا تلقاه عن طريق الوحي (١).

***

بناء على ما سبق كانت المصاحف في صدر الإسلام مثل كتب التفسير في عصرنا تشتمل على القرآن وما بيّنه الرسول (ص) في تفسير الآيات. ولما اقتضت سياسة الخلفاء بعد الرسول (ص) تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) جرى في هذا الشأن ما سنبينه في ما يأتي بإذنه تعالى.

سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص):

مرّ بنا في بحث المجتمع الذي نزل فيه القرآن وانتشر منه وبحث من

__________________

(١) كما برهنا عليه في بحث : (القرآن والسنة ، هما مصدر التشريع لدى مدرسة أهل البيت (ع) من المجلد الثاني من معالم المدرستين.

٢٧٢

تاريخ القرآن السابقين لهذا البحث آيات نزلت في ذمّ سادة قريش الذين خاصموا رسول الله وحاربوه وآيات أخرى في ذمّ قبائل بعض الصحابة من قريش مثل قوله تعالى : في سورة الإسراء :

(وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الاسراء / ٦٠)

في بني أميّة أو افراد من الصحابة مثل قوله في سورة التحريم :

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (الآية / ٤).

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (الآية / ٥).

والتي نزلت في أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة في مقابل آيات نزلت في مدح آخرين مثل آية التطهير في قوله تعالى في سورة الأحزاب :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

والتي نزلت في حق الرسول (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

هذه الى كثير غيرها كانت تخالف حكومة الخلفاء الثلاثة ، فرفعوا شعار حسبنا كتاب ، الله وجردوا القرآن من حديث الرسول وبدأ العمل به الخليفة الصحابي أبو بكر ، وأمر بكتابة نسخة من القرآن مجرّدة عن حديث الرسول وانتهى العمل على عهد الخليفة عمر ، فبدأ عمله بمنع نشر حديث الرسول ، وبعد وفاته وقعت الخصومة بين بعض الصحابة والتابعين وبني أمية وعصبة الخليفة الثالث ، وأخذ الخصوم يروون من حديث الرسول ما فيهم ذمّ لعصبة الخلافة وكانت بأيدي الخصوم مصاحف فيها من بيان الرسول (ص) ما يستدل به الخصوم في مقابل عصبة الخلافة ، فقام الخليفة الثالث بتنفيذ شعار جرّدوا القرآن من حديث الرسول (ص) ، وأخذ نسخة المصحف المجرد من حديث

٢٧٣

الرسول (ص) من أم المؤمنين حفصة ، واستنسخ منها عدة نسخ من المصاحف المجرّدة عن حديث الرسول (ص) ، ووزعها في بلاد المسلمين ، وجمع مصاحف الصحابة اللاتي كان أصحابها قد دونوا فيها النصّ القرآني مع ما سمعوه من بيان الرسول في تفسير آياتها وأحرقها جميعا ، فاستنسخ المسلمون مصاحف من تلك المصاحف المجردة عن بيان الرسول (ص).

واصبح المصحف بعد ذلك اسما علما للقرآن المجرّد عن بيان الرسول (ص) ، ومع مرور الزمن لم يعرف المسلمون في القرون التالية أن مصاحف الصحابة كان فيها بيان الرسول (ص) مع النص القرآني.

وعند ما حث الخليفة العباسي المنصور في سنة ثلاث وأربعين بعد المائة من الهجرة علماء المسلمين على تدوين العلوم ، وكتب المتخصصون منهم بعلوم القرآن مع بيان آياته كما كان عليه الأمر على عهد الرسول سمّي المصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير كما مرّ بيانه.

خلاصة البحث وخاتمته :

أولا ـ القرآن : هو كلام الله الّذي نزّله نجوما (١) على خاتم أنبيائه محمد (ص) بلسان عربي مبين ، وهو ليس بشعر ولا نثر ، في حين أنّ جميع كلام بني آدم في جميع اللغات إمّا أن يكون شعرا أو نثرا ، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن.

وقد سمّى الله جميع القرآن بالقرآن ، وكذلك سمّى جزءا منه بالقرآن ، فهو مصطلح إسلامي.

ووصفه بالكتاب والذكر والنور ، وامثالها ، فعدّ العلماء تلك الصفات من أسماء القرآن ، وليس للقرآن اسم غير القرآن.

__________________

(١) نجوما أي في اوقاتها المعينة.

٢٧٤

ثانيا ـ الكتاب :

أ ـ في اللغة :

كتب الكتاب كتبا وكتابا : دوّن حروف الهجاء على اشكال تكوّن منها الكلمات والجمل.

والكتاب : مصدر سمّي به المكتوب مثل قول بلقيس : (أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ).

ب ـ في القرآن الكريم :

اطلق الكتاب في القرآن الكريم على كل كتاب انزله الله مثل التوراة والانجيل والقرآن.

ج ـ في اصطلاح النحويين :

اشتهر كتاب سيبويه في النحو باسم الكتاب.

ثالثا ـ المصحف :

أ ـ في اللغة :

اسم للصحف التي تجمع بين الدفتين ـ الجلدين ـ.

ب ـ في مصطلح المسلمين :

استعمل المصحف الى عصر عثمان بهذا المعنى نفسه وكذلك في روايات أئمة أهل البيت (ع) وفي أخبار مدرسة الخلفاء.

ج ـ سمّي كتاب خالد بن معدان من التابعين بمصحف خالد بن معدان وكان قد جمع فيه علمه.

د ـ في مصطلح الأمم السابقة :

كان سهل مولى عتيبة قبل اسلامه نصرانيا له عم من علماء أهل الكتاب له مصحف دون فيه اوصاف النبي (ص).

٢٧٥

والمصاحف التي بلغنا أخبارها هي :

ه ـ مصحف فاطمة بنت النبي (ص) :

كان لفاطمة مصحف دون فيه أخبار ممّا يأتي به الزمان.

و ـ مصاحف الصحابة :

كان للصحابة مصاحف دون صاحب كل منها ما سمعه من الرسول (ص) في بيان آي من القرآن الكريم مثل :

مصحفا أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة حيث أمرتا ان يكتب في مصحفهما بعد آية (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وصلاة العصر ، وكذلك كان لعدة من الصحابة مصاحف مثل :

مصحف عبد الله بن مسعود :

روي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ (في مواسم الحج) بعد (رَبِّكُمْ) في قوله تعالى في سورة البقرة :

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) فان (في مواسم الحج) كان تفسيرا للآية وبيانا لزمان ابتغاء الفضيلة من الربّ تبارك وتعالى.

ز ـ مصحف الرسول (ص) :

أوصى الرسول الإمام عليا أن يجمع الصحف المكتوب عليها القرآن وبيان الرسول ففعل فبقي ذلك المصحف عند الإمام علي ، وورثه من بعده مع ما ورث من صحف العلم الإمام الحسن ، وانتقلت بعد الإمام الحسن (ع) إلى الإمام الحسين (ع) ومن بعد إلى أولاده الأئمة كابرا بعد كابر.

سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) :

اقتضت سياسة الخلفاء الثلاثة تجريد القرآن من حديث الرسول (ص) كي لا ينتشر بين المسلمين خارج الحرمين موقف سادة قريش عصبة الخلافة القرشية من الرسول (ص) والإسلام ، ولا ينتشر بينهم من الثناء والنصّ في حق

٢٧٦

غيرهم من مخالفيهم فبدءوا العمل بذلك على عهد الخليفة الأول ابي بكر حيث أمر بكتابة مصحف مجرد عن حديث الرسول (ص) ، واستمر العمل على ذلك وانتهى في عصر الخليفة عمر ، وأودعه عند أم المؤمنين حفصة ، ثم استنسخ الخليفة الثالث عليها سبع نسخ ووزعها بين أمهات البلاد الإسلامية ، فاستنسخ المسلمون منها مصاحفهم التي بقيت بأيدي المسلمين حتى اليوم مجرّدة عن حديث الرسول (ص) ، وجمع ما عداها من مصاحف الصحابة اللاتي كتب فيها القرآن مع بيان الرسول (ص) ، واشتهر بين المسلمين في قرون متعاقبة حتى اليوم أن المصحف اسم للقرآن الذي في متناول أيديهم.

وبذلك اصبح المصحف في مصطلح المسلمين اسما علما للقرآن المجرّد عن بيان الرسول حتى اليوم.

ولمّا حثّ الخليفة العباسي المنصور علماء المسلمين على تدوين العلوم فقام بذلك علماء المسلمين وكان من ضمنها ما ألفوا في تفسير القرآن جمعوا فيها بين النص القرآني وتفسير آياته وكان عملهم هذا مشابها لعمل الصحابة في كتابة مصاحفهم ، فاشتهر بين المسلمين تسمية القرآن المجرّد عن بيان وتفسير بالمصحف والمصحف الذي دوّن فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير.

٢٧٧

ثالثا ـ السورة والآية :

أ ـ السورة :

١ ـ في اللغة :

اختلفوا في اصلها لغة ، منها قولهم : أنّها من سور المدينة لإحاطتها بآياتها واجتماعها كاجتماع البيوت بالسور (١).

٢ ـ في المصطلح الإسلامي القرآني :

جزء من القرآن يفتتح بالبسملة ما عدا سورة البراءة ، ويشتمل على آي ذوات عدد ، وقد جاءت بالمعنى الاصطلاحي في القرآن الكريم بلفظ المفرد تسع مرّات ، وبلفظ الجمع مرّة واحدة.

وإنّ أصغر سور القرآن الكوثر وأكبرها البقرة.

٣ ـ في القرآن الكريم :

نرى أن اسماء سور القرآن المنحصرة باسم واحد مثل (الرحمن) و (الانفال) و (الانعام) مصطلحات اسلامية نزلت عن طريق الوحي الى رسول الله (ص) وما اشتهر لها اسمان أو أكثر مثل سورة الاسراء التي تسمى ايضا بني اسرائيل ينبغي أن ندرس الروايات المروية عن الرسول (ص) في شأن تعدد أسماء بعض السور لمعرفة المصطلح الإسلامي منهما عن مصطلح المسلمين.

__________________

(١) راجع مادة (السورة) في معجم ألفاظ القرآن الكريم.

٢٧٨

ب ـ الآية :

في اللغة :

أشهر معاني «الآية» في اللغة : العلامة الواضحة للشيء المحسوس ، والامارة الدالّة على المراد للأمر المعقول.

ومثال الأول قوله تعالى في سورة مريم في حكاية قول زكريا (ع) :

(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) (الآية / ١٠) أي : قال اجعل لي علامة واضحة ...

ومثال الثاني قوله تعالى في سورة يوسف :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) (الآية / ١٠٥) أي كم من أمارة تدلّ على قدرة الله وحكمته ، أو غيرها من صفاته يمرّون عليها وهم عنها معرضون.

وقول الشاعر :

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

في المصطلح الاسلامي :

ما قاله الراغب في مفردات القرآن.

(ويقال لكلّ جملة من القرآن دالّة على حكم : آية ، سورة كانت ، أو فصولا ، أو فصلا من سورة.

وقد يقال لكلّ كلام منه ، منفصل بفصل لفظي : آية.

وعلى هذا اعتبار آيات السورة الّتي تعدّ بها السورة) (١)

__________________

(١) اخترنا ذكر أشهر معنى للآية في اللغة والتي تتناسب مع المعنى الاصطلاحي.

٢٧٩

وتضاف اليه الحروف المقطعة المبدوء بها بعض سور القرآن مثل قوله تعالى في سورة البقرة : (الم ذلِكَ الْكِتابُ ...) وفي سورة فصلت : (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قال المؤلف :

إنّ الراغب وإن لم يفرّق بين المعنى اللغوي للآية والّذي قدّم ذكره وبين معانيها في المصطلح الإسلامي والّتي أخّر ذكرها ، غير أنّا لمّا وجدنا المجموعة الثانية لم ترد عند العرب وإنّما جاءت في الكتاب والسنّة خاصّة ، وشاع فيهما استعمال «الآية» في تلك المعاني ، قلنا بأنها من معاني «الآية» في المصطلح الإسلامي ، وكذلك القاعدة في معرفة المصطلح الإسلامي ، مثل مصطلح الصلاة والزكاة والخمس في الشريعة الإسلامية.

وإنّ الراغب في تعريفه معنى «الآية» قسم ما وصفناه بالمصطلح الاسلامي إلى قسمين :

١ ـ ما اعتبر (الحكم) في التسمية ، حيث قال :

(كلّ جملة دالة على حكم آية ، سورة كانت أو ...).

٢ ـ ما اعتبر (اللفظ) في التسمية ، حيث قال :

(كلّ كلام ...).

ونحن بعد البحث والفحص عن موارد استعمال (الآية) في القرآن الكريم وجدنا الراغب مصيبا في قوله ، وإليكم الدليل على ذلك :

أولا ـ وجدنا من أمثلة القسم الأوّل :

١ ـ قوله تعالى في سورة البقرة :

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (١٠٦).

٢ ـ قوله تعالى في سورة النحل / ١٠١ :

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) ٣ ـ وقوله تعالى في سورة الأحزاب في خطابه لأزواج النبي (ص) :

٢٨٠