القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

ج ـ في ما يخص الصحابة :

مما نزل في شأن الصحابة في مكة

قوله تعالى في سورة النمل :

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (الآية / ١٠٦)

(أخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه ، والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر ، فلم يتركوه ، حتى سبّ النبي (ص) وذكر آلهتهم بخير ، ثم تركوه ، فلما أتى رسول الله (ص) قال : ما وراءك شيء؟

قال : شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير.

قال : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئن بالايمان.

قال : إن عادوا فعد. فنزلت : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)

وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين «إن النبي (ص) لقى عمارا وهو يبكي ، فجعل يمسح عن عينيه ويقول : أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا ... فإن عادوا فقل ذلك لهم».

وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) نزلت في عمار بن ياسر ، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر وقالوا : اكفر بمحمد (ص) فاتبعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت) (١).

__________________

(١) السيوطي ٤ / ١٣٢.

٢٤١

مما نزل في شأن الصحابة في المدينة

١ ـ آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات / ٢).

في صحيح البخاري في سورة الحجرات عن عبد الله بن الزبير ، أخبرهم أنّه قدم ركب من بني تميم على النبي (ص) ، فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد.

وقال عمر بل أمّر الاقرع بن حابس.

فقال أبو بكر : ما أردت إلى أو إلّا خلافي.

فقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ، فنزل في ذلك يا أيّها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ، حتى انقضت الآية. (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)(١).

وفي حديث قبله :

كاد الخيّران ان يهلكا : أبا بكر وعمر.

٢ ـ آية : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آل عمران / ١٥٥).

في تفسير الآية بتفسير الطبري والسيوطي عن ابن اسحاق انه قال : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ). فلان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان الانصاريان ، ثم الزرقيان.

وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله (ص) حتى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الأغوص ، وفر عقبة بن عثمان ، حتى بلغوا الجلعب ـ جبل بناحية المدينة مما يلي الأغوص ـ فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله (ص) ،

__________________

(١) صحيح البخاري كتاب التفسير تفسير سورة الحجرات ٣ / ١٩٠ ـ ١٩١.

٢٤٢

فزعموا أن رسول الله (ص) قال : «لقد ذهبتم فيها عريضة» (١).

وفي تفسير السيوطي : أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن ابن عوف (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) قال : هم ثلاثة. واحد من المهاجرين ، واثنان من الانصار (٢).

وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) قال : نزلت في رافع بن المعلى وغيره من الانصار ، وأبي حذيفة بن عتبة ، ورجل آخر (٣).

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : كان الذين ولوا الدبر يومئذ : عثمان بن عفان ، وسعد بن عثمان ، وعقبة بن عثمان ، أخوان من الأنصار من بني زريق.

وكان فرار عثمان يوم أحد ممّا يعاب عليه كما عاب عليه عبد الرحمن بن عوف فاجاب عثمان كيف يعيرني وقد عفا الله عني فقال (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ ...)(٤).

وقال الرازي في تفسير الآية : واعلم أن المراد : أن القوم الذين تولوا يوم أحد عند التقاء الجمعين وفارقوا المكان ، وانهزموا قد عفا الله عنهم.

اختلفت الأخبار فيمن ثبت ذلك اليوم وفيمن تولى ، فذكر محمد بن اسحاق أن ثلث الناس كانوا مجروحين ، وثلثهم انهزموا ، وثلثهم ثبتوا ، واختلفوا في المنهزمين ، فقيل : ان بعضهم ورد المدينة وأخبر أن النبي (ص) قتل ، وهو سعد ابن عثمان ، ثم ورد بعده رجال دخلوا على نسائهم ، وجعل النساء يقلن : عن رسول الله (ص) تفرون!

__________________

(١) تفسير الطبري ٤ / ٩٦ ، والسيوطي ٢ / ٨٩.

(٢) الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٨٨ ـ ٨٩.

(٣) تفسير الطبري ٤ / ٩٦.

(٤) الدر المنثور للسيوطي ٢ / ٨٨ ـ ٨٩.

٢٤٣

وكن يحثين التراب في وجوههم ، ويقلن : هاك المغزل اغزل به ، ومنهم قال : ان المسلمين لم يعدوا الجبل.

قال القفال والذي تدل عليه الأخبار في الجملة أن نفرا منهم تولوا وأبعدوا ، فمنهم من دخل المدينة ، ومنهم من ذهب الى سائر الجوانب ، وأما الاكثرون فانهم نزلوا عند الجبل واجتمعوا هناك ومن المنهزمين عمر ، إلّا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل الى أن صعد النبي (ص) ، ومنهم أيضا عثمان انهزم مع رجلين من الانصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام ، فقال لهم النبي (ص) «لقد ذهبتم فيها عريضة» (١).

دراسة الخبر :

في الرواية الاولى فلان وسعد وعقبة الانصاريان.

وفي خبر ما كان يعيبه عبد الرحمن بن عوف على عثمان نفهم انه كان عثمان الذي أصبح بعد ذلك خليفة ، ولم يستحسنوا ذكر اسمه.

٣ ـ آية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (الآية / ٦).

في تفسير الآية بتفسير الطبري والسيوطي عن أم سلمة (رض) قالت : بعث النبي (ص) الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق يصدق أموالهم ، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله (ص) ، فحدّثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، فرجع الى رسول الله (ص) ، فقال : إن بني المصطلق منعوا صدقاتهم ، فبلغ القوم رجوعه ، فأتوا رسول الله (ص) فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا ، فسررنا لذلك ، وقرّت أعيننا ثم إنه رجع من بعض

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٩ / ٥٠.

٢٤٤

الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ورسوله ، ونزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ...) الآية (١).

٤ ـ آية : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام / ٩٣).

أخرج السيوطي عن أبي خلف الأعمى قال : كان ابن أبي سرح يكتب للنبي (ص) الوحي ، فأتى أهل مكة ، فقالوا : يا ابن أبي سرح كيف كتبت لابن أبي كبشة القرآن؟

قال : كنت أكتب كيف شئت ، فأنزل الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً)(٢).

وفي المستدرك عن شرحبيل بن سعد قال : نزلت في عبد الله بن أبي سرح (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) الآية.

فلما دخل رسول الله (ص) مكة فرّ إلى عثمان أخيه من الرضاعة ، فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكّة ، ثم استأمن له (٣).

٥ ـ آية : (... وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (الاسراء / ٦٠)

وفي تفسير الطبري والسيوطي بسندهما عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله (ص) بني فلان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك ، فما

__________________

(١) تفسير الطبري ٢٦ / ٧٨ ، وتفسير السيوطي ٦ / ٨٨ ـ ٩٢.

(٢) الدر المنثور للسيوطي ٣ / ٣٠.

(٣) المستدرك للحاكم ٣ / ٤٥ ـ ٤٦.

٢٤٥

استجمع ضاحكا حتى مات ، وأنزل الله (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(١).

وفي تفسير السيوطي عن ابن أبي حاتم بسنده عن يعلى بن مرة قال : قال : رسول الله (ص) : أريت بني أميّة على منابر الأرض وسيتملكونكم فتجدونهم أرباب سوء.

واهتمّ رسول الله (ص) لذلك : فأنزل الله (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٢).

وفي تفسير السيوطي عن ابن مردويه بسنده عن الحسين بن علي : ان رسول الله (ص) أصبح وهو مهموم ، فقيل : مالك يا رسول الله؟ فقال : «إنّي أريت في المنام كأنّ بني أمية يتعاورون منبري هذا».

فقيل : يا رسول الله ، لا تهتم فإنّها دنيا تنالهم. فأنزل الله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(٣).

وفي تفسير السيوطي عن ابن ابي حاتم بسنده عن ابن عمر : أنّ النبيّ (ص) قال : رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة وأنزل الله في ذلك (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) يعني : الحكم وولده (٤).

وفي تفسير السيوطي عن ابن عساكر وغيره بسندهم عن سعيد بن المسيب قال : رأى رسول الله (ص) بني أمية على المنابر ، فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه (إنّما هي دنيا أعطوها) ، فقرت عينه ، وهي قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي

__________________

(١) تفسير الطبري ١٥ / ٧٧ والدر المنثور للسيوطي ٤ / ١٩١.

(٢) تفسير السيوطي ٤ / ١٩١.

(٣) تفسير السيوطي ٤ / ١٩١.

(٤) تفسير الدر المنثور للسيوطي ٤ / ١٩١.

٢٤٦

أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)(١).

وفي تفسير السيوطي عن ابن مردويه بسنده عن عائشة أنّها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله يقول لأبيك وجدك : إنكم الشجرة الملعونة في القرآن (٢).

دراسة الخبر :

في الرواية رأى رسول الله (ص) بني فلان ينزون على منبره. فمن هم بنو فلان؟

هم بنو أمية الذين أصبحوا بعد الرسول ولاة المسلمين ولذلك لم يصرح الراوي بذكرهم.

__________________

(١) تفسير الدر المنثور للسيوطي ٤ / ١٩١.

(٢) تفسير الدر المنثور للسيوطي ٤ / ١٩١.

٢٤٧

خلاصة بحث أخبار سيرة الرسول في القرآن الكريم ونتائجها وآثارها :

جاء في تفسير الآيات :

أن آية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) هم الرسول وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

وأن تفسير أبناءنا في آية المباهلة هما الحسن والحسين وأنفسنا علي بن أبي طالب ونساءنا فاطمة.

وفي خبر إرسال الآيات الأولى من سورة البراءة إلى المشركين أن رسول الله بعثها مع الصحابيين أبي بكر وعمر ثم أمر الله رسوله أن يبعثها مع علي ففعل ذلك.

وفي تفسير (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ...) أن الرسول جمع الحجيج ، وأخذ بيد علي وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ... الحديث.

وفي تفسير (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) هو الامام علي.

وفي تفسير آية النجوى الذي دفع الصدقة وناجى الرسول (ص) بين الصحابة هو الامام علي.

وفي تفسير آية (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ...) هو الامام في مقابل العباس عم النبي الذي تفاخر بسقاية الحاج وطلحة الداري الذي تفاخر بعمارة البيت.

وفي تفسير آية : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) انّهما أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة.

وفي تفسير آية : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) انّه الصحابي عمار ابن ياسر.

٢٤٨

وفي تفسير آية : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) ان المقصود به الصحابيان أبي بكر وعمر.

وفي تفسير آية : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) ان المقصود به الخليفة عثمان ومن فرّ معه يوم أحد.

وفي تفسير آية : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ ...) انه الوليد بن عقبة.

وفي تفسير آية : (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ) هو عبد الله بن ابي سرح.

وفي تفسير آية : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) انهم بنو أمية.

***

كان ذلكم خلاصة البحث أما نتائجه وآثاره ، فسوف ندرسها في بحث اختلاف المصاحف وزيادة القرآن ونقصانه ان شاء الله تعالى ، وكان كل ما أوردناه الى هنا من بحوث قرآنية تخص عصر الرسول وفي ما يأتي ندرس باذنه تعالى المصطلحات القرآنية.

٢٤٩
٢٥٠

بحوث تمهيدية

(٣)

مصطلحات اسلامية قرآنية

أ ـ الوحي ونزوله.

ب ـ القرآن والكتاب والمصحف.

ج ـ السورة والآية.

د ـ الجزء والحزب.

ه ـ التلاوة والقراءة.

و ـ الجامع والحافظ.

ز ـ الترتيل والتجويد.

ح ـ النسخ.

الخلاصة.

٢٥١
٢٥٢

مقدّمة البحث :

لعلوم الاسلام كسائر العلوم مصطلحات بها تفتح أبوابها وتدرك بحوثها ومع الأسف الشديد لم يعن العلماء منذ قرون بدراسة مصطلحات علوم القرآن كما عنوا ـ مثلا ـ بمصطلحات علوم الفقه ، وعلى أثرها عرف المسلمون أحكام الاسلام مدى القرون.

ولعدم عنايتهم بدراسة مصطلحات علوم القرآن التبس أمر مصطلحات الاسلام في علوم القرآن بمصطلحات المسلمين فيها ، ولم تفهم معنى الروايات التي رويت في شأن النسخ والقراءة والمصاحف وامثالها من بحوث علوم القرآن ، وأدّى ذلك الى القول بعدم ثبوت النص القرآني الذي أوحي الى الرسول (ص) في عصرنا ـ معاذ الله ـ واخطاء كبيرة أخرى تعرضنا لدراستها خلال بحوث هذا الكتاب ، ويتوقف فهم المصطلحات القرآنية على استيعاب معاني المصطلحات التي شرحناها في الجزء الأول من كتابنا «قيام الأئمة باحياء السنة».

وفي البحوث الآتية محاولة متواضعة لتعريف المصطلحات الاسلامية ومصطلحات المسلمين في علوم القرآن ، فإن أصبت فيها فمن الله ، وإن اخطأت فمني وحسبي نجاحا ان أوفق لجلب نظر الباحثين في هذه العلوم إلى ضرورة القيام بدراسة تلك المصطلحات وعدم الركون الى بحوث السلف الصالح في شأنها وتقليدهم فيها والله المسئول ان يأخذ بايدينا في سلوك هذا الطريق إنه نعم المولى ونعم النصير.

٢٥٣
٢٥٤

أولا ـ الوحي ونزوله :

أ ـ الوحي في اللغة والمصطلح الاسلامي :

في اللغة :

أوحى إليه وله : أشار وأومأ ، وكلمه بكلام خفي يخفى على غيره ، وأمره ، وألهمه ، وأوحى فلان الكلام إلى فلان : ألقاه إليه (١).

في المصطلح الاسلامي :

الكلمة الالهية التي يلقيها الى أنبيائه ورسله بواسطة ملك يشاهده الرسول ويسمع كلامه ، كتبليغ جبرئيل لخاتم الأنبياء (ص) أو سماع كلام الله من غير معاينة ، كسماع موسى كلام الله.

أو بالرؤيا في المنام كما أخبر الله عن قول إبراهيم لابنه اسماعيل في سورة الصافات :

(إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الآية / ١٠٢)

أو بأنواع اخرى من الوحي يعلمه الله وتدركه رسله صلوات الله عليهم

__________________

(١) مصدرنا في ما نذكر من معاني المصطلحات :

أ ـ مفردات القرآن للأصبهاني ب ـ معجم ألفاظ القرآن الكريم.

٢٥٥

أجمعين.

ومن موارد استعماله في المصطلح الإسلامي في القرآن الكريم قوله تعالى :

أ ـ في سورة النساء / ١٦٣ :

(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ)

ب ـ في سورة الشورى / ٧ :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)

ج ـ في سورة المؤمنون / ٢٧ :

(فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا)

د ـ في سورة الاعراف :

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (الآية / ١١٧)

(... وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ ...) (الآية / ١٦٠).

ب ـ نزول الوحي وتنزيله :

١ ـ نزل نزولا :

انحطّ من علوّ الى سفل مكانا أو معنى ، ونزول الكتب السماويّة بلوغها إلى من أنزلت عليه.

٢ ـ تنزّل تنزّلا :

نزل في تمهل وتدرّج.

٣ ـ أنزله نزولا ونزّله تنزيلا :

٢٥٦

جعله ينزل والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة ان التنزيل يخصّ بالموضع الذي يشير إلى إنزاله ويكون التنزيل تدريجيا بينما الإنزال عامّ.

ومثال النزول من الأعلى مكانا إلى الأسفل قوله ـ تعالى ـ في سورة النحل / ٦٥.

(وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ)

ومثال النزول المعنوي وبلوغ الكتب السماوية الى من أنزلت عليه قوله تعالى :

أ ـ في سورة الشعراء / ١٩٣ ـ ١٩٤ :

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ)

ب ـ في سورة طه / ٢ :

(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى)

ومثال التنزل في تمهل وتدرج قوله تعالى في سورة فصّلت / ٣٠ :

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) ومثال الاختصاص بالموضع الذي يشير إلى انزاله قوله تعالى :

أ ـ في سورة الانعام / ٧ :

(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)

ب ـ في سورة الانعام / ١١١ :

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ...).

ومثال الانزال التدريجي. قوله تعالى في سورة الاسراء / ١٠٦ :

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً)

٢٥٧

وجاء في القرآن نزل وأنزل بمعنى أوحى في قوله تعالى :

أ ـ في سورة البقرة / ٤ :

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)

ب ـ في سورة آل عمران :

(وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) (الآيات / ٣ ـ ٤)

ج ـ في سورة يوسف / ٢ :

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

د ـ في سورة الإنسان / ٢٣ :

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً)

ه ـ و (نزل به) في قوله تعالى في سورة الشعراء :

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الآيات / ١٩٢ ـ ١٩٥)

كما جاء أوحى بمعنى نزل وأنزل في قوله تعالى :

أ ـ في سورة الشورى / ٧ :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)

ب ـ في سورة الانعام / ١٩ :

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)

والوحي والإنزال من الله قد يكون معناه ولفظه وكتابته من الله سبحانه وينزله الله مرّة واحدة على رسوله كما كان شأن التوراة حيث قال الله سبحانه في سورة الأعراف :

٢٥٨

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً)

وقد يكون لفظه ومعناه من الله وينزل متدرجا على الرسول (ص) كما قال سبحانه في وصف القرآن :

أ ـ في سورة المزمل :

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً).

ب ـ في سورة الاسراء :

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً).

وقد يوحي الله المعنى الى رسوله ويبلغ الرسول (ص) المعنى بلفظه وهو بعض من سنّة الرسول أي حديثه كما روى الدارمي بسنده وقال :

«كان جبريل ينزل على رسول الله بالسنّة كما ينزل بالقرآن» (١).

وكذلك كان الله يوحي إلى الرسول (ص) ببيان الآيات مع إنزال الآيات كما أخبر الله تعالى عن ذلك في سورة القيامة حيث قال تعالى :

(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)

خلاصة البحث :

أولا ـ الوحي :

الوحي في المصطلح الاسلامي : كلمة الله ـ جل اسمه ـ الّتي يلقيها الى أنبيائه ورسله بسماع كلام الله ـ جل جلاله ـ دونما رؤية الله ـ سبحانه ـ مثل تكليمه موسى بن عمران (ع) ، أو بنزول ملك يشاهده الرسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل (ع) لخاتم الأنبياء (ص) ، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا

__________________

(١) سنن الدارمي ١ / ١٤٥ المقدمة باب السنة قاضية على القرآن.

٢٥٩

إبراهيم (ع) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (ع) ، أو بأنواع أخرى لا يبلغ إدراكها علمنا.

ثانيا ـ نزول الوحي :

أنزل الله وحيه وكتابه ونزّله : جعله ينزل.

وانزال القرآن والملائكة الى محل نزوله مثل قلب النبي والتنزيل : إنزال تدريجي للوحي أو الكتاب والإنزال عامّ.

والتنزّل : نزول في تمهل وتدرّج.

واستعمل نزل وأنزل في القرآن الكريم بمعني أوحاه ، وكذلك العكس.

ثالثا ـ ما أوحى الله إلى رسله :

ينقسم ما أوحى الله إلى رسله إلى قسمين :

أ ـ ما أوحي إليهم لفظه ومعناه وكان ذلك شأن كتبه التي أنزلها إلى رسله وآخرها القرآن الكريم.

ب ـ ما أنزل الله المعنى وبلّغته رسله بلفظهم وهذا ما يسمى بالمصطلح الإسلامي سنّة الرسول ومن جملتها أحاديث الرسول (ص) في تفسير آي القرآن وبيان مجملها ومتشابهها.

٢٦٠