القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

«اللهمّ هؤلاء آلي فصل على محمّد وآل محمّد».

نزل الله عزوجل :

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

وفي رواية أمّ المؤمنين عائشة : أنّ الكساء كان مرطا مرحّلا من شعر أسود (١).

وفي رواية الصّحابيّ واثلة بن الأسقع : إنّ رسول الله أدنى عليّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كلّ واحد منهما على فخذه ... الحديث (٢).

وفي رواية أمّ المؤمنين أمّ سلمة قالت : نزلت هذه الآية في بيتي : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...) وفي البيت سبعة : جبرئيل وميكائيل (ع) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (رض) وأنا على باب البيت ، قلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟

__________________

(١) المرط : كساء من صوف أو خز. والمرحل من الثياب : ما أشبهت نقوشه رحال الإبل. وعائشة بنت أبي بكر وأمّها أم رومان. ولدت في السنة الرابعة بعد البعثة ، بني بها الرسول (ص) بعد ثمانية عشرة شهرا من هجرته إلى المدينة. وتوفّيت سنة ٥٧ أو ٥٨ أو ٥٩ ، وصلّى عليها أبو هريرة. وروى عنها أصحاب الصحاح ٢٢١٠ أحاديث ، راجع كتابنا أحاديث عائشة. وروايتها في شأن نزول آية التطهير في صحيح مسلم ٧ / ١٣٠ ، باب فضائل أهل بيت النبي. ومستدرك الصحيحين ٣ / ١٤٧. وبتفسير الآية في تفسير ابن جرير والدر المنثور للسيوطي وآية المباهلة في تفسير الزمخشري والرازي. وسنن البيهقي ٢ / ١٤٩.

(٢) واثلة بن الأسقع الليثي : أسلم والنبيّ يتجهّز إلى تبوك. وقيل إنّه خدم النبي ثلاث سنوات ومات سنة خمس وثمانين أو ثلاث وثمانين بدمشق أو ببيت المقدس. روى عنه أصحاب الصحاح ٥٦ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص ٢٧٩. وروايته في شأن آية التطهير بسنن البيهقي ٢ / ١٥٢ ، ورواية أخرى منه بمسند أحمد ٤ / ١٠٧. ومستدرك الصحيحين ٢ / ٤١٦ و ٣ / ١٤٧. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٧. وابن جرير والسيوطي في تفسير الآية من تفسيريهما. وأسد الغابة ٢ / ٢٠.

٢٢١

قال : «إنك إلى خير. إنك من أزواج النبيّ» (١).

وقد روى شأن نزول آية التّطهير غير من ذكرنا كلّ من :

أ ـ عبد الله بن عباس (٢).

ب ـ عمر بن أبي سلمة (٣) ربيب النبيّ (ص).

ج ـ أبو سعيد الخدري (٤).

د ـ سعد بن أبي وقاص (٥).

__________________

(١) رواية أم سلمة في تفسير الآية بتفسير السيوطي ٥ / ١٩٨ و ١٩٩.

ورواية أخرى في سنن الترمذي ، ١٣ / ٢٤٨. ومسند أحمد ٦ / ٣٠٦. وأسد الغابة ٤ / ٢٩ ، و ٢ / ٢٩٧. وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٩٧.

وأخرى بمستدرك الصحيحين ٢ / ٤١٦ و ٣ / ١٤٧. وسنن البيهقي ٢ / ١٥٠. وأسد الغابة ٥ / ٥٢١ و ٥٨٩. وفي تاريخ بغداد ٩ / ١٢٦. وأخرى : بمسند أحمد ٦ / ٢٩٢.

(٢) رواية ابن عباس بمسند أحمد ١ / ٣٣٠ ، وخصائص النسائي ص ١١. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٩. ومجمع الزوائد ٩ / ١١٩ و ٢٠٧ ، وتفسير الآية بالدر المنثور.

(٣) عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد أبو حفص المخزومي : ربيب رسول الله ، أمّه أمّ سلمة. ولد في الحبشة. شهد مع عليّ الجمل ، واستعمله على البحرين وعلى فارس. توفّي سنة ٨٣ ه‍ روى عنه أصحاب الصحاح ١٢ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص : ٢٨٤. وحديثه بشأن آية التطهير في : «فضائل الخمسة» ١ / ٢١٤ عن صحيح الترمذي ٢ / ٢٠٩.

(٤) رواية أبي سعيد في تفسير الآية بتفسير ابن جرير والسيوطي وتاريخ بغداد ١٠ / ٢٧٨. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٧ و ١٦٩.

(٥) سعد بن أبي وقاص. ـ مرّت ترجمته في بحث (خصائص المجتمع الاسلامي على عهد عمر) وأبي أن يبايع عليّا ، وأبي على معاوية أن يسبّ عليّا. ودسّ إليه معاوية السمّ لمّا أراد أن يبايع ليزيد ، فمات. وروى عنه أصحاب الصحاح ٢٧١ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وصحيح مسلم ٧ / ١٢٠ وأحاديث أم المؤمنين عائشة ١ / ٣٥٦ ط. بيروت ١٤٠٥ ه‍.

وروايته بشأن آية التطهير في خصائص النسائي ص ٤ ـ ٥. وسنن الترمذي ١٣ / ١٧١ ـ ١٧٢.

٢٢٢

ه ـ أنس بن مالك (١) ، وغيرهم (٢).

واستشهد بها الحسن السبط (ع) على المنبر (٣) ، وعليّ بن الحسين (ع) في الشّام (٤).

كان رسول الله بعد نزول هذه الآية عدّة أشهر يأتي إلى باب دار عليّ وفاطمة يسلّم عليهم ويقرأ الآية. قال ابن عبّاس :

شهدت رسول الله (ص) تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت كلّ صلاة فيقول : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...) الصّلاة رحمكم الله» كلّ يوم خمس مرّات (٥).

وعن أبي الحمراء ، قال : حفظت رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة ، إلّا أتى باب عليّ ، فوضع يده على جنبتي الباب ، ثم قال : «الصلاة ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...)» (٦).

__________________

(١) رواية أنس بن مالك في سنن الترمذي ١٣ / ٢٤٨. ومجمع الزوائد ٩ / ٢٠٦.

(٢) مثل قتادة في تفسير الآية عند ابن جرير والسيوطي وعطية بترجمته بأسد الغابة ٣ / ٤١٣ ، ومعقل بن يسار ، راجع سنن الترمذي ١٣ / ٢٤٨.

(٣) روي استشهاد السبط بمستدرك الصحيحين ٣ / ١٧٢. ومجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ و ١٧٢.

(٤) علي بن الحسين : أمّه بنت يزدجرد كما في الباب العاشر من ربيع الأبرار للزمخشري راجع ج ٢ ورقة ٤٤ ، مصورة مكتبة أمير المؤمنين في النجف تسلسل ٢٠٥٩ ، أدب. وماتت في نفاسها به ، فكفله بعض أمهات ولد أبيه ، وزوّجها علي بن الحسين بعد أبيه (عيون أخبار الرضا ٢ / ١٢٨) ويبدو أنها كانت تسمى غزالة. توفي علي بن الحسين بالمدينة سنة خمس وتسعين. وروى عنه أصحاب الصحاح بعض الأحاديث واستشهاده بآية التطهير جاء في تفسير الآية بتفسير الطبري.

ترجمته بوفيات الأعيان ٢ / ٤٢١. وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٠٣.

(٥) رواية ابن عباس في تفسير الآية وآية (وَأْمُرْ أَهْلَكَ). من الدر المنثور.

(٦) أبو الحمراء : مولى رسول الله ، اسمه هلال بن الحارث أو ابن ظفر ، والحديث بترجمته في الاستيعاب ٢ / ٥٩٨. وأسد الغابة ٥ / ١٧٤. ومجمع الزوائد ٩ / ١٦٨.

٢٢٣

وقال أبو برزة : إنّه صلّى مع رسول الله سبعة أشهر ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمة ... (١).

وعن أنس بن مالك ستّة أشهر (٢). وروى ـ أيضا ـ غيرهم في ذلك.

٢ ـ آية المباهلة :

قال الله سبحانه في سورة آل عمران :

(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (الآية / ٥٩)

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (الآية / ٦١)

تفصيل الخبر :.

في السنة العاشرة من الهجرة كتب رسول الله (ص) الى نصارى نجران يدعوهم الى الإسلام (٣).

قال المقريزي :

وأرسل نصارى نجران العاقب والسّيّد في نفر ، فأرادوا مباهلة رسول الله (ص) ، فخرج ومعه فاطمة وعليّ والحسن والحسين ـ عليهم‌السلام ـ. فلما

__________________

(١) أبو برزة الأسلمي : اختلفوا في اسمه. توفّي في البصرة سنة ستّين أو أربع وستّين. روى عنه أصحاب الصحاح ٢٠ أو ٤٦ حديثا. ترجمته بأسد الغابة وجوامع السيرة ص ٢٨٠ و ٢٨٣.

وحديثه المذكور في مجمع الزوائد ٩ / ١٦٩ ، لفظه : سبعة عشر شهرا ونراه من غلط النساخ. (٢) رواية أنس بمسند أحمد ٣ / ٢٥٢. والطيالسي ٧ / ٢٧٤ ، ح ٢٥٠٩. وأسد الغابة ٥ / ٥٢١. وتفسير الآية عند ابن جرير والسيوطي.

(٣) تاريخ ابن كثير ٥ / ٥٣ ـ ٥٤ ، ط سنة ١٣٥١ ه‍ ط. السعادة.

٢٢٤

رأوهم قالوا : هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها!!

ولم يباهلوا ، وصالحوا على ألفي حلة : ثمن كل حلة أربعون درهما ، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله (ص). وجعل لهم ـ عليه‌السلام ـ ذمّة الله وعهده على ألا يفتنوا عن دينهم ، ولا يعشروا ، ولا يحشروا ، ولا يأكلوا الرّبا ولا يتعاملوا به (١).

وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسندهم عن سعد بن ابي وقاص قال :

ولمّا نزلت هذه الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) دعا رسول الله (ص) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

وفي مسند أحمد أهل بيتي (٢).

شرح الكلمات :

نجران : من بلاد اليمن.

وابتهل الى الله : تضرع واجتهد في الدعاء.

ولا يعشروا : لا يؤخذ عشر أموالهم في التجارات.

ولا يحشروا : لا يؤخذوا الى المغازي.

وفصل الخبر ابن كثير في تاريخه (٣).

__________________

(١) امتاع الاسماع للمقريزي ص ٥٠٢ العاقب والسيد من رؤساء نصارى نجران. ط ، القاهرة ١٩٤١ م.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٠ وسنن الترمذي ط. المدينة ٤ / ١٩٣ ومسند احمد ١ / ١٨٥ ومستدرك الحاكم ٣ / ١٥٠ وراجع حوادث السنة العاشرة في تاريخ ابن الاثير ٢ / ١١٢ وأسد الغابة ٤ / ٢٦ وفي تفسير الآية في تفسير ابن كثير عن جابر ١ / ٣٧٠.

(٣) تاريخ ابن كثير ٥ / ٥٤ ـ ٥٥.

٢٢٥

٣ ـ الآيات الأولى من سورة براءة وخبر تبليغها :

قال الله سبحانه :

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ* وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ* فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الآيات / ١ ـ ٥)

كيفية تبليغ الآيات لكفار قريش :

في سنن الترمذي وتفسير الطبري وخصائص النسائي ومستدرك الصحيحين وغيرها عن أنس وابن عبّاس وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري وعمر بن ميمون وعليّ بن أبي طالب (١) ، وأبي بكر. ونختار هنا ذكر موجز رواية الامام عليّ الواردة في مسند أحمد ، قال :

دعا النبيّ أبا بكر فبعثه ببراءة لأهل مكّة ، لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلّا نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين

__________________

(١) سنن الترمذي ١٣ / ١٦٤ ـ ١٦٥. ومسند احمد ١ / ١٥١ ، و ٣ / ٢٨٣ ، وراجع ١ / ١٥٠. وخصائص النسائي ص ٢٨ ـ ٢٩. وتفسير الطبري ١٠ / ٤٦. ومستدرك الصحيحين ٣ / ٥١ و ٥٢. ومجمع الزوائد ٧ / ٢٩ ، و ٩ / ١١٩.

٢٢٦

رسول الله (ص) مدّة فأجله إلى مدّته ، والله بريء من المشركين ورسوله.

قال : فسار بها ثلاثا ثمّ قال لعليّ : «الحقه فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت».

قال : ففعل. فلمّا قدم على النبيّ (ص) أبو بكر بكى وقال : يا رسول الله حدث فيّ شيء؟

قال : «ما حدث فيك إلّا خير ، ولكنيّ أمرت أن لا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي» (١).

وفي رواية عبد الله بن عمر : «ولكن قيل لي : أنّه لا يبلّغ عنك إلّا أنت أو رجل منك» (٢).

وفي رواية أبي سعيد الخدري : «لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي» (٣).

تدلّنا القرائن الحالية والمقالية في المقام ، أنّ القصد من التبليغ في هذه الروايات وما شابهها تبليغ ما أوحى الله إلى رسوله من أحكام إلى المكلّفين بها في بادئ الأمر ، وهذا ما لا يقوم به إلّا الرسول أو رجل من الرسول.

ويقابل هذا التبليغ التبليغ الّذي يقوم به المكلّفون بتلك الأحكام بعد ما بلّغوا بها بواسطة الرسول أو رجل من الرسول ، فإنّ لهم عند ذاك أن يقوموا بتبليغها إلى غيرهم ، ويطّرد جواز هذا التبليغ ورجحانه ويتسلسل مع كلّ من بلغه الحكم إلى أبد الدهر.

وواضح أنّ الرسول (ص) عنى بقوله : «لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي» التبليغ من النوع الأوّل.

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣ ، ح ٤ من مسند أبي بكر وقال أحمد شاكر : (اسناده صحيح). وراجع كنز العمال ط : ٢ ، ٢ / ٢٦٧ و ٢٧٠ وذخائر العقبى ص ٦٩.

(٢) في مستدرك الصحيحين ٣ / ٥١.

(٣) في الدرّ المنثور بتفسير : بَراءَةٌ مِنَ اللهِ.

٢٢٧

٤ ـ آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...)

روى الحاكم الحسكاني :

(عن ابن عباس وجابر قالا : أمر الله محمدا (ص) أن ينصب عليّا للناس ليخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله (ص) أن يقولوا حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة / ٦٧).

فقال رسول الله (ص) بولايته يوم غدير خمّ) (١).

وروى عن زياد بن المنذر أنّه كان يقول : (كنت عند أبي جعفر محمد بن عليّ (ع) وهو يحدّث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى ـ كان يروي عن الحسن البصري ـ فقال له : يا ابن رسول الله ، جعلني الله فداك ، إنّ الحسن يخبرنا أنّ هذه الآية نزلت بسبب رجل ، ولا يخبرنا من الرجل (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...). فقال : لو أراد أن يخبر به لأخبر به ، ولكنّه يخاف.

إنّ جبرئيل هبط إلى النبيّ (ص) ـ إلى قوله : ـ فقال : إنّ الله يأمرك أن تدلّ أمّتك على وليّهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجّهم ، ليلزمهم الحجّة من جميع ذلك ، فقال رسول الله (ص) : يا ربّ إنّ قومي

__________________

(١) الحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، الحذاء الحنفي النيسابوري ، من أعلام القرن الخامس الهجري ، ترجمته في تذكرة الحفاظ ط. الهند ٤ / ٣٩٠ ، وط. مصر ٣ / ١٢٠٠ ، بآخر الطبقة ١٤. وقد رجعنا إلى كتابه شواهد التنزيل لقواعد التفصيل في الآيات النازلة في أهل البيت ، تحقيق محمد باقر المحمودي ط. بيروت عام ١٣٩٣ ه‍. والحديث في ١ / ١٩٢ ورقم الحديث ٢٤٩.

٢٢٨

قريب وعهد بالجاهليّة ، وفيهم تنافس وفخر ، وما منهم رجل إلّا وقد وتره وليهم ، وإني أخاف ـ أي من تكذيبهم ـ. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ـ يريد فما بلّغتها تامة ـ (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلمّا ضمن الله له بالعصمة وخوفه أخذ بيد عليّ ...) (١).

وروى الحاكم الحسكاني :

عن ابن عبّاس في حديث المعراج ، أنّ الله ـ عزّ اسمه ـ قال لنبيّه في ما قال : «وإنّي لم أبعث نبيّا إلّا وجعلت له وزيرا ، وإنّك رسول الله (ص) وإنّ عليّا وزيرك».

قال ابن عباس : [فهبط](٢) رسول الله (ص) فكره أن يحدث الناس بشيء منها إذ كانوا حديثي عهد بالجاهليّة ـ إلى قوله : ـ فاحتمل رسول الله حتّى إذا كان اليوم الثامن عشر أنزل الله عليه : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) ـ إلى قوله : ـ فقال : «يا أيّها الناس ، إنّ الله أرسلني إليكم برسالة ، وإنّي ضقت بها ذرعا ، مخافة أن تتّهموني وتكذّبوني ، حتّى عاتبني ربّي فيها بوعيد أنزله عليّ ...» (٣).

وروى الحسكاني وابن عساكر : عن أبي هريرة : أنزل الله عزوجل :

يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ـ في عليّ بن أبي طالب ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ... (٤).

قصد أبو هريرة أنّ المقصود أن يبلّغ ما نزل في عليّ.

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ١٩١ ، وراجع تفسير الآية في أسباب النزول للواحدي ، ونزول القرآن لأبي نعيم.

(٢) كذا جاءت.

(٣) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣ ، وفي ص ١٨٩ منه نزول الآية فقط.

(٤) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٨٧ ، ورواها ابن عساكر بترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق بطرق كثيرة في الحديث ٤٥٢.

٢٢٩

روى الحسكاني : (عن عبد الله بن أبي اوفى ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول يوم غدير خمّ وتلا هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) ثمّ رفع يديه حتّى يرى بياض إبطيه ، ثمّ قال : «ألّا من كنت مولاه ...») (١).

وروى الواحدي في أسباب النزول والسيوطي في الدّر المنثور عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(٢).

وفي تفسير السيوطي : (عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله (ص) يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ـ أنّ عليا مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ...) (٣).

قصد ابن مسعود أنّهم كانوا على عهد رسول الله يقرءون في تفسير الآية هكذا.

وكان نزول هذه الآية في غدير خمّ ، وفي ما يلي تفصيل الخبر.

__________________

(١) الحسكاني ١ / ١٩٠.

وعبد الله بن أبي أوفى : علقمة بن خالد الحارث الأسلمي. صحابيّ شهد الحديبية ، وعمّر بعد النبيّ (ص) ، مات سنة ست أو سبع وثمانين ، وهو آخر من مات بالكوفة من الصحابة. وأخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح. ترجمته بتقريب التهذيب ١ / ٤٠٢. وأسد الغابة ٣ / ١٢١.

(٢) أسباب النزول ص : ١٣٥. والدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨ ، وأراه هو الحديث المرقم ٢٤٤ من شواهد التنزيل ، وراجع فتح القدير ٢ / ٥٧ ، وتفسير النيسابوري ٦ / ١٩٤.

الواحدي ، هو أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت : ٤٦٨ ه‍) ، ورجعنا إلى كتابه أسباب النزول ط. بيروت سنة ١٣٩٥ ه‍.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٢٩٨.

٢٣٠

خبر الغدير :

لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع (١) نزلت عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة (٢) آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...)(٣). فنزل غدير خمّ من الجحفة (٤) وكان يتشعب منها طريق المدينة ومصر والشام (٥) ووقف هناك حتّى لحقه من بعده وردّ من كان تقدّم (٦) ونهى أصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهنّ ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهن من الشوك (٧) ونادى بالصلاة جامعة (٨) وعمد إليهنّ (٩) وظلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس (١٠) ، فصلى الظهر بهجير (١١) ، ثمّ قام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر ووعظ ، وقال ما شاء الله أن يقول ، ثم قال : «إنّي أوشك ان أدعى فأجيب ، وإنّي مسئول وأنتم مسئولون ، فما ذا أنتم قائلون؟»

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٠٥ و ١٦٣ ـ ١٦٥. وأنقل عن هذه الصفحات في ما يأتي من هذا البحث.

(٢) رواه الحاكم الحسكاني في ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٣) سبق ذكر مصادره.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥. وابن كثير ٥ / ٢٠٩ ـ ٢١٣.

(٥) مادة (الجحفة) من معجم البلدان.

(٦) في تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٣.

(٧) مجمع الزوائد ٩ / ١٠٥ والسمر : نوع من الشجر ، وقم : كنس ، وقريب منه لفظ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٨) مسند أحمد ٤ / ٢٨١. وسنن ابن ماجة باب فضل علي ، وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩ ، و ٥ / ٢١٠.

(٩) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ـ ١٦٥.

(١٠) مسند أحمد ٤ / ٣٧٢. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

(١١) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، سنن ابن ماجة باب فضل علي. وابن كثير ٥ / ٢١٢.

٢٣١

قالوا : نشهد أنّك بلّغت ونصحت فجزاك الله خيرا.

قال : «أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله وأنّ الجنّة حقّ وأنّ النار حقّ؟».

قالوا : بلى نشهد ذلك.

قال : «اللهمّ اشهد».

ثمّ قال : «ألا تسمعون؟».

قالوا : نعم.

قال : «يا أيّها الناس إنّي فرط وأنتم واردون عليّ الحوض وإن عرضه ما بين بصرى إلى صنعاء (١) فيه عدد النجوم قدحان من فضّة ، وإنّي سائلكم عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

فنادى مناد : وما الثقلان يا رسول الله؟

قال : «كتاب الله ، طرف بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ، لا تضلّوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، وقد نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، سألت ذلك لهما ربّي ، فلا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فهم أعلم منكم» (٢).

ثم قال : «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟».

قالوا : بلى يا رسول الله (٣).

قال : «ألستم تعلمون ـ أو تشهدون ـ أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟»

__________________

(١) كانت بصرى اسما لقرية بالقرب من دمشق ، وأخرى بالقرب من بغداد.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٦٥ ، وبعض ألفاظه في روايات الحاكم ٣ / ١٠٩ ـ ١١٠ ، وابن كثير ٥ / ٢٠٩.

(٣) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩ ، ٤ / ٢٨١. وسنن ابن ماجة ١ / ٤٣ ح ١١٦ ، وجاء (نعم) في مسند أحمد ٤ / ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢. وابن كثير ٥ / ٢٠٩ ، ولدى ابن كثير ٥ / ٢١٠ : (ألست أولى بكلّ امرئ من نفسه).

٢٣٢

قالوا : بلى يا رسول الله (١).

ثمّ ، أخذ بيد عليّ بن أبي طالب بضبعيه ، فرفعها ، حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيهما (٢) ، ثمّ قال : «أيّها الناس! الله مولاى وأنا مولاكم (٣) ؛ فمن كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه. (٤) اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه (٥) ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله (٦) ، وأحبّ من أحبّه ، وأبغض من أبغضه» (٧).

ثمّ قال : «اللهمّ اشهد» (٨).

ثمّ لم يتفرقا ـ رسول الله وعليّ ـ حتّى نزلت هذه الآية :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (المائدة / ٣).

__________________

(١) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧٢ ، وابن كثير ٥ / ٢٠٩ و ٢١٢.

(٢) في رواية الحاكم الحسكاني ١ / ١٩٠ ، فرفع يديه حتّى يرى بياض إبطيه. وفي ص ١٩٣ منه : حتّى بان بياض إبطيهما. وضبعاه : الضّبع بسكون الباء : وسط العضد بلحمه. لسان العرب مادة : (ضبع).

(٣) الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ / ١٩١ ، وعند ابن كثير ٥ / ٢٠٩ : وأنا مولى كلّ مؤمن.

(٤) في جميع المصادر الّتي ذكرناها إلى هنا في جميع روايات الباب.

(٥) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩ و ٤ / ٢٨١ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٣٧٣ و ٥ / ٣٤٧ و ٣٧٠. ومستدرك الحاكم ٣ / ١٠٩. وسنن ابن ماجة ، باب فضل عليّ. والحاكم الحسكاني ١ / ١٩٠ و ١٩١. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩ و ٢١٠ ـ ٢١٣ ، وقال ابن كثير في ٥ / ٢٠٩ : فقلت لزيد : هل سمعته من رسول الله؟ فقال : ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنيه. ثمّ قال ابن كثير : قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح.

(٦) مسند أحمد ١ / ١١٨ و ١١٩. ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٤ و ١٠٥ و ١٠٧. وشواهد التنزيل ١ / ١٩٣. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠ و ٢١١.

(٧) شواهد التنزيل للحسكاني ١ / ١٩١. وتاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

(٨) شواهد التنزيل ١ / ١٩٠.

٢٣٣

فقال رسول الله (ص) : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعلي (١).

وفي باب ما نزل من القرآن بالمدينة من تاريخ اليعقوبي :

(إنّ آخر ما نزل عليه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ...) وهي الرواية الصحيحة الثابتة ، وكان نزولها يوم النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ بغدير خمّ) (٢).

فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك ، فقال له :

هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، اصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٣).

وفي رواية قال له : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب (٤).

وفي رواية أخرى : هنيئا لك يا ابن ابي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٥).

٥ ـ آية الولاية :

قال الله سبحانه في سورة المائدة

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (الآية / ٥٥)

في تفسير الطبري ، وأسباب النزول للواحدي وشواهد التنزيل للحاكم

__________________

(١) رواه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري ١ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ح ٢١١ و ٢١٢ ، وعن أبي هريرة ص ١٥٨ ح ٢١٣ ، وفي تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٤ بإيجاز.

(٢) اليعقوبي ٢ / ٤٣.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٤٨١. ولفظ (بعد ذلك) من تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

(٤) شواهد التنزيل ١ / ١٥٧ و ١٥٨.

(٥) مسند أحمد ٤ / ٢٨١ ، وسنن ابن ماجة باب فضائل عليّ ، والرياض النضرة ٢ / ١٦٩ ، ولفظ (بعد ذلك) في تاريخ ابن كثير ٥ / ٢١٠.

٢٣٤

الحسكاني وأنساب الأشراف للبلاذري وغيرها (١) : عن ابن عباس وأبي ذرّ وأنس بن مالك والإمام عليّ وغيرهم ما خلاصته :

(إنّ فقيرا من فقراء المسلمين دخل مسجد الرسول (ص) وسأل ، وكان عليّ راكعا في صلاة غير فريضة ، فأوجع قلب عليّ كلام السائل ، فأومأ بيده اليمنى إلى خلف ظهره ، وكان في إصبعه خاتم عقيق يماني أحمر يلبسه في الصلاة ، وأشار الى السائل بنزعه ، فنزعه ، ودعا له ومضى ، فما خرج أحد من المسجد حتّى نزل جبرئيل (ع) بقول الله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ ...) الآية.

فأنشأ حسّان بن ثابت يقول أبياتا منها قوله :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكع

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

فأثبتها في محكمات الشرائع

٦ ـ آية النجوى :

قال الله سبحانه في سورة المجادلة / ١٢.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً)

__________________

(١) تفسير الطبري ٦ / ١٨٦. وأسباب النزول للواحدي ص ١٣٣ ـ ١٣٤ ، وفي شواهد التنزيل ١ / ١٦١ ـ ١٦٤ خمس روايات عن ابن عباس وفي ص ١٦٥ ـ ١٦٦ روايتان عن أنس بن مالك ، وستّ روايات أخرى في ص ١٦٧ ـ ١٦٩. وأنساب الأشراف للبلاذري ح ١٥١ من ترجمة الإمام ١ / الورقة ٢٢٥. وغرائب القرآن للنيسابوري بهامش الطبري ٦ / ١٦٧ ـ ١٦٨. وأخرج السيوطي كثيرا من روايتها في تفسيره ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، وقال في لباب النقول في أسباب النزول ص ٩٠ ـ ٩١ بعد إيراد الروايات : (فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضا).

٢٣٥

قال الطبري : (نهوا عن مناجات النبيّ (ص) حتّى يتصدّقوا ، فلم يناجه أحد إلّا عليّ بن أبي طالب) (١).

وفي أسباب النزول للواحدي وغيره عن الإمام عليّ : (كان لي دينار فبعته وكنت إذا ناجيت الرسول (ص) تصدّقت بدرهم حتّى نفد) (٢).

وفي رواية : (كان عندي دينار فصرفته بعشر دراهم فكنت إذا جئت إلى النبيّ (ص) ...) (٣).

وروى الزمخشري في تفسير الآية (أنّه تصدق في عشر كلمات سألهنّ رسول الله (ص)).

وفي رواية عن الإمام : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي :

آية النجوى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ ...) الآية ، كان عندي دينار ـ إلى قوله : ـ ثمّ نسخت فلم يعمل بها أحد ، فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ...) (المجادلة / ١٣) (٤).

٧ ـ آية سورة براءة :

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (الآيات / ١٩ ـ ٢٠)

__________________

(١) تفسير الطبري ٢٨ / ١٤ ـ ١٥. والدرّ المنثور ٦ / ١٨٥.

(٢) أسباب النزول للواحدي ص ٣٠٨ ، والطبري في تفسير الآية.

(٣) تفسير الآية في الدرّ المنثور ٦ / ١٨٥. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٥.

(٤) تفسير السيوطي ٦ / ١٨٥. والرياض النضرة ٢ / ٢٦٥. والكشاف ٤ / ٧٦.

٢٣٦

(أخرج ابن ابي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس (رض) في قوله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ...) الآية.

وذلك أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله ، وقيام على السقاية ، خير ممن آمن وجاهد ، فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره ، فذكر الله استكبارهم واعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين ... الى قوله : (لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

واخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (رض) قال : قال العباس (رض) حين أسر يوم بدر : إن كنتم سبقتمونا بالاسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني ، فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ...) الآية. يعني أن ذلك كان في الشرك فلا أقبل ما كان في الشرك.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس (رض) (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...) الآية. قال : نزلت في علي بن أبي طالب والعباس (رض).

وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي (رض) قال : افتخر طلحة ابن شيبة ، والعباس ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت معي مفتاحه.

وقال العباس (رض) : أنا صاحب السقاية والقائم عليها.

فقال علي (رض) : ما أدري ما تقولون : لقد صليت الى القبلة قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ...) الآيات العشر.

وأخرج أبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن أنس (رض) قال : قعد العباس وشيبة صاحب البيت يفتخران ، فقال له العباس (رض) : أنا أشرف منك ، أنا عم رسول الله (ص) ووصيي أبيه ، وساقي الحجيج ، فقال شيبة : أنا

٢٣٧

أشرف منك ، أنا أمين الله على بيته وخازنه ، أفلا ائتمنك كما ائتمنني؟ فاطلع عليهما عليّ (رض) فأخبراه بما قالا. فقال علي (رض) أنا أشرف منكما ، أنا أوّل من آمن وهاجر. فانطلقوا ثلاثتهم إلى النبي (ص) فأخبروه. فما أجابهم بشيء ، فانصرفوا فنزل عليه الوحي بعد أيام ، فأرسل إليهم فقرأ عليه (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ...) إلى آخر الآيات.

وأخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حيان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير (رض) قال : كنت عند منبر رسول الله (ص) في نفر من اصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ان لا أعمل لله عملا بعد الاسلام إلا أن اسقي الحاج.

وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام.

وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم.

فزجرهم عمر (رض) وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (ص) ـ وذلك يوم الجمعة ـ ولكن إذا صليتم الجمعة دخلت على رسول الله (ص) فأستفتيه فيما اختلفتم فيه ، فأنزل الله (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ) إلى قوله (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١).

ب ـ آيات تخصّ زوجات الرسول (ص):

آيات سورة التحريم.

قال الله سبحانه في سورة التحريم :

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ

__________________

(١) الدر المنثور للسيوطي ٣ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

٢٣٨

الْخَبِيرُ* إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ* عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (الآيات / ٢ ـ ١٢)

أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس انه قال : كنت أريد أن أسال عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله فمكثت سنة لم أجد له موضعا حتّى خرجت معه حاجا فلمّا كنّا بمرّ الظهران ذهب عمر لحاجته ، فقال : أدركني بالوضوء.

فأدركته بالإداوة ، فجعلت اسكب عليه الماء ، ورأيت موضعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان اللتان تظاهرتا؟

٢٣٩

قال ابن عباس «فما أتممت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة» (١).

ولفظ الحديث في مسند الطيالسي : (فقلت : يا أمير المؤمنين أريد أن أسألك عن حديث منذ سنة فمنعتني هيبتك أن أسألك.

قال : لا تفعل ، إذا علمت أن عندي علما فسلني قال : قلت أسألك عن حديث المرأتين ، قال : نعم حفصة وعائشة ...) الحديث (٢).

وفي مسند أحمد : أردت أن أسأل عمر فمكثت سنتين ... الحديث (٣).

ولفظ الحديث في رواية اخرى عن ابن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبيّ اللتين قال الله ـ تعالى ـ (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) حتّى حجّ وحججت معه ... ـ الى قوله ـ قال عمر : واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ... الحديث (٤).

__________________

(١) البخاري كتاب التفسير تفسير سورة التحريم باب تبتغي مرضاة أزواجك ٣ / ١٣٧ ـ ١٣٨ ، وكتاب اللباس باب ما كان النبي يتجوّز من اللباس والبسط ٤ / ٢٢ ، ومسلم كتاب الطلاق ٢ / ١١٠٨ و ١١١١.

مرّ الظهران : الظهران واد قرب مكّة وعنده قرية يقال لها مر تضاف إلى هذا الوادي ويقال مرّ الظهران. الحموي ، معجم البلدان.

الاداوة : إناء صغير من جلد.

(٢) مسند الطيالسي الحديث ٢٣.

(٣) مسند احمد ١ / ٤٨.

(٤) البخاري باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها ج ٣ / ١٧٢ وكتاب المظالم باب الغرفة والعليّة ٢ / ٤٧ والنسائي كتاب الصوم باب كم الشهر ١ / ٣٠٢ ، وطبعة تصحيح محمد فؤاد عبد الباقي ٤ / ١٣٧ ، والترمذي سورة التحريم من كتاب التفسير ٢ / ٤٠٩ ط. الهند وطبعة مصر سنة ١٣٥٣ ه‍ ١١ / ٢٠٩ وابن سعد في الطبقات ٨ / ١٨٢ و ١٩٠ ، وراجع تفسير القرطبي ١٨ / ١٨٩ وطبعة اخرى افست على طبعة مصر سنة ١٣٩٢ ٢٨ / ١٠٢ ، ومسلم ط. بيروت ٢ / ١١٠٨ كتاب الطلاق ، كنز العمال ٢ / ٣٣٢ كتاب التفسير تفسير سورة التحريم ط. حيدرآباد سنة ١٣٦٤ ه‍.

٢٤٠