القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

تعلقه بهم دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم (١).

ويرد على قول أنس بالاضافة إلى ما ذكروا :

إنّ المهاجرين سبقوا الأنصار إلى الإسلام عشر سنوات وأكثر من ذلك أو أقلّ ، فكيف لم يكن فيهم مهاجريّ واحد قد جمع القرآن ، وقد كان الصحابة الآتية أسماؤهم ممّن جمع القرآن على عهد النبي (ص) :

أ ـ علي بن أبي طالب (٢).

ب ـ سعد بن عبيد بن النعمان بن زيد.

ج ـ أبو الدرداء عويمر بن زيد.

د ـ أبو زيد ثابت بن زيد بن النعمان.

ه ـ عبيد بن معاوية بن زيد بن الضحاك.

و ـ أمّ ورقة بنت عبد الله.

***

ينقسم الذين جمعوا القرآن على عهد الرسول إلى صنفين منهم من اشتهروا بذلك وهم من مشاهير الصحابة وفي مقدمتهم الإمام علي وفي ما يأتي نورد مثالا بخبر واحد من أخبار من اشتهر بالقراءة والإقراء من المهاجرين.

جاء في كنز العمال :

عن زر بن حبيش قال : قرأت القرآن من أوله إلى آخره على علي بن أبي طالب ، فلما بلغت الحواميم قال : لقد بلغت عرائس القرآن ، فلما بلغت رأس ثنتين وعشرين آية من حمعسق (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ

__________________

(١) الاتقان للسيوطي ١ / ٧٢ ـ ٧٣.

(٢) جاء تفصيل أخذ الامام علي القرآن وتفسير القرآن من الرسول في الجزء الثاني من معالم المدرستين في بحث أسناد حديثهم إلى جدهم الرسول (ص) من الفصل الرابع.

١٨١

الْجَنَّاتِ) الآية بكى حتى ارتفع نحيبه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا زرّ أمّن على دعائي ، ثم قال : اللهم إنّي أسألك إخبات المخبتين ، واخلاص الموقنين ، ومرافقة الأبرار ...

وقال في آخر الدعاء :

يا زرّ إذا ختمت فادع بهذه فإنّ حبيبي رسول الله (ص) أمرني أن أدعو بهنّ عند ختم القرآن.

وزرّ بن حبيش أبو مريم أبو مطرف الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. روى عن عمر وعثمان وعلي وأبي ذر.

قال ابن سعد وابن معين : كان ثقة كثير الحديث وكان عالما بالقرآن توفي سنة ٨٣ وعمره ١٢٧ (١).

وهذا الحديث يدل على انّ الإمام عليا كان قد جمع القرآن كلّه على عهد الرسول (ص) أمّا عن ظهر قلب أو مكتوبا في نسخة ولما علمنا في ما ذكرناه في المجلد الثاني من معالم المدرستين وما سيأتي ذكره في المجلد الثاني من هذا الكتاب ان الرسول (ص) والإمام علي كانا يجتمعان يوميا ويملي الرسول (ص) عليه ما أوحي إليه خلال تغيب أحدهما عن الآخر فلا بدّ أن يكون الإمام علي قد أخذ القرآن من الرسول (ص) وعلى أي حال فان الحديث يدل على ان الإمام عليا كان يختم القرآن على عهد الرسول (ص) ، وممّن أقرأ القرآن غيره.

ويضاف إلى المشهورين من القرّاء في الصحابة القرّاء السبعون من أصحاب الرسول (ص) الآتي خبرهم :

__________________

(١) كنز العمال ٢ / ٣٥١ ، رقم الحديث ٤٢٢١ ؛ وذكر سنة وفاته بترجمته من الاصابة ٢ / ٥٦٠ ؛ وتهذيب التهذيب ٣ / ٣٢١ ؛ وحلية الأولياء لأبي نعيم ٤ / ١٨١. وزرّ : بكسر الزاي وتشديد الراء.

١٨٢

خبر القرّاء السبعين من أصحاب رسول الله الّذين استشهدوا

قال ابن سعد :

في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة قدم عامر بن مالك أبو براء ملاعب الأسنة الكلابي على رسول الله (ص) ، فأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال : لو بعثت معي نفرا من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك ، فقال : إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال : أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد. فبعث معه رسول الله (ص) سبعين رجلا من الأنصار شببة يسمّون القرّاء وأمّر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي ، فلمّا نزلوا ببئر معونة ، وهو ماء من مياه بني سليم وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم ، كلا البلدين يعدّ منه وهو بناحية المعدن ، نزلوا عليها وعسكروا بها وسرحوا ظهرهم وقدّموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله (ص) ، إلى عامر ابن الطفيل فوثب على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا وقالوا : لا يخفر جوار أبي براء ، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم عصيّة ورعلا وذكوان فنفروا معه ورأسوه. واستبطأ المسلمون حراما فأقبلوا في أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا فقتل أصحاب رسول الله (ص) ، وفيهم سليم ابن ملحان والحكم بن كيسان في سبعين رجلا ، فلمّا أحيط بهم قالوا : اللهمّ إنّا لا نجد من يبلغ رسولك منّا السلام غيرك فأقرئه منّا السلام. فأخبره جبرائيل (ع) بذلك فقال : وعليهم‌السلام ؛ وبقي المنذر بن عمرو فقالوا : إن شئت آمناك ، فأبى وأتى مصرع حرام فقاتلهم حتى قتل ؛ وكان معهم عمرو بن أميّة الضمري فقتلوا جميعا غيره ، فقال عامر بن الطّفيل : قد كان على أميّ نسمة فأنت حرّ عنها ، وجزّ ناصيته. وفقد عمرو بن أميّة عامر ابن فهيرة من بين القتلى فسأل عنه عامر بن الطّفيل فقال : قتله رجل من بني كلاب يقال له

١٨٣

جبّار بن سلمى ، لمّا طعنه قال : فزت والله! (١).

وفي صحيح البخاري :

قال أنس : كنّا نسميهم القراء يحطبون بالنهار ويصلون بالليل (٢).

وجاء أكثر تفصيلا في طبقات ابن سعد حيث قال :

جاء ناس إلى النبيّ (ص) فقالوا : ابعث معنا رجالا يعلّمونا القرآن والسنّة. فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القرّاء فيهم خالي حرام ، كانوا يقرءون القرآن ويتدارسون بالليل ويتعلّمون ، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه بالمسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة والفقراء فبعثهم النبيّ (ص) إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان ... الحديث (٣).

ومن القرّاء من لم يشتهر في عداد قراء الصحابة مثل :

أ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص.

جاء في كنز العمال : عن عبد الله بن عمرو قال : جمعت القرآن ، فقرأت به في ليلة ، فقال رسول الله (ص) : اقرأه في شهر ، قلت يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي ، قال : اقرأه في عشرين ، قلت يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي ، قال : اقرأه في عشر ، قلت يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي ، قال : اقرأه في سبع ليال ، قلت يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي فأبى (٤).

ب وج ـ ابن أم عبد ـ عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ / ٥١ ـ ٥٢.

(٢) صحيح البخاري ٢ / ١٢١ ، كتاب الجهاد والسير ، باب العون بالمدد.

(٣) طبقات ابن سعد ٢ / ٣.

(٤) كنز العمال ٢ / ٣٥١ ، رقم الحديث ٤٢٢١.

١٨٤

روي عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله (ص) يقول خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد وبدأ به ومن أبي بن كعب ومن سالم مولى أبي حذيفة ومن معاذ بن جبل (١).

وهذا الحديث يدلّ على انّ هؤلاء الأربعة أما أن يكون كل واحد منهم قد جمع القرآن عن ظهر قلب ولاطمئنان الرسول (ص) بذلك يهدي المسلمين أن يأخذوا القرآن منهم أو أن يكون لدى كل واحد منهم نسخة كاملة من القرآن الكريم ودلالة الحديث على الأمر الثاني أقوى وأهمّ.

د ـ ه ـ و ـ ز ـ ح ـ ط : أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعثمان بن عفّان وتميم الداريّ ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء لما جاء في طبقات ابن سعد (٢) ، باب ذكر من جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) :

أولا ـ عن محمد بن سيرين قال : جمع القرآن على عهد النبي (ص) ، أبيّ ابن كعب وزيد بن ثابت وعثمان بن عفّان وتميم الداريّ (٣).

ثانيا ـ عن عامر الشعبي قال : جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ، ستّة رهط من الأنصار : معاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو زيد وسعد بن عبيد ، قال : قد كان بقي على المجمّع بن جارية سورة أو سورتان حين قبض النبيّ (٤).

__________________

(١) راجع ترجمته في الاستيعاب ١ / ٣٦٠ و ٢ / ٥٦٢ ، وأسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ؛ والاتقان للسيوطي ١ / ٧٢.

(٢) طبقات ابن سعد ٢ / ٣٥٥.

(٣) محمد بن سيرين الأنصاري ، أبو بكر بن أبي عمرة ، البصري ، ثقة ، ثبت عابد ، كبير القدر ، كان لا يرى الرواية بالمعنى ، من الثالثة ـ الطبقة الوسطى من التابعين ، مات سنة عشر ومائة (تقريب التهذيب ٢ / ١٦٩).

(٤) عامر بن شراحيل الشعبي : أبو عمرو ، ثقة ، مشهور ، فقيه فاضل ، من الثالثة ـ

١٨٥

وجاء فيه ـ أيضا ـ عن الشعبي :

قال : جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) ، ستّة نفر : أبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وسعد وأبو زيد. قال : وكان مجمّع ابن جارية قد جمع القرآن إلّا سورتين أو ثلاثا ، وكان ابن مسعود قد أخذ بضعا وتسعين سورة وتعلّم بقيّة القرآن من مجمّع.

ي ـ ثابت بن زيد بن قيس بن زيد الخزرجي الحارثي ويكنى أبا زيد أخبرنا أبو زيد الأنصاري البصري النحوي واسمه سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير بن أبي زيد قال : وثابت بن زيد بن قيس هو جدّي ، وقد شهد أحدا وهو أحد الستّة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله (ص) وكان قد نزل البصرة واختطّ بها ، ثمّ قدم المدينة فمات بها في خلافة عمر بن الخطاب فوقف عمر على قبره فقال : رحمك الله أبا زيد ، لقد دفن اليوم أعظم أهل الأرض أمانة (١).

وموجز الخبر بترجمته في الاصابة ١ / ٢٢٠ وفي أسد الغابة ١ / ٢٦٩ : وهذا غير أبو زيد الذي جاء اسمه في رواية أنس والذي جمع القرآن على عهد النبي (ص) اختلفوا في اسمه وقد رجعنا في ترجمته إلى الاصابة حيث قال :

(أبو زيد) الذي جمع القرآن ـ وقع في حديث أنس في صحيح البخاري غير مسمى وقال أنس هو أحد عمومتي واختلفوا في اسمه فقيل أوس وقيل ثابت بن زيد وقيل معاذ وقيل سعد بن عبيد وقيل قيس بن السكن وهذا هو الراجح كما بينته في حرف القاف.

وقال في حرف القاف ما موجزه.

__________________

ـ الطبقة الوسطى من التابعين ـ قال مكحول : ما رأيت أفقه منه ، مات بعد المائة ، وله نحو من ثمانين (تقريب التهذيب ١ / ٣٨٧).

(١) طبقات ابن سعد ٧ / ٢٧.

١٨٦

(قيس) بن السكن بن زعوراء وقيل بن السكن وزعوراء قيس آخر الأنصاري ـ ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدرا.

وفي صحيح البخاري عن أنس في تسمية من جمع القرآن أبو زيد قال أنس هو أحد عمومتي وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج عن البخاري وابن حبان وابن السكن وابن منده من الوجه الذي أخرجه منه البخاري وزادوا أن اسمه قيس بن السكن وكان من بني عدي بن النجار ومات ولم يدع عقبا قال أنس فورثناه.

وانما قلنا ان أبا زيد الثاني غير أبى زيد الأول لأنّ الأول كان له عقب بالبصرة وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب وأبو زيد الثاني والمستخرج ترجمته من رواية أنس قال عنه استشهد ببدر ونحن ورثناه وهذا الصحابي لم نجد له ذكرا في غير روايات أنس وعلى ذلك يسوغ لنا أن نعده من الصحابة المختلقين.

تراجم القرّاء من الصحابة(١)

ونبدأ بذكر تراجم من وجدنا أسماءهم ممن استشهد منهم يوم بئر معونة :

أ ـ أميرهم : المنذر بن عمرو الساعدي الخزرجي كان يكتب بالعربية قبل الإسلام وكان أحد النقباء الاثني عشر في بيعة العقبة الثانية أمّره رسول الله (ص) على أصحاب بئر معونة فاستشهد كما ذكرناه (طبقات ابن سعد ٣ / ٥٥٥).

ب ـ أبو شيخ أبي بن ثابت بن المنذر من بني النجار شهد بدرا وأحدا واستشهد يوم بئر معونة (طبقات ابن سعد ٣ / ٥٠٤).

ج ود ـ أنس وأبي ابني معاذ بن أنس من بني ساعدة

__________________

(١) اقتصرنا في إيراد تراجم القراء من الصحابة على إيراد تراجم غير المشهورين من الصحابة ولا حاجة لا يراد تراجم القرّاء المشهورين مثل الخلفاء.

١٨٧

من الأنصار ، شهد أنس بدرا وأحدا وشهد معه أحدا أخوه أبي وشهدا ـ أيضا ـ بئر معونة واستشهدا في المعركة (طبقات ابن سعد ٣ / ٥٠٢).

ه ـ أبو سعد الحارث بن الصمّة من بني النجار كان ممن خرج مع رسول الله (ص) إلى بدر فكسر بالروحاء فردّه الرسول (ص) وضرب له بسهمه وأجره ، شهد أحدا واستشهد في بئر معونة (الاستيعاب بهامش الاصابة ٢ / ٢٩٨ ؛ وأسد الغابة ١ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ؛ والاصابة ٢ / ٢٨٠ ؛ وطبقات ابن سعد ٣ / ٥٠٨ ـ ٥٠٩).

ووز ـ سليم وحرام ابني ملحان الخزرجي من بني النجار خالا أنس بن مالك ، استشهدا في المعركة ، جاء رجل خلف حرام فطعنه برمح فقال حرام فزت وربّ الكعبة (طبقات ابن سعد ٣ / ٥١٤ ـ ٥١٥ ؛ وأسد الغابة ١ / ٢٩٥ و ٢ / ٣٥٠).

ح ـ عروة بن أسماء بن الصلت السلمي

حليف لبني عمرو بن عوف من الأنصار ، حرص المشركون بعروة أن يؤمنوه فأبى وقال : لا أقبل لكم أمانا ولا أرغب بنفسي عن مصرع أصحابي وقاتل حتى استشهد (طبقات ابن سعد ٤ / ٣٧٧ ـ ٣٧٨).

ط وي ـ مالك وسفيان ابنا ثابت

قال ابن سعد : وهما من النبيت من الأنصار ذكرهما محمد بن عمر في كتابه في من استشهد يوم بئر معونة ... وقال ابن حجر مالك بن ثابت الأنصاري الأوسي من بني النبيت وقال الواقدي : قتل يوم بئر معونة (طبقات ابن سعد ٤ / ٣٧١ ؛ والاصابة ٣ / ٣٢١).

ك ـ مسعود بن سعد بن قيس من بني زريق

شهد بدرا وأحدا ويوم بئر معونة وقتل يومئذ شهيدا (طبقات ابن سعد ٣ / ٥٩٦).

ل ـ معاذ بن ماعض الأنصاري الزرقي

١٨٨

الثبت انه شهد بدرا وأحدا وبئر معونة وقتل يومئذ شهيدا (طبقات ابن سعد ٣ / ٥٩٦ ؛ وراجع الاصابة ٣ / ٤٠٩).

م ـ المنذر بن محمد بن عقبة الخزرجي قتل يوم بدر شهيدا ولا عقب له (طبقات ابن سعد ٣ / ٤٧٣ ؛ وراجع ترجمته في الاصابة).

ومن حلفاء الأنصار كان :

ن ـ عامر بن فهيرة مولى الخليفة أبي بكر

أسلم بمكة قبل أن يدخل رسول الله (ص) دار الأرقم ويدعو فيها وكان من المستضعفين بمكة وعذب ليترك دينه فلما هاجر إلى المدينة آخى الرسول (ص) بينه وبين الحارث بن أوس. قتل في بئر معونة ولم يوجد جسده حين دفن وكانوا يرون إن الملائكة هي التي دفنته (طبقات ابن سعد ٣ / ٢٣٠ ـ ٢٣١ ؛ وراجع ترجمته في الاصابة).

وكان من ضمنهم من غير الأنصار :

س ـ الحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة

والد أبي جهل وأسر في غير قريش التي أصابها عبد الله بن جحش بنخلة في أول سرية بعثها رسول الله (ص) أسره المقداد بن عمرو وأراد أمير السرية أن يضرب عنقه ، فقال له المقداد دعه نقدم به على رسول الله (ص) فلما قدموا عليه جعل رسول الله (ص) يدعوه إلى الإسلام ، فأطال ، فقال عمر : علام تكلّم هذا يا رسول الله؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد ، دعني أضرب عنقه ويقدم إلى أمّه الهاوية. فجعل النبي (ص) لا يقبل على عمر حتى أسلم الحكم فقال عمر : فما هو إلّا أن رأيته قد أسلم حتى أخذني ما تقدم وما تأخر وقلت : كيف أردّ على النبيّ (ص) ، أمرا هو أعلم به مني ثمّ أقول إنّما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله؟ فقال عمر : فأسلم والله فحسن إسلامه وجاهد في الله

١٨٩

حتى قتل شهيدا ببئر معونة ، ورسول الله (ص) راض عنه ودخل الجنان (طبقات ابن سعد ٤ / ١٣٧ ؛ والاصابة ١ / ٣٤٩).

ع ـ نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي

شهد بئر معونة واستشهد فقال ابن رواحة ينعى نافعا :

رحم الله نافع بن بديل

رحمة المبتغين ثواب الجهاد

(طبقات ابن سعد ٤ / ٢٩٤ ؛ والاصابة ٣ / ٥١٤).

ف ـ عبد الله بن قيس بن صرمة بن أبي أنس استشهد يوم بئر معونة (الاستيعاب ١ / ٣٨٠).

ونجى منهم :

ص ـ عمرو بن أميّة بن خويلد من بني عبد مناة بن كنانة أسرته بنو عامر وقال له عامر بن الطفيل ـ رئيس المشركين ـ انه كان على أميّ نسمة فأنت حرّ عنها وحزّ ناصيته فقدم المدينة وأخبر رسول الله (ص) بقتل من قتل فسرّ رسول الله (ص) بقدومه ودعا له بخير (طبقات ابن سعد ٤ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ؛ واختصر ترجمته في الاصابة).

***

كان ذلكم ما وجدنا من تراجم السبعين من القراء في يوم بئر معونة وفي ما يأتي تراجم غيرهم من قراء الصحابة :

١ ـ أبو الطفيل وأبو المنذر أبي بن كعب بن قيس الخزرجي من بني النجار شهد بيعة العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله (ص).

وبترجمته في طبقات ابن سعد (٢ / ٤٩٨ ـ ٥٠٢) وتاريخ ابن عساكر وتهذيبه ومختصره (٤ / ١٩٧ ـ ٢٠٤) ما موجزه :

كان أبي بن كعب يكتب في الجاهلية قبل الإسلام وكتب الوحي لرسول الله (ص) وقرأ القرآن عليه وقال للخليفة عمر : إني تلقيت القرآن ممّن تلقا

١٩٠

من جبرائيل وهو رطب.

وفي طبقات ابن سعد عن أبيّ أنّه كان يختم القرآن في ثماني ليالي وكان تميم الداري يختمه في سبع.

وفي تاريخ ابن عساكر خطب عمر فقال :

من كان يريد أن يسأل عن القرآن فليأت أبيّ بن كعب ، ومن كان يريد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ، ومن كان يريد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن كان يريد أن يسأل عن المال فليأتني ، فإنّ الله جعلني له خازنا وقاسما ... الحديث.

ورويا بسندهما عن جندب بن عبد الله البجلي ما موجزه :

قال : أتيت المدينة ابتغاء العلم ، وإذا النّاس في مسجد رسول الله (ص) حلق حلق يتحدثون ؛ قال : فجعلت أمضي الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب ، عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر ، فسمعته يقول : هلك أصحاب العقدة وربّ الكعبة ، ولا آسى عليهم ، قالها ثلاث مرّات ؛ قال : فجلست إليه فتحدث بما قضي له ، ثم قام ، فلما قام سألت عنه ، قلت : من هذا؟ قالوا : هذا أبيّ بن كعب سيّد المسلمين ؛ فتبعته حتى أتى منزله ، فإذا هو رثّ المنزل ، ورثّ الكسوة يشبه بعضه بعضا ، فسلمت عليه ، فردّ عليّ السّلام ، ثم سألني : من أنت؟ قلت : من أهل العراق ؛ قال : أكثر شيء سؤالا! قال : فلما قال ذاك غضبت فجثوت على ركبتيّ ، واستقبلت القبلة ، ورفعت يدي ، فقلت : اللهم إنّا نشكوهم إليك ، إنّا ننفق نفقاتنا ، وننصب أبداننا ، ونرحل مطايانا ابتغاء العلم ، فإذا لقيناهم تجهّمونا وقالوا لنا ؛ قال : فبكى أبيّ ، وجعل يترضاني ، وقال : ويحك ، لم أذهب هناك ؛ ثم قال : إنّي أعاهدك لئن أبقيتني إلى يوم الجمعة لأتكلمن بما سمعت من رسول الله (ص) ولا أخاف فيه لومة لائم ؛ ثم أراه قام ، فلمّا قال ذلك انصرفت عنه وجعلت انتظر الجمعة لأسمع كلامه ؛ قال : فلمّا كان يوم الخميس خرجت لبعض حاجاتي فإذا السكك غاصّة من الناس لا آخذ في سكّة إلّا تلقاني الناس. فقلت

١٩١

ما شأن الناس قالوا : نحسبك غريبا قلت : أجل قالوا : مات سيد المسلمين أبي بن كعب.

قال : فلقيت أبا موسى بالعراق فحدثته بالحديث ، فقال : وا لهفاه! ألا كان بقي حتى يبلّغنا مقالة رسول الله (ص) انتهى.

لست أدري : هل اغتيل أبيّ بن كعب من قبل أهل العقدة كي لا يفشي سرّهم؟!

اختلفوا في سنة وفاته فقالوا كان في سنة ١٩ و ٢٠ و ٢٢ و ٢٣ راجع ترجمته في طبقات ابن سعد والاستيعاب وأسد الغابة والاصابة.

٢ ـ أمّ ورقة بنت عبد الله نسبت إلى جدّها الأعلى نوفل الأنصاري ، قالوا في ترجمتها بأسد الغابة :

ان رسول الله (ص) لما غزا بدرا قالت له ائذن لي فأخرج معك فامرض مرضاكم لعل الله يرزقني الشهادة قال قري في بيتك فان الله يرزقك الشهادة قال فكانت تسمى الشهيدة قال وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي (ص) في أن تتخذ في دارها مؤذنا فأذن لها قال وكانت قد دبرت غلاما لها وجارية فقاما إليها بالليل فغمياها بقطيفة لها حتى ماتت وذهبا فأصبح عمر فقام في الناس فقال من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما فأمر بهما فصلبا فكانا أوّل مصلوب بالمدينة فقال عمر : صدق رسول الله (ص) حين كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة.

٣ ـ تميم بن أوس الداري

كان راهب أهل فلسطين ثم سكن المدينة على عهد النبي وأسلم سنة تسع من الهجرة وقصّ على عهد الخليفتين عمر وعثمان في مسجد الرسول (ص) وفي ترجمته بتاريخ ابن عساكر وتهذيبه ومختصره (٥ / ٣١٩) : انه كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) وكان يختم القرآن في سبع ليال وانّ رجلا أتى تميم الداري فتحدث إليه حتى استأنس إليه فقال

١٩٢

له :

كم جزءا تقرأ القرآن في ليلة؟ فغضب وقال : لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن في ليلة ثم يصبح فيقول : قد قرأت القرآن في هذه الليلة؟ فو الذي نفس تميم بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إليّ من أن أقرأ القرآن في ليلة ثم أصبح فأقول : قرأت القرآن الليلة. قال : فلما أغضبني قلت : والله إنكم معاشر صحابة رسول الله (ص) ـ من بقي منكم ـ لجديرون أن تسكتوا فلا تعلّموا وأن تعنّفوا من سألكم! فلما رآني قد غضبت لان وقال : ألا أحدثك يا ابن أخي؟ قلت : بلى ، والله ما جئتك إلّا لتحدثني ؛ قال : أرأيت إن كنت أنا مؤمنا قويا ، وأنت مؤمن ضعيف. فتحمل قولي على ضعفك فلا تستطيع ، فتنبت ، أو رأيت إن كنت مؤمنا قويا وأنا مؤمن ضعيف أتيتك ببساطي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت؟ ولكن خذ من نفسك لدينك أو من دينك لنفسك حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها.

٤ ـ زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي النّجّاري بترجمته من مختصر تاريخ دمشق لابن منظور وطبقات ابن سعد ما موجزه :

قال زيد : قدم النبي المدينة وأنا ابن احدى عشرة سنة وقرأت عليه سبع عشرة سورة فأعجبه ذلك فقال : يا زيد تعلّم لي كتاب يهود فتعلّمته وكنت أكتب له إذا كتب إليهم وإذا كتبوا إليه أقرأه.

وفي مختصر تاريخ دمشق :

قال : وكانت راية بني مالك بن النجار في تبوك مع عمارة بن حزم ، فأدركه رسول الله (ص) فأخذها منه ، فدفعها إلى زيد بن ثابت ، فقال عمارة : يا رسول الله ، بلغك عني شيء؟ قال : لا ولكن القرآن يقدّم ، وكان زيد أكثر أخذا منك للقرآن.

وفي حديث آخر بمعناه : والقرآن يقدم وإن كان عبدا أسود مجدعا.

١٩٣

وعن أبي سعيد قال :

لما توفي رسول الله (ص) قام خطباء الأنصار ، فجعل بعضهم يقول : يا معشر المهاجرين إن رسول الله (ص) كان إذا بعث رجلا منكم قرنه برجل منا ، فنحن نرى أن يلي هذا الأمر رجلان : رجل منكم ، ورجل منا ، فقام زيد بن ثابت فقال : إنّ رسول الله (ص) كان من المهاجرين ، وكنا أنصار رسول الله (ص) ، وإنما يكون الإمام من المهاجرين ، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله (ص). فقال أبو بكر : جزاكم الله خيرا من حيّ يا معشر الأنصار ، وثبّت قائلكم ، والله لو قلتم غير هذا ما صالحناكم.

وفيه وفي صحيح البخاري باب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن :

(إنّ زيد بن ثابت (رض) قال : أرسل إلي أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة) (قال زيد : قال أبو بكر : إنّك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (ص) فتتبّع القرآن فاجمعه).

فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر.

(فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت و... فنسخوها في المصاحف) (وأرسل إلى كل أفق بمصحف ممّا نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) (١).

وفي مختصر تاريخ ابن عساكر :

كان عمر يستخلف زيد بن ثابت في كل سفر ـ أو كل سفر يسافره ـ وكان يفرّق الناس في البلدان ، ويوجهه في الأمور المهمة ، ويطلب إليه الرجال المسمون ، فيقال له : زيد بن ثابت. فيقول : لم يسقط علي مكان زيد ، ولكن أهل

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ / ١٥٠ ـ ١٥١.

١٩٤

البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدون عنده فيما يحدث لهم ما لا يجدون عند غيره.

يعني انه يعلم بمكان زيد ولكن أهل المدينة يحتاجونه ولا يجدون ما عنده من العلم عند غيره.

وقال :

استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء ، وفرض له رزقا.

وقال :

إنّ عمر بن الخطاب (رض) كان يستخلف زيد بن ثابت إذا خرج إلى بعض أسفاره ، فقلما رجع إلّا أقطع زيدا حديقة من نخل.

وقال :

كان مع عمر بن الخطاب لما قدم الشام وخطب بالجابية عند خروجه لفتح بيت المقدس ، وهو الذي تولّى قسمة غنائم اليرموك.

وقال :

ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء ، والفتوى ، والفرائض ، والقراءة.

وقال :

لما ردّ عبد الله بن الأرقم المفتاح استخزن عثمان زيد بن ثابت (١).

كان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان ، وكان زيد بن ثابت يذبّ عنه ، فقال له قائل منهم : وما يمنعك!؟ ما أقلّ والله من الخزرج من له من عضدان العجوة ما لك!

قال : فقال له زيد بن ثابت : اشتريت بمالي ، وقطع لي إمامي عمر بن الخطاب ، وقطع لي إمامي عثمان بن عفان.

__________________

(١) بالاضافة إلى مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر راجع تراجمه في طبقات ابن سعد والاستيعاب وأسد الغابة والاصابة.

١٩٥

فقال له ذلك الرجل : أعطاك عمر بن الخطاب عشرين ألف دينار؟ قال : لا ، ولكن عمر كان يستخلفني على المدينة ، فو الله ما رجع من مغيب قط إلّا قطع لي حديقة من نخل.

ولما حصر عثمان أتاه زيد بن ثابت ، فدخل عليه الدار ، فقال له عثمان : أنت خارج أنفع لي منك هاهنا ، فذبّ عني. فخرج ، فكان يذبّ الناس ، ويقول لهم فيه ، حتى رجع لقوله أناس من الأنصار ، وجعل يقول : يا للأنصار! كونوا أنصار الله ـ مرتين ـ انصروه ، والله إن دمه لحرام. فجاء أبو حبّة المازني مع ناس من الأنصار ، فقال : ما يصلح لنا معك أمر ، فكان بينهما كلام ، ثم أخذ تلبيب زيد ابن ثابت هو وأناس معه ، فمرّ به ناس من الأنصار ، فلما رأوهم أرسلوه. توفي بالمدينة سنة ٤٥ أو ٤٨ أو ٥٥.

٥ ـ سالم مولى أبي حذيفة القرشي العبشمي بترجمته في أسد الغابة : (كان من أهل فارس من اصطخر) (وهو معدود في المهاجرين لأنّه لما أعتقته ثبيتة الأنصاريّة زوج أبي حذيفة) (تبناه أبو حذيفة) (وهو معدود في الأنصار لعتق مولاته) (وهو معدود في قريش لما ذكرناه).

وبترجمته في طبقات ابن سعد (٣ / ٨٧ ـ ٨٨) :

(أقبل سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لانه كان أقرأهم) (كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر ابن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله (ص)).

آخى رسول الله (ص) بينه وبين أبي عبيدة بن الجرّاح وبينه وبين معاذ ابن ماعص الأنصاري.

وبترجمته في أسد الغابة (٢ / ٣٠٧) والاصابة (٣ / ٥٧) :

إنّه قيل له يوم اليمامة في اللواء أن يحفظه وقال غيره : نخشى من نفسك شيئا فنولّي اللواء غيرك فقال بئس حامل القرآن أنا إذا وقاتل حتى قتل.

١٩٦

٦ ـ سعد أو سعيد الملقّب بالقارئ ابن عبيد بن النعمان الأنصاري ، الأوسي ، وكان يدعى في زمن النبي بالقارئ وهو أوّل من جمع القرآن من الأنصار وكان إمام مسجد عمرو بن عوف فلما قتل بالقادسية سنة خمس عشرة اختصموا في الامامة إلى عمر بن الخطاب (طبقات ابن سعد ٢ / ٣٥٥ و ٤ / ٣٧٢ ؛ وأسد الغابة ٢ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠ بترجمة سعد وسعيد ؛ والاستيعاب ص ٥٥٠).

٧ ـ عبادة بن صامت أبو الوليد الخزرجي بايع رسول الله (ص) في بيعة العقبة الأولى وفي الثانية جعله رسول الله (ص) من النقباء الاثني عشر شهد بدرا والمشاهد كلّها مع رسول الله (ص) (١).

كان ممّن جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) (٢).

ويعلّم أهل الصفة القرآن (٣).

وبترجمة أبي الدرداء ، عويمر بتاريخ ابن عساكر ومختصره (١٩ / ١٩ ـ ٢٠) ما موجزه :

في زمان الخليفة عمر كتب إليه يزيد بن أبي سفيان واليه على الشام : إنّ أهل الشام قد كثروا وربلوا (٤) وملئوا المدائن ، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم ؛ فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم فأرسل إلى الشام معاذ وعبادة وأبو الدرداء وقال لهم : ابدءوا بحمص ، فإنكم ستجدون الناس على

__________________

(١) بترجمته في مختصر تاريخ دمشق.

(٢) في باب من جمع القرآن على عهد رسول الله (ص) بطبقات ابن سعد ٢ / ٣٥٦ ، وبترجمته من الاصابة عن طبقات ابن سعد وتاريخ البخاري.

(٣) بترجمته في أسد الغابة.

(٤) ربلوا : كثر عددهم ونموا.

١٩٧

وجوه مختلفة ، منهم من يلقن (١) ، فإذا رأيتم ذلك فوجّهوا طائفة من الناس ، فإذا رضيتم منهم ، فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين.

فقدموا حمص فكانوا بها ، حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة وخرج أبو الدرداء إلى دمشق ، ومعاذ إلى فلسطين ؛ وأمّا عبادة فصار بعد إلى فلسطين فمات بها ؛ وأمّا أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.

ولما توفي يزيد وولي الشام أخوه معاوية بن أبي سفيان جرى بين عبادة ومعاوية ما جاء بترجمته في تاريخ ابن عساكر ومختصره (١١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧) فرجع إلى المدينة فأعاده عمر إلى محل عمله ولما استخلف عثمان جرى بينه وبين معاوية ـ أيضا ـ ما جاء بترجمته وقالوا توفي سنة ٣٤.

٨ ـ عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي مرّ بنا الدليل على كونه من القرّاء على عهد رسول الله (ص) وله خبر مع الإمام الحسين (ع) ذكره ابن الأثير بترجمته من أسد الغابة بسنده عن إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه قال : «كنت في مسجد الرسول (ص) ، في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو ، فمر بنا حسين بن علي ، فسلم ، فرد القوم السلام ، فسكت عبد الله حتى فرغوا ، رفع صوته وقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا : بلى. قال : هو هذا الماشي ، ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن يكون لي حمر النّعم. فقال أبو سعيد : ألا تعتذر إليه؟ قال : بلى. قال : فتواعدا أن يغدوا إليه. قال : فغدوت معهما ، فاستأذن أبو سعيد ، فأذن له ، فدخل ، ثم استأذن لعبد الله ، فلم يزل به حتى أذن له ، فلما دخل قال أبو سعيد : يا ابن رسول الله ، إنك لمّا مررت بنا أمس ... فأخبره بالذي كان من قول عبد الله بن عمرو ، فقال حسين : أعلمت يا عبد الله أني أحب أهل

__________________

(١) يلقن : يفهم بسرعة.

١٩٨

الأرض إلى أهل السماء؟ قال : إي ورب الكعبة! قال : فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفين؟ فو الله لأبي كان خيرا مني. قال : أجل ، ولكن عمرو شكاني إلى رسول الله (ص). فقال : يا رسول الله ، إن عبد الله يقوم الليل ويصوم النهار ، فقال لي رسول الله (ص) : يا عبد الله ، صلّ ونم وصم وأفطر ، وأطع عمرا. قال : فلما كان يوم صفين أقسم عليّ فخرجت ، أما والله ما اخترطت سيفا ، ولا طعنت برمح ، ولا رميت بسهم. قال : فكانه» وقال :

وتوفي عبد الله سنة ثلاث وستين ، وقيل : سنة خمس وستين بمصر. وقيل : سنة سبع وستين بمكة. وقيل : توفي سنة خمس وخمسين بالطائف. وقيل : سنة ثمان وستين. وقيل : سنة ثلاث وسبعين. وكان عمره اثنتين وسبعين سنة.

وقيل : اثنتان وتسعون سنة (١).

٩ ـ أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري بترجمته من أسد الغابة ما موجزه :

ركب من اليمن مع جماعة من قومه في سفينة للهجرة إلى المدينة فألقتهم الريح إلى الحبشة فوافقوا خروج جعفر بن أبي طالب وأصحابه منها وقدمت السفينتان معا ، سفينة جعفر وسفينة الأشعريين على النبي (ص) حين فتح خيبر.

وفي ترجمته بمختصر تاريخ ابن عساكر فأطعمهم النبي (ص) طعمة يقال لها : طعمة الأشعريين.

واتفقت الروايات في تراجمه انّه كان حسن الصوت بالقرآن فكان يستقرئه الخليفة وغيره ، وعينه الخليفة عمر سنة سبع عشرة واليا ومقرئا لأهل البصرة فقال لهم :

إنّ أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم أعلمكم كتاب ربكم عزوجل ، وسنّة

__________________

(١) أسد الغابة ٣ / ٣٥١.

١٩٩

نبيكم ، وأنظف لكم.

وفي تاريخ ابن عساكر :

كان إذا صلى الصبح أمر الناس فثبتوا في مجالسهم ، ثم استقبل الصفوف رجلا رجلا يقرئه القرآن حتى يأتي على الصفوف.

وكان هو الذي فقه أهل البصرة وأقرأهم.

وفي طبقات ابن سعد (٢ / ٣٥٤ و ٤ / ١٠٨) عن أنس قال : بعثني الأشعري إلى عمر فقال لي عمر : كيف تركت الأشعري فقلت له : تركته يعلّم الناس القرآن.

وفي سنة سبع وعشرين عزله عنها الخليفة عثمان وولي عليها عبد الله ابن عامر كريز فسكن الكوفة.

وفي سنة أربع وثلاثين أخرج أهل الكوفة واليهم سعيد بن العاص وولوا عليها أبا موسى وكتبوا إلى الخليفة يسألونه أن يولي عليهم أبا موسى فولّاه وبقي عليها إلى واقعة الجمل فثبط أهل الكوفة عن الالتحاق بجيش الإمام علي فعزله. وفي واقعة الحكمين ألحّوا على الإمام علي أن يعينه من قبله ففعل وكان من أمره ما هو مشهور. وتوفي في الكوفة في خلافة معاوية سنة ٤٢ أو ٤٤ أو ٤٩ أو ٥٠ أو ٥٥ (١).

١٠ ـ ابن أم. عبد الله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة أسلم قبل دخول رسول الله دار الأرقم ، قال كنت سادس ستة ممن أسلم وكان أول من أجهر بالقرآن بمكة من الصحابة وهاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وكان في المدينة يخدم رسول الله (ص).

قال ابن مسعود قال لي رسول الله (ص) : اقرأ عليّ. قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل. قال : إنّي أحب أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النساء عليه

__________________

(١) راجع ترجمته بتاريخ ابن عساكر ومختصره.

٢٠٠