القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

السيد مرتضى العسكري

القرآن الكريم وروايات المدرستين - ج ١

المؤلف:

السيد مرتضى العسكري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المجمع العلمي الإسلامي
المطبعة: شفق
الطبعة: ٢
ISBN الدورة:
964-5841-09-7

الصفحات: ٣٣٥

كلّ عام مرّة وأنّه عارضه به في العام مرتين ، ولا أراني إلا قد حضر أجلي.

كان ذلكم أمر إقراء الله ـ جلّ اسمه ـ نبيّه الكريم (ص) القرآن سواء كان في مكّة أو في المدينة.

٢ ـ ما يعمّ المسلمين بمكة :

من خبر إقراء خباب بن الأرت فاطمة أخت عمر بن الخطاب وزوجها علمنا ان الرسول (ص) كان قد نظمّ خلايا سريّة لإقراء المسلمين القرآن بمكة. وفي ما يأتي بعض أخبار القرآن لدى المهاجرين من مكة إلى الحبشة.

المسلمون والقرآن في الحبشة :

في سيرة ابن هشام وطبقات ابن سعد وغيرهما ما موجزه :

لما اشتدّ اذى قريش للمؤمنين الذين أظهروا اسلامهم أمرهم الرسول بالهجرة إلى الحبشة فهاجر زهاء ثمانين رجلا وامرأة من المسلمين فأجارهم النجاشي ملك الحبشة فبعثت قريش بهدايا إليه مع عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وطلبت منه أن يعيدهم إلى مكة فجمع النجاشي بين المسلمين وعمرو وعمارة فقرأ جعفر عليه صدر سورة كهيعص ـ سورة مريم ـ فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وأبى أن يعيد المسلمين إلى قومهم قريش (١).

لم يعين ابن هشام وغيره إلى أيّة آية قرأ جعفر من سورة مريم ولا بد أنه قرأ صدر السورة الى الآية ٣٤ منها والتي جاء فيها ذكر زكريا ويحيى وعيسى ومريم عليهم‌السلام.

إن خبر ابن مسعود وخبر جعفر يدلان على أن المسلمين كانوا يحفظون

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١ / ٣٥٩ ـ ٣٦٠ ؛ وطبقات ابن سعد ، ١ / ٢٠٧ ؛ وسيرة ابن اسحاق ص ١٩٤.

١٤١

ما نزل من القرآن ما يساعدهم أن يقرءوا في كل مكان ما يناسبهم ، كما أن خبر خليّة بيت فاطمة ابنة الخطاب كان يدل على وجود القرآن مكتوبا عند المسلمين بمكة.

١٤٢

سابعا ـ خصائص المجتمع الاسلامي على عهد الرسول (ص):

وعند ما بعث الرسول (ص) قوّض بالاسلام النظام القبيلي في الجزيرة العربية والنظام الطبقي في سائر المجتمعات البشرية في ما بلّغ عن الله قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات / ١٣).

وبقوله في خطبته (ص) وسط ايام التشريق عام حجة الوداع :

«يا ايها الناس! الا انّ ربكم واحد وانّ أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على اعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على اسود ولا لأسود على أحمر إلّا بالتقوى ، أبلّغت؟ قالوا : بلّغ رسول الله (ص)! (١).

وعلى هذا الاساس اقام (ص) المجتمع الاسلامي الاول في المدينة المنورة ، فعاش فيه سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي وابو ذر العربي البدوي متآخين كاسنان المشط لا تفاضل بينهم ، واربى على ذلك حين زوّج مولاه زيدا ابنة عمته زينب حفيدة عبد المطلب ، وضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب المقداد بن عمرو مولى بني زهرة (٢) ، ووظف على بلال الحبشي

__________________

(١) مسند احمد ٥ / ٤١١.

(٢) راجع في خبر زواج زينب بنت جحش بحث صفات المبلغين من عقائد الاسلام من ـ

١٤٣

الأذان حتى علا سطح الكعبة يوم الفتح وأذن عليها.

وكان من الطبيعي أن يظهر أحيانا في ذلك المجتمع المثالي آثار التعصب القبيلي بين صحابة الرسول (ص) الذين نشئوا وعاشوا قبل الإسلام في المجتمع الذي بنيت أسسه على النظام القبيلي ونقتصر بذكر بعض أخبارها في ما يأتي باذنه تعالى :

أ ـ التعصب القبيلي للصحابة المهاجرين من قريش

١ ـ روى مسلم عن عائذ بن عمرو :

(ان أبا سفيان اتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا والله ما اخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.

قال ابو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم).

قال محمد فؤاد عبد الباقي في شرح الحديث :

هذا الاتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية (١).

__________________

ـ القرآن الكريم وخبر زواج ضباعة في ترجمة ضباعة من الاصابة.

(١) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال ٤ / ١٩٤٧ ، وفي ترجمة (سلمان) و (صهيب) و (بلال) من سيرة النبلاء ٢ / ١٥ ؛ واللفظ لمسلم الاستيعاب ٢ / ٦٣٩ ط. مصر ، تحقيق علي محمد البجاوي.

أ ـ أبو عبد الله سلمان الفارسي كان مجوسيا ثم تنصر قبل بعثة رسول الله (ص) وقصد المدينة ليدرك الرسول ، فصحب قوما من العرب ، فأسروه ، وباعوه لرجل من يهود المدينة ، فرأى رسول الله (ص) ، وعرف فيه علامات النبوة ، وأسلم على يديه ، فاشتراه رسول الله (ص) ، وأعتقه وهو الذي أشار على النبي يوم الخندق بحفر الخندق ، وقال النبي في حقه يوم ذاك : سلمان منا أهل البيت ، وتوفي في عصر عثمان سنة خمس وثلاثين في المدائن أميرا عليها ودفن هناك. أسد الغابة ٢ / ٢٢٨ ـ ٢٣٢.

ب ـ صهيب بن سنان الربعي النمري ، كان أبوه عاملا لكسرى على الأبلة ، فغارت الروم عليهم ، وأسرت صهيبا فنشأ فيهم ، ثم باعته الى كلب فجاءت به الى مكة ، فباعته من عبد الله بن جدعان فأعتقه ، وكان من السابقين الى الاسلام الذين عذبوا في مكة ، وكناه الرسول أبا يحيى ، ـ

١٤٤

٢ ـ في سنن الدارمي وابي داود ومسند احمد وغيرها بسندهم عن عبد الله ابن عمرو بن العاص انه قال :

«كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله (ص) ، فنهتني قريش ، وقالوا : تكتب كلّ شيء سمعته من رسول الله (ص) ورسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضا؟

فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ باصبعه إلى فيه وقال : «أكتب فو الّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ» (١).

انّ التعصب الجاهلي هو الذي دفع الصحابة القرشيين ان يمنعوا عبد الله ابن عمرو بن العاص من كتابة الحديث لما كان فيه ذكر اسماء القرشيين الذين ناهضوا الرسول ، وحاربوا الاسلام والمسلمين ، وجاء ذكر أفعالهم في القرآن الكريم وبيان اسمائهم في حديث الرسول (ص).

__________________

ـ وكان في لسانه لكنة. توفي بالمدينة سنة ثمان أو تسع وثلاثين ودفن بها وكان ابن سبعين أو ثلاث وسبعين. أسد الغابة ٣ / ٣١ ـ ٣٣.

ج ـ بلال بن رباح الحبشي ، وأمه حمامة ، كان من السابقين الى الاسلام ، فعذبته قريش ، فكانت تبطحه على وجهه في الشمس ، وتضع الرحاء عليه حتى تصهره الشمس ، ويقولون له : أكفر برب محمد ، فيقول : أحد ، أحد ، واشتراه أبو بكر وأعتقه ، وكان مؤذن رسول الله (ص) ، وخازنه ، وشهد معه مشاهده كلها ، وذهب بعد النبي الى الشام غازيا ، وتوفي هناك في العشر الثاني بعد الهجرة ، وعمره بضع وستون سنة. أسد الغابة ١ / ٢٠٩.

(١) سنن الدارمي ، ١ / ١٢٥ ، باب من رخص في الكتابة من المقدمة ، وسنن أبي داود ٢ / ١٢٦ ، باب كتابة العلم ، ومسند أحمد ٢ / ١٦٢ ، ١٩٢ و ٢٠٧ و ٢١٥ ، ومستدرك الحاكم ١ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ١ / ٨٥ ط. الثانية ، ط. العاصمة بالقاهرة سنة ١٣٨٨.

وعبد الله بن عمرو بن العاص قرشي سهمي وامه ريطة بنت منبه السهمي كان اصغر من أبيه بإحدى عشرة أو اثنتى عشرة سنة. اختلفوا في وفاته أكان بمصر أو الطائف أو مكة وعام ٦٣ أو ٦٥. راجع ترجمته بأسد الغابة ٣ / ٢٣ ، والنبلاء ٣ / ٥٦ ، وتهذيب التهذيب ٥ / ٣٣٧.

١٤٥

ب ـ التعصب القبيلي في قبائل الانصار

خبر مسجد ضرار

قال تعالى في سورة التوبة / ١٠٧.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ)

قال ابن عباس : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) هم أناس من الانصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجدكم ، واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، فاني ذاهب الى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه ، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا الرسول (ص) فقالوا قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن تصلّي فيه ، وتدعو بالبركة ، فأنزل الله (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً)(١).

ج ـ خبر الشجار على ماء المريسيع : (٢).

عند ما هاجر الرسول (ص) الى المدينة آخى بين المهاجرين من قريش من نسل نزار ورجال من الأوس والخزرج من الأنصار من نسل قحطان (٣)

__________________

(١) في الطبري ١١ / ١٨ ـ ٢٠ والدر المنثور ٣ / ٢٧٦ عن ابن المنذر وابن ابي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وأبو عامر عبد عمرو بن صيفي الراهب كان رأس الاوس في الجاهلية وترهّب لما بلغه من اليهود ان خاتم الانبياء يكون في المدينة املا في ان يكون هو النبي المبشر له فلمّا هاجر الرسول الى المدينة حسد رسول الله فلم يسلم وجاهر الرسول بالعداوة وخرج إلى مكة وحرّضهم لحرب رسول الله (ص) ثم ذهب الى قيصر لنفس الغرض.

(٢) المريسيع : ماء يبعد عن المدينة أياما ، كان يسكن حوله قوم من خزاعة يقال لهم : بنو المصطلق ، غزاهم رسول الله (ص) في العام الخامس أو السادس بعد الهجرة. (امتاع الأسماع ص ١٩٥) وجهجاه من قبيلة غفار كان يومذاك أجيرا لعمر بن الخطاب المهاجري لذلك نادى بشعارهم ومات جهجاه بعد عثمان بسنة أسد الغابة ١ / ٣٠٩.

(٣) ولد نزار بن معد بن عدنان : مضر وربيعة واياد وانمار وولد مضر : الياس وقيس عيلان وعرب الشمال ينتسبون إلى عدنان ومعد ونزار ومضر وربيعة وقيس.

١٤٦

فعاشوا بوئام وإخاء حتى إذا انتهوا من معركة غزوة بني المصطلق وقعت أوّل منافرة بينهما عند ما وردت واردة الناس على ماء المريسيع ، فازدحم على الماء جهجاه بن مسعود وهو يقود فرس عمر بن الخطاب ، وسنان بن وبر الجهني حليف الخزرج ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني يا معشر الأنصار!

وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين!

فغضب عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي رئيس المنافقين وعنده رهط من قومه ، فقال : أو قد فعلوها ، قد نافرونا ، وكاثرونا في بلادنا! والله ما عدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الاول : «سمن كلبك يأكلك»!

أما والله لان رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ.

ثم قال لمن حضره من قومه : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم ، لتحوّلوا إلى غير داركم.

فبلغ ذلك رسول الله ، وأشاروا عليه بقتله ، فلم يقبل ، وإنّما عالج الامر بحكمة ، حيث أمر بالرحيل في غير ساعة الرحيل ، وسار بالناس يومهم ذلك حتى أصبح ، وصدر اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ، فلما نزل بهم ومس جلدهم الأرض ، وقعوا نياما وبذلك شغلهم عن حديث المنافرة.

وفي هذه الواقعة نزلت سورة (المنافقون) ومنها الآية / ٨

(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)

وبلغ حسان بن ثابت الانصاري الذي وقع بين جهجاه وبين الفتية

__________________

ـ أما عرب الجنوب فينتسبون إلى الازد وسبأ وقحطان والازد هو ابن الغوث بن نبت بن مالك ابن كهلان بن سبأ. وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان (جمهرة أنساب العرب ٣١٠ ـ ٣١١).

١٤٧

الأنصار ، فقال وهو يريد المهاجرين :

أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا

وابن الفريعة أمسى بيضة البلد(١)

الأبيات فجاء صفوان بن المعطّل إلى بعض المهاجرين وقال : انطلق بنا نضرب حسّانا ، فو الله ما أراد غيرك وغيري.

ولما أبي المهاجري ذلك ذهب صفوان وحده ، مصلتا بالسيف حتى ضرب حسانا في نادي قومه ، وجرحه وقال :

تلق ذباب السيف عنّي فإنّني

غلام إذا هو جيت لست بشاعر(٢)

ثم أصلح الرسول بينهم ، وانتهت بذلك أول منافرة وقعت بين فرعي القبيلتين بعد أن عالجها الرسول بحكمته.

ووقعت الثانية يوم وفاة الرسول (ص) ، وذلك لأن المجتمع العربي في شبه الجزيرة كان يتوزع على مجتمعات قبيليّة متعدّدة ، وبعد هجرة الرسول إلى المدينة وفتح مكة أصبحت المجتمعات المتعددة يحكمها مجتمع المدينة الواحد المتكون من المهاجرين والأنصار.

وكان المهاجرون جلّهم من مكّة ما عدا النادر منهم وهم ينتمون الى قريش وحلفائها ومواليها والانصار كلّهم من اليمن ومن قبائل سبأ ؛ وبذلك تحولّت العصبيّة القبيليّة المتعدّدة الى التعصّب بين مهاجرة قريش ومن انتمى اليها من نزار والأنصار ومن انتمى اليها من السبئيين.

وأوّل شجار وقع بينهما بعد الرسول (ص) حدث في سقيفة بني ساعدة

__________________

(١) الجلابيب سفلة الناس ، وبهامش الأغاني ٤ / ١١ (كان المنافقون يسمون المهاجرين بالجلابيب ، وفي ديوان حسان (الخلابيس) أي الأخلاط من كل وجه الفريعة اسم أم حسان وبيضة البلد : يقال للمدح والذم.

(٢) الطبري ، ط. اوربا ، ١ / ١٥٢٦ ؛ الأغاني ٤ / ١٢ عن الزهري ولسان العرب مادة (بيض) ؛ امتاع الأسماع للمقريزي ١ / ٢١١.

١٤٨

ثم امتدّ الى عصور طويلة بعد ذلك كما سندرسه في ما يأتي بحوله تعالى.

***

زالت الاعراف الجاهليّة ظاهرا عن شبه الجزيرة العربية بعد نزول سورة البراءة واعلامها على الحجيج المسلم والمشرك في منى في السنة التاسعة من الهجرة.

وأصبح المجتمع الاسلامي من جانب الحاكم وقليل من افراده اسلاميا انسانيا وفي سلوك الكثرة الكاثرة من افراده مزيجا من الاعراف القبيلية الجاهلية والاخلاق الاسلامية ومن قبل بعض آخر من افراده قبيلي جاهلي محض وهم الّذين سموا بالمنافقين.

وكان اهمّ ميزة هذا العصر بقاء الاحساس القبيلي بين افراده سواء منهم المؤمن والمنافق والذي كان تظهر آثاره بين حين وآخر في المجتمع ، فيعالجها الرسول (ص) بحكمته. وكان ذلكم خصائص المجتمع في هذا العصر.

نكتفي من أخبار القرآن بمكة لندرس في ما يأتي بحوله تعالى أخبار القرآن في العصر المدني.

١٤٩
١٥٠

الفصل الثاني

أخبار القرآن الكريم في عصر نزوله في المدينة

على عهد الرسول الأكرم (ص)

١ ـ القرآن المدني.

٢ ـ النظام الذي سنه النبي (ص) في إقراء القرآن.

٣ ـ نظام المفاضلة بالقرآن.

٤ ـ تدوين القرآن في المدينة.

٥ ـ أخبار السيرة في القرآن الكريم.

١٥١
١٥٢

أولا ـ القرآن المدني وما حواه

يحكي القرآن المدني عن بعض ما دار بين الرسول (ص) وهو في المدينة مع كفار قريش وسائر مشركي العرب من معارك فكرية وحروب قتالية ، وكذلك ما دار بينه (ص) وبين أهل الكتاب من يهود ونصارى من ذلك ، وبعض ما جرى في المجتمع الإسلامي الأوّل الّذي شيّده (ص) مع المنافقين والمؤمنين وما جرى في بيته (ص) يومذاك وما شرعه الله للإنسان في جميع مناحي حياته من نظام إلى غير ذلك مما أشرنا إليه في خصائص القرآن المكّي وفي ما يأتي أمثلة مما ذكرناه إن شاء الله تعالى.

ما جرى مع أهل الكتاب

بسبب وضوح ما كان في كتب الله من تعريف خاتم الأنبياء أخبر الله عنهم أنّهم كانوا يعرفون خاتم الأنبياء وقبلته وشريعته كما يعرفون أبناءهم وقال عزّ اسمه في سورة البقرة :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

وقال تعالى في سورة الأنعام :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الآية / ٢٠)

١٥٣

وتنقسم معارك القرآن مع أهل الكتاب على ما كان بينه وبين اليهود وما كان بينه وبين أهل الكتاب من النصارى ، وفي ما يأتي نوردهما على التوالي بإذنه تعالى :

ما دار بين اليهود وبين القرآن ومبلّغه والمؤمنين من حوار وخصام :

المعارك الفكرية بين القرآن المدني والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين :

استمرّ القرآن المدني في معاركه الفكرية مع المشركين مثل قوله تعالى في سورة الحج :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ* ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الآيات / ٧٣ ـ ٧٤)

سفّه أحلام المشركين في هذه الآية في ما اتخذوه آلهة من دون الله كما كان شأن القرآن المكّي وعمّم في الخطاب قريشا وغيرهم هاهنا بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ...) وعمّم الخطاب بينما المخاطبون هم مشركو قريش.

وأضاف إلى معركته مع المشركين معركة أخرى مع أهل الكتاب وخاطبهم قائلا في سورة المائدة :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الآية / ١٩)

وأثنى على بعضهم وقال سبحانه :

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) (الأعراف / ١٥٧).

وأخبر ـ سبحانه ـ أنّهم يكتمون الحقّ ويلبسونه بالباطل ، وقال في سورة آل عمران :

١٥٤

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الآية / ٧١)

وأخبر أنّه كان قد أخذ ميثاقهم ألا يكتمونه ويبينونه للناس وقال :

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (الآية / ١٨٧)

وقال سبحانه في سورة البقرة :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (الآية / ١٧٤).

وقال ـ عزّ اسمه ـ :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة / ١٥٩).

وأخبر أنّ الرسول يبيّن كثيرا ممّا يخفون من الكتاب لقوله تعالى :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (المائدة / ١٥).

ومن أخبار القرآن المدني :

تنقسم أخبار القرآن في المدينة إلى ما كانت قبل هجرة الرسول (ص) إليها وما جرت بعد هجرة الرسول (ص) إليها.

أما ما كان قبل هجرة الرسول (ص) إليها ، فقد تحدث عنها جابر بن عبد الله الأنصاري ، وقال : عن بدء إسلام الأنصار :

(... بعثنا الله إليه ـ أي إلى رسول الله (ص) ـ من يثرب فآويناه

١٥٥

وصدّقناه فيخرج الرجل منّا فيؤمن به. ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه ...) الحديث (١).

وروى ابن هشام وغيره : أنّ النبيّ (ص) بعث مع الأنصار بعد بيعتهم الأولى على الإسلام مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ، ويعلّمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يسمّى المقرئ بالمدينة (٢).

وفي صحيح البخاري عن الصحابي البراء بن عازب قال :

أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم وكانا يقرءان الناس (٣).

وروى الذهبي بترجمة زيد بن ثابت من تذكرة الحفاظ أن زيدا قال : (أتى النبيّ (ص) المدينة وقد قرأت سبع عشرة سورة ، فقرأت على رسول الله (ص) فأعجبه ذلك) (٤).

كذلك انتشرت قراءة القرآن في المدينة قبل هجرة الرسول (ص) إليها.

***

كانت تلكم بعض أخبار القرآن في المدينة قبل هجرة الرسول إليها وعند ما هاجر الرسول (ص) إليها اتّخذ من مسجده مدرسة لإقراء القرآن وسنّ نظاما لتدوين القرآن وإقرائه كما سنذكره فيما يأتي بإذنه تعالى.

__________________

(١) مسند احمد ٣ / ٣٢٢ ، ٣٣٩.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٤٢ ط. مصر سنة ١٣٥٦ ه‍ ، خبر بيعة العقبة الاولى. ومصعب بن عمير : ابو عبد الله القرشي اسلم قديما وهاجر الى الحبشة ثم الى المدينة وشهد بدرا واستشهد بأحد راجع ترجمته في جميع كتب تراجم الصحابة.

(٣) صحيح البخاري ٢ / ٢٢٤ كتاب مناقب الانصار باب مقدم النبي (ص) المدينة ، وفي كتاب التفسير ، تفسير سورة (سبح اسم ربك) ٣ / ١٤٣. ومسند احمد ٤ / ٢٨٤.

(٤) تذكرة الحفاظ ١ / ٣١.

١٥٦

ثانيا ـ النظام الذي سنّه النبيّ (ص) في إقراء القرآن

في مسند أحمد ومعرفة القرّاء الكبار للذهبي والبحار للمجلسي واللفظ للذهبي عن أبي عبد الرحمن قال :

حدثني الذين كانوا يقرءوننا : عثمان وابن مسعود وأبيّ بن كعب (رض) ان رسول الله (ص) كان يقرئهم العشر ، فلا يجاوزونها الى عشر أخر حتى يعلموا ما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا (١).

وفي تفسير الطبري بسنده :

عن أبي عبد الرحمن ـ السلمى ـ قال حدثنا الذين كانوا يقرءوننا انهم كانوا يستقرءون من النبي (ص) فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا (٢).

ولفظ احمد في مسنده :

حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن أبي

__________________

(١) معرفة القراء الكبار للذهبي ص ٤٨ ، ومسند احمد ٥ / ٤١٠ ، والبحار للمجلسي ٩٢ / ١٠٦ ، ومجمع الزوائد ومنع الفوائد ١ / ١٦٥ ، وفي تفسير القرطبي ١ / ٣٩ وفي كنز العمال الحديث ٤٢١٣.

(٢) مسند احمد ٥ / ٤١٠ ، وتفسير الطبري ١ / ٢٧. راجع اخبارهم في كنز العمال ٢ / ٣٤٦ ط. بيروت سنة ١٤٠٩ ه‍ الحديث ٤٢١٥.

١٥٧

عبد الرحمن قال حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي (ص) أنهم كانوا يقترءون من رسول الله (ص) عشر آيات : فلا يأخذون في العشر الاخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل.

قالوا فعلمنا العلم والعمل (١).

وفي تفسير القرطبي بسنده :

عن عثمان وابن مسعود وأبيّ أن رسول الله (ص) كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر اخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ، فيعلمنا القرآن والعمل جميعا.

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتعلم العشر التي بعدها حتى نعرف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها (٢).

(وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب بن ربيعة السلمي اخرج حديثه أصحاب الصحاح ، ولد في حياة النبي (ص) ولأبيه صحبة قرأ القرآن وجوّده وبرع في حفظه ، أخذ القرآن عرضا عن عثمان وعلي وابن مسعود وزيد ابن ثابت وأبيّ بن كعب (رض) وكان مقرئ أهل الكوفة منذ عصر عثمان الى ان توفي بعد السبعين من الهجرة في أوائل حكم الحجاج وكان يعلّم القرآن خمس آيات خمس آيات وعلّم ابن عمرو بن الحريث القرآن ، فأرسل له جلالا وجزرا (٣) فردّها وقال : انا لا نأخذ على كتاب الله أجرا) (٤).

***

__________________

(١) مسند احمد ٥ / ٤١٠.

(٢) تفسير القرطبي ١ / ٣٩.

(٣) جلالا جمع جل : ما يكسى به الفرس لتصان به فهنا بمعنى الفرس المجلل.

الجزر جمع الجزور الابل التي تصلح للذبح.

(٤) معرفة القراء الكبار للذهبي ص ٤٥ ـ ٤٩.

١٥٨

ونعلم من الروايات الآتية أن ما كان يقرئهم الرسول (ص) في معاني الآيات كان يتلقاه عن طريق الوحي عن الله جلّ اسمه.

أ ـ في سنن أبي داود ومسند أحمد واللفظ للأول بسنده عن المقدام بن معديكرب عن رسول الله (ص) أنه قال :

«ألا إنّي أوتيت الكتاب ومثله معه لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال ، فأحلّوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه ...» (١).

ب ـ في سنن أبي داود عن العرباض بن سارية قال : نزلنا مع رسول الله (ص) خيبر ومعه من معه من أصحابه ، ثم صلّى بهم النبي (ص) ، ثم قام ، فقال :

«أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن! ألّا وإني وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر ...» (٢).

قد يكون معنى قول الرسول (ص) «أنها لمثل القرآن» أي أنه تلقاه عن الوحي وأكثر من القرآن في شرح أحكام الله.

ج ـ في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجة ومسند أحمد واللفظ للأول ، عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : قال النبي (ص) :

__________________

(١) سنن ابي داود باب لزوم السنة ٤ / ٢٠٠ الحديث ٤٦٠٤ ، ومسند احمد ٤ / ١٣١.

مقدام الكندي صحابي مشهور نزل الشام ومات سنة ٨٧ ه‍ وله احدى وتسعون سنة. تقريب التهذيب ٢ / ٢٧٢.

(٢) سنن ابي داود ٢ / ٦٤ باب في تعشير أهل الذمة من كتاب الخراج والامارة والفيء ، وطبعة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ٣ / ١٧٠.

وعرباض السلمي أبو نجيح صحابي كان من أهل الصفة ونزل حمص ومات بعد السبعين. تقريب التهذيب ٢ / ١٧.

١٥٩

«لا ألفينّ أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه» (١).

د ـ وفي مسند أحمد عن المقدام بن معدي كرب قال :

«حرّم رسول الله (ص) يوم خيبر أشياء ، ثم قال : «يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه.

ألا وإن ما حرم رسول الله (ص) مثل ما حرم الله».

وفي آخر الحديث من سنن الترمذي : «وان ما حرم رسول الله (ص) كما حرم الله».

وفي سنن ابن ماجة : «مثل ما حرم الله» (٢).

ه ـ في مسند أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) :

«لا أعرفنّ أحدا منكم أتاه عني حديث وهو متكئ في أريكته. فيقول : اتل علي به قرآنا ...» (٣).

وروي موجز الاحاديث القرطبي في تفسيره بقوله : «كان الوحي ينزل على رسول الله (ص) ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك» (٤).

***

__________________

(١) سنن ابي داود باب لزوم السنة من كتاب السنة ٢ / ٢٥٦ ، والترمذي ١٠ / ١٣٢ ، وابن ماجة المقدمة ١ / ٧ ، ومستدرك الحاكم كتاب العلم ١ / ١٠٨ ، ومسند احمد ٦ / ٨. وعبيد الله بن ابي رافع مولى النبي. تقريب التهذيب ١ / ٥٣٢.

(٢) مسند احمد ٤ / ١٣٢ ، وسنن الدارمي ١ / ١٤٠ ، وسنن الترمذي ١٠ / ١٣٣ ، وابن ماجة مقدمة ١ / ٦.

(٣) مسند احمد ٢ / ٣٦٧ و ٤٨٣. في المتن لا عرفن تصحيف ونرى الصحيح لا أعرفن.

(٤) تفسير القرطبي ١ / ٣٩.

١٦٠