نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٧

٩ ـ والجلال السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥١٧ ).

١٠ ـ والشوكانى في ( البذر الطالع لمحاسن من بعد القرن السابع ٢ / ٣٥٢ ).

وهنا نكتفي بما ذكره الشوكاني ، وهذا نصه :

« يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزاهر الحلبي الأصل المزي ، أبو الحجاج جمال الدين ، الامام الكبير الحافظ ، صاحب التصانيف. ولد في ربيع الآخر سنة ٦٥٤ وطلب فأكثر عن أحمد بن أبي الخير ومسلم بن علان والفخر بن البخاري ونحوهم من أصحاب ابن طبرزد والكندي ، وسمع الكتب الطوال والاجزاء ، ومشايخه نحو ألف شيخ ، ومن مشايخه النووي ، وأسمع بالشام والحرمين ومصر وحلب والاسكندرية وغيرها.

وأتقن اللغة والتصريف ، وتبحر في الحديث ، ودرس بمدارس منها دار الحديث الاشرفية ، ولما ولي تدريسها قال ابن تيمية : لم يلها من حين بنيت الى الآن أحق بشرط الواقف منه. قال الذهبي : ما رأيت أحدا في هذا الشأن أحفظ منه.

ومن مصنفاته ( تهذيب الكمال ) ، اشتهر في زمانه وحدث به خمس مرات ، و ( كتاب الأطراف ) وهو كتاب مفيد جدا.

وقد أخذ عنه الأكابر وترجموا له وعظموه جدا. قال ابن سيد الناس في ترجمته : انه أحفظ الناس للتراجم وأعلمهم بالرواة الاعارب والأعاجم. وأطال الثناء عليه ووصفه بأوصاف ضخمة وقال : انه في اللغة امام ، وله في الفرائض معرفة وإلمام.

وقال الصفدي : سمعنا صحيح مسلم على السيد المنبجي وهو حاضر ، فكان يرد على القارئ فيقول القارئ : ما عندي الا ما قرأت ، فيوافق المزي بعض من حضر ممن بيده نسخة ، اما بأن يوجد فيها كما قال أو يوجد مظننا عليه أو في الحاشية ، ولما كثر منه ذلك قلت له : ما النسخة الصحيحة

٤٠١

الا أنت. قال : ولم أر بعد أبي حيان مثله في العربية مثله خصوصا التصريف ، ولم يكن مع توسعه في معرفة الرجال يستحضر تراجم غير المحدثين ، لا من الملوك ولا من الوزراء والقضاة والأدباء.

وقال الذهبي : كان خاتم الحفاظ ، وناقد الأسانيد والألفاظ ، وهو صاحب معضلاتنا ومرجع مشكلاتنا. قال : وفيه حياء وكرم وسكينة واحتمال وقناعة ، وترك للتجمل وانجماع عن الناس ، ومات يوم السبت ثاني عشر صفر سنة ٧٤٤ ».

*(١٢١)*

اثبات شرف الدين الطيبي

أثبت حديث الثقلين في ( شرح المشكاة ) حيث قال :

« السادس زيد ، قوله الثقلين ، الثقل المتاع المحمول على الدابة ، وانما قيل للانس والجن الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها. وقد شبه بها الكتاب والعترة لان الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين. وقيل : سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ، وقيل : في تفسيره قوله تعالى : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ) أي أوامر الله ونواهيه ، لأنه لا تؤدى الا بتكليف ما ثقيل. وقيل قولا ثقيلا : أي له وزن. وسمي الجن والانس ثقلين لأنهما فضلا بالتمييز على سائر الحيوان ، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل. قوله « أذكركم الله في أهل بيتي » أي أحذركم الله في شأن أهل بيتي وأقول لكم لا تؤذوهم واحفظوهم ، والتذكير بمعنى الوعظ ، يدل عليه قوله « ووعظ وذكر ».

وقال فيه أيضا : « الفصل الثاني ـ الاول جابر ، قوله « وعترتي أهل بيتي » عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون ، ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه.

٤٠٢

الثاني زيد ، قوله « ما ان تمسكتم به » ما الموصولة ، والجملة الشرطية صلتها ، وإمساك الشيء التعلق به وحفظه ، قال تعالى : ( وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ). واستمسك الشيء : إذا تحرى الإمساك به ، ولهذا لما ذكر التمسك عقبه بالمتمسك به صريحا ، وهو الحبل في قوله « كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض » ، وفيه تلويح الى معنى قوله تعالى : ( وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ ). والتمسك بالعترة : محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم.

وقوله « انّي تارك فيكم » إشارة الى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأنه يوصي الامة بحسن المعاشرة معهما وايثار حقهما على أنفسهم ، كما يوصي الأب المشفق لأولاده. ويعضده الحديث السابق في الفصل الاول « أذكركم الله في أهل بيتي » ، كما يقول الأب المشفق : الله الله في حق اولادي. ومعنى كون أحدهما أعظم من الآخر : ان القرآن مؤساة للعترة ، وعليهم الاقتداء به ، وهم أولى الناس بالعمل بما فيه.

ولعل السرفي هذه الوصية والاقتران بالقرآن إيجاب محبتهم ، لقوله تعالى ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فانه تعالى جعل شكر انعامه وإحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر ، وكأنه صلّى الله عليه وسلّم يوصي الامة بقيام الشكر وقيد تلك النعمة به ويحذرهم عن الكفران ، فمن قام بالوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة بينهما لن يتفرقا ، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يردا الحوض فيشكرا صنيعه عند رسول الله ، فحينئذ هو بنفسه يكافيه والله يجازيه الجزاء الأوفى ، ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه بالعكس.

وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله « أنظروا كيف تخلفوني فيهما » ، والنظر بمعنى التأمل والتفكر ، أي تفكروا واستعملوا الروية في استخلافى إياكم ، هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء. وان استغربت قولي لا يفارقانه في مواقف الحشر حتى يردا علي الحوض تمسكت بما ورد عن

٤٠٣

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم « اقرءوا الزهراوين ـ الى قوله ـ يحاجان عن صاحبهما ». وان استبعدت قولي أنشدت لك قول الأعشى ... » (١).

ترجمته :

١ ـ ابن حجر العسقلاني : « الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي ، الامام المشهور ، صاحب شرح المشكاة وغيره. قرأت بخط بعض الفضلاء : كان ذا ثروة من الإرث والتجارة ، فلم يزل ينفق ذلك في وجوه الخيرات الى أن كان في آخر عمره فقيرا. قال : وكان كريما متواضعا حسن المعتقد ، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة ، مظهرا فضائحهم مع استيلائهم في بلاد المسلمين حينئذ ، شديد الحب لله ولرسوله ، كثير الحياء ملازما لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع ، بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من أهل البلدان من يعرف ومن لا يعرف ، محبا لمن عرف منه تعظيم الشريعة ، مقبلا على نشر العلم ، آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن. شرح الكشاف شرحا كبيرا ... وصنف في المعاني والبيان التبيان وشرحه ، وأمر بعض تلامذته باختصار المصابيح على طريقة نهجها له وسماه المشكاة وشرحها هو شرحا حافلا ، ثم شرع في جمع كتاب في التفسير وعقد مجلسا عظيما لقراءة كتاب البخاري ... » (٢).

٢ ـ الجلال السيوطي : « الامام المشهور العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان ، قال ابن حجر : كان آية ... » (٣).

٣ ـ والشمس الداودي بمثل ما تقدم (٤).

٤ ـ الشوكانى : « الامام المشهور ، صاحب شرح المشكاة وحاشية

__________________

(١) الكاشف في شرح المشكاة ـ مخطوط.

(٢) الدرر الكامنة ٢ / ٦٨.

(٣) بغية الوعاة ٢٢٨.

(٤) طبقات المفسرين ١ / ١٤٣.

٤٠٤

الكشاف وغيرهما ... له اقبال على استخراج الدقائق من الكتاب والسنة ، وحاشيته على الكشاف هي أنفس حواشيه على الإطلاق ، مع ما فيها من الكلام على الأحاديث في بعض الحالات إذا اقتضى ذلك على طريقة المحدثين ، مما يدل على ارتفاع طبقته في علمي المعقول والمنقول » (١).

٥ ـ القنوجى : « امام مشهور وعالم مبرور ... » (٢).

*(١٢٢)*

اثبات شمس الدين الخلخالى

أثبت حديث الثقلين حيث قال : « قوله بماء يدعى خما » أي سمي ذلك الماء خما ، بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم. قوله « يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب » أخبر النبي عليه‌السلام الناس عن وفاته « الثقلين » قال في شرح السنة : قيل سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ، لان الكتاب عظيم القدر والعمل بمقتضاه ثقيل ، وكذا محافظة اهل بيته واحترامهم وانقيادكم لهم إذا كانوا خلفاء بعدي » (٣).

وقال فيه : « قوله : على ناقته القصوى » ، قيل انها ناقة تلقب بالجدعاء وتارة بالعضباء وأخرى بالقصوى على حسب ما خيل للناظرين. قوله « كتاب الله وعترتي » ، بيان « ما » في ما أخذتم به أو بدل ، و « أهل بيتي » بيان عترتي. يريد بأهل بيتي نسله وعصابته الأدنين وأزواجه. وقوله « من السماء الى الأرض » المراد من السماء الربوبية وبالأرض الخلق. و « لن يتفرقا » أي كتاب الله وعترتي » (٤).

__________________

(١) البدر الطالع ١ / ٢٢٩.

(٢) التاج المكلل : ٣٧٣.

(٣) المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط.

(٤) المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط.

٤٠٥

ترجمته :

١ ـ الاسنوى : « كان اماما في العلوم النقلية والعقلية ذا تصانيف كثيرة مشهورة ، منها ( شرح المصابيح ) و ( مختصر ابن الحاجب ) و ( المفتاح ) و ( التلخيص في علم البيان ) وصنف أيضا في المنطق » (١).

٢ ـ وابن قاضي شهبة في ( طبقات الشافعية ٣ / ٨٧ ).

٣ ـ والجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ١٠٦ ).

٤ ـ وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة ٤ / ٢٦٠ ) بمثل ما تقدم.

*(١٢٣)*

تصحيح شمس الدين الذهبي

قال الشيخاني القادري ما نصه : « وأخرج ابو عوانة عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال : لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حجة الوداع ونزل غدير خم [ أمر بدوحات ] فقممن ، ثم قال : كأنى قد دعيت فأجبت ، وانّي قد تركت فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال : ان الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي رضي‌الله‌عنه فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد : سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال : ما كان في الدوحات أحد الا رآه بعينه وسمعه بأذنه. قال الحافظ الذهبي : هذا حديث صحيح » (٢).

أقول : ووافق الحاكم على تصحيحه في ( تلخيص المستدرك ٣ / ١٠٩ ).

__________________

(١) طبقات الشافعية ١ / ٥٠٥.

(٢) الصراط السوى ـ مخطوط.

٤٠٦

ترجمته :

١ ـ ابن شاكر الكتبي في ( فوات الوفيات ٣ / ٣١٥ ).

٢ ـ وتاج الدين السبكى في ( طبقات الشافعية ٥ / ٢١٦ ).

٣ ـ وجمال الدين الاسنوى في ( طبقات الشافعية ١ / ٥٥٨ ).

٤ ـ وابن قاضي شهبة في ( طبقات الشافعية ٢ / ٧٢ ).

٥ ـ وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٤ / ٤٢٦ ).

٦ ـ والجلال السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥١٧ ).

٧ ـ وغياث الدين المدعو خواندمير في ( حبيب السير ).

٨ ـ ( الدهلوي ) في ( بستان المحدثين ) و ( التحفة ).

٩ ـ والقنوجى في ( التاج المكلل ٤١٣ ).

ونكتفي هنا بما ذكره الشوكانى وهذا نصه : « محمد بن أحمد بن عثمان ابن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل ، الفارقي ثم الدمشقي ، أبو عبد الله شمس الدين الذهبي ، الحافظ الكبير المؤرخ ، صاحب التصانيف السائرة في الأقطار ، ولد ثالث شهر ربيع الآخر سنة ٦٧٣ ، وأجاز له في سنة مولده جماعة بعناية أخيه من الرضاع ، وطلب بنفسه بعد سنة ٦٩٠ فأكثر عن ابن عساكر وطبقته ، ثم رحل الى القاهرة وأخذ عن الدمياطي وابن الصواف وغيرهما وخرج لنفسه ثلاثين بلدا ، ومهر في فن الحديث وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة. قال ابن حجر : حتى كان أكثر أهل عصره تصنيفا ، وجمع ( تاريخ الإسلام ) فأربى فيه على من تقدمه بتحرير أخبار المحدثين خصوصا ـ انتهى.

أي لا باعتبار تحرير غيرهم ، فان غيره أبسط منه. واختصر منه مختصرات كثيرة منها ( النبلاء ) و ( العبر ) و ( تلخيص التاريخ ) و ( طبقات الحفاظ ) و ( طبقات القراء ). ولعل ( تاريخ الإسلام ) في زيادة على عشرين مجلدا وقفت منه على أجزاء ، و ( النبلاء ) في نحو العشرين مجلدا وقفت منه على أجزاء ، وهو مختصر من ( تاريخ الإسلام ) باعتبار أن الأصل لمن لم ينبل

٤٠٧

في الغالب و ( النبلاء ) ليس الا لمن نبل ، لكنه أطال تراجم النبلاء فيه بما لم يكن في تاريخ الإسلام.

ومن مصنفاته ( الميزان في نقد الرجال ) جعله مختصا بالضعفاء الذين قد تكلم فيهم متكلم [ وان كانوا غير ضعفاء في الواقع ، ولهذا ذكر فيه مثل ابن معين وعلي بن المديني باعتبار أنه قد تكلم فيهما متكلم ] وهذا كتاب مفيد في ثلاث مجلدات كبار.

وله كتاب ( الكاشف ) المعروف ، ومختصر ( سنن البيهقي ) الكبرى ، ومختصر ( تهذيب الكمال ) لشيخه المزي ، وخرج لنفسه ( المعجم الكبير ) و ( الصغير ) و ( المختص بالمحدثين ) ، فذكر فيه غالب الطلبة من أهل ذلك العصر ، وعاش الكثير منهم بعده الى نحو أربعين سنة ، وخرج لغيره من شيوخه وأقرانه وتلامذته.

وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها ، رحل اليه الناس لأجلها ، وأخذوا عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته وطارت في جميع بقاع الأرض ، وله فيها تعبيرات رائقة وألفاظ رشيقة غالبا ، لم يسلك فيها مسلكه أهل عصره ولا من قبلهم ولا من بعدهم. وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمن بعدهم عيال عليه ، ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه ولا حرره كتحريره.

قال البدر النابلسى في ( مشيخته ) : كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم جيد الفهم ثاقب الذهن ، وشهرته تغنى عن الاطناب فيه ـ انتهى » (١).

*(١٢٤)*

رواية جمال الدين الزرندي المدني الأنصاري

روى حديث الثقلين في كتاب [ نظم درر السمطين ] حيث قال :

__________________

(١) البدر الطالع ٢ / ١١٠.

٤٠٨

« ذكر وصاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأهل بيته وفضل مودتهم وأن محبتهم من الايمان بالله ورسوله : روى ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي.

وعن عبد الرحمن بن عوف (رض) قال : قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : أوصيكم بعترتي خيرا ، وان موعدكم الحوض. وعن زيد بن أرقم (رض) قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : من أحب أن ينسأ له في أجله وأن يمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة ، فمن لم يخلفني فيهم بتك عمره ، وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه.

وفي رواية عن زيد بن أرقم : ان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : أيها الناس ، انما أنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين ، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي.

وفي رواية : كتاب الله هو حبل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة.

قوله صلّى الله عليه وسلّم : « وأنا تارك فيكم ثقلين » سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما والمحافظة على رعايتهما ثقيل ، وقد جعلهما ثقلين لان كان نفيس وخطير ثقيل ، ومنه الثقلان الانس والجن ، لأنهما فضلا بالتمييز والعقل على سائر الحيوان ، وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل ، وسماهما بذلك إعظاما لقدرهما. وفسروا قوله تعالى : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً

٤٠٩

ثَقِيلاً ) أن أوامر الله تعالى وفرائضه ونواهيه لا يؤدى الا بتكلف ما يثقل ، وقيل أي له وزن. قال زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه : أهل بيته أهل وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده : آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : أيها الناس اني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ألا وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ـ غريب.

وعن جابر رضي‌الله‌عنه قال : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول : يا أيها الناس ، اني تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.

ورواه بلفظ آخر عن زيد بن أرقم أيضا » (١).

وقال نور الدين السمهودي ضمن طرق الحديث : « روى الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرندي المدني في كتابه ( نظم درر السمطين ) حديث زيد من غير اسناد ولا عزو ، ولفظه : روى زيد بن أرقم قال : أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع فقال : اني فرطكم على الحوض وانكم تبعي ، وانكم توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما. فقام رجل من المهاجرين فقال : ما الثقلان؟ قال : الأكبر منهما كتاب الله سبب طرفه بيد الله وسبب طرفه بأيديكم فتمسكوا به ، والأصغر عترتي ، فمن استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فليستوص بهم خيرا. او كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم ، واني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطانى أن يردوا علي الحوض كتين ـ أو قال كهاتين ـ فأشار بالمسبحتين ، ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي ، وعدوهما لي عدو.

__________________

(١) نظم درر السمطين ٢٣١ ـ ٢٣٢.

٤١٠

وقال الحافظ جمال الدين المذكور ، وورد عن عبد الله بن زيد عن أبيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : من أحب أن ينسأ له في أجله وان يمتع بما خوله الله فليخلفني في أهلي خلافة حسنة ، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسودا وجهه » (١).

ترجمته :

ترجم له وأثنى عليه ونقل عنه جماعة من كبار العلماء ، منهم :

١ ـ شمس الدين الكرماني في ( الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ).

٢ ـ وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة ٤ / ٢٩٥ ).

٣ ـ وشهاب الدين احمد في ( توضيح الدلائل ـ مخطوط ).

٤ ـ وابن الصباغ المالكي في ( الفصول المهمة ).

٥ ـ ونور الدين السمهودي في ( جواهر العقدين ـ مخطوط ).

٦ ـ ومحمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ).

٧ ـ وأحمد بن محمد بن الفضل بن باكثير المكي في ( وسيلة المآل ـ مخطوط ).

٨ ـ وميرزا محمد خان البدخشانى في ( مفتاح النجا ـ مخطوط ).

٩ ـ وأحمد العجيلى في ( ذخيرة المآل ـ مخطوط ).

وبمراجعة هذه المصادر وغيرها يتبين شأن هذا الرجل واعتماد أبناء السنة عليه.

__________________

(١) جواهر العقدين ـ مخطوط.

٤١١

*(١٢٥)*

رواية سعيد الدين الكازروني

روى حديث الثقلين في كتابه ( المنتقى في سيرة المصطفى ) وهذا نص كلامه :

« ومن توقيره صلّى الله عليه وسلّم بره وبر آله وذريته وأمهات المؤمنين ، قال رسول الله : أنشدكم الله في أهل بيتي ـ ثلاثا. قال الراوي : قلنا لزيد : من أهل بيته؟ قال : آل عليّ وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس.

وقال صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

وقال فيه أيضا : « ومن طعن في نسب شخص من أولاد فاطمة رضي الله عنها بأن قال : أفنى الحجاج بن يوسف ذريتها ولم يبق أحد منهم وليس في الناس أحد يصح نسبه إليها. فقد ظلم وكذب وأساء ، فان تعمد ذلك بعد ما نشأ في بلاد علماء الدين كاد يكون كافرا ، لأنه يخالف ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما ثبت في الترمذي عن زيد بن أرقم أنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وقد تقدم في حديث المباهلة قوله صلّى الله عليه وسلّم : اللهم هؤلاء أهل بيتي.

قال مؤلف هذا الكتاب سعيد بن مسعود الكازروني ـ جعله الله ممن دخل في العلم من طريق الباب حتى يفوز بالسداد والصواب : فما دام القرآن باقيا فأولاد فاطمة باقون ، لظاهر الحديث الصحيح ».

ترجمته :

١ ـ ابن حجر العسقلاني : « محمد بن مسعود بن محمد ابن خواجة امام

٤١٢

مسعود بن محمد بن علي بن أحمد بن عمر بن اسماعيل بن الشيخ أبي علي الدقاق البليانى الكازروني.

ذكره ابن الجزري في ( مشيخة الجنيد البلياني ) ... ثم قال : كان سعيد الدين محدثا فاضلا سمع الكثير ، وأجاز له المزي صاحب ( تهذيب الكمال ) وجماعة ، وخرج ( المسلسل ) وألف ( المولد النبوي ) فأجاد ، ومات في أواخر جمادى الآخرة سنة ٧٥٨ » (١).

٢ ـ محيي الدين محمد بن الخطيب القاسم : في ( حاشية روض الاخبار المنتخب من ربيع الأبرار ـ مخطوط ) : « كان شيخا محدثا في وقته ، كتب إجازة بعض تلامذته سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة [ سبعمائة ظ ] بهراة ، وروى عنه الشيوخ ، منهم الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي ، وكان الجزري شيخ المحدثين في أوانه وامام القراء في زمانه ».

٣ ـ وترجم له محمد بن أحمد بن محمد السمرقندي في مقدمة كتابه ( ترجمة المنتقى ) ترجمة مفصلة.

وهذا المقدار باختصار يكفي لمعرفة عظمة سعيد الدين الكازروني.

*(١٢٦)*

رواية ابن كثير الدمشقي

روى حديث الثقلين في تفسير قوله تعالى ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، رواه في تفسير هذه الآية عن مسلم بسنده عن زيد بن أرقم (٢).

ورواه في تفسير آية المودة عن أحمد بن حنبل بسنده عن زيد أيضا ، ثم

__________________

(١) الدرر الكامنة ٤ / ٢٥٥.

(٢) تفسير ابن كثير ٥ / ٤٥٧.

٤١٣

قال بعده : « وهكذا رواه مسلم في ( الفضائل ) والنسائي من طرق [ عن ] يزيد بن حيان به ».

« ورواه أيضا عن الترمذي كذلك ثم قال : « وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم » (١).

وقال أيضا : « وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته بغدير خم : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (٢).

هذا ، وقد تقدم في ابن عساكر أن ابن كثير قد روى حديث الثقلين في ( تاريخه ) أيضا.

ترجمته :

١ ـ الذهبي في ( المعجم المختص ـ مخطوط ).

٢ ـ وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١ / ٣٩٩ ).

٣ ـ وابن قاضى شهبة في ( طبقات الشافعية ٢ / ١١٣ ).

٤ ـ وجلال الدين السيوطي في ( طبقات الحفاظ ٥٢٩ ).

٥ ـ والداودي المالكي في ( طبقات المفسرين ١ / ١١٠ ).

وللاختصار نكتفي بما يلي :

قال الداودي : « اسماعيل بن عمر بن كثير ... كان قدوة العلماء والحفاظ ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ ، تفقه على الشيخين برهان الدين الفزاري وكمال الدين ابن قاضي شهبة ، ثم صاهر الحافظ أبا الحجاج المزي ولازمه وأخذ عنه وأقبل على علم الحديث ، وأخذ الكثير عن ابن تيمية ، وقرأ

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٦ / ٢٠٠.

(٢) تفسير ابن كثير ٦ / ١٩٩.

٤١٤

الأصول على الاصفهاني ، وسمع الكثير وأقبل على حفظ القرآن ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال والتاريخ حتى برع في ذلك وهو شاب ، وصنف في صغره كتاب الاحكام على أبواب التنبيه والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية والتفسير وكتابا في جمع المسانيد العشرة واختصر تهذيب الكمال وأضاف اليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل وطبقات الشافعية ومناقب الامام الشافعي وخرج الأحاديث الواقعة في مختصر ابن الحاجب وسيرة صغيرة ، وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات الى الحج ، وشرح قطعة من البخاري وقطعة كبيرة من التنبيه ، وولي مشيخة أم الصالح بعد موت الذهبي ، وبعد موت السبكي مشيخة دار الحديث الاشرفية مدة يسيرة ، ثم أخذت منه.

وذكره شيخه الذهبي في المعجم المختص فقال : فقيه متفنن ومحدث متقن ومفسر نقاد.

وقال تلميذه الحافظ شهاب الدين ابن حجر : كان أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ، وأعرفهم بتخريجها ورجالها وصحيحها وسقيمها ، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ، وكان يستحضر شيئا كثيرا من الفقه والتاريخ ، قليل النسيان ، وكان فقيها جيد الفهم صحيح الذهن ، ويحفظ ( التنبيه ) الى آخر وقت ، ويشارك في العربية مشاركة جيدة ، وينظم الشعر ، وما أعرف أني اجتمعت به مع كثرة ترددي اليه الا واستفدت منه.

وقال غيره : كانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه ، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق ، وامتحن بسبب ذلك وأوذي. مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة ، ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية »

وقال القنوجى في ( أبجد العلوم ) : « الفقيه الشافعي الحافظ عماد الدين ابن الخطيب شهاب الدين المعروف بالحافظ ابن كثير ، ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله نحو سبع سنين مع أخيه بعد موت أبيه ... وذكره الذهبي في

٤١٥

معجمه المختص فقال : الامام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظه المتون وسمع من ابن عساكر وغيره ... وصنف التصانيف الكثيرة في التفسير والتاريخ والاحكام. وقال ابن حبيب فيه : امام ذوي التسبيح والتهليل ، وزعيم أرباب التأويل ، سمع وجمع وصنف وأطرب الاسماع بأقواله وشنف ، وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاواه الى البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت اليه رئاسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير ... ».

*(١٢٧)*

رواية السيد على الهمداني

روى حديث الثقلين في كتابه [ المودة في القربى ] حيث قال ما نصه : « عن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : انّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض وأهل بيتي ـ ويروى عترتي ـ لم [ لن ظ ] يفترقا حتى يردا علي الحوض ».

وقال فيه : « وعن جبير بن مطعم رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ألست بوليكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : اني أوشك أن أدعى فأجيب ، وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله ربي وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».

ترجمته :

ترجم له ، واعتمد عليه عدة من الاعلام ، مما يدل على جلالته ، نذكر من ذلك :

١ ـ نور الدين جعفر البدخشانى في ( خلاصة المناقب ـ مخطوط ).

٢ ـ عبد الرحمن الجامى في ( نفحات الانس ٤٤٧ ).

٣ ـ الكفوى في ( كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط ).

٤ ـ مجد الدين البدخشانى في ( جامع السلاسل ـ مخطوط ).

٤١٦

٥ ـ شهاب الدين احمد في ( توضيح الدلائل ـ مخطوط ).

٦ ـ حسين الميبدى في ( الفواتح ).

٧ ـ القشاشى في ( السمط المجيد ).

٨ ـ الدهلوي ( والد الدهلوي ) في ( الانتباه ).

٩ ـ الفاضل الرشيد الدهلوي ( تلميذ الدهلوي ) في ( إيضاح لطافة المقال ).

*(١٢٨)*

اثبات السيد محمد الطالقاني

في كتابه ( رساله قيافه نامه ) ـ على ما نقل عنه مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع السلاسل ـ مخطوط ) بترجمة السيد علي الهمداني.

قال في كلام له في معنى « حبل الله » : « وقال بعضهم : ان المراد من حبل الله هو عترة النبي صلّى الله عليه وسلّم ، كما قال : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ألا فتمسكوا بهما ، فإنهما حبلان لا ينقطعان الى يوم القيامة ».

ترجمته :

ترجم له مجد الدين البدخشاني في كتابه ( جامع السلاسل ـ مخطوط ). وقد أثنى عليه الثناء البالغ ، ووصفه بالأوصاف الجميلة التي قلما يصفون أحدا بها.

*(١٢٩)*

اثبات سعد الدين التفتازاني

أثبت حديث الثقلين حيث قال ما نصه :

« فان قيل : قال الله تعالى ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

٤١٧

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ). وقال عليه الصلاة والسلام : انّي تركت فيكم ما أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله تعالى وعترتي أهل بيتي. وقال عليه‌السلام : انّي تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي. ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره.

قلنا : لا تصافهم بالعلم والتقوى وشرف النسب ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسك بهما منقذا عن الضلالة ، ولا معنى للتمسك بالكتاب الا الأخذ بما فيه من العلم والهداية. فكذا في العترة ، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه » (١).

ترجمته :

وقد ترجم للتفتازاني جماعة من أعيان العلماء ، أمثال :

١ ـ الجلال السيوطي في ( بغية الوعاة ٣٩١ ).

٢ ـ وابن حجر العسقلاني في ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٥ / ١١٩ ).

٣ ـ والداودي في ( طبقات المفسرين ٢ / ٣١٩ ).

٤ ـ والقنوجى في ( التاج المكلل ٤٧١ ).

٥ ـ والشوكانى في ( البدر الطالع ٢ / ٣٠٣ ) وهذا نص كلام الشوكاني :

« مسعود بن عمر التفتازاني ، الامام الكبير ، صاحب التصانيف المشهورة المعروف بسعد الدين ، ولد بتفتازان في صفر سنة ٧٢٢ ، وأخذ عن أكابر أهل العلم في عصره كالعضد وطبقته ، وفاق في النحو والصرف

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ / ٢٢١.

٤١٨

والمنطق والمعاني والبيان والأصول والتفسير والكلام وكثير من العلوم ، وطار صيته واشتهر ذكره ورحل اليه الطلبة ، وشرع في التصنيف وهو في ست عشرة سنة ، فصنف الزنجانية وفرغ منها في شعبان سنة ٧٣٨ ، وفرغ من شرح التلخيص الكبير في صفر سنة ٧٤٨ بهراة ، ومن مختصره سنة ٧٥٦ ، ومن شرح التوضيح في ذي القعدة سنة ٧٥٨ بكاشان ، ومن شرح العقائد في شعبان سنة ٧٦٨ ، ومن حاشية العضدي في ذي الحجة سنة ٧٧٠ ، ومن رسالة الإرشاد سنة ٧٧٤ ، كلها بخوارزم ، ومن المقاصد وشرحه في ذي القعدة سنة ٧٨٤ بسمرقند ، ومن تهذيب الكلام في رجب منها ، ومن شرح المفتاح في شوال سنة ٧٨٩ بسمرقند ايضا.

وشرع في فتاوى الحنفية يوم الأحد التاسع من ذي القعدة سنة ٧٦٩ بهراة ، وفي تأليف مفتاح الفقه سنة ٧٧٢ ، وفي شرح تلخيص المفتاح سنة ٧٨٦ كليهما بسرخس ، وفي حاشية الكشاف في ثامن ربيع الآخر سنة ٧٨٩ بظاهر سمرقند.

هكذا ذكر ملا زادة تاريخ ما فرغ منه من مؤلفاته وما شرع فيه ولم يكمل وقال في أول الترجمة ما لفظه : أستاذ العلماء المتأخرين وسيد الفضلاء المتقدمين مولانا سعد الملة والدين ، معدل ميزان المعقول والمنقول ، منقح أغصان الفروع والأصول ، أبي سعيد مسعود ابن القاضي الامام فخر الملة والدين عمر ابن المولى الأعظم سلطان العارفين الغازي التفتازاني ...

وبالجملة ، فصاحب الترجمة متفرد بعلومه في القرن الثامن ، لم يكن له في أهله نظير فيها ، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم مالا يلحق به غيره ».

*(١٣٠)*

رواية حسام الدين حميد المحلى

روى حديث الثقلين في كتابه ( محاسن الازهار في تفصيل مناقب

٤١٩

العترة الأخيار الاطهار ) كما ذكره العلامة محمد بن اسماعيل الأمير في ( الروضة الندية ) في سياق طرق حديث الغدير حيث قال ما نصه : « وذكر الخطبة بطولها الفقيه العلامة حميد المحلى في ( محاسن الازهار ) في شرح قول الامام المنصور بالله :

أيهما نص بها أجملا

له على المكي واليثربي

بسنده الى زيد بن أرقم قال : أقبل نبى الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بدوحات فقم ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يوم شديد الحر ، ان منا من يضع بعض ردائه على رأسه وبعضه على قدمه من شدة الرمضاء ، حتى أتينا الى رسول الله ، فصلى بنا الظهر ، ثم انصرف إلينا فقال :

الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، وأشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد ، أيها الناس فانه لم يكن لنبي من العمر الا النصف من عمر الذي قبله ، وان عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، واني قد شرعت في العشرين ، ألا واني يوشك أن أفارقكم ، ألا واني مسئول وأنتم مسئولون ، فهل بلغتكم فما ذا أنتم قائلون؟

فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله ، قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خيرا ما جزى نبيا عن أمته.

فقال : ألستم تشهدون أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق والنار حق وتؤمنون بالكتاب كله؟ قالوا : بلى.

فقال : انى أشهد أن صدقتكم وصدقتموني ، ألا واني فرطكم وأنتم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف

٤٢٠