النذير الأخير

خالد إسماعيل إبراهيم

النذير الأخير

المؤلف:

خالد إسماعيل إبراهيم


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ٠
ISBN: 977-17-0597-9
الصفحات: ٢٥٢

الغروب" او تنفس الصبح" اى وقت الشروق" ، ويكون حالها انها مختفية عن انظار بنى آدم وهى تكنس المكان الواحد.

وينطبق هذا الوصف على الاقمار الصناعية اللاتى يطلقها الانسان فهن تصلن إلى مستوى عال جدا فى السماء وحيث تنعدم الجاذبية الأرضية ثم تستقر وتثبت فى هذا المكان ولا تغيره حتى اذا جاء الليل او تنفس الصبح فتظل بمكانها ولكنها مختفية عن الانظار ، وهن ياخذن حركتهن بحركة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس فيظللن ثوابت فى أماكنهن اللاتى اطلقن فيه ، ولكنهم جوار لانهم يأخذوا جرينهم بحركة دوران الارض ، وهى كنس فلا تدعن مكان تحتهن الا وبثت فيه الموجات التى تنتشر بطريقة الصفوف المنتظمة المختلفة فى الاطوال" الصافات صفا" والتى تقع على البيوت كوقع المطر ، فيستقبل هذا الكنس او البث الدش ثم تترجمه اجهزة الاستقبال إلى صوت وصورة ، ومجالاتهن عديدة الاستخدام منها كوسيلة اتصال" التليفون المحمول" او التجسس او الإذاعة ... الخ واخطر نوع فيها هو التى تستخدمه الدول المتقدمة" الغير مسلمة" فى تحديد الاهداف بالصورة والمسافات والابعاد التى على الأرض بدقة ثم توجيه الصواريخ بدلالة هذا التحديد إلى الأماكن المعينة ، ثم ضرب الاهداف بعد ذلك بالصواريخ. وهذه الخنس الجوار الكنس محقرة فى قسم الله عزوجل" فلا اقسم بالخنس" ولا تقف أمام مراد الله عزوجل للمسلمين وهو النصر بإذنه ومدده على أعدائهم لقوله عزوجل ("وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ") صدق الله العظيم سورة الروم. وهذا قول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام من وحى ربه ملك السموات والارض الذى يمده بالقوة والذى اطاع الله عزوجل وكان آمين فى نقل رسالته ، وهو ليس بمجنون كما زعم الكافرين وانه رأى ربه بالافق

١٤١

المبين وانه لم يحجب عن الناس الغيب بل بلغة كما أمره ربه ، وأن آيات هذه السورة حاملة لغيبات كثيرة لا تخطر على قلب بشر وقت التنزيل ، وهو ليس بقول شيطان رجيم ، ولقد احاط هذا القرآن بكل كبيرة وصغيرة سوف تحدث فاين تذهبون ، ولكن هذا ذكر لكل الناس والعالمين ، وهذا لمن كان مراده الاستقامة على الإيمان ، ولكنكم لا تكون لكم استقامة الا بمراد الله عزوجل ، وسبحان الله العظيم فى معانى هذه السورة الكريمة الاعجازية التى تدل انه لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، والحمد لله والشكر لله.

ان تكوير الشمس وانكدار النجوم وتسير الجبال وتعطيل العشار وحشر الوحوش وتسجير البحار وتزويج النفوس وسؤال الموءودة بأى ذنب قتلت ونشر الصحف وكشط السماء وتسعير الجحيم وزلف الجنة وعلم نفس بها واحضارهما والخنس الجوار الكنس فى عسعسة الليل وتنفس الصبح آيات من آيات الله عزوجل اللاتى انزلت على النبى الرسول الخاتم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وقد ظهرت هذه المحدثات الا واحده فى علم الغيب ، وسبحان الله عزوجل حيث قال :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣))

صدق الله العظيم فصلت

١٤٢

الفصل التاسع

ذكر عند ظهور اشراط الساعة التى

ذكرها الله عزوجل في القرآن للناس

علانية لا يفقهونها بسبب لعبهم ولهوهم

عنها وهم يسمعونها

في القرآن الكريم

في قوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣))

صدق الله العظيم الأنبياء

الآيتان الأولى والثانية ومعهما جزء من الآية الثالثة وهو قوله عزوجل ("لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ") لمن تدبرهم ، ليس المقصود بهم زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وقت تنزيل القرآن الكريم ، وذلك لأن حال الناس وقت التنزيل إما إيمانا به واتباع الرسول وإما تكذيبا وكفرا وصدا عنه ومحاربة الرسول ومن معه من المؤمنين ، حتى إذا اشتدت محاربة الكفار

١٤٣

للمؤمنين وضاقت بالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ومن معه ارض مكة المكرمة وقتئذ هاجر إلى المدينة.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣))

صدق الله العظيم سورة محمد

وعند ما هاجر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ومن معه إلى المدينة المنورة حاربه يهود المدينة سواء كانوا من بنى قريظة او بنى قينقاع او بنى النضير او يهود خيبر وكفار مكة بل اجتمعوا كأحزاب وحاصروا المدينة لقطع هذا التنزيل المبارك ، حتى جاء فتح مكة وأنتشر الإسلام بعد ذلك.

ولكن الآيتين تتحدثان عن قرب الحساب والناس في غفلة ، وحالهم وهم يستمعون للقرآن إنهم يلعبون وقلوبهم لاهية ، وهذا خلاف حال الناس وقت التنزيل فكان حالهم إما مؤمنين وإما يستمعون له وهم مكذبين كافرين به ويصدون عنه ثم محاربين له.

ولكن احب قبل أن نتدبر هذه الآيات أن نتدبر تدرج الزمان حتى يصل الناس إلي هذه الآيات الإعجازية.

فعند ما كلم الله عزوجل موسى عليه‌السلام ذكر له أن الساعة آتية ، والمعلوم أن بعث الله عزوجل للنبي موسى عليه‌السلام كان قبل بعث النبي الخاتم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بأكثر من آلفين عام ،

١٤٤

فتكون الساعة وقتئذ ليست قريبة نسبيا ، وهكذا جاء قول المولى عزوجل للنبي موسى عليه‌السلام :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦))

صدق الله العظيم طه

وهو أخبار الله عزوجل لنبيه موسى عليه‌السلام أن الساعة آتية يكاد يخفيها ولم يذكر المولى عزوجل قربها فتكون ليست قريبة نسبيا ، ووقوعها لا محال منه.

ثم توالت الأزمنة وبعث الله عزوجل أنبياء كثيرة فى بنى إسرائيل وآخرهم النبي الرسول عيسى بن مريم عليه‌السلام.

ولما جاء زمن النبي الخاتم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام خاطبه المولى عزوجل فى القرآن الكريم ، باقتراب الساعة مقترنا بانشقاق القمر ، وقد انشق القمر فى زمن النبى عليه أفضل الصلاة والسلام حتى ظهر غار حيراء وسط انشقاقه ، وبيان هذا الذكر المبارك فى قوله عزوجل :

١٤٥

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣))

صدق الله العظيم القمر

من ثم فإن ظهور النبي الخاتم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام آذان لاقتراب الساعة ، وكان حال الناس وقتئذ إنهم معرضون ويقولون سحر مستمر ، وهم مكذبون وكافرون بما انزل على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من الله عزوجل ومتبعين لاهوائهم.

ثم جاءت آيات سورة الأنبياء الغيبية ، وذكرها كالآتي :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣))

صدق الله العظيم الأنبياء وهنا ذكر الله عزوجل اقتراب الحساب للناس وليست الساعة ، وذلك لأن الساعة وقتئذ لا تكون قريبة بل تكون على الأبواب ، ذلك وان الساعة هى التى ينهى بها الله عزوجل حياة الناس المتسلسلة منذ أن نزل آدم على الأرض ومعها حياة الجان أيضا إلا من يشاء الله عزوجل ، ثم

١٤٦

تكون فترة زمنية لا يعلمها الا الله عزوجل ثم يكون يوم البعث للحساب ، فهذه الآية الكريمة تحدث الناس عن اقتراب الحساب وهى مؤشر بان الساعة على الأبواب ، وعلى سبيل المثال : اذا كنت فى حجره لها باب مفتوح ، وأنت على بعد ثلاثة خطوات من الباب وبعد هذا الباب طرقه ، فيكون حالك انك قريب من الباب ، فإذا اجتزت هذه الثلاثة خطوات أصبحت أنت قريب من الطرقة وواقف على حافة الباب.

ويكون حال الناس وقتئذ فى غفلة معرضون ، وقوله عزوجل فى غفلة يفيد أن الناس يعلمون أن الساعة سوف تاتى ولكنهم فى غفلة عن أشراطها وعلاماتها الموجودة فى القرآن الكريم ، بسبب اعراضهم عن تدبر القرآن وهجر معانى آياته فجعلوه مهجورا وعضين ، فاصبحوا لا يعلمون الحق الذى به ، وإن سألتهم هل الساعة على الأبواب لقالوا" أن يوما عند ربك كالف سنة مما تعدون" ، فاصبح عندهم طول الامل وحب الحياة ، ولكن تاتى الآية الثانية لتعلمنا أن الناس وقتئذ لا ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم اى لا يستمعون القرآن وقتئذ إلا وهم يلعبون وقلوبهم فى لهو حتى يأتى ذكر الله عزوجل فى آياته الحاملة لا شراط الساعة وتكون وقتئذ ظاهرة بين يديهم لقوله عزوجل محدث اى حادث وواقع ، فيكون الذكر من الله عزوجل وهو القرآن الكريم حادث ومستحدث بين ايدى الناس وهى أشراط الساعة اللاتى تدبرنها سويا فى القرآن الكريم واللاتي تم وقوعها بالفعل ، ولكن قلوبهم فى لهو عنها وفى غفلة عنها ، لانهم فى لهو لجمع المال واستحوذ المناصب واللعب فى النوادي وبالطبع خروجهم عن نهج المؤمنين الموصفين فى القرآن والأحاديث النبوية.

١٤٧

وتوضيح لمعنى قول الله عزوجل ("ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ") ، فأيام الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم ليس جميع ما فى آيات القرآن الكريم محدث كقول الله عزوجل ("وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ") فهو ذكر من الله عزوجل ولكنه غير محدث لأن العشار وقتئذ لم تعطل ، ولكن منذ أكثر من سبعين عام تقريبا عطلت العشار وأصبح الإنسان يستخدم غيرها فى المواصلات ، فاصبح هذا الذكر المبارك وقت ظهوره محدث اى حادث وظاهر بين الناس ولكنهم فى غفلة عن معناه لما تدبرنا.

ثم انتقل قول المولى عزوجل من التحدث عن هذا الغيب المطلق لتوضيح اقوال الذين ظلموا من الكفار وقت التنزيل بحجة أن هذا بشر مثلكم وانه ساحر ، فقال لهم النبي الحبيب ("قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ") ، اى الذى يسمع نجواكم وهو الذي يعلم ما سوف يكون ، ثم تتوالى آيات سورة الأنبياء يخبرنا المولى عزوجل بان هذا القرآن فيه ذكرنا ، وانه لحق ذكرنا نحن المسلمين وما تواجد معنا من الكفار بما انزل على محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فى آخر الزمان ، وهو قول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))

صدق الله العظيم الأنبياء

١٤٨

وإنه لحق فيه ذكرنا وعلمنا بهذا الذكر يتطلب تعقل فى الآيات ، ولذلك جاء قوله عزوجل (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، وحقا انه ذكرنا لما تدبرنا فى الآيات الحاملة لاشراط الساعة.

ثم تمضى آيات سورة الأنبياء لتؤكد المعنى السابق وترسخه على أتم وجه وهو قوله عزوجل.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤))

صدق الله العظيم الأنبياء

وهو أن الله عزوجل جعل هذا القرآن برهانا لمن مع الرسول ، وتدبروا معنى قوله عزوجل ("ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ") ، ولو أن القول جاء هذا ذكرى وذكر من معي لكان لزاما أن يكون الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بين الناس حتى تظهر هذه المحدثات ، وهكذا جاء قول الله عزوجل لرسول الكريم ("وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ") فجعل الله عزوجل ذكر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام مرفوعا متمثلا فى قول لا اله الا الله محمدا رسول الله حتى بعد وفاته لأن الرسالة قائمة وما فى الرسالة من غيبات سوف تحدث فى آخر الزمان واليوم الآخر ووقت حدوث الساعة ووقت قيام الساعة ويوم الفصل والحساب ، وانه لقول الفصل ليس بالهزل ، فيكون هذا ذكر مرفوع لمن مع الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لمن قال لا اله إلا الله محمدا رسول الله بعد وفاة النبي الحبيب والذين تظهر

١٤٩

عليهم هذه المحدثات فتكون كبرهان لهم ، ولكن الكافرين ليس لديهم برهان على هذه المحدثات لانه لا دين لهم ، فهم لا يعلمون الحق وهم معرضون ، وسبحان الله العظيم عالم الغيب والشهادة لا اله إلا هو.

وقد ذكر الله عزوجل ذكره المحدث في سورة الشعراء ، ولكن مصحوبا بظهور آية من السماء ، وهو قوله تعالى :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦))

صدق الله العظيم الشعراء

هو قول الله عزوجل هذه آيات القرآن المبين الذي لها بيان وبيانها هو ظهورها ، وإنك تهلك نفسك حتى يكونوا مؤمنين ، فإن شاء الله عزوجل نزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين ، ثم حدد الله عزوجل زمن إنزال هذه الآية وهو زمن آخر غير زمن تنزيل القرآن وهو الزمن الذي يكون فيه ذكر الرحمن وهو آيات القرآن الكريم محدث اى حادث وواقع بين الناس ، وعند حدوث ووقع هذه الآيات علانية للناس فيصبح خبر الذين اهلكت نفسك حتى يكونوا مؤمنين ماضيا

١٥٠

لقوله عزوجل الا كانوا عنه معرضين ، وانهم كذبوك فسوف ياتيهم خبر الذى كانوا به يستهزءون.

وقد علمنا من سورة الأنبياء انه عند ما يأتي ذكر الله عزوجل محدث يكون الناس وقتئذ على أبواب الساعة وعلى مقربة للحساب ، ولكن الله عزوجل فى سورة الشعراء ربط بين حدوث آياته ووقعها وظهورها بين الناس وانزال آية من السماء وقت حدوث آياته التى تحمل أشراط الساعة واللاتي تدبرها سويا في هذا الكتيب ، وقد نقل إلينا الأولين وهم الصحابة والتابعين أن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام حدد هذه الآية وقالوا :

عن شهر حوشب ، قال : قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

" في المحرم ينادى منادى من السماء ، ألا أن صفوة الله من خلقه فلان ، فاستمعوا له واطيعوه ، فى سنة الصوت والمعمعة" صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام اخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد فى كتاب الفتن باب علامة اخرى عند خروج المهدى ، وهو حديث متداول بين العلماء عند ما يكتبون عن المهدى عليه‌السلام وعلاماته.

١٥١

الفصل العاشر

ذكر المسيخ الدجال

قصة واسما

في القرآن الكريم

ذهب كثير من العلماء أن الله عزوجل لم يذكر المسيخ الدجال فى القرآن الكريم لحقارته ، ولكن لدينا من آيات الله عزوجل ما يدلنا أن هذا القرآن لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وان الله عزوجل لم يفرط فى الكتاب من شىء ، من ثم فلا بد من وجود ذكر لهذا الدجال فى القرآن الكريم لانه شر غائب منتظر ، ولوجود كم من الأحاديث النبوية تشير إلى هذا الشر المنتظر مقترنا بظهور اليهود" بنى إسرائيل" فى وعد الآخرة.

للوقوف على هذا الذكر ، فلا بد من سياق حديث مسلم لتميم الدارى ، وما جاء فى هذا الحديث يواجهه العالم الآن كبوادر وعلامات دلت على صحته بقوة ، وأوشك أن يكون يقينا ، وجاء الحديث الطويل هكذا :

عن عامر بن شراحيل الشعبى ، شعب همدان ، انه سأل فاطمة بنت قيس ، أخت الضاحك بن قيس ، وكانت من المهاجرات الاول ، فقال :

حدثينى حديثا سمعتيه من رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، لا تسنديه إلى أحد غيره.

فقالت : لئن شئت لافعلن.

١٥٢

فقال لها : اجل ، حدثيني

فقالت : نكحت ابن المغيرة ، وهو خيار شباب قريش يومئذ فاصيب فى أول الجهاد مع رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام فلما تأيمت خطبنى عبد الرحمن بن عوف ، فى نفر من أصحاب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، وخطبنى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام على مولاه أسامة بن زيد ، وكنت قد حدثت أن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال" من احبنى فليحب أسامة" فلما كلمني رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام قلت أمري بيدك فانكحني من شئت.

فقال : " انتقلي أم شريك" وأم شريك امرأة غنية من الأنصار ، عظيمة النفقة فى سبيل الله ، ينزل عليها الضيفان قلت : سأفعل قال : " تفعلي ، أن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان ، فاني أكره أن يسقط عنك خمارك ، وينكشف الثوب عن ساقيك ، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم." وهو رجل من بنى فهر قريش ، وهو من البطن الذى منه.

فانتقلت اليه ، فلما انقضت عدتى ، سمعت نداء المنادى ، منادى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام : الصلاة جامعه ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، فكنت فى النساء التى تلا ظهور القوم ، فلما قضى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وصلاته جلس على المنبر ، وهو يضحك ، فقال" ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال" أتدرون لما جمعتكم".

١٥٣

قالوا : الله ورسوله اعلم.

قال : " انى والله ما جمعتكم لرغبة ، ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميما الدارى رجلا نصرانيا ، فجاء مبايع ، واسلم ، فحدثنى حديثا وافق الذى كنت احدثكم عن المسيخ الدجال ، حدثنى انه ركب فى سفينة بحرية مع ثلاثين رجل من لحم وجزام ، فلعب بهم الموج شهرا ، ثم أرفئوا إلى جزيرة فى البحر ، حتى مغرب الشمس ، فجلسوا فى اقرب السفينة ، فدخلوا الجزيرة فلقتهم دابة اهلب كثير الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره." فقالوا : ويلك ما انت؟

قالت : أنا الجساسة.

قالوا : وما الجساسة.

قالت : ايها القوم ، انطلقوا إلى هذا الرجل فى الدير ، فإنه إلي خبركم بالاشواق.

قال : لما سمت لنا رجل ، فرقنا منها. أن تكون شيطانه.

قال : فانطلقنا سراعا ، حتى دخلنا الدير ، فاذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا ، واشد وثاقا ، مجموعه يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد.

قلنا : ويلك ، ما أنت؟

قال : قد قدرتم على خبرى ، فاخبرونى ما أنتم؟

قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا فى سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهرا ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا فى أقربها ، فدخلنا الجزيرة ، فلقينا دابه اهدب كثير الشعر ، لا ندرى ما

١٥٤

قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما انت : قالت : انا الجساسة.

قلنا وما الجساسة؟ قالت اعمدوا إلى هذا الرجل فى الدير ، فإنه إلى خبركم بالاشواق ، فاقبلنا اليك سراعا ، وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانه.

فقال : اخبرونى عن نخل بيسان.

قلنا : عن اى شانها تستخبر؟

قال : أسألكم عن نخلها ، هل يثمر؟

قلنا : نعم.

قال : إنها توشك أن لا تثمر.

قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية.

قلنا : عن أي شانها تستخبر؟

قال : هل فيها ماء؟

قالوا نعم : هى كثيرة الماء.

قال : أما أن ماءها يوشك أن يذهب.

قال : أخبروني عن عين زعر.

قلنا : عن اى شأنها تستخبر؟

قال : هل فى العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟

قلنا له : نعم ، كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها.

قال : أخبروني عن نبي الأميين ، ما فعل؟

قالوا : قد خرج من مكة ، ونزل يثرب.

قال : أقاتله العرب؟

قلنا : نعم.

١٥٥

قال : كيف صنع بهم؟

فأخبرناه انه قد ظهر من يليه من العرب ، وأطاعوه.

قال لهم : قد كان ذلك؟

قلنا : نعم.

قال : أما أن ذلك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عنى ، أنا المسيح ، وإني أوشك أن يؤذن لى فى الخروج ، فاخرج فاسير فى الارض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها فى أربعين ليله ، غير مكة وطيبة ، هما محرمتان على كلتاهم ، كلما اردت أن ادخل واحدة منهما ، استقبلنى ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها.

قالت : قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وطعن بمخصرته فى المنبر" هذه طيبة ، هذه طيبة" يعنى المدينة" ألا هل كنت حدثتكم ذلك"؟

فقال الناس : نعم.

قال : " فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذى كنت أحدثكم عنه ، وعن المدينة ومكه ، إلا إنه بحر الشام ، او بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو" وأم ما بيده إلى المشرق.

قالت : فحفظت هذا من رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.

أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه.

بعد سياق هذا الحديث العظيم ، نقف عند بعض المعاني أولهم :

تواجد رجل جسيم موثقا فى جزيرة ما بالبحر او المحيط ، وثانيهم : انه سمى نفسه بالمسيح ، وثالثهم : انه لم يؤذن له بالخروج او لم يفك حبسه ، ورابعهم : انه يخرج فلا يدع قرية الا هبطها فى اربعين ليله غير مكة وطيبة ، وتدبروا القول فى هبطها وهو دليل انه لا يمتطى إلا شىء كالطائرة حيث إنها لها صفة الهبوط من السماء على القرى ، خامسهم :

١٥٦

أن له علامات تدل على ظهوره ، ولم يحن وقت خروجه فى زمن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.

وان من المحدثان التى بين يدينا الآن هو وجود جزيرة عند غروب الشمس اى اتجاه غروب الشمس كما حددها تميم الدارى وهى فى المحيط الأطلسي يحوم حولها خطر وأمور غير عادية ، ولا أحد يستطيع الوصول اليها ، وسموا المثلث الموجود فيه الجزيرة بمثلث الرعب والشيطان او مثلث برمودة ، حيث لا تستطيع غواصة أن تسير فى هذا المكان وكذلك اى طائر ، وان الأستاذ / محمد عيسى داود وضع علاقة بين هذا المثلث والمسيخ الدجال بجزيرته وأمريكا واليهود والأطباق الطائرة وتأييد امريكا لفساد إسرائيل في الشرق الأوسط ، وذلك بحكم دراسته للسريانية والعبرية ، بل كانت له مجهودات ذات بذل مالى وجهد للسفر لتتبع هذه الآثار فى الغرب وأمريكا ، وهو رائد فى هذه الكتابات ، ومن ضمن المفكرين القلائل الذين استشعروا بعلم أن بداية نهاية الكون وشيكة وكتبوا بأقلامهم بدلالات ما يحذروا به المسلمين من شر على الأبواب" المسيخ الدجال" ويشيروا بأقلامهم بدلالات أن هناك رحمة من الله عزوجل للمسلمين مجددة ببعث" خليفة الله المهدى ـ عليه‌السلام" على الأبواب ، وستشهد الكرة الأرضية أقوى وأعنف الحروب والخسوفات منذ أن نزل آدم وحواء عليهما‌السلام على الأرض بدلالات ، وهذه الأقلام ظهرت كتابتها بشدة فى تسعينات القرن العشرين ، وسميت هذه السنوات بصرخة العلماء والمفكرين المصريين المسلمين للتنبيه على شدة إدبار الزمان ودفع الناس إلى الأيمان لما تسير الدنيا تجاهه الآن ، ولم يخشوا فى كتابتهم إلا الله عزوجل ولم يهابوا قوة الدول العظمة بل نقلوا

١٥٧

الوضع كما علموه فى الدين بتفكر وتدبر أسال الله العظيم أن يزيدهم علما وان يجعل مثواهم الجنة ، والله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير.

وفى ذكر هذا الملعون المحبوس بجزيرة الإلزام لتواجد ذكره فى القرآن الكريم لأن الله عزوجل لم يفرط فى الكتاب من شيء فلا بد من أن هناك أمر من المولى عزوجل بحبس هذا اللعين فى هذه الجزيرة لحكمه من الله عزوجل ، وهذا الأمر حقا موجود بالقرآن الكريم وجاء بسورة طه في قول الله العظيم.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩))

صدق الله العظيم طه

١٥٨

وهو أن الله عزوجل وعد موسى عليه‌السلام بان ينزل عليه كتاب فيه هدى ونور لبنى إسرائيل ، فاختار موسى عليه‌السلام من قومه سبعين رجلا ، وترك أخاه هارون عليه‌السلام فى بنى إسرائيل ، فاعتكف موسى عليه‌السلام ومن معه أربعين ليله بعيدا عن قومه ، حتى جاء ميقات الله عزوجل ، فذهبوا إلى جبل الطور ، وتعجل موسى عليه‌السلام عن قومه فسبقهم إلى جبل الطور لشدة حبه لله عزوجل ، فاخبره الله عزوجل أن السامرى اوقع فتنة فى بنى اسرائيل وأضلهم فى مدة الاربعين ليله الذى غاب فيها موسى عليه‌السلام ومن معه لوعد الله عزوجل ، فلما رجع موسى عليه‌السلام ومن معه إلى قومه غضبان اسفا ، وجد أن السامرى صنع لهم عجل من ذهب له خوار فقالوا والعياذ بالله هذا إلهكم واله موسى ، ولكن هناك طائفة من بنى اسرائيل لم تفتن بهذا ، فلما رأى موسى عليه‌السلام ذلك اخذ بلحية ورأس اخيه هارون عليه‌السلام ولا مه على ما وصل اليه بنى اسرائيل من كفر ولكن الله عزوجل برء النبى هارون عليه‌السلام من هذا ، لانه نهاهم عن فعلتهم هذه وانه خاف أن يفرق بين اسرائيل ويدب فيهم القتال حتى يرجع موسى عليه‌السلام ، ويبت فى هذه الفتنة الشديدة لبنى اسرائيل ، فخاطب موسى عليه‌السلام ذلك السامرى اللعين ، وقال ما خطبك يا سامرى ، قال السامرى : بصرت بالذى لا يستطيع أحد أن يراه فرأى جبريل عليه‌السلام ولما مشى قبض قبضه من آثار التراب الذى كان واقف عليه ونبزها ، فسولت له نفسه بعمل هذا ، وحتى هذا القول لذلك السامرى اللعين نقف على معانى كثيرة.

١ ـ ان ذلك السامرى اللعين كان مع قوم موسى عليه‌السلام ، وحضر جميع معجزات الله عزوجل الذى اجراها لموسى عليه‌السلام ونسيها أمام كفره ورغبته فى الفساد والدجل ، فنسى ما ذا فعل إله موسى عز

١٥٩

وجل بفرعون ومن معه حتى يمكن لبنى إسرائيل ، ونسى ما فعله بقارون ، ولما استقرت بنى إسرائيل فى سيناء انزل الله عزوجل عليهم المن والسلوى فنسى ، وضرب موسى عليه‌السلام الحجر بإذن الله عزوجل فانفجرت منه أثنى عشر عين ماء لكل مجموعة من بنى إسرائيل عين يشربون منها فنسى ذلك أيضا ، وتوالت المعجزات اللاتى ايد الله عزوجل بها نبيه موسى عليه‌السلام لاثبات نبوته وليكون هدى ونور لبنى اسرائيل ، وعلى الرغم من هذا كان السامرى يدعى الإيمان حتى خرج موسى عليه‌السلام ومن معه لوعد الله عزوجل فى مده أربعين ليله واودع هذه الفتنة فى بنى اسرائيل بطريق الدجل والكذب والكفر ، وناسيا ومكذبا بما اجراه الله عزوجل على يد موسى عليه‌السلام ولهذا الهدى ، وكانت واقعه لهم رأى العين.

٢ ـ من شدة هذه الفتنة دارت بين النبى موسى عليه‌السلام. واخيه هارون عليه‌السلام مشادّة عنيفة ، واخذ موسى عليه‌السلام بلحية هارون عليه‌السلام ورأسه وكاد يقضى عليه ، فإنه بذلك اودع فتنة بين نبيين مرسلين وهما موسى وهارون عليهما‌السلام ، وهذا ما لم يحدثه أحدا من قبله ولا من بعده.

٣ ـ هذا الرجل اللعين تجرأ على الله عزوجل حيث قال على العجل والعياذ بالله هذا إلهكم واله موسى ، وان اله موسى عليه‌السلام هو الله عزوجل الذى لا اله الا هو العظيم رب العالمين.

٤ ـ ان هذه الفتنة اشد من كفر فرعون الذى ادعى الألوهية والعياذ بالله ، ولم يذكر القرآن الكريم احقر من هذا الآدمي اللعين ولا فتنه اشد واحقر منها.

١٦٠