النذير الأخير

خالد إسماعيل إبراهيم

النذير الأخير

المؤلف:

خالد إسماعيل إبراهيم


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب المصري
الطبعة: ٠
ISBN: 977-17-0597-9
الصفحات: ٢٥٢

على الرجل الذى ليس لديه عمل فهو عاطل ، وتعطيل العشار لا يكون إلا إذا استخدم الإنسان وسائل انتقال أسرع وأريح ، وهذا الذى حدث بالفعل فقد توصل الإنسان للمواصلات الحديثة التى هى بين يدينا الآن من سيارات وأتوبيسات وقطارات وطائرات ، وذلك مما جعله يعطل العشار ، وجاءت إشارة المولى عزوجل لهذه الوسائل بقوله :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))

صدق الله العظيم النحل

ظهور حدائق الحيوان

(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) :

والواو حرف عطف ، وإذا أداة شرط ، والوحوش هى الحيوانات التى لها صفة الافتراس كالأسد والنمر والفهد وغيرهم ، حشرت : اى جمعت.

وهذا الشرط حدث ، فقد جمعت الوحوش فى حدائق الحيوان منذ أكثر من مائة عام ، وهذا الحشر لم يعهده الإنسان من قبل للوحوش ، ولكن بعد التطور العلمي واكتشاف التخدير واستخدام السيارات المجهزة بأقفاص حديدية محكمة ، تمكن الإنسان من تخدير هذه الوحوش بضربها ببنادق مذودة بحقن مخدرة ، ثم نقلها وهى جثة هامدة بواسطة هذه السيارات إلى أماكن حشرها فى حدائق الحيوان.

١٠١

استخدام الإنسان للبترول

(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) :

الواو حرف عطف ، وإذا أداة شرط ، سجرت اى اشتعلت ، والمعنى استخرج ما له سيولة من البحار المسجورة" المحبوسة" فى باطن الأرض وإشعاله ، والمسجور بضم الجيم اى المحبوس ، وسجرت بكسر الجيم اى اشتعلت ، والبترول يتواجد فى باطن الأرض عبارة عن بحر وهو الذى يسمى الآن بآبار البترول ، وقد سبق أن تحدثنا عنها ، وكيف أن الله عزوجل حدد لون هذه البحار باللون الاسود" فجعله غثاء أحوى" وهو البترول ، وقوله عزوجل (" إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ") اى اذا اشتعلت البحار والبحار العادية لا تشتعل ، ولكن بحار البترول المحبوسة فى باطن الأرض يمكن استخراجها الآن وحرقها" مشتقات البترول" فى محركات السيارات والآلات ومحركات الطائرة ، فينتج عن احتراقها طاقة تولد حركه.

عملية الاستنساخ

(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) الواو حرف عطف ، وإذا أداة شرط ، فقد تواجد فى كتاب الله عزوجل طريقتان لجمع كلمة نفس.

١ ـ جمع نفس بأنفس : او مضاف اليها الضمائر مثل أنفسكم ـ أنفسهم ـ أنفسنا ـ أنفسهن ، لقد جمع الله عزوجل كلمة النفس بأنفس عند ما تتداول

١٠٢

الأنفس مع بعضها البعض أمرا مثل الظلم او القتل او الخروج من الديار او الخداع او الشهوة او التربص او الدعوة لها ... الخ مما تتداوله الانفس مع بعضها وذلك من اقواله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ)

٥٤ البقرة

(فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)

٥٤ ـ البقرة

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤))

البقرة

(وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١))

الزخرف

(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩))

البقرة

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (٢٢٨))

البقرة

١٠٣

(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ (٦١))

صدق الله العظيم آل عمران

٢ ـ جمع نفس بنفوس : او مضاف اليها الضمير مثل ـ نفوسكم لقد جمع الله عزوجل النفس بنفوسكم عند ما لا تتداول النفس مع النفس الأخرى الشيء المراد بيانه مثل ما تخفيه كل نفس عن النفس الأخرى فهو غير متبادل بينهم ، وبيانه من قول الله عزوجل.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥))

صدق الله العظيم سورة الاسراء

والمعني أن الله عزوجل اعلم بما في كل نفس علي حدا حتى ولو اجتمعت الأنفس علي امر واحد يتداولونه بينهم ، ولكن كل نفس لا تتداول ما تخفيه عن الاخرى فيعلم الله عزوجل ما في نفوسهم.

ومن ثم فإن (" وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ") تاتي بمعني اذا كل نفس زوجت بنفسها ولا تتداول الزواج مع زوجها فلو تداولت مع زوجها لكانت كلمة الانفس لقوله عزوجل :

١٠٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

صدق الله العظيم (٢١) الروم

في هذه الآية يكون الزواج متداول بين نفس واخرى وهي زوجها فكان الجمع بكلمة الانفس.

من ثم فإن زواج النفس بنفسها شرط من أشراط الساعة ، وهذا ما لم يكن يتخيله العلماء السابقين ، ولقد ظهر هذا الشرط الخطير منذ بضع سنوات قليلة جدا وهو الاستنساخ ، والاستنساخ هو تقليح بويضة بخلية من نفس الجسم الحامل للبويضة بواسطة أجهزة حديثة وقامت علي هذا تجارب عديدة وجاء خبر هذا الاستنساخ الذي سعي اليه العلماء الاعاجم بخبر النعجة دوللي المستنسخة من خلية من أمها وكثرت التجارب بعدها حتى ظهرت كتب خاصة بهذه التجارب ومن ثم فإن عملية الاستنساخ تنطبق مع قول الله عزوجل (" وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ") وهذا مخالف لسنة الله عزوجل في الزواج ومن ثم فإن الذين سعوا إلى ذلك احدثوا تغيير لخلق الله عزوجل وهذا عمل من أعمال الشيطان والعياذ بالله منه بل هذا آخر ما يصل اليه الشيطان الرجيم في اغواء الغويين من بني آدم لقوله عزوجل :

١٠٥

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩))

صدق الله العظيم النساء

عملية أد المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو

(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) :

الواو حرف عطف وإذا أداة شرط والموءودة هي التي يثقل عليها بالتراب حتى تفارق الحياة وسؤالها تعظيم لسبب قتلها بالؤد ، وانسياق الآيات يفيد أن سؤالها يكون لحظة أن تفارق الحياة بالؤد : أي سؤال القبر ، والآيتان تفيد أنها ليست الموءودة التي كانت تؤد بالجاهلية وذلك لأن موءودة الجاهلية لا تعي سبب وأدها أي لا تعقل السبب في وأدها لانها تؤد عند ولادتها ولا يسأل من لا يعقل الإجابة.

ولقد ظهر هذا الوأد المذكور بالآية وقت ظهور الآيات السابقة لها والتي تحدثنا عنها بدءا من (" إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ") إلي هذه الآية كشرط من أشراط الساعة وهو عملية أد المسلمين بالبوسنة والهرسك وكوسوفو فهذا الوأد ينطبق مع قول الله عزوجل (" وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ") تماما لسببين.

١٠٦

١ ـ ان موءودة البوسنة والهرسك وكوسوفو من الشباب والرجال والنساء والكهول والأطفال فهم يعقلون سبب أدهم ولذلك يكون سؤالهم عن الذنب.

٢ ـ تعظيم الذنب بالسبب الذي قتلت من أجله هذه الموءودة وهو لقولها لا اله الا الله وان محمد رسول الله.

وعداء الصرب لمسلمين البوسنة والهرسك وكوسوفو كان علي مر الأزمنة ومنذ دخول الإسلام في دول البلقان أيام الحكم العثماني واشتد هذا العداء قبيل الحرب العالمية الأولى وظهر وقتئذ عملية أد الأنفس المسلمة ثم هدء هذا الإجرام نسبيا ثم اشتد مرة أخرى حتى وصل إلى ذروته في أواخر الثمانينات واوائل التسعينيات من القرن العشرين ، وكان من أشد عمليات القتل اللاتي ارتكبها الصرب ضد المسلمين بالبوسنة والهرسك وكوسوفو عملية الوأد الجماعي لهم.

ظهور الصحافة

(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) :

وردت كلمة الصحف فى القرآن الكريم سبع مرات غير هذه الآية وفى السبع مرات ذكرت أنها صحف أنزلت على الأنبياء عليهم الصلوات والسلام ، وهم كالآتي :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١٣٢) وَقالُوا لَوْ لا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٣٣))

طه

١٠٧

(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦))

النجم

(إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))

الاعلى

((١٠) كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤))

عبس

(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢))

المدثر

((١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢))

صدق الله العظيم البيّنة

وقد عبر قول الله الحكيم فى كتابه المجيد عن الكتاب الذى يؤتيه المؤمن بيمينه والكافر او المشرك او المنافق بشماله بأنه كتاب كان نفس الخاص بأعمالها وليست صحف.

وان قول الله عزوجل (" وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ") يفيد أن صحفا ليست من قول الله عزوجل سوف تنشر ، وذلك لعدم تحديد المولى صفة هذه الصحف كما حدد فى الآيات السبع السابقة ، وهى آية من آيات الله عزوجل ضمن آيات تحمل أشراط الساعة ، فلا بد أن تكون من أشراط الساعة مثل ما قبلها وما بعدها من آيات الله عزوجل بسورة التكوير ،

١٠٨

وقد تواجد هذا الشرط منذ أن عرف الإنسان الطباعة منذ أكثر من مائتين عاما تقريبا ، حتى صدرت جرائد يومية وأسبوعيه ، ولقد انتشرت هذه الصحف بشكل اكبر فى هذه الأيام على مستوى العالم كله.

من ثم فإن تأويل قول الله عزوجل ("وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ") ينطبق على ظهور الصحافة التي تنشر الصحف اليومية للناس" الجرائد" فى جميع أنحاء العالم وسبحان الله العظيم عالم الغيب والشهادة.

اتساع ثقب الأوزون

(وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) :

الواو حرف عطف ، وإذا أداه شرط ، وكشط السماء بمعنى أزيل جزء من سقفها ، وهو السقف المحفوظ ، وكمعنى كشط الدهان القديم من الحائط ، والعلم بالسقف المحفوظ الذى فى السماء من قوله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢))

صدق الله العظيم سورة الأنبياء

من ثم فإن سماء الدنيا هى سقف محفوظ ، واخبرنا المولى عزوجل أن هذه السماء التى هى سقف محفوظ خلقها ليس بها فروج اى ثقوب فى قوله عزوجل :

١٠٩

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦))

صدق الله العظيم سورة ق

واعطانى المولى عزوجل العلم بانه رفع السماء فوقنا بميزان ، ولم يجعل فيها فروج ، وامرنا أن لا نطغى فى الميزان الذى وضعه المولى عزوجل للسماء ، وبالتالى حتى لا يحدث فيها فروج اى ثقوب فى قوله :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨))

صدق الله العظيم الرحمن

وبعد أن تقدم العلم بالانسان وكثرت المصانع التى لها نفايات من غازات ، وعمليات التجارب النووية الهيدر وجينية وغيرهم ، احدثت فرجه فى السماء تسمى بثقب الاوزون ، وبذلك يكون الانسان طغى فى الميزان الذى وضعه المولى لسماء الدنيا فجعله المولى كشرط من أشراط الساعة فى قوله :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩))

١١٠

صدق الله العظيم المرسلات

واذا اتسعت هذه الفرجة التى فى السماء تصل إلى ما سماه الله عزوجل كشط للسماء ("وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ") وهو الوضع الحادث الآن فى اتساع ثقب الاوزون الذى وصل إلى ثلاثة أضعاف القارة الامريكية ، ومن أخذ الاعتبار لأشراط سورة التكوير تلاحظ أن اكثرها عن اشراط قريبة جدا من الآيات الكبرى للساعة ، ومنها هذا الشرط ، وايضا شرط ("وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ") فكان حدوثه فى تسعينات القرن العشرين ، وكذلك الاستنساخ فقد بدء عام ١٩٩٧.

ومن ثم فإن قول الله عزوجل ("وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ") ينطبق على الاتساع الواقع لثقب الاوزون ، وسبحان الله العظيم عالم الغيب والشهادة.

خليفة الله المهدى عليه‌السلام

(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ. وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ :)

الواو حرف عطف ، وإذا أداه شرط ، وتسعر الجحيم وزلف الجنة مرتبط بعلم نفس بهما وحضورهما ، وهذان الشرطان لنفس واحدة دل عليها القرآن بشدة ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وهما آخر شرطان من اشراط الساعة.

لقد جاء ذكر المهدى ـ عليه‌السلام وبعث الله عزوجل له فى آخر الزمان فى أحاديث النبى الحبيب كثيرا ، وجاء علمنا أن هذا القرآن لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فلا بد من تواجد ذكر المهدى ـ عليه‌السلام ـ بكثرة أيضا فى القرآن الكريم ، وذلك لأن أحاديث النبي الحبيب تكون مبينة لآيات القرآن الكريم وذلك بشرط التعقل للآيات لقوله عزوجل :

١١١

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)

سورة النحل صدق الله العظيم

ذلك وانه يأتي وقت على النبي الحبيب يقول لله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠))

الفرقان

صدق الله العظيم

وقوم الرسول هم المسلمين فيجعلون القرآن مهجورا اى يهجرون معاني الآيات ، وليسوا الكفار لأن الكفار لم يجعلوا القرآن مهجورا بل كفروا به وصدوا عن سبيله ويبغونها عوجا ، وجاء وصفهم بسورة إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣))

صدق الله العظيم سورة إبراهيم

١١٢

وربما أن المسلمين جعلوا القرآن مهجورا بأنهم التزموا بتأويلات السابقين بأسانيدهم خوفا من الدخول فى حرمانية الله عزوجل ، وسقط من حسبانهم أن هناك اعداء للأمة يصدون عن سبيل الله فيدخلون تأويلات غير صحيحه ، والدليل على ذلك أن الله عزوجل ذكر انه جاء بأشراط الساعة لقوله ("فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها") ـ سورة محمد (١٨) ، فلا بد أن تكون أشراط الساعة فى القرآن الكريم وان تكون احاديث النبى الحبيب مبينة لها ، وعلى هذا فلم نجد آية واحدة تركها المفسرين وقالوا انها سوف تكون من أشراط الساعة ، وكذلك ذكر المسيخ الدجال يجب أن يكون فى القرآن الكريم لقوله عزوجل"(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ (٣٨)) سورة الانعام ـ ، فاين ذكر المسيخ الدجال فى القرآن الكريم حسب تفسير المفسرين القدامى؟ إلا قليلا فقد علموا ذكره ولم يأخذ الناس بقولهم! وذكر المهدى ـ عليه‌السلام ـ يجب أن يكون فى القرآن الكريم بشدة ، فأين ذكره عند المفسرين؟ ، وهل يعقل أن يبعث الله عزوجل فى آخر الزمان رجل يختم به الدين ولا يأتى بذكره فى القرآن الكريم؟ ، أليس وارد فى سيرة المهدى ـ عليه‌السلام ـ انه يحارب مسلمين من كلب فى بدء مبايعته وخسف جيش السفيانى ، فينصر الله عزوجل المهدى ـ عليه‌السلام ـ ومن معه ، أليس هذا فى السنة؟

والمسلمون الذين سوف يحاربون المهدى حجتهم أن المهدى لم يذكر فى القرآن الكريم.

أليس هؤلاء المنافقين الذين يحاربون المهدى ـ عليه‌السلام ـ سوف يحييهم الله عزوجل يوم القيامة ، فيقولون نحن حاربنا هذا الرجل" المهدى عليه‌السلام" لأننا لم نجد ذكره فى القرآن الكريم

١١٣

فيخرج لهم القرآن ، وحتما سيجدون ذكره بشدة ، فينطبق عليهم قول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩))

الكهف

صدق الله العظيم

ذلك وقول الرسول عليه أفضل الصلاة" والسلام ("يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً") ـ الفرقان ـ يدعونا إلى التدبر فى القرآن ، وأصل هذه الدعوة قول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩))

صدق الله العظيم سورة ص

ومن هذا المعنى يفهم أن المجرمين لا يتعرضون يوم القيامة لأحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولكنهم يتعرضون للقرآن نفسه ، فيجدوه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وهو الكتاب الذي هو تبيانا لكل شىء وبه الهدى لقول عزوجل :

١١٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩))

صدق الله العظيم النحل

والكيفية لتدبر القرآن الكريم حددها المولى عزوجل فى كتابه حتى لا يفسر القرآن الكريم بهوى ، وهو التفكر والتدبر بعلم وهدى وكتاب منير المفصل آياته بالعلم والهدى ، ومن ثم فإن العلم والهدى داخل القرآن الكريم نفسه ، فالعلم أن الملائكة ليسوا إناث من القرآن الكريم ، والهدى بان الأفعال والأحوال الناشئة عن الملائكة لا يدخل فيها تأنيث من القرآن الكريم ، والحكم بالكتاب المنير أن من يؤنث الملائكة لا يؤمن بالآخرة بقوله عزوجل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧))

صدق الله العظيم النجم

وبعد هذا الهدى لو جاء رجل وقال أن الصافات صفا هى الملائكة فقد كذب ، حتى ولو قال أن الصحابة رضوان الله عليهم هم القائلين ، أو قال أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هو القائل ، فقد كذب عليهم ، ومن كذب على النبي متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار ، وكذلك علم ("إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ") من القرآن الكريم أي إذا تزوجت كل نفس بنفسها ، والهدى من القرآن انه إذا تزوجت بنفس أخرى لكانت بهذا اللفظ" إذا

١١٥

الأنفس زوجت" والكتاب المنير دال على ذلك ، فلو جاء رجل وقال أن كل نفس تزوج بمثلها (١) أي الصالح مع الصالح ، والفاسد مع الفاسد لكذب حتى ولو اسند هذا التأويل إلى الصالحين ، فقد كذب عليهم ، والبرهان على ذلك من قول الله عزوجل عن القرآن الكريم (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). ـ ٤٢ ـ فصلت ، وهذا القول برهان أن القرآن الكريم نفسه هو الكاشف لصدق التأويلات والاسانيد من بطلانها ، وطريقة الكشف بالعلم والهدى والكتاب المنير جاءت فى القرآن الكريم فى ثلاثة آيات هن.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨))

الحج ٨

(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))

الاعراف

__________________

(١) قالوا هذا واستندوا بقوله عزوجل بسورة" الواقعة" وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ" وهذا التزويج يرجع إلى قول الله عزوجل" وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ" اى يوم القيامة تاتى كل نفس معها ملك سائق ملازم لها والملك السائق للنفس ملازم لها فهما يعتبران زوج ، والملك الشهيد هو الذى ياتى النفس بكتابها ، والملك السائق المزوج بالنفس هو الذى يسوق النفس إلى الجنة اذا كانت طيبة والعكس صحيح.

١١٦

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))

لقمان

صدق الله العظيم

بسورة التكوير اثنتي عشر خصلة جواب اشراط حدوثهم هو العلم لنفس ما أحضرت ، والعشر خصال الأولى بدء من قوله عزوجل" اذا الشمس كورت إلى قوله عزوجل و (إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) تظهر على الناس جميعا كأشراط للساعة أما قوله عزوجل (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ. وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) فهذان الشرطان خاصان لنفس واحدة تعلم وتحضر تسعير الجحيم فى الدنيا لاستقبال أهلها وزلف الجنة فى الدنيا لاستقبال أهلها ، وهذان الشرطان لم يحدثوا فى الأمة إلا للرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، ومبلغ القول أن الله عزوجل سوف يصطفى نفسا عند ما تظهر أشراط الساعة كاملة فيطلعها على تسعير الجحيم وزلف الجنة ، وهى النفس المشار ببعثها فى الأحاديث النبوية فى آخر الزمان" خليفة الله المهدى ـ عليه‌السلام" عن على عليه‌السلام ، عن النبى عليه أفضل الصلاة والسلام ، قال (١) :

" لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي ، يملاها عدلا كما ملئت جوار"

__________________

(١) عقد الدرر فى اخبار المنتظر ـ ليوسف الشافعى

١١٧

صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام اخرجه الحافظ ابو بكر احمد بن الحسين البيهقي

ويكون لهذه النفس التمكين من المولى عزوجل ودعوتها تكون علي بصيرة مصدقا لقول الله عزوجل :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))

يوسف

صدق الله العظيم

هذا ونذهب الي سورة الرحمن لندرس حديث تواجد في الترمذي وهو عن جابر قال : خرج رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام علي أصحابه فقرا عليهم سورة" الرحمن" من أولها إلى أخرها فسكتوا فقال :

" لقد قرأتها علي الجن ليلة الجن فكانوا احسن مردودا منكم كنت كلما أتيت علي قوله ("فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ") قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد".

وقال : حديث غريب (١) وفي هذا دليل علي أنها مكية والله اعلم ، وقال ابن مسعود ومقاتل : هي مدنية كلها وهذا القول ينفي حديث الجن لأن حديث الجن كان في مكة وبهذا الحديث إفادة بان الذين يحدثهما الله عزوجل بسورة الرحمن هم الإنس والجن ومن اجل هذا الحديث نقف نحن المسلمين موقف الغرباء عن المهدي عليه‌السلام في القرآن الكريم ولذلك فإنى أدعو الله عزوجل بهذا الدعاء.

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن الكريم ـ تفسير القرطبى ـ

١١٨

اللهم أنى عبدك الفقير اليك أضع بين يديك هذا الحديث شاهدا بأن هذا الحديث ليس بقول الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإنك أنت العليم الحكيم وهذه الشهادة جاءت بفضل علوم قرانك المجيد وهداه وآياته المنيرة وإثباتا بأن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه واتخذت هذه الأسباب لهذا القول :

١ ـ ذكر المولى عزوجل للانس والجن في القرآن كله يكون بالجمع وليس المثنى : ـ

وهو عند ما يذكر الله عزوجل الإنس والجن في القرآن يذكرهم بالجمع وآية ("فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ") مذكورة بالمثنى ، ولو كان المعني الإنس والجن لكان القول" فبأي آلاء ربكم تكذبون" والآيات الدالة علي ذكر المولي عزوجل للانس والجن بالجمع وهو علم مؤكد بالقرآن كله كالآتي :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا)

الأنعام

١١٩

((٣٧) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها)

الأعراف

((١٧٨) وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ)

الاعراف

((٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨))

الاسراء

(وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥))

فصلت

((٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧))

الذاريات

١٢٠