مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

على الصغيرة المتوفّى عنها وان كانت رضيعة أو زوجها رضيعا.

وامّا الثّالث أعنى الخبر فلا حجيّة فيه لعدم ظهور صحّته عندنا.

وامّا الرّابع فالفرق بين البناء والتّخصيص غير نافع هنا وقد تظافرت أخبار أصحابنا بأنّ عدّة المطلقة إذا كانت حاملا وضع الحمل وسيجيء بيان الاعتداد بأبعد الأجلين في المتوفّى عنها إذا انتهينا اليه ان شاء الله. ومقتضى ما ذكرناه انّ منتهى عدّة المطلقة الحامل وضع الحمل وان تأخّر عن الأشهر الثلاثة أو تقدّم عليه وعلى هذا أكثر أصحابنا وهو المشهور فيما بينهم نظرا الى ظاهر الآية والأخبار الدّالة عليه.

وقال ابن بابويه (١) : انّ المطلقة الحامل عدّتها أقرب الأجلين ومعنى ذلك انّها ان مرّت بها ثلاثة أشهر فقد انقضت عدّتها ولا تحلّ للأزواج حتّى تضع ما في بطنها وان وضعت الحمل بعد طلاقه بلا فصل بانت منه وحلّت للأزواج. ولا يخفى ما في هذا القول من البعد ومخالفة ظاهر الآية وما ورد به من الأخبار محمول على ضرب من التّأويل جمعا بين الأدلّة.

(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) بملاحظة أحكامه واتّباع أوامره ونواهيه فيراعي حقوقها.

(يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) اي يسهل عليه أمور الدّنيا والآخرة امّا بفرج عاجل أو آجل.

السادسة :

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) الضّمير عائد إلى المطلقات كما يشعر به الايات السّابقة ومقتضاه وجوب الإسكان لجميعهنّ لكنّ أصحابنا خصّصوا الحكم بالمطلّقة رجعيّة لأنّها في حكم الزّوجة وقد تظافرت أخبارهم (٢) بذلك وانعقد إجماعهم عليه

__________________

(١) انظر الفقيه باب طلاق الحامل ج ٣ ص ٣٢٩ طبعة النجف ، وج ٣ ، ص ٥٠٩ طبعة مكتبة الصدوق وذيله الغفاري زيد توفيقه ببيان العالم الجليل سلطان العلماء في توجيه كلامه فراجع ، وانظر أيضا المقنع طبعة الإسلامية ص ١١٦.

(٢) انظر الباب ٨ من أبواب النفقات من الوسائل ، والباب ٢٠ من أبواب العدد وفي سائر الأبواب أيضا ما يستفاد ذلك منه ، وانظر أيضا ج ٢ ، ص ٦٣٦ ، وج ٣ ص ٢٠ من مستدرك الوسائل.

٦١

مع أنّ الأصل يوافقه وإيجاب الإسكان لها يقتضي إيجاب النّفقة فإنّها تابعة لها بل أولى لكثرة الاحتياج إليها ومن ثمّ لم يجب السّكنى للحامل المتوفّى عنها زوجها وان قلنا بثبوت النّفقة لها على احتمال لعدم النّصّ وبطلان القياس.

وبظاهر الآية أخذ أبو حنيفة والشّافعيّ ومالك واتّفقوا على وجوب الإسكان في كلّ مطلّقة وان كان الطّلاق باينا وزاد الحنفيّة الإنفاق لهنّ مطلقا وخصّ الشّافعيّ ومالك الإنفاق على الحامل كما اقتضته الآية بعد ويؤيّد قول الأصحاب ما رواه العامّة عن فاطمة بنت قيس (١) انّ زوجها أبتّ طلاقها فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا سكنى لك ولا نفقة ومن هنا تبعيضيّة مبعّضها محذوف تقديره اسكنوهن مكانا بعض مكان من سكناكم وقوله تعالى.

(مِنْ وُجْدِكُمْ) عطف بيان لقوله من حيث سكنتم وتفسير له كأنّه قيل اسكنوهن مكانا من مساكنكم ممّا تطيقونه وتقدرون على تحصيله بسهولة لا بمشقّة ومن ثمّ قال قتادة : ان لم يكن له إلّا بيت واحد فأسكنها؟؟؟ في بعض جوانبه والوجد الوسع والطّاقة وروى بالحركات الثّلاث.

(وَلا تُضآرُّوهُنَّ) ولا تستعملوا معهنّ الضّرار ، والمضارّة معاملة بما يطلب به إيقاع الضّرر بصاحبه وهي قد تكون من واحد كما يكون من اثنين نحو عافاه الله ونحوه.

__________________

(١) الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٨ ، وفي الكاف الشاف : «أخرجه مسلم من طرق عنها فلم يجعل لها سكنى إلا نفقة ، وفي رواية لا نفقة لك ولا سكنى ، وفي رواية طلقني زوجي ثلاثا». انتهى ما في الكاف الشاف.

قلت : انظر صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٠ ، من ص ٩٤ الى ص ١٠٧ والحديث منقول بالمعنى عن ألفاظه المختلفة ، ولفظ الكشاف كما في الكتاب : ان زوجها أبت طلاقها كما في النسفي المطبوع بهامش الخازن ج ٤ ، ص ٢٨١. وهو ماضي باب الافعال من الابتات ويصح بتت طلاقها أيضا فإنه يستعمل الثلاثي المجرد والمزيد فيه منه لازما ومتعديا فيقال : بت طلاقها وأبته إبتاتا وطلاق بات ومبت على زنة شاب وممد.

٦٢

(لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) في المسكن ببعض الأسباب كان ينزلوا معهنّ من لا يوافقهن أو يشغل مكانهنّ فلا يمكنهنّ السّكون أو بالتّقصير في النّفقة أو غير ذلك من الأسباب.

وروى الحلبي (١) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يضارّ الرّجل امرأته إذا طلّقها فيضيق عليها حتّى تنتقل قبل ان ينقضي عدّتها فانّ الله عزوجل قد نهى عن ذلك فقال (لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ). ونحوه روى أبو بصير عنه عليه‌السلام.

(وَإِنْ كُنَّ) المطلقات (أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) سواء كان طلاقهنّ رجعيّا أو بائنا ومنطوق الكلام اقتضى وجوب النّفقة للحامل المطلقة رجعيّا كان الطّلاق أو بائنا ومفهومه عدم وجوب النّفقة لغير الحامل من المطلقات وهو حجّة لانّه مفهوم الشّرط لكنّه مخصوص بالرّجعيّة لإجماعنا على وجوب الإنفاق عليها وان كانت حائلا لأنّها في حكم الزّوجة على ما تقدّم.

والسّكنى هنا تابعة للنّفقة بإجماعنا وفي أخبارنا دلالة عليه ووافقنا الشافعيّة في اختصاص النّفقة بالحامل من بين المطلقات وان خالفونا في حكم الرّجعيّة ، والحنفيّة لمّا أوجبوا الإنفاق لكلّ مطلّقة أشكل عليهم مفهوم الشّرط.

قال في الكشاف (٢) : «ان قلت : إذا كان كلّ مطلّقة عندكم يجب لها الإنفاق

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من أبواب العدد ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧٠ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٣٤ المسلسل ٢٨٤١٥. وفي الكافي ج ٢ ، ص ١١٨ ، الباب ٤٩ في قول الله : ولا تضاروهن وفيه : ومثله عن أبى بصير ، وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ١٢٣ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٨٤ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ٢١ ، وفيه : «أنه حسن وسنده الأخير ضعيف على المشهور» وفيه شرح من أراد فليراجع.

(٢) الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٩. ولا بن المنير بيان يعجبنا نقله بعين عبارته وهو : «قال أحمد : لا يخفى على المتأمل لهذه الاي ان المبتوتة غير الحامل لا نفقة لها لأن الاي سيقت لبيان الواجب فأوجب السكنى لكل معتدة تقدم ذكرها ولم يوجب سواها ثم استثنى الحوامل فخصهن بإيجاب النفقة لهن حتى يضعن حملهن وليس بعد هذا بيان ، والقول بعد ذلك بوجوب النفقة لكل معتدة مبتوتة حاملا أو غير حامل لا يخفى منافرته لنظم الآية. ـ

٦٣

فما فايدة الشّرط في قوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَ). قلت : فائدته انّ مدة الحمل ربّما طال وقتها فظنّ ظانّ انّ النّفقة تسقط إذا مضى مقدار عدّة الحائل فنفي ذلك الوهم.

ولا يخفى ما فيه من التّكلّف البعيد مع أنّ الأصل يوجب العدم لما عدا الحامل فإنّه إلزام وتكليف يتوقّف على الدّليل الواضح.

هذا وقد اختلف أصحابنا في كون نفقة الحامل المطلقة لها نفسها أو للحمل ذهب الى كلّ جماعة وذكروا فايدة الخلاف في كتب الفروع والأولى السّكوت عمّا سكت الله عنه والاقتصار على ظاهر القرآن من وجوب النّفقة للحامل المطلقة وقطع النّظر عن كونها للحمل أولها نفسها ، ولهذه المسئلة نظائر ربّما يجيء على بعضها ان شاء الله تعالى.

(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) بعد انقطاع علقة النّكاح بالطّلاق وهو الظّاهر ويحتمل بعيدا العموم.

(فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) على الإرضاع وفيه دلالة على عدم وجوب الإرضاع على الامّ وانّها لو أرضعت وجب لها الأجرة أي أجرة المثل ولا فرق في ذلك عند أكثر أصحابنا بين حال الزّوجيّة وعدمها وفي الأخبار دلالة عليه ومنع الشّيخ في الخلاف من الأجرة حال الزّوجيّة وهو قول الحنفيّة وقد تقدّم الكلام فيه وعلى القول بكون النّفقة للولد بوجوب الأجرة على الأب يكون مشروطا بفقر الولد وغنى الأب فلو كان للولد مال وجب ان يعطى الأمّ الأجرة منه.

ولا ينافيه ظاهر الآية فإنّها اقتضت دفع الأب الأجرة وذلك لا يستلزم كونها من ماله ، فإنّه لو كان المال من الولد يجب على الأب إعطاؤها منه أيضا لأنّه وليّه

__________________

ـ والزمخشري نصر مذهب أبي حنيفة فقال : فايدة تخصيص الحوامل بالذكر أن الحمل ربما طال أمده فيتوهم متوهم ان النفقة لا تجب بطوله فخصت بالذكر تنبيها على قطع هذا الوهم وغرض الزمخشري أن يحمل التخصيص لهذه الفائدة كيلا يكون له مفهوم في إسقاط النفقة لغير الحوامل لأن أبا حنيفة يسوي بين الجميع في وجوب النفقة» انتهى كلام ابن المنير.

٦٤

الإجباري.

ولو كان الولد فقيرا وكان الأب أيضا كذلك فالظّاهر وجوب الإرضاع على الامّ بلا اجرة كما يجب عليها الإنفاق عليه لو كان الأب معسرا فإن الإرضاع إنفاق والأظهر اشتراط غنائها عن اجرة الإرضاع فلو كانت بحيث لا وجه لمعاشها سواه قدمت على الولد فانّ النّفس مقدّمة على واجب النّفقة بالإجماع وحينئذ فيكون الأجرة من بيت المال لانّ ذلك من المصالح فتأمّل.

(وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) في الخلاف الايتمار بمعنى التّآمر كالاشتوار بمعنى التّشاور يقال : ائتمر القوم وتآمروا إذا أمر بعضهم بعضا والمعنى وليأمر بعضكم بعضا ونحوه قال القاضي ونقل في مجمع البيان قولا بانّ معناه قبول الأمر وملاقاته بالتّقبّل من الله تعالى. وقال الكسائي : أصله التّشاور ومنه يأتمرون بك اي يتشاورون.

قال في المجمع (١) : والأقوى عندي ان يكون المعنى وأمروا بالمعروف بينكم في أمر الولد ومراعاة أمّه حتّى لا تفوت الولد شفقتها وغير ذلك ويدلّ عليه قول امرئ القيس (٢) : «ويعدوا على الامّ ما يأتمر» يعني بما تريد نفسه لانّ الرّجل ربّما دبّر أمرا ليس برشد فيغدوا عليه ويهلكه انتهى.

وهو بعيد والأولى حمله على الوجه الأوّل وبه صرّح الشّيخ في التّبيان (٣) والمراد بالمعروف كونه على الوجه الجميل في إرضاع الولد بحيث لا يضرّ بمال الولد ولا بنفس الولد فلا يزاد على اجرة المثل ولا ينقص الولد عن الرّضاع المعتاد.

(وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم فيما بينكم ولم يرض أحدكم بما قاله الأخر.

(فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الامّ ترضعه وفيه طرف

__________________

(١) انظر مجمع البيان ج ١٠ ، ص ٣٠٨.

(٢) البيت أنشده في اللسان ج ٤ ، ص ٣٠ طبعة بيروت هكذا :

أحار بن عمرو كأني خمر

ويعدو على المرء ما يأتمر

(٣) انظر التبيان ج ٢ ، ص ٦٨٦.

٦٥

من معاتبة الامّ على المعاشرة فانّ المساهلة من جانبها أنسب لأنّها أشفق عليه بالنسبة إلى الأب ، ولانّه لا ينقص منها شيء بالحقيقة بخلاف الأب فإنّه يخرج الأجرة من ماله وان كان من مال الولد على ما مرّ ، ولانّه ولدها فلو فرض النّقص من الأجرة لم يكن ضائعا.

وقد يستفاد من الآية عدم جواز إرضاع غيرها لو لم يحصل التّعاسر من جانبها ورضيت بما رضى به الغير على ما قاله الأصحاب ، وجواز إرضاع غيرها لو حصل التّعاسر منها وعدم قبولها بما يقبل الغير ، وعلى هذا أصحابنا أيضا وفي الأخبار دلالة عليه (١).

(لِيُنْفِقْ) إشارة إلى كيفيّة الإنفاق على المطلقة بل إلى الإنفاق مطلقا بالنسبة الى من يجب نفقته.

(ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) اى بحسب حاله في السّعة والغنى مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ولا يخرج عن ذلك الى طرفي الإسراف والتّقتير إذ هما منهيّ عنهما.

(وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) اى ضيّق عليه وهو الفقير الذي ليس في سعة وغنى.

(فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) اي قدر حاله وطاقته من البلغة ولا يكلّف بالزّائد عليه كالأغنياء فإنّه تعالى لم يعطه زائدا على ما عنده فلا يكلّفه الزّائد عليه كما أشار إليه بقوله :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) من القدرة والطاقة وهو أوضح دليل على انّ التكليف بما يشقّ لا يقع منه تعالى ، فضلا عن التكليف بالمحال مع انّ العقل يحكم به ضرورة.

(سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) اي بعد ضيق سعة وبعد فقر غنى أو بعد صعوبة الأمر سهولة وهو تطييب لقلوب الفقراء بل لفقراء الأزواج إن أنفقوا ما قدروا عليه ولم يقصروا ، ويمكن جعله على العموم بالنّسبة الى من يجب نفقتهم عليهم ووعد

__________________

(١) انظر الباب ٦٨ و ٦٩ و ٧٠ و ٨٠ من الوسائل من أبواب أحكام الأولاد ، ومستدرك الوسائل ج ٢ ، ص ٦٢٣ و ٦٢٤.

٦٦

لهم بحصول العوض وتبديل العسر باليسر امّا في الدّنيا أو في الآخرة على سبيل منع الخلوّ فإنّ رحمة الله أوسع من ذلك.

السابعة :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) أراد بالنّكاح هنا العقد وهو امارة كونه حقيقة فيه ولعلّ في قصر الحكم على المؤمنات إشعارا بعدم جواز نكاح الكافرات كما سلف أو تنبيها على أنّ شأن المؤمن أن لا ينكح غير المؤمنة.

(ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) اي تجامعوهنّ كما هو الظّاهر المتبادر من لفظ المسيس.

(فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) تستوفون عددها من عددت الدّراهم فاعتدّها كقولك كلته فاكتال ، ويحتمل تعدّونها والإسناد إليهم للدّلالة على ان العدّة حق الأزواج كما أشعر به (فَما لَكُمْ) والتّعبير يتم للدّلالة على عدم تفاوت الحكم بين أن يطلّقها وهي قريبة العهد من النّكاح وبين أن يبعد عهدها ويتراخى بها المدّة في حبالة الزّوج ثمّ يطلّقها ، وفي تعليق عدم العدّة على عدم المسيس دلالة ظاهرة على أنّ الخلوة بمجرّدها لا توجب العدّة كما قاله أصحابنا وتبعهم الشّافعية وقال أبو حنيفة (١) : حكم الخلوة الصّحيحة حكم المساس في وجوب العدّة وهو خلاف ظاهر القرآن.

(فَمَتِّعُوهُنَّ) ظاهره الأمر بالمتعة على الإطلاق وقد تقدّم ما يدلّ على الوجوب في المفوّضة غير المفروض لها مهرا امّا المفروضة فلها نصف المهر المفروض على تقدير عدم الدّخول فيمكن حمل الإطلاق عليه ، ويمكن حمل الأمر على الرجحان المطلق فيكون مع عدم التّسمية واجبة ومع التّسمية مستحبّة بل يستحبّ في جميع المطلقات وان دخل بهنّ على ما مرّت الإشارة إليه.

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامه ج ٧ ، ص ٤٥١ بل نقله عن أحمد والخلفاء وزيد وابن عمر وعروة وعدة أخر ، والحق الذي هو مطابق للقرآن ما افاده المصنف وعليه الشيعة الإمامية.

٦٧

(وَسَرِّحُوهُنَّ) اي أخرجوهن من منازلكم لعدم حقّ لكم عليهنّ.

(سَراحاً جَمِيلاً) من غير ضرار ولا منع حقّ واجب من متعة ومهر وغيرهما ومن فسّره بالطّلاق فقد أبعد لأنّه مرتّب عليه كالمتعة.

الثامنة :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) جمع زوج بمعنى الزّوجة (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) اي يحبسنّها للعدّة (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) خبر عن الذين على حذف المضاف أي أزواج الذين يتوفّون الى آخره ، أو انّ العائد في الخبر محذوف اي يتربّصن بعدهم كقولك : السّمن منوان بدرهم ، أو أنّ التّقدير يتربّصن أزواجهم فلا حاجة الى تقدير العائد. وقوله عشرا بالتّأنيث تغليبا للّيالي على الأيّام إذا اجتمعت في التاريخ.

وفي الكشاف : ولا تراهم قطّ يستعملون التّذكير فيه (١) ذاهبين إلى الأيّام تقول : صمت عشرا ولو ذكّرت خرجت من كلامهم قال : ومن البيّن قوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) ثمّ قوله (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) وقيل في سبب التّغليب انّ مبدأ الشّهر من اللّيل والأوائل أقوى من الثّواني ، وأيضا هذه الأيّام أيّام الحزن وأيام المكروه فخليق بأن تسمّى ليالي والخبر بمعنى الأمر كما مرّ غير مرّة.

ومقتضى الآية وجوب التّربّص المدّة المذكورة على كلّ من توفّى عنها

__________________

(١) الكشاف ج ١ ، ص ٢٨٢ : وفي روح المعاني للالوسى.

«وذكر أبو حيان أن قاعدة تذكير العدد وتأنيثه انما هي إذا ذكر المعدود واما عند حذفه فيجوز الأمران ولعله أولى مما قيل» انتهى.

قلت : انظر البحر المحيط ج ٢ ، ص ٢٢٣ و ٢٢٤ وحاشيتهما : وانظر البحث في شرح الاشمونى بحاشية الصبان ج ٤ ، ص ٥١ ، وشرح الرضى على الكافية طبعة اسلامبول ج ٢ ، ص ١٥٦ ، والحدائق الندية في شرح الصمدية للعلامة الجليل القدر السيد على خان المدني طبعة ١٢٧٤ ه‍ ق بالقطع الرحلى ، وفي قلائد الدرر ج ٣ ، ص ٢٤٦ و ٢٤٧ في البحث بيان لطيف دقيق جدا فليراجع.

٦٨

زوجها سواء كانت مدخولا بها أو صغيرة أو كبيرة حتّى لو كانت رضيعة أو كان زوجها المتوفّى عنها رضيعا كانت كذلك حرّة أو أمة لعموم اللّفظ فالتّخصيص يحتاج الى دليل.

قال القاضي (١) : عموم اللّفظ يقتضي تساوي المسلمة والكتابيّة فيه كما قاله الشّافعيّ والحرّة والأمة كما قاله الأصمّ والحامل وغيرها لكنّ القياس اقتضى تنصيف المدّة للأمة والإجماع خصّ الحامل عنه بقوله : وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ. ثم قال : وعن عليّ عليه‌السلام وعن ابن عبّاس أنّها تعتدّ بأقصى الأجلين احتياطا.

قلت : الحكم بتساوي المسلمة والكتابيّة فيه ممّا لا شبهة تعتريه ، امّا الحكم بتساوي الحرّة والأمة كما قاله الأصمّ فعليه أكثر أصحابنا نظرا الى ظاهر عموم الآية ويؤيّده الأخبار المعتبرة (٢) الاسناد الدّالة على أنّ الحرّة والأمة سواء في الاعتداد من الموت كصحيحة زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام قال : انّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنها زوجها سواء في العدّة إلّا انّ الحرّة تحدّ والأمة لا تحدّ ونحوها من الأخبار.

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ١ ، ص ٢٤٦ طبعة مصطفى محمد.

(٢) انظر الباب ٤٢ و ٤٣ من أبواب العدد من الوسائل ج ١٥ ، من ص ٤٧١ الى ص ٤٧٦ طبعة الإسلامية ، وص ١٧٦ و ١٧٧ من طبعة الأميري ، ومستدرك الوسائل ج ٣ ، ص ٢٣ ، وفي المواضع المذكورة أيضا أخبار على كون عدة الأمة في الوفاة نصف عدة الحرة وسيشير المصنف الى ذلك.

(٣) انظر الوسائل الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٢ وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧٦ ، والكافي ج ٢ : ص ١٣١ باب عدة الأمة المتوفى عنها زوجها الحديث ١ ، وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ١٧٠ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ٣٣ ، وفيه : «انه صحيح» وفيه بيان من أراده فليراجع ، ورواه في التهذيب ج ٨ ، ص ١٥٧ الرقم ٥٢٩ ، والاستبصار ج ٣ ، ص ٣٤٧ الرقم ١٢٤١ ، والوافي الجزء ١٢ ، ص ١٨٨.

٦٩

وذهب بعض أصحابنا إلى تنصيف المدّة فيها كما ذهب إليه الشّافعيّ فأوجب عليها شهرين وخمسة أيّام لا لما ذكره الشّافعيّ من القياس فإنّه باطل عندنا وعلى القول بصحّته فلا وجه لجريانه هنا لما عرفت من أنّ أمر العدّة تعبّد لا يجري فيه القياس كالكفّارات سلّمنا العلّة لكنّها من المستنبطة ، وتخصيص القرآن العظيم بمثلها مرغوب عنه بين محقّقي الأصول من العامّة بل لورود أخبار معتبرة الاسناد عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام بذلك (١) :

روى محمّد بن مسلم (٢) في الصّحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : الأمة إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران وخمسة أيّام ونحوها من الاخبار منضمّا الى ما دلّ على ان الرّقيّة مناط التّنصيف وذلك يوجب تخصيص الآية بها جمعا بين الأدلّة.

وأجابوا عن الأخبار الأول بحملها على أمّ الولد فإنّها تساوي الحرّة في العدّة كما تدل عليه صحيحة سليمان بن خالد (٣) قال : سئلت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(١) فإنك إذا راجعت الباب ٤٢ و ٤٣ من أبواب العدد من الوسائل وج ٣ ، ص ٣٣ مستدرك الوسائل رأيت اخبارا بالتساوي وأخبارا بالتنصيف.

(٢) انظر الوسائل الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٩ ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧٧ ، والحديث السابق عن زرارة كان في طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٧٢ المسلسل ٢٨٥٣٩ وهذا الحديث في المجلد المذكور ص ٤٧٣ المسلسل ٢٨٥٤٦. والحديث في التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ، الرقم ٥٣٦ ، والاستبصار ج ٣ ، ص ٣٤٧ الرقم ١٣٢٩.

وروى الحديث في الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٨٩ ، وفيه بعد نقل الحديث انه : «قد جمع الشيخ بين هذه الاخبار بحمل الأولة على أمهات الأولاد كما قيد به بعضها ، والأخيرة على غيرهن من الإماء» وقد أشار المصنف أيضا الى هذا الوجه من الجمع.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من أبواب العدد الحديث ١ ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧٦ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٧٢ المسلسل ٤٨٥٣٨ ، وفي الكافي ج ٢ ، ص ١٣١ باب عدة الأمة المتوفى عنها زوجها ، الحديث ٢ ، وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ١٧ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ٣٣ وحكم بصحة الحديث ، وروى الحديث في التهذيب ـ

٧٠

الأمة إذا طلّقت ما عدتها؟ ـ قال : حيضتان أو شهران قلت : فإن توفّي عنها زوجها؟ ـ قال : ان عليّا عليه‌السلام قال في أمهات الأولاد : لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء. والى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته واختاره العلامة وأكثر الأصحاب وحاصله الفرق بين كون الأمة ذات ولد وغير ذات ولد والتحقيق ان العمل بظاهر الآية قوى ، وتعارض الأخبار يوجب التساقط ، وظاهر الشيخ في التبيان (١) الميل اليه واما ما ذكره القاضي من الإجماع علي تخصيص الحامل عنها بقوله : وأولات الأحمال الى آخره فغير معلوم بل ولا مظنون ، وأي إجماع ثبت عندهم مع مخالفة مثل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وابن عباس وجماعة من الصحابة ، وقد عرفت أن آية أولات الأحمال ظاهرة في المطلقات لدلالة السياق على ذلك.

فان قيل : إذا كانت هذه الآية في المطلقات فما وجه الحكم بما تقولونه معاشر الإمامية من كون عدة المتوفى عنها الحامل أبعد الأجلين من الوضع والمدة؟ ـ قلنا : نحن نثبت ذلك بدليل من خارج فإن الأحكام ليست بتمامها معلومة من القرآن بل السنة قد بينت كثيرا منها وفيما نحن فيه قد تظافرت أخبارنا به (٢).

روى الحلبي (٣) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : المتوفى عنها زوجها

__________________

ـ ج ٨ ، ص ١٥٣ الرقم ٥٣٠ ، والاستبصار ج ٣ ، ص ٣٤٨ الرقم ١٢٣٩ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٨٨ وفيه بيان : «قوله حتى تحيض ليس في بعض النسخ وهو الصواب» انتهى.

(١) انظر التبيان ج ١ ، ص ٢٤٩ طبعة إيران.

(٢) انظر الباب ٣٠ و ٣١ و ٤٣ من أبواب العدد من كتاب الوسائل ، وص ٢١ الى ٢٢ من كتاب مستدرك الوسائل ج ٣.

(٣) الوسائل الباب ٣١ ، من أبواب العدد ، الحديث ١ ، ج ٣ ، ص ١٧٤ طبعة الأميري ، وج ١٥ ، ص ٤٦٥ المسلسل ٢٨٤٨٦ واللفظ في الوسائل : «الحامل المتوفى» وليس لفظ الحامل في الكافي والتهذيب بل اللفظ فيهما كما في المتن ، والحديث في الكافي باب عدة الحبلى المتوفى عنها زوجها ج ٢ ، ص ١١٥ ، الحديث ٢ ، وهو في طبعه ـ

٧١

تتقضى عدتها بآخر الأجلين ونحوها من الاخبار ، على انا إذا قلنا بعموم أولات الأحمال للمطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن فلنا ان نثبت أبعد الأجلين في الحامل باعتبار ان المتوفى عنها مطلقا قد دخلت تحت عامين ولا وجه للجمع بينهما إلا بذلك فإنها إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضى الأشهر لم يكن بدا من الأشهر والا لم نكن عاملين بآيتها ، ولو تقدمت الأشهر على الوضع لم يكن بد من وضع الحمل وإلا لم نكن عاملين بآية والّذين يتوفون الآية وعلى ما قلناه يكون عاملين بالآيتين معا فيتم ما قاله أصحابنا.

واعلم ان أصحابنا أجمع على ان وجوب العدة على المتوفى عنها من حين بلوغ الخبر وهو قول الشافعي في الجديد وذهب أكثر العامة إلى ان العدة من حين الموت فلو انقضت المدة أو أكثرها ثم بلغها خبر وفاة الزوج وجب ان تعتد بما انقضى قالوا : ويدل عليه ان الصغيرة الّتي لا علم لها يكفي في انقضاء عدتها هذه المدة وفيه نظر.

وقد يكون في قوله (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) دلالة على ما قلناه إذ المراد به حبس أنفسهن للاعتداد تلك المدة وهو لا يتحقق بدون وصول الخبر ولوجوب الحداد عليها اي ترك الزينة في جميع تلك المدة لأجل موت الزوج وهو انما يكون بعد العلم وذلك ظاهر وفي الأخبار دلالة عليه (١) أيضا كما ان فيها دلالة على ان المطلقة تعتبر حساب عدتها من حين وقوع الطلاق لا بلوغ الخبر والى هذا يذهب الأكثر وقيل : يشتركان في الاعتداد من حين بلوغ الخبر وبه روايات أيضا إلا ان الأصحاب حكموا بشذوذها وندرتها ولم يعملوا عليها.

واستدل العلامة على الأول بظاهر قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ

__________________

ـ الآخوندى ج ٦ ، ص ١١٤ ، وفي التهذيب ج ٨ ، ص ١٥٠ الرقم ٥١٩ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ١٩ وفيه انه : «حسن».

قلت : وذلك لوجود إبراهيم بن هاشم في سند الحديث وقد بينا غير مرة انه الصحيح وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٨٠ ، وبعده بيان : «يعنى انه إذا كانت حبلى» انتهى.

(١) انظر الباب ٢٨ من أبواب العدد من الوسائل ومستدرك الوسائل ج ٣ ، ص ٢١.

٧٢

ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) قال : دل بمفهومه على ان ابتداء التربص من حين الطلاق لانه وصف صالح للعلية علق عليه الحكم ظاهرا وعقب بالفاء الدالّة على السببية فتثبت العلية.

وفي الاستدلال بها نظر فإنها إلى الدلالة على الاعتداد من حين بلوغ الخبر أقرب إذ الظاهر من قوله (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) حمل أنفسهن وحبسها على التربص وذلك انما يكون مع العلم كما عرفت والاولى عدم التعرض للاستدلال بالاية والاكتفاء بالأخبار ، فإنها تدل على ان ظاهر الآية غير مراد وان العدة في المطلقة من حين وقوع الطلاق فتأمل.

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) اى انقضت عدتهن (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أيها الحكام أو المسلمون جميعا.

(فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ) من التّعرّض للخطاب وارادة التّزويج وسائر ما حرم عليهنّ للعدّة (بِالْمَعْرُوفِ) اى بالوجه الّذي لا ينكره الشّرع فيفهم انّهن لو فعلن ما هو منكر شرعا كان على الحكّام بل على آحاد المسلمين الّذين يقدرون على المنع أن يمنعوهنّ من باب الحسبة الشّرعيّة والأمر بالمعروف فان قصّروا في ذلك كان عليهم الجناح والإثم.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم على أعمالكم وفيه ترغيب وترهيب كما وقع التّعقيب به في أكثر الأحكام بعثا على الاهتمام بإقامة حدود الله قال في المجمع (١) : وهذه الآية ناسخة لقوله : والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّة لأزواجهم متاعا الى الحول غير إخراج الآية وان كانت متقدّمة عليها في التّلاوة وقال عند ذكر تلك الآية : اتّفق العلماء على أنّ هذه الآية منسوخة.

وروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : كان الرّجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثمّ أخرجت بلا ميراث ثمّ نسخها آية الرّبع والثّمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها قال (٢) : وعنه عليه‌السلام : نسختها يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر

__________________

(١) انظر المجمع ج ١ ، ص ٣٧٧ وكذا التبيان ج ١ ، ص ٢٤٩ طبعة إيران.

(٢) رواهما في المجمع عند تفسير الآية ٢٤٠ من سورة البقرة ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ـ

٧٣

وعشرا ، ونسختها آية المواريث يعني أن الآية الّتي نحن فيها نسخت المدّة اعنى الحول وآية المواريث نسخت الوصيّة بالنّفقة.

وليس المراد بعدم النّفقة لها في أيّام العدّة ثبوت ذلك على الإطلاق بل إذا كانت حائلا امّا لو كانت حاملا فانّ المشهور بين علمائنا ثبوت الإنفاق عليها لكن من نصيب ولدها الّذي في بطنها وأنكره ابن إدريس وحكم بعدم وجوب الإنفاق عليها نظرا الى أنّ الإنفاق حكم شرعيّ يحتاج الى دليل والأصل العدم ، وفي الاخبار ما يدلّ على المشهور (١) وتحقيقه يعلم من خارج ، امّا السّكنى لها فقد أثبتها الشافعي مدة الأربعة أشهر وعشرا ونفاها أصحابنا وتابعهم الحنفيّة وتمام ما يتعلّق بذلك من الاحكام يعلم من الفروع.

التاسعة :

(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) اى الطّلاق الشّرعيّ تطليقة بعد تطليقة على التّفريق لا الجمع والإرسال فالمراد بالمرّتين مجرّد التّكرير والوقوع مرّة بعد اخرى نحو ارجع البصر كرّتين اى كرّة بعد كرّة لا كرّتين اثنتين ومثله الثّنائي الّذي يراد به مجرّد التّكرير نحو قولهم لبّيك وسعديك وأخواتهما ولفظ الكلام خبر لكنّه

__________________

ـ ورواهما العياشي ج ١ ، ص ٢٢٩ الرقم ٤٢٦ و ٤٢٧ ، ونقلهما عن العياشي في البرهان ج ١ ، ص ٢٣٢ ، ونقلهما في البحار طبعة كمپانى ج ٢٣ ، ص ١٢٨. وفيه حديث آخر أيضا عن تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يؤيد مفاد حديثي العياشي وفيه ذكر حديث النعماني ورواه ابن قولويه عن سعد بن عبد الله بإسناده عنه عليه‌السلام.

وترى الأحاديث الأربعة في طبعه الإسلامية ج ١٠٤ ، ص ١٩٠ و ١٩١ ، وقال المحدث الكاشاني في تفسير الصافي عند تفسير الآية ٢٤٠ بعد نقل الحديثين عن المجمع والعياشي :

«أقول : يعنى نسخت المدة بآية التربص والنفقة بآيات الميراث وآية التربص وان كانت متقدمة في التلاوة فهي متأخرة في النزول» انتهى.

(١) انظر الباب ٩ و ١٠ من أبواب النفقات من الوسائل ترى أخبارا تدل على المشهور وأخبارا تدل على عدم وجوب النفقة حتى من مال الحمل والبحث مبسوط في الكتب الفقهية.

٧٤

في معنى الأمر أي طلّقوا دفعتين.

(فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تخيير للأزواج بعد أن علّمهم كيف يطلّقون بين أن يمسكوا النّساء بحسن العشرة والقيام بحقهنّ الواجب عليهم وبين أن يسرّحوهنّ السّراح الجميل الّذي علمهم إيّاه من كونه غير مشتمل على إضرار ويحتمل أن يكون حكما مبتدء لبيان حال الزّوجية من الإمساك وعدمه كما احتمله القاضي.

وعلى هذا ففي الآية دلالة على اشتراط وقوع الطّلاق مفصّلا بان يطلّق ثمّ يراجع ثمّ يطلّق اخرى ان شاء وهكذا ولا يجوز الجمع بين طلقتين أو ثلاث على الإرسال في كلام واحد كأن يقول : هي طالق طلقتين أو ثلاثا ، أو طالق وطالق وطالق أو يكرّر وهي طالق وعلى هذا أصحابنا أجمع ووافقهم الحنفيّة وفي وقوع الواحدة على ذلك التّقدير خلاف بينهم وتفصيله يعلم من خارج وحينئذ فتكون الطّلقة الثّالثة مستفادة من قوله : فان طلّقها فلا تحلّ له الى آخره كما سيجيء.

قال ابن إدريس : وهذا مذهبنا ولا يستفاد من الآية على هذا الوجه اعتبار تفريق الطّلقات على الاطهار بمعنى أن يوقع كلّ طلقة في طهر غير طهر المواقعة إذ ليس فيها على هذا الوجه إلّا نفي الإرسال امّا كون التّطليق الثّاني في طهر غير طهر المواقعة وغير طهر التّطليق الأوّل فلا.

ومن ثمّ ذهب أكثر أصحابنا إلى جواز وقوع الطلقات الثّلاث في طهر واحد بل في مجلس واحد مع تخلّل الرّجعة بين التّطليقات لا بدونه.

واستدلّ الشّافعيّ (١) على جواز إرسال الثّلاث بحديث العجلانىّ الّذي لاعن امرأته فطلّقها ثلاثا بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم ينكر عليه وهو عن الدّلالة بمعزل إذ لم يثبت في متن الخبر ما يدلّ على انّ وقوع الثّلاث كان بطريق الإرسال

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ، ص ٢٤٧ وقال ابن حجر في الكاف الشاف : «ذيله متفق عليه من حديث سهل بن سعد لكن قيل : ان قوله «فطلقها ثلاثا قبل أن يأمرها (ص) بطلاقها» من كلام الزهري رواية عن سهل».

٧٥

وجاز أن يكون مع الفاصلة بالرّجعة ولو في مجلس واحد كما أشرنا اليه على انّ في الجمع بين الملاعنة والطّلاق تأمّلا.

ويحتمل أن يكون معنى الآية : الطّلاق الرّجعيّ الّذي ثبتت فيه الرّجعة مرّتان وذلك أنّ الرّجل في الجاهليّة كان يطلّق امرأته ثمّ يراجعها قبل ان تنقضي عدّتها ولو طلّقها ألف مرّة كانت القدرة على المراجعة ثابتة له فجائت امرأة إلى عائشة فشكت أنّ زوجها يطلّقها ويراجعها يضارّها بذلك فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت.

فعلى هذا الآية متعلّقة بما قبلها والمعنى انّ الطّلاق الّذي يملك الرّجعة فيه مرّتان إذ لا رجعة بعد الثّالثة فإمساك بمعروف اى بالرّجعة الثّانية على الوجه الّذي لا ينكر في الشّرع أو تسريح بإحسان بأن يطلّقها الثّالثة فتبين منه ويؤيده. ما روى (١) انّه سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله اين الثّالثة؟ ـ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أو تسريح بإحسان. أو بأن لا يراجعها حتّى تبين بالعدّة وليس في أصحابنا من يذهب الى هذا الوجه بل الذّاهب إليه الشّافعيّة المجوّزين للجمع بين الطلقات الثّلاث :

قالوا : لانّه تعالى بيّن في الآية الاولى أنّ حقّ الزّوجة ثابت للزّوج ولم يذكر أنّ ذلك الحقّ ثابت دائما أو الى غاية معيّنة فكان ذلك كالمجمل والعامّ فيفتقر الى مبيّن فذكر عقيبه أنّ الطّلاق المعهود السّابق الّذي يثبت فيه للزّوج حقّ الرّجعة هو ان يوجد طلقتان فقط ، فإذا وصلت التّطليقة الى هذه الغاية بطل حقّ الرّجعة.

والطّلاق بمعنى التّطليق كالسّلام بمعنى التّسليم ويؤيّد الأوّل انّه الظاهر من الآية إذ المتبادر منه الطّلاق الشّرعيّ لا الرّجعي وسيجيء تمام تفسير الآية.

__________________

(١) الكشاف ج ١ ، ص ٢٧٣ ، وفي الكاف الشاف : «أنه أخرجه الدار قطني».

قلت : انظر سنن الدار قطني ج ٤ ، ص ٣ و ٤. ولنا في هذا البحث بيان مبسوط في تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ٢٦٥ الى ص ٢٧٦ فراجع.

٧٦

العاشرة :

(فَإِنْ طَلَّقَها) اى طلّق الزوج الزوجة الّتي طلّقها مرتين على الوجه الأول وكذا الثّاني ويزيد فيه احتمال أن يكون تفسيرا لقوله أو تسريح بإحسان كما قاله القاضي (١).

(فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) من بعد الطّلقات الثّلاث (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) حتّى تتزوّج غير المطلق ومقتضى مفهوم الآية توقّف حلّها للزّوج الأوّل مع حصول الطّلقات الثّلاث على نكاح المحلّل سواء كانت العدّة بعد الطّلاق مستوفاة أم لا وعليه الأخبار الصّحيحة.

وقال عبد الله بن بكير : انّ استيفاء العدّة الثّالثة يهدم التّحريم فلا يحتاج الى المحلّل استنادا إلى رواية أسندها (٢) إلى زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ١ ، ص ٢٤٢ طبعة مصطفى محمد.

(٢) انظر التهذيب ج ٨ ، ص ٣٥ الرقم ١٠٧ ، والاستبصار ج ٣ ، ص ٢٧٦ الرقم ١٨٢ ، والوسائل الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٦ ، وهو في طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٣٥٥ المسلسل ٢٨١٥٨. وفي طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٥٨.

ورواه في الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٥٤ ثم قال : «بيان هذا الخبر رده في التهذيبين بالطعن في رواية ابن بكير وهو الذي وثقه في فهرسته وعده الكشي من فقهائنا ، وممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والإقرار له بالفقه ولو كان مطعونا ولا سيما بمثل هذا الطعن المنكر لارتفع الوثوق عن كثير من أخبارنا الذي هو في طريقه.

وأيضا مضمون هذه الرواية ليس منحصرا فيما رواه بل هو مما تكرر في الاخبار ونقله غير واحد من الرجال كما مضى ويأتي فالصواب أن يحمل أحد الخبرين المتنافيين على التقية وكذا كلام ابن بكير ، ونسبة قوله تارة إلى رفاعة واخرى إلى الرأي فإنه ينبغي أن يحمل على ضرب من التقية» انتهى ما في الوافي ، ولصاحب الوسائل أيضا بيان توجيهات من شاء فليراجع وعلى اى فما ذكره المصنف من الوجه الأول والثاني من وجوه الضعف ذكره الشيخ في التهذيب واماما أفاده من الوجه الثالث ، وهو مخالفته لظاهر الآية فيكون مردودا تام لا غبار عليه فنور الله مضجعه الشريف.

٧٧

يقول : الطّلاق الّذي يحبّه الله والّذي يطلّق فيه الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلّقها في استقبال الطّهر بشهادة شاهدين وارادة من القلب ثمّ يتركها حتّى تمضي ثلاثة قروء فإذا رأت الدّم من أوّل قطرة من الثّالثة وهو آخر القروء لأنّ الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه وهي أملك بنفسها فان شاءت تزوّجت وحلّت له فان فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله وحلّت بلا زوج الحديث.

وهو ضعيف من وجوه : الأوّل انّ عبد الله بن بكير فطحيّ فلا يعتدّ بروايته.

الثّاني اختلاف سند الرّواية فتارة أسندها إلى زرارة واخرى إلى رفاعة ومع ذلك نسبها الى نفسه حيث قال لمّا سئل عنه : هذا ممّا رزقني الله من الرّأي وظاهره انّها ليست برواية وقد قال الشيخ : انّ إسنادها إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه الّذي أفتى به لمّا رأى أنّ أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه قال : وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلى الفطحيّة ما هو معروف والغلط في ذلك أعظم من الغلط في اسناد وفتيا يعتقد صحّتها لشبهة دخلت عليه الى بعض أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام.

الثالث انّها مخالفة لظاهر الآية فيكون مردودا.

واستدلّ بظاهرها من اكتفى بنكاح البالغة من دون الوليّ ومن جوّز للمرأة أن تعقد على نفسها لانّه أضافه إليها ، والقول بأنّ الاسناد إليها من حيث انّ نكاح الوليّ نكاحها أو انّها في الثّيّب والكلام في البكر لا يخفى ما فيه.

ومقتضى الآية الاكتفاء بالعقد كما هو الظّاهر من إطلاق النّكاح وأخذ ابن المسيّب بظاهره فاكتفى بالعقد في التّحليل والإجماع على خلافه سابقا ولا حقا أسقط اعتباره وأوجب الوطي في القبل في التّحليل ، وفي الاخبار من الفريقين دلالة على اعتبار ذلك أيضا (١) وهو الّذي أوجب تقييد الآية.

__________________

(١) فانظر من كتب أهل السنة سنن البيهقي ج ٧ ، من ص ٣٧٣ الى ص ٣٧٦ وفي كلها اعتبار ذوق الرجل عسيلتها وذوق المرأة عسيلته.

وانظر من كتب الشيعة الوسائل الباب ٤ الى الباب ٧ من أبواب أقسام الطلاق وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، من ص ـ ١٥٨ الى ص ١٦٠ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، من ص ـ

٧٨

__________________

ـ ٣٥٧ الى ص ٣٦٦ ، وانظر مستدرك الوسائل ج ٣ ، من ص ١٢ الى ص ١٤ وفي بعضها التعبير بالدخول صريحا ، وفي بعضها التعبير بذوقه عسيلتها ، وفي بعضها التعبير بذوقه عسيلتها وذوقها عسيلته.

ولعلك تقول : قد ذكرت في تذييلك على كنز العرفان ج ٢ ، ص ٢٨٠ : انه ليس في أخبار الشيعة قيد ذوقها عسيلته.

قلت : إنما أردنا انه ليس في الكتب الأربعة المعروفة والا فقد روى العياشي ج ١ ، ص ١٦٦ بالرقم ٣٦٤ عن سماعة بن مهران قال : سألته عن المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره قال : هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة فهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره وتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها وهو قول الله : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، التسريح التطليقة الثالثة. انتهى حديث العياشي.

ورواه في الوسائل الباب ٤ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣ ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٥٩ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٣٦١ المسلسل ٢٨١٧١ ورواه في البرهان ج ١ ، ص ٢٢١ ، ورواه في البحار ج ٢٣ ، ص ١٢٩ طبعة كمپانى وفي طبعه الإسلامية ج ١٠٤ ، ص ١٥٥ ، وترى في البحار وتفسير العياشي والبرهان ونور الثقلين أيضا أخبارا كثيرا على اشتراط الدخول.

وحيث جرى حديث العياشي وذوق العسيلة يناسب لنا نقل ما أفاده السيد الرضى قدس‌سره في معنى العسيلة وسر التصغير فنقول :

قال قدس‌سره في ص ٣٨٨ طبعة مطبعة الفجالة بالقاهرة الرقم ٣٠٤ من كتابه المجازات النبوية بعد نقل حديث العسيلة :

«وهذه استعارة كأنه عليه الصلاة والسّلام كنى عن حلاوة الجماع بحلاوة العسل وكان مخبر المرأة ومخبر الرجل كالعسلة المستودعة في ظرفها فلا يصح الحكم عليها الا بعد الذوق منها وجاء عليه‌السلام باسم العسيلة مصغرا لسر لطيف في هذا المعنى وهو انه أراد فعل الجماع دفعة واحدة وهو ما تحل المرأة به للزوج الأول فجعل ذلك بمنزلة الذوق القابل من العسلة من غير استكثار منها ولا معاودة لا كلها فأوقع التصغير على الاسم وهو في الحقيقة للفعل.

وذلك بالعكس من التصغير في البيت المشهور وهو من أبيات الكتاب ، وأنشدناه ـ

٧٩

__________________

ـ الشيخان أبو الفتح عثمان بن جنى وأبو الحسن على بن عيسى الربعي وذلك قول الشاعر :

يا ما اميلح غزلانا شدن لنا

من هؤلياء نكن الضال والسمر

فأوقع الشاعر التصغير على الفعل في الظاهر وذلك غير جائز وانما أراد به على الحقيقة تصغيرا لاسم المصدر الذي هو الملاحة فهذا الشاعر كما ترى صغر الفعل وأراد الاسم وهو عليه الصلاة والسّلام في الخبر صغر الاسم وأراد الفعل» انتهى ما في المجازات النبوية.

وهذا البيان منه من كون المراد تشبيه لذة الجماع بالعسل وكون سر استعمال العسيلة مصغرا كون المراد فعل الجماع دفعة واحدة مما يناسب أن يكتب بالقباطى بماء الذهب وأتم بمراتب وأنسب لقبول الذوق السليم لفهم المعنى من ألفاظ الأحاديث من قول الآخرين من كون المراد تشبيه النطفة أو ماء الرجل بالعسل.

ويشهد لذلك ما ورد عن عائشة عن النبي (ص) أنه قال : العسيلة الجماع ، رواه ابن تيمية في منتقى الاخبار كما في نيل الأوطار ج ٦ ص ٢٦٩.

وتأنيث العسل مع أن لفظ العسل يذكر باعتبار تقدير اللذة المشبهة لذة الجماع بلذته ومجيء التصغير للتقليل في العدد بتصريح من كتب أهل الأدب ، وأجمعوا على مجيئه لإحدى الفوائد.

١ ـ تحقير الشأن كرجيل.

٢ ـ تقليل الذات أو الكمية كبغيل ودريهمات.

٣ ـ تقريب المنزلة أو المسافة كصديق وقبيل وبعيد.

٤ ـ التعطف والتحبب كبني وأخي.

وانما اختلفوا في خامس الفوائد وهو التعظيم مثل دويهية تصفر منها الأنامل ومن أنكر هذه الفائدة كالمحقق الرضى جعل المعنى ان أصغر الأشياء قد يفسد الأصول العظام ، وقول عمر لابن مسعود : كنيف مليء علما نقلناه في كنز العرفان ج ٢ ، ص ١٥٦. ويمكن توجيهه بما وجه به المحقق الرضى الدويهية.

وعلى اى فلم يختلف أحد في إحدى الفوائد الأربعة المتقدمة ولا نريد اطالة سرد الكلام بذكر المصادر ولكن نذكر بعضها لئلا يتوهم القارئ انا نتكلم في شيء من دون التوجه الى مصادر البحث. فانظر شرح الرضى على الشافية ج ١ ، ص ١٨٩ و ١٩٠ طبعة مصطفى محمد ، و ـ

٨٠