مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

ويحتمل أن يكون الوعد لعامة المتّقين بالخلاص من مضارّ الدّارين والفوز بخيرهما من حيث لا يحتسبون ، ويحتمل ان يكون كلاما جيء به للاستطراد والاعلام بانّ المتّقى يجمع الله له خير الدّنيا والآخرة ويخلّصه من مضارّهما.

(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) كافية (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) بالرّفع على قراءة الأكثر أي نافذ أمره ، وقرأ حفص بالإضافة والمراد انّه يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد ، وقرئ بالغا بالنّصب على الحاليّة وخبر انّ قوله (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) تقديرا أو توقيتا أو مقدارا أو أجلا لا يتأتى بغيره وهو بيان لوجوب التّوكل على الله وتفويض الأمر إليه لأنّه إذا علم كلّ شيء من الرّزق وغيره لا يكون الّا بتقديره وتوفيقه فلم يبق الّا التّوكّل عليه والتسليم اليه تعالى.

الثانية (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) شارفن انقضاء عدتهنّ فان البلوغ قد يطلق على الدّنوّ من الشّيء على ما عرفت فيترتّب عليه قوله :

(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) لظهور انّه بعد تقضّى الأجل بتمامه ومضىّ العدّة تملك نفسها فلا يصحّ التخيير بين الإمساك والتّسريح بل يكون أجنبيّة من شقّ النّاس لا سبيل له عليها والمراد بالمعروف في الموضعين ما كان موافقا للشّرع من القيام بمصالح الزوجيّة ان أمسكها والّا تركها حتّى تنقضي عدّتها وتكون أملك بنفسها.

(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) ولا تراجعوهنّ إرادة الإضرار بهنّ لا الرّغبة في نكاحهنّ كان يتركها حتّى تشارف الأجل ثمّ يراجعها لتطول العدّة عليها على ما قيل : انّ الرّجل منهم كان يطلّق المرأة ويتركها حتّى يقرب انقضاء عدّتها ويراجعها لتطول العدّة فنهى عنه.

ورواه الصّدوق (١) عن المفضّل بن صالح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام و

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ٢ ج ١٥ ، ص ٤٠٢ ، المسلسل ٢٨٣١٠ ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٦٥ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٥٣ ، وفي قلائد الدرر ج ٣ ص ٢٢٨ ، وهو في الفقيه ج ٣ ، ص ٣٢٣ الرقم ١٥٦٨ ـ

٤١

هو منصوب امّا على انّه مفعول له أو على الحال بمعنى مضارّين.

(لِتَعْتَدُوا) اى لتظلموا بالتّطويل أو بالإلجاء الى الافتداء كما وقع في آية أخرى واللّام متعلّقة بالضّرار.

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) الإضرار (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) حيث عرضها لعقاب الله.

(وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) بالاعراض عنها والتّهاون بالعمل بما فيها من غير جدّ في العمل من قولهم لمن لا يجدّ في الأمر : إنّما أنت هازئ ولعلّ المراد بالنّهي عن الهزء الأمر بضدّه أعنى الجدّ وقيل : كان الرّجل يتزوّج ويطلّق ويعتق ويقول : كنت ألعب فنزلت ، وأحكام الآية معلومة كما بيّناه.

(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام ونبوّة النّبيّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشّكر والقيام بحقوقها.

(وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) من القرآن والسّنّة أفردهما بالذّكر إظهارا لشرفهما.

(يَعِظُكُمْ بِهِ) بما انزل عليكم (وَاتَّقُوا اللهَ) اى معاصيه (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تأكيد وتهديد.

__________________

ـ وفي طبعه مكتبة الصدوق ج ٣ ، ص ٥٠١ الرقم ٤٧٦١ ، ومثله في العياشي ج ١ ، ص ١١٩ الرقم ٣٧٨ ، ونقله عن العياشي في البحار ج ٢٣ ، ص ١٣٠ ، والبرهان ج ١ ، ص ٢٢٤.

والمصنف لم ينقل أصل الحديث حتى يتوجه ما يستنبط منه ونحن ننقله بعينه بلفظ الصدوق :

«وروى المفضل بن صالح عن الحلبي عن أبى عبد الله (ع) قال : سئلته عن قول الله عزوجل (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) قال : الرجل يطلق حتى إذا كادت ان يخلو أجلها راجعها ثم طلقها يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عزوجل عن ذلك» انتهى.

وظاهر الحديث وقوع الطلاق وان أثم ـ ثم ليس الحديث منحصرا بذلك فانظر الوسائل الباب ٣٤ من أبواب أقسام الطلاق ، ومستدرك الوسائل ص ١٧ ، والبرهان ج ١ ، ص ٢٢٤ ، ونور الثقلين ج ١ ، ص ١٨٨ وص ١٨٩ ولا يستفاد من واحد منها الا الإثم فلا تغفل.

٤٢

الثالثة (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) اى انقضت عدتهن وبلوغ الأجل هنا على الحقيقة (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) تمنعوهنّ وتحبسوهنّ (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) بتقدير من ان ينكحن أزواجهنّ حذف وأوصل الفعل ، والخطاب في الآية امّا للأزواج الّذين يعضلون نسائهم بعد انقضاء العدّة ظلما وقسرا ولحميّة الجاهليّة فلا يتركن يتزوّجن من أردن من الأزواج ، وإطلاق الأزواج عليهنّ مجاز باعتبار الأوّل ، وأما للأولياء الّذين يمنعونهنّ أن يرجعن إلى أزواجهنّ فقد روى انّها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته أن ترجع الى الزوج الأوّل بالاستيناف.

قال القاضي (١) : فيكون دليلا على انّ المرأة لا تزوّج نفسها إذ لو تمكّنت منه لم يكن لفعل الوليّ معنى ، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهنّ لأنّه بسبب توقّفه على إذنهن انتهى.

ولا يخفى ما فيه فأوّلا أنّ الدلالة مع احتمال الأمرين ساقط وانّما يكون مع ظهورها في الأولياء وهو غير معلوم إذ كما يحتمل الأزواج بل النّاس على العموم ، كما استوجه في الكشاف أن يكون خطابا للناس على العموم ، أى لا يوجد فيما بينكم عضل ومنع للنّساء من نكاح الأزواج لأنّه إذا وجد بينهم وهم راضون به كانوا في حكم العاصين وحينئذ فلا دلالة.

وثانيا انّا لو سلّمنا كون الخطاب فيها للأزواج ، فالنهي عن العضل لا يقتضي أن يكون للوليّ حقّ في ذلك ، بل ولا يقتضي أن يراد به ولى النّكاح بل الظّاهر من كان له اختصاص بالمرأة لظهور ان الأخ ليس بوليّ على المشهور ، وقد روى هو نزولها فيه فإذا سقطت الدّلالة من هذا الوجه ، كان قوله (يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) صريحا في استقلالهن وانتفى حمله على المشاركة فيه أو التوقف على الاذن فتأمّل.

واستدلّ بعض أصحابنا بظاهرها على سقوط الولاية مع العضل وله وجه مع تسليم الولاية والّا فلا حاجة إليه.

(إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ) اى النّساء والخطّاب وهو ظرف لان ينكحن

__________________

(١) انظر البيضاوي ج ١ ، ص ٢٤٣. والحق ما افاده المصنف كما لا يخفى.

٤٣

أولا تعضلوهنّ.

(بِالْمَعْرُوفِ) صفة مصدر محذوف اى تراضيا كائنا بالمعروف أو حال عن الضّمير المرفوع أي تراضوا عاملين بالمعروف وهو ما يعرفه الشّرع ويستحسنه المروّة كالتّزويج بالكفو ونحوه ففيها دلالة على انّ العضل عن التّزويج بغير الكفو من الوليّ بل من غيره لا يكون منهيّا عنه.

وقد يستفاد منها تحريم الدّخول في خطبة أحد بغير حصول الرّضا والإجابة للآخر كما ذهب إليه أصحابنا.

(ذلِكَ) إشارة الى ما مضى ذكره وتوحيد المخاطب مع كون المراد الجمع امّا على تأويل القبيل فإنّه اسم للجمع أو كلّ واحد واحد أو انّ المراد مجرّد الخطاب والفرق بين الحاضر والمخاطب والغائب من دون تعيين المخاطبين.

ويحتمل أن يكون المخاطب به الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طريقة (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) كما تقدّم وفيه تنبيه على أنّ حقيقة المشار إليه أمر لا يكاد يتصوره كلّ أحد ليخاطب به.

(يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) تخصيصه بالمؤمن لانّه المنتفع به ولانّ المراد الاتعاظ بالقرآن وهو انّما يكون بعد الايمان والمراد بالوعظ الزّجر والتخويف.

(ذلِكُمْ) اى العمل بمقتضى ما ذكر من الأحكام (أَزْكى) أنفع (لَكُمْ وَأَطْهَرُ) من دنس الآثام (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما فيه من النفع والصّلاح (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك لقصور علمكم عن إدراك الأمور الحفيّة وفيه دلالة واضحة على انّ عدم العلم بمصلحة الحكمة لا يقتضي نفيها بل ينبغي الانقياد والتسليم والاعتراف بانّ حكمتها خفية علينا.

الرابعة : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) خبر بمعنى الأمر وتغيير العبارة للتّأكيد والاشعار بأنّه ممّا يجب أن يسارع الى امتثاله كان المخاطب [قصد أن] يمتثل الأمر فيخبر عنه وقد أشرنا سابقا إلى أنّ إيراد الأمر بصورة الخبر أبلغ ، وبناؤه على

٤٤

المبتدإ يفيد زيادة تأكيد باعتبار تكرّر الاسناد فيه بخلاف ما لو قدّم.

(بِأَنْفُسِهِنَّ) تهييج وبعث لهنّ على التّربّص فانّ نفوس النساء طوامح الى الرّجال فامرن بقمعها وحملها على التربّص.

(ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) نصب على الظّرفيّة أو المفعول به اى يتربّصن مضيّها وهو جمع قرء بالفتح والضّمّ ويطلق على كلّ من الحيض والطّهر على الاشتراك لنصّ أهل اللّغة فيه ولاستعماله في كلّ منهما في فصيح الكلام وقد اختلف في المراد به هنا فاصحابنا أجمع والشّافعيّة على انّ المراد به الطّهر وهو قول جماعة من الصحابة والتّابعين كزيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ومالك وأهل المدينة إلّا سعيد بن المسيب.

ويدلّ على ذلك أخبارنا المتظافرة (١) وإجماع علمائنا الّذي هو حجّة قاطعة ، وما تقدّم من قوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) حيث انّ المراد الأمر بالطّلاق في زمان عدّتهنّ أي في زمان يصحّ الشروع في العدّة عقيبه على ما سلف.

وذهب الحنفيّة إلى انّ المراد به الحيض واستدلّ لهم في الكشاف (٢) بانّ القرء هو الحيض لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعى الصّلوة أيّام أقرائك (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) طلاق

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١٤ ، ١٥ ، ١٦ من أبواب العدد. وترى في الأبواب الأخر من كتاب الطلاق مبثوثا ما يدل على ذلك ، وكذلك راجع ج ٣ ص ١٩ و ٢٠ مستدرك الوسائل ، وترى في الأبواب الأخر أيضا ما يدل على المطلوب ، وانظر كتاب البرهان ج ١ ، ص ٢١٩ وص ٢٢٠ ، ونور الثقلين ج ١ ، ص ١٨٣ وص ١٨٤.

(٢) انظر الكشاف ج ١ ، ص ٢٧١.

(٣) الكشاف ج ١ ، ص ٢٧١ ، وقال في الكاف الشاف ذيله : «أخرجه الطحاوي والدارقطنى من حديث فاطمة بنت أبى حبيش انها قالت : يا رسول الله انى امرأة أستحاض فلا أطهر قال : دعى الصلاة أيام أقرائك ثم اغتسلي وصلى» وهو في سنن الدارقطنى في ج ١ ، ص ٢١٢.

وروى في الخلاف ج ٣ ، ص ٥١ كتاب العدة المسئلة ٢ روى عن النبي (ص) انه قال لفاطمة بنت أبى حبيش : صلى أيام أقرائك يعنى أيام طهرك.

(٤) الكشاف ج ١ ص ٢٧١ قال في الكاف الشاف : «أخرجه أبو داود والترمذي ـ

٤٥

الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان ، ولانّ الغرض الأصلي في العدّة استبراء الرّحم والحيض هو الّذي يستبرء به الرّحم دون الطّهر ، وكذا كان من الأمة الاستبراء بالحيضة وحمل قوله (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) على انّ المراد مستقبلات لعدتهنّ كقولك : لقيته لثلاث بقين من الشّهر يريد مستقبلا لثلاث [وعدّتهنّ الحيض الثّالث].

وفي الدّلالة نظر امّا كون القرء بمعنى الحيض فلا ننكره وكونه بمعنى الطّهر في غير هذا الحديث كثير لا يرتاب فيه ، لكنّ الكلام في انّه المراد من الآية ، مع أنّه يمكن أن يقال : الآية دلّت على أنّها إذا اعتدت بثلاثة أشياء تسمّى أقراء خرجت من العهدة فيكون متمكّنة من الاعتداد بالأطهار الّتي عدّتها أقلّ ومن الاعتداد بالحيضة الّتي عدّتها أكثر ، وحينئذ فيكون القدر الزائد على عدّة الأطهار غير واجب.

وحديث تطليق الأمة (١) لا نسلّم صحّته ، ولانّه لا يقاوم ما رويتم عن مسلم و

__________________

ـ وابن ماجه والحاكم من رواية مظاهر بن أسلم ، عن القاسم عن عائشة بهذا» ومظاهر ضعيف ورواه ابن ماجه والدار قطني من رواية عطية عن ابن عمر ، وفيه عمر بن شبيب وهو ضعيف وقال ابن حزم في ج ١٠ ، ص ٣١٧ من المحلى : «قال أبو محمد : هذان خبران ساقطان لا يجوز الاحتجاج بهما لان مظاهر بن مسلم ضعيف وكذا عمر بن شبيب وعطية ضعيفان لا يحتج بهما ولو صح أحدهما أو كلاهما لما خالفناه». انتهى

(١) كما قد عرفت من بيان ابن حجر وكذا ابن حزم ، الا انه يوجد مضمونه في اخبار الشيعة أيضا انظر الوسائل الباب ٤٠ من أبواب العدد وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧٦ : وطبعة الإسلامية ج ١٥ ، من ص ٤٦٩ ـ ٤٧١ وفي كتاب النكاح الباب ١٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ٦٨ وفي طبعه الإسلامية ج ١٤. ص ٤٠٩ ، وانظر أيضا مستدرك الوسائل ج ٣ ، ص ٢٣ ونقل في الجواهر العمل بها في ص ٣٣٩ كتاب الطلاق طبعة حاج محمد حسين الكاشاني سنة ١٣١٢ ه‍ ق عن الإسكافي والعماني على ما نقل عنهما.

ثم قال : وتبعهما بعض متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك وصاحبي الكفاية والحدائق بل كأنه مال اليه صاحب الرياض ، واختار صاحب الجواهر نفسه قول المشهور من كون القرئين في الآية أيضا الطهرين واستحسن ما وجه به تلك الاخبار صاحب الوسائل من حملها على التقية أو إرادة دخول الحيضة الثانية ليتم الطهران أو الاستحباب أو عدم جواز التمكين للزوج الثاني في الحيض الثاني.

٤٦

البخاري في قصّة ابن عمر : مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتى تحيض ثمّ تطهر ثمّ ان شاء أمسك بعد وان شاء طلّق قبل ان يمسّ فتلك العدّة الّتي أمر الله تعالى أن يطلّق لها النّساء.

وكون الغرض الأصليّ استبراء الرّحم يدلّ على انّه الطّهر لانّه الدّال على براءة الرّحم فانّ القرء بمعنى الجمع والمرأة في حال الطّهر تجمع دمها فإذا جاء الحيض فرّقته والتقدير في الآية بعيد كما سلف ، على انّه راجع الى ما قلناه كما أشرنا اليه ، ولانّ ما ذكروه من الاخبار معارض بانّ الاعتداد بالأطهار أقلّ زمانا من الاعتداد بالحيض فيلزم المصير إليه لأنّه الأصل إذ لا يكون لأحد على غيره حقّ الحبس والمنع وكلما كانت المدّة أقلّ كان أقرب الى هذا الأصل وأوفق له.

ولعلّ النّكتة في التّعبير بالقروء الّتي هي جمع كثرة دون الأقراء الّتي هي جمع قلّة مع انّ المناسب هنا جمع القلّة التّنبيه على ارادة الحيض حيث علم جمع القرء الّذي يكون المراد منه الحيض على الأقراء كما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعى الصّلوة أيّام أقرائك ، وان كان كلّ من جمع الكثرة والقلّة يستعمل مكان الآخر.

قال القاضي ولعلّ الحكم لمّا عمّ المطلقات ذوات الأقراء تضمّن معنى الكثرة فحسن بناؤها يعنى لكثرة أفراد المطلقات من حيث انّ كل مطلّقة لها ثلاثة قروء فكان جمع كثرة وهو جيد. هذا وفي أخبارنا ما يدلّ على أنّ القروء هي الحيضات الثلاث [روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : عدة التي تحيض ثلاثة قروء وهي ثلاث حيض ونحوها رواية أبي بصير (١)] لكنّها مهجورة بين الأصحاب محمولة على ضرب من

__________________

(١) فحديث الحلبي في التهذيب ج ٨ : ص ١٢٦ الرقم ٤٣٤ والاستبصار ج ٣ ، ص ٣٣٠ الرقم ١١٧١ واللفظ فيهما : عدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء وهي ثلاث حيض ، ومثله رواية أبي بصير وهي بالرقم ٤٣٥ من التهذيب وبالرقم ١١٧٢ من الاستبصار وفي الوسائل الباب ١٤ من أبواب العدد الحديث ٧ ، وهما برقم واحد في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٦٩ وطبعة الإسلامية ج ١٥ ص ٤٢٥ المسلسل ٢٨٣٨٧ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ـ

٤٧

التّأويل كما يعلم ذلك من راجع كتب الأخبار.

وفايدة الخلاف بين القولين انّ مدّة العدّة عند القائل بالاطهار أقصر منها عند القائل بالحيض حتّى لو طلّقها في حال الطّهر تحسب بقية الطهر قرءا وان حاضت عقيبه في الحال فإذا شرعت في الحيضة الثالثة انقضت عدّتها وعند أبي حنيفة ما لم تطهر من الحيضة الثالثة إن كان الطلاق حال الطهر أو من الحيضة الرّابعة إن كان في حال الحيض : لا يحكم بانقضاء عدّتها.

واعلم أنّ لفظ المطلقات وان اقتضى العموم لكنّه مخصوص بالمطلقات المدخول بهنّ من ذوات الأقراء للآيات والأخبار الدّالة على انّ حكم غيرهن خلاف ما ذكر كذا في الكشاف وتفسير القاضي (١) والظاهر انّها مخصّصة بالحامل أيضا فإن عدّتها

__________________

ـ ص ١٧٤ ، وفي قلائد الدرر ج ٣ ، ص ٣٣٢.

وروى الحديث في تفسير العياشي ج ١ ، ص ١١٥ بالرقم ٣٥٣ عن ابن مسكان عن ابى بصير ثم ذكره بالرقم ٣٥٤ ، وقال احمد بن محمد : القرء هو الطهر انما يقرء فيه الدم حتى إذا جاء الحيض دفعتها ، ولم أظفر على نقل الحديث في البحار عن العياشي مع كون محله ج ٢٣ ، ص ١٣٦ الى ص ١٣٨ ، ونقله في البرهان عنه في ج ١ ، ص ٢٢٠ بالرقم ١٢ ولم يروه عنه أيضا في نور الثقلين مع كون محله ج ١ ، ص ١٨٣ و ١٨٤.

وعلى أى فقد حمل الحديث الشيخ في التهذيب والاستبصار مضافا الى احتمال التقية أحسن حمل وهو : «أن قوله : ثلاث حيض يحتمل أن يكون إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة لأنه قد مضى له حيضتان وترى الدم من الحيضة الثالثة فتصير ثلاثة قروء وليس في الخبر أنها تستوفي الحيضة الثالثة.

ثم قال قدس‌سره في التهذيب وفي الاستبصار : ولا ينافي هذا التأويل ما رواه : سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن رفاعة عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المطلقة حين تحيض لصاحبها رجعة؟ ـ قال : نعم حتى تطهر ، لانه ليس في هذا الخبر ان له عليها رجعة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على انه يملك الرجعة في حال الحيض إذا كانت أوله أو ثانية» انتهى كلامه قدس‌سره ولقد أجاد فيما أفاد فجزاه الله عن الإسلام أحسن الجزاء ونور الله تعالى مرقده الشريف.

(١) انظر الكشاف ج ١ ، ص ٢٧٠ ، والبيضاوي ج ١ ، ص ٢٣٩ طبعة مصطفى محمد.

٤٨

وضع الحمل لا ثلاثة قروء الّا أن يقال : الحمل لا يجامع الحيض فلا حاجة الى التّخصيص وفيه ما فيه ، امّا تخصيصها بالرّجعيات كما ذهب اليه بعض الأصحاب (١) لمكان ضمير (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) الراجع الى الرجعيات فقط فغير واضح وسيجيء التنبيه عليه ان شاء الله.

وقد يظهر من الكشاف انّه لا تخصيص فيها مع ارادة المدخول بهنّ نظرا الى انّ اللّفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكلّه وبعضه فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم المشترك وفيه نظر لظهور كون المطلقات عاما لا مطلقا لانّه جمع معرّف باللّام وهو من صيغ العموم وقد وقع التّصريح به في كلامه كثيرا حيث قال (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) انّه جمع ليتناول كل محسن وفي قوله (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) اى لا تخاصم عن خائن قط ونحو ذلك ممّا يدلّ على العموم فليكن هذا منه وتخصص بما تقدم.

(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) من الولد أو من دم الحيض استعجالا في العدة وإبطالا لحق الرّجعة بالنّسبة إلى الزّوج واستدلّ به على انّ قولهن مقبول في ذلك نظرا إلى انّه لو لم يكن كذلك لما حسن الإيجاب عليهنّ وتحريم الكتمان ولأنهنّ مؤتمنات على أرحامهنّ ولا يعرف الّا من جهتهن غالبا واقامة البيّنة على مثله عسرة في الغالب ولحسنة زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال :

__________________

(١) وللعلامة النائيني قدس‌سره في هذا البحث بيان تراه في فوائد الأصول تقرير الفقيه المحقق الشيخ محمد على الكاظمي طاب ثراه من ص ٣٤٨ الى ص ٣٥١ ج ١ يطول بنا الكلام لو أردنا نقله ولو باختصار وبالمعنى فلا ينسى القارؤن الكرام مراجعة بيانه قدس‌سره في هذا البحث فإنه دقيق جدا وحقيق بان يكتب على القباطي بماء الذهب.

(٢) رواه في الوسائل في الباب ٤٧ من أبواب الحيض الحديث ١ ، ج ٢ ، ص ٥٩٦ طبعة الإسلامية المسلسل ٢٣٥٧ ، وهو في طبعه الأميري ج ١ ، ص ١١٢. ورواه أيضا في الباب ٢٤ من أبواب العدد الحديث ١. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٧١ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٤١ المسلسل ٢٨٤٣٩. وهو في الكافي في طبعه سنة ١٣١٥ ه‍ ق ج ٢ ، ص ١١١ باب ان النساء يصدقن في العدة والحيض ، وفي طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ١٠١ وفي المرآة ج ٤ ، ص ٥. ـ

٤٩

العدّة والحيض للنساء إذا ادّعت صدّقت.

والمناقشة في الأول ممكنة إذ لا يلزم من إيجاب الإظهار وتحريم الكتمان القبول ألا ترى أن الشّاهدين يجب عليهما أداء الشهادة مع أن الحاكم لا يجب عليه القبول وظاهر الاخبار (١) أنّهن لا يقبل منهنّ غير المعتاد إلّا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرهنّ واستقربه الشّهيد في اللّمعة ويؤيده الأصل والظاهر واستصحاب

__________________

ـ ورواه في التهذيب ج ٨ ، ص ١٦٥ بالرقم ٥٧٥ ، وفي الاستبصار ج ٣ ، ص ٣٥٦ بالرقم ١٢٧٦ ، وروى نظيره في التهذيب بسند آخر ج ١ ، ص ٣٩٨ الرقم ١٢٤٣ واللفظ فيه : العدة والحيض الى النساء. ورواه في الاستبصار ج ١ ، ص ٢٤٨ بالرقم ٥١٠ ، وفي المجمع ج ١ ، ص ٣٢٦ عن الصادق انه قال : قد فوض الله الى النساء ثلاثة أشياء الحيض والطهر والحمل ومثله في الكنز ج ٢ ، ص ٢٥٧.

وقبول قولها انما هو إذا كانت المرأة مأمونة وإذا كانت متهمة كلفت نساء غيرها للتحقيق كما تضمنه الحديث المروي في التهذيب ج ١ ، ص ٣٩٨ الرقم ١٢٤٢ والاستبصار ج ١ ، ص ١٤٨ الرقم ٥١١ والفقيه ج ١ ، ص ٥٥ طبعة النجف الرقم ٢٠٧ ، وفي طبعه مكتبة الصدوق ج ١ ، ص ١٠٠ الرقم ٢٠٧ ، ونقله في الوسائل الباب ٤٧ من أبواب الحيض ج ١ ، ص ١١٢ طبعة الأميري ، وج ٢ ، ص ٥٩٦ المسلسل ٢٣٥٩ طبعة الإسلامية ومثله الباب ٢٤ من أبواب الشهادات ج ٨ ، ص ٢٦٦ المسلسل ٣٣٩٢٢.

(١) وهكذا نقل في قلائد الدرر ج ٣ ، ص ٢٣٥ ولم أظفر الى الان على قيد الأربع من النساء في حديث ولا ادعى عدم الوجود ، لان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.

نعم ترى في الباب ٢٤ من أبواب الشهادات طبعة الإسلامية ج ١٨ من ص ٢٥٨ الى ص ٢٥٩ أخبارا كثيرة من قبول شهادة النساء فيما لا يجوز للرجال أن ينظروا اليه وفي العذرة والنفساء وأمثاله والباب ٢٤ في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ٤١٢ الى ص ٤١٤ وكذا في المستدرك الوسائل ج ٣ ص ٢١١ وليس ذكر عدتهن ولزوم كونها أربع.

وأظن أن تعبير المصنف وقلائد الدرر بشهادة أربع من النساء انما كان في موضوع الاستهلال والوصية فإن فيهما يحكم بشهادة كل امرأة ربع مورد الوصية أو إرث الحمل المشهود باستهلاله وهذا قياس لا يتأيده الشيعة والله العالم بمراد العالمين العلمين في التفسير (صاحب الكتاب وصاحب قلائد الدرر) عصمنا الله من الزلل.

٥٠

حكم العدّة ولإمكان إقامة البيّنة عليه ولا يبعد تقييد القبول بما إذا كانت المرأة ثقة لا مطلقا وعليه تحمل الأدلة المطلقة.

(إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ليس المراد منه تقييد نفي الحل بايمانهنّ حتى انّها لو لم تكن كذلك حل لها الكتمان بل التّنبيه على انّه ينافي الايمان وانّ المؤمن لا يتجرّء عليه ولا ينبغي له أن يفعله.

(وَبُعُولَتُهُنَّ) جمع بعل والتّاء لتأنيث الجمع كالعمومة والخؤولة في جمع العم والخال.

(أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) الى النّكاح السابق الّذي كان لهنّ من غير عقد مجدّد بل مجرّد الرّجعة لفظا أو فعلا كان فيه ، والمراد انّه ليس لأحد أن يتزوجهنّ ولا أن يتزوجن بغيرهم لكونهم في حكم الأزواج.

ويحتمل أن يراد به ان الرجل ان أراد الرجعة وأبتها المرأة وجب إيثار قوله على قولها فكان هو أحق منها بمعنى أنّ ذلك حقه وحده لا أنّ لها حقا في الرجعة فأفعل هنا بمعنى أصل الفعل اي الرد الى النكاح حقّ البعولة.

(فِي ذلِكَ) أي في زمان التربّص ولا كلام في أن هذا حكم المطلقة رجعيا فيكون الضمير أخصّ من المرجوع اليه وحينئذ فهل يوجب هذا تخصيصا فيه قيل : نعم حذرا من مخالفة الضمير المرجع لأنه كناية عنه وعبارة له فلا معنى لمغايرة أحدهما الآخر.

وقيل : لا بل هو بمثابة تكرير الظّاهر ، ويجوز ارادة الخاصّ من الثّاني مع بقاء عموم الأول فكذا هنا وفيه نظر للفرق بين الأمرين من حيث ان الضمير كناية عن الظاهر وعبارة له فلا وجه لإرادة غيره به ولا كذا الظّاهر فالقياس لا وجه له وتحقيقه في الأصول.

(إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) بالرجعة لا إضرارا بالمرأة وليس المراد منه شريطة قصد الإصلاح للرّجعة وتقييد الأحقية به للإجماع على صحة الرّجوع وان قصد الإضرار بل المراد منه التّحريض والحث على قصد الإصلاح بالرّجوع والمنع من الرّجوع

٥١

بقصد الإضرار وتحريمه وإن ترتّب الأثر وهو عود الزوجيّة عليه ، والحاصل أنّ التّحريم لا ينافي ترتّب الأثر الّذي هو عود الزوجيّة.

(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) اي ولهنّ حقوق واجبة على الرجال كما أنّ للرّجال عليهنّ حقوقا كذلك والمراد المماثلة في الوجوب واستحقاق المطالبة عليها لا في الجنس نفسه فان حقوق النّساء على الرّجال المهر والنّفقة والكسوة والمسكن والمضاجعة والدّخول في الأوقات المقررة شرعا وترك الضرار وحقوق الأزواج على النّساء أن يبذلن أنفسهن لهم ولا يمنعنهم ولا يبذلن لغيرهم ولا يخرجن من البيوت بغير إذنهم بل ولا يخرجن عن إذنهم حتّى لا يصمن ندبا ولا يحججن كذلك إلا بإذنهم ونحو ذلك مما هو معلوم في محله.

(وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) زيادة في الحق وفضل فيه لأنّ حقوقهم في أنفسهن كما عرفت بخلاف حقوقهن فإنها الأمور الخارجة كالمهر والنّفقة والكسوة وترك الإضرار ونحوها ويحتمل أن يراد بالدرجة الشّرف والفضيلة من جهة أنّهم قوّامون عليهنّ فإنّ المرأة تنال من اللّذّة ما يناله الرّجل وله الفضيلة بالقيام عليها والإنفاق في مصالحها.

وقد روى محمّد بن مسلم (١) في الصّحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : جاءت امرأة إلى

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ، ص ٢٧٦ الرقم ١٣١٤ طبعة النجف ، وطبعة مكتبة الصدوق ج ٣ ، ص ٤٣٨ الرقم ٤٥١٣ ، ورواه في المجمع أيضا ج ١ ، ص ٣٢٧ ، ورواه في الكنز أيضا ج ٢ ص ٢٥٨ وتتمة الحديث التي ترك نقلها المصنف :

«فقالت : والذي بعثك بالحق نبيا لا يملك رقبتي رجل ابدا» ورواه في الكافي ج ٢ ، ص ٦٠ باب حق الزوج على المرأة الحديث ١. وهو في طبعه الآخوندى ج ٥ ، ص ٥٠٦ وهو في المرآة ج ٣ ، ص ٥٠٧ وحكم بصحة الحديث. وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١١٤ ، والحديث في الوسائل الباب ٧٩ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ض ٢١ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٤ ، ص ١١١ المسلسل ٢٥٣٠٠. ثم القتب ما يوضع على سنام البعير ويركب عليه كذا في الوافي.

٥٢

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال : لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدّق من بيته إلّا باذنه ولا تصوم تطوّعا إلا باذنه ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ولا يخرج من بيتها إلا باذنه وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السّماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتّى ترجع الى بيتها.

فقالت : يا رسول الله من أعظم النّاس حقّا على الرجل؟ فقال : والده. قالت : فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال : زوجها ، قالت : فما لي عليه من الحق مثل الّذي له عليّ؟ قال : لا ولا من كلّ مأة واحد الحديث.

(وَاللهُ عَزِيزٌ) قادر على الانتقام ممّن خالف الأحكام (حَكِيمٌ) شرع الاحكام بحكم ومصالح فلا يخلى أحكامه عن المصلحة والحكمة لأنه عبث وهو تعالى منزّه عنه.

وبعد ما أسلفنا انّ هذه الآية مخصوصة بالمطلّقة المدخول بها غير الحامل من ذوات الأقراء ، فلا تنافي بينها وبين قوله (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) في غير المدخول بها ، ولا بين قوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) لأنها مخصوصة بهما ، فلا معنى لقول بعضهم انهما نسختا من هذه الآية كما ذكره في مجمع البيان مع انّه خلاف المعهود من بناء العامّ على الخاص ولا ضرورة تلجئ إليه.

الخامسة (وَاللَّائِي (١) يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) بيّن تعالى أولا عدة المطلقات المتبيّن حيضها ، وأراد هنا عدّة المطلقات اللّاتي لم يتبيّن حيضهن.

وقد اختلف في المراد بها هنا ، فالعامّة أجمع على أنّها الكبيرة الّتي بلغت

__________________

(١) قال في نثر المرجان ج ٧ ، ص ٣٨٦ : والئى بإثبات همزة الوصل وبلام واحدة مشددة وبحذف الالف بعد اللام وبياء واحدة جمع التي من غير لفظهما قال الداني. اجتمعت المصاحف على حذف احدى اللامين لكثرة الاستعمال ولكراهة اجتماع صورتين متفقتين وذكر في الأمثلة والئى يئسن من المحيض وقال في بيان حذف الالف : وكذا حذفوها بعد اللام في قوله : التي والئى حيث وقعا. انتهى ما أردنا نقله عن نثر المرجان.

٥٣

سنّ اليأس وبذلك صرّح في الكشاف وتفسير القاضي (١) ورؤيا انّه لمّا نزلت : والمطلقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء قيل فما عدة اللّاتي لم يحضن فنزلت.

وهؤلاء يحملون قوله (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) على الصّغيرة الّتي لم تبلغ ويوجبون عليها العدّة ثلاثة أشهر أيضا نظرا الى أن الخبر محذوف اى هنّ كذلك ، فعلى هذا يجب العدة على الكبيرة اليائسة وعلى الصغيرة ثلاثة أشهر مع الدخول ، وإليه يذهب السّيد المرتضى من أصحابنا تمسّكا بظاهر الآية قال : وهو صريح في أنّ اليائسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدّتهنّ الأشهر على كل حال.

وقوله (إِنِ ارْتَبْتُمْ) معناه على ما ذكره جمهور المفسّرين وأهل العلم بالتأويل إن كنتم مرتابين في عدد هؤلاء النساء وغير عالمين بمقدارها ، وقد رووا (٢) ما يقوى ذلك وهو : أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال فأنزل الله تعالى (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) الى قوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ).

وكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الّذي ذكرناه ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنّها آيسة من المحيض أو غير آيسة لأنّه تعالى قطع فيمن تضمّنته الآية على اليأس من المحيض بقوله (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) والمرتاب في أمرها لا تكون آيسة ، وإذا كان المرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه عنها الى قولها ، وهي المصدّقة فيما تخبر به من ذلك ، وأخبرت بأحد الأمرين ، لم يبق للارتياب في ذلك معنى.

وكان يجب لو كانت الريبة راجعة الى ذلك أن يقول ان ارتبن ، لأنّ الحكم في ذلك يرجع الى النساء ، ويتعلق بهنّ ، ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أولا تحيض ممّن هو في سنّها ، لأنه لا ريب في ذلك من حيث كان المرجع فيه العادة.

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٧ ، والبيضاوي ج ٤ ، ص ٢٠٧ ومثله في الكنز ج ٢ ، ص ٢٥٩.

(٢) انظر الدر المنثور ج ٦ ، ص ٢٣٤ ورواه أيضا في كنز العرفان ج ٢ ، ص ٢٦٠.

٥٤

على انّه لا بد فيما علّقنا به الشّرط وجعلنا الريبة واقعة فيه من مقدار عدة من تضمّنت الآية من أن يكون مرادا من حيث لم يكن معلوما لنا قبل الآية وإذا كانت الريبة حاصلة بلا خلاف تعلّق الشرط به ، واستقلّ بذلك الكلام ومع استقلاله يتعلّق الشّرط بما ذكرناه ، ولا يجوز أن يتعلّق بشيء آخر كما لا يجوز فيه لو كان مستقلا اشتراطه.

هذه جملة ما تمسّك به السّيد في تفسير الآية ويؤيّده قوله ما رواه الحلبي (١) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : عدّة المرأة الّتي لا تحيض والمستحاضة التي لم تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك الحيض ثلاثة أشهر وعدّة الّتي لا يستقيم حيضها ثلاث حيض متى حاضتها فقد حلّت للأزواج ورواه أبو بصير (٢) قال : عدّة

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ، ص ٦٧ الرقم ٢٢٤ ، والفقيه ج ٣ ، ص ٣٣١ طبعة النجف الرقم ١٦٠٥ الى قوله : ثلث حيض وليس في الفقيه جملة «ولم تدرك الحيض» وتراه في الفقيه طبعة مكتبة الصدوق ج ٣ ، ص ٥١٢ الرقم ٤٧٩٨ وذيله الغفاري زيد توفيقه عن حاشية العالم الجليل ملا مراد التفرشي قدس‌سره : انه ينبغي حمل الحديث على ما إذا لم يكن للمستحاضة حيض مستقيم قبل استمرارها ولم يكن لها أهل يمكنها الرجوع الى عادتهن للجمع بينه وبين حديث محمد بن مسلم الاتى في آخر الباب إذا أبقى ذلك الحديث على ظاهره انتهى.

وروى الحديث في الوسائل الباب ٢ من أبواب العدد ، الحديث ٨ ، ج ٣ ، ص ١٦٦ طبعة الأميري ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٠٧ المسلسل ٢٨٣٢٨ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٧٧.

(٢) التهذيب ج ٨ ، ص ١٣٨ الرقم ٤٨١ ، والاستبصار ج ٣ ص ٣٣٨ الرقم ١٢٠٥ والكافي ج ٢ ، ص ١٠٦ باب طلاق التي لم تبلغ الحديث ٧. وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ٨٥ وسند الحديث في الكافي : حميد بن زياد عن ابن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن على بن أبي حمزة عن أبى بصير. وفي كتابي الشيخ عن ابن سماعة إلى آخر السند. وكل رجال السند ضعاف كما سيشير المصنف اليه ، وحكم في المرآة ج ٤ ، ص ١٠ أيضا بضعف الحديث.

وترى الحديث في الوسائل الباب ٢ من أبواب العدد الحديث ٦. وهو في طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٠٧ المسلسل ٢٨٣٢٦ وفي طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٦٦.

٥٥

الّتي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر والّتي قعدت عن الحيض ثلاثة أشهر.

والجواب انّه على ما ذكره لا يظهر لقيد (إِنِ ارْتَبْتُمْ) فائدة ، بل الظاهر عدم الاحتياج اليه ، وحمله على ما ذكروه من معنى الجهل بعيد ، لعدم فهمه منه ظاهرا مع انّه لم يعهد التّقييد به في بيان شيء من الأحكام ، وظاهر انّ الاحكام الشرعية قبل ورود الشّرع بها غير معلومة فلا يكون التعليم في هذه الصورة مشروطا بالريبة دون غيرها لعدم الأولويّة.

على ان الرواية الّتي ذكروها لا يخلو من ضعف ، فان هذه السّورة مكّية بالاتفاق وتلك مدنيّة ، فلا وجه لما ذكروه. نعم لو كانت هذه متأخرة النّزول كان له وجه.

ولا نسلّم انّ المرجع في ارتفاع الحيض الى النساء وهنّ المصدّقات فيه ، فان ارتفاع الحيض من المرأة إنما يكون ببلوغ السّنّ الّذي حدّه الشارع لا مطلقا وكان معلوما من بيانه ، وحينئذ فيمكن ارتفاع الحيض عن المرأة ظاهرا قبل بلوغ ذلك الحد ولا يعلم ان انقطاع دمها وارتفاع حيضها لكبر أو لعارض ، فتقع الريبة هناك ويحتاج في بيان الحكم الى البيان.

وهذا هو الظاهر من الريبة فإنها انّما تكون فيمن تحيض مثلها ، فاما من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها ولا يتناولها الشّرط المؤثر ، والى هذا يذهب أكثر أصحابنا ويحملون قوله (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) على البالغة الّتي لم تحض ومثلها تحيض ، فانّ عدّتها أيضا كذلك مع الطلاق والدخول.

ويؤيّد قولهم في غير المعلوم يأسها ، انّ الواجب عليها الأخذ بما هو عليه من الحكم الى أن يتحقّق المسقط الرّافع له وليس هو إلّا العلم باليأس ، وهو غير حاصل فيستصحب الحكم المعلوم ثبوته المشكوك في ارتفاعه ، وقد تظافرت أخبارهم (١) عن

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٢ و ٣ من أبواب العدد وترى في ضمن الأبواب الأخر من أبواب الطلاق أيضا مبثوثا. وانظر مستدرك الوسائل ج ٣ ، ص ١٨ وكذا في الأبواب الأخر من أبواب الطلاق متفرقا وأحاديث الحيض من الكتابين.

٥٦

أئمّة الهدى صلوات الله عليهم بعدم وجوب العدّة على اليائسة والصّغيرة الّتي لم تبلغ وان دخل بها :

روى زرارة في الحسن (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الصّبيّة الّتي لا تحيض مثلها والّتي قد يئست من المحيض قال : ليس عليهما عدّة وان دخل بهما.

وروى حماد بن عثمان (٢) في الصّحيح قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي

__________________

(١) انظر الكافي ج ٢ ، ص ١٠٥ باب طلاق التي لم تبلغ ، الحديث ٣ وفيه : عن حماد بن عثمان عمن رواه مكان «عن زرارة» ومثله في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ٨٥ وأول السند : على بن إبراهيم.

ورواه في التهذيب ج ٨ ، ص ١٣٨ الرقم ٤٧٩ ، وفي الاستبصار ج ٣ ، ص ٣٣٧ الرقم ١٢٠٣ وفيهما : آخر السند عن زرارة مكان عمن رواه الا ان أول السند محمد بن يحيى عن على بن إبراهيم ، ومحمد بن يحيى لا يروى عن على بن إبراهيم ، فالحديث في الكتب الثلاثة مضطرب من حيث ذكر السند ومع ذلك عده المجلسي في المرآة من الحسن مع ان التعبير في الكافي ب «عمن رواه» يجعله في حكم المرسل.

وعندي نسخة مخطوطة من الاستبصار صححه الفقيه المتورع الخاتون آبادى ترى ترجمته في روضات الجنات طبعة حاج سيد سعيد ص ٢٨٧ ، وفي طبعة إسماعيليان ج ٣ ، ص ٣٥١ ضمن ترجمة زمان بن كامعلى الرقم ٣٠٥ وبين الفقيه العالم ملا مراد التفرشي : في حاشية الإستبصار المخطوط بعد ذكر كون محمد بن يحيى في نسخ التهذيب والاستبصار سهو أفيجب الضرب على قوله محمد بن يحيى من الاستبصار والتهذيب هكذا لعل من خط الشهيد الثاني انتهى.

وروى الحديث في الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٧٨ بلفظ عمن رواه كما في الكافي ، ورواه في قلائد الدرر مثل ما في المتن بلفظ وفي الحسن عن زرارة.

وأما في الوسائل فقد رواه في الباب ٣ من أبواب العدد الحديث ٣. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٦٦ بلفظ عمن رواه وفي طبعه الإسلامية في ج ١٥ ، ص ٤٠٩ بلفظ عمن رواه وجعل لفظ عن زرارة خ ل.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أبواب العدد ، الحديث ١. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ـ

٥٧

قد يئست من المحيض والتي لا تحيض مثلها قال : ليس عليهما عدّة.

وروى محمّد بن مسلم (١) في الحسن قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في التي قد يئست من المحيض يطلّقها زوجها قال : بانت منه ولا عدّة عليها ، وهي عامّة في المدخول بها وغيرها ونحوها من الأخبار التي يوجب نقلها تطويلا.

ويجاب عن صحيحة الحلبي : انّها مشتملة على حكم المستحاضة والقائل به غير معلوم ، وعلى انّ عدّة المسترابة ثلاثة حيض وهو غير موافق لما يذهب إليه فإنّ عدّتها عندنا أمّا ثلاثة أشهر أو ثلاثة أطهار وفي متنها أيضا شيء لا يخفى فالاستدلال بمثلها بعيد.

وعن رواية أبي بصير : بأنّها ضعيفة السّند لانّ ابن سماعة وابن جبلة وعليّ بن أبي حمزة كلّهم منحرفون عن الحقّ وأبو بصير فيه قول ومع هذا فلم يسندها الى

__________________

ـ ص ١٦٦ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٠٥ المسلسل ٢٨٣٢١ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٧٦.

(١) الوسائل الباب ٣ من أبواب العدد ، الحديث ١. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ص ١٦٦ وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤٠٨ المسلسل ٢٨٣٣٠ ، وفي التهذيب ج ٨ ، ص ٦٧ ، الرقم ٢٢٠ ، وفي الفقيه ج ٣ ، ص ٣٣١ الرقم ١٦٠٤ طبعة النجف وفي طبعه مكتبة الصدوق ج ٣ ، ص ٥١٢ الرقم ٤٧٩٧.

وفي الكافي طبعة سنة ١٣١٥ ه‍ ق ج ٢ ص ١٠٦ باب طلاق التي لم تبلغ وطلاق التي يئست من المحيض ، الحديث ٥ ، وفي طبعه الآخوندى ج ٦ ص ٨٥. وفي الكافي بعد ذلك : وقد روى ان عليهن العدة إذا دخل بهن ، والحديث في المرآة ج ٤ ، ص ١٠ وفيه : انه حسن على الظاهر وقد يعد مجهولا وآخره مرسل.

قلت : مراده بآخره : الجملة التي فيها وقد روى ان عليهن العدة إذا دخل بهن ولكن في أول الحديث أيضا إرسال فإن التعبير فيه عن بعض أصحابنا ولعله لأجل ذلك عبر بقوله : وقد يعد مجهولا.

وعلى أى ففي الإسناد في الكتب الثلاثة الكافي والتهذيب والفقيه قليل تفاوت ، والحديث في الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٣٨.

٥٨

امام ، ويمكن حملها مع سابقتها على من يكون في سنّ من تحيض كما قاله الشيخ في التهذيب ثم قال : والذي ذكرناه ـ وهو حمل خبر أبي بصير على من يكون مثلها تحيض لانّ الله تعالى شرط ذلك وقيّده بمن يرتاب بحالها ـ مذهب معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهائنا وجميع فقهائنا المتأخّرين.

ويؤيّد حمل الشيخ ما رواه محمّد بن حكيم (١) عن العبد الصّالح عليه‌السلام قلت له : الجارية الشّابّة التي لا تحيض ومثلها تحمل طلّقها زوجها قال : عدّتها ثلاثة أشهر.

ونقل الكليني في الكافي عن ابن سماعة : انّه كان يأخذ بظاهر رواية أبي بصير ويحمل الأخبار الواردة بعدم العدّة على الإماء فإنهنّ لا يستبرين إذا لم يكنّ بلغن الحيض قال : فأمّا الحرائر فحكمهنّ في القرآن يقول الله عزوجل (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وكان معاوية بن حكيم يقول : ليس عليهنّ عدّة.

ثمّ قال : وما احتجّ به ابن سماعة فإنّما قال الله : ان ارتبتم ، وانّما فعل ذلك إذا وقعت الرّيبة بأن قد يئسن أو لم يئسن فأمّا إذا جازت الحدّ وارتفع الشك فإنّها قد يئست ، أو لم تكن الجارية بلغت الحدّ فليس عليهن عدّة. انتهى كلامه رفع الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب العدد ، الحديث ٨. وهو في طبعه الأميري ج ٣ ، ص ١٦٧ ، وفي طبعه الإسلامية ج ١٥ ، ص ٤١٢ المسلسل ٢٨٣٤٢ ، والحديث في الكافي طبعة سنة ١٣١٥ ه‍ ق ج ٢ ، ص ١١٠ باب عدة المسترابة ، الحديث ٢ ، وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ٩٩ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ٢٤ وفيه : انه ضعيف على المشهور.

قلت : وذلك لكون سهل في طريقه وقد عرفت بما لا مزيد عليه في تعاليقنا على مسالك الافهام ج ١ ، ص ٣٥٢ انه يعد من المعتبر ، وروى الحديث في الفقيه ج ٣ ، ص ٣٣١ الرقم ١٦٠٣ طبعة النجف ، وفي طبعه مكتبة الصدوق ج ٣ ، ص ٥١٢ الرقم ٤٧٩٨ ، وفي التهذيب ج ٨ ، ص ١١٧ الرقم ٤٠٥ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٧٧ وفي ألفاظ الحديث في الكتب الثلاثة الفقيه والكافي والتهذيب قليل تفاوت يظهر بالمراجعة.

٥٩

مقامه وهو موافق لما يذهب اليه وكفى بمثله مرجّحا.

(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) من المطلقات كما يقتضيه سياق الكلام ، فإنّه في عدد المطلقات سابقا ولا حقا (أَجَلُهُنَّ) تنتهي عدّتهنّ (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) فمتى وضعت بعد الطّلاق خرجت من العدّة وعلى هذا يدخل المتوفّى عنها لو تقدّم الوضع فيها على المدّة المتربّص فيها بإجماع علمائنا.

وقال العلّامة : انّ الحامل المتوفّى عنها زوجها داخلة في الآية نظرا الى عموم اللّفظ للمطلّقات والمتوفّى عنهنّ فيعمل بعمومه حتّى نقل عن جماعة منهم خروج عدّة الوفاة بوضع الحمل وان كان الزّوج بعد على المغتسل.

قال القاضي : والمحافظة على عمومه أولى من محافظة عموم قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) الآية لأنّ عموم أولات الأحمال بالذات وعموم أزواجا بالعرض والحكم معلّل هنا بخلاف ثمّة ولانّه صحّ انّ سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بليالي فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : قد حللت فتزوّجي. ولأنّه متأخّر النّزول فتقديمه تخصيص وتقديم الآخر بناء للعامّ على الخاصّ والأوّل راجح للوفاق عليه.

قلت : في كلّ الوجوه نظر :

امّا الأوّل فلانّ معنى قوله (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) الى آخره انّ كلّ زوجة يتوفّى عنها زوجها فعدّتها كذا ودخول الزّوجة الحامل المتوفّى عنها في ذلك ممّا لا يرتاب فيه بخلاف دخولها في أولات الأحمال خصوصا بعد ملاحظة كون سياق الآية يقتضي كونها في المطلقات لكون ما قبلها وما بعدها كذلك ، ومثل هذا مرجّح للمحافظة على عموم والذين يتوفّون الآية ، دون عموم وأولات الأحمال ، وكون العموم بالذات أو العرض لا يظهر له كثير أثر بعد فهم العموم على حدّ سواء فتأمّل.

وامّا الثّاني فلان علّة الحكم هنا بالنّصّ وهو ظاهر واستنباط العلّة منه لا اعتبار به ، على انّ الظّاهر انّ أمر العدّة تعبّديّ غير معلوم الوجه كالكفّارات والتعزيرات وان ترتّب عليه في بعض الأوقات براءة الرّحم ومن ثمّ تجب العدّة

٦٠