مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

الشيخ في الخلاف إظهار العمل الصّالح في قبول شهادته وقال : إذا أكذب نفسه وتاب لا تقبل شهادته حتّى يظهر منه العمل الصّالح وهو ظاهره في المبسوط ونقل عن جماعة الاجتزاء بالتّوبة في قبول الشهادة ، ثم قال : لا بدّ من صلاح العمل لظاهر الآية.

قال العلّامة في المختلف : والتحقيق أنّ النّزاع هنا لفظيّ فإنّ البقاء على التّوبة شرط في قبول الشّهادة وهو كاف في إصلاح العمل لصدقه عليه وهو جيّد ، وقد وقع مثل هذا اللّفظ بعد التّوبة في مواضع كثيرة من القرآن المجيد.

(فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهو كالعلّة للاستثناء وقد اختلف في هذا الاستثناء هل يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط أو إلى الجميع فذهب الشّافعي إلى انّه يرجع إلى الجميع وقالت الحنفيّة يرجع إلى الجملة الأخيرة وتحقيق ذلك في الأصول وتتفرّع على مذهب الشّافعيّ أنّ القاذف إذا تاب وحسنت حاله قبلت شهادته فيكون الأبد مصروفا إلى مدّة كونه قاذفا وهي منتهى التّوبة والرّجوع عن القذف.

ويتفرّع على مذهب أبي حنيفة عدم قبول شهادته وان تاب والأبد عنده مدّة حياته والّذي اخترناه في الأصول انّه راجع إلى الأخيرة فقط فيكون في محلّ النّصب على الاستثناء من الفسّاق ومقتضاه عدم فسقهم بعد التّوبة وهو يوجب قبول شهادتهم لانّ المانع من القبول الفسق فمع زواله يثبت الحكم.

وأنكر أبو حنيفة قبول الشهادة من القاذف وان تاب إلى آخر العمر أخذا بظاهر قوله : ابدا ، فانّ ظاهره مدّة حياته لعدم رجوع الاستثناء إلى الجملة الثّانية والّا كان مجرورا بالبدليّة لكونه من كلام غير موجب فيلزم أن يكون في حالة واحدة معربا بإعرابين مختلفين وهو لا يصحّ.

ويجاب عمّا ذكره : أنّ قوله أبدا محمول على ما إذا لم يتب كما اقتضته الأدلة ولعموم قبول شهادة غير الفاسق من عدول المؤمنين ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له ، وعدم رجوع الاستثناء إلى الثّانية لا يقتضيه بل يكفى فيه رجوعه إلى الأخيرة فإنّه إذا صحّ عدم فسقهم بعد التّوبة وخروجهم عن المعصية بها لزم قبول شهادتهم كما في غيرهم.

٢٠١

لا يقال : نقل في مجمع البيان انّ رجوع الاستثناء إلى الجملتين من قول أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام وهو ينافي ما ذكرتم لوجوب العمل بقولهما.

لأنّا نقول : ليس معناه انّه راجع إليهما بحسب التّركيب واللّفظ بل حسب المآل والمسألة ويجوز أن يكون متعلّقا بهما هنا لخصوصيّة النّصّ والعلم بكون الحكم كذلك. وقد يكلّف في صحّته أيضا بأن يكون قبل هذا الاستثناء استثناء آخر راجع إلى الجملة الثّانية لكنّه حذف بقرينة المذكور ، أو لعدم كونه منصوبا هنا وكون المختار الرّفع إنّما هو فيما لا محذور فيه وتمنع اعراب الشيء الواحد بإعرابين متوافقين فتأمّل.

ولعلّ تصحيح قول الشّافعيّ برجوع الاستثناء إلى الجملتين يكون بذلك وإلّا فالمحذور أعنى لزوم ورود عاملين على معمول واحد على ذلك التقدير ثابت وقد اتّفق الجميع على عدم رجوعه إلى الأولى هنا لأنّ التّوبة لا تسقط الجلد الّذي هو حقّ النّاس.

وممّا يبطل قول الحنفيّة بعدم قبول شهادته بعد التّوبة : انّ الكافر إذا تاب قبلت شهادته وليس القذف بأعظم منه بل أسهل قطعا ، وأيضا الزّاني إذا تاب قبلت شهادته والقاذف أسهل منه إذ هو أخفّ ذنبا إذ الرّمي بالفاحشة أسهل من فعلها وهو ظاهر.

وقد ادّعى الطبرسي في مجمع البيان في الصّورتين الإجماع ، وأيضا أنّ أبا حنيفة يقبل شهادته قبل الحدّ فبعده وقد تاب وحسنت حاله أولى وأيضا الكافر إذا قذف بالزّنا غيره وفعل أيضا من أنواع المحرّمات ويتوب عن الكفر تقبل شهادته بالإجماع فالتّائب من القذف وحده أولى.

وما أجاب به في الكشاف من أنّ المسلمين لا يعبأون بسب الكفّار لأنّهم شهروا بعداوتهم والطّعن فيهم بالباطل فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشّنار ما يلحقه بقذف مسلم مثله فشدّد على القاذف من المسلمين. فلا يخفى ما فيه من التّكلّف الّذي لا يجدى نفعا مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.

٢٠٢

وجميع ما يتعلّق بكيفيّة الجلد من كونه قائما والمرأة قاعدة وكون ثيابه عليه ونحوها يعلم من الفروع.

الثالث في حد السرقة

وفيه آيتان وهما :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) مرفوعان على الابتداء خبره (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) بتأويل مقول في حقّهما ذلك إذ الإنشاء انّما يكون خبرا بالتأويل وصحّ دخول الفاء في الخبر لكونه بمعنى الّذي سرق والّتي سرقت.

وقال سيبويه وجماعة من النّحاة : إنّ ما ذكر جملتان والتّقدير فيما يتلى عليكم السّارق والسّارقة أى حكمهما والثّانية أعني قوله : فاقطعوا إلى آخره تضمّنت حكمها.

والسّرقة أخذ مال الغير خفية وتقديم السّارق على السّارقة عكس الزّانية على الزّاني ، لأنّ الغالب وجود السّرقة في الرّجال بخلاف الزّنا فانّ الغالب فيه النّساء.

والمراد بأيديهما إيمانهما إجماعا وبه قرء ابن مسعود ولذا ساغ وضع الجمع موضع المثنّى كما في صغت قلوبكما اكتفا بتثنية المضاف إليه.

اعلم أنّ كثيرا من الأصوليّين ذهب إلى أنّ الآية مجملة في كلّ من القدر الّذي يقطع به وفي حدّ ما يقطع من اليد ، والتّحقيق أنّ حمل الآية على الاجمال بعيد فانّ ذلك يستلزم كونها غير مقيّدة أصلا بل الاولى أن يقال : مقتضى الآية عموم القطع بعموم السّرقة إلّا أنّ السّنّة خصصت ذلك وبينته بالنّسبة إلى كلّ واحد من الأمرين.

وقد أنكر جماعة من العامّة التّخصيص الأوّل وأوجبوا القطع بكلّ ما سمّي سرقة قليلا كان أو كثيرا تمسّكا بالعموم ، بانّ مقادير الكثرة والقلّة غير مضبوطة والّذي يستقلّه الملك يستكثره الفقير وهذا القول بعيد عن الصّواب مخالف للإجماع والأخبار الدّالّة على اعتبار النّصاب في السّرقة.

٢٠٣

وقد اختلف العلماء في قدره والّذي عليه أصحابنا أنّ القدر الّذي يقطع به ربع دينار فصاعدا أو ما يساويه من أىّ جنس كان والأخبار الصّحيحة دلّت على ذلك وهي الّتي خصّصت ظاهر الآية به وفي بعض الأخبار أنّه يقطع في خمس دينار وفي بعضها في درهمين أيضا وهي محمولة على كون الدّرهمين تساوى ربع الدينار الذّهب في وقت السّؤال بحسب اختلاف أسعار الفضّة من الذهب وحاصله أنّه متى سرق ما قيمته ربع دينار فعليه القطع.

فلو سرق ربع دينار من الذهب وزنا ولم يبلغ قيمة المضروب فلا قطع ولو انعكس بان كان سدس دينار مصوغا قيمته ربع دينار قطع على الأقوى. وكذا لا فرق بين علمه بقيمته وشخصه وعدمه فلو ظنّ المسروق فلسا وظهر دينارا أو سرق ثوبا قيمته أقل من النّصاب فظهرت مشتملا على ما يبلغه ولو معه قطع على الأقوى لتحقّق الشّرط ولا يقدح عدم القصد إليه لتحقّقه في السّرقة إجمالا وهو كاف ولشهادة الحال أنّه لو علمه لقصده وإلى هذا القول تذهب الشّافعيّة أيضا.

وقالت الحنفية : النّصاب عشرة دراهم لما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لا قطع إلّا في ثمن المجنّ (١) والظّاهر أنّ ثمن المجنّ لا يكون إلّا عشرة دراهم (٢).

__________________

(١) وروى النسائي عن عائشة أنه قال رسول الله (ص) : لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة : ما ثمن المجن؟ ـ قالت : ربع دينار.

(٢) هكذا رواه البيهقي عن ابن عباس وغيره انه : كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرة دراهم انظر ج ٨ ، ص. وقد استوفى ابن حجر في فتح الباري الرد على الطحاوي انظر ج ١٥ ، ص ١٠٧ ـ ١١٢.

وروى الشيخ أيضا في التهذيب ج ١٠ ، ص ١٠٠ بالرقم ٣٨٧ عن يونس عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : لا يقطع السارق إلا في شيء تبلغ قيمته مجنا وهو ربع دينار. ورواه في الاستبصار ج ٤ ، ص ٢٣٩ بالرقم ٨٩٨. ورواه في الكافي ج ٢ ، ص ٢٩٩.

وروى الشيخ أيضا بالرقم ٣٩٠ من التهذيب ج ١٠ عن الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن ابن أبي حمزة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام في كم يقطع السارق؟ ـ فجمع كفيه ثم قال : في عددها من الدراهم. وهو في الاستبصار : ج ٤ ، ص ٢٣٩ بالرقم ٩٠٢. ـ

٢٠٤

وهو ضعيف ، وربّما قيل أقوال أخر لا فائدة في إيرادها.

وقد اتّفق الجميع منّا ومن العامّة على أنّ السارق إنّما يجب عليه القطع إذا سرق من حرز إلّا ما يحكى عن داود حيث قال : يقطع السّارق وإن سرق من غير الحرز وهو مردود بالإجماع سابقا ولا حقا ، وفي تعريف الحرز اختلاف بين الأصحاب فقال ابن إدريس : الّذي يقتضيه أصول مذهبنا أنّ الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عداه.

ويؤيّده ما روى عن علىّ عليه‌السلام (١) : لا يقطع إلّا من نقب نقبا أو كسر قفلا وفي الطّريق ضعف (٢). وزاد بعضهم على ذلك ما كان مراعى بالنظر لقضاء العادة بإحراز كثير من الأموال بذلك وفيه نظر إذ مع المراعاة بالنّظر لا يحقّق السّرقة لأنّها لا يكون إلّا سرّا ومع الغفلة عنه ولو نادرا لا يكون مراعى فلا يتحقّق إحرازه بها ، وللشّيخ قول بانّ الحرز كلّ موضع لا يكون للغير التّصرف فيه بالدّخول إلّا باذنه وينتقض بالدار المفتوحة الأبواب في العمران وصاحبها ليس فيها وقيل غير ذلك.

والأظهر ما قاله الشيخ في المبسوط : أنّ معرفة الحرز مأخوذة من العرف فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع لانّه ليس بحرز وهو يختلف باختلاف الأحوال فحرز الأثمان والجواهر الصّناديق المقفّلة والاغلاق الوثيقة في العمران وحرز الثّياب وما خفّ من المتاع وآلات النّحاس الدّكاكين والبيوت المقفّلة في العمران أو خزانتها المقفّلة والإصطبل حرز الدّابة مع الغلق وحرز الماشية في المرعى عين الرّاعي على ما تقرّر ومثله متاع البائع

__________________

ـ قال الشيخ : ولا ينافي ما قدمناه من أن حد ما يقطع السارق فيه ربع دينار لأنها لا يمتنع ان تكون قيمة الدراهم التي أشار إليها كانت ربع دينار.

(١) انظر التهذيب ج ١٠ ، ص ١٠٩ الرقم ٤٢٣. والاستبصار : ج ٤ ، ص ٢٤٣ الرقم ٩١٨. واللفظ فيهما : «لا يقطع الا من نقب بيتا أو كسر قفلا».

(٢) لما فيه : «النوفلي عن السكوني» لكنا قد قوينا في بعض حواشينا على الكنز والمجلدات السابقة من الكتاب اعتبار مثل هذه الأحاديث.

٢٠٥

في الأسواق والطّرقات والجيب والكمّ الباطنان حرز لا الظّاهران وتمام الكلام يعلم من الفروع.

وأما حدّ ما يقطع عندنا فهو من أصول الأصابع ويترك له الرّاحة والإبهام ، ورواه أصحابنا عن أئمّتهم عليهم‌السلام ورواه العامّة أيضا عن على عليه‌السلام ، وإطلاق اليد على ذلك كثير قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ولا خلاف في أنّ الكاتب لا يكتب إلّا بأصابعه وعلى هذا فيكون في هذا الحمل قد وفينا الظاهر حقّه وما زاد عليه يحتاج إلى دليل إذ هو باق على التّحريم لما فيه من إدخال الضّرر والتّألم على الحيوان وهو غير جائز عقلا ونقلا إلّا بدليل يقطع العذر.

وجمهور العامّة على القطع من الرّسغ بين الكفّ والسّاعد ، ويحكى عن الخوارج القطع من المنكب أخذا بظاهر اليد وهما بعيدان غير واضحي الوجه بعد ورود الدّليل على قطع القدر المذكور.

(جَزاءً بِما كَسَبا) نصب على أنّه مفعول له وكذا قوله : نكالا من الله ويحتمل انتصابهما على المصدر الّذي دلّ عليه (فَاقْطَعُوا) لانّ معنى فاقطعوا جازوهم ونكلوا بهم عقوبة على ما فعلاه.

(وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قادر على الانتقام فيعاقب بحكمته في الدنيا بشرع الحدّ وفي الآخرة بعذاب النّار. واحتجّت الحنفيّة بظاهر هذه الآية على أنّ القطع والغرم لا يجتمعان لانّه تعالى قال (جَزاءً بِما كَسَبا) والجزاء هو الكافي فيكون القطع كافيا في جناية السّرقة.

وأجيب بالإجماع على وجوب ردّه لو كان قائما فمع التّلف يلزم الضّمان ومن هنا قال الأكثر باجتماعهما لعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّى»

__________________

(١) الترمذي البيوع ٣٩ وابن ماجة الصدقات ٥ احمد ج ٦ ، ص ٨ عن الحسن عن سمرة أن النبي (ص) قال : على اليد ما أخذت حتى تؤديه. وقال ابن بشير : حتى تؤدى. ج ٥ ، ص ١٢ : على اليد ما أخذت حتى تؤدى. وص ١٣ : على اليد ما أخذت حتى تؤديه. ثم نسي الحسن قال : لا يضمن. وفي ترك الاطناب ص ١٤٥ الرقم ٢٢٢ : على اليد ما أخذت ـ

٢٠٦

وقد اجتمع في هذه السّرقة أمران وحقّ الله تعالى لا يضيع حقّ العباد ولهذا يجتمع الجزاء والقيمة في الصيد الملوك.

(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) أي أقلع وندم على ما كان فيه من فعل الظّلم بالسّرقة.

(وَأَصْلَحَ) أي فعل الصالح بعد التّوبة ، وقد عرفت أنّ الظّاهر من مثله الاستمرار عليها والجدّ في النّدامة والعزم عليها إذ لا يجب في قبول التّوبة غيرها للأصل لكن لا يخفى أنّه ليس المراد الاقتصار على التّوبة من دون الإتيان بالأفعال الواجبة عليه إذ هو لا يخلو في كلّ حال من واجب بل المراد الإتيان بالواجبات عليه بعد التّوبة وظاهر أنّ العمل الصّالح لا يزيد على ذلك.

وقيل : معناه وأصلح أمره بالتفصي من التّبعات وردّ السّرقة إلى أهلها وهذا من شرائط الصّحة (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أى يقبل توبته تفضّلا منه كما يدلّ

__________________

ـ حتى تؤديه وفي كلمات شهاب القضاعي ص ١٢١ الرقم ٢٢٠. وج ٢ ص ٦٩ ، الرقم ١٧٦٨ كشف الخفاء : على اليد ما أخذت حتى تؤديه ، مع شرح له للحديث.

تحفة الاحوذى ج ٢ ، ص ٢٥٢ مع كلام له. فيض القدير ج ٤ ، ص ٣٢١ الرقم ٥٤٥٥ : على اليد ما أخذت حتى تؤديه عن سمرة حم ٤ ك كلهم عن الحسن عن سمرة ، كنز العمال ج ١٠ ، ص ٣٢٥ الرقم ١٧٣٠ : على اليد ما أخذت حتى تؤديه عن سمرة حم ٤ ك عن سمرة. منتخب كنز العمال ج ٤ ، ص ٨٦ مسند : على اليد ما أخذت حم ٤ ك عن سمرة.

وانظر مستدرك الوسائل ج ٢ ، ص ٥٠٤ عن عوالي اللئالى : وروى سمرة عنه انه قال : على اليد ما أخذت حتى تؤدى. ورواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره عنه وفيه : «حتى تؤديه» وهو في المستدرك أيضا ج ٣ ، ص ١٤٦. وفي المبسوط في كتاب الغصب ج ٣ ، ص ٥٩ عن الحسن عن سمرة أن النبي (ص) قال : على اليد ما أخذت حتى تؤدى. وفي الخلاف كتاب الغصب المسألة ٢٢ ، ج ٢ ، ص ١٧٣ : وروى سمرة أن النبي (ص) قال : على اليد ما أخذت حتى تؤديه. وفي المهذب البارع في كتاب الوديعة والعارية : وروى سمرة عنه انه قال : على اليد ما أخذت. وفي الغنية في كتاب التجارة في فصل الغصب : على اليد ما قبضت حتى تؤدى.

٢٠٧

عليه قوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والمراد أنّه يسقط عقابه عن المعصية فلا يعذّبه في الآخرة بها أمّا العذاب في الدّنيا يعنى القطع فظاهر المبسوط أيضا لعموم فمن تاب الآية فإنّ ظاهرها عدم تعذيبه بعد التّوبة ولا شكّ أنّ قطع اليد تعذيب فعلى هذا متى تاب السّارق قبل قيام البيّنة عليه سقط عنه القطع ووجب عليه ردّ السّرقة ولا خلاف في ذلك بين أصحابنا أمّا لو كانت التّوبة بعد قيام البيّنة فليس للإمام العفو بل يتعيّن عليه إقامة الحدّ. ولو تاب بعد إقراره مرّتين بالسّرقة عند الحاكم فانّ بين أصحابنا في سقوط القطع هنا اختلافا.

وقال الشّيخ في النهاية : يجوز للإمام العفو عنه في هذه الصّورة إذا كان العفو أردع في الحال ، فاما ردّ السّرقة فإنّه يجب على كلّ حال وأنكره ابن إدريس ومنع من العفو هنا لما فيه من تعطيل حدود الله قال : وحمله على الإقرار بالزّنا الموجب للرّجم قياس لا نقول به واختار العلّامة في المختلف الأوّل وحكم بانّ العفو هنا ليس من باب القياس بل من طريق الأولويّة فإنّ التّوبة إذا سقطت تحتم أعظم الذنبين أسقطت تحتّم أضعفهما بطريق أولى.

ويؤيّده ما روى (١) عن بعض الصّادقين عليهم‌السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأقرّ بالسّرقة فقال له علىّ عليه‌السلام : أتقرأ شيئا من كتاب الله؟ ـ قال نعم سورة البقرة قال : قد وهبت يدك لسورة البقرة. فقال الأشعث : أتعطل حدّا من حدود الله؟ فقال : وما يدريك؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو لقوله (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) وإذا أقرّ الرّجل على نفسه فذاك إلى الامام إن شاء عفى وإن شاء قطع. وأكثر العامة على عدم العفو وتعيّن القطع مطلقا.

__________________

(١) انظر التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٢٩ ، الرقم ٥١٦. والاستبصار : ج ٤ ، ص ٢٥٢ الرقم ٩٥٥. والفقيه : ج ٤ ، ص ٤٤ ، الرقم ١٤٨.

٢٠٨

الرابع حد المحارب

وفيه آيتان وهما :

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أى يحاربون أوليائهما وهم المسلمون جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما لشأنهم ويحتمل أن يكون المراد محاربتهما أنفسهما باعتبار عدم سماع النّهى عن المحاربة وكأنّهم حاربوا النّاهي عن ذلك. وأصل الحرب السّلب والمراد بهم كلّ من شهر السّلاح في البرّ أو البحر ليلا أو نهارا في المصر أو خارجها لإخافة النّاس ولا يكفى مطلق الإخافة بل الإخافة من القتل بقصد أخذ المال غيلة وجهرا بحيث لو لم يخفه ويترك المال له لقتله وأخذ ماله.

وهل يعتبر كونه من أهل الرّيبة قيل نعم واختاره الشّيخان والأكثر على العدم لعموم النّصّ وأصالة عدم التّخصيص ، والحكم عامّ في الرّجال والنّساء عند الشّيخ وأكثر الأصحاب ، وأخذ ابن الجنيد بالظّاهر فخصّ الحكم بالرّجال ووافقه ابن إدريس في ذلك قال : ولم أجد لأصحابنا المصنّفين قولا في قتل النّساء في المحاربة.

والّذي يقتضيه أصول مذهبنا ألّا يقتل الّا بدليل قاطع فامّا التمسّك بالاية فضعيف لأنّها خطاب للذّكران دون الإناث ومن قال يدخل النّساء في خطاب الرّجال على طريق التّبع فذلك مجاز والكلام في الحقائق.

فأمّا المواضع الّتي دخلن في خطاب الرّجال فبالإجماع واختار العلّامة في المختلف الأوّل واحتجّ عليه بصحيحة محمّد بن مسلم (١) عن الصّادق عليه‌السلام قال : من شهر

__________________

(١) انظر التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٣٢ ، الرقم ٥٢٤. والاستبصار : ج ٤ ، ص ٢٥٧ الرقم ٩٧٢. والكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٧ باب حد المحارب الحديث ١٢. والحديث طويل.

وهو في المرآة ج ٤ ، ص ١٨٢. وفيه : «صحيح».

ومن ثم قال عبد القدوس :

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها

فلسنا من الاحياء فيها ولا ميتا.

٢٠٩

السّلاح في مصر من الأمصار فعقر اقتصّ منه (الحديث) ولفظة من يتناول المذكّر والمؤنّث بالحقيقة إجماعا وفي هذا الاستدلال نظر فانّ من وان كانت للعموم إلّا أنّ ظاهر الآية خاصّ كما عرفت فليحمل عليه.

وبالجملة فالحكم لا يخلو من إشكال والمراد بالسّلاح ما يشمل نحو العصا ممّا يحصل به الأخذ بالقوّة لعموم الآية وبالجملة تجريد السّلاح وشهرته لا يعتبر في صدق المحارب بل يصدق ولو اقتصر على الحجر والعصا ونحوهما مما يترتّب عليه الأخذ بالقوّة أمّا اعتبار كونه خارج المصر فهو قول أبي حنيفة وأصحابه وظاهر الآية يدفعه.

(وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أى مفسدين فانتصابه على الحالية ويجوز نصبه على العلية أو على المصدريّة لانّ سعيهم كان فسادا فكأنّه قيل ويفسدون في الأرض فسادا.

(أَنْ يُقَتَّلُوا) خبر جزاء الّذين اى يقتلون قصاصا أو حدّا على تقدير العفو من غير صلب هذا ان اقتصروا على النّفس.

(أَوْ يُصَلَّبُوا) اى يصلبوا مع القتل ان قتلوا وأخذوا المال واختلف في كون الصّلب حيّا أو مقتولا فشيخنا المفيد في القواعد وجماعة من الأصحاب على الأوّل وقال الشّيخ في النّهاية : لا يجوز صلبه حيّا بل يقتل ثمّ يصلب.

وظاهر الآية يعطى الأوّل لأنّه تعالى جعل الصّلب غير القتل وخيّر في ذلك بقوله : (أو) الدّالة على التّخيير في لسان العرب فاقتضى ذلك أن يكون قتله بالصّلب ولا ينافيه ما في رواية عبد الله المدايني عن الصّادق عليه‌السلام : وان قتل وأخذ المال قتل وصلب» الحديث لانّ الواو لا تفيد التّرتيب.

(أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) وهذا ان أخذوا المال ولم يقتلوا ، وقطع الخلاف أن يقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ويتركوا حتّى يموتوا وفي الآية إجمال بالنّسبة الى ذلك إذ يجوز أن يكون المراد العكس وكذا فيها إجمال بالنّسبة

٢١٠

الى القطع ويمكن اعتبار ما يقطع في حدّ السّرقة (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) ان اقتصروا على الإخافة من غير أن يأخذوا مالا أو يقتلوا أو يخرجوا والمراد نفيهم من بلد الى بلد بحيث لا يتمكّنوا من الفرار الى موضع ولا يطعمونهم ولا يمكّنوهم من الدّخول الى بلاد الشّرك ويقاتل المشركون ان مكّنوهم منه.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : النّفي هو الحبس لأنّ الطّرد من جميع الأرض غير ممكن والى بلدة اخرى استضرار بالغير والى دار الكفر تعرّض للمسلم بالرّدة فلم يبق الّا أن يكون المراد الحبس لانّ المحبوس لا ينتفع بشيء من طيّبات الدّنيا فكأنّه خارج عنها ومن ثمّ قال عبد القدّوس حين حبسوه على ما اتّهموه من الزّندقة :

خرجنا من الدّنيا ونحن من أهلها

فلسنا من الأحياء فيها ولا ميتا

والأظهر ما قلناه لظهور النّفي في ذلك لا فيما قالوه.

وقد تبيّن ممّا ذكرنا أن أو في الآية لاختلاف الأحكام بالنّسبة إلى الجنايات على ما قلناه من التّفصيل وهذا عند بعض الأصحاب استنادا الى بعض الرّوايات الدالّة عليه لكنّها لا تخلو من ضعف في السّند والجهالة واختلاف في المتن يقصر بسببه عن افادة ما يوجب الاعتماد عليه ومع ذلك لا يجتمع جميع ما ذكر من الأحكام في رواية منها وانّما يتلفّق كثير منه من الجميع وبعضها لم نقف فيه على رواية ولذا اختلف كلام الشّيخ :

ففي الخلاف ذكر قريبا ممّا ذكرناه وفي النّهاية أوجب القطع مع القتل والصّلب على تقدير قتله وأخذه المال. ومن هنا ذهب جماعة من الأصحاب الى أنّ الآية محمولة على التّخيير بمعنى انّ الامام مخيّر بين المذكورات في كلّ محارب وهذا هو الظّاهر من الآية كما تقتضيه كلمة أو وما روى صحيحا أنّ أو في القرآن للتّخيير حيث وقع ، رواه حريز في الصّحيح وقد تقدّم.

ولخصوص حسنة (١) جميل بن درّاج عن الصّادق عليه‌السلام حيث سأله عن قول

__________________

(١) انظر التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٣٣ ، الرقم ٥٢٨. والاستبصار : ج ٤ ، ص ٢٥٦ ، ـ

٢١١

الله عزوجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ ...) الآية أي شيء عليهم من هذه الحدود الّتي سمّى الله عزوجل؟ ـ قال : ذاك الى الامام ان شاء قطع وان شاء صلب وان شاء نفى وان شاء قتل قلت : النّفي إلى أين؟ قال : النّفي من مصر الى مصر آخر ونحوها من الاخبار.

والتّخيير المذكور انّما هو إذا لم يقتل فلو قتل تحتّم قتله ولم يكتف بغيره من الحدود سواء قتل مكافئا أولا وسواء عفا عنه الوليّ أولا وقد صرّح بذلك القائلون بالتّخيير.

(ذلِكَ) اى ما أوجبناه من الجزاء (لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) ذلّ وفضيحة فيها (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) لعظم ذنوبهم.

وفي الآية دلالة واضحة على انّ اقامة الحدود لا يوجب تكفير المعاصي لأنّه تعالى بيّن أنّ لهم في الآخرة العذاب مع ذلك الخزي في الدنيا ولو كان يسقط العقاب لما كان كذلك.

والمراد انّهم يستحقّون العذاب لا أنّ ذلك ممّا يجب أن يفعل بهم لا محالة وحينئذ فيجوز أن يتفضّل الله عليهم بإسقاط ما يستحقّونه ، وخالف هنا الوعيديّة وقطعوا بعذاب هؤلاء وفيه نظر.

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) مستثنى ممّا تقدّم اى تابوا قبل أن يؤخذوا أو يظفروا بهم. (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يقبل توبتهم ويدخلهم الجنّة. ومنطوق الآية أنّ التّوبة قبل القدرة تسقط الحدّ ومقتضى المفهوم انّهم لو تابوا بعد القدرة عليهم اي بعد سقوطهم في يد الإمام فإنّ التوبة لا أثر لها في سقوط الحدّ وهو كذلك إجماعا.

والمراد أنّ السّاقط بالتّوبة حق الله تعالى فامّا ما يجب من حقوق الآدميّين

__________________

ـ الرقم ٩٧٠. والكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٧ باب حد المحارب ، الحديث ٣. والمرآة ج ٤ ، ص ١٨٢.

٢١٢

كالقصاص في النّفس أو الطّرف أو الجرح أو أخذ المال فإنّه لا يسقط لأنّها حقوق الآدمي والتّوبة لا تسقطها وربّما خالف أكثر العامّة هنا فلم يوجبوا الضّمان كما في السّارق وقد تقدّم. ولو تاب بعد الظّفر فالظّاهر قبول توبته وان لم يسقط عنه القتل ونحوه من حدود الله في الدّنيا نعم يسقط بها عقابه في الآخرة.

٢١٣

كتاب الجنايات

(القصاص)

وفيه آيات

الاولى ـ (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) إشارة إلى قتل أحد ابني آدم أخاه ظلما ، والأجل في الأصل بمعنى الجناية يقال : أجل عليهم شرّا يأجله أجلا إذا جنى عليهم جناية وفي هذا المعنى قيل جرّ عليهم جريرة ثمّ قيل فعلت ذلك من جراك ومن أجلك أي من أن جررت وجنيت كأنّه يقول : أنت جررتني الى ذلك وأنت جنيت على هذا ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ تعليل ومن ابتدائية تتعلّق بقوله :

(كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي ابتداء الكتب وإنشاؤه من أجل ذلك والمعنى انّا لذلك قضينا على بني إسرائيل. واحتمل بعضهم أن يكون مأخوذا من الأجل بمعنى المدّة المضروبة للشيء فإنّ من لابتداء الغاية فكأنّه قال : من الزّمان الّذي وقع ذلك القتل فيه كتبنا عليهم.

(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) بغير قتل نفس يوجب القصاص (أَوْ) قتل نفسا بغير (فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) فساد حاصل منها في الأرض فاستحقّت بذلك قتلها لافسادها.

وفسّر الإفساد بالشّرك أو المحاربة وحينئذ يندفع إجمال الآية فإنّها مع الإطلاق مجملة إذ ليس كلّ ما يكون فسادا يوجب القتل نعم يوجبه الفساد المستلزم لإقامة حدّ القتل.

(فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) من حيث انّه هتك حرمة الدّماء وسنّ القتل وجرى النّاس عليه فكان بمنزلة المشارك فيه ، أو من حيث انّه قتل الجميع والواحد سواء في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم وان تفاوت ذلك بالكيفية ، أو من حيث

٢١٤

انّه يوجب عليه من القصاص بقتلها مثل ما يجب عليه لو قتل النّاس جميعا ، أو من حيث أنّ كلّ شخص آدم وقته يمكن أن يتولّد منه خلق كثير فمن أهلكه فكأنّه أهلك الجميع كذا قيل.

(وَمَنْ أَحْياها) ومن تسبّب لبقاء حياتها بعفو عن قصاص ومنع عن القتل أو استنقاذ عن بعض أسبابه مثل الحرق والغرق والهدم ونحوها.

(فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) في ترتّب الثّواب لأنّه في اسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كلّ واحد منهم. والمقصود من ذلك تعظيم قتل النّفس وإحياءها في القلوب ترهيبا عن التّعرض لها وترغيبا في المحاماة عليها لا أنّ المقصود التّشبيه حقيقة ، وهذا الحكم وان كان في شريعة موسى عليه‌السلام إلّا أنّ أخبارنا عن أهل العصمة متظافرة به وعليه إجماع الأمّة فهو في شرعنا أيضا.

الثانية :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ) اى فرض أو وجب أو كتب في اللّوح المحفوظ.

(عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) اى المساواة في جناية القتل بينكم بمعنى أنّ القاتل منكم عمدا يفعل به ما يفعل بالمقتول فلا يأبى عن ذلك وليسلم نفسه إلى أولياء المقتول لو أرادوا قتله. ولا خلاف في انّ المراد به قتل العمد لانّه هو الّذي يوجب القصاص دون الخطا وشبه العمد.

(الْحُرُّ بِالْحُرِّ) اى مقتول أو مأخوذ به فهو مبتدأ أو خبر وكذا قوله :

(وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) قيل كان في الجاهليّة بين حيّين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الأخر وقوّة فأقسموا لنقتلنّ الحرّ منكم بالعبد منّا والذكر بالأنثى منا فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت فأمرهم أن يتساووا ، اى يتساووا في القتل.

ومقتضى الآية اشتراط التماثل في وجوب القصاص فعلى هذا لا يجب قتل الحرّ بالعبد والذّكر بالأنثى كما ذهب إليه أصحابنا الإماميّة وتابعهم على ذلك الشّافعيّة والمالكيّة وجماعة وقد اعترف صاحب الكشّاف مع كونه من الحنفيّة بانّ ذلك ظاهر

٢١٥

من الآية ولعلّ الوجه فيه كونها بيانا للقصاص المكتوب وظهور سبب النّزول في أنّ المراد عدم التّعدي عن ذلك. وأنكر القاضي دلالتها على ذلك وقال : إنّها لا تدلّ على أن لا يقتل الحرّ بالعبد والذّكر بالأنثى كما يدلّ على عكسه فانّ المفهوم انّما يعتبر حيث لم يظهر للتّخصيص غرض سوى اختصاص الحكم وقد بيّنا ما كان الغرض.

ثم قال : وأمّا منع مالك والشّافعيّ قتل الحرّ بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره فلما روى عن علىّ عليه‌السلام : انّ رجلا قتل عبده فجلده النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : من السّنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حرّ بعبد ، ولأنّ أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحرّ بالعبد بين أظهر الصّحابة من غير نكير وللقياس على الأطراف.

قلت يمنع كونها بيانا لذلك ولو سلّم انّها بيان له فعدم وجوب قتل الحرّ بالعبد إنّما ثبت بالأصل لا بالاية ، ولانّ المفهوم منها إمّا مفهوم لقب أو وصف وكلاهما لا حجيّة فيه كما ثبت في الأصول ، ولو سلّم فهو إذا لم يكن غرض سوى اختصاص الحكم كما قاله ويجوز أن يكون الغرض هنا منع العرب من التّفاضل في أحد الجنسين بالنّسبة إلى الآخر كما يعطيه سبب نزول الآية وهو فائدة عظيمة.

وعلى هذا فيكون الغرض من ذكر الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد إلى آخره مجرّد نفى تفاضلهم أو الرّد عليهم بان لا يقتلوا الحرّ بالعبد والاثنين بالواحد وهذا المقدار يكفي لإخراج المفهوم عن الحجيّة على تقديرها لأنّه حينئذ يخرج التّخصيص عن اللّغو.

وقد يضعّف المفهوم أيضا باقتضائه عدم قتل الأنثى بالذكر وهو خلاف الإجماع إلّا أن يقال خرج ذلك بدليل وكيف كان فاخبارنا مشحونة بعدم جواز قتل الحرّ بالعبد وإجماعنا منعقد عليه وهو كاف في ثبوت الحكم ، وكما دلّ الإجماع والأخبار على عدم القتل هنا دلّا على القتل في صورة العكس.

ويمكن استفادة هذا من الآية بان يقال : إذا ثبت قتل العبد بالعبد فلأن يقتل بالحرّ أولى وكذا القول في قتل الأنثى بالذكر. ولا يردّ على أولياء المقتول شيئا في

٢١٦

الصّورتين المذكورتين وان كان المقتول أعلى من القاتل لأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ولا كلام في الصّورة الأولى أمّا الثّانية فالأخبار المتكثّرة المعتبرة الإسناد دالّة على أن ليس لأوليائه شيء سوى القتل وفي بعضها تعليل ذلك بأنّ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه.

نعم في رواية أبي مريم الأنصاريّ عن الباقر عليه‌السلام في امرأة قتلت رجلا قال : تقتل ويؤدّى وليّها بقيّة المال وقد اعترف الشّيخ بشذوذها ومخالفتها لظاهر الكتاب أعنى قوله : النّفس بالنّفس.

قلت : وفيها ضعف السّند أيضا فانّ في سندها معاوية بن حكيم وعلىّ بن الحسن بن رباط وحالهما غير خفيّة مع أنّها لا قائل بها من الأصحاب بل يظهر من الشّهيد في شرح الإرشاد دعوى الإجماع على العدم. وامّا قتل الذكر بالأنثى وإن لم يكن ظاهرا من الآية فإجماعنا منعقد عليه وأخبارنا متظافرة به ولكن هنا يجب أن يردّ وليّها على أولياء المقتول نصف ديته لانّ ديته ضعف ديتها.

والأكثر من المفسّرين على أنّ هذه الآية محكمة غير منسوخة وعلى ذلك أصحابنا أجمع وقالت الحنفيّة : انّها منسوخة بقوله (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لاقتضائه وجوب قتل الحرّ بالعبد والذكر بالأنثى ويستدلّون عليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المسلمون تتكافأ دمائهم ، وبأنّ التّفاضل غير معتبر في الأنفس مع زعمهم دلالة الآية السّابقة على عدم القتل في الصّورتين المذكورتين بالمفهوم.

وقولهم هذا مدفوع من وجوه امّا أوّلا فلانّ آية النّفس بالنّفس حكاية ما في التّوراة على أهلها وليس فيها ما يوجب انّه فرض علينا وهذه الآية خوطب بها المسلمون وكتب عليهم ما فيها ، فلا وجه لنسخ ما في القرآن بما في التّوراة على ذلك الوجه.

وأما ثانيا فلانّه لا عموم له بحيث ينسخ به شيء خاصّ.

واما ثالثا فلانّ حكمهم بالنّسخ هنا انما هو بالنّسبة فإنّهم يزعمون دلالة الآية المذكورة على عدم القتل في الصورتين السابقتين بالمفهوم ولا يخفى أن المفهوم على تقدير حجيته

٢١٧

دليل ضعيف لا ينسخ بالمنطوق بل يضمحلّ في مقابلته لعدم صلاحيّته للمعارضة.

واما رابعا فلانّه يمكن التّخصيص ببعض الصّور وهو أولى من النّسخ.

وقد ظهر ممّا ذكرنا انّ مراد الحنفيّة بنسخها نسخ مفهومها بالنّسبة إلى تلك الصّورتين لا منطوقها لظهور بقاء حكمها عندهم أيضا ومن ثمّ نقل القاضي عنهم الاحتجاج بها على أنّ مقتضى العمد القود وحده ثمّ قال : وهو ضعيف إذ الواجب على التّخيير يصدق عليه انّه وجب وكتب ولذلك قيل التّخيير بين الواجب وغيره ليس نسخا لوجوبه.

ولا يذهب عليك انّ احتجاج الحنفيّة بها قويّ فإنّ الظّاهر منها انّ موجب القتل عمدا هو القصاص وحده حيث اقتصر عليه امّا الدّية فغير ظاهر وجوبها منه بل وجوبها منفيّ بالأصل وكون الواجب على التّخيير يصدق عليه انّه واجب لا ينافي ذلك إذ الظّاهر المتبادر من الوجوب كونه عينيا لا تخييرا.

وما ذكره من أن التّخيير بين الواجب وغيره ليس نسخا لوجوبه حقّ فانّ النسخ رفع الحكم الشّرعيّ والثّابت قبل التّخيير أصالة عدم وجوب غير ذلك الواجب وهو حكم عقليّ فارتفاعه بالتّخيير لا يكون نسخا لأصل الوجوب نعم هو نسخ للوجوب العيني.

وبالجملة فالّذي عليه أصحابنا وأكثر العامّة انّ الواجب في قتل العمد هو القصاص وحده ولهذا لو امتنع القاتل من بذل الدّية لم يكن لأولياء المقتول المطالبة بها ولو بذلها هو من نفسه لم يجب على أولياء المقتول قبولها وكان لهم المطالبة بالقود ولو كانت واجبة تخييرا لم يكن كذلك.

وأصحابنا يستدلّون بهذه الآية على وجوب القود وحده في قتل العمد وهي ظاهرة فيه كما عرفت لانّ الواجب أحد الأمرين من الدّية والقصاص كما ذهب اليه بعض العامّة نعم لو اصطلحا على الدية جاز كما يعلم من خارج وانعقد عليه الإجماع.

(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) أي شيء من العفو وبذلك صحّ وقوعه موقع

٢١٨

الفاعل فانّ المفعول المطلق المعرّى عن التّخصيص بشيء لا يقام مقام الفاعل إذ هو مفهوم من الفعل قال في الكشاف ولا يصحّ أن يكون شيء في معنى المفعول به لانّ عفي لا يتعدّى الى مفعول به إلّا بواسطة.

قلت : يمكن أن يكون أصله عن شيء حذف الجارّ وأوصل الفعل فتأمّل.

والمراد بمن في الآية القاتل قيل وبالأخ المقتول وفي تسمية القاتل أخ المقتول دلالة علي عدم خروجه بالقتل عن أخوّة الايمان وذلك يبطل قول من اعتبر ترك المعاصي فيه ، وقيل : أراد بالأخ المعافي الّذي هو ولىّ الدّم وذكره بلفظ الاخوّة الثّابتة بينهما من الجنسيّة والإسلام ليرقّ له ويعطف عليه امّا بقبول الدّية أو العفو عنه.

(فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) امّا مبتدأ حذف خبره أو العكس اى فعلى العافي أو فالواجب اتّباع المعروف والجملة خبر الموصول والمراد لا يشدّد في الطّلب وينظره ان كان معسرا ولا يطالبه بالزّيادة على حقّه (وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) اى على المعفوّ عنه الدّفع إليه بإحسان من غير مطل ولا تأخير وهو المروي عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

وقيل : إنّ المراد فعلى المعفوّ عنه الاتّباع والأداء فلا يحوج إلى الطّلب ولا يؤخّر قال الطّبرسي في مجمع البيان : إنّ قوله شيء دليل على أنّ بعض الأولياء إذا عفى سقط القود لأنّ شيئا من الدّم قد بطل بالعفو والله تعالى قال (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ). الآية.

والضّمير في له وأخيه يرجعان الى «من» وهو القاتل اى من ترك له القتل ورضى عنه بالدّية ثمّ قال : وهذا قول أكثر المفسّرين.

قلت : وهو الظاهر من الكشاف والقاضي حيث قالا : إنّ التّعبير بشيء للإشعار بأنّ بعض العفو كالعفو التّام في إسقاط القصاص. ولا يذهب عليك أنّ هذا خلاف المشهور فيما بين أصحابنا فإنّهم يقولون : انّ عفو بعض الأولياء عن حقّه لا يسقط القود للباقين بل يجب عليهم أن يؤدّوا على المقتول سهم من عفى عنه من الدّية وبذلك روايات

عديدة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

روى الحسن بن محبوب عن أبى ولّاد عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رجل قتل وله

٢١٩

أب وابن وأمّ فقال الابن : أنا أريد أن أقتل قاتل أبي وقال الأب : أنا أعفو وقالت الأمّ : أنا آخذ الدّية قال : فليعط الابن الامّ السّدس من الدّية وورثة القاتل السّدس الأخر حقّ الأب الّذي عفى وليقتله. ونحوها.

إلّا انّها معارضة بروايات أخر دلّت على ما ذكره الطّبرسيّ من أنّ عفو بعض الأولياء يوجب سقوط القود والانتقال إلى الدّية كرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام ونحوها.

وحملها الشيخ على ما إذا لم يؤدّ من يريد القود إلى أولياء المقاد منه مقدار ما عفى فلو أدى المقدار المعفوّ عنه من الدّية إليهم جاز له القود ولم يذكر الأصحاب في هذا الحكم خلافا بل ادّعى الشهيد الثّاني عليه الإجماع.

وفيه نظر إذ الظّاهر أنّ الطّبرسي مخالف في ذلك وهو شيخ ثبت من أصحابنا وتساعده الرّوايات وفيها ما هو معتبر الاسناد ، والشّهيد في اللّمعة أسند الحكم الى المشهور.

وبالجملة فالحكم لا يخلو من اشكال لظهور الآية في ذلك وعدم صلاحيّة الرّوايات للمعارضة إذ هي في نفسها متعارضة فينبغي اطراحها والرّجوع إلى ظاهر الآية.

وما يقال : انّ الآية لا دلالة فيها على ذلك إذ معناها أنّه ليس على العافي إلّا الاتّباع وعلى المعفوّ له إلّا الأداء بإحسان ولا يفهم حكم غير المعافي فما كان له باق غير ساقط مدفوع بانّ الكلام وارد على الفعل المجهول والمعنى من ثبت في حقّه العفو عن شيء من ذلك فالواجب عليه الاتّباع بالمعروف والأداء بالإحسان وهو ظاهر في ذلك فتأمّل.

ثمّ قال في المجمع : وأمّا الّذي له العفو عن القصاص فكلّ من يرث الدّية إلّا الزّوج والزّوجة عندنا وامّا عند غير أصحابنا فلا يستثنونهما. والمراد أنّ كلّ من يرث الدّية فله العفو عن القود إلّا الزّوجين فإنّهما يرثان الدّية ولا يعتبر عفوهما عنه وهذا ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا وإن خالف فيه غيرهم كما أشار إليه.

٢٢٠