مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٤

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٥٥

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تتمة كتاب النكاح

النوع السادس

في روافع النكاح وهو أقسام :

الأول الطلاق وفيه آيات

الاولى : [الطلاق : ١] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) خاطبه وأراد أمّته (١) معه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه رئيسهم المرجوع إليه في أحكامهم وأفعالهم وأحوالهم كما هو المتعارف في الرّؤساء ، يخاطبون ويراد جميع رعيّتهم ، وعن الجبائي (٢) تقديره : يا أيّها النّبيّ قل لأمّتك (إِذا

__________________

(١) وانظر النوع الثاني والأربعين من كتاب البرهان للزركشى في وجوه المخاطبات والخطاب في القرآن ج ٢ من ص ٢١٧ الى ص ٢٥٣ ، والنوع الحادي والخمسين من الإتقان ج ٢ من ص ٣٢ الى ص ٣٦ ، وخاتمة كتاب جواهر القرآن في علوم الفرقان للحافظ التبريزي.

(٢) رواه عنه في المجمع ج ٥ ص ٣٠٣ وهو الموافق لما في التفسير المنسوب الى على بن إبراهيم في تفسيره (ط إيران ص ١٣١٥ قال : المخاطبة للنبي (ص) والمعنى الناس وهو ما قال الصادق (ع) : ان الله بعث نبيه بإياك أعنى واسمعي يا جارة ، ونقله عنه في البرهان ج ٤ ص ٣٤٥ ، ونور الثقلين ج ٥ ، ص ٣٤٧ ، وروى الشيخ في التبيان ج ٢ ، ص ٦٨٣ عن ابن عباس انه قال : نزل القرآن بإياك أعنى واسمعي يا جارة.

وفي تفسير القرطبي ج ١٧ ، ص ١٤٨.

«إذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله : يا أيها النبي ، فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى معا قال : يا أيها الرسول ، وقيل : المراد نداء النبي تعظيما ثم ابتدء». ـ

٢

طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أردتم طلاقهنّ ، وإطلاق الفعل على الإرادة القريبة منه كثير ، ومن ثمّ اعطى المشارف حكم الشّارع في الفعل ، كما أعطى حكم الماشي إلى الصّلوة حكم المصلّى ، كذا في الكشاف (١) واعتراض بعضهم لا وجه له ، والفرق بين الوجهين أنّه على الثّاني يكون النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خارجا عن الحكم.

قال الشّيخ في التّبيان (٢) : وأجمعت الأمّة على أنّ حكم النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحكم أمّته في الطّلاق واحد.

(فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) اللّام للتأقيت (٣) مثلها في (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)

__________________

ـ انتهى. قلت : وما ذكره أخيرا مثل الوجوه التي نقل في ذلك. وقد ذكرنا ابتداء استعمال إياك أعني واسمعي يا جاره في تعليقاتنا على كنز العرفان ج ١ ، ص ١٢٩. وقد نظم أمثال الميداني الشيخ إبراهيم الأحدب فقال في ج ١ ، ص ٤٠ :

يا نفس وعظي لك بالإشارة

إياك أعني واسمعي يا جارة

(١) انظر الكشاف : ج ٤ ، ص ٥٥٢.

(٢) انظر التبيان : ج ٢ ، ص ٦٨٣ طبعة إيران.

(٣) هكذا في نسختنا المخطوطة من مسالك الافهام ، وفي الكنز ج ٢ ، ص ٢٥٠ : للتأقيت والمعنى واحد فان الامت والتأميت بمعنى التقدير ويقال إلى أجل مأموت اى موقوت ولاقت بالقاف لغة في الوقت صححه جماعة ، أو إبدال ، أو لحن. والتأقيت كالتوقيت. وفي المجمع ج ٥ ، ص ٤١٤ عند شرح القراءة من الآية ١١ من سورة المرسلات (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) : وقرء أبو جعفر بالواو والتخفيف وقرء أهل البصرة غير رويس بالواو والتشديد وقرء الباقون أقتت بالألف وتشديد القاف.

وفي كتاب الكشف عن وجوه القراءات السبع لأبي محمد مكي بن ابى طالب القيسي ج ٢ ، ص ٣٥٧ : «أقتت قراءة أبو عمرو بالواو لانه من الوقت فهو الأصل إذ فاء الفعل واو ، وقرء الباقون بهمزة مضمومة بدلا من الواو لانضمامها وهي لغة فاشية فالواو إذا انضمت أولا أو ثالثة وبعدها حرف أو حرفان فالبدل فيها مطرد وذلك نحو أجوه وادؤر». انتهى وفي نثر المرجان ج ٧ ، ص ٦١ بعد نقل القرائتين.

«واما رسمه فبالالف بالاتفاق على ما صرح به الداني حيث قال في وقعت القراءة من ائمة القراء على غير مرسومهم وكذا قرائته أي قراءة أبي عمرو في المرسلات : وإذا الرسل ـ

٣

والمعنى طلّقوهن في زمان عدّتهنّ ، أي في زمان يصحّ احتسابه من العدّة ، وهو الطهر الّذي لم يواقعها فيه ، فانّ طهر المواقعة ليس من العدّة إجماعا فخرج عن كونه مرادا ، والطّلاق في الحيض لا يكون مأمورا به بل منهيّ عنه باتّفاق الأمّة ، فلم يبق إلّا الطّهر الّذي لم يواقعها فيه ، ويكون العدّة الطّهر على ما ذهب إليه أصحابنا وتابعهم الشّافعيّة فيه.

وما ذهب إليه في الكشاف من أنّ المعنى : فطلّقوهن مستقبلات لعدّتهن (١) ،

__________________

ـ وقتت بالواو من الوقت وذلك في الامام ، وفي كل المصاحف بالألف» انتهى.

ثم قال في نثر المرجان : ولا يقدح في القراءة بأنها لا يساعدها الرسم لأن القراءة بعد صحة النقل وموافقة العربية لا ضير لها بمخالفة الرسم على انه نقل رسمه بالواو أيضا قليلا كما يدل عليه قول الجزري في هامش مصحفه : وكذا هو في أكثر المصاحف انتهى يعني بالهمزة بيد أن الهمزة كافية في قرائته بالواو كما ان كسرة الجيم من جأى في سورة الفجر كافية في قرائته بالياء مع انه رسم بالألف. هذا ما سنح لي في توجيه المقام والله الموفق.

ثم اختلفوا في القاف فخففها أبو جعفر بخلاف عنه إذا قرئ بالواو وقرء الباقون بتشديد القاف من باب التفعيل فيصير فيه ثلاث قراءات بالهمزة مع التشديد ، وبالواو مع التشديد والتخفيف ، وبتطويل تاء التأنيث ساكنة على الوجوه ، وقرء ووقتت بواوين وإشباع الاولى وتخفيف القاف على زنة فوعلت من باب المفاعلة من المواقتة كذا في القاموس ولا يساعده الرسم» انتهى ما في نثر المرجان ونقل في القرطبي ج ١٨ ، ص ١٥٢ عن الجرجاني كون اللام بمعنى في مثل لأول الحشر.

(١) انظر الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٢. وقال ابن المنير في الانتصاف.

قال أحمد : حمل (بصيغة الماضي والمقصود الزمخشري) القراءتين المستفيضة والشاذة على ان وقت الطلاق هو الوقت الذي تكون العدة مستقبلة بالنسبة اليه ، وان ذلك معنى المستقبل فيها ونظر اللام فيها باللام في قولك مؤرخا الليلة : لليلة بقيت من المحرم وانما يعنى ان العدة بالحيض ، كل ذلك تحامل لمذهب أبي حنيفة في ان الأقراء الحيض ولا يتم له ذلك. فقد استدل أصحابنا بالقراءة المستفيضة وأكدوا الدلالة بالشاذة على ان الأقراء الأطهار.

ووجه الاستدلال لها على ذلك ان الله تعالى جعل العدة وان كانت في الأصل مصدرا ظرفا للطلاق المأمور به وكثيرا ما تستعمل العرب المصادر ظرفا مثل خفوق النجم ، ومقدم ـ

٤

كقولك : لقيته لثلاث بقين من الشّهر تريد مستقبلا لثلاث فتكون العدّة الحيضة الثّالثة ، فبعيد عن الظّاهر وتقديره في الكلام لا يساعد عليه دليل واضح.

وتأييده بقراءة «في قبل عدّتهنّ» (١) بعيد ، لأنّ القراءة الشّاذّة لا عمل عليها

__________________

ـ الحاج وإذا كانت العدة ظرفا للطلاق المأمور به وزمانه هو الطهر وفاقا فالطهر عدة إذا.

ونظير اللام هنا على التحقيق اللام في قوله : ويا ليتني قدمت لحيوتى. وانما تمنى ان لو عمل عملا في حياته. وقرائته عليه‌السلام في قبل عدتهن تحقق ذلك فان قبل الشيء جزء منه وفي صفة مسح الرأس فاقبل بهما وأدبر أي مسح قبل الرأس وهو مقدمها فحينئذ قبل العدة جزء منها وهو الطهر.

(١) هذه القراءة رواها مسلم عن ابن عمر كما في الصحيح بشرح النووي ج ١٠ ، ص ٦٩ ، وكذا أبو داود في السنن انظر ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، الرقم ٢١٨٥ طبع مطبعة السعادة بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، وعون المعبود ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، والنسائي ج ٦ ، ص ١٣٩.

وفي الدر المنثور ج ٦ ، ص ٢٢٩ : وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن عمران رسول الله (ص) قرأ في قبل عدتهن ، ونقل هذه القراءة في المجمع ج ٥ ، ص ٣٠٢ عن ابن عباس وابى بن كعب وجابر بن عبد الله وزيد بن على وجعفر بن محمد ومجاهد ، ونقله عن المجمع في قلائد الدرر ج ٣ ، ص ٢١٩ وفي نور الثقلين ج ٥ ص ٣٤٨.

وفي الخازن ج ٤ ص ٢٧٨ : وكان ابن عباس وابن عمر يقرءان : فطلقوهن في قبل عدتهن ونقل الطبري القراءة ج ٢٨ ، ص ٢٩ و ٣٠ عن ابن عباس ومجاهد.

وفي تفسير ابن كثير ج ٤ ، ص ٣٨٧ رواية قراءة في قبل عدتهن عن ابن عمر.

ونقل الآلوسي في ج ٢٨ ، ص ١١٤ عن ابن عباس وابن عمر في رواية عنهما انهما قرءا لقبل عدتهن. ونقله في الدر المنثور أيضا عن مجاهد. وفي الآلوسي قرائته عن ابن مسعود لقبل طهرهن وفي اللسان أيضا نقل رواية لقبل طهرهن.

وفي السنن للبيهقي ج ٧ ، ص ٣٢٣ عن ابن عمر رواية في قبل عدتهن ولقبل عدتهن وعن ابن عباس رواية قبل عدتهن ولقبل عدتهن ، وعن مجاهد لقبل عدتهن.

ثم القبل على ما ضبط إعرابه في بعض ما مر من المصادر قبل بضمتين ، وصرح به في ـ

٥

ولا حجّة بها ، لعدم كونها كتابا ولا سنّة على ما ثبت في الأصول.

ولو سلّم فهي محمولة على ما قلناه ، فانّ قول القائل : لثلاث بقين من الشّهر معناه لزمان يقع الشّروع في الثلاث عقيبه ، فكذا هنا معناه فطلّقوهنّ بحيث يحصل الشروع في العدّة عقيبه ، ولمّا كان الاذن في التّطليق حاصلا في جميع زمان الطّهر وجب أن يكون الطّهر الحاصل عقيب زمان التّطليق من العدّة ، ويؤيّد ذلك ورود التّعبير به في بعض رواياتنا مرادا به ما قلناه كما يعلم ذلك من لاحظ الأخبار.

فتلخّص ممّا ذكرناه أنّ الطّلاق في الحيض غير صحيح وانّما الصّحيح منه ما وقع في الطّهر المعلوم ، والقاضي وافقنا في بعض ما نقول (١) وخالفنا في بعض

__________________

ـ عون المعبود وفي اللسان قبل بضم القاف وسكون الباء ، وفي نثر المرجان ج ٧ ، ص ٣٨٠ بكسر القاف وفتح التاء. فلو صح القراءة فالوجوه الثلاثة بمعنى.

قال في المقاييس ج ٥ ، ص ٥١ : القاف والباء واللام أصل واحد صحيح تدل كلمة كلها على مواجهة الشيء للشيء ثم سرد ما يتفرع عليه بعد ذلك ، وقال في ص ٥٤ : فاما قبل الذي هو خلاف بعد فيمكن أن يكون شاذا عن الأصل الذي ذكرناه وقد يتمحل له بان يقال : هو مقبل على الزمان وهو عندنا الى الشذوذ أقرب.

ثم انه قد تقدم بيان ابن المنير في الانتصاف بان هذه القراءات لا تؤيد ما ادعاه الزمخشري لتأييد مذهب أبي حنيفة من أن العدة بالحيض.

(١) انظر البيضاوي (ج ٤ ، ص ٢٠٦ طبعة مصطفى محمد) وذكر ان اللام في الا زمان وما يشبهها للتأقيت. واعترض في حاشية الكازروني عليه بان هذا الحكم فيما يشبهها صحيح واما في الأوقات أنفسها فلا إذ يلزم تكرار الوقت مرتين أحدهما اللام دلت على الوقت ، والثاني نفس الوقت ، والظاهر ان يقال : اللام في الأوقات بمعنى في.

وذكر نظير هذا الاعتراض في تفسيره للآية ١٨٧ من سورة الأعراف (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) في ج ٢ ، ص ٢٥٣ حيث ذكر البيضاوي ان اللام للتأقيت كاللام في قوله : لدلوك الشمس. فاعترض عليه الكازروني : بأنه يلزم تكرار الوقت إذا لوقت مذكور صريحا واللام أيضا تفيده بخلاف قوله لدلوك الشمس إذ لا يلزم منه التكرار.

ثم قال : والوجه أن يقال ان اللام ههنا بمعنى في كما قوله : يا ليتني قدمت لحيوتى فإنها ـ

٦

قال في تفسيره : وظاهره يدلّ على أنّ العدّة بالأطهار ، وانّ طلاق المعتدّة بالأقراء ينبغي أن يكون في الطّهر وانّه يحرم في الحيض من حيث إنّ الأمر بالشّيء يستلزم النّهى عن ضدّه ولا يدلّ على عدم وقوعه إذ النّهي لا يستلزم الفساد ، كيف وقد ورد؟؟؟ أنّ ابن عمر (١) لمّا طلّق امرأته حائضا امره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرّجعة وهو سبب نزولها.

قلت : ما ذكره من كون العدّة بالأطهار صحيح على ما عرفت ، والمراد بقوله : ينبغي أن يكون في الطّهر ، الوجوب ، وإطلاق لفظ ينبغي على الواجب دائر على ألسنة الفقهاء ، وكون الأمر بالشّيء يستلزم النّهى عن ضدّه مسلّم ، فإنّ المأمور به الطّلاق في العدّة وهو الطّهر ، وهو يستلزم النّهى عن الطّلاق في الحيض.

امّا ادّعائه عدم الدّلالة على عدم وقوعه فلا يخفى ما فيه امّا أوّلا فلكون النّهي يقتضي الفساد مطلقا كما ذهب إليه جماعة من الأصوليّين من أصحابنا ومن العامّة ، واختاره شيخنا أبو جعفر في كتبه وصرّح في التبيان هنا باقتضائه فساد المنهيّ عنه.

وامّا ثانيا فلكون الفساد معلوما من الآية فإنّه تعالى يبين للطّلاق وقتا معلوما أمر بوقوعه فيه ، وهو الوقت الخاصّ الصالح للعدّة كما هو مقتضى لام التّوقيت على ما عرفت ، فكأنّه قال : إذا أردتم الطّلاق الصّحيح فالواجب عليكم إيقاعه في وقت يصحّ فيه العدّة ، وهو الطّهر لا الحيض ، وهذا يقتضي أن لا يصح في غيره ، إذ هو بمثابة وقوع الشيء في غير وقته المحدود له شرعا ، وصحّته يتوقّف على الدّليل.

وما ذكره من الاستدلال برواية ابن عمر ، غير واضح الدلالة ، فإنّا لا نسلّم انّ المراد بالرّجعة فيها الرّجعة الشّرعيّة المستحقّة بعد طلاق صحيح ، بل الظّاهر انّها

__________________

ـ بمعنى في.

(١) هذا الحديث يوجد في كتبهم بحد لا يحتاج الى بيان المصدر ، وأخرجه في الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٣ وقال ابن حجر في تخريجه : متفق عليه انما الكلام في معنى المراجعة المأمور بها والحق مع المصنف ، وسننقل ان شاء الله كلام ابن القيم الجوزية وقد أوضح بأتم تبيين عدم دلالة الأمر بالمراجعة على الصحة وان كان ما افاده المصنف أيضا تاما أتم التمام لا يكاد يتوهم عليه أقل غبار فنور الله مضجعه الشريف.

٧

بالمعنى اللّغويّ الّذي لم يتقدّمه طلاق صحيح ، فانّ من طلّق فاسدا واعتزل زوجته بعد الطّلاق صحّ أن يقال له راجعها ، بناء على عدم صحّة الطّلاق.

ويدلّ على ما قلناه صحيحة الحلبي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام الى أن قال : وردّ

__________________

(١) المروي عن الحلبي في المسئلة حديثان.

الأول ـ المروي بتمامه في الوسائل ج ١٥ ، ص ٢٧٧ الباب ٨ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣ المسلسل ٢٧٩١٢. وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن محمد الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يطلق امرأته وهي حائض؟ ـ قال : الطلاق على غير السنة باطل. قلت : فالرجل يطلق ثلاثا في مقعد؟ ـ قال : يرد إلى السنة.

وهو في الكافي طبع سنة ١٣١٥ ، ج ٢ ، ص ٩٧ باب من طلق لغير السنة الحديث ٣ وفي طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ٥٨ ، وفي التهذيب ج ٨ ، ص ٤٨ ، الرقم ١٤٤ ، وفي الوافي الجزء ١٢ ، ص ١٤٩ ، وفي المرآة ج ٤ ، ص ٣ وفيه انه مجهول كالصحيح.

والسر في تعبيره هذا انهم اختلفوا في محمد بن إسماعيل الراوي في الكافي عن الفضل بن شاذان من هو : هل هو ابن بزيع كما قاله بعض الاعلام وان كان بعيدا ، أو هو البرمكي كما اختاره شيخنا البهائي قدس‌سره ، أو هو النيشابوري كما اختاره المعلم الثالث المحقق الداماد قدس‌سره ولعله الأقوى ، وأشرنا الى ما أفاده الداماد في تعاليقنا على المجلد الأول من هذا الكتاب ج ١ ، ص ١٣١.

وعلى اى فالذي يتضح من تضاعيف أحاديث الكافي انه كان عنده كتاب الفضل بن شاذان ويذكر الطريق على ما هو دأبهم لاتصال الحديث وعليه فالحديث مروي عن كتاب الفضل بن شاذان الموجود عند الكليني فهو معدود من الصحاح ولذا عبر عنه المجلسي قدس‌سره بأنه مجهول كالصحيح والأصح عندي التعبير عنه بالصحيح.

الحديث الثاني ـ المروي عن الحلبي ما رواه بتمامه في الوسائل الباب ٨ من أبواب مقدمات الطلاق ، الحديث ٧ ، ج ١٥ ، ص ٢٧٨ ، المسلسل ٢٧٨ : وعن على بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبى عبد الله (ع) قال : من طلق امرأته ثلاثا في مجلس وهي حائض فليس بشيء ، وقد رد رسول الله (ص) طلاق عبد الله بن عمر ، إذ طلق امرءته ثلاثا وهي حائض ، فأبطل رسول الله (ص) ذلك الطلاق وقال : كل شيء خالف كتاب الله فهو رد الى كتاب الله ، وقال : لا طلاق إلا في عدة. ـ

٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طلاق عبد الله بن عمر إذ طلّق امرأته ثلاثا وهي حائض ، فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك الطّلاق وقال : «كلّ شيء خالف كتاب الله فهو ردّ الى كتاب الله» وقال : «لا طلاق إلّا في عدّة» ونحوها من الأخبار الدّالة على ذلك (١).

ويؤيّد ما قلناه انّه لو كان الطّلاق وقع صحيحا ، لما أمره بالرّجعة ، إذ لا معنى للأمر بمراجعة امرأة مطلّقة بطلاق صحيح تحقّق به المفارقة ، وان فعل حراما ، إذ لم يصر ذلك سببا في الرّجوع بعد وقوعه صحيحا.

على انّا نقول إذا كان سبب نزول الآية طلاق ابن عمر في الحيض كما ادّعاه

__________________

ـ وترى الحديث في الكافي طبعة سنة ١٣١٥ ، ج ٢ ، ص ٩٨ ، باب من طلق لغير السنة الحديث ١٥ وهو في طبعه الآخوندى ج ٦ ، ص ٦٠ ، وفي التهذيب ج ، ٨ ، ص ٥٥ ، الرقم ١٧٩ ، والاستبصار ج ٣ ، ص ٢٨٨ الرقم ١٠١٨ ، والوافي الجزء ١٢ ، ص ١٥٠.

ولم ينقله في الوافي إلا عن الكافي والتهذيب ولعله نسيان من المطابع والا فصاحب الوافي أجل شأنا من أن ينساه.

وعلى كل فترى الحديث في المرآة ج ٤ ، ص ٤ وحكم بحسن الحديث وذلك لكون إبراهيم بن هاشم في طريقه والظاهر ان مراد المصنف هنا هو الحديث الثاني لأنه عبر فيه بقوله : الى أن قال وقد رد رسول الله إلخ وانما هو في الحديث الثاني فهو تصديق بكون الأحاديث التي في طريقها إبراهيم بن هاشم معتبرة بل تعبيره يشعر بصحتها.

ثم ان الشيخ ذكر في كتابيه بعد نقل الحديث : انه يحتمل أيضا ان يكون قوله : ليس بشيء في كونه طلاقا ثلاثا لان ذلك قد بينا انه يرد إلى الواحدة.

قلت : نعم قد بينا في تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ ، ص ٢٧٦ : ان صيغة الطلاق بالثلاث المرسلة تقع واحدة لأن صيغة الطلاق بعد ان وقعت من الزوج لا تكون الضميمة موجبة لبطلانها بل تكون مؤكدة لها أو لغوا من القول الا ان الواقعة على ما في رواية الحلبي كون الطلاق في حال الحيض فيكون باطلا سواء أوقع واحدا أو ثلاثا.

نعم التعبير في الحديث الأول في الطلاق الثلاث في مقعد بأنه يرد إلى السنة يفيد ان الطلاق الثلاث في الطهر الغير المواقعة يرد إلى السنة ولازمه وقوعه واحدة.

(١) انظر الوسائل ومستدرك الوسائل كتاب الطلاق ترى الأخبار الدالة على ذلك بالغة أكثر من حد التواتر.

٩

فالآية وإن أفادت التحريم في الحيض فقط من دون الفساد ، لم يكن للأمر بالرّجوع وجه لوقوعه صحيحا ، والتّحريم انّما علم بعد النّزول ، فلا وجه للحكم بتحقّقه قبل ، فتعيّن أن يكون الأمر بالرّجوع ليس إلّا لعدم الصحّة.

ويزيد تأييدا لما (١) قلناه ذهاب سعيد بن المسيّب وجماعة من التّابعين الى عدم صحّة الطّلاق الواقع في الحيض كما نقله في الكشاف عنهم.

وبالجملة فالنّكاح عصمة في الشّرع (٢) ثابتة بالنّصّ والإجماع وارتفاعها يتوقّف

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٤.

(٢) وخلاصة الكلام في المسئلة انه قد أجمع أهل الإسلام قاطبة على كون الطلاق في حال الحيض للمرأة المدخول بها وفي الطهر الذي وقع فيه المواقعة منهيا عنه ، ولكنهم اختلفوا في أنه هل يقع مع ذلك الفرقة ويصح الطلاق أو لا يقع ويكون الطلاق باطلا فالشيعة الإمامية متفقون على بطلان الطلاق وهم مجمعون على ذلك لم يشذ منهم أحد.

وأما غيرهم فالأكثرون على صحته مع كون الفعل حراما : وروى في الكشاف عن سعيد بن المسيب وجماعة بطلانه والمروي عن ابن علية أيضا البطلان وبه قال ابن حزم وابن تيمية وأصر عليه ابن القيم الجوزية ، واما من الزيدية فقد قال به القاسمية على ما نقله في نيل الأوطار ، ج ٦ ، ص ٢٣٦.

وقد مال أكثر المتأخرين من أهل السنة أيضا الى البطلان وقد أفتى به الشيخ الفقيد الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر. راجع الفتاوى الفقهية ، ص ٣١٠ ، وكتاب الإسلام عقيدة وشريعة ص ١٨٧ ، ورسالة الإسلام ، العدد الأول من السنة الحادية عشر ، ص ١٠٨.

وقد أفتى ابن تيمية أيضا ببطلان طلاق الحائض فقال في ج ٣ ، ص ٣٢ من الفتاوى الكبرى آخر الصحيفة : «ولا ريب ان الأصل بقاء النكاح ولا يقوم دليل شرعي على زواله بالطلاق المحرم بل النصوص والأصول يقتضي خلاف ذلك» انتهى.

وقال في ج ٥ من الفتاوى الكبرى ، ص ٥٦٩ : «والطلاق في زمن الحيض محرم لاقتضاء النهي الفساد ولانه خلاف ما أمر الله به وان طلقها في طهر أصابها فيه حرم ولا يقع ، ويقع من ثلاث مجموعة أو متفرقة بعد الدخول واحدة». انتهى.

ولا بن القيم الجوزية بيان مبسوط في المسئلة من ص ٤٤ الى ٥١ ، ج ٤ من كتابه زاد ـ

١٠

على الطّلاق الصّحيح الوارد في الشّرع ، وهو إنّما دلّ على صحّته في وقت يصلح للعدّة أعني زمان الطهر ، ولم يدلّ دليل على صحة الطلاق الواقع في الحيض المنهيّ عنه بالنص والإجماع ، فيبقى على حكم الأصل وهو المطلوب.

__________________

ـ المعاد المطبوع مستقلا في سنة ١٣٦٩ بمطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده.

قد تعرض للأدلة من جهة مبادى أهل السنة أنفسهم وأوضح حكم المسئلة من ان مقتضى الأدلة من طرق أهل السنة الفساد.

ويعجبنا أن ننقله بعين عبارته ، ولاتضاح المسئلة نعقبه بذكر ما يلزم ذكره من مصادر ما أشار إليه من الأحاديث ليتضح أن حكم المسئلة من جهة مباني أهل السنة أيضا الفساد بأتم وضوح.

وليعلم ان زاد المعاد قد طبع بهامش شرح المواهب اللدنية للزرقانى وهذا البحث تراه في هامش الكتاب المذكور من ج ٧ ، ص ١٣٠ الى ص ١٥٦ فمن لم يكن عنده النسخة المطبوعة بمطبعة مصطفى البابى الحلبي يمكنه المراجعة إلى هامش شرح الزرقانى على المواهب اللدنية للقسطلانى ج ٧ يرى ما نقلناه عن ابن القيم بتمامه فنقول :

قال ابن القيم الجوزية في ص ٤٣ ج ٤ من كتابه (زاد المعاد في هدى خير العباد) طبعة مصطفى البابى الحلبي سنة ١٣٦٩ : «واختلفوا في وقوع المحرم من ذلك وفيه مسئلتان :

المسئلة الاولى ـ الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي واقعها فيه.

المسئلة الثانية ـ في جمع الثلاث. ونحن نذكر المسئلتين تحريرا وتقريرا كما ذكرناهما تصويرا. ونذكر حجج الفريقين ومنتهى أقدام الطائفتين مع العلم بان المقلد المتعصب لا يترك قول من قلده ولو جائه كل آية ، وان طالب الدليل لا يأتم بسواه ولا يحكم إلا إياه ولكل من الناس مورد لا يتعداه وسبيل لا يتخطاه ولقد عذر من حمل ما انتهت اليه قواه وسعى الى حيث انتهت خطاه.

فاما المسئلة الأولى فإن الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتا بين السلف والخلف وقد وهم من ادعى الإجماع على وقوعه وقال بمبلغ علمه وخفي عليه من الخلاف ما اطلع عليه غيره. وقد قال الإمام أحمد : من ادعى الإجماع فهو كاذب ، وما يدريه لعل الناس اختلفوا كيف والخلاف بين الناس في هذه المسئلة معلوم الثبوت عن المتقدمين والمتأخرين.

قال محمد بن عبد السلام الخشنى : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي ، حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن ابن عمر (رض) انه ـ

١١

__________________

ـ قال في رجل يطلق امرأته وهي حائض قال ابن عمر : لا يعتد بذلك. ذكره أبو محمد بن حزم في المحلى بإسناده اليه.

وقال عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه انه قال : كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة ، وكان يقول : وجه الطلاق ان يطلقها طاهرا من غير جماع وإذا استبان حملها.

وقال الخشنى : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة عن خلاس بن عمرو انه قال في الرجل وهو يطلق امرأته وهي حائض قال : لا يعتد به.

قال أبو محمد بن حزم : والعجب من جرأة من ادعى الإجماع على خلاف هذا وهو لا يجد فيما يوافق قوله في إمضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر ، وروايتين متنافيتين عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما :

إحداهما رويناها من طريق ابن وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره : ان عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقضى في المرأة التي يطلقها زوجها وهي حائض : انها لا تعتد بحيضتها تلك وتعتد بعدها بثلاثة قروء.

قلت : وابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سمعان الكذاب وقد رواه عن مجهول لا يعرف.

قال أبو محمد : والأخرى من طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسام عن قيس بن سعد مولى علقمة عن رجل سماه عن زيد بن ثابت انه قال فيمن طلق امرأته وهي حائض : يلزمه الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة.

وقال أبو محمد : بل نحن أسعد بدعوى الإجماع ههنا ولو استجزنا ما يستجيزون ونعوذ بالله من ذلك وذلك انه لا خلاف بين احد من أهل العلم قاطبة ومن جملتهم جميع المخالفين لنا في ذلك ان الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه بدعة ، فإذا كان لا شك في هذا عندهم فكيف يستجيزون الحكم بتجويز البدعة التي يقرون أنها بدعة وضلالة؟ أليس بحكم المشاهدة مجيز البدعة مخالفا لا جماع القائلين بأنها بدعة.

قال أبو محمد : وحتى لو لم يبلغنا الخلاف لكان القاطع على جميع أهل الإسلام بما ـ

١٢

__________________

ـ لا يقين عنده ولا بلغه عن جميعهم كاذبا على جميعهم.

قال المانعون من وقوع الطلاق المحرم : لا يزال النكاح المتيقن الا بيقين مثله من كتاب أو سنة أو إجماع متيقن فإذا اوجدتمونا واحدا من هذه الثلاثة رفعنا حكم النكاح به ولا سبيل الى رفعه بغير ذلك. قالوا : كيف والأدلة المتكاثرة تدل على عدم وقوعه فان هذا طلاق لم يشرعه الله تعالى البتة ولا أذن فيه فليس من شرعه فكيف يقال بنفوذه وصحته.

قالوا : وانما يقع من الطلاق ما ملكه الله تعالى للمطلق ولهذا لا يقع به الرابعة لأنه لم يملكها إياه ومن المعلوم انه لم يملكه الطلاق المحرم ولا اذن فيه فلا يصح ولا يقع.

قالوا : ولو وكل وكيلا ان يطلق امرأته طلاقا جائزا فلو طلق طلاقا حراما لم يقع لانه غير مأذون فيه فكيف كان أذن المخلوق معتبرا في صحة إيقاع الطلاق دون اذن الشارع ، ومن المعلوم ان المكلف انما يتصرف بالاذن فما لم يأذن به الله ورسوله لا يكون محلا للتصرف البتة.

قالوا : وأيضا فالشارع قد حجر على الزوج أن يطلق في حال الحيض أو بعد الوطي في الطهر فلو صح طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى وكان حجر القاضي على من منعه التصرف أقوى من حجر الشارع حيث يبطل التصرف بحجره.

قالوا : ولهذا أبطلنا البيع وقت النداء يوم الجمعة لأنه بيع حجر الشارع على بائعه هذا الوقت فلا يجوز تنفيذه وتصحيحه.

قالوا : ولانه طلاق محرم منهي عنه فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه فلو صححناه لكان لا فرق بين المنهي عنه والمأذون فيه من جهة الصحة والفساد.

قالوا : وأيضا فالشارع انما نهى عنه وحرمه لانه يبغضه ولا يحب وقوعه بل وقوعه مكروه اليه فحرمه لئلا يقع ما يبغضه ويكرهه وفي تصحيحه وتنفيذه ضد هذا المقصود.

قالوا وإذا كان النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي فما الفرق بينه وبين الطلاق وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق والنهي يقتضي البطلان في الموضعين.

قالوا : ويكفينا من هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العام الذي لا تخصيص فيه برد ما خالف امره وإبطاله والغائه كما في الصحيح عنه من حديث عائشة رضي الله عنها : كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد. وفي رواية : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. وهذا صريح ان ـ

١٣

__________________

ـ هذا الطلاق المحرم الذي ليس عليه امره مردود باطل فيكف يقال : انه صحيح لازم نافذ فأين هذا من الحكم برده.

قالوا : وأيضا فإنه طلاق لم يشرعه الله أبدا وكان مردودا باطلا كطلاق الأجنبية ولا ينفعكم الفرق بأن الأجنبية ليست محلا للطلاق بخلاف الزوجة فان هذه الزوجة ليست محلا للطلاق المحرم ولا هو مما ملكه الشارع إياه.

قالوا : وأيضا فإن الله سبحانه إنما أمر بالتسريح بإحسان ولا أسوء من التسريح الذي حرمه الله ورسوله ، وموجب عقد النكاح أحد أمرين : اما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان والتسريح المحرم أمر ثالث غيرهما فلا عبرة به البتة.

قالوا : وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) ، وصح عن النبي (ص) المبين عن الله مراده ان الطلاق المشروع المأذون فيه هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه أو بعد استبانة الحمل وما عداهما فليس بطلاق العدة في حق المدخول بها فلا يكون طلاقا فكيف تحرم المرأة به.

قالوا : وقد قال الله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ومعلوم انه انما أراد الطلاق المأذون فيه وهو الطلاق للعدة فدل على ان ما عداه ليس من الطلاق فإنه حصر الطلاق المشروع المأذون فيه الذي يملك بالرجعة في مرتين فلا يكون ما عداه طلاقا.

قالوا : ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون : انه لا طاقة لهم بالفتوى في الطلاق المحرم كما روى ابن وهب عن جرير بن حازم عن الأعمش : أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : من طلق كما أمره الله فقد بين الله له ومن خالف فانا لا نطيق خلافه ، ولو وقع طلاق المخالف لم يكن الإفتاء به غير مطاق لهم ولم يكن للتفريق معنى إذا كان النوعان واقعين نافذين.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضا : من اتى الأمر على وجهه فقد بين الله له والا فوالله ما لنا طاقة بكل ما تحدثون ، وقال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقد سئل عن الطلاق الثلاث مجموعة : من طلق كما أمر فقد بين له ومن لبس تركناه وتلبيسه.

قالوا : ويكفى من ذلك كله ما رواه أبو داود بالسند الصحيح الثابت ، حدثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الرزاق ، حدثنا ابن جرير قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى ـ

١٤

__________________

ـ عزه يسأل ابن عمر قال أبو الزبير ، وانا اسمع : كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ ـ فقال : طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله (ص) فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ان عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض ، قال عبد الله : فردها على ولم يرها شيئا وقال : إذا طهرت فليطلق أو ليمسك ، وقراءة رسول الله (ص) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن.

قالوا : وهذا اسناد في غاية الصحة فإن أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة وانما يخشى من تدليسه فإذا قال : سمعت أو حدثني زال محذور التدليس وزالت العلة المتوهمة ، وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال عن ولم يصرح بالسماع ، ومسلم يصحح ذلك من حديثه فاما إذا صرح بالسماع فقد زال الاشكال وصح الحديث وقامت الحجة.

قالوا : ولا نعلم في خبر أبى الزبير هذا ردا بما يوجب رده وانما رده من رده استبعادا واعتقادا انه خلاف الأحاديث الصحيحة ونحن نحكي كلام من رده ونبين انه ليس فيه ما يوجب الرد ، قال أبو داود : والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير. وقال الشافعي : ونافع أثبت عن ابن عمر من أبى الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه.

وقال الخطابي : حديث يونس بن جبير أثبت من هذا يعنى قوله : مره فليراجعها ، وقوله : أرأيت ان عجز واستحمق قال فمه. قال ابن عبد البر وهذا لم يقله عنه غير أبى الزبير. وقد رواه عنه جماعة أجلة فلم يقل ذلك أحد منهم وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه. وقال بعض أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا.

فهذا جملة ما رد به خبر ابى الزبير وهو عند التأمل لا يوجب رده ولا بطلانه.

اما قول أبى داود : الأحاديث كلها على خلافه فليس بأيديكم سوى تقليد أبى داود وأنتم لا ترضون ذلك وتزعمون أن الحجة من جانبكم فدعوا التقليد وأخبرونا أين في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبى الزبير فهل فيها حديث واحد ان رسول الله (ص) حسب عليه تلك الطلقة وأمره أن يعتد بها فان كان ذلك فنعم والله هذا خلاف صريح لحديث أبى الزبير ولا تجدون الى ذلك سبيلا.

وغاية ما بأيديكم «مره فليراجعها» والرجعة تستلزم وقوع الطلاق وقول ابن عمر وقد سئل : أتعتد بتلك التطليقة؟ ـ فقال : أرأيت ان عجز واستحمق ، وقول نافع ومن دونه فحسبت من طلاقها وليس وراء ذلك حرف يدل على وقوعها والاعتداد بها ولا ريب في صحة هذه الألفاظ ـ

١٥

__________________

ـ ولا مطعن فيها وانما الشأن كل الشأن في معارضتها لقوله ، فردها على ولم يرها شيئا وتقديمها عليه ومعارضتها لتلك الأدلة المتقدمة التي سقنانا وعند الموازنة يظهر التفاوت وعدم المقاومة ونحن نذكر ما في كل ما في كلمة منها.

أما قوله : مره فليراجعها فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على ثلاث معان.

أحدها ابتداء النكاح لقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ). ولا خلاف بين أحد من أهل العلم بالقرآن ان المطلق ههنا هو الزوج الثاني وان التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك نكاح مبتدء.

وثالثها الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا كقوله لأبي النعمان بن بشير لما انحل ابنه غلاما خصه به دون ولده : رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة التي سماها رسول الله (ص) جورا وأخبر أنها لا تصلح وأنها خلاف العدل كما سيأتي تقريره ان شاء الله تعالى.

ومن هذا قوله لمن فرق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك ورد البيع ، وليس هذا الرد مستلزما لصحة البيع فإنه بيع باطل بل هو رد شيئين الى حالة اجتماعهما كما كانا وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد الى حالة الاجتماع كما كان قبل الطلاق وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض البتة.

وأما قوله : أرأيت ان عجز واستحمق فيا سبحان الله اين البيان في هذا اللفظ بان تلك الطلقة حسبها عليه رسول الله (ص) والاحكام لا تؤخذ بمثل هذا ولو كان رسول الله (ص) قد حسبها عليه واعتد عليه بها لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه الى أرأيت ، وكان ابن عمر (رض) اكره ما اليه أرأيت فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظ أرأيت الدالة على نوع من الرأي سببه عجز المطلق وحمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي اذن الله له فيه.

والأظهر فيما هذه صفته انه لا يعتد به وانه ساقط من فعل فاعله لانه ليس في دين الله تعالى حكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر أن يكون فعلا لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم فقد عجز واستحمق.

وحينئذ فيقال : هذا أدل على الرد منه على الصحة واللزوم فإنه عقد عاجز أحمق على خلاف أمر الله ورسوله فيكون مردودا باطلا ، فهذا الرأي والقياس أدل على بطلان من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره.

وأما قوله : فحسبت من طلاقها ففعل مبنى لما لم يسم فاعله فإذا سمى فاعله ظهر وتبين ـ

١٦

__________________

ـ هل في حسبانه حجة أولا وليس في حسبان الفاعل المجهول دليل البتة وسواء كان القائل فحسبت ابن عمر أو نافعا أو من دونه ليس فيه بيان أن رسول الله (ص) هو الذي حسبها حتى تلزم الحجة به وتحرم مخالفته.

فقد تبين أن سائر الأحاديث لا تخالف حديث أبى الزبير وأنه صريح في أن رسول الله (ص) لم يرها شيئا وسائر الأحاديث مجملة لا بيان فيها.

قال الموقعون : لقد ارتقيتم أيها المانعون مرتقى صعبا وأبطلتم أكثر طلاق المطلقين فان غالبه طلاق بدعي وجاهرتم بخلاف الأئمة ولم تحاشوا خلاف الجمهور وشذذتم بهذا القول الذي افتى جمهور الصحابة ومن بعدهم بخلافه والقرآن والسنن تدل على بطلانه.

قال تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وهذا يعم كل طلاق وكذلك قوله (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) ولم يفرق.

وكذا قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ).

وقوله : وللمطلقات متاع ، وهذه مطلقة. وهي عمومات لا يجوز تخصيصها الا بنص أو إجماع.

قالوا : وحديث ابن عمر دليل على وقوع الطلاق المحرم من وجوه :

أحدها ـ الأمر بالمراجعة وهي لما شعث النكاح وانما شعثه وقوع الطلاق.

الثاني ـ قول ابن عمر : فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقها وكيف تظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله (ص) فيحسبها من طلاقها ورسول الله لم يرها شيئا.

الثالث ـ قول ابن عمر لما قيل له : أيحتسب بتلك التطليقة؟ ـ قال : أرأيت ان عجز واستحمق اى عجزه وحمقه لا يكون عذرا له في عدم احتسابه بها.

الرابع ـ أن ابن عمر قال : وما يمنعني أن أعتد بها وهذا إنكار منه لعدم الاعتداد بها وهذا يبطل تلك اللفظة التي رواها عنه أبو الزبير إذ كيف يقول ابن عمر : وما يمنعني أن اعتد بها وهو يرى رسول الله (ص) قد ردها عليه ولم يرها شيئا.

الخامس ـ أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض وهو صاحب القصة وأعلم الناس بها وأشدهم اتباعا للسنن وتحرجا من مخالفتها.

قالوا : وقد روى ابن وهب في جامعه حديث ابن أبى ذئب : أن نافعا أخبرهم عن ابن عمر انه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله (ص) عن ذلك فقال : مره فليراجعها ـ

١٧

__________________

ـ ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء أمسك بعد ذلك وان شاء طلق قبل ان يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وهي واحدة. هذا لفظ حديثه.

قالوا : وروى عبد الرزاق عن ابن جريح قال : أرسلنا إلى نافع وهو يترحل في دار الندوة ذاهبا إلى المدينة ونحن مع عطاء هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله (ص)؟ قال : نعم.

قالوا : وروى حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن انس (رض) قال : قال رسول الله (ص) : من طلق في بدعة ألزمناه بدعته. ورواه عبد الباقي بن نافع حدثنا إسماعيل بن أمية الدراع حدثنا حماد فذكره.

قالوا : وقد تقدم مذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في فتواهما بالوقوع.

قالوا : وتحريمه لا يمنع ترتيب أثره وحكمه عليه كالظهار فإنه منكر من القول وزور وهو محرم بلا شك وترتيب أثره وهو تحريم الزوجة الى أن يكفر فهكذا الطلاق البدعي محرم وترتب عليه أثره الى أن تراجع ولا فرق بينهما.

قالوا : وهذا ابن عمر يقول للمطلق ثلاثا : حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك فأوقع عليه الطلاق الذي عصى به المطلق ربه عزوجل.

قالوا : وكذلك القذف محرم وترتب عليه أثره من الحد ورد الشهادة وغيرهما.

قالوا : والفرق بين النكاح المحرم والطلاق المحرم أن النكاح عقد يتضمن حل الزوجة وملك بضعها فلا يكون الا على الوجه المأذون فيه شرعا فإن الإبضاع في الأصل على التحريم ولا يباح منها الا ما اباحه الشارع بخلاف الطلاق فإنه إسقاط لحقه وازالة لملكه وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذونا فيه شرعا كما يزول ملكه عن العين بالإتلاف المحرم وبالإقرار الكاذب وبالتبرع المحرم كهبتها لمن يعلم انه يستعين بها على المعاصي والآثام.

قالوا : والايمان أصل العقود وأجلها وأشرفها يزول بالكلام المحرم إذا كان كفرا فكيف لا يزول عقد النكاح بالطلاق المحرم الذي وضع لإزالته.

قالوا : ولو لا معنا في المسئلة الا طلاق الهازل فإنه يقع مع تحريمه لانه لا يحل له الهزل بآيات الله وقد قال النبيّ (ص) : ما بال أقوام يتخذون آيات الله هزوا طلقتك راجعتك طلقتك راجعتك فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجاد اولى أن يقع مع تحريمه.

قالوا : وفرق آخر بين النكاح المحرم والطلاق المحرم ان النكاح نعمة فلا تستباح بالمحرمات ـ

١٨

__________________

ـ وازالته وخروج البضع عن ملكه نقمة فيجوز أن يكون سببها محرما.

قالوا : وأيضا فإن الفروج يحتاط لها والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق وتجديد الرجعة والعقد.

قالوا : وقد عهد بالنكاح لا يدخل فيه الا بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والقبول والولي والشاهدين ورضى الزوجة المعتبر رضاها ويخرج منه بأيسر شيء فلا يحتاج الخروج منه الى شيء من ذلك بل يدخل فيه بالعزيمة ويخرج منه بالشبهة فأين أحدهما من الأخر حتى يقاس عليه.

قالوا : ولو لم يكن بابدينا إلا قول حملة الشرع كلهم قديما وحديثا طلق امرأته وهي حائض ، والطلاق نوعان : طلاق سنة وطلاق بدعة ، وقول ابن عباس رضي الله عنه : الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فهذا الإطلاق والتقسيم دليل على انه عندهم طلاق حقيقة وشمول اسم الطلاق له كشموله للطلاق الحلال ولو كان لفظا مجردا لغوا لم يكن له حقيقة ولا قيل : طلق امرأته ، فإن هذا اللفظ إذا كان لغوا كان وجوده كعدمه ومثل هذا لا يقال فيه طلق ولا يقسم الطلاق وهو غير واقع اليه والى الواقع فإن الألفاظ اللاغية ليس لها معان ثابتة لا تكون هي ومعانيها قسما من الحقيقة الثابتة لفظا.

فهذا أقصى ما تمسك به الموقعون وربما ادعى بعضهم الإجماع لعدم علمه بالنزاع.

قال المانعون من الوقوع : الكلام معكم في ثلاث مقامات بها يستبين الحق في المسئلة.

المقام الأول ـ بطلان ما زعمتم من الإجماع وانه لا سبيل لكم إلى إثباته البتة بل العلم بانتفائه معلوم المقام الثاني ـ أن فتوى الجمهور بالقول لا يدل على صحته وقول الجمهور ليس بحجة.

المقام الثالث ـ أن الطلاق المحرم لا يدخل تحت نصوص الطلاق والمطلقة التي رتب الشارع عليها أحكام الطلاق فان ثبت لنا هذه المقامات الثلاث كنا أسعد بالصواب منكم في المسئلة فنقول : اما المقام الأول فقد تقدم من حكاية النزاع ما يعلم معه بطلان دعوى الإجماع كيف ولو لم يعلم ذلك لم يكن لكم سبيل إلى إثبات الإجماع الذي تقوم به الحجة وتنقطع معه المعذرة وتحرم معه المخالفة فإن الإجماع الذي يوجب ذلك هو الإجماع القطعي المعلوم.

واما المقام الثاني وهو أن الجمهور على هذا القول فما وجدنا في الأدلة الشرعية ان قول الجمهور حجة مضافا الى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته ومن تأمل مذاهب العلماء قديما وحديثا من عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى الإن واستقرأ أحوالهم وجدهم ـ

١٩

__________________

ـ مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور ووجد لكل منهم أقوالا عديدة انفرد بها عن الجمهور ولا يستثنى من ذلك أحد قط ولكن مستقل ومستكثر.

فمن شئتم سميتموه من الأئمة ثم تتبعوا ماله من الأقوال التي خالف فيها الجمهور ولو تتبعنا ذلك وعددناه لطال الكتاب به جدا ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم ، ومن له معرفة بمذاهبهم وطرائقهم يأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم ولكن هذا في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد ولا تدفعها السنة الصريحة واما ما كان هذا سبيله فإنهم كالمتفقين على إنكاره ورده وهذا هو المعلوم من مذاهبهم في الموضعين.

واما المقام الثالث وهو دعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق وشمولها للنوعين الى آخر كلامكم فنسألكم ما تقولون فيمن ادعى دخول أنواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح ، وقال شمول الاسم الصحيح من ذلك والفاسد سواء بل وكذلك سائر العقود المحرمة إذا ادعى دخولها تحت ألفاظ العقود الشرعية وكذلك العبادات المحرمة المنهي عنها إذا ادعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية وحكم لها بالصحة لشمول الاسم لها هل تكون دعواه صحيحة أو باطلة.

فإن قلتم صحيحة ولا سبيل لكم الى ذلك كان قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين وان قلتم دعواه باطلة تركتم قولكم ورجعتم الى ما قلناه وان قلتم نقبل في موضع ونرد في موضع قيل لكم فرقوا لنا تفريقا صحيحا مطردا منعكسا معكم به برهان من الله بين ما يدخل من العقود المحرمة تحت ألفاظ النصوص فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت له حكم البطلان.

وان عجزتم عن ذلك فاعلموا انه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يحسن كل أحد مقالتها ومقابلتها بمثلها ، أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله وإذا كشف الغطاء عما قررتموه في هذه الطريق ، وجد غير محل النزاع جعلتموه مقدمة في الدليل وذلك عين المصادرة إلى المطلوب.

فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله : وللمطلقات متاع ، وتحت قوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وأمثال ذلك وهل سلم لكم منازعكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم.

قالوا : واما استدلالكم بحديث ابن عمر فهو الى أن يكون حجة عليكم أقرب منه الى ـ

٢٠