مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

إليك ألم أعنك؟ والأذى ضرر يتعجّل وصوله إلى المضرور كأن يقول له : لست إلّا مبرما ، وما أنت إلّا ثقيل ، وباعد الله بيني وبينك ، أو يراد به تعبيس الوجه وانقباضه حال الدفع ، أو يصرفه في بعض إشغاله بسبب إنفاقه عليه. وجميع أصناف المنّ والأذى يكدّر الصنيعة ، وينقص النعمة ويبطل الأجر والمثوبة. وفي الحديث عن الصادق عليه‌السلام أنّ المنّ يهدم الصنيعة (١) ومعنى (ثُمَّ) تراخى الرتبة وإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من نفس الإنفاق ، بل ترك كلّ منهما لأنّهما نكرتان في سياق النفي.

(لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لعلّ التصريح بكونه عند ربّهم مع أنّه معلوم أنّه كذلك ، لتكون النفس أسكن إليه وأوثق به ، لأنّ ما عنده لا يخاف عليه فوت ، وذلك ادعى للإنفاق على الوجه المذكور (٢).

(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) كلّ من هاتين الجملتين خبر عن «الّذين» عطف إحداهما على الأخرى ، ولعلّ عدم إدخال الفاء في الخبر مع تضمّن المبتدإ معنى

__________________

ـ عليهم وهو ذكر ما ينقص المعروف كقول القائل : أحسنت إلى فلان ونعشته ، أو لم أحسن إليك؟

ألم أعطك؟ وانما كان المن مذموما لان الفقير الأخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة الغير معترف باليد العليا للمعطى ، فإذا أضاف المعطى الى ذلك إظهار الانعام عليه ، زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة والإساءة بعد الإحسان والأذى ضرر يتعجل إلخ.

(١) انظر الكافي باب المن الحديث ٢ ، واللفظ : المن يهدم الصنيعة وكذا في الفقيه ج ٢ ص ٤١ الرقم ١٨٦ ومن أشعار الشهيد الأول طاب ثراه :

وأعشق كحلاء المدامع خلقة

لئلاأرى في عينها منة الكحل.

نقله في ريحانة الأدب ج ٢ ص ٣٦٦.

(٢) زاد في سن : وهو صريح في أن العمل يوجب الأجر على الله كما هو قول العدلية ، وأجاب الأشاعرة بأن الأجر هنا حصل بسبب الوعد لا بالعمل ، فإنه واجب ، وأداء الواجب لا يوجب الأجر ، وفيه نظر.

٦١

الشرط إيهاما بأنّهم أهل لذلك ، وإن لم يفعلوا ، فكيف بهم إذا فعلوا.

(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) كلام حسن جميل لا قبح فيه يردّ به السائل (وَمَغْفِرَةٌ) تجاوز عن السائل بالحاجة أو نيل مغفرة من الله بالردّ الجميل أو عفو عن السائل بأن يعذره فيما صدر عنه من الإلحاح وإساءة الأدب كفتح الباب ، ودخول الدار من غير إذن ، أو يغتفر ردّه (١) (خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) خبر عنها وصحّ الابتداء بالنكرة لتخصيصه بالوصف والخير بمعنى أصل الفعل لا التفضيل ، إذ لا خير في الصدقة المتبوعة بالأذى ، فانّ اتباع الإيذاء الإعطاء يوجب الجمع بين الانتفاع والإضرار ، وربّما لم يف ثواب النفع بعقاب الضرر بخلاف القول المعروف ، فإنّه نفع متعجّل من حيث إيصال السرور إلى المؤمن من غير ضرر.

قيل : الآية مخصوصة بالتطوّع لأنّ الواجب لا يحلّ منعه ، ولا ردّ السائل فيه وردّ بأنّ الواجب قد يعدل به عن سائل إلى سائل وعن فقير إلى فقير.

(وَاللهُ غَنِيٌّ) عن الإنفاق المشتمل على المنّ والأذى (حَلِيمٌ) عن معاجلة من يمنّ ويؤذي حال النفقة بالعقوبة ، فيؤخّر العقاب بحلمه ونعوذ بالله من غضب الحليم (٢).

ولعلّ الكلام هنا وقع على طريق التدرّج والتفهّم حالا بعد حال إلى أن يتمّ

__________________

(١) زاد في سن : أو يكون تجاوز السائل : بأن يعذر المسؤول ويغتفر رده ، إذ ربما لا يقدر على مطلوبه في تلك الحال.

(٢) زاد في سن : واستدل المعتزلة بالاية على أن الكبائر يحبط ثواب فاعلها ، لانه تعالى بين ان هذا الثواب انما يبقى إذا لم يوجد المن والأذى ، لأنه لو ثبت مع فقدهما ومع وجودهما لم يكن للاشتراط فائدة. وأجيب بأن المراد من الآية ان حصول المن والأذى يخرجان الإنفاق من أن يكون له ثواب وأجر ، لدلالتها على أنه لم ينفق لوجه الله وإنما أنفق لطلب المن والأذى.

فإن قيل : المن والأذى متأخر عن الإنفاق بمقتضى كلمة «ثم» فيلزم الإحباط. قلنا هما وان تأخرا يدلان على أن الإنفاق السابق لم يكن لوجه الله تعالى بل للرفع وطلب الرياء ، ولا مانع من أن يكون تأثير الفعل السابق في حصول الثواب مشروطا بعدم وجود ما يضاد بعده كما هو قول أصحاب الموافاة ، ثم ان الكلام هنا وقع إلخ.

٦٢

المطلوب فذكر في الآية السابقة أنّ الأجر لا يترتّب على المنّ والأذى ثمّ ذكر هنا أنّ الردّ الجميل خير من الصدقة المتبوعة بالأذى مع وعيد مّا كما عرفت ، ثمّ بيّن في الآية الّتي بعدها حال الصدقة مع المنّ والأذى وأنّها بأيّ مثابة من التحريم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) لا تحبطوا أجرها بكلّ واحد منها (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) محلّ الكاف النصب على الحاليّة من ضمير المخاطبين ، أو على المصدريّة ، والمعنى لا تبطلوا صدقاتكم بهما حال كونكم مماثلين للّذي ينفق ماله أو إبطالا مثل إبطال إنفاق الّذي يرائي بإنفاقه ولا يقصد به رضى الله عنه ولا ثواب الآخرة لعدم إيمانه بهما ، ورثاء منصوب على العلّة أو المصدريّة أو الحال بمعنى مرائيا.

(فَمَثَلُهُ) فمثل المرائي في الإنفاق (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) كمثل حجر أملس (عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَتَرَكَهُ صَلْداً) حجرا أملس نقيّا من التراب الّذي كان عليه (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) أي لا ينتفعون بشيء ممّا فعلوا رثاء لذهابه من أيديهم ، ولا يجدون ثوابه ، بل وجدوا نقيضه لحرمة الرئاء وكونه شركا فتبيّن به أنّ تلك الأعمال لم تكن لله ، ولم يؤت بها على وجه يستحقّ به الثواب ، وضمير الجمع عائد إلى «الّذي» باعتبار المعنى لأنّ المراد به الجنس [أو الجمع] كقوله (١) :

وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ مالك

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) لا يثيبهم على أعمالهم إذ كان الكفر محبطا لها وإنّما يثيب المؤمنين الّذين يوقعون أعمالهم على الوجوه الّتي يستحقّ بها الثواب أولا يهديهم إلى الجنّة بأعمالهم كما يهدي المؤمنين ، أولا يعطيهم ما يعطى المؤمنين من زيادة الألطاف والتوفيق ، أو المراد لا يهدى المنفقين رئاء أو منّا أو أذى وضع مكانه الكافرين تعريضا بأنّ الرياء والمنّ والأذى على الإنفاق من صفات الكفّار ولا بدّ للمؤمن من الاجتناب عنها وإيقاع الفعل خالصا لوجهه الكريم ، من غير قصد سمعة ولا رئاء.

__________________

(١) هو الأشهب بن رميلة.

٦٣

وفي الحديث (١) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع : أين الّذين كانوا يعبدون الناس؟ قوموا خذوا أجرتكم ممّن عملتم له ، فانّى لا أقبل عملا خالطه شيء من الدنيا وأهلها.

وعن الصادق عليه‌السلام (٢) قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أسدى إلى مؤمن معروفا ثمّ آذاه بالكلام أو منّ عليه ، فقد أبطل الله صدقته ، وضرب فيه مثلا (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) الآية (٣).

ثمّ إنّ ظاهر الآية يقتضي أنّ المنّ والأذى يبطل الأجر والثواب بالصدقة ، ولو في مستقبل الأوقات ، ونسبه في مجمع البيان إلى أهل الوعيد (٤).

وفيه إشكال من جهة أنّ الإنفاق إذا وقع على الوجه المعتبر حال حدوثه واستقرّ الثواب بفعله فإبطاله في الزمان المستقبل وزواله بأحدهما يحتاج إلى دليل واضح.

ولعلّ هذا القائل من المعتزلة القائلين بالإحباط والتكفير ، فإنّهم يحكمون بثبوت الأجر والثواب بتلك الصدقة ثمّ إنّ المنّ والأذى يزيلان الثواب بطريق الإحباط

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٣٧٧ عن ابن عباس عن النبي (ص).

(٢) المجمع ج ١ ص ٣٧٧ وروى عنه في نور الثقلين ج ١ ص ٢٣٦ بالرقم ١١١٣.

(٣) زاد في سن : وروى الكليني عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله ان الله كره لي ست خصال وكرهتها للأوصياء من ولدي واتباعهم من بعدي وعد منها المن بعد الصدقة.

راجع الكافي ج ١ ص ١٦٧ باب المن الحديث ١ ورواه بوجه أبسط في الفقيه عن النبي (ص) ج ٢ ص ٤١ بالرقم ١٨٧.

(٤) زاد في سن : وتقرير استدلالهم بها انهم قالوا : بين تعالى أن المن والأذى يبطلان الصدقة ومعلوم أن الصدقة قد وقعت وتقدمت فلا معنى لإبطالها ، فالمراد ابطال أجرها وثوابها ، لان الثواب لم يحصل بعد ، وانما يحصل في المستقبل ، فيصح إبطاله بما يتعقبه من المن والأذى ، كما أن الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان ، وهو صريح في مذهب المعتزلة القائلين بالإحباط والتكفير ، فإنهم يحكمون بثبوت الأجر والثواب بتلك الصدقة إلخ.

٦٤

وقد قامت الأدلّة العقليّة على بطلان الإحباط الّذي يذهب إليه هؤلاء فلا وجه لتنزيل الآية عليه (١).

ويمكن أن يقال صدورهما في المستقبل كاشف عن عدم ترتّب الثواب عليها حال الأحداث أو يقال المعتبر في البطلان صدور الإنفاق حال كونه واقعا على أحدهما لا مطلقا فانّ وجوه الأفعال تابعة لحدوثها.

وقد يؤيّد الأوّل ما رواه الكلينيّ عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله كره لي ستّ خصال وكرهتها للأوصياء من ولدي وأتباعهم

__________________

(١) في سن : والجواب عنه أنه ليس المراد بقوله (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) النهي عن ازالة هذا الثواب ، بل المراد عن الإتيان بهذا العمل باطلا ، بسبب صدور المن والأذى بعد العمل ، فان صدورهما في المستقبل كاشف عن عدم ترتب الثواب عليها حال الأحداث وأنها لم يقصد بها وجه الله تعالى ، وانما قصد غيره ، ولا مانع من أن يكون تأثير الفعل السابق في حصول الثواب مشروطا بعدم وجود ما يضاده بعده ، ثم انه تعالى ذكر لذلك مثلين :

أولها يطابق ما نقول فان من أوقع العمل رئاء غير مؤمن بالله واليوم الأخر كان عمله باطلا من أصله لوجود الكفر ، لا انه وقع صحيحا ثم بطل بعد ذلك ، لأنه إذا كان العمل مقارنا للكفر امتنع أن يقع صحيحا من أصله وأما المثل الثاني وان كان ظاهره يدل على قولهم لانه تعالى جعل الوابل مزيلا لذلك التراب على الصفوان فكذا هنا يكون المن والأذى مزيلين للثواب بعد استحقاق الأجر.

لكنا نقول : المشبه بذلك صدور العمل الذي لو خلى عنها لترتب عليه الثواب ، فالمشبه بالتراب هو ذلك العمل الصادر منه ، ويؤيده أن التراب إذا وقع على الصفوان لم يكن ملتصقا به بل كان اتصاله كالانفصال ، فهو في الظاهر متصل وفي الحقيقة غير متصل كالإنفاق مع المن والأذى ، فإنه يرى في الظاهر انه عمل من اعمال السر وفي الحقيقة ليس كذلك فرجع الى ما قلناه ، ويؤيده أن العمل بمقتضى الإخلاص يقتضي إلخ.

ويظهر من هذه المخالفة بين نسخة سن ، وسائر النسخ أن نسخة سن هي من النسخة المسودة الاولى ، وسائر النسخ من المبيضة بعد إسقاط الحشو والزوائد وتنسيق المطالب وترتيبها بحيث لا يخرج عن الموضوع ، فلا تغفل.

٦٥

من بعدي ، وعدّ منها المنّ بعد الصدقة الحديث ، والحقّ أنّ العمل بمقتضى الإخلاص يقتضي أن لا يصدرا منه في شيء من الأوقات لأنّه إنّما دفعها قاصدا وجهه تعالى وما عداه غير ملحوظ فيها ، ومقتضى ذلك أنّه لا يقع منه منّ ولا أذى ، فإنّ ذلك إنّما يكون مع ملحوظيّة الغير [لا مطلقا] ولكنّ التخلّص منهما بل من الرئاء والسمعة الّتي هي الشرك الخفيّ في غاية الصعوبة.

ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر حال الإنفاق مع المنّ والأذى والرئاء ذكر بعدها حال المخلصين في الإنفاق ليبيّن الحالتين وما بينهما من التفاوت فقال :

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) طلبا لرضاه (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أي ليثبتوا بعض أنفسهم على الإيمان فإنّ المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه عليه ، ومن بذل ماله وروحه فقد ثبّتها كلّها عليه فمن على هذا تبعيضيّة ويحتمل كونها ابتدائيّة أي تصديقا للإسلام ، وتحقيقا للجزاء مبتدئا من أصل أنفسهم لأنّ المسلم إذا أنفق ماله في سبيل الله علم أنّ تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه.

وفيه تنبيه على أنّ حكمة الإنفاق للمنفق تزكية نفسه من البخل والمنّ وحبّ المال ويحتمل على الثاني أن يكون المعنى وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين بأنّها صادقة الإيمان مخلصة فيه ، ويعضده قراءة بعضهم وتبيينا من أنفسهم لأنّ التبيين إنّما يكون عند المؤمنين.

فمثل إنفاق هؤلاء (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) أي بستان في موضع مرتفع ولعلّ التخصيص بذلك لأنّ الشجرة فيها أزكى ثمرة وأحسن منظرا من الأسفل الّذي يسيل الماء إليه ويجتمع فيه ، والأحسن أن يراد بالربوة الأرض الطيّبة الحرّة الّتي تنتفخ وتربو إذا نزل عليها المطر ، فإنّها إذا كانت كذلك كثر دخلها وكمل شجرها ، كقوله : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) (١) وإنّما كان هذا أحسن لأنّ المكان البعيد لا يحسن ريعة لبعده عن الماء وربّما تضرّ به الرياح ، كما أنّ الوهاد

__________________

(١) الحج : ٥.

٦٦

لكونها مصبّ المياه قلّما يحسن ريعها ، فإذن البستان لا يصلح له إلّا الأرض المستوية وهي ما ذكرناها ، والرّبوة مثلّثة الراء وقرئ بتثليثها.

(أَصابَها وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَآتَتْ أُكُلَها) أي جاءت ثمرتها (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما كانت تثمر بسبب المطر العظيم ، فالمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (١) ويحتمل أن يكون المراد أربعة أمثاله ، ونصب على الحال أي مضاعفا.

(فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) أي فيصيبها ، أو فالّذي يصيبها طلّ أو فطلّ يكفيها لحسن منبتها وبرودة هوائها وارتفاع مكانها ، والطلّ المطر الصغير القطر.

والمعنى أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله ، لا تضيع بحال ، نعم تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من الأحوال كالكثرة والقلّة باعتبار الأمور العارضة للإنفاق أو المنفق على ما تقدّم ، ويجوز أن يكون المراد تمثيل حالهم عند الله بالجنّة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ ، فكما أنّ كلّ واحد من المطرين يضعف أكل الجنّة وثمرتها ، فكذلك نفقاتهم المقصودة بها وجه الله كثيرة كانت أو قليلة تزيد في زلفاهم عنده.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيه تحذير عن الرئاء والمنّ والأذى ، وترغيب في الإخلاص.

ثمّ إنّه تعالى بيّن حال من يفعل الأفعال الحسنة ولا يريد بها وجه الله تعالى ولا ابتغاء مرضاته بقوله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) الهمزة فيه للإنكار البالغ أي لن يودّ (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي تشتمل على النخيل والأعناب والأنهار الجارية (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جعل الجنّة أوّلا من النخيل والأعناب مع أنّها مشتملة على سائر الأشجار كما دلّ عليه قوله هذا ، تغليبا لهما لشرفهما وزيادة منافعهما ثمّ أردفهما بذكر كلّ الثمرات ، ليدلّ على احتوائها على سائر الأشجار ، فهو تعميم

__________________

(١) هود : ٤٠.

٦٧

بعد تخصيص ، ويجوز أن يريد بالثمرات المنافع الّتي كانت تحصل له فيها ، وإن لم يكن من جنس الثمرة.

(وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي كبر السنّ فإنّ الفقر والفاقة في ذلك الوقت أصعب ، والواو للحال ، ويجوز العطف على معنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنّة فأصابه الكبر (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) صغار لا قدرة لهم على التكسّب (فَأَصابَها إِعْصارٌ) ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود (فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) تلك الجنّة وهو عطف على أصابها ، والمعنى تمثيل من يفعل الأفعال الحسنة ويضمّ إليها ما يحبطها كالرئاء والإيذاء والمنّ في الحسرة والندامة والأسف يوم القيامة ، مع اشتداد حاجته إليها وكونها محبطة لا أثر لها ، بحال من هذا شأنه ، فهو يديم الحسرة والندامة عند ذلك ، ويطيل الفكرة كهذا الشيخ.

ولا يخفى أنّ هذا التمثيل في المقصود أبلغ الأمثال ، فإنّ الإنسان إذا كان له جنّة في غاية الكمال ، وكان هو في غاية الاحتياج إلى المال ، وذلك أو ان الكبر مع وجود الأولاد والأطفال فإذا أصبح وشاهد تلك الجنّة محترقة بالصاعقة فكم يكون في قلبه من الحسرة وفي عينيه من الحيرة؟ فهذا الإنفاق نظير الجنّة المذكورة ، وزمان الاحتياج يوم القيامة.

قال البيضاويّ : وأشبه بهم من جال بسيرة في عالم الملكوت ، وترقّى بفكره إلى عالم الجبروت ، ثمّ نكص على عقبيه إلى عالم الزور ، والتفت إلى ما سوى الحقّ وجعل سعيه هباء منثورا فالحذر الحذر من مثله وإيّاك أن يعتريك الشيطان بخيله ورجله.

(كَذلِكَ) مثل هذا البيان الّذي بيّن في أمر الصدقة أو هي وغيرها (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدلالات الواضحات الّتي تحتاجون إليها في دينكم (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) تنظرون وتفهمون فتعتبرون بها.

السابعة : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَ

٦٨

الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (١).

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) خلق وابتدع لا على مثال (جَنَّاتٍ) بساتين مختلفة الأشجار (مَعْرُوشاتٍ) مرفوعات الدعائم ، قيل هو ما عرشه الناس من الكروم (وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) ملقاة على وجه الأرض ، وقيل المعروشات ما غرسه الناس فعرشوه ، وغير معروشات ما نبت في البراري والجبال من قبل نفسه (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ) عطف على جنّات ، أي وأنشأ النخل والزرع (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) ثمره الّذي يؤكل في الهيئة والكيفيّة ، والضمير إمّا للزرع والباقي في حكمه ، وإمّا للنخل والزرع داخل في حكمه لكونه معطوفا عليه أو للجميع بتأويل ذلك أو كلّ واحد ، ومختلفا حال مقدّرة أي مقدّرا اختلاف (٢) أكله لأنّه لم يكن كذلك عند الإنشاء.

(وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) تشابه بعض أفرادهما في اللون والطعم ولا تشابه (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) من ثمر كلّ واحد من ذلك (إِذا أَثْمَرَ) وإن لم يدرك ولم ينع بعد ، وقيل فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حقّ الله.

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قد يستدلّ بالآية على وجوب الزكاة في الزيتون لأنّه تعالى عقّب إيتاء الحقّ بعد ذكره ، وإلى هذا يذهب جماعة من العامّة ، وفيه نظر : فإنّ الآية إنّما تدلّ على الإيتاء ممّا ثبت فيه الحصاد ، ولهذا لا تجب الزكاة في الرمّان وإن ذكر بعد الزيتون هذا.

وقد اختلف في الحقّ الّذي يجب إخراجه يوم الحصاد ، فقيل هو الزكاة العشر أو نصف العشر ، والأكثر على أنّها مدنيّة لا مكّيّة فلا نسخ والأمر بإيتائها يوم الحصاد لتهيّئهم به حينئذ حتّى لا يؤخّر عن وقت الأداء.

وقيل : إنّ المراد به ما يتصدّق به يوم الحصاد لا الزكاة المقدّرة ، نظرا إلى

__________________

(١) الأنعام : ١٤١.

(٢) حال اكله خ ل.

٦٩

أنّ الآية مكّيّة والزكاة مدنيّة ، فيؤيّد هذا القول الروايات الواردة عن أصحاب العصمة عليهم‌السلام :

روى زرارة ومحمّد بن مسلم وأبو بصير (١) في الحسن عن أبى جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه‌السلام : هذا من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة ، ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة ، حتّى يفرغ ونحوها من الأخبار.

وبظاهرها استدلّ الشيخ في الخلاف على وجوب حقّ في المال سوى الزكاة ، كالضغث والكفّ عند الصرام والحصاد ، وأجاب العلامة بأنّ المراد إيجاب الحقّ يوم الحصاد ، فانّ الزكاة تجب حينئذ ، ولو سلّم المغايرة فالأمر للندب وفي كلا الجوابين بحث :

أمّا الأوّل فلدلالة الحديث على أنّ المراد بها غير الزكاة ، وأما الثاني فلأنّ حمل الأمر على الندب من غير معارض بعيد ، وهو غير معلوم هنا فتأمّل.

الثامنة : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢).

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) إن قرئ بتاء الخطاب فالفاعل هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو كلّ من يصلح للتخاطب و «الّذين» مفعوله الأوّل بحذف المضاف ، و «خيرا» مفعوله الثاني ، وهو ضمير الفصل ، أي لا تحسبنّ بخلهم خيرا لهم.

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٦٠ باب الحصاد والجداد الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٠٠ وبعده : ويعطى الحارس اجرا معلوما ويترك من النخل معا فأراه وأم جعرور ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقة والثلاثة لحفظه إياها.

(٢) آل عمران : ١٨٠.

٧٠

وإن قرئ على الغيبة احتمل كون الفاعل محسب أو عاقل ونحوه ، وهو الظاهر من سوق الآية ، واحتمل كونه (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) ومفعوله الأوّل محذوف ، أى لا يحسبنّ الّذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم ، ولا يرد ما قيل إنّ باب حسب لا يجوز حذف أحد مفعوليها ، لأنّ ذلك محمول على الغالب أو على الحذف نسيا منسيّا.

(بَلْ هُوَ) أي البخل (شَرٌّ لَهُمْ) لاستجلابه العقاب عليهم (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) كأنّه بيان لشرّيّته لهم ، والمعنى أنّهم يلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق ، ومن الأمثال قولهم تقلّدها طوق الحمامة إذا جاء بهنة يسبّ بها ويذمّ أو يجعل ما بخل به من المال طوقا في عنقه.

وروى (١) الكلينيّ عن محمّد بن مسلم في الحسن قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فقال : يا محمّد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل الله له ذلك يوم القيمة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب ثمّ قال هو قول الله (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة.

وعن حريز (٢) في الصحيح قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من ذي ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه الله يوم القيمة بقاع قفر ، وسلّط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنّه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فيقضمها كما يقضم الفجل ثمّ يصير طوقا في عنقه وذلك قول الله جلّ ذكره (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الحديث (٣).

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٤١ باب منع الزكاة الحديث ١.

(٢) الكافي ج ١ ص ١٤٢ باب منع الزكاة الحديث ١٩ وهو في المرآة ج ٣ ص ١٨٦ وفي الفقيه ج ٢ ص ٥ الرقم ١٠ وترى في الدر المنثور ج ٢ ص ١٠٥ احاديث مفادها قريب من مفاد هذا الحديث.

(٣) وذيل الحديث في نسخة الأستاذ المدرسى مذكور بلفظه.

٧١

والأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة ، والآية وإن كانت عامّة في الظاهر بالبخل مطلقا ، إلّا أنّها مخصوصة بالبخل في إخراج الزكاة الواجبة كما يعلم من ظاهر الأخبار المبيّنة لها ، ويزيده بيانا ما رواه الكلينيّ أيضا (١) عن جابر عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس البخيل الّذي يؤدّي الزكاة المفروضة في ماله ، ويعطي البائنة في قومه. وعن أحمد بن مسلم (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال البخيل من بخل بما افترض الله عليه ، والأخبار في ذلك كثيرة.

ولأنّ تارك التفضّل لو عدّ بخيلا لم يتخلّص الإنسان من البخل إلّا بإخراج جميع المال ، وفي حكم الزكاة سائر المصارف الواجبة ، كالإنفاق على النفس وعلى الأقربين الّذين يلزم مؤنتهم.

(وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي جميع ما يصحّ التوارث فيه فهو لله ، فما بال هؤلاء يبخلون عليه بماله ، ولا ينفقونه في سبيله ، أو أنّه تعالى يرث منهم ما يمسكونه ويبخلون به ولا ينفقونه في سبيل الله ، بعد موتهم وهلاكهم ، وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة وفي ذلك حثّ على الإنفاق والمنع عن الإمساك من قبل أنّ الأموال إذا كانت بمعرض

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٧٤ باب البخل والشح الحديث ٦ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٠٨ وبوجه ابسط الحديث ٨ وأرسله في الفقيه عن النبي (ص) ج ٢ ص ٣٤ الرقم ١٤١ وهو في الوافي الجزء السادس ص ٦٩ وفيه بيان : البائنة العطية سميت بها لأنها أبينت من المال.

أقول : هذه الكلمة مصحفة فاحتاجوا في شرح معناها الى التكلف ولم يرد البائنة في أصول المعاجم بمعنى العطية ، والصحيح : النائبة : وهي النازلة والحادثة ، لأنها تنوب الناس وقتا بعد وفت ومنها تأدية الغرامات والديات ، وما يضربه السلطان عليهم من سد البثوق وإصلاح القناطر والطرق وغير ذلك ، وقد نقله المجلسي في البحار (ج ٩٦ ص ١٦) وفيها النائبة في الموضعين.

(٢) الكافي ج ١ ص ١٧٤ باب البخل والشح الحديث ٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٠٨ وفي الوافي الجزء السادس ص ٦٩ ، ولعل الصحيح من السند «احمد بن سليمان» كما في الكافي و [احمد بن سلمة خ ل] وهكذا في معاني الأخبار ط مكتبة الصدوق ص ٢٤٦.

٧٢

الزوال فأجدر بالعاقل أن لا يبخل بإنفاقه ، ولا يحرص على إمساكه ، فيكون عليه وزره ولغيره نفعه.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من المنع والإعطاء (خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه ، وهو تأكيد للوعد والوعيد في الإنفاق والبخل ، لإحراز الثواب والأجر ، والسلامة من الإثم والوزر.

وقد يستدلّ بعموم الآية على وجوب بذل العلم وتحريم كتمانه من أهله ، إذا لم يكن هناك مانع من تقيّة ونحوها ، بل روى ابن عبّاس (١) أنّها نزلت في أحبار اليهود الّذين كتموا صفة محمّد ونبوّته ، وأراد بالبخل كتمان العلم الّذي آتاهم الله ، ولا ينافيه على الأوّل وروده في الزكاة لأنّ العبرة بعموم اللفظ ، وكذلك قوله تعالى : (سَيُطَوَّقُونَ) لما مرّ أنّ المراد يلزمون وباله ، ويؤيده ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتم علما من أهله ألجمه الله بلجام من نار (٢) ، ونحوه.

التاسعة : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (٣).

(قَدْ أَفْلَحَ) قد فاز (مَنْ تَزَكَّى) تطهّر من الكفر والمعاصي ، أو تكثّر من التقوى أخذا من الزكاة وإيّاه أراد من قال معناه قد ظفر بالبغية من صار زاكيا بالأعمال الصالحة والورع ، وقيل تزكّى أي أعطي زكاة ماله ، إمّا مطلقا أو زكاة الفطرة بخصوصها كما يشعر به قوله (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي صلاة العيد على احتمال ، ويحتمل مطلق الصلاة لقوله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤) وقيل : ذكر الله بقلبه عند صلوته فرجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فانّ الخشوع في الصلاة بحسب الخوف والرجاء.

وقيل : ذكر اسم ربّه بلسانه عند دخوله في الصلاة ، فصلّى بذلك الاسم أي قال : الله أكبر ، لأنّ الصلاة لا تنعقد إلّا به ، وبهذا احتجّت الحنفيّة على أنّ التكبيرة

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٥٤٦.

(٢) أخرجه في البحار ج ٢ ص ٧٨ من الطبعة الحديثة عن غوالي اللئالي.

(٣) الأعلى : ١٤ و ١٥.

(٤) طه : ١٤.

٧٣

الاولى ليست من صلب الصلاة لعطف الصلاة عليها ، وعلى أنّ الافتتاح جائز بكلّ اسم من أسمائه تعالى.

وفيه نظر لإجمالها في المعاني المذكورة فلا يصحّ الاحتجاج بها على أحدها معيّنا لاحتمال غيره ، وعلى هذا فالاستدلال بها على وجوب زكاة الفطرة بعيد إلّا أن ينضمّ إليها الخبر ، وهو ما رواه ابن بابويه (١) في الصحيح عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة قالا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة ، كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، لأنّ من صام ولم يؤدّ الزكاة فلا صوم له ، إذا تركها متعمّدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله عزوجل بدأ بها قبل الصلاة ، فقال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى).

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١١٩ بالرقم ٥١٥ ورواه في التهذيب ج ٢ ص ١٥٩ بالرقم ٦٢٥ وج ٤ ص ١٠٨ بالرقم ٣١٤ وفي الاستبصار ج ١ ص ٣٤٣ بالرقم ١٢٩٢ وفي المقنعة ص ٤٣ والسند في الفقيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة وفي النسخ المطبوعة من كتابي الشيخ عن ابن ابى عمير عن ابى بصير عن زرارة وفي المقنعة عن ابى بصير وزرارة.

وروى الحديث في الوافي الجزء الخامس ص ١١٥ والجزء السادس ص ٣٧ نقله عن كتابي الشيخ عن ابن ابى عمير عن ابى بصير عن زرارة وعن الفقيه عن حماد عن حريز عن ابى بصير وزرارة.

ورواه في جامع احاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٥٦ بالرقم ٣٣٣٤ ونقل الحديث في الوسائل في موضعين الأول في الباب ١٠ من أبواب التشهد الحديث ٢ ص ٣٩٧ ج ١ ط الأميري والثاني في الباب ١ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٥ ص ٤٠ ج ٢ ط الأميري وفيه في أبواب التشهد بعد نقله عن محمد بن على بن الحسين : عن محمد الحسن بإسناده عن حماد بن عيسى عن حريز عن ابى بصير وزرارة جميعا ثم ذكر بعده الحديث ثم قال وبإسناده عن ابن ابى عمير عن ابى بصير عن زرارة مثله.

قلت لم أظفر بالطريق الأول في كتابي الشيخ وأظنه من اشتباه الوسائل إذ لم ينقله في الجامع والوافي أيضا نعم نقله في المدارك ص ١٧٤ عن الشيخ عن ابى بصير وزرارة وحكاه ـ

٧٤

ولا يرد على هذا القول أنّ السورة مكيّة (١) ولم يكن في ذلك الوقت صلاة عيد ولا زكاة فطرة ، لأنّه يحتمل أن يكون أوائلها نزلت بمكّة ، وختمت بالمدينة ، فلا ينافي ذلك الاحتمال ، وإن كانت الآية غير ظاهرة فيه ، لقيام الاحتمالات غيره إلّا بضميمة الخبر ، وكيف كان فالوجوب معلوم من الأخبار المتظافرة والإجماع عليه.

__________________

ـ عنه في الحدائق ج ١٠ ص ٤٥٧ ط النجف وفي قلائد الدرر ج ١ ص ١٧٣ أيضا عن ابى بصير وزرارة ومثله في ص ٣١٥ عن الفقيه. ثم ألفاظ الحديث في المصادر التي سردناها متفاوتة ادنى تفاوت يعرف بالمراجعة.

ونقل الحديث في المنتقى ج ١ ص ٤٤٨ ونقل اختلاف نسخ الفقيه في ألفاظ الحديث ثم قال والشيخ روى الحديث في كتابيه بإسناد من الموثق ونقل الحديث أيضا في ج ٢ ص ١٢٧.

ثم ان سماحة الحجة الخرسان ذكر في تذييله على ص ١٥٩ ج ٢ من التهذيب ان طريق الشيخ الى ابن ابى عمير غير مذكور في أسانيد الكتاب قلت بلى ولكنه مذكور في فهرسته انظر ص ١٦٨ من الفهرست المطبوع بالنجف الرقم ١٦٨ وكذا ص ٣٠ من المنتقى الفائدة الخامسة من مقدمات الكتاب.

(١) وليس كونها مكية من المسلم فإنك ترى في أكثر التفاسير كالمجمع والتبيان وفتح القدير وغيرها يذكرون انها مكية وقال الضحاك مدنية وقد نقل القول بكونها مدنية في الإتقان في النوع الأول ج ١ ص ١٣ عن ابن الغرس (انظر ترجمة ابن الغرس في الإعلام ج ٧ ص ٢٨٠).

وترى في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٣٩ وص ٣٤٠ أحاديث كثيرة مرفوعة وموقوفة في تفسير الآية (قد أفلح من تزكى) انها زكاة الفطر تقدم على صلاة العيد.

٧٥

(كتاب الخمس)

وفيه آيات :

الاولى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ظاهر الغنيمة ما أخذت من دار الحرب ، ويؤيّده الآيات السابقة واللاحقة ، وعلى ذلك حملها أكثر المفسّرين ، والظاهر من أصحابنا أنّهم يحملونها على الفائدة مطلقا ، وإن لم يكن من دار الحرب (٢).

__________________

(١) الأنفال : ٤٣.

(٢) زاد في سن وعش : «نظرا الى أن الغنيمة في اللغة يطلق على كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات وفي الكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب.

وأطبق الجمهور على إنكاره ، وخصوها بغنيمة دار الحرب نظرا الى ظاهر لفظ الغنيمة.

واحتج أصحابنا بأن الغنيمة اسم للفائدة ، فكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه ، يتناول غيرها من الفوائد.

ويدل على ذلك من طرق أهل البيت روايات منها رواية محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا الى أبى جعفر الثاني عليه‌السلام : أخبرني عن الخمس ، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ فكتب بخطه : الخمس بعد المؤنة.

وفي رواية على بن مهزيار : وقد اختلف من قبلنا في ذلك ، فقالوا يجب على الصناع الخمس بعد مؤنة الصنعة وإخراجها ، لا مؤنة الرجل وعياله ، فكتب وقرأه على بن مهزيار ـ

٧٦

__________________

ـ عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله ، وبعد خراج السلطان» انتهى.

وهذه الزيادة توجد في نسخة القاضي في الهامش قائلا بعده «هكذا في بعض النسخ» ولا توجد في نسخة الأستاذ المدرسى الچاردهى وهو الصحيح ، فان قوله بعد ذلك «ورواه الكليني والشيخ» إلخ إنما يناسب لحوقه بما سبق في المتن ، لا برواية على بن مهزيار ، وقد عرفت فيما سبق أن هذه الزيادات مما كان في النسخة المسودة فأسقطها المؤلف رحمة الله عليه لكونها حشوا لا يحتاج إليها في فهم المراد من الايات.

وكيف كان ترى الحديث الأول في التهذيب ج ٤ ص ١٢٣ الرقم ٣٥٢ والاستبصار ج ٢ ص ٥٥ الرقم ١٨١ وتراه في الوسائل الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١ ج ٢ ص ٦١ ط الأميري وفي الحدائق ج ١٢ ص ٣٤٨ ط النجف والوافي الجزء السادس ص ٤٤.

وعد الحديث في المنتهى ج ١ ص ٥٥٠ من الصحيح واستشكل عليه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال وفي الصحة تأمل لعدم ظهور محمد بن الحسن الأشعري ويبعد كونه الصفار لوقوع نقل على بن مهزيار وبعد نقله عنه مع عدم شهرته بهذا اللقب بل يكتفى بابن الحسن والصفار ولذا ما قال في المختلف صحيحة محمد بل قال رواية محمد والدلالة أيضا غير صريحة وهو ظاهر انتهى.

وترى الحديث الثاني في التهذيب ج ٤ ص ١٢٣ الرقم ٣٥٤ والاستبصار ج ٢ ص ٥٥ بالرقم ١٨٣ ورواه في الكافي بسند آخر قال في المنتقى فيه ضعف قلت الظاهر انه من جهة سهل بن زياد وقد عرفت من تعاليقنا على المجلد الأول من هذا الكتاب ص ٣٥٢ قبول رواياته.

وعلى اى فهو في الكافي في الأصول باب الفيء والأنفال الحديث ٢٤ وطبع مع الفروع ج ١ ص ٤٣٦ وهو في المرآة ج ١ ص ٤٤٨ وشرح ملا صالح المازندراني ج ٧ ص ٤١٣ والوسائل الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٤ ص ٦١ ج ٢ ط الأميري وفي الحدائق ج ١٢ ص ٣٤٨ وفي المنتقى ج ٢ ص ١٤٣ وفي الوافي الجزء السادس ص ٤٤.

واللفظ في كتابي الشيخ : عن على بن مهزيار قال كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني ـ

٧٧

__________________

ـ أقرأني علىّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع انه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة وانه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله فكتب وقرأته على [ا] بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان.

وفي الكافي سهل عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت الى ابى الحسن أقرأني على بن مهزيار كتاب أبيك فيما أوجبه إلى آخر ما في التهذيبين وليس في آخره بعد فكتب «وقرأته على بن مهزيار».

ثم مرجع الضمير في حديث التهذيبين مجمل والظاهر انه أبو الحسن الهادي كما يرشد اليه حديث الكافي وكذا حديث العياشي ج ٢ ص ٦٣ بالرقم ٦١ المروي في البحار ج ٢٠ ص ٥٠ والبرهان ج ٢ ص ٨٨ والمستدرك ج ١ ص ٥٥٢ : عن إبراهيم بن محمد قال كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام اسئله عما يجب في الضياع فكتب الخمس بعد المؤنة قال فناظرت أصحابنا فقالوا : المؤنة بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤنة الرجل فكتب إليه انك قلت الخمس بعد المؤنة وان أصحابنا اختلفوا في المؤنة فكتب الخمس بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤنة الرجل وعياله.

قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أن إبراهيم هذا مجهول قلت مع كونه ممدوحا يروى عنه الثقات ـ ولذا سرده الشيخ محمد طه نجف في الإتقان ص ٩ من الثقات ـ ان الإيراد بضعفه لا يرد على حديث الكافي والتهذيبين فان الحاكي عن الكتاب هو على بن مهزيار والطريق اليه صحيح خصوصا ما في التهذيبين بل قد عرفت كون سند الكافي أيضا مقبولا.

ثم الظاهر أن كتاب أبيه المذكور في حديث الكافي والتهذيبين هو كتابه الطويل الذي رواه في التهذيب ج ٤ ص ١٤١ بالرقم ٣٩٨ والاستبصار ج ٢ ص ٦٠ بالرقم ١٩٨ عن على بن مهزيار قال كتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام قرأت انا كتابه إليه : قال الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومأتين فقط الى آخر الحديث.

وترى هذا الحديث أيضا لم يتعين فيه المكتوب اليه من ابى جعفر ، والظاهر ان أبا جعفر فيه هو الجواد عليه‌السلام وان المكتوب إليه إبراهيم بن محمد وان هذا الكتاب ـ

٧٨

ورواه الكلينيّ والشيخ (١) عن حكيم مؤذّن بني عبس عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) قال هي والله الفائدة يوما فيوما الحديث.

وقد أدرجوا السبعة الأشياء الّتي أوجبوا فيها الخمس في ذلك ، وهي غنيمة دار الحرب ، وأرباح التجارات والزراعات والصناعات ـ بعد مؤنة السنة له ولعياله على الوجه الأوسط من غير إسراف ولا تقتير ـ والمعادن والكنوز وما يخرج بالغوص والحلال المختلط بالحرام ، مع جهل القدر والمالك ، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.

وزاد الحلبي (٢) على ذلك الميراث والهديّة والهبة والصدقة ، وأضاف الشيخ

__________________

ـ هو المراد في حديث الكافي والتهذيبين من كتاب أبيك والله العالم.

ثم كتاب ابى جعفر المروي في التهذيبين عن على بن مهزيار تراه في الوسائل الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٥ ج ٢ ص ٦١ ط الأميري والوافي الجزء السادس ص ٤٧ والحدائق ج ١٢ ص ٣٤٩ والمنتقى ج ٢ ص ١٤٠.

وقد استشكل على الحديث بإشكالات قد تصدى صاحب المعالم في المنتقى والعلامة المجلسي في المرآة والسبزواري في الذخيرة وصاحب الحدائق لرفعها فراجع.

(١) الكافي في الأصول باب الفيء الحديث ١٠ وطبع مع الفروع ج ١ ص ٤٢٥ وهو في المرآة ج ١ ص ٤٤٦ وفي شرح ملا صالح المازندراني ج ٧ ص ٤٠٧ ورواه في التهذيب ج ٤ ص ١٢١ الرقم ٣٤٤ والاستبصار ج ٢ ص ١٥٤ الرقم ١٧٩ وتراه في الوسائل الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٨ ج ٢ ص ٦٧ ط الأميري والوافي الجزء السادس ص ٤٥ والحدائق ج ١٢ ص ٣٢٠.

ثم الضبط في الكافي مؤذن بني عيسى وفي التهذيبين مؤذن بني عبس ونقل المجلسي عن التهذيب مؤذن بني عيسى بالياء المثناة أيضا وفي جامع الرواة للأردبيلي ج ١ ص ٢٦٨ بنى عبس وبنى عيسى وبنى عبيس وعلى اى فالرجل مجهول عده الشيخ في رجال الامام الصادق ص ١٨٤ الرقم ٣١٩ ونقل عنه أرباب الرجال ولم يزيدوا على ذلك.

(٢) هو أبو الصلاح الشيخ تقى ابن النجم الحلبي ، الشيخ الأقدم من كبار علمائنا الإمامية كان معاصرا للشيخ ابى جعفر الطوسي ، وقرأ عليه وعلى السيد المرتضى رحمة الله عليهم أجمعين.

٧٩

العسل الجبليّ والمنّ ، وأضاف الفاضلان الصمغ وشبهه (١).

__________________

(١) زاد في سن وعش وهامش قض أيضا :

وقال ابن الجنيد : فأما ما استفيد من ميراث أو كد بدن أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك ، فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك [ولان لفظ فريضة يحتمل هذا المعنى].

وقد يستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصا إذ لا ريب في عدم صحة الحمل على غنائم دار الحرب ، فينبغي أن تحمل على الغنائم [الفوائد] مطلقا.

وأوردها في المعتبر إيرادا على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام ، ثم قال : ولا نوجبه الا فيما يطلق عليه اسم الغنيمة ، وقد بينا ان كل فائدة غنيمة.

واحتمل الشيخ في الاستبصار بعد إيرادها ان تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل للإنسان من جملة الغنائم التي ذكرها الله تعالى.

واستدل بها في المختلف لابن الجنيد ، ثم قال : وجوابه القول بالموجب ، فان الخمس انما يجب فيما يكون غنيمة وهو يتناول غنائم دار الحرب وغيرها من جميع الاكتسابات ، على أنه لا يقول بذلك ، فإنه أوجب الخمس في المعادن والغوص وغير ذلك.

واستدل فيه أيضا على إيجاب الخمس في أرباح التجارات والصناعات والزراعات ، وأورد على ابن الجنيد فقال : لنا قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) الآية ، وهذا من جملة الغنائم.

وفيه أيضا في بيان وقت وجوبه أن الآية وغيرها يقتضي وجوب الخمس وقت حصول ما يسمى غنيمة وفائدة ، وبالجملة فالقول بدلالة الآية على وجوب الخمس في كل فائدة إلا ما أخرجه الدليل غير بعيد خصوصا أن ملاحظة أن الغنيمة في اللغة والعرف للفائدة مطلقا وتخصيص الآية أو تقييدها أولى بطلب الدليل عليه ، وربما استبعد بعض أصحابنا استفادة ذلك من ظاهر الآية وقال : الظاهر منها كون الغنيمة. انتهى.

راجع صحيحة ابن سنان في التهذيب ج ٤ ص ١٢٤ الرقم ٣٥٩ والاستبصار ج ٢ ص ٥٦ الرقم ١٨٤ والفقيه ج ٢ ص ٢١ الرقم ٧٤ وهو في الوسائل الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١ وفي الحدائق ج ١٢ ص ٣٢١ والوافي الجزء السادس ص ٤٣ وفي المنتقى ج ٢ ص ١٣٨ وبسط الكلام في تأويل الحديث.

٨٠