مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

[الثالثة (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١) استدلّ أصحابنا بها على أنّ الذمّي إذا انتقل من دينه إلى دين آخر من ملل الكفر ، سواء كان ذلك الدّين مما يقرّ عليه أهله أم لا ، لم يقرّ عليه ، ويؤيّده ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : من بدّل دينه فاقتلوه (٢) ولا كلام بينهم فيما إذا كان الدين ممّا لا يقرّ عليه ، ولو كان ممّا يقرّ عليه أهله كاليهوديّ يتنصّر أو العكس فالأكثر على ذلك أيضا لعموم الآية المذكورة.

وربما ذهب بعض أصحابنا إلى أنّه يقرّ عليه لأنّ الكفر ملّة واحدة ، فلا يتفاوت الحال بين كونه على الملّة الّتي كان عليها أوّلا أو غيرها ممّا يقرّ عليه.

وفيه نظر فانّ كون الكفر ملّة واحدة لا يقتضي الإقرار مع معارضة الآية ، ولو عاد مثل هذا إلى دينه الأوّل فمقتضى الآية عدم القبول].

الثالثة : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣).

(قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي الّذين لا يعترفون بتوحيد الله ولا يقرّون بالبعث والنشور ، وهذا يدلّ على صحّة ما ذهب إليه أصحابنا من أنّه لا يجوز أن يكون في جملة الكفّار من هو عارف بالله ، وإن أقرّ باللّسان ، نعم يكون معتقدا لذلك لا عن علم ، فإنّ الآية صريحة في أنّ أهل الكتاب الّذين يؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون بالله واليوم الآخر.

__________________

(١) آل عمران : ٨٥ ، وذكر هذه الآية مع ما يليها من البحث من مختصات نسخة سن.

(٢) الجامع الصغير بالرقم ٨٥٥٩ ج ٦ ص ٩٥ فيض القدير أخرجه عن أحمد والبخاري وأصحاب السنن ورواه في دعائم الإسلام عن النبي (ص) ج ٢ ص ٤٧٨ بالرقم ١٧١٧ ونقله عنه في مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٢٤٢ وقد أرسل الحديث فقهاؤنا بعنوان النبوي في كتبهم الفقهية.

(٣) براءة : ٢٩.

٣٤١

ومن قال إنّهم يجوز أن يكونوا عارفين بالله ، قال إنّ الآية خرجت مخرج الذمّ لهم ، لأنّهم بمنزلة من لا يقرّ به في عظم الجرم كما أنّهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بالكفر.

(وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي موسى وعيسى عليهما‌السلام الّذين يزعمون وجوب متابعته ، فإنّه قد أخبر برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم يخالفون ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد ما ثبت تحريمه بالكتاب والسّنة كالخمر والخنزير ونحوهما.

(وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) أي لا يعتقدون صحّة دين الإسلام الّذي هو الحقّ الثابت النّاسخ لسائر الأديان ومبطلها ، وفيه دلالة على أنّ دين اليهوديّة والنّصرانيّة غير الحقّ ، إمّا لأنّها نسخت ، فالكون عليها بعد النسخ باطل غير حقّ ، وإمّا لأنّ التوراة الّتي معهم مغيّرة مبدّلة ليست بالّتي نزلت من الله لقوله (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١).

(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للّذين لا يؤمنون ، وهم اليهود والنّصارى وأدخل العلماء فيهم المجوس لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» فحكمهم حكمهم.

(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) غاية وجوب القتال ، والجزية فعلة من جزى يجزي إذا قضى ما عليه ، والمراد بها هنا العطيّة المقرّرة لإقامتهم بدار الإسلام ، تؤخذ منهم في كلّ عام ، سمّيت جزية لأنّها طائفة ممّا على أهل الذمّة أن يجزوه أي يقضوه ، أو لأنّهم يجزون بها ما منّ عليهم بالاعفاء عن القتل.

(عَنْ يَدٍ) حال من الضّمير المرفوع أي عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين لها مع غيرهم نائبا عنهم في الدّفع إذا قدروا عليه ومن ثمّ منع الذمّي من التوكيل فيه مع القدرة. أو عن غنى ، ولذا قيل لا يؤخذ من الفقير ذهب إليه جماعة من الأصحاب ، أو عن يد قاهرة عليهم ، بمعنى عاجزين أذلّاء أو عن إنعام عليهم فإنّ إبقاءهم

__________________

(١) النساء : ٤٦ ، المائدة : ١٣.

٣٤٢

بالجزية من غير قتل ولا استرقاق نعمة عظيمة ، ويجوز أن يكون حالا من الجزية بمعنى نقدا مسلمة عن يد إلى يد ، كما يقال باع يدا بيد.

وأمّا قوله (وَهُمْ صاغِرُونَ) فمعناه أنّه لا بدّ مع أخذ الجزية من إلحاق الصّغار بهم والسّبب فيه أنّ طبع العاقل ينفر عن تحمّل الذلّ ، فإذا أمهل الكافر مدّة وهو يشاهد عزّ الإسلام ، وذلّ الكفر ، ويسمع الدّلائل ، فالظاهر أنّ مجموع ذلك يحمله على الانتقال إلى الإسلام.

وقد فسّروا الصّغار في الآية بتفسيرات فقيل الصّغار هو التزام الجزية على ما يحكم به الامام من غير أن تكون مقدّرة والتزام أحكامنا وجريانها عليهم ، وهو قول الشيخ في الخلاف وقال في المبسوط الصّغار المذكور في الآية هو التزام أحكامنا وجريانها عليهم ، قال وفي النّاس من قال : إنّ الصّغار أن يؤخذ منه الجزية قائما والمسلم جالسا.

وقال ابن إدريس اختلف المفسّرون في الصّغار والأظهر أنّه التزام أحكامنا عليهم وإجراؤها عليهم ، وأن لا يقدّر الجزية فيوطّن نفسه عليها بل يكون بحسب ما يراه الامام بما يكون معه ذليلا صاغرا خائفا ، فلا يزال كذلك غير موطّن نفسه على شيء ويتحقّق الصّغار الّذي هو الذلّة.

وذهب شيخنا المفيد إلى أنّ الصّغار هو أن يأخذهم الإمام بما لا يطيقون حتّى يسلموا ، ويؤيّده ما رواه الكلينيّ (١) في الحسن عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١٦٠ باب صدقة أهل الجزية الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٠٠.

ورواه في التهذيب ج ٤ ص ١١٧ بالرقم ٣٣٧ والاستبصار ج ٢ ص ٥٣ بالرقم ١٧٦ والفقيه ج ٢ ص ٢٧ بالرقم ٩٨ وهو في الوافي الجزء السادس ص ٤٨ والوسائل الباب ٦٨ من أبواب وجوب الجهاد الحديث ١ ج ٢ ص ٤٦٨ ط الأميري ونور الثقلين ج ٢ ص ٢٠٣ الرقم ١٠١ والبرهان ج ٢ ص ١١٤ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٦٥ وحديث الفقيه الى ما ذكره المصنف «فيسلم» وفي الكافي والتهذيب له تتمة جعلها في الفقيه حديثا مستقلا ـ

٣٤٣

ما حدّ الجزية على أهل الكتاب وهل عليهم في ذلك شيء موظّف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟ فقال ذاك إلى الإمام يأخذ من كلّ إنسان منهم على قدر ما يطيق ، إنّما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتّى يسلموا ، فانّ الله تعالى قال (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث لما يؤخذ منه ، حتّى يجد ذلّا لما أخذ منه فيسلم الحديث.

ومقتضاه أنّ الصّغار أن يأخذهم بما لا يطيقون حتّى يسلموا وقال الشّافعي هو أن يطأطئ رأسه عند التسليم فيأخذ المستوفي بلحيته ، ويضرب في لهازمه.

وظاهر الآية تخصيص الجزية بأهل الكتاب من بين أصناف الكفّار وأنّ من عداهم من الكفّار لا يقبل منهم الجزية ، بل إمّا الإسلام أو السبي أو القتل ، وعلى هذا أصحابنا ووافقهم الشافعيّة.

وقال أبو حنيفة يقبل من جميع الكفّار إلّا العرب ، وقال أحمد : يقبل من جميع الكفّار إلّا عبدة الأوثان من العرب ، وقال مالك إنّها يقبل من جميعهم إلّا مشركي قريش ، لأنّهم ارتدّوا ، وهي أقوال ضعيفة وظاهر الآية يدفعها وكذا عموم قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وفي أخبارنا ما يدلّ على ذلك أيضا مع أنّ الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم ثابت لما في أهل الكتاب من الإقرار باللّسان بالتوحيد والتصديق ببعض الأنبياء وإن لم يكونوا عارفين في الحقيقة بخلاف غيرهم.

ثمّ إنّ الظاهر من الكتاب التورية والإنجيل ، فعلى هذا لو كان غير اليهود والنّصارى والمجوس فإنّهم لا يقرّون بالجزية ، وإن كان لهم كتاب كصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس وزبور داود عليهم‌السلام وعلى هذا أصحابنا وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر أنّهم يقرّون بالجزية ، وهو قول جماعة من العامّة محتجّين عليه بظاهر الآية فإنّهم أهل كتاب ، ولأنّ المجوس يقرّون بالجزية ولم يثبت لهم كتاب بل شبهة كتاب

__________________

ـ ومثله في العياشي إلى قوله «فيسلم» ج ٢ ص ٨٥ بالرقم ٤١ ونقله عنه في البحار ج ٢١ ص ١٠٩.

٣٤٤

فإقرار هؤلاء مع ثبوت الكتاب لهم حقيقة أولى.

والجواب ما تقدّم أنّ اللّام في الكتاب للعهد ، والمراد التوراة والإنجيل لأنّه المتبادر عند الإطلاق ، بخلاف ما عداهما ، فإنّها ليست كتبا منزلة على ما قيل وإنّما هي وحي يوحي ، ولو سلّم أنّها منزلة فهي قد اشتملت على مواعظ لا غير ، وليس فيها أحكام مشروعة ، فلم يكن لها حرمة الكتب المنزلة ، وعن الثاني أنّهم ملحقون بأهل الكتاب لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» لا أنّهم داخلون في الآية حقيقة ، وفيما ذكرنا كفاية للمستبصر ، ولتفصيل أحكام الجزية بحث يطول ، فليطلب من محلّه.

الرابعة : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١).

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) مالوا إليه ، ومنه الجناح ، وقد تعدّى باللّام وإلى والسّلم : الصّلح والاستسلام (فَاجْنَحْ لَها) وعاهد معهم ، وتأنيث الضّمير بحمل السّلام على نقيضها وهو الحرب (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه فانّ الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنيّاتهم.

وفي الآية دلالة على جواز الهدنة ، وهي المعاهدة على ترك الحرب ، ووضع القتال مدّة معيّنة بعوض وبغير عوض قيل هي مخصوصة بأهل الكتاب لاتّصالها بقصّهم وقيل عامّة منسوخة (٢) بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).

والحقّ أنّها غير منسوخة ، وأمرها عندنا منوط برأي الإمام ، فما يرى فيه المصلحة يفعله مع الكفّار المحاربين ، وما خلا عن المصلحة لا يجوز فيه ذلك ، كما لو كان

__________________

(١) الأنفال : ٦٢.

(٢) وانظر أيضا ما أفاده آية الله الخويي ص ٢٤٨ من البيان.

٣٤٥

في المسلمين قوّة وفي المشركين ضعف ، ويخشى قوّتهم أو اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال فإنّه لا يجوز له مهادنتهم ، والحالة هذه ، لوجود الضرر على المسلمين.

قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا ولو كانت الحاجة تدعو إلى المهادنة لضعف المسلمين عن المقاومة جاز أن يهادنهم إلى أن يقوى المسلمون ، ولا يتعيّن في ذلك وقت بل يجوز ولو إلى عشر سنين ، لما رواه الجمهور (١) عن مروان ومسور بن مخرمة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين ، أمّا لو كان في المسلمين قوّة ولكنّ المصلحة اقتضت المهادنة فإنّه لا يجوز المهادنة أكثر من سنة إجماعا.

كذا في المنتهى واستدلّ عليه بقوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الآية وهي عامّة إلّا ما خصّه الدليل ويجوز المهادنة أربعة أشهر فما دون إجماعا لقوله تعالى (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) حيث أمر أن يقال للمشركين : سيحوا في الأرض آمنين هذه المدّة ، أمّا ما بينهما ففيه خلاف بين العلماء ويمكن ترجيح العدم نظرا إلى ظاهر قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الآية دلّت على قتلهم بكلّ حال ، خرج قدر الأربعة بالآية السابقة ، فيبقى ما عداه على عموم القتل.

واحتجّ المجوّزون بأنّ المدّة قصرت عن أقلّ [مدّة] ظ الجزية ، فجاز العقد فيها كالأربعة ، وهو قياس غير ظاهر الوجه ، فكان مردودا وتفصيل ذلك يطلب من محلّه.

الخامسة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ

__________________

(١) انظر البيهقي ج ٩ ص ٢٢١ باب ما جاء في مدة الهدنة رواه عن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة وروى الشافعي في الأم ج ٤ ص ١٨٩ أيضا قصة كون المهادنة عام الحديبية عشر سنين.

٣٤٦

فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) سافرتم وذهبتم للغزو (فَتَبَيَّنُوا) واطلبوا بيان الأمر وثباته ، ولا تعجلوا فيه ليظهر لكم من يستحقّ القتل (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) لمن حيّاكم بتحيّة الإسلام ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة السلم بغير ألف أي الاستسلام والانقياد ، فلم يقاتلكم مظهرا أنّه من أهل ملّتكم.

(لَسْتَ مُؤْمِناً) على الحقيقة وإنّما فعلت ذلك خوفا من القتل ، وقرئ مؤمنا بالفتح أي مبذولا له الأمان (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تطلبون ماله الّذي هو حطام الدّنيا فإنّه عرض لا بقاء له ، بل هو سريع النفاد (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) تغنيكم عن قتل أمثاله لأخذ ماله.

(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي أوّل ما دخلتم في الإسلام وتفوّهتم بكلمتي الشّهادة فحصّنتم بها دماءكم وأولادكم من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم وألسنتكم.

(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالاشتهار بالإيمان والاستقامة في الدّين أو أنّكم في أوّل الأمر حدث منكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام فمنّ الله عليكم بتقوية ذلك الميل ، وتزايد نور الإيمان ، فكذا هؤلاء قد حدث لهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف.

(فَتَبَيَّنُوا) وافعلوا بالدّاخلين في الإسلام كما فعل بكم حال دخولكم فيه ولا تبادروا إلى قتلهم (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

روى (٢) أنّ سريّة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزت أهل فدك فهربوا وبقي مرداس بن نهيك

__________________

(١) النساء : ٩٧.

(٢) رواه في نور الثقلين ج ١ ص ٤٤٣ بالرقم ٤٩٧ عن تفسير على بن إبراهيم وكذا قلائد الدرر ج ٢ ص ١٨١ وهو في تفسيره المطبوع بهامشه التفسير المنسوب الى الامام العسكري ص ٨٠ وذيل الحديث فتخلف عن أمير المؤمنين في حروبه وانزل الله في ذلك (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً).

ونقل في المجمع ج ٢ ص ٩٥ قولا بكون نزول الآية في أسامة بن زيد وقولا بكونه في محلم بن جثامة وكونه في المقداد وكونه في أبي الدرداء.

٣٤٧

ثقة بإسلامه ، إذ لم يسلم من قومه غيره ، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل ، وصعد فلمّا تلاحقوا وكبّروا كبّر ونزل ، وقال لا إله إلّا الله محمّد رسول الله السّلم عليكم ، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه ، فنزلت ، وقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية على أسامة فحلف أن لا يقتل رجلا قال لا إله إلّا الله.

وفي الآية دلالة على قبول الايمان ممّن تلفّظ بالشّهادة من غير تعرّض له بكونه قال ذلك عن إكراه أو قصد ، بل على تحريم القول بأنّه ليس بمؤمن ، وعلى أنّ كلمة الشّهادة تحقن مال الرجل ودمه على أيّ وجه حصلت.

وقال أكثر الفقهاء : لو قال اليهوديّ والنّصراني أنا مؤمن أو مسلم ، لا يحكم بإسلامه لأنّه يعتقد أنّ الايمان والإسلام هو دينه ، ولو قال «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» فلا يحصل الجزم بإسلامه ، لأنّ منهم من يقول أنّه رسول العرب وحدهم ومنهم من يقول إنّ محمّدا الّذي هو الرّسول الحقّ منتظر بعده ، نعم إذا اعترف بأنّ الدين الّذي كان عليه باطل ، وأنّ الّذي هو موجود بين المسلمين حقّ قبل منه.

وقد يستفاد منها لزوم الأخذ بظاهر الحال من غير تجسّس وتفحّص عن كونه موافقا للواقع أولا ، وقد ورد بالنّهي عن التجسس الكتاب والسنّة بل الإجماع أيضا وظاهر الأمر بالتبيين وتكراره في الآية مرّتين تعظيم للأمر ، وتنبيه على عدم الجرأة في الأمور الّتي يترتّب عليها ضرر الغير ، وعدم السّرعة فيها ، والاقدام عليها إلّا بعد التثبّت والتروّي وانكشاف حقيقة الأمر مهما أمكن.

ويستفاد منها أيضا أنّ المؤمن لا يخرج عن الايمان بمثل تلك الفعلة [وإلّا لخرج زيد بفعله عن الإسلام ولم يخرج].

وهو صريح في عدم اعتبار العمل في الايمان كما هو القول الصّحيح قال القاضي (١) وفيه دليل على صحّة إيمان المكره ، وأنّ المجتهد قد يخطئ وأنّ خطأه مغتفر قلت : الدلالة على ذلك غير واضحة (٢) ، فإنّ ظاهر الآية لا يدلّ على كونه مكرها

__________________

(١) البيضاوي ص ١٢٣ ط المطبعة العثمانية.

(٢) وفي سن بدل هذه الجملة هكذا : قلت : الدلالة على الحكم الأول قد مر بيانها ـ لان «من» في قوله (لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) عامة فيشمل المكره وغيره ، لعدم المخصص ، فيثبت الحكم في المكره أيضا ، الا أن كون القاتل في هذه الصورة إلخ.

٣٤٨

نعم سوق الكلام يدلّ على أنّه لو لم يكن مؤمنا لقتل ، فكان له ظنّ بعدم القتل لإيمانه وكون مثله مكرها غير معلوم ، مع أنّ ظاهر قوله (أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) من غير إكراه لا معه ، فأين الدلالة عليه؟ على أنّ الصحّة يراد بها موافقة الأمر ، وكون المكره بهذه المثابة غير معلوم إلّا أن يراد بالصحة لازمها ، وهو كونه حاقنا لدمه وماله فتأمل وكون القاتل في هذه الصورة مجتهدا غير معلوم ، لكن هذا يتمشّى على أصولهم من كون ظنّ الصحابىّ مستندا إلى اجتهاد ، فتأمّل.

السادسة : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يحتمل الماضي والمضارع ، حذف إحدى تائيه ويؤيّد الأوّل قراءة «توفّاهم» والثاني «توفّاهم» مضارع «توفّيت» والمتوفّى على الحقيقة هو الله تعالى لأنّه الفاعل لكلّ شيء إلّا أنّ الرئيس المفوّض إليه هذا العمل ملك الموت ، وسائر الملائكة أعوانه ، وعلى هذا فالتوفية قد يسند إلى الله تعالى وإلى الملائكة وإلى ملك الموت ، وما يفعله الملك وملك الموت يجوز أن يضاف إلى الله تعالى إذا فعلوه بأمره.

(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال من المفعول لعدم إفادة الإضافة اللّفظية تعريفا أي في حال ظلمهم أنفسهم بالعصيان بسبب ترك الهجرة الواجبة ، وموافقة الكفّار بإظهار عدم الايمان ، قيل نزلت في جماعة من أهل مكّة (٢) أسلموا ولم يهاجروا عن بلاد الشّرك

__________________

(١) النساء : ١٠٠.

(٢) انظر لباب النقول ص ٧٥ أخرجه عن الطبراني عن ابن عباس وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ من ص ٢٠٥ الى ص ٢٠٧.

٣٤٩

حين كانت الهجرة إلى بلاد الإسلام لإظهار شرائعه وإقامة أحكامه فريضة واجبة.

(قالُوا) أي الملائكة توبيخا لهم وتبكيتا (فِيمَ كُنْتُمْ) في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم إذ لم تكونوا في شيء من أمر الدّين ، بسبب ترك الهجرة الواجبة مع القدرة وترك إظهار الإسلام لعدم مبالاتهم بالشريعة ، وهو في الحقيقة نعي عليهم بأنّهم ليسوا من الدّين في شيء ، ولهذا لم يجيبوا بقولهم كنّا في كذا أو لم نكن في شيء (قالُوا) في جواب الملائكة معتذرين مما وبّخوا به (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أي غير قادرين على الهجرة لعدم المؤنة على السّفر ، أو غير قادرين على إظهار الايمان لما فيهم من الضّعف.

(قالُوا) أي الملائكة تكذيبا لهم على الأوّل (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) يعني كنتم قادرين على الهجرة فتركتموها من عند أنفسكم ، وعلى الثاني كنتم قادرين على إظهار الايمان بأن تهاجروا إلى قطر آخر [تتمكّنوا فيه من إظهار دينكم] كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة وأظهروا إيمانهم.

(فَأُولئِكَ) أي الّذين توفّيهم الملائكة على الوجه السابق (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) مسكنهم فيها ، لتركهم الهجرة الواجبة ، ومساعدتهم الكفّار في إخفاء معالم الدّين (وَساءَتْ مَصِيراً) مصيرهم أو جهنّم ، وفيها وعيد عظيم على ترك الهجرة من موضع يكون الإنسان فيه غير متمكّن من إقامة دينه ، ويلزم من ذلك وجوبها كما صرّح به القاضي وغيره.

وقال في الكشاف (١) «هذا دليل على أنّ الرّجل إذا كان في بلد لا يتمكّن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب ، أو علم أنّه في غير بلده أقوم بحقّ الله وأدوم على العبادة ، حقّت عليه المهاجرة» ولعلّه أراد من لفظ حقّت الوجوب ، لكن يشكل الأمر في وجوب المهاجرة مع الصّورة الثانية ، ومن ثمّ لم يتعرّض لها القاضي واقتصر في الدلالة على الأولى.

ولا يبعد حمل الثّانية على ما إذا تمكّن من إقامة بعض ما يجب عليه من أمر دينه

__________________

(١) الكشاف ج ٢ ص ٥٥٥ ط دار الكتاب العربي.

٣٥٠

دون بعض آخر وتكون الصّورة الأولى محمولة على ما إذا لم يتمكّن من إقامة الجميع وظاهر أنّ الصورتين تشتركان في وجوب المهاجرة ، لما في الإقامة من ترك الواجب وهو حرام.

وقد روينا في الصّحيح (١) عن محمّد بن مسلم عن الصّادق عليه‌السلام في رجل أجنب ولم يجد إلّا الثلج أو ماء جامدا قال يتيمّم به ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض الّتي توبق دينه. حيث علّل النّهي عن العود إليها بكونها موبقة لدينه ، وظاهر أنّ هذا في بعض الأفعال الواجبة ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كانت شبرا من الأرض استوجبت له الجنّة وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيّه محمّد صلوات الله عليهما.

وقد يستفاد من الآية أنّ من لا يكون بهذه المثابة كما لو كان له عشيرة تحميه من المشركين ويمكنه إظهار إيمانه ويكون آمنا على نفسه مع مقامه بين ظهراني المشركين فانّ المهاجرة غير واجبة عليه وهو كذلك عند العلماء.

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ١٩١ بالرقم ٥٥٣ والاستبصار ج ١ ص ١٥٨ الرقم ٥٤٤ ورواه في الكافي بسند آخر ج ١ ص ٢٠ باب الرجل يصيبه الجناية فلا يجد الا الثلج الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٣ وفيه عند شرح قوله «ولا أرى أن يعود» : فيه دلالة على أن من صلى بتيمم فصلوته لا تخلو عن نقص ، وان كانت صلوته مبرئة للذمة ، وانه يجب عليه ازالة هذا النقص عن صلوته المستقبلة بالخروج عن محل الاضطرار.

ورواه عن الكليني في المنتقى ج ١ ص ٢٦٨ وهو في الوافي الجزء الرابع ص ٨٥ والوسائل الباب ٩ من أبواب التيمم الحديث ٩ ج ١ ص ١٨٥ ط الأميري.

وقريب من الحديث ما في محاسن البرقي باب الضرورات من كتاب السفر الرقم ١٣٤ ونقله عنه وعن السرائر في البحار ج ١٨ ص ١٢٩ وعليه شرح مفيد فراجع.

(٢) المجمع ج ٢ ص ١٠٠ وعنه نور الثقلين ج ١ ص ٤٤٨ بالرقم ٥٢٥ وأخرجه أيضا في الكشاف ج ٢ ص ٥٥٥ ط دار الكتاب العربي ، قال ابن حجر في الكاف الشاف أخرجه الثعلبي في تفسير العنكبوت من رواية عباد بن منصور الباجى عن الحسن مرسلا وأخرجه في الكشاف ج ٣ ص ٤٦١ أيضا.

٣٥١

قالوا : ويؤيّد ذلك أنّ النبيّ (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث يوم الحديبية إلى أهل مكّة عثمان لأنّ عشيرته كانت أقوى بمكّة ، نعم يستحبّ لمثل هذا المهاجرة لما في الإقامة معهم من الاختلاط بهم ، وتكثير عددهم.

ثمّ استثنى ممّا تقدّم بقوله (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) والظاهر أنّ الاستثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لفقرهم وعجزهم عن التوصّل وعدم وجدانهم أسباب الهجرة وهي صفة «المستضعفين» ويجوز أن تكون صفة الرّجال وما بعده ، وإن كان نكرة لأنّ الموصوف لا يراد به شيء بعينه ، فهو كقوله «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني».

(وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ولا معرفة لهم بالمسالك والطّرق.

(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ذكر بكلمة الاطماع ولفظة العفو إيذانا بأنّ ترك الهجرة أمر خطير ، حتّى أنّ المضطرّ من حقّه أن لا يأمن ويسأل الله العفو عنه ويترصّد الفرصة فكيف بغيره.

(وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) ومقتضاها عدم وجوب المهاجرة على تقدير عدم الحيلة والاستطاعة ، ووجود العذر المانع منها كالمرض والضّعف ، أو عدم النفقة أو غير ذلك وهي مؤكّدة الوجوب في صورة القدرة كما اقتضته الآية السابقة.

ولا يرد أنّه قد روي (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا هجرة بعد الفتح» ومن ثمّ احتمل بعضهم كونه ناسخا لها ، إن كان متواترا ، أو مخصّصا لها أو مقيّدا إن لم يكن ، لأنّ المراد بالحديث نفي وجوب الهجرة عن مكّة بعد فتحها للتمكّن من إظهار شعائر الإسلام ولكونها صارت دار الإسلام لا أنّ المراد عدم الهجرة على العموم ، كيف والهجرة من

__________________

(١) انظر السير قصة عمرة الحديبية.

(٢) انظر الوسائل الباب ٣٦ من أبواب الجهاد الحديث ٧ ج ٢ ص ٤٣١ ط الأميري والمنتهى ج ٢ ص ٨٩٩ وانظر أيضا الجامع الصغير الرقم ٩٩٢٧ ج ٦ ص ٤٣٨ فيض القدير وفيه أنه أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة وانظر سنن البيهقي ج ٩ من ص ١٥ الى ص ١٨ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٥٠ وص ٢٥١.

٣٥٢

بلاد الشّرك واجبة قطعا والآيات عامّة وخصوص الأسباب لا يوجب تخصيصها.

ومنه يلزم اندفاع ما ذكره أيضا أنّ غاية ما يفهم منها وجوب المهاجرة في مادّة خاصّة بسبب خاصّ ، ولم يعلم منه أنّ كلّ هجرة واجبة ، وكلّ تارك لها ظالم إلّا أن يقاس باستخراج العلّة وإثباتها في الفرع ، وأنّى له ذلك ، ولهذا كان ترك هذه الهجرة كبيرة ، وفيه ما تقدّم من المبالغات الّتي كادت أن لا توجد في غيرها ، وكيف تكون غيرها كذلك مع أنّه نقل أن لا هجرة بعد الفتح انتهى.

ودفعه ظاهر ، فانّ الاعتبار بظاهر اللّفظ على ما عرفت وليس التعدّي إلى غيرها بالقياس ، بل من دلالة اللّفظ ، ولا يلزم من ورودها حال كون الهجرة من مكّة فريضة ارتفاع حكمها بعد ذلك ، بالنّسبة إلى غيرها أيضا فإنّ ارتفاع الحكم في مادّة معيّنة يكون على أحد وجهين : إما بنسخة أو بانتفاء متعلّقه ، وما نحن فيه من الثاني إذ الهجرة كانت فريضة قبل الفتح ، لما في الإقامة بمكّة من موافقة الكفّار ، ومساعدتهم على ترك إظهار الإسلام ، فمع انتفاء ذلك بالفتح ارتفع وجوبه.

وهكذا نقول : لو فرض أنّ بلدا من بلاد الحرب فتحه المسلمون ، وصار من بلادهم الّتي يقام فيها شعارهم ، فإنّه لا يجب الهجرة منه ، وإن كان قبل ذلك يجب المهاجرة عنه إجماعا.

قال العلّامة في المنتهى (١) وجوب الهجرة باق ما دام الشّرك باقيا لوجود المقتضى وهو الكفر الّذي يعجز معه عن إظهار شعائر الإسلام ، ولما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لا ينقطع الهجرة حتّى ينقطع التوبة ، ولا ينقطع التوبة حتّى تطلع الشّمس من مغربها (٢) وروى الكلينيّ بسنده (٣) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال ألا إنّي بريء من

__________________

(١) المنتهى ج ٢ ص ٨٩٩.

(٢) المنتهى ج ٢ ص ٨٩٩ والبيهقي ج ٢ ص ١٧ وأبو داود ج ٣ ص ٦ الرقم ٢٤٧٩ وفي تذييله أنه أخرجه النسائي أيضا.

(٣) الكافي ج ١ ص ٣٣٩ باب انه لا يحل للمسلم ان ينزل دار الحرب وهو في المرآة ـ

٣٥٣

كلّ مسلم نزل مع مشرك في دار الحرب.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ الأرض الّتي لا يتمكّن فيها من شعائر الإيمان بهذه المثابة في وجوب المهاجرة ، وإلى ذلك نظر الشّهيد رحمه‌الله فحكم بوجوب الفرار من بلد التقيّة ، ولا يرد أنّ الأخبار مشحونة بجواز التقية بل وجوبها ، وعلى تقدير وجوب

__________________

ـ ج ٣ ص ٣٧٦ ورواه في التهذيب ج ٦ ص ١٥٢ بالرقم ٢٦٣ وهو في الوافي الجزء التاسع ص ٢٧ والوسائل الباب ٣٦ من أبواب الجهاد الحديث ٤ ص ٤٣٠ ج ٢ ط الأميري وروى الحديث في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٦٠ عن الجعفريات وعن دعائم الإسلام وهو في النسخة المطبوعة بمصر ج ١ ص ٣٧٦ بلفظ «انى بريء من كل مسلم نزل مع مشرك في دار» ورواه في البحار الجزء الرابع من ج ١٥ ص ٢٢٤ بلفظ «انى بريء من كل مسلم نزل مع مشرك في دار حرب» عن نوادر الراوندي.

وروى الحديث من أهل السنة الهيتمى في مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٥٣ عن الطبراني بلفظ أنا بري من كل مسلم أقام مع المشركين لا ترى اباراهما ، وقال رجاله ثقات هكذا في النسخة المطبوعة بالقاهرة ١٣٥٣ والمطبوعة بلبنان ١٩٦٧ وأظن انه من غلط الناسخ والصحيح ناراهما كما في كنز العمال ففيه ج ٤ ص ٢٣٦ بالرقم ١٩٣٨ عن أبى داود والترمذي والضياء عن جرير عن النبي (ص) أنا بريء من كل مسلم مقيم بين المشركين لا تراءى ناراهما.

قلت وللشريف الرضى قدس‌سره في ص ١٧٠ من المجازات النبوية في شرح الحديث بيان يعجبنا نقله بعين عبارته قال قدس‌سره :

ومن ذلك قوله عليه‌السلام «أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ، قيل : ولم يا رسول الله؟ قال لا تراءى ناراهما» وهذه استعارة وقد قيل في ترائي النارين قولان أحدهما أن يكون المراد أن المسلم لا ينبغي له أن يساكن المشرك في بلد فيكون منه بحيث إذا أوقد كل واحد منهما نارا رآه الأخر ، فجعل الترائي للنارين وهو في الحقيقة للموقدين ، والأصل في ذلك المداناة والمقابلة يقول القائل دور فلان تتناظر أى تتدانى وتتقابل ، ويقولون للمسترشد إذا أخذت في طريق كذا فنظر إليك الجبل فخذ عن يمينه أو عن يساره : والمراد إذا قابلك الجبل فنظرت اليه فجعلوا النظر له لأنهم أقاموا الجبل مقام الرئية الناظرة والرفيق المساير وقال الشاعر : ـ

٣٥٤

المهاجرة لا وجه لذلك ، ومن ثمّ لم يشترطوا عدم المندوحة فيما ورد فيه النصّ بخصوصه للتقيّة ، كالتكتّف وغسل الرّجلين ونحوهما ، لأنّ ذلك مع عدم التمكّن من المهاجرة كما دلّت عليه الآية الثانية أو على تقدير حصوله في ذلك الموضع ، وفي صحيحة محمّد بن مسلم السابقة دلالة على ذلك أيضا.

__________________

 ـ سل الدار من جنبي حبر فواهب

الى ما رأى هضب القليب المضيح

حبر بكسرتين وتشديد الراء وواهب جبلان في ديار سليم انظر معجم البلدان ج ٢ ص ٢١٢ وج ٥ ص ٣٥٦ ط بيروت وفي الموضعين ذكر هذا البيت وفي اللسان ج ١٤ ص ٢٠٠ جير فواحف مكان حبر فواهب ، وهما أيضا موضعان ، وهضب القليب والمضيح موضعان متقاربان فجعلهما لتجاذبهما كأنهما يترائيان ، ومثله قول الأخر : «حيث نرى الدير والمنار.

(أقول وفي غريب الحديث لأبي عبيد التمثيل لهذا الوجه أيضا بقوله تعالى (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ).

والوجه الأخر أن يكون المراد هاهنا نار الحرب ، لأنهم يكنون عن الحرب بالنار لما فيها من رهج المصاع ووهج القراع ، ومن ذلك قول الشاعر :

هما حيان يصطليان حربا

رداء الموت بينهما جديدا

وعلى هذا المعنى جاء التنزيل بقوله (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) فكأنه عليه‌السلام قال وناراهما مختلفان ، أى حرباهما متباينان : هذه تدعو إلى الهدي والرشاد ، وهذه تدعو الى العمى والضلال.

وقد يجوز في ذلك عندي وجه آخر وهو أن يكون المراد لا يجتمع سرباهما ولا يختلط سرحاهما ، والنار عندهم اسم لسمات الإبل يقولون على هذا الإبل نار بنى فلان أى وسمهم ، وعلى هذا قول بعض خراب الإبل في ذكر أذواد استلبها وأراد عرضتها ليبيعها.

يسألني الباعة ما نجارها

إذ زعزعوها قسمت إبصارها

فكل دار لأناس دارها

وكل نار العالمين نارها

(أقول ضبط هذا البيت في اللسان ج ٥ ص ٢٤٣ ط بيروت هكذا :

نجار كل إبل نجارها

ونار إبل العالمين نارها) ـ

٣٥٥

وقد قطع الله العذر في المهاجرة عن بلاد لا يتمكّن فيها من شعائر الدّين في مواضع من القرآن :

منها قوله (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (١) قال الطبرسيّ في مجمع البيان (٢) بيّن تعالى أنّه لا عذر في ترك طاعته فقال يا عبادي الآية فاهربوا

__________________

ـ أي هي مأخوذة من قبائل شتى فوسمها غير مشقة ونجارها غير متفق ، وهذا الوجه يعود الى معنى الوجه الأول ، لأن المراد ان المسلم والمشرك لا يجوز اجتماعهما في دار حتى يجتمع أذوادها في الريحى وأورادها في الورد ، فقوله عليه‌السلام على هذا الوجه لا يتراءى ناراهما : أى لا يختلط وسماهما.

وأما الحديث الأخر وهو قوله عليه‌السلام «لا تستضيئوا بنار أهل الشرك» فقيل ان المراد لا تستشيروهم في أموركم فتعملوا بآرائهم ، فترجعوا إلى أقوالهم وهذا أيضا مجاز آخر ، لانه عليه‌السلام شبه الاسترشاد بالرأي بالاستضواء بالنار إذ كان فعله كفعلها في تبيين المبهم وتنوير المظلم انتهى كلام الشريف الرضى قدس‌سره.

وأخرج الحديث مثل ما نقله الشريف الرضى ابن الأثير في النهاية كلمة (رأى) وابن منظور في اللسان ج ١٤ ص ٣٠٠ ط بيروت وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث ج ٢ ص ٨٨ وفي الأخير : ويقال ان أول هذا أن قوما من أهل مكة أسلموا وكانوا مقيمين بها على إسلامهم قبل فتح مكة ، فقال النبي (ص) هذه المقالة فيهم ثم صارت للعامة انتهى.

ثم الترائي تفاعل من الرؤية يقال ترائي القوم إذا رأى بعضهم بعضا ، وترائينا فلانا أى تلاقينا فرأيته ورآني ، والأصل في تراءى تتراءى فحذفت احدى التائين تخفيفا.

ثم في اللسان نقل الوجه الأخير الذي بينه الرضى عن أبى الهيثم ففيه : وقال أبو الهيثم في قوله لا تراءى ناراهما : أى لا يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه ولا يتخلق بأخلاقه من قولك ما نار بعيرك أى ما سمة بعيرك انتهى.

(١) العنكبوت : ٥٦.

(٢) انظر المجمع ج ٤ ص ٢٩ وحديث أبى عبد الله إذا عصى الله في أرض إلخ أيضا مروي فيه.

٣٥٦

من أرض يمنعكم أهلها من الإيمان والإخلاص في عبادتي ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام معناه إذا عصي الله في أرض وأنت فيها فاخرج منها إلى غيرها.

ونقل في الكشاف (١) قولا بأنّها نزلت في المستضعفين بمكّة الّذين نزل فيهم (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (٢) وإنّما كان ذلك لانّ أمر دينهم ما كان يستتبّ لهم بين ظهراني الكفرة.

وقال تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) (٣) طالبا لمرضاته (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) بالجزم عطفا على مدخول الشرط ، وقرئ مرفوعا على أنّه خبر مبتدأ محذوف أي ثمّ هو يدركه ، ومنصوبا على إضمار أن كقوله :

وألحق بالحجاز فأستريحا

(فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) فقد وجب ثوابه عليه ، وحقيقة الوجوب الوقوع والسقوط ، وفيها دلالة على أنّ العمل يوجب الثواب فيكون مستحقّا على الله تعالى كما يذهب إليه أصحابنا والمعتزلة.

[بيانه أنّ الأجر عبارة عن المنفعة المستحقّة فأمّا الّذي لا يكون مستحقّا لا يسمّى أجرا بل هبة] (٤) وأجاب الأشاعرة بأنّ الثواب يقع البتّة ، لكن بحكم العدل والتفضّل والكرم لا بحكم الاستحقاق ، والمعنى فقد علم الله كيف يثيبه وفيه تأمّل.

(وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر ذنوب عباده ويرحمهم ، قيل إنّها نزلت في جندب بن ضمرة (٥) وذلك لأنّه لمّا نزلت الآية السّابقة أعني قوله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٣ ص ٤٦١ ط دار الكتاب العربي.

(٢) النساء : ٩٩.

(٣) النساء : ١٠١.

(٤) من زيادات سن.

(٥) المجمع ج ٢ ص ١٠٠ وفيه جندع أو جندب بن ضمرة ، وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ ص ٢٠٨ واسد الغابة ج ١ ص ٣٠٣ والاستيعاب ذيل الإصابة ج ١ ص ٢١٩ والإصابة ج ١ ص ٢٥٣ الرقم ١٢٣٣ وفيه البحث عن اختلاف اسمه مبسوطا.

٣٥٧

الْمَلائِكَةُ) الآية و (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ) الآية بعث بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مسلمي مكّة فقال جندب بن ضمرة لبنيه : احملوني فإنّي لست من المستضعفين ، وإنّى لأهتدى الطّريق ، والله لا أبيت اللّيلة بمكّة ، فحملوه على سرير متوجّها إلى المدينة وكان شيخا كبيرا ، فلمّا بلغ التنعيم أدركه الموت ، فأخذ يصفّق بيمينه على شماله ثمّ قال : اللهمّ هذه لك وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك ، فمات حميدا.

فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : لو توفّى بالمدينة لكان أتمّ أجرا وقال المشركون وهم يضحكون ما أدرك هذا ما طلب ، فنزلت.

وفيها دلالة على أنّ كلّ هجرة لغرض دينيّ من طلب علم أو حجّ أو جهاد أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة أو زهدا في الدّنيا أو ابتغاء رزق طيّب فهي هجرة إلى الله ورسوله ، وإن أدركه الموت في طريقه فأجره واقع على الله ، إذ الظاهر أنّ المراد من الهجرة إلى الله ورسوله طلب مرضاته كما يقتضيه ظاهر الإضافة.

وروى العيّاشيّ بإسناده (١) عن محمّد بن أبي عمير قال : لمّا مات جعفر الصادق عليه‌السلام وجّه زرارة ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ابنه ، قال محمّد بن أبي عمير : حدّثني محمّد بن حكيم قال ذكرت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام زرارة وتوجيهه ابنه عبيدا إلى المدينة فقال عليه‌السلام إنّى لأرجو أن يكون زرارة بن أعين ممّن قال الله تعالى (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية.

وكذا يندرج في ذلك الخروج إلى زيارة الأئمّة صلوات الله عليهم ، بل زيارة الإخوان في الله ، بل الذّهاب إلى صلة الرّحم ، ونحوه ممّا أمر الشّارع به من الطّاعات.

__________________

(١) العياشي ج ١ ص ٢٨٠ الرقم ٢٥٣ وعنه المجمع ج ٢ ص ١٠٠ والبرهان ج ١ ص ٤٠٩ ونور الثقلين ج ١ ص ٤٤٩ بالرقم ٥٢٦.

٣٥٨

واستدلّ بعض الفقهاء بظاهر الآية على أنّ الغازي إذا مات في الطريق وجب سهمه في الغنيمة كما وجب أجره ، وفيه أنّ استحقاق السّهم من الغنيمة يتوقّف على حيازتها بخلاف الأجر.

السابعة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) على الدّين ومشاقّ الطّاعات ، وما يصيبكم من الشدائد (وَصابِرُوا) وغالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الحرب ، لا تكونوا أقلّ صبرا وثباتا منهم ، والمصابرة باب من الصبر ذكره بعده تخصيصا لشدّته وصعوبته (وَرابِطُوا) وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصّدين مستعدّين للغزو ، وأصل الرّباط ارتباط الخيل للعدوّ قال الله تعالى (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (٢) وفي الشّرع معناه الإقامة عند الثغر لحفظ المسلمين ، وإن لم يكن له خيل ، وفيها دلالة على الحثّ على المرابطة في الثغور كما قاله الفقهاء وحكموا بأنّ فيه فضلا كثيرا وثوابا جزيلا.

وفي الحديث عنه (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلوته إلّا لحاجة ، وروى (٤) سلمان قال : سمعت

__________________

(١) آل عمران : ٢٠٠.

(٢) الأنفال : ٦٢.

(٣) انظر مضمون الحديث في الدر المنثور ج ٢ ص ١١٤ وكنز العمال ج ٤ من ص ١٩٥ الى ص ٢٠١ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٤٦ ولفظ المصنف في الكشاف عند تفسير آخر سورة آل عمران ، وفي النسائي ج ٦ ص ٣٩ والبيهقي ج ٩ ص ٣٨ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٨٠ وأقره الذهبي أيضا في التلخيص ونقله هكذا أيضا في مستدرك الوسائل عن غوالي اللآلي.

(٤) الدر المنثور ج ٢ ص ١١٤ أخرجه عن احمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي عن سلمان.

٣٥٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه ، فان مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمل ، وأجرى عليه رزقه ، وأمن الفتّان ، وعن فضالة بن عبيد (١) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كلّ ميّت يختم على عمله إلّا المرابط في سبيل الله ، فإنّه ينمو له عمله إلى يوم القيمة ، ويؤمن من فتّان الفتن ونحوهما.

ونقل في مجمع البيان (٢) قولا بأنّ المراد رابطوا الصّلوات أي انتظروها واحدة بعد واحدة ، لأنّ المرابطة المعهودة لم يكن حينئذ ، قال وروى ذلك عن عليّ عليه‌السلام وعن جابر بن عبد الله وأبى سلمة بن عبد الرّحمن أنّه قال لم يكن في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غزو يربط فيه ، ولكن انتظار الصّلوة خلف الصّلوة.

فإن ثبت ذلك كانت الآية غير دالّة على استحباب المرابطة ، وتكون الدّلالة عليها من غيرها ، وإلّا فالظّاهر انصراف الرباط إلى المعهود ، وقد روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سئل عن أفضل الأعمال ، فقال إسباغ الوضوء في السّبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرّباط (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٢ ص ١١٤ أخرجه عن أحمد وأبى داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن فضالة بن عبيد قلت وهو في المستدرك ج ٢ ص ١٤٤.

(٢) المجمع ج ١ ص ٥٦٢.

(٣) لم أظفر الى الان على الحديث بالوجه الذي نقله المصنف ففي أخبار الشيعة كون الثلاثة من الكفارات وليس فيها ذكر كونها من الرباط إلا في المروي عن دعائم الإسلام ، وهو في ط مصر ١٣٨٣ في ج ١ ص ١٠٠ ونقله عنه في المستدرك ج ١ ص ٥١ وليس في واحد من أخبارهم كونها أفضل الأعمال ، نعم في دعائم الإسلام كونها مما اختصم فيه الملإ الأعلى ، انظر في ذلك جامع أحاديث الشيعة ج ١ من ص ٩٢ الى ص ٩٤.

واما أخبار أهل السنة ففيها أيضا كون الثلاثة من الكفارات وفي مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٣٧ انها مما اختصم فيها الملإ الأعلى وفي أكثرها كونها من الرباط وليس فيها ذكر كونها من أفضل الأعمال ، انظر في ذلك شرح النووي على صحيح مسلم ج ٣ ص ٤١ أو سنن البيهقي ج ١ ص ٨٢ وسنن ابن ماجة ص ١٤٨ وسنن الدارمي ج ١ ص ١٧٧ وتفسير الخازن ـ

٣٦٠