مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

الآية أوجب قتالهم حيث وجدوا وأدركوا في الحلّ أو الحرم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) أي من مكّة وقد فعل ذلك بمن لم يسلم يوم الفتح من المشركين. استدلّ بها الفقهاء على عدم جواز إسكان المشركين مكّة ، بل عمّموا الحكم في جزيرة العرب أيضا فقالوا لا يجوز إسكانهم فيها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) «لأخرجنّ اليهود والنّصارى من جزيرة

__________________

(١) أخرجه مالك في الموطإ بالرقم ١٧١٧ كتاب دعاء المدينة ج ٤ ص ٢٣٣ شرح الزرقانى بلفظ «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» وفي الرقم ١٧١٦ قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب ، وأخرج الثاني السيوطي في الجامع الصغير بالرقم ٧١٩٠ ج ٥ ص ٢٥١ فيض القدير عن البيهقي وأخرجه باللفظين البيهقي في ج ٦ ص ٢٠٨ وأخرجه فيه أيضا بلفظ «لا يكون قبلتان في بلد واحد» و «لا يجتمع قبلتان في جزيرة العرب».

وأخرجه ابن سعد أيضا في الطبقات ج ٢ ص ٢٤٠ وص ٢٥٤ ط بيروت بألفاظ مختلفة مثل «لا يترك بأرض العرب دينان» و «لا يبقين دينان بأرض العرب» ولئن بقيت لا أدع بجزيرة العرب دينين».

(٢) أخرجه بهذا اللفظ مسلم انظر ج ١٢ ص ٩٢ من شرح النووي وأبو داود ج ٣ ص ٢٢٤ بالرقم ٣٠٣٠ والترمذي ج ١ ص ١٩٤ ط دهلي وأخرجه آخرون أيضا بألفاظ مختلفة أخرى وأنظر أيضا كنز العمال ج ٤ ص ٢٣٥ وص ٣٢٢ الى ص ٣٢٥.

وروى في الوسائل الباب ٥٢ من أبواب وجوه الجهاد ج ٢ ص ٤٣٥ ط الأميري عن مجالس ابن الشيخ بإسناده إلى أم سلمة أن رسول الله (ص) أوصى عند وفاته أن نخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ، وقال : الله في القبط فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله.

قلت كان في ألفاظه تصحيفا صححناه على النسخة المطبوعة بايران ١٣١٣ ص ٢٥٨ الجزء الرابع عشر وفي البحار ج ٦ ط كمپانى آخر أبواب المعجزات قبل أبواب أحواله من البعثة الى نزول المدينة عند حكاية الحديث : الله الله في القبط فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله.

٣٢١

العرب (١) ولا أترك فيها إلّا مسلما» والمراد بالإخراج تكليفهم الخروج قهرا أو تخويفهم وتشديد الأمر عليهم حتّى يضطرّوا إلى الخروج.

(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أي المحنة والبلاء الّذي ينزل بالإنسان يتعذّب بها ويفتتن لإخراجه من وطنه أشدّ من القتل ، لأنّ الإنسان يتمنّاه عند نزولها لدوام تعبها ، وتألّم النفس بها ، وقيل معناه أنّ شركهم في الحرم وصدّهم إيّاكم عنه أشدّ من قتلكم إيّاهم ، فإنّهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ، ويعيبون به المسلمين ، فقيل الشّرك الّذي هم عليه أعظم منه.

(وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) أي لا تفاتحوهم بالقتال وهتك حرمة المسجد الحرام ، ومقتضى المفهوم أنّهم إذا ابتدؤا بالقتال هناك جاز المقاتلة معهم ، مكافأة على فعلهم ، حيث لم يأخذوا للحرم حرمة وقد صرّح به قوله (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) فلا تبالوا بقتالهم ، لأنّهم هم الّذين هتكوا حرمته ، وقرأ حمزة والكسائيّ «ولا تقتلوهم حتّى يقتلوكم ، فان قتلوكم» والمعنى حتّى يقتلوا بعضكم ، فانّ وقوع القتل في بعضهم بمثابة وقوعه فيهم ، يقال : قتلنا بنو فلان ، وإنّما قتلوا بعضهم والآية منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) لدلالتها على وجوب

__________________

(١) وفي هامش قض : المراد بجزيرة العرب في هذه الاخبار : الحجاز خاصة يعنى به مكة والمدينة واليمامة ومنى وينبع وفدك ومخاليفها ، وسمى حجازا لانه حجز بين نجد وتهامة ، وجزيرة العرب عبارة عما بين عدن الى ربق العراق طولا ومن جدة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا قال الخليل : انما قيل لها جزيرة العرب لان بحر الحبشي وبحر فارس والفرات قد أحاط بها ونسبتا الى العرب لأنها أرضها ومسكنها ومعدنها. منه عفى عنه.

(٢) براءة : ٥ ، ولاية الله الخويي مد ظله في ص ٢٠٩ من البيان بيان يعجبنا نقله بعين عبارته قال مد ظله :

والحق أن الآية محكمة ليست بمنسوخة ، فان ناسخ الآية ان كان هو قوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فهذا القول ظاهر البطلان ، لان الآية الأولى خاصة والخاص ـ

٣٢٢

قتالهم وإن كان في المسجد الحرام.

(فَإِنِ انْتَهَوْا) امتنعوا عن الشرك والقتال (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم ما قد سلف من ذنوبهم ، وفيها دلالة على أنّ الإسلام يجبّ ما قبله كقوله (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (١).

قال الطّبرسيّ في مجمع البيان : وفيه دلالة على قبول التوبة من القتل عمدا لأنّ الشّرك الّذي هو أعظم منه يقبل التوبة منه ، فالقتل بالطّريق الأولى.

ولا يذهب عليك أنّ هذا مبنيّ على أنّ المراد من الفتنة في الآية الشرك ، وقد عرفت احتمال غيره احتمالا مساويا ، سلّمناه ، لكنّ القتل حقّ النّاس ، وهو لا يسقط بالتوبة على ما قيل ، بخلاف الشّرك ، فإنّه حقّه تعالى فيسقط بالتوبة ، ولا يلزم من إسقاط حقّه تعالى بها إسقاط حقّ الغير بها أيضا ، اللهمّ إلّا أن يريد قبول التوبة بعد الخروج عن حقّ المقتول لخروجه عن حقّ النّاس حينئذ ويبقى حقّه تعالى يسقط بالتوبة.

__________________

ـ يكون قرينة على بيان المراد من العام ، وان علم تقدمه في الورود فكيف إذا لم يعلم ذلك وعلى هذا فيختص قتال المشركين بغير الحرم ، الا أن يكونوا هم المبتدئين بالقتال فيه فيجوز قتالهم فيه حينئذ.

وان استندوا في نسخ الآية إلى الرواية القائلة ان النبي (ص) أمر بقتل ابن خطل وقد كان متعلقا بأستار الكعبة فهو باطل أيضا أولا لأنه خبر واحد لا يثبت به النسخ ، ثانيا لانه لا دلالة على النسخ فإنهم رووا في الصحيح عن النبي (ص) قوله «انها لا تحل لأحد قبلي وانما أحلت لي ساعة من نهار» (وقد مر مصادر الحديث من طرق الفريقين في ص ٢٩٦ من هذا الكتاب) وصريح هذه الرواية أن ذلك من خصائص النبي فلا وجه للقول بنسخ الآية ، الا المتابعة لفتوى جماعة من الفقهاء والآية حجة عليهم انتهى.

(١) الأنفال : ٣٨.

٣٢٣

والظاهر أنّ مراده ذلك ، وعلى هذا فما ورد من الآيات بخلوده في النّار كقوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (١) مخصوص بغير التّائب مع أنّ الخلود فيه محمول على المكث الطّويل كما سيجيء التّنبيه عليه إن شاء الله.

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي شرك بالله ، وهو بيان لغاية وجوب القتال والآية محمولة على الغالب ، فانّ قتالهم لا يزيل الكفر رأسا ، نعم الغالب الإزالة لأنّ من قتل منهم فقد زال كفره ، ومن لم يقاتل كان يخاف من الثّبات على كفره.

(وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) خالصا له ليس للشّيطان فيه نصيب ، والمراد حتّى لا يبقى الكفر ، ويظهر الإسلام على الأديان كلّها.

(فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) أي فلا تعتدوا على المنتهين ، من باب وضع العلّة موضع الحكم ، أو فلا تظلموا إلّا الظّالمين غير المنتهين سمّي جزاء الظّالمين ظلما للمشاكلة ، كقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (٢) أو المراد أنكم إن تعرّضتم لهم بعد انتهائهم كنتم ظالمين ويسلّط عليكم من يعدو عليكم والفاء الاولى للتعقيب ، والثانية للجزاء ، وفي الآية دلالة على أنّه لا يجوز القتل ولا السّبي وغيره من أقسام العدوان بعد الدّخول في الإسلام.

(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) قاتلهم المشركون (٣) عام الحديبيّة في شهر ذي القعدة سنة ستّ ، واتّفق خروجهم لعمرة القضاء في ذلك الشّهر أيضا سنة سبع وكرهوا القتال فيه ، فقيل لهم : هذا الشّهر بذاك ، وهتكه بهتكه ، فلا تبالوا به في قتالهم.

(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) احتجاج عليه أي كلّ حرمة وهو ما يجب أن يحافظ عليها يجرى فيها القصاص ، فمن هتك حرمة أيّ حرمة كانت اقتصّ بأن يهتك له حرمة ولمّا

__________________

(١) النساء : ٩٣.

(٢) البقرة : ١٩٣.

(٣) في سن : قاتل المشركون المسلمين إلخ.

٣٢٤

هتكوا حرمة شهركم بالصدّ ، فافعلوا بهم مثله ، وادخلوا عليهم عنوة ، واقتلوهم إن قاتلوكم ، أو المراد أنّ القتل في الشهر الحرام حرام ، والحرام لا يجوز من المسلمين إلّا قصاصا.

(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) اي جازوه بظلمه وافعلوا به مثل ما فعل ، والثاني ليس باعتداء وظلم ، بل عدل إلّا أنّه سمّي به للمشاكلة كما في قوله (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١).

(وَاتَّقُوا اللهَ) باجتناب المعاصي فلا تظلموا ولا تمنعوا عن المجازات ولا تتعدّوا فيها عن المثل والعدل (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فيحرسهم ويصلح شأنهم ، وأصل «مع» المصاحبة في المكان والزمان.

وفي الآية دلالة [على إباحة القتال في الشهر الحرام ، لمن لا يراعي حرمته سواء كان ممّن يرى له حرمة أولا و] على وجوب تسليم النّفس وعدم المنع من المجازات والقصاص ، وعلى وجوب الردّ ممّن غصب شيئا وأتلفه على وجه الضمان مثله أو قيمته وعلى أنّ الغاصب إذا لم يردّ [الحقّ] المغصوب على صاحبه جاز لصاحبه أن يأخذ من ماله بقدر ما غصب منه ، بل لو عرف أنّ أخذه خفية أمكن له أخذه كذلك ، أو جهرة من غير رضاه مع امتناعه عن الدّفع كما قال الفقهاء لكن على طريق المقاصّة وإطلاق الآية يقتضي عدم الفرق بين أن يتمكّن من إثباته عند الحاكم أولا.

ولا فرق في ذلك بين المال وغيره من الحقوق ، فيجوز الأداء بمثله أيضا من غير إذن الحاكم ولا إثباته عنده وكذا القصاص إلّا أن يكون جرحا لا يجرى فيه القصاص ، أو ضربا لا يمكن حفظ المثل فيه ، أو فحشا لا يجوز التكلّم به ، كالرمي بالزنا مثلا وحينئذ فيرفعه إلى الحاكم ليقتصّ منه بالتعزير ونحوه ، وتفاصيل ذلك يعلم من الفقه ، وقد كثرت الآيات الواردة في القرآن بوجوب الجهاد وفيما ذكرناه كفاية.

__________________

(١) الشورى : ٤٠.

٣٢٥

النوع الثاني

(في شرائط وجوبه)

وفيه آيات :

الاولى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١).

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) وهم الّذين في أبدانهم ضعف في أصل الخلقة أو بهم مرض (وَلا عَلَى الْمَرْضى) وهم أصحاب العلل المانعة من الخروج ويدخل فيه أصحاب العمى والعرج والزّمانة ، وكلّ من كان موصوفا بمرض يمنعه من التمكّن من المحاربة (وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ) أي ليس معهم نفقة الخروج وآلة السّفر واستدلّ به على عدم وجوب الجهاد على العبد كما هو المشهور بين الأصحاب وظاهر ابن الجنيد وجوبه عليه ، وهو بعيد (حَرَجٌ) ضيق وجناح في التأخّر عن الجهاد.

(إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) بأن يخلصوا أعمالهم من الغشّ ويطيعوهما في السّرّ والعلانية كما يفعل الموالي الناصح ، أو بما قدروا عليه فعلا أو قولا يعود على الإسلام بالقوّة وعلى المسلمين بالصّلاح ، شرط في جواز القعود عن الجهاد النّصح لله ولرسوله

__________________

(١) براءة : ٩٠ ـ ٩٢.

٣٢٦

ليتحرّزوا بعدهم عن إلقاء الارجاف وإثارة الفتن ، ويقدموا على إصلاح مهمّاتهم وعلى ماله دخل في طاعة الله ورسوله ، وموافقة السّرّ والعلن ، كما يفعل الموالي النّاصح بصاحبه.

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل ، ووضع المحسنين موضع الضّمير للدّلالة على أنّهم منخرطون في سلك المحسنين ، غير معاتبين لذلك ، وقيل إنّ الآية عامة في كلّ محسن (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهم أو للمسيء فكيف من هو محسن ، ففي الآية دلالة على عدم وجوب الجهاد على هؤلاء المذكورين.

وقد يستدلّ بها على عدم وجوبه على المرأة لدخولها في الضّعفاء وكذا الصّبيّ غير البالغ ولا المجنون ولا خلاف في ذلك بين أصحابنا ، نعم لو عرض المرض بعد الخروج إلى الجهاد وبعد التقاء الزحفين ففي سقوطه والحالة هذه خلاف بين أصحابنا ، ولكن المشهور بينهم السقوط ، لعموم الآية فإنّ المرض قد يكون في الابتداء وقد يعرض في الأثناء ، والآية تشملهما.

وقال ابن الجنيد لو خرج فأصابه المرض قبل بلوغه الحرب كان له الرّجوع فان ناله ذلك والزّحفان قد التقيا لم يكن له الرّجوع لظاهر قوله تعالى (١) (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) الآية ويجاب عنه بأنّها لا تنافي ما نقوله ، فانّ الحرام تولية الدبر مع القدرة ، لا مع العجز ، وظاهر نفي الحرج عن الضّعفاء يقتضي أنّه لو كان الضّعيف موسرا لم يجب عليه إقامة غيره مقامه ، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب ، وأوجب آخرون الإقامة نظرا إلى عموم الأمر بالجهاد ، وهو فعل يقبل النّيابة ، فإذا تعذّرت المباشرة وجبت الاستنابة تحصيلا لما أوجبه الشّارع ، ويدفعه أنّ الخاصّ مقدّم في العمل على العامّ ، نعم لو احتيج إلى الاستنابة بأن عجز القائمون عن الدّفع وجبت لعموم الحاجة.

(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) عطف على الضّعفاء أي ولا على الّذين إذا جاؤك ويسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك إلى الجهاد ، إذ ليس معهم

__________________

(١) الأنفال : ١٦.

٣٢٧

من الأموال والظّهر ما يمكنهم الخروج به في سبيل الله (قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) حال من كاف (أَتَوْكَ) بإضمار قد ، أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد ما أحملكم عليه (تَوَلَّوْا) جواب «إذا» وجوّز أن يكون الحال واقعا بين الشّرط والجزاء كالاعتراض ويحتمل أن يكون بدلا من (أَتَوْكَ) لا حالا فتأمّل.

(وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) من ، للبيان وهي مع المجرور في محلّ النصب على التمييز ، من (تَفِيضُ) بمعنى تسيل ، والمعنى تفيض دمعها ، وهو أبلغ لدلالته على أنّ العين صارت دمعا فيّاضا.

(حَزَناً) نصب على العلّة أو المصدر للفعل الّذي دلّ عليه ما قبله ، ويجوز على الحال (أَلَّا يَجِدُوا) أي لئلّا أو على أن لا يجدوا ، متعلّق بحزنا أو تفيض. (ما يُنْفِقُونَ) في خروجهم إلى الغزو.

وقيل إنّ الآية نزلت في البكّائين (١) وهم سبعة نفر من الأنصار ، وقيل نزلت في سبعة نفر من قبائل شتّى أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا احملنا على الخفاف المرفوعة ، والنعال المخصوفة ، وقيل كانوا من مزينة ، وقيل كانوا سبعة من فقراء الأنصار ، فلمّا بكوا حمل عثمان منهم رجلين ، والعبّاس رجلين ، ويامين ثلاثة وفي الآية دلالة على أنّه يجب في الجهاد زيادة على النفقة في السّفر وجود الراحلة لحاجته إليها سواء كانت المسافة قصيرة أو طويلة ، فانّ الاحتياج قد يتحقّق مع كلّ منهما ، واعتبر الشيخ في وجود الرّاحلة مسافة التقصير وهو بعيد.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) في التخلف (وَهُمْ أَغْنِياءُ) واجدون للاهبة والمراد أنهم يستأذنونك في المقام مع غناهم وتمكّنهم من الجهاد (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) جمع خالفة وهم النّساء والصبيان ، ومن لا حراك بهم ، وقد يقال الخالفة للّذي لا خير فيه.

__________________

(١) انظر المجمع ج ٣ ص ٦٠ وتفسير على بن إبراهيم ص ١٥٩ و ١٦٠ والبرهان ج ٢ ص ١٥٠ ونور الثقلين ج ٢ ص ٢٥١ وص ٢٥٢ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٧ و ٢٦٨ والطبري ج ١٠ ص ٢١٢ وص ٢١٣.

٣٢٨

والجملة استيناف لبيان ما هو السّبب لاستيذانهم من غير عذر (١) وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف إيثارا للدعة (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) حتى غفلوا عن وخامة العاقبة (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) مغبّة ذلك.

الثانية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٢).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) أي يقربون إليكم من الكفّار أمر تعالى بقتال الأقرب منهم فالأقرب ، فلا يجوز التخطّي عنه إلى الأبعد بمقتضى الآية ولأنّ ذلك قد يؤدّي إلى الضّرر.

قيل : كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافّة ثمّ نسخ ، وفيه ضعف لقيام الحكم في الآية ، والغرض منها الترتيب في القتال ، فتكون هذه الآية أخصّ من الآية المشتملة على الأمر بالقتال ، فلا تنافي ، ولأنّ قتال الأبعد مع وجود الأقرب يؤدّى إلى الضّرر وربما يمنعهم ذلك عن المضيّ في جهتهم ، ولانّ الاشتغال عنه بالبعيد يوجب تمكّنه من انتهاز الفرصة بالمسلمين لاشتغالهم عنه ، والحكم مخصوص بما إذا لم يكن الأبعد أشدّ خطرا ، وأعظم ضررا من الأقرب وإلّا كان الابتداء بقتاله أولى ، ومن ثمّ قاتل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الحارث بن أبي ضرار (٣) لمّا بلغه أنّه يجمع له ، وكان بينه وبينه عدوّ أقرب منه ، وفتح مكّة قبل حرب هوازن ، وكذا لو كان الأقرب مهادنا.

قال الطّبرسيّ في مجمع البيان (٤) : وفي هذا دلالة على أنّه يجب على أهل كلّ

__________________

(١) في هامش قض : كأنه قيل : ما لهم استأذنوا وهم قادرون على الاستعداد؟ فقيل : رضوا بالدناءة والانتظام ، منه رحمه‌الله.

(٢) براءة : ١٢٤.

(٣) انظر التفصيل في السير شرح غزوة لبني المصطلق وكان الحارث بن أبى ضرار سيدهم ورئيسهم.

(٤) المجمع ج ٣ ص ٨٤.

٣٢٩

ثغر الدّفاع عن أنفسهم ، إذا خافوا على بيضة الإسلام وإن لم يكن هناك إمام عادل ولعلّ وجه الدّلالة إطلاق الأمر بالقتال من غير تقييد.

(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدّة وصبرا على القتال ، وقرئ بفتح الغين وضمّها وهما لغتان فيها (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فيحرسهم وينصرهم ومن كان الله ناصره في الحرب لم يغلبه أحد ، فامّا إذا نصره بالحجّة في غير الحرب فإنّه يجوز أن يغلب في الحرب لضرب من المحنة وشدّة التكليف.

الثالثة : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١).

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) بالغ في حثّهم عليه ، وأصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتّى يشفي على الموت ، وقرئ حرّص من الحرص [والتحريص والتحريض بمعنى واحد] (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الكلام شرط لكنّه في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة ، والوعد بأنّهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده ، وعلى هذا فلا يعترض بأنّه يلزم منه أن لا يغلب قطّ مائتان من الكفّار عشرين من المؤمنين والواقع خلافه ، لأنّ وجه الغلبة على تقدير تسليم وقوعها لفقدان الشرط وهو الصّبر.

(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) بسبب أنّ الكفّار جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثّواب وعوالي الدرجات ، إن قتلوا أو قتلوا ، ولا يستحقّون

__________________

(١) الأنفال : ٦٤ و ٦٥.

٣٣٠

من الله إلّا الهوان والخذلان.

والحكم بوجوب ثبات العشرين للمائتين والمائة للألف كان في مبدء الإسلام فشقّ على المسلمين ذلك وبعد مدّة نسخ عنهم بقوله (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) يثقل عليهم المصابرة والمراد ضعف البدن وقيل ضعف البصيرة ، وقرئ بالفتح والضمّ وهما لغتان فيه.

(فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) وهو خبر في الصّورة ، أمر في المعنى كما تقدّم ، وقيل إنّ سبب النّسخ أنّهم في الأوّل كان فيهم قلّة فأمروا بذلك ، ثمّ لما كثروا خفّف عنهم.

ومقتضى الآية وجوب ثبات الجمع لمثليه كالعشرة للعشرين ، والمائة للمائتين ونحوها ، فلو زاد الكفّار على الضّعف لم يجب الثّبات ، وهل يلزم من ذلك وجوب ثبات الواحد للاثنين؟

قيل نعم ، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب ، ويؤيّده من الأخبار رواية الحسن (١) بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان يقول من فرّ من رجلين

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ١٧٤ الرقم ٣٤٢ والكافي الباب ١١ من أبواب وجوه الجهاد الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٧٣ والوافي الجزء التاسع ص ٢١ والوسائل الباب ٢٧ من أبواب وجوه الجهاد الحديث ١ ج ٢ ص ٤٢٨ ط الأميري.

وروى مثله العياشي ج ٢ ص ٦٨ عن حسين بن صالح عن أبى عبد الله عن على عليه‌السلام ونقله عنه في البرهان ج ٢ ص ٩٣ ونور الثقلين ج ٢ ص ١٦٦ بالرقم ١٥١ والصافي عند تفسير الآية ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٥٥.

قلت : وأظن أن الصحيح نسخة الكافي والتهذيب ، فان الحسن بن صالح سواء كانوا ثلاثة رجال الثوري والأحول والذي سرده الشيخ قدس‌سره في أصحاب الكاظم أو اثنين أو واحدا هو الثوري يوجد لنا من يسمى بالحسن بن صالح الراوي عن الامام الصادق.

ولعل الاتحاد وكونه الثوري أقوى ، وقد ولد الثوري سنة مائة ومات على ما في التقريب ج ١ ص ١٦٧ الرقم ٢٨٤ سنة تسع وتسعين وعلى ما في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤٩٦ الرقم ١٨٦٩ سنة تسع وستين ومائة. ونقل في تنقيح المقال ج ١ ص ٢٨٥ ـ

٣٣١

في القتال من الزحف ، فقد فرّ ، ومن فرّ من ثلاثة فلم يفرّ ، وذهب آخرون إلى جواز الانصراف على ذلك التقدير ، نظرا إلى أنّ جماعة المسلمين إذا كانوا على النّصف من المشركين بلا زيادة ، وجب الثّبات فإنّ الهيئة الاجتماعيّة لها دخل في المقاومة ، ولا يلزم من ذلك وجوب ثبات الواحد للاثنين ، فينتفي بالأصل السالم عن المعارض ، ويجاب عن الرّواية بأنّها محمولة على ما إذا كان الواحد في سريّة أو جيش (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة فكيف لا يكونون غالبين.

الرابعة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) جيشا كثيرا بحيث يرى لكثرتهم كأنّهم يزحفون ، وهو مصدر زحف الصبيّ إذا دبّ على مقعدته قليلا قليلا

__________________

ـ من أبواب الحاء قولا بكون وفاته مائة وثلث وستين وقولا بكونه ثمان وستين وقولا بكونه أربع وخمسين وعلى أى يصح كونه من أصحاب الأئمة الثلاثة الإمام الباقر والامام الصادق والامام الكاظم.

وأما الحسين بن صالح فلا نعرفه الا من سرد الشيخ قدس‌سره إياه في ص ٣٧٤ الرقم ٣٥ من أصحاب الإمام الرضا ولم ينقل الأردبيلي في جامع الرواة ج ١ ص ٢٤٤ عنه حديثا.

ومع ذلك فيمكن أن يكون الحسين بن صالح رجلا من أصحاب الصادق يعرفه العياشي ولم يعرفه غيره وعلى أى فليس لنا ما يوجب الاعتماد بوثاقة الحسن بن صالح ولا الحسين بن صالح وروى مضمون الحديث من أهل السنة البيهقي في السنن ج ٩ ص ٧٦ عن ابن عباس.

(١) الأنفال : ١٥ و ١٦.

٣٣٢

سمّى به ، وجمع على زحوف وانتصابه على الحال من المفعول ، ويحتمل من الفاعل والمفعول معا.

أي إذا لقيتموهم متزاحفين : يدنون إليكم وتدنون إليهم (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) بالانهزام قيل إنّها منسوخة والأظهر أنّها محكمة مخصوصة بما تقدّم من كون الكفّار على الضّعف أو أقلّ ، فيكون فيها دلالة على تحريم الفرار في هاتين الصورتين ، فلو زادوا على الضّعف جاز عملا بما تقدّم من آية التخفيف.

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) مائلا إلى حرف أو طرف ، ومنه التحرّف في طلب الرزق ، وهو الميل إلى جهة يظنّ فيها أنّها أمكن للقتال ، والمراد هنا الكرّ بعد الفرّ وتغرير العدوّ بأن يخيّل إليه أنّه منهزم عنه ثمّ يعطف عليه فإنّه من مكائد الحرب ، وقيل إصلاح لأمة حربه أو طلب ماء لمكان عطشه ، أو مأكولا لجوعه ، أو يكون الشمس أو الرّيح في مقابلته ويتأذّى بهما ، أو يرتفع عن هابط أو نحو ذلك.

(أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أو منحازا إلى فئة اخرى من المسلمين يستنجد بها في القتال ، وهل يعتبر كونها قريبة أو صالحة للاستنجاد؟ الظاهر لا عملا بالعموم ، نعم لو كانت بعيده على وجه يخرج عن كونه مقاتلا عادة ، فالظاهر عدم الجواز ، وانتصاب متحرّفا ومتحيّزا على الحاليّة ، ولا عمل لحرف الاستثناء فيه ، وقيل على الاستثناء من المولّين أي إلّا رجلا متحرّفا أو متحيّزا (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) وعيد عظيم على الفرار من الزحف ، ومن ثمّ عدّوه من الكبائر الّتي لا تزول إلّا بالتوبة بأن يظهر النّدم على ما فعل ، والعزم على أن لا يعود إلى مثله وظاهرها تحريم الفرار من الزّحف على العموم ، ورواه أصحابنا (١) عن الصّادقين

__________________

(١) انظر البرهان ونور الثقلين تفسير الآية والوسائل الباب ٢٩ من أبواب جهاد العدو ج ٢ ص ٤٢٨ والباب ٤٥ و ٤٦ من أبواب جهاد النفس ج ٢ من ص ٤٦٣ الى ص ٤٦٥ ومواضع متفرقة منه وكذلك الوافي الجزء الثالث من ص ١٧٤ الى ص ١٧٦ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٣١٦ الى ص ٣١٨ وغيرها من كتب الاخبار ، وانظر من كتب أهل السنة سنن البيهقي ج ٩ ص ٧٥ وص ٧٦.

٣٣٣

عليهم‌السلام وقيل إنّما كان ذلك يوم بدر وهو ضعيف (١) ، وقيل : إنّ الآية غير مخصوصة بالضعف فنازلا ، بل هي على عمومها ، ولكنّها مخصوصة بأهل بيته والحاضرين معه في الحرب دون غيرهم من المؤمنين ، وهو بعيد لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

(النوع الثالث)

(في أحكام متعددة)

وفيها آيات :

الأولى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ، الآية (٢).

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) حال المحاربة والمقاتلة (فَضَرْبَ الرِّقابِ) منصوب على المصدريّة وأصله فاضربوا الرّقاب ضربا حذف الفعل وقدّم المصدر فأنيب منابه مضافا إلى المفعول ، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد ، لأنّك تذكر المصدر منصوبا ، وتدلّ على الفعل بالنصبيّة الّتي فيه.

ومقتضى الآية وجوب القتل إذا أخذوا حال المحاربة والمقاتلة وعليه أصحابنا أجمع ، وفي أخبارهم دلالة على ذلك ، وسيجيء ، والمراد بضرب الرقاب القتل على أيّ وجه حصل ، لا أنّ الواجب أن تضرب الرّقبة فقط دون غيرها من الأعضاء.

ومن ثمّ كان الإمام مخيّرا في قتله بين أن يضرب رقبته ، وبين أن يقطع

__________________

(١) وفي سن هكذا : وقيل : انما كان ذلك يوم بدر لان الآية نزلت هناك وهو بعيد إلخ.

(٢) القتال : ٤.

٣٣٤

الأيدي والأرجل ، ويتركه حتّى ينزف بالدم ويموت ، وسيجيء ما يدلّ عليه ، ولعلّ في التعبير عن القتل بذلك لما في هذه العبارة من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل إذ هي تصوير القتل بأشنع صورة ، والحكم مخصوص بعدم إسلامهم فلو أسلموا والحالة هذه لم يجز قتلهم ، ولعلّ في الآية إشارة إليه.

(حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم قتلهم وأغلظتموهم من الشّيء الثخين وهو الغليظ ، والمراد عجزهم عن المقاتلة والاستظهار عليهم ، وحصول الظفر بهم من المسلمين ، حتّى لا يمكنهم النّهوض.

(فَشُدُّوا الْوَثاقَ) فأسروهم واحفظوهم ، والوثاق بالكسر والفتح اسم لما يوثّق به.

(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) أي فامّا تمنّون عليهم منّا بعد الأسر وتطلقونهم من غير فداء وإمّا تفدون فداء على مال يدفعه الأسير ونحوه ، ويخلص به رقبته من العبوديّة ، وتطلقونهم ، فانتصابهما بفعلين مضمرين.

ومقتضى الآية التخيير بين الأمرين بعد تقضّى الحرب ، وأثبت أصحابنا الاسترقاق أيضا ، فخيّروا بين الثلاثة لقيام الدّليل عليه من خارج ، ولا يجوز القتل في هذه الصّورة لعدم ما يدلّ عليه ، وجوّزه الشّافعيّة وحكموا بأنّ الإمام يتخيّر بين أربعة أمور : القتل ، والاسترقاق ، والمنّ ، والفداء ، وهو غير واضح الوجه ، مع كون التفصيل في الآية قاطعا للشركة.

وقالت الحنفيّة ليس للإمام المنّ والفداء وإنّما يتخيّر بين القتل والاسترقاق مستدلّين عليه بأنّ قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) ورد بعد قوله (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) لأنّ آية المنّ نزلت بمكّة ، وآية القتل نزلت بالمدينة في آخر سورة نزلت وهي براءة ، فيكون ناسخا.

ويردّه أنّ النّسخ خلاف الأصل ، أقصى ما فيه ورود العامّ والخاصّ وإذا تعارضا خصّص العامّ بالخاصّ وعمل بالعامّ في غير صورة الخاصّ ، وعمل بالخاصّ

__________________

(١) براءة : ٥.

٣٣٥

في صورته ، ويؤكّد ردّ قولهم ما رووه (١) أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّ على أبى عزّة الجمحيّ وعلى آثال الحنفيّ وفادى رجلا برجلين من المشركين.

ويؤكّد ما قلناه من الأحكام ، ما رواه الشيخ (٢) عن طلحة بن زيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان أبى يقول إنّ للحرب حكمين ، إذا كانت قائمة لم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلّ أسير أخذ في تلك الحال ، فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف وتركه يتشحّط في دمه ، حتّى يموت ، إلى أن قال : والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا.

والتخيير بين الأمور الثلاثة ثابت ، وإن أسلموا ، وللشيخ قول بسقوط الاسترقاق في هذه الصورة ، وهل يعتبر في استرقاقهم حيث يجوز ، كون الأسير ممّن يصحّ إقراره على دينه بأن يكون له كتاب أو شبهة كتاب حتّى لو كان من عبدة الأوثان لم يجز استرقاقه؟ أو لا يعتبر ذلك ، بل يسترقّ وإن كان من عبدة الأوثان؟

المشهور الثّاني نظرا إلى عموم ما دلّ على جواز استرقاق الكافر من غير تقييد وقال الشيخ بالأوّل ، نظرا إلى أنّه لا يجوز إقراره بالجزية ، فلا يجوز إقراره بالاسترقاق وفي الملازمة منع ظاهر.

(حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) آلاتها وأثقالها الّتي لا يقوم إلّا بها ، كالسلاح والكراع ، قال الأعشى :

__________________

(١) انظر الكشاف ج ٤ ص ٣١٧ ط دار الكتاب العربي والتفصيل ذكره ابن حجر في الشاف الكاف مطبوع ذيله والقصة في غزوة بدر ، فانظر التفصيل في التواريخ عند شرح غزوة بدر.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ١٤٣ الرقم ٢٤٥ والكافي ج ١ ص ٣٣٦ الباب ١٠ من أبواب وجوه الجهاد الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٧٣ والوافي الجزء التاسع ص ٢٣ والوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوه الجهاد الحديث ١ ج ٢ ص ٤٢٦ ط الأميري.

٣٣٦

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا

أي تنقضي الحرب فلم يبق إلّا مسلم أو مسالم ، وقيل المراد آثامها أي حتّى تضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا ، والظاهر كونها غاية للمنّ والفداء وقيل للمجموع ، بمعنى أنّ هذه الأحكام جارية فيهم ، حتّى لا يكون من المشركين حرب بزوال شوكتهم ، وانطماس دينهم.

الثانية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) من دار الكفر إليكم (فَامْتَحِنُوهُنَّ) فاختبروهنّ ليغلب على ظنّكم موافقة قلوبهنّ ألسنتهنّ في الإيمان الّذي ادّعينه قيل والاختبار أن تستحلف بالله أنّها ما خرجت من بغض زوجها ، ولا رغبت في أرض ولا التماس دنيا ، إنّما خرجت حبّا لله ولرسوله ودين الإسلام.

(اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) منكم فإنّه المطّلع على الضمائر ، وأنتم لا تتجاوزون الظاهر ، وإن استحلفتموهن وسبرتم أحوالهنّ (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) العلم الّذي يبلغه طاقتكم ويمكنكم تحصيله ، وهو الظنّ الغالب بالحلف وظهور الأمارات على صدقهنّ في دعوى الإسلام.

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) فلا تردّوهن إلى أزواجهنّ المشركين ، وألحق

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

٣٣٧

الأصحاب بالنساء في عدم جواز الردّ من يكون مستضعفا لا يؤمن عليه الفتنة بخلاف من يكون له عشيرة تحميه من الافتتان ، فإنّه يجوز ردّه إذا وقع الصّلح على ردّ الرّجال.

(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) والتكرير للمبالغة والمطابقة أو أنّ الأوّل لبيان انفساخ حكم الزّوجيّة ، والثاني لمنع الاسترداد بوجه من الوجوه ومقتضاها انفساخ النكاح بمجرّد إسلامها من غير توقّف على طلاق ، وإلى ذلك يذهب أبو حنيفة فإنّه قال إنّ أحد الزّوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمّة وبقي الآخر حربيّا وقعت الفرقة ، ولا يرى العدّة على المهاجرة ، ويفسخ نكاحها إلّا أن تكون حاملا ، وسيجيء.

ولأصحابنا في ذلك تفصيل : وهو أنّ الإسلام إن كان قبل الدّخول انفسخ في الحال ، وإن كان بعده توقّف استقراره على انقضاء العدّة ، فلو أسلم في أثنائها فهو أحقّ بها.

(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) وأعطوا أزواجهنّ ما دفعوا إليهنّ من المهور خاصّة ، قيل لمّا وقع صلح الحديبية (١) جرى على أنّ من جاءنا منكم رددناه ، ومن جاءكم منّا فلا تردّوه إلينا ، وكتبوا كتابا وختموه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلميّة مسلمة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحديبية فأقبل زوجها وقال : يا محمّد اردد عليّ امرأتي ، فإنّك قد شرطت لنا أن تردّ علينا من أتاك منّا ، فنزلت الآية بيانا لأنّ الشرط إنّما كان في الرّجال لا في النّساء.

ومقتضى الآية عموم ردّ ما أنفق لكنّ العلماء خصّوه بالمهر نظرا إلى أنّه بدل عن البضع الّذي حيل بينه وبينه بخلاف ما عدا المهر من النفقة والهبة ، فإنّه ليس بهذه المثابة ، وقد وافقنا على ردّ المهر الشافعيّ في أحد قوليه ، وأنكر ردّه في قوله الآخر وهو قول أكثر العامّة محتجّين بأنّ بضع المرأة ليس بمال يدخل في الأمان ، ومن ثمّ لو عقد الرّجل الأمان لنفسه دخل فيه أمواله دون زوجته ، فلا يجب ردّ بدله.

__________________

(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٢٧٣.

٣٣٨

والجواب أنّه قياس في مقابلة النصّ فلا يكون مسموعا خصوصا مع فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الدالّ على اعتبار النصّ في العموم ، والعمل به ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ مهر من جاءت مسلمة في صلح الحديبية. وادّعاء النسخ باطل لا وجه له وظاهر الآية يقتضي الدّفع إلى الزوج لو قدم وطلبه ، فعلى هذا لو جاء أبوها أو جدّها أو أخوها أو عمّها أو أحد نسائها لم يدفع المهر إليه ، ولا نعلم في ذلك خلافا.

وإطلاق الآية يقتضي دفع المهر من أيّ نوع كان ، وخصّه أصحابنا بغير المحرّم كالخمر وشبهه ، فلا يدفع إليه لعدم اعتباره عندنا ، فلا يتعلّق الأمر بدفعه ، ولا بقيمته وإن كانت قبضته حال كفرها ، ولو كان لم يدفع إليها شيئا لم يكن له شيء إجماعا والمخاطب بالدفع هم المسلمون فيحسب من بيت المال لأنّه من المصالح العامّة.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) لا إثم ولا حرج عليكم أيّها المسلمون (أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فإنّ الإسلام حال بينهنّ وبين أزواجهنّ الكفّار ، وهذا في غير المدخول بها ، وفي المدخول بها مع انقضاء العدّة ، وفي أخبارنا ما يدلّ على ذلك : روى الشيخ (١) عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام عن عليّ عليه‌السلام أنّ امرأة مجوسيّة أسلمت قبل زوجها قال له عليّ عليه‌السلام أتسلم؟ قال لا ، ففرّق بينهما ثمّ قال إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم فأنت خاطب من الخطّاب.

وأبو حنيفة لا يرى العدّة على المهاجرة مطلقا إذا بقي زوجها حربيّا ، ويبيح نكاحها إلّا أن تكون حاملا ، وفيه أنّ اشتراط العدّة مع الحمل يقوّي اشتراطها مع الدّخول.

(إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهنّ شرط إيتاء المهر في جواز نكاحهنّ إيذانا بأنّ ما اعطي أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر ، وأنّه لا بدّ من الصّداق.

(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) جمع كافرة والعصم جمع عصمة ، وهو ما يعتصم به من

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠١ الرقم ١٢٥٧ والاستبصار ج ٣ ص ١٨٢ الرقم ٦٦١ وهو في الوافي الجزء الثاني عشر ص ٩١ والوسائل الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ ج ٣ ص ٦٩ ط الأميري.

٣٣٩

عقد وسبب ، يعني إيّاكم وإيّاهنّ ، ولا يكن بينكم وبينهنّ عصمة ، ولا علقة زوجيّة وفيها دلالة على أنّه لا يجوز العقد على الكافرة سواء كانت ذميّة أو حربيّة أو عابدة وثن (١) وعلى كلّ حال ، دائما كان العقد أو منقطعا ، لأنّه عامّ في جميع ذلك ، وليس لأحد أن يخصّ الآية بعابدة الوثن ، لأنّه السبب في نزولها ، لما تقرّر في الأصول أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب. [وفيه نظر إذ هي غير صريحة في إرادة النّكاح فتأمّل] (٢).

(وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) من مهور نسائكم إذا صرن إلى دار الحرب ، والتحقن بالكفّار كما يسألونكم مهر نسائهم إذا هاجرن إليكم وهو قوله (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) من مهور نسائهم على ما تقدّم شرحه.

(ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) عنى به جميع ما ذكر في الآية (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) استيناف أو حال من الحكم على حذف الضمير العائد إليه أي يحكمه الله أو جعل الحكم حاكما على المبالغة.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) بجميع الأشياء (حَكِيمٌ) فيما يفعله ويأمركم به ، قيل كان في صدر الإسلام تكون المسلمة تحت الكافر والكافرة تحت المسلم فنسخت بهذه الآية قال الشيخ في التبيان (٣) والمفسّرون على أنّ حكم هذه الآية منسوخ ، وعندنا أنّه غير منسوخ ، وفيها دلالة على المنع من تزوّج المسلم اليهوديّة والنصرانيّة ، لأنّهما كافرتان ، فالآية على عمومها في المنع من التمسّك بعصم الكوافر ولا نخصّها إلّا بدليل.

__________________

(١) والحق جواز العقد على الكتابية متعة أو دواما ، انظر في ذلك تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٩٣ الى ص ١٩٩ وسيأتي إنشاء الله في المجلد الثالث من هذا الكتاب ما يكشف عن ميل المصنف إلى تأييد القول بالجواز عند تفسير الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية ٢١ من سورة النساء وتفسير الآية (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) الآية ٢٢١ من سورة البقرة فانتظر.

(٢) زيادة من : سن.

(٣) التبيان ج ٢ ص ٦٧٣ ط إيران.

٣٤٠