مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

ويؤيّد ذلك ما في أخبارنا (١) أنّ أوّل من حجّ البيت آدم عليه‌السلام وذلك يدلّ على أنّه كان قبل إبراهيم عليه‌السلام وفي كتاب العياشي (٢) بإسناده عن الصّادق عليه‌السلام قال إنّ الله أنزل الحجر الأسود من الجنّة لآدم عليه‌السلام وكان البيت درّة بيضاء فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي أساسه فهو حيال هذا البيت ، وقال يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله سبحانه إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت على القواعد.

وروى (٣) أيضا أنّ الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنّة له بابان من زمرّد شرقي وغربي وقال لآدم أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي فتوجّه إليه آدم من أرض الهند ماشيا وتلقّته الملائكة ، فقالوا : برّ حجّك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وحجّ آدم أربعين حجّة من أرض الهند إلى مكّة على رجليه ، وكان ذلك إلى أن رفعه الله أيّام الطّوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور ، ثمّ إنّ الله تعالى أمر إبراهيم ببنيانه وعرّفه جبرئيل مكانه.

[وظاهر الآية يؤيد هذا القول ، فانّ قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) صريح في أنّ تلك القواعد كانت موجودة منهدمة إلّا أنّ إبراهيم رفعها

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٥٢ الرقم ٦٦٣ وتجده أيضا في خلال أخبار أخر في أبواب وجوب الحج.

(٢) العياشي ج ١ ص ٦٠ الرقم ٩٨ ورواه عنه في البحار ج ٢١ ص ١٥ ومثله في الكافي باب أن أول ما خلق الله من الأرضين موضع البيت الحديث ٢ ج ١ ص ٢١٦ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٥١ ومثله في الفقيه ج ٢ ص ١٥٧ الرقم ٦٧٥ وعلل الشرائع الباب ١٤٠ الحديث ١ ج ٢ ص ٨٥ ط قم مع تفاوت يسير في ألفاظ الحديث وفي العلل بعد كلمة القواعد ، وانما سمى البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق.

(٣) الكشاف ج ١ ص ١٨٧ ط دار الكتاب العربي عند تفسير الآية قال ابن حجر في الشاف الكاف أخرجه الفاكهي في كتاب مكة من رواية الضحاك وهو ابن مزاحم قلت وترى أحاديث قريبة من هذا المضمون في خلال الأخبار الواردة في الدر المنثور في تفسير الآية من ص ١٢٥ الى ص ١٣٧ ج ١.

٣٠١

وعمرها] (١).

وقد يستفاد من بعض الأخبار أنّ إبراهيم وإسماعيل بنياه ، وأنّه لم يكن مبنيّا قبل روى ابن عبّاس (٢) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث طويل قال فيه ثمّ لبث يعني إبراهيم عنهم أي عن إسماعيل وزوجته ما شاء الله ثمّ جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلمّا رآه قام إليه وصنعا ما يصنع الوالد بالولد ثمّ قال يا إسماعيل إنّ الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربّك قال وتعينني؟ قال وأعينك ، قال : فانّ الله أمرني أن ابني بيتا هيهنا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها ، فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتّى إذا ارتفع البناء جاء إبراهيم بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهو يبنى وإسماعيل يناوله الحجارة.

(رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) بتقدير القول وقرء عبد الله بإظهاره ، وهي جملة حاليّة أي قائلين ذلك وفي هذا دلالة على أنّهما رفعا البيت للعبادة لا للسكنى.

قيل : وقد يستدلّ بهذا على أنّ الفعل المقرون بالإخلاص لا يجب ترتّب الثواب عليه ، وإلّا لم يكن في طلبه فائدة لأنّ قبول الله تعالى عمل العبد عبارة عن كون العمل بحيث يرضاه ويثيب عليه وقد طلباه ، ويجاب أنّ الطلب هنا إنّما توجه إلى جعله من جملة الأفعال المقرونة بالإخلاص ، فكنّى عن ذلك بطلب القبول ، وربّما يكون في ذكر السميع العليم إشارة إليه.

قال في مجمع البيان : وفي الآية دلالة على أنّ الدّعاء عقيب الفراغ من

__________________

(١) ما جعلناه بين العلامتين من مختصات نسخة سن ، وهكذا فيما مر ويأتي.

(٢) الحديث أخرجه في الدر المنثور ج ١ ص ١٢٥ عن عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن حاتم والجندي وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس والحديث طويل جدا وهو في البخاري في كتاب الأنبياء من ص ٢٠٧ الى ص ٢١٥ ج ٧ فتح الباري.

٣٠٢

العبادة مرغّب مندوب إليه كما فعله إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام وعلى هذا فيمكن استفادة استحباب التعقيب بعد الصلاة بالأدعية وخصوصا المأثورة.

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي مخلصين لك أوجهنا من قوله أسلم وجهه لله أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد ، والمراد طلب الزّيادة في الإخلاص والإذعان أو اجعلنا كذلك في مستقبل أعمارنا كما جعلتنا كذلك في ماضيها بأن توفّقنا للطّاعة وتفعل بنا الألطاف الدّاعية إلى الثبات على الإسلام ويجوز أن يكونا قالا ذلك تعبّدا كما قال تعالى (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (١) وقرئ بصيغة الجمع على أنّ هاجر معهما أو أنّ التثنية من مراتب الجمع.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) عطف على سابقه أي واجعل بعض ذريّتنا أي أولادنا ، وإنّما خصّا بعضهم لأنّه تعالى أعلم إبراهيم أنّ في ذرّيته من لا ينال عهده لما يرتكبه من الظّلم ، وعلما أنّ الحكمة الإلهيّة لا تقتضي الاتّفاق على الإخلاص والإقبال الكليّ على الله من الجميع ، فإنّه ممّا يشوّش أمر المعاش ، ولذا قيل : لو لا الحمقى لخربت الدّنيا ، ولعلّ تخصيص الذرّية بالدّعاء لما أنّهم أحقّ بالشفقة والمودّة ، أو لأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم ، وتابعوهم على الخير ، ألا يرى أنّ المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السّداد والصّلاح تسبّب ذلك لسداد من وراءهم.

وقيل : إنّ المراد امّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدلالة قوله (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٢) والمرويّ عن (٣) الصّادق عليه‌السلام أنّ المراد بالآية بنو هاشم خاصّة وفي الآية دلالة على استحباب الدّعاء للذريّة بالصّلاح والسّداد والتّقوى.

__________________

(١) الأنبياء : ١١٢.

(٢) البقرة : ١٢٩.

(٣) رواه العياشي ج ١ ص ٦١ بالرقم ١٠١ ونقله عنه في البحار ج ٧ ص ١٢٢ وفي البرهان ج ١ ص ١٥٦ ورواه أيضا في المجمع ج ١ ص ٢١٠ ورواه عنه في نور الثقلين ج ١ ص ١٠٩ بالرقم ٣٧٨ وحديث العياشي بالرقم ٣٧٩.

٣٠٣

(وَأَرِنا مَناسِكَنا) عرّفناها ، ومن ثمّ لم يتعدّ إلّا إلى المفعولين ، أى متعبّداتنا [وقيل أظهرها لأعيننا حتّى نراها] قال الزّجاج كلّ متعبّد منسك ، والمراد تعريف المواضع الّتي يتعلّق بها النّسك لنفعله عندها ، ونقضي عبادتنا فيها على حدّ ما يقتضيه توقيفنا عليها ، فعلى هذا المراد بها ما يعمّ نحو الطّواف بالبيت والسّعى بين الصّفا والمروة والإفاضة من عرفات ونحوها من مناسك الحجّ.

روي أنّ جبريل أرى إبراهيم المناسك كلّها (١) حتّى بلغ عرفات فقال : يا إبراهيم أعرفت ما أريتك من المناسك؟ قال نعم ، فسمّيت عرفات ، فلمّا كان يوم النحر وأراد أن يزور البيت عرض له إبليس يسدّ عليه الطّريق فأمره جبرئيل عليه‌السلام أن يرميه بسبع حصيات ، ففعل فذهب الشيطان ، ثمّ عرض له في اليوم الثاني والثّالث والرابع كلّ ذلك يأمره جبرئيل برمي الحصيات.

والنّسك في الأصل غاية العبادة شاع في الحجّ وأفعاله ، وقيل أراد مذابحنا للنسائك والأوّل أقوى كذا في مجمع البيان (٢) ويؤيّده أنّ الذّبح إنّما سمّي نسكا لدخوله تحت أصل معنى النّسك وهو التعبّد ، فحمل المناسك على جميع أفعال الحجّ أولى ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله «خذوا عنّي مناسككم» (٣).

__________________

(١) انظر الأحاديث بهذا المضمون مع قليل تفاوت في الألفاظ في الدر المنثور ج ١ من ص ١٣٧ الى ص ١٣٩ ورواه باللفظ الذي حكاه المصنف في تفسير النيشابوري ج ١ ص ١٥٢ ط إيران عن الحسن.

(٢) المجمع ج ١ ص ٢١٠.

(٣) في المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٥ ص ٧٠ : وعن جابر قال : رأيت النبي يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عنى مناسككم انى لا أدرى لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ، رواه أحمد ومسلم والنسائي انتهى وهو في صحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ ص ٤٤ والنسائي ج ٥ ص ٢٧٠ ورواه أبو داود أيضا انظر ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ١٩٧٠.

قال محمد محيي الدين عبد الحميد في تذييله هذا الحديث ليس في رواية اللؤلؤي ولذا لم يذكره المنذرى ، وقال الحافظ المزي هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد ـ

٣٠٤

(وَتُبْ عَلَيْنا) ارجع علينا بالرحمة والمغفرة ، أو المراد الاستتابة لذرّيّتهما أطلق ذلك عليهما لشدّة الاتّصال والعلقة بالذرّيّة مع الشّخص ، أو قالا ذلك انقطاعا

__________________

ـ وأبى بكر بن داسه ولم يذكره أبو القاسم قلت وأخرجه مسلم والنسائي انتهى.

ورواه ابن ماجة أيضا في ص ١٠٠٦ بالرقم ٣٠٢٣ بلفظ لتأخذ أمتي نسكها فانى لا أدرى لعلي لا ألقاهم بعد عامي هذا. وفي فيض القدير ج ٥ ص ٢٦٠ عند شرح الرقم ٧٢٢١ من الجامع الصغير أنه أخرجه أيضا ابن خزيمة وأخرجه في الدر المنثور أيضا ج ١ ص ٢٢٥ عن مسلم وأبى داود والنسائي وأخرجه البيهقي ج ٥ ص ١٣٠ وفي كنز العمال ج ٥ ص ٥١ بالرقم ٤٥٠.

ثم قوله «لتأخذوا» قال النووي هي بكسر اللام وهي لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم قال وهكذا وقع في رواية غير مسلم ، قلت وفي سنن النسائي : رأيت رسول الله (ص) يرمي الجمرة وهو على بعيره وهو يقول يا أيها الناس خذوا مناسككم فانى لا أدرى لعلي لا أحج بعد عامي هذا ثم قال النووي : والمعنى اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس.

ثم قال النووي وغيره هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة صلوا كما رأيتموني أصلي قال القرطبي ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب الا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكى عن الشافعي.

وقال على ما حكاه الشوكانى في نيل الأوطار ج ٥ ص ٧١ : روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون التي هي مع الالف ضمير ، اى يقول لنا خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول ، قال وهو الأفصح وقد روى لتاخذوا بكسر اللام للأمر بالتاء المثناة من فوق وهي لغة شاذة قرئ بها رسول الله في قوله (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) انتهى.

قلت وعلى روايته الاولى تطابق حكاية النسائي كما عرفت وحكاية الفقهاء مرسلة في الكتب الفقهية فإنه فيها خذوا عنى مناسككم.

قال الشوكانى بعد نقله كلام القرطبي : والاولى أن يقال انها قليلة لا شاذة لورودها في كتاب الله وكلام نبيه وفي كلام فصحاء العرب ، وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبى وأنس ـ

٣٠٥

إليه تعالى أو تعبّدا ليقتدى به فيه ، قال الشيخ في التبيان (١) وهو الّذي نعتمده.

ويحتمل أن يكون المراد طلب التوبة من ترك ما الاولى فعله بالنّسبة إلينا كترك المندوبات ، والاشتغال بالمباحات ، على ما قيل : إنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين لا أنّ المراد التوبة عليهما من الصّغائر كقول المعتزلة ولا الكبائر كقول غيرهم ، فإنّ الأدلّة العقليّة قد دلّت على أنّ الأنبياء معصومون منزّهون عن الكبائر والصّغائر وليس في المقام ما يوجب البسط لذلك بل يطلب من محلّه.

(إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ) القابل للتوبة من عظائم الذّنوب ، أو المراد الكثير القبول للتوبة مرّة بعد اخرى (الرَّحِيمُ) بعباده المنعم عليهم بالنّعم العظام ، وتكفير السيّئات والآثام.

قال الشيخ في التبيان وفي الآية دلالة على أنّه يحسن الدّعاء بما يعلم الدّاعي أنّه كائن لا محالة ، لأنّهما علما أنّهما لا يقارفان الذّنوب والآثام ، ولا يفارقان الدّين والإسلام.

[اللهمّ تب علينا من عظائم الذنوب ، ولا تفضحنا بأعمالنا القبيحة يا ساتر العيوب إنّك وليّ الحسنات وغافر السّيئات].

__________________

ـ والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن فائد والعباس ابن الفضل الأنصاري قال صاحب اللوامع وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية وقرء بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله عن ابن عامر وهو خلاف قراءة المشهورة انتهى ما في نيل الأوطار.

(١) التبيان ج ١ ص ١٥٨ ط إيران.

٣٠٦

كتاب الجهاد

والآيات المتعلّقة به على أنواع.

(الأول في وجوبه)

وفيه آيات :

الاولى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١).

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) فرض عليكم الجهاد في سبيل الله.

كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مأذون في القتال ، مدّة إقامته بمكّة فلمّا هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين ثمّ أذن في قتال المشركين عامّة.

(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) شاق عليكم تكرهونه كراهة طباع من حيث إنّ الإنسان خلق على أن يحبّ السّهولة والحياة والأمور المستلذّة ، وفرض الجهاد ينافي ذلك ، أو المعنى أنّه كره لكم قبل الأمر والتكليف به ، لأنّ المؤمن لا يكره ما كتب الله وفرضه عليه ، فانّ ذلك ينافي الإسلام ، والمعنى أنّه شاقّ على النّفس ، وهكذا سائر التكاليف وكيف لا ، والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقّة وإنّها في القتال أكثر لأنّ الحياة أعظم ما يميل إليه الطّباع ، فبذلها ليس بهيّن ، وهو مصدر وقع خبرا للمبالغة ، أو أنّه فعل بمعنى مفعول كالخبز ، أو بمعنى الإكراه مجازا كأنّهم أكرهوا عليه لشدّته وعظم مشقّته كقوله (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) (٢).

(وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) في الحال بالنّظر إلى مقتضى الطّبع (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)

__________________

(١) البقرة : ٢١٦.

(٢) الأحقاف : ١٥.

٣٠٧

في المآل لما فيه من المصلحة المتعلّقة به ، كما تكرهون الجهاد لما فيه من المخاطرة بالقتل مع أنّ فيه إحدى الحسنيين لكم : إمّا الظفر والغنيمة مع ثواب المجاهدين ، وإمّا الشّهادة والجنّة في المآل كما هو المشهور في أمر الشّهداء.

(وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) كترك الجهاد مثلا (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لتفويتكم المنافع المترتّبة عليه ، وكذا الكلام في جميع التكاليف والعبادات المقرّبة إلى الله ، والمناهي المبعّدة عنه المهلكة ، ولعلّ ذكر عسى للتّنبيه على أنّه قد يظهر لهم وجه المصلحة في بعض التّكاليف كما يقوله العدليّة بالنّسبة إلى حسن بعض الأشياء ضرورة ، أو نظرا وقبحها كذلك ، أو لأنّ النّفس إذا ارتاضت وتوطّنت انعكس الأمر عليها.

(وَاللهُ يَعْلَمُ) مصالحكم ومنافعكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك لقلّة تدبّركم وكثرة ميولكم إلى مقتضى النّفس ، وفي الآية دلالة على وجوب الجهاد.

وقال الطّبرسي في مجمع البيان (١) أجمع المفسّرون إلّا عطا أنّ هذه الآية دالّة على وجوب الجهاد وفرضه ، وقال عطا : إنّ ذلك كان واجبا على الصّحابة ولم يجب على غيرهم ، وقوله شاذ عن الإجماع ، ويؤيّده أنّ التّخصيص يحتاج إلى دليل والأحكام الواردة في القرآن ، وإن وردت على الخطاب ، إلّا أنّ التكليف بها شامل للأمّة إلى يوم القيمة ، نعم لو كان هناك دليل يدلّ على الاختصاص وجب الوقوف معه وهو غير ثابت هنا.

وبقي الكلام في الوجوب المستفاد منها ، هل هو على الكفاية أو الأعيان؟ والمشهور بين العلماء أنّه على الكفاية ، بل انعقد الإجماع عليه ، وهو الّذي أوجب حمل الآية عليه وإلّا فإطلاق الوجوب ينصرف إلى العين ، وأخذ بعضهم بظاهر ذلك فأوجبه عينا وهو نادر مع تقدّم الإجماع عليه وتأخّره عنه.

وفيها أيضا دلالة على أنّ الأحكام تابعة للمصالح وإن خفيت كما اعترف به القاضي ظنّا منه أنّها تتمّ على قولهم بنفي الحسن والقبح العقليّين ، وإنّما يتمّ على قول العدليّة الذّاهبة إلى أنّ الأحكام تابعة للمصالح الثّابتة في الأفعال ، وأنّ حسنها

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٣١١.

٣٠٨

وقبحها كذلك ، لكنّه قد يظهر للمكلّف وقد يكون خفيّا ، والشرع إنّما يكشف عن ذلك ، لا أنّه يثبته كما يعلم تفصيله من محلّه.

الثانية : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١).

(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) جاهدوا لإعلاء كلمته وإعزاز دينه (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) أي الكفّار مطلقا فإنّهم بصدد قتال المسلمين ، وعلى قصده ، لاستحلالهم المقاتلة لهم فهم في حكم المقاتلين ، قاتلوا أو لم يقاتلوا.

أو أهل مكّة الّذين حاربوا المسلمين من قبل ، لما قيل إنّ سبب النزول صلح الحديبيّة ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا خرج هو وأصحابه في العام الّذي أرادوا فيه العمرة ، فصدّهم المشركون عن البيت الحرام ، فنحروا الهدي بالحديبيّة وأحلّوا ثمّ صالحهم المشركون على أن يرجع من عامه ويعود في العام القابل ، فيخلو له مكّة ثلاثة أيّام فرجع لعمرة القضاء وخاف المسلمون أن لا يفي لهم المشركون ويقاتلوهم في الحرم والشّهر الحرام ، وكرهوا ذلك ، فنزلت.

أو معناه الّذين يناصبونكم القتال ويتوقّع منهم ذلك دون غيرهم من المشايخ والصّبيان والرّهبانية والنّساء ، فإنّهم لا يجوز قتالهم.

(وَلا تَعْتَدُوا) بابتداء القتال وقد كان ذلك في أوّل الأمر لقلّة المسلمين ، ولكون الصّلاح في استعمال الرفق واللّين ، فلمّا قوي الإسلام وكثر الجمع وأقام من أقام منهم على الشّرك بعد ظهور المعجزات ، حصل اليأس من إسلامهم ، فأمروا بالقتال على الإطلاق أو مفاجاته قبل الدّعاء إلى الإسلام بإظهار الشّهادتين والتزام أحكام المسلمين.

أو بقتال من نهيتم عن قتله كالنّساء والصّبيان ، أو بقتال المعاهد ونحوه ، والأحكام إجماعيّة واستفادتها من الآية بعيدة بل من خارج.

__________________

(١) البقرة : ١٩٠.

٣٠٩

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) فلا يوصل إليهم الثواب ولا التعظيم كما في غيرهم ممّن يحبّهم ، وقد يستدلّ بظاهرها على تحريم الظلم والعدوان ، وعلى وجوب المقاتلة مع المحارب الّذي يقاتل الإنسان على نفسه وماله ، وعدم جواز مقاتلة من هرب ، وترك القتال وجميع ذلك مذكور في كتب الفروع.

الثالثة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ ، هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) بدل من الشّهر بدل اشتمال أي يسئلونك عن القتال في الشّهر الحرام ، والسّائلون هم المشركون على جهة التّعيير والتعييب على المسلمين فيما صدر منهم ، واستحلال القتال في شهر رجب.

فقد روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث (٢) عبد الله بن جحش ابن عمّته على سريّة في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين لترصد عير القريش ، وفي العير عمرو بن عبد الله الحضرميّ وثلاثة معه فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها تجارة من الطائف ، وكان ذلك غرّة رجب وهم يظنّونه من جمادى فقالت قريش : استحلّ محمّد الشّهر الحرام شهرا يأمن

__________________

(١) البقرة : ٢١٧.

(٢) انظر المجمع ج ١ ص ٣١٢ وأسباب النزول للواحدي من ص ٣٥ الى ص ٣٨ ولباب النقول ص ٣٣ والدر المنثور ج ١ ص ٢٥٠ ـ ٢٥٢ وتفسير الطبري ج ٢ من ص ٣٤٦ الى ص ٣٥٢.

٣١٠

فيه الخائف ويتدبّر فيه النّاس أمر معايشهم ، وشقّ على أصحاب السريّة وقالوا : ما نبرح حتّى تنزل توبتنا ، ووقّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العير والأسارى وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فنزلت فعندها أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العير ، فعزل منها الخمس فكان أوّل الخمس ، وقسّم الباقي بين أصحاب السريّة فكانت أوّل غنيمة في الإسلام ، وقيل إنّ السائلين هم المسلمون ليعلموا الحكم.

(قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) أي ذنب كبير وإثم عظيم.

قيل (١) : وظاهرها تحريم القتال في الشهر الحرام ، ومن ثمّ ذهب جماعة إلى أنّها منسوخة بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) من باب نسخ الخاصّ بالعام وهؤلاء يذهبون إلى أنّ تحريم القتال في الأشهر الحرم غير باق إلى الآن ، بل منسوخ بهذه الآية (٣) وفيه نظر فانّا لا نسلّم دلالتها على تحريم القتال في الشهر الحرام على العموم «إذ قتال فيه» نكرة في سياق الإثبات فلا تعمّ ، وإنّما هي مطلقة في ذلك ونحن

__________________

(١) وفي سن هكذا : قال الجمهور ظاهر الآية يقتضي تحريم القتال في الشهر الحرام واختلفوا في بقاء حكمها ونسخه ، فذهب جماعة إلى أنها منسوخة بقوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) من باب نسخ الخاص بالعام وهؤلاء يذهبون إلخ.

(٢) براءة : ٥.

(٣) المجمع ج ١ ص ٣١٢ ولآية الله الخويي مد ظله في ص ٢١٠ من كتابه البيان بيان يعجبنا نقله بعين عبارته قال مد ظله :

قال أبو جعفر النحاس أجمع العلماء على أن هذه الآية منسوخة وأن قتال المشركين في الشهر الحرام مباح غير عطاء ، فإنه قال الآية محكمة ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم (كذا في ص ٣٢ من كتابه الناسخ والمنسوخ).

وأما الشيعة الإمامية فلا خلاف بينهم نصا وفتوى على أن التحريم باق صرح بذلك في التبيان وجواهر الكلام ، وهذا هو الحق لأن المستند للنسخ ان كان هو قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) كما ذكره النحاس فهو غريب جدا ، فان الآية علقت الحكم بقتل المشركين على انسلاخ الأشهر الحرم ـ فقد قال تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ

٣١١

نقول به بالنّسبة إلى من لا يقاتل ، ويرى له حرمة دون من لا يكون بهذه المثابة ، وحينئذ فيتخصّص الآيات المنافية بهذه الصّورة ، فإنّ التّخصيص خير من النسخ ، وبالجملة مع بقاء بعض الأحكام لا وجه للنّسخ بل يتعيّن التّخصيص.

(وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وصرف ومنع عن الإسلام أو عمّا يوصل العبد إلى الله من الطّاعات (وَكُفْرٌ بِهِ) أي بالله (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عطف على الضّمير المجرور [أي وكفر بالمسجد الحرام ، ومعنى الكفر به منع النّاس عن الصّلوة فيه والطواف به] والقول بضعفه (١) من دون إعادة الجارّ بعيد لوروده في اللّغة العربيّة كثيرا ، وقراءة حمزة من السّبعة قوله (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) (٢) بالجرّ عطفا عليه ، وقيل هو على

__________________

فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فكيف يمكن أن يكون ناسخة لحرمة القتال في الشهر الحرام.

وان استندوا فيه الى إطلاق آية السيف وهي قوله تعالى (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) فمن الظاهر أن المطلق لا يكون ناسخا للمقيد ، وان كان متأخرا عنه.

وان استندوا فيه الى ما رووه عن ابن عباس وقتادة أن الآية منسوخة بآية السيف فيرده أولا أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد ، وثانيا أنها ليست رواية عن معصوم ولعلها اجتهاد من ابن عباس وقتادة ، وثالثا أنها معارضة بما رواه إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد يعني ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا الليث عن أبي الأزهر عن جابر قال رسول الله (ص) لا يقاتل في الشهر الحرام الا أن يغزى أو يغزو ، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ ، ومعارضة بما رواه أصحابنا الإمامية عن أهل البيت (ع) من حرمة القتال في الأشهر الحرم.

وان استندوا في النسخ الى ما نقلوه من مقاتلة رسول الله هوازن في حنين وثقيفا في الطائف شهر شوال وذي القعدة وذي الحجة من الأشهر الحرم فيرده أولا أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد وثانيا أن فعل النبي (ص) إذا صحت الرواية مجمل يحتمل وقوعه على وجوه ولعله كان لضرورة اقتضت وقوعه فكيف يمكن أن يكون ناسخا للاية انتهى كلامه مد ظله.

(١) انظر في ذلك تعاليقنا على كنز العرفان ج ٢ من ص ٤ الى ص ٦.

(٢) النساء : ١.

٣١٢

إرادة المضاف أي وصدّ عن المسجد الحرام كقوله (١).

أكل امرءا تحسبين امرءا

ونار توقّد باللّيل نارا

__________________

(١) البيت لأبي داود الأيادي وقد سبق منا ترجمته في ص ٣٤٢ من المجلد الأول من هذا الكتاب فراجع ، وقيل هو لحارثة بن حمران الأيادي.

واستشهد بالبيت في الكشاف عند تفسير الآية ٦٧ من سورة الأنفال ج ٢ ص ٢٣٧ ط دار الكتاب العربي وابن هشام في المغني كلمة «لعل» وابن الأنباري في الإنصاف ص ٤٧٣ بالرقم ٢٩٨ في المسئلة ٦٥ من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، واستشهد به جميع شروح الألفية عند شرح البيتين لابن مالك :

وربما جروا الذي أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدما

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلا لما عليه قد عطف

مبحث الإضافة. ففي الاشمونى بشرح محمد محي الدين عبد الحميد ج ٣ ص ٤٨٨ الرقم ٦٥٠ وبحاشية الصبان ج ٢ ص ٢٧٣ الرقم ٤٩٤ وشرح ابن عقيل ج ٢ ص ٧٧ الرقم ٢٣٨ والتصريح ج ٢ ص ٥٦ ومعنى البيت ظاهر.

وقد ذكروا في إعراب «ونار» وجوها :

الأول أن يكون مجرورا بتقدير مضاف يكون معطوفا على كل قد حذف المضاف وأبقى المضاف اليه على جره وأصل الكلام أتحسبين كل امرئ امرءا وكل نار نارا.

الوجه الثاني أن تجعل الواو عاطفة قد عطفت جملة على جملة فتقدر فعلا كالفعل السابق في الكلام وتقدر له مفعولا أول يكون مضافا الى نار المجرور ، وتقدير الكلام على هذا الوجه : أتحسبين كل امرئ امرءا وأ تحسبين كل نار نارا ، فحذف الفعل وفاعله ومفعوله الأول وأبقى المضاف اليه والمفعول الثاني.

الوجه الثالث أن تجعل نار المجرور معطوفا على امرئ المجرور ونارا المنصوب معطوفا على امرءا المنصوب ويستلزم هذا الوجه عطف معمولين على معمولين لعاملين مختلفين فان امرئ المجرور معمول الكل باعتباره مضافا اليه وامرءا المنصوب معمول لتحسبين باعتباره مفعولا ثانيا ، ولا يجيز ذلك سيبويه والمبرد وابن السراج وهشام ، ويجيزه الأخفش والكسائي والفراء والزجاج.

٣١٣

وفيه بعد ، لأنّ حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا مع كون المقدّر المعطوف عليه قليل بل غير معلوم الوقوع وما ذكره من التمثيل غير مطابق ، ورجّح في الكشاف عطفه على سبيل الله وأنكره القاضي نظرا إلى أنّ قوله (وَكُفْرٌ بِهِ) عطف على قوله (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو مانع من العطف إذ لا يقدّم العطف على الموصول على العطف على الصّلة وحاصله أنّه يلزم الفصل بين صلة المصدر وبين المصدر بالأجنبيّ الّذي هو قوله (وَكُفْرٌ بِهِ).

وقد يجاب بأنّ الصدّ عن سبيل الله والكفر به كالشيء الواحد في المعنى فكأنّه لا فصل وبأنّ التقديم لفرط العناية مثل (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وكان حقّ الكلام ولم يكن أحد كفواً له.

(وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) أهل المسجد وهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون وإنّما جعلهم أهلا له إذ كانوا هم القائمين بحقوق المسجد كقوله تعالى (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) (١).

(أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ) ممّا فعلته السريّة خطأ وبناء على الظنّ ، وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش ، و «أفعل من» يستوي فيه الواحد والجمع والمذكّر والمؤنّث.

(وَالْفِتْنَةُ) وهي ما يرتكبه المشركون من الشّرك بالله ، فإنّه فتنة في الدّين (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) لأنّ الفتنة تفضي إلى القتل في الدّنيا وإلى استحقاق العذاب الدائم في الآخرة فيصحّ أنّ الفتنة أكبر من القتل فضلا عن ذلك القتل الّذي صدر من المسلمين للحضرميّ في الشّهر الحرام.

[وقيل إنّ المراد بالفتنة ما كانوا يفتنون المسلمين عن دينهم تارة بإلقاء الشّبهات وتارة بالتعذيب ، ويرجّح هذا بأنّ حمل الفتنة على الكفر توجب التّكرار لقوله (وَكُفْرٌ بِهِ) فتأمّل] (٢).

__________________

(١) الفتح : ٢٦.

(٢) زيادة من : سن.

٣١٤

(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) إخبار عن دوام عداوة الكفّار لهم واستمرارهم عليها ، فإنّهم لا ينفكّون عنها حتّى يردّوهم عن دينهم (إِنِ اسْتَطاعُوا) استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوّته إن ظفرت بي فلا تبق عليّ ، وفيها إيذان بأنّهم لا يردّونهم.

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي صارت باطلة كأن لم يكن ولم ينتفعوا بها (فِي الدُّنْيا) لبطلان ما تخيّلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدّنيويّة (وَالْآخِرَةِ) بسقوط الثواب يوم القيمة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) كسائر الكفرة.

وفيها دلالة على أنّ الارتداد إنّما يحبط العمل مع الموت على الردّة وهو قول أصحاب الموافاة ، فإنّهم شرطوا في ثبوت الايمان والكفر حصول الموافاة ، فالإيمان لا يكون إيمانا إلّا إذا مات المؤمن عليه ، والكفر لا يكون كفرا إلّا إذا مات الكافر عليه فلو رجع إلى الايمان وتاب عمّا صدر منه لم يكن عمله محبطا.

وبيانه أنّ من كان مؤمنا ثمّ ارتدّ ـ والعياذ بالله ـ فلو كان ذلك الايمان الظّاهري الّذي كنّا نظنّه إيمانا في الحقيقة ، لكان قد استحقّ عليه الثواب الأبديّ فإمّا أن يبقى الاستحقاقان وهو محال وإمّا أن يكون الطاري مزيلا للسّابق وهو أيضا محال ، لأنّهما متنافيان ، وليس أحدهما أولى بالتّأثير من الآخر بل السّابق بالدّفع أولى من اللّاحق بالرّفع ، لأنّ الدّفع أسهل من الرّفع ، وأيضا شرط طريان الطّاري زوال السّابق ، فلو علّلنا زوال السّابق بطريان الطّاري لزم الدّور فتعيّن أنّ الإيمان لا يكون إيمانا إلّا إذا مات عليه.

وعلى هذا أصحابنا ، وهو المعهود من مذهبهم [ويلزم من ذلك أنّ المسلم إذا صلّى ثمّ ارتدّ ثمّ أسلم في الوقت أنّه لا يعيد الصّلوة لأنّ حبط العمل مشروط بالموت على الكفر ، ولم يوجد الشّرط فلا يكون عمله محبطا ، فلا قضاء عليه (١)] نعم ينقل عن

__________________

(١) زيادة من : سن.

٣١٥

الشيخ أنّه أبطل الحجّ بالارتداد ، وضعّفه الأصحاب ، وحينئذ فما وقع من الإحباط بالارتداد مطلقا يكون مقيّدا بالموت كما وقع في هذه الآية حملا للمطلق على المقيّد وإلى ذلك يذهب الشّافعيّة أيضا ، وأطلق الحنفيّة إبطال العمل بالارتداد ، وإن رجع إلى الإسلام ، وظاهر الآية حجّة عليهم ، وخصوصا مع قولهم بالمفهوم كما هو مذهبهم.

ويتفرّع على ذلك فروع كثيرة منها أنّه لو توضّأ ثمّ ارتدّ ثمّ عاد إلى الايمان لم يجب عليه تجديد الطّهارة إن اعتبرنا في الإحباط الموت على الردّة ، وإلّا فلا ، هذا.

ومقتضى الآية قبول توبة المرتدّ مطلقا ، أي سواء كان ارتداده عن فطرة أو ملّة وعلى هذا أكثر أصحابنا ، وقد يظهر من بعضهم عدم قبول توبة الفطريّ لوجوب قتله المانع من قبول توبته ، وهو ضعيف ، لأنّه لم يخرج عن درجة التّكليف بالعبادات والإيمان ، ويستحيل التكليف من دون قبول التوبة ، وإلّا كان تكليفا بالمحال ، ولا معنى لقبول توبته إلّا صحّة عباداته ، وإثابته عليها ، واستحقاقه الجنّة بها في الآخرة وعدم سقوط بعض الأحكام مثل القتل عنه لدليل شرعيّ اقتضاه لا ينافي عدم القبول.

ومن هنا يظهر أنّ القول بالنّجاسة مع التّوبة بعيد ، إذ لا معنى لنجاسته مع القول بصحّة عباداته المشروطة بالطّهارة ، إلّا أن يقال ذلك بالنّسبة إلى غيره وبالنّسبة إلى نفسه هو طاهر ، وفيه بعد ، وأبعد منه حمل الآية وأمثالها على المرتدّ الملّي نظرا إلى أنّها واردة في أوّل الإسلام ، ولم يعهد هناك مسلم فطريّ فيكون الأحكام مخصوصة بهم ، لأنّ المناط ظاهر اللّفظ دون خصوص السّبب ، فإنّه لا دخل له في التّخصيص عند المحقّقين ، وخلوّ الأخبار عن ذلك دليل سقوطه.

ثمّ إنّه قد تكرّر في مواضع كثيرة من القرآن العزيز الإحباط والتكفير كقوله تعالى (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١) و (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٢) ونحوها وتظافرت الأخبار به كما روي أنّ شرب الخمر يحبط

__________________

(١) النساء : ٣١.

(٢) الزمر : ٦٥.

٣١٦

كذا وكذا ، والزنا كذا وكذا ، وأنّ الصّلوة تكفّر ذنب كذا وكذا ، والحجّ كذا وكذا ، إلى غير ذلك ، ومقتضى ذلك أنّهما صحيحان واقعان ، ولا شكّ أن ليس المراد من إحباط العمل هو إبطال نفس العمل ، لأنّ العمل شيء كما وجد فني وزال ، وإعدام المعدوم محال.

وقال المثبتون للإحباط والتكفير : المعنى أنّ عقاب الردّة الحادثة تزيل ثواب الإيمان السابق إمّا بشرط الموازنة كما هو مذهب جماعة ، أولا بشرطها كما هو مذهب آخرين ، وكذا غير الردّة من المعاصي ، فإنّها تبطل ما تقدّمها من الطّاعة على أحد الوجهين ولكنّ الأصحاب أجمعوا على بطلان الإحباط والتكفير بهذا المعنى.

وقد استدلّ المحقّق الطوسيّ في التّجريد على بطلانه بدليل عقليّ ونقليّ أمّا النّقليّ فبقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (١) والإيفاء بوعده واجب ، وظاهر أنّ الإحباط ينافيه ، وأمّا العقليّ فلأنّ الإحباط يستلزم الظلم ، فانّ من أطاع وأساء حال كونهما متساويين بمنزلة من لم يفعلهما ولو زاد أحدهما كان بمنزلة من لم يفعل الآخر ، وهو ظلم مستحيل صدوره عنه تعالى وعلى هذا فلا بدّ من التّأويل في الآية والأخبار الواردة بهما.

ويظهر من الطّبرسيّ أنّ الإحباط الباطل الّذي لا يجوز هو أن يستحقّ المكلّف الثواب على عمل من الأعمال الصّالحة ثمّ يسقط ذلك الاستحقاق بمعصية ، والّذي وقع في الآيات والأخبار يراد به عدم وقوعه على الوجه المعتبر من الشارع الّذي يستحقّ بفعله الثواب.

قال في مجمع البيان (٢) عند قوله (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٣) معناه أنّها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إيّاها على خلاف الوجه الّذي يستحقّ عليه الثواب ، وليس المراد أنّهم استحقّوا على أعمالهم الثواب ثمّ انحبط

__________________

(١) الزلزال : ٧ و ٨.

(٢) المجمع ج ١ ص ٣١٣.

(٣) البقرة : ٢١٧.

٣١٧

لأنّه قد دلّ الدليل على أنّ الإحباط على هذا الوجه لا يجوز انتهى.

واعترض عليه بأنّه لا معنى لوقوع الفعل على وجه يستحقّ فاعله الثواب والمدح إلّا الإتيان به على الوجه المأمور به شرعا ، بمعنى الإتيان به مع جميع الشرائط المعتبرة في صحّته حين الفعل ، وقد فرض الإتيان به على هذا الوجه ثمّ ارتدّ ومع هذا الإتيان في جميع الصّور الّذي أطلق عليه الإحباط بعيد.

ويمكن أن يجاب بأنّا لا نسلّم الإتيان به على هذا الوجه ، كيف واستحقاق الثواب عندنا مشروط بالموافاة إلى حال الموت ، وحينئذ فيكون صحّته موقوفة على ذلك ، ويكون ارتداده في ثاني الحال وموته عليه كاشفا عن عدم صحّة الأعمال الواقعة حال الإيمان وعدم ترتّب الثّواب عليها ، إذ لا يراد بعدم الصحّة سوى عدم ترتّب الثّواب عليه.

لكنّ هذا لا يجرى فيما إذا كان الإحباط لبعض الأعمال البدنيّة بالبعض مثل كون شرب الخمر يحبط كذا وكذا ، والزّنا يحبط كذا وكذا ، والصّلوة تكفّر ذنب كذا ونحوها ، ممّا لا يحصى ، ويمكن حمل الإحباط الباطل على أنّه لا يكون الذّنب القليل محبطا لعبادة كثيرة ، وبالعكس حتّى أنّ الإنسان لو فعل جميع العبادات إلى قرب موته ثمّ فعل ذنبا بطل ذلك بالكلّية واستحقّ به العقاب الدّائم وبالعكس فإنّه ظاهر البطلان ، وإن ذهب إليه بعض المعتزلة ، ويكون الإجماع منهم على بطلان ذلك ، والآي والأخبار تحمل على ما لا يحصل إلى هذا الحدّ ، ولا يلزم من ذلك القول بالموازنة كما يذهب إليه بعضهم فإنّه باطل فتأمّل فيه.

ويمكن أن يراد بالإحباط الوارد في كتاب الله هو أنّ المرتدّ إذا أتى بالردّة فتلك الردّة عمل محبط ، لأنّه يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحقّ ثوابا ، فمعنى حبط عمله أنّه أتى بعمل ليس فيه فايدة ، بل فيه مضرّة عظيمة.

وقد استدلّ الفخر الرازيّ على بطلان الإحباط بأنّ من أتى بالإيمان والعمل الصّالح استحقّ الثواب الدّائم ، فإذا كفر بعده استحقّ العقاب الدّائم ، ولا يجوز وجودهما جميعا ، ولا اندفاع أحدهما بالآخر ، إذ ليس زوال الباقي بطريان الطّاري أولى

٣١٨

من اندفاع الطّاري لقيام الباقي ، ثمّ قال : والمخلص أن لا يجب عقلا ثواب المطيع ولا عقاب العاصي.

وفيه نظر ، فإنّ إحباط الإيمان بالكفر وبالعكس صريح القرآن كما في الآية الّتي نحن فيها ، ومن ثمّ اشترط أصحابنا في بطلان العمل الموافاة ، أي الموت على الكفر ، ولا نسلّم في هذه الصورة استحقاق الثواب على العمل الّذي أوقعه قبل ، لظهور الكاشف عن عدم الاستحقاق بالموت ، وكذا الكلام لو انعكس الأمر ، فإنّ موته على الإيمان موجب لاستحقاقه الثواب على ما عمله من الطّاعة بعد الكفر السابق.

ولعلّ غرضه من الدليل بيان ما ذكره من عدم الاستحقاق للثواب والعقاب وهو باطل عندنا ، فانّ الآيات مشحونة بالاستحقاق كقوله تعالى (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) «ذلك بما كسبت أيديهم» (٢) ونحوها.

ولعلّ مراده من عدم الاستحقاق عقلا عدم الاستحقاق شرعا أيضا فإنّهم لا يجعلون العقل مستقلا في الأحكام بدون الشّرع ، ولأنّ القائل بالاستحقاق العقليّ لم يدّعه عقلا فقط ، من غير شرع ، بل يقول إنّ العقل يحكم به ، والشّرع موافق له كما نطقت به الآيات.

وهب أن لا استحقاق للثواب كما قالوه ، بناء على التفضّل منه تعالى بالنسبة إلى العبد ، أو أنّ العبادات الواقعة من العبد شكر على نعمة السابقة ، فهو كأجير أخذ الأجرة قبل العمل ، كما قاله القاضي في غير هذا الموضع ، فأيّ معنى للعقاب بغير استحقاق ، إذ هو ظلم صريح يتحاشى أن يحوم حول كبريائه تعالى ، ولقد التزمت الأشاعرة هذا الظلم بالنّسبة إليه تعالى ، وجوّزوا إدخال الشّيطان وسائر الكفرة المتمرّدة الّذين لم يطيعوا الله طرفة عين الجنّة ، وجميع الأنبياء الّذين لم يعصوه طرفة عين النار نعوذ بالله من هذا الاعتقاد الكاسد ، والدّين الفاسد.

الرابعة : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ

__________________

(١) الأحقاف : ١٤.

(٢) لا يوجد بلفظة في القرآن الشريف وبمعناه آيات كثيرة.

٣١٩

أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١).

(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) حيث وجدتموهم في حلّ أو حرم ، وأصل الثقف الحذق في إدراك الشّيء علما أو عملا فهو متضمّن معنى الغلبة ، ومن ثمّ استعمل فيها قال (٢) :

فامّا تثقفوني فاقتلونى

فمن يثقف فليس إلى خلود

أوجب تعالى في الآية السابقة قتال الكفرة بشرط إقدامهم على القتال ، وفي هذه

__________________

(١) البقرة : ١٩١ ـ ١٩٣.

(٢) البيت أنشده في الكشاف ج ١ ص ٢٣٦ دار الكتاب العربي وهو في شرح شواهد الكشاف للمحب أفندى ص ٤٨ وفيه فمن أثقف فليس الى خلود ، وأنشده في اللسان ج ٩ ص ٢٠ ط بيروت (ت ق ف) والصحاح ج ٢ ص ١١ ط بولاق وجمهرة اللغة لابن دريد ج ٢ ص ٤٧ العمود ٢ وص ١١٤ من القسم الثالث من ديوان الهذليين.

والضبط في غير الكشاف وشرح شواهده «فان أثقف فسوف ترون بالى» وفي رواية وان أثقف وفي رواية ومن أثقف وفي رواية «فان أثقفتمونى» مكان «فاما تثقفونى» والبيت من قصيدة مطلعها :

الا قالت غزية إذ رأتني

ألم تقتل بأرض بني هلال

والقصيدة لعمرو ذى الكلب بن العجلان بن عامر بن برد بن منبه وهو أحد بنى كاهل وكان جارا لبني هذيل فمنهم من يقول عمرو ذو الكلب ومنهم من يقول عمرو الكلب سمى بذلك لانه كان معه كلب لا يفارقه ، وقال ابن حبيب انما سمى ذا الكلب لانه خرج في سرية من قومه وفيهم رجل يدعى عمرا وكان مع عمرو هذا كلب فسمى ذا الكلب وغزية امرءة.

٣٢٠