مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

هذا المفهوم من أيّ قسم هو من المفهوم ، أقصى ما فيه أنّه مفهوم اللقب ، وهو غير حجّة عنده أيضا فضلا عن المحقّقين من الأصوليّين.

ولا نسلّم أنّ قوله (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ) الآية دالّ على ذلك ، لجواز أن يكون المراد منه تحريم قتله وهناك تحريم أكله ، بل هو الظاهر فإنّ الإفادة خير من الإعادة فتأمّل.

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجازي المحسن على إحسانه ، والمسيء على إساءته في الوقت الّذي لا يملك أحد فيه الضرّ والنفع ، ففيه ترهيب وترغيب.

الثانية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) جمع شعيرة فعيلة بمعنى مفعلة ، وعلى هذا الأكثر ، وقيل واحدها شعارة وكيف كان فهي اسم ما أشعر أي جعل شعارا سمّى به أعمال الحجّ من مواقفه ، ومرامي الجمار ، والمطاف ، والمسعى ، والمشعر ، ونحوها لأنّها علامات الحجّ وأعلام النّسك ، وقيل أراد دين الله لقوله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) (٢) وقيل فرائضه الّتي حدّها لعباده ، ومعنى إحلالها التهاون بحرمتها وتركه

__________________

ـ غيرهم لهذا المفهوم الذي لا يعرف انه من أى قسم هو من المفهوم أقصى ما فيه أنه مفهوم اللقب وهو غير حجة عنده أيضا فضلا عن المحققين من الأصوليين لا يخفى ما فيه.

(١) المائدة : ٢.

(٢) الحج : ٣٢.

٢٨١

على وجه الحلّية وعلى إرادة العموم ، فالمعنى لا تجعلوا محرّمات الله حلالا ومباحا ولا العكس أي لا تتعدّوا حدوده.

(وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) أي بالقتال فيه أو بالسبي ، واختلف في المعنىّ به فقيل : هو رجب وقيل ذو القعدة وقيل الأشهر الحرم كلّها ، وعبّر عنها بلفظ الواحد اكتفاء باسم الجنس ، نهاهم الله تعالى عن استحلالها بالقتال فيها ، ونحوه قال الطبرسيّ (١) في مجمع البيان وهذا أليق بالعموم.

(وَلَا الْهَدْيَ) ما اهدى إلى الكعبة جمع هدية كجدي جميع جدية : السرح أي لا تستحلّوه فتغصبوه من أهله أو لا تحولوا بينه وبين أن يبلغ محلّه من الحرم.

(وَلَا الْقَلائِدَ) أي ذوات القلائد من الهدي المقلّد بنعل أو نحوه ، وعطفها على الهدي للاختصاص ، وزيادة التوصية بها ، لأنّها أشرف الهدي كقوله تعالى (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٢) كأنّه قيل والقلائد منها خصوصا ، أو المراد القلائد أنفسها جمع قلادة وهو ما قلّد به الهدي من نعل ونحوه ، نهى عن التعرّض لها مبالغة في النهي عن التعرّض للهدي على معنى ولا تحلّوا قلائدها فضلا عن أن تحلّوها كما نهى عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن موقعها.

(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) (٣) قاصدين زيارته (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) أن يثيبهم ويرضى عنهم فيكون المراد المسلمين لأنّهم هم الّذين يبتغون ذلك لا الكفّار ، وعلى هذا فتكون الآية محكمة غير منسوخة ، ويؤيّده ما قيل إنّ المائدة آخر القرآن نزولا ، والجملة في موضع الحال من المستكنّ في آمّين ، ولا يجوز أن يكون صفة لأنّ اسم الفاعل على تقدير كونه عاملا لا يكون موصوفا ، والموصوف منه لا يكون عاملا ، وقد يظهر من الكشاف أنّه صفة ، ولعلّ العمل عنده لا يمنع الموصوفيّة فتأمّل.

__________________

(١) راجع ج ٢ ص ١٥٤.

(٢) البقرة : ٩٨.

(٣) وفي فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٥ أنه قرء الأعمش «ولا آمّي البيت الحرام» بالإضافة.

٢٨٢

وقيل : معناه يبتغون من الله أرباحا في تجاراتهم ورضوانا منه بزعمهم ، فانّ المشركين كانوا يظنّون في أنفسهم أنّهم على سداد من دينهم ، وأنّ الحجّ يقرّبهم إلى الله ، فوصفهم الله بظنّهم فيكون المراد النّهى عن استحلالهم ومنعهم عن حجّ البيت وإن كانوا مشركين.

ويؤيّده ما روي أنّ الآية (١) نزلت في الخطم بن هند البكريّ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحده وخلف خيله خارج المدينة فقال إلى ما تدعوا؟ فقال إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلوة ، وإيتاء الزكاة ، فقال : حسن ولكن لي من أشاوره. وخرج فمرّ بسرح من المدينة فساقه وانطلق به ، ثمّ أقبل من العام القابل حاجّا مع حجّاج اليمامة قد قلّد هديا وكان المسلمون والمشركون يحجّون جميعا ، فأراد المسلمون التعرّض لهم بسبب كونه فيهم ، فنهى الله المسلمون أن يمنعوا أحدا عن حجّ البيت ، بقوله تعالى (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الآية.

وعلى هذا فالآية منسوخة بما دلّ على المنع من دخول المشرك المسجد الحرام وبقوله (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (٢) قيل إنّه لم ينسخ من المائدة سواها.

(وَإِذا حَلَلْتُمْ) من إحرامكم (فَاصْطادُوا) إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم ولا يلزم من حمل الأمر هنا على الإباحة كون الأمر الواقع بعد الحظر للإباحة مطلقا فإنّ الأصحّ أنّه للوجوب مطلقا ، وإن كان بعد النّهي ، لكنّه هنا للإباحة لانعقاد الإجماع على عدم الوجوب ، وقد مرّ غير مرّة.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) ولا يحملنكم أولا يكسبنّكم ، وجرم بمعنى كسب فيتعدّى إلى المفعول الواحد مرّة وإلى الاثنين اخرى يقال : جرم ذنبا كسبه وجرمته ذنبا كسبته إيّاه ، وقد تعدّى هنا إلى اثنين أحدهما الضّمير والآخر (أَنْ تَعْتَدُوا).

(شَنَآنُ قَوْمٍ) شدّة بغضهم وعداوتهم ، وهو مصدر أضيف إلى الفاعل أو المفعول (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بمعنى العلّة أي لأجل أنّهم صدّوكم عنه عام

__________________

(١) المجمع ج ٢ ص ١٥٣ ، ونقل عنه في نور الثقلين ج ١ ص ٤٨٤ ، وانظر أيضا كنز العرفان ج ١ ص ٣٣١.

(٢) النساء : ٩٢.

٢٨٣

الحديبية ، وقرء ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنّه شرط معترض أغنى عن جوابه تقدّم (لا يَجْرِمَنَّكُمْ).

(أَنْ تَعْتَدُوا) بالانتقام ، والمعنى لا يكسبنّكم بغضهم وعداوتهم الاعتداء عليهم والانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم.

(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) هو استيناف كلام ، وليس بعطف على تعتدوا ليكون في موضع النّصب كذا في مجمع البيان ، أمر تعالى عباده بأن يعين بعضهم بعضا على البرّ وهو العمل بما أمرهم الله به (وَالتَّقْوى) أي اتّقاء ما نهاهم الله عنه.

(وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) وهو ترك ما أمر به (وَالْعُدْوانِ) وهو مجاوزة ما حدّ الله لهم في دينهم ، وهو كالمؤكّد للأمر السابق ، والظاهر أنّ النهي عن ذلك إنّما هو مع القصد إلى التعاون لا مع وقوعه اتّفاقا إذ المراد الإعانة على الوجه الّذي يقال عرفا أنّه أعانه عليه كما لو طلب الظّالم سيفا من شخص لقتل مظلوم ، وكان يمكنه أن لا يدفعه إليه فدفعه أو طلب منه القلم لأن يكتب أمرا مخالفا للمشروع فدفعه مع إمكان الردّ ، ونحو ذلك ممّا يعدّ عرفا فيه المعونة ، لا نحو ما إذا قصد غرضا صحيحا فترتّب عليه معاونة الظّالم.

كما لو قصد بالتّجارة تحصيل النفقة الواجبة أو المستحبّة أو المباحة فاتّفق أن أخذ الظّالم منه العشور ، فانّ ذلك لا يسمّى تعاونا في العرف ، وكذا لو حجّ فأخذ منه في الطّريق بعض المال ظلما ، ونحوه فلا يدخل مثله تحت النّهي.

ومن هنا يظهر أنّه لو باع السلعة على من يحتمل أن يصرفها في غير المشروع من غير قصد ذلك ، لم يكن فيه حرمة كما لو باع العنب ممّن يعمله خمرا أو الخشب ممّن يصنعه صنما ، فاتّفق أن عمل ذلك فيه وفي الاخبار (١) دلالة عليه ، وعلى ذلك أكثر الأصحاب.

وبالجملة الظاهر من التعاون على الإثم كون فعله لأجل تحصيله إمّا قصدا

__________________

(١) انظر الوسائل أبواب ما يكتسب به تجد خلال أخبارها ما يدل على الجواز وما يدل على الحرمة.

٢٨٤

أو في العرف بحيث يصدق أنّه فعل لأجل حصوله ، وإن كان في هذه الصورة لا يخلو من القصد أيضا.

[وأما ما ينقل عن بعض الأكابر أنّ خيّاطا قال له إنّى أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني داخلا بهذا في أعوان الظّلمة؟ فقال : الدّاخل في أعوان الظّلمة من شوّك الابر والخيوط أمّا أنت فمن الظلمة أنفسهم ، فالظاهر أنّه محمول على نهاية المبالغة في الاحتراز عنهم ، وإلّا فالأمر مشكل] (١).

وقد يستفاد من الآية أنّ تعاقب الأيدي على الحسنة يوجب تعدّد ثوابها بالنسبة إلى من جرت على يده وإن تعدّد ، من غير أن ينقص صاحبها من الثواب الّذي قدّر له الشّارع ، وكذا تعاقبها على الإثم يوجب تعدّده من غير أن ينقص صاحبها من الإثم الّذي قدّر له.

(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أمر منه تعالى بالتقوى ووعيد وتهديد لمن تعدّى حدوده وتجاوز أمره.

الثالثة : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) لا يريد بهذا الفعل حالا ولا استقبالا وإنّما يريد استمرار الصدّ منهم ، والمنع للنّاس في جميع الأوقات عن طاعة الله كقولك فلان يعطى ويمنع ، أي هكذا صفته ، ومن ثمّ حسن عطفه على الماضي (٣)

__________________

(١) ما بين العلامتين من زيادات نسخة سن.

(٢) الحج : ٢٥.

(٣) الأصل في عطف الجمل أن تتفق الجملتان في الاسمية والفعلية والفعليتان في الماضوية والمضارعة وقد يعدو عن ذلك لأغراض كحكاية الحال الماضية واستحضار الصورة الغريبة في الذهن ـ

٢٨٥

ونظيره قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) (١).

وقيل إنّ المراد كفروا في الماضي وهم الآن يصدّون ، وخبر إنّ محذوف يدلّ عليه آخر الآية (٢) ولعلّ فائدة الحذف التهكّم بحالهم لتذهب النفس كلّ مذهب

__________________

ـ نحو (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ونحو (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) أو كافادة التجدد في إحداهما والثبوت في الأخرى نحو (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) والصديق يكاتبني وأنا مقيم على وده.

واحتمل بعض في الآية كون (وَيَصُدُّونَ) حالا من الفاعل في (كَفَرُوا) والأكثرون على امتناع دخول واو الحال على المضارع المثبت الغير المقترن بقد ، والحق عندي جوازه وسيأتي في المجلد الثالث من هذا الكتاب عند تفسير الآية ٣٧ من سورة الأحزاب ان المصنف يجعل الواوات في قوله تعالى (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) للحال وقال الشاعر :

فلما خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

وقال عنترة العبسي :

علقتها عرضا وأقتل قومها

زعما لعمر أبيك ليس بمزعم

وقالوا قمت وأصك وجهه وتأولها المانعون بتقدير مبتدء محذوف ، أى وأنت تخشى الناس ، وأنا ارهنهم مالكا ، وأنا اقتل ، وأنا أصك ، وجعلها الشيخ عبد القاهر الجرجاني واو عطف والجملة بعدها حكاية حال ماضية.

قال الدسوقى في حاشيته على مختصر المعاني ج ٢ ص ١٠٧ ان الأندلسي قال معنى حكاية الحال الماضية أن تقدر نفسك كأنك موجود في الزمن الماضي أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الان ، وقال صاحب الكشاف معنى حكاية الحال الماضية أن تقدر أن ذلك الأمر الماضي واقع في حال التكلم ، كما في قوله تعالى (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) واستحسنه الرضى انتهى ما في حاشية الدسوقى.

(١) الرعد : ٢٨.

(٢) ونقل أبو البقاء قولا بكون الواو زائدة وكون «يصدون» خبر «ان» وهو من ـ

٢٨٦

محتمل بالنسبة إليهم من الخذلان والعذاب والإهانة ونحوها.

«والمسجد الحرام» عطف على اسم «الله» [أو على سبيله وربّما كان كالتفسير والتصريح لمزيد التقبيح عليهم] وأراد به المسجد نفسه ، وقيل الحرم كلّه ويؤيّده أنّها نزلت في الّذين صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مكّة عام الحديبيّة (١) وحينئذ فيكون في قوله (الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) المقيم والطاري ، دلالة على عدم جواز بيع دور مكّة ولا إجارتها ، وبذلك احتجّ الشيخ في الخلاف على عدم جواز ذلك ، وبيّن كون المراد من المسجد الحرام جميع الحرم بقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) وإنّما اسري به من بيت خديجة أو من شعب أبى طالب.

ويؤيّده ما رواه أصحابنا من النهي عن منع الحاجّ دور مكّة لقوله تعالى (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [كصحيحة الحسين بن أبى العلاء (٣) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنّ

__________________

ـ مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، وسرده ابن الأنباري في ص ٤٥٦ بالرقم ٦٤ فالكوفيون قائلون بجواز زيادة الواو ، واليه ذهب أبو الحسن الأخفش وأبو العباس المبرد وأبو القاسم بن برهان من البصريين واحتجوا بقوله (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وقوله (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) وقول امرئ القيس :

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

بنا بطن حقف ذي قفاف عقنقل

والبصريون على أن جواب إذا في الآيتين و «لما» في البيت محذوف توخيا للإيجاز والاختصار ، والواو فيها للعطف ليست بزائدة.

(١) ففي تفسير الإمام الرازي ج ٢٣ ص ٢٣ الطبعة الجديدة عند تفسير الآية : عن ابن عباس نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله عام الحديبية عن المسجد الحرام عن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهدى ، فكره رسول الله قتالهم وكان محرما بعمرة ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل.

(٢) الاسراء : ١.

(٣) الكافي ج ١ ص ٢٣٢ باب في قوله عزوجل (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) الحديث ١ وهو في المرات ج ٣ ص ٢٦٦ وجعله من الحسن وفي الوافي الجزء الثامن ـ

٢٨٧

معاوية أوّل من علّق على بابه مصراعين بمكّة فمنع حاجّ بيت الله ما قال الله عزوجل (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) وكان النّاس إذا قدموا مكّة نزل البادي على الحاضر حتّى يقضي حجّه.

وفي الصّحيح (١) عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس ينبغي لأهل مكّة أن يجعلوا لدورهم أبوابا وذلك أنّ الحاجّ ينزلون معهم في ساحة الدّار حتّى يقضوا حجّهم ونحوهما من الاخبار الدّالّة على استوائهم في نزولها وسكناها بحيث لا يكون أحدهما أحقّ بالمنزل من الآخر غير أنّه لا يخرج أحد من بيته] (٢).

وما رواه عبد الله بن العاص (٣) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال مكّة حرام وحرام

__________________

ـ ص ١٩ وتمام الحديث : وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله سبحانه وتعالى (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) وكان فرعون هذه الأمة وروى الحديث الى ما نقله المصنف في الوسائل الباب ٣٣ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١ ج ٢ ص ٣٠٤ ط الأميري وروى حديث كون معاوية أول من علق على بابه المصراعين أيضا الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٢٠ الرقم ١٤٥٨ بغير لفظ الكافي.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٣ الرقم ١٦١٥ ورواه مرسلا عن الصادق في الفقيه ج ٢ ص ١٢٦ الرقم ٥٤٥ مع أدنى تفاوت ، وفي آخره «فإن أول من جعل لدور مكة أبوابا معاوية» وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٩ والبرهان ج ٣ ص ٨٣ والمنتقى ج ٢ ص ٦٣١ عن التهذيب ورواه في الوسائل الباب ٣٣ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٥ ج ٢ ص ٣٠٤ ط الأميري.

(٢) ما بين العلامتين لا يوجد في نسخة چا وهو في نسخة قض في الهامش.

(٣) أخرجه بهذا اللفظ الحاكم في المستدرك وفي سنده عبيد الله بن ابى زياد وقال الذهبي في التلخيص : عبيد الله لين ، وفيه حديث آخر أيضا عن عبد الله بن العاصي بلفظ مكة مناخ لا تباع رباعها ولا تؤاجر بيوتها وفي طريقه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، قال الذهبي في التلخيص إسماعيل ضعفوه وأخرج الثاني أيضا السيوطي في الجامع الصغير بالرقم ٨٢٠٢ ـ

٢٨٨

بيع رباعها وحرام أجر بيوتها ، وإلى هذا يذهب أبو حنيفة وجماعة من العامة.

[قيل] وفي الاستدلال نظر لعدم ظهور كون المراد منها استواؤهم في نزولها ، واحتمال كون المراد استواءهم فيما يلزمهم من فرائض الله تعالى ، وحاصله استواؤهم في العبادة في المسجد أى ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ، ويؤيّده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا بنى عبد مناف (١) من ولي منكم من أمور النّاس شيئا فلا يمنعنّ أحدا طاف بهذا البيت أو صلّى أيّة ساعة شاء من ليل أو نهار ، وبمثله أجاب الشيخ في التبيان عن الاستدلال.

قالوا ويردّه أيضا ظاهر قوله تعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (٢) في حقّ المهاجرين لاقتضاء الإضافة التمليك ، ويحتمل أن يكون المراد إنّا جعلناه قبلة لصلاة الناس وغيرها ، كدفن الأموات والذّبح ، ومنسكا لحجّهم والطواف فيه ، فالعاكف والبادي في ذلك سواء وهو قريب ممّا تقدّم ، ويؤيّد هذا ما نقل أنّ المشركين كانوا يمنعون المسلمين عن الصّلوة في المسجد الحرام والطّواف بالبيت ، ويدّعون أنّهم

__________________

ـ ج ٦ ص ٣ فيض القدير وأخرجهما البيهقي في ج ٦ ص ٣٥ فقال في الأول هكذا روى مرفوعا ورفعه وهم والصحيح أنه موقوف وقال في الثاني إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ضعيف وأبوه غير قوى.

ثم العاصي قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٠ الرقم ١٨ والجمهور على كتابة العاصي بالياء وهو الفصيح عند أهل العربية ويقع في كثير من كتب الحديث والفقه أو أكثرها بحذف الياء وهي لغة وقد قرئ في السبع كالكبير المتعال والداع ونحوهما انتهى.

(١) أخرجه النسائي ج ٥ ص ٢٢٣ والترمذي ج ٣ ص ٢٢ ط مصر الجديدة وأبو داود ج ٢ ص ٢٤٤ الرقم ١٨٩٤ الطبعة الأخيرة وابن ماجة ص ٣٩٨ الرقم ١٢٥٤ وتفسير الخازن ج ٣ ص ٢٨٣ عن النسائي والترمذي وأبى داود والبيهقي ج ٥ ص ٩٢ مع تفاوت في اللفظ ، ولفظ المصنف مأخوذ عن تفسير الإمام الرازي ج ٢٣ ص ٢٤ الطبعة الأخيرة.

(٢) الحج : ٤٠ ، والحشر : ٨.

٢٨٩

أربابه وولاته ، فنزلت [وفي تفسير (١) عليّ بن إبراهيم قال : نزلت في قريش حين صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مكّة (٢)].

على أنّ الظاهر من المسجد الحرام هو نفسه ، وكون المراد به الحرم غير معلوم وكونه أريد به في الآية الأخرى بيت خديجة أو شعب أبي طالب ، معارض بما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبرئيل بالبراق (٣) فاندفع (٤) الاستدلال من هذه الجهة أيضا.

ولو قيل : إنّ ظاهر قوله (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) يعطى كونه الحرم لا المسجد لاجيب بالمنع ، إذ يجوز أن يكون المراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كلّ وقت من التعبّد فيه ، والبادي ما قابله ، وبالجملة الاستدلال بالآية على ذلك بعيد [والأخبار غير واضحة الإسناد (٥) ، فلا تقوم في إثبات حكم مخالف للأصل] (٦) فتأمّل.

__________________

(١) تفسيره المطبوع ص ٢٧٤ ونقله عنه في البرهان ج ٣ ص ٨٣.

(٢) ما بين العلامتين من زيادات سن وعش وهامش قض.

(٣) ترى الحديث قريبا من هذا المضمون في البحار نقلا عن كشف اليقين وأخرج حديث كون الاسراء عن الحجر في الدر المنثور ج ٤ ص ١٥٧ عن ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن الحسن بن الحسين عن النبي (ص).

(٤) وفي بعض النسخ كما في سن وعش وهامش قض هكذا : [والحق ان ما ذكر بالنسبة إلى ظاهر الآية صحيح أما بعد ملاحظة الأخبار الصحيحة الدالة على كون المراد استواءهم في سكناها بحيث لا يكون أحدهما أحق بالمنزل من الأخر فلا ، ومن ثم ذهب بعض الأصحاب الى ذلك والمانع مستظهر من الجانبين فتأمل.

(٥) كما في نهج البلاغة من كتاب على عليه‌السلام الى قثم بن عباس وهو عامله على مكة الكتاب ٦٧ وهو في ص ٣٠ ج ١٨ من شرح ابن أبى الحديد الطبعة الأخيرة وفي آخر الكتاب : ومر أهل مكة إلا يأخذوا من ساكن أجرا فإن الله سبحانه يقول (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فالعاكف المقيم به ، والبادي الذي يحج اليه من غير أهله.

(٦) ما بين العلامتين لا يوجد في قض وانما يوجد في چا.

٢٩٠

(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ) ترك مفعوله ليتناول كلّ محتمل (١) [وقرئ بالفتح من (٢) الورود] (بِإِلْحادٍ) عدول عن القصد (بِظُلْمٍ) بغير حقّ ، وهما حالان مترادفان عن فاعل «يرد» أي من يرد فيه مرادا مّا حال كونه عادلا عن القصد ظالما ، يعنى أنّ الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السّداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده ، ولا يتجاوز به إلى الظّلم (٣).

والباء فيه للملابسة أى حالكونه ملابسا بإلحاد وملابسا بظلم أيضا فإنّ العدول عن القصد يحتمل أن يكون بوجه مشروع معقول غير عدوان في بادئ الرأي وبحسب أصل المعنى فقيّد بالظلم ليترتّب عليه «نذقه». ويحتمل كون الحال الثّانية بدلا عن الاولى والمعنى ما ذكرناه (٤).

وقال الطبرسي (٥) الباء في بإلحاد زائدة تقديره ومن يرد فيه إلحادا ، وفي بظلم

__________________

(١) ما بين العلامتين من مختصات سن.

(٢) وفي الكشاف ج ٣ ص ١٥١ عند تفسير الآية : وعن الحسن ومن يرد الحادة بظلم أراد إلحادا فيه فإضافة على الاتساع في الظرف كمكر الليل ، ومعناه من يرد أن يلحد فيه ظالما انتهى.

(٣) وفي سن بعد ذلك «فمتى عدل عن القصد كان ظالما ويحتمل كون الحال» إلخ.

(٤) زاد في قض وعش هنا : ويحتمل كونها للسببية اى إلحادا بسبب الظلم.

(٥) انظر المجمع ج ٤ ص ٧٩ وهو مختار أبى عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن قال في ج ٢ ص ٤٨ : ومن يرد فيه بإلحاد مجازه «ومن يرد إلحادا» وهو الزيغ والجور والعدول من الحق وفي آية أخرى (مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) مجازه «تنبت الدهن» والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر :

بواد يمان تنبت الشث صدره

وأسفله بالمرخ والشبهان

المعنى وأسفله ينبت المرخ قال حؤبة تنقض بالضلوع : أى تنقض الضلوع ، والحؤبة الدلو العظيم يقال انه لحؤب البطن أى عظيمة ، وقال الأعشى :

ضمنت برزق عيالنا ارماحنا

ملء المراجل والصريح الاجردا

أى ضمنت رزق عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد انتهى. ـ

٢٩١

للتعدية ، وفيه أنّه بعد الحكم بزيادة الباء في بإلحاد فجعلها للملابسة في بظلم ممكن أيضا أي ومن يرد فيه عدولا عن القصد حال كونه متلبّسا بظلم [ويحتمل كونها للسببيّة أي إلحادا بسبب الظلم] فيرجع إلى ما تقدّم.

ثمّ قال : والإلحاد العدول عن القصد ، واختلف في معناه هيهنا فقيل هو الشرك وعبادة غير الله عن قتادة ، فكأنّه قال : ومن يرد فيه ميلا عن الحقّ بأن يعبد غير الله فيه ظلما وعدوانا ، وهذا يشعر بكون الباء للملابسة والحالية وقيل هو الاستحلال للحرام والركوب للاثام عن ابن عبّاس ومجاهد وابن زيد ، والمراد استحلال المحرّمات فيكون الركوب للآثام تفسيره ، وبذلك نقل الشيخ في التبيان عنه ، وقيل غير ذلك من الوجوه.

والّذي رواه أصحابنا (١) عن أئمّتهم عليهم‌السلام أنّ كلّ ظلم إلحاد وإنّ ضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد ، روى ذلك ابن أبى عمير في الصّحيح (٢) عن الصادق عليه‌السلام

__________________

ـ والشث نبت طيب الريح يدبغ به والمرخ شجر سريع الورى ، والشبهان محركتين نبت شائل له ورد لطيف أحمر ، والمرجل القدر من الحجارة والنحاس ، والأجرد ما ليس فيه غل ولا غش. والمراد في البيت اللبن بلا رغوة وفي المغني لابن هشام أمثلة كثيرة للباء الزائدة فراجع.

(١) انظر الوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ونور الثقلين ج ٣ من ص ٤٨٢ الى ص ٤٨٤ والبرهان ج ٣ ص ٨٤.

(٢) ففي التهذيب ج ٥ ص ٤٢٠ بالرقم ١٤٥٧ عن موسى بن القاسم عن ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي قال : سئلت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فقال كل الظلم فيه الحاد حتى لو ضربت خادمك ظلما خشيت أن يكون إلحادا ، فلذلك كان الفقهاء يكرهون سكنى مكة.

وفي الكافي ج ١ ص ٢٢٨ باب الإلحاد بمكة والجنايات الحديث ٢ ابن أبى عمير عن معاوية قال سئلت أبا عبد الله عن قول الله عزوجل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) قال كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد ، وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦١ وطريق الكافي حسن كالصحيح باصطلاحهم ، وقد عرفت صحة الحديث بإبراهيم بن هاشم ـ

٢٩٢

وروى أبو الصّباح الكناني (١) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) فقال كلّ ظلم يظلمه الرّجل نفسه بمكّة من سرقة أو ظلم أو شيء من الظّلم فإنّي أراه إلحادا الحديث ويستفاد من ذلك أنّ كلّ ذنب يصدر من المكلّف هناك فهو كبيرة لترتّب الوعيد أعنى قوله (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) عليه ، بل إرادة ذلك كبيرة لذلك.

نعم يبقى الكلام في أنّ محلّ ذلك هو الحرم كلّه أو مكّة فقط ، والظاهر الثاني كما أشعرت به الأخبار ، وعدم ظهور كون الحرم كلّه بهذه المثابة مع احتماله «ونذقه» جواب «من» الشرطية ، وهو خبرها أيضا. وقد استدلّ بعضهم بظاهر الآية على أنّ من أحدث في الحرم حدثا يوجب تعزيرا أو حدّا فإنّه يعاقب زيادة على ما هو الواجب في غيره ولا يخفى بعده لظهور أنّ الإذاقة في الآخرة.

الرابعة : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ

__________________

ـ وطريق الشيخ صحيح.

ورواه عن معاوية في الفقيه ح ٢ ص ١٦٤ الرقم ٧٠٥ وروى الحديثين في المنتقى ج ٢ ص ٢٧٠ والبرهان ج ٢ ص ٨٤ ونور الثقلين ج ٣ ص ٤٨٣ والوافي الجزء الثامن ص ١٧ والوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف ج ٢ ص ٢٩٩ ط الأميري.

(١) الكافي ج ١ ص ٢٨٨ باب الإلحاد بمكة والجنايات الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦١ قال المجلسي مجهول وتتمة الحديث «ولذلك كان يتقى أن يسكن الحرم.

ورواه في الفقيه مع تفاوت يسير ج ٢ ص ١٦٤ الرقم ٧٠٦ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٧ ونور الثقلين ج ٣ ص ٤٨٣ والبرهان ج ٣ ص ٨٤ والوسائل الباب ١٦ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٣ ج ٢ ص ٢٩٩ ط الأميري.

٢٩٣

الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١).

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) يريد البلد وهو مكّة (بَلَداً آمِناً) أي ذا أمن كقوله (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢) أو آمنا أهله كقولك «ليل نائم» قيل والمراد به أنّه إذا دخل إليه المجرم في غيره لجناية لم يجز لأحد التعرّض له كما مرّ ، ولا يصاد طيره ولا يقطع شجره ، ولا يختلى خلاه ، ويؤيّده ما روى عن الصّادق عليه‌السلام «من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله ، ومن دخله من الوحش والطّير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم (٣) وعلى هذا فيمكن الاستدلال بها على هذه الأحكام.

ويلزم منه تحريم الصّيد على المحلّ إن كان في الحرم كما هو ثابت بالإجماع بمعنى أنّه لا يجوز اصطياده فيه ، أمّا لو صيد في الحلّ وذبح هناك وأدخل الحرم مذبوحا جاز للمحلّ أكله في الحرم ، وقد تظافرت الاخبار بذلك (٤) ، ولو أدخله حيّا وجب إرساله لدخوله الأمن وذلك ثابت بإجماعنا أيضا وبذلك تظافرت الأخبار (٥) أيضا.

ووجه الدّلالة أنّه تعالى حقّق دعوته في ذلك وحرّم مكّة بدعائه عليه‌السلام وقبله كانت كسائر البلاد ، وقد روي (٦) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال «إنّ إبراهيم حرّم مكّة

__________________

(١) البقرة : ١٢٦ و ١٢٧.

(٢) الحاقة : ٢١.

(٣) قد مر في ص ١٠٤ من هذا الجزء بمصادره.

(٤) انظر الوسائل الباب ٥ من أبواب تروك الإحرام ج ٢ ص ٢٥٤ ط الأميري.

(٥) تراها في خلال أبواب تروك الإحرام وأبواب كفارات الصيد.

(٦) انظر الحديث بطرقه المختلفة وألفاظه المتفاوتة في سنن البيهقي ج ٥ ص ١٩٧ وص ١٩٨ والمنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٥ ص ٣٢ وص ٣٣ وصحيح مسلم بشرح النووي ج ٩ من ص ١٣٤ الى ص ١٥١ والبخاري بشرح فتح الباري ج ٦ ص ٤٢٤ وص ٤٢٧ ـ

٢٩٤

وإنّى حرّمت المدينة».

والمشهور في روايات أصحابنا أنّ الحرم كان أمنا قبل دعوة إبراهيم عليه‌السلام

__________________

ـ باب الخدمة في الغزو من كتاب الجهاد وج ٧ ص ٢١٩ كتاب الأنبياء باب قول الله واتخذ الله إبراهيم خليلا ج ١١ باب الحبس من كتاب الأطعمة.

وأخرجه في الجامع الصغير بلفظ اللهم ان إبراهيم بالرقم ١٤٩٥ ج ٢ ص ١٢٦ فيض القدير عن مسلم وبلفظ «ان إبراهيم» بالرقم ٢١٥٩ ص ٤٠٦ عن أحمد ومسلم وبلفظ «انى حرمت ما بين لابتي المدينة كما حرم إبراهيم مكة» ج ٣ ص ١٧ بالرقم ٢٦٣٨ عن ابى سعيد وظاهر عبارة المصنف أن الحديث نبوي تفرد بنقله أهل السنة وليس كذلك بل رواه أصحابنا أيضا ففي التهذيب ج ٦ ص ١٢ بالرقم ٢٣ عن أبى عبد الله قال رسول الله (ص) ان مكة حرم الله حرمها إبراهيم عليه‌السلام وان المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يعضد شجرها وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير ، وليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك ، والحديث في الكافي ج ١ ص ٣١٩ باب تحريم المدينة الحديث ٥ وفي المرآة ج ٣ ص ٣٥٨ وحكاه في المنتقى ج ٢ ص ٦٢٠ والوافي الجزء الثامن ص ٢٠٦ والوسائل الباب ١٧ من أبواب المزار الحديث ١ ج ٢ ص ٣٨٣ ط الأميري.

ثم عاير ووعير على ما في كتب أصحابنا جبلان يكتنفان المدينة شرقا وغربا وعبر في الحديث بظلهما ، تنبيها على أن الحرم ما بينهما والجبلان خارجان عن حد الحرم والمراد ما أظل عليه كل من هذين الجبلين.

ووعير ضبطه في الدروس بفتح الواو وفي المسالك وقيل بضمها وفتح العين المهملة وقال المحقق الثاني في جامع المقاصد وجدته مضبوطا في مواضع متعددة بضم الواو وفتح العين المهملة وفي كشف اللثام كذا وجدته بخط بعض الفضلاء وفيه وفي خلاصة الوفاء عير ويقال عاير جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي الحليفة ولم يذكر وعير في معجم البلدان ومراصد الاطلاع.

وفي أخبار أهل السنة عند تحديد حرم المدينة أنه ما بين عير وثور ، وفي بعضها عاير مكان عير ، ولما كان ثور اسم جبل بمكة فيه الغار الذي اختفى فيه النبي (ص) اضطرب كلمات المحدثين فضرب بعضهم على كلمة ثور وترك بعض الرواة موضع ثور بياضا وأبهم ـ

٢٩٥

ويؤيّده ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال يوم فتح مكّة (١) إنّ الله حرّم مكّة

__________________

ـ البخاري في روايته فقال من كذا الى كذا أو عائر الى كذا ، وأمثاله وقال أبو عبيدة أصل الحديث من عير الى أحد ، وقال مصعب الزبيري لا يعرف بالمدينة جبل يقال له عير ولا عاير ولا ثور ، وقال بعض سمى النبي (ص) الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا.

وقيل ان عيرا جبل بمكة فيكون المراد أن حرم المدينة مقدار ما بين عير وثور الذين بمكة أو حرم المدينة تحريما مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف ويؤيد أن عيرا أيضا جبل بمكة لامية أبي طالب المعروفة ، وفيها.

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه

وعير وراق في حراء ونازل.

فإنه ذكر فيها جبال مكة وذكر فيها عيرا والعير بفتح العين انظر تفصيل ما تلوناك في المرآة ج ٣ ص ٣٥٨ والمدارك ص ٤٣٠ وسائر كتب الفقه مبحث حرم المدينة وكذا فتح الباري وشرح النووي على صحيح مسلم ونيل الأوطار بحث حرم المدينة ومعجم البلدان كلمة ثور وعاير ووعير.

ولابتا المدينة حرتاها اللتان تكتنفان بها قال في المدارك والحرتان موضعان ادخل منهما نحو المدينة وهما حرة ليلى وحرة واقم بكسر القاف وأصل الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء الأرض التي فيها الحجارة السود انتهى.

والعضد القطع ، والبريد أربعة فراسخ ، قال صاحب المعالم في منتقى الجمان بعد نقله الحديث المار ذكره ، وفي متنه نوع حزازة ومحصل معناه أن حرم المدينة بريد لا يعضد شجره ويوكل صيده.

(١) رواه في الفقيه مرسلا ج ٢ ص ١٥٩ بالرقم ٦٨٧ ورواه في الكافي عن معاوية بن عمار باب ان الله عزوجل حرم مكة حين خلق السموات والأرض الحديث ٤ ج ١ ص ٢٢٨ واللفظ فيهما لا تحل لأحد من بعدي وهو في المرات ج ٣ ص ٢٦١ والمنتقى ج ٢ ص ٢٨٤ وبعده : قلت الإرسال الواقع في هذا الحديث ناش عن نوع سهو ، وقرائن الحال شاهدة بأن الرواية فيه عن أبى عبد الله وبمضمون الحديث أحاديث أخر.

٢٩٦

يوم خلق السّموات والأرض ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم يحلّ لأحد قبلي ولا بعدي ، ولم يحلّ لي إلّا ساعة من النّهار ، وحينئذ فيكون الحرمة مؤكّدة بدعائه عليه‌السلام.

وقال بعضهم كان حراما قبل الدّعوة بوجه غير الوجه الّذي صارت به حراما بعدها فالأوّل بمنع الله إيّاها من الاضطلام والايتفاك كما لحق غيرها من البلاد ، وبما جعل في النفوس من تعظيمها والهيبة لها ، والثاني الأمن من الجدب والقحط لانه أسكنهم بواد غير ذي زرع كما أخبر تعالى عنه في موضع آخر ولم يسئله أمنه من ايتفاك وخسف لأنّه كان آمنا من ذلك.

وقد يرجّح الأوّلين قوله (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) لكونه حينئذ تأسيسا واشتمال الدعاء على أن يجتمع لهم الأمن والرّزق وخصب العيش فيكونون في رغد من العيش ، وفي الرّواية (١) عن الباقر عليه‌السلام المراد بذلك أنّ الثمرات تحمل إليهم من الآفاق وعن الصّادق عليه‌السلام قال (٢) هو ثمرات القلوب أي حبّبهم إلى النّاس ليتوبوا إليهم.

(مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بدل من أهله بدل البعض قصدا إلى تخصيص

__________________

ـ وقد رواه أهل السنة أيضا انظر فتح الباري ج ٤ ص ٤١٣ الى ص ٤٢١ وشرح النووي على صحيح مسلم ج ٩ من ص ١٢٣ الى ص ١٣٠ وسنن البيهقي ج ٥ ص ١٩٥ وغيرها من كتبهم وذكر في الفتح في الجمع بين الحديث والحديث الماضي من ان إبراهيم حرم مكة وجوها منها أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله لا باجتهاده ، ومنها أن الله قضى يوم خلق السموات والأرض ان إبراهيم سيحرم مكة ومنها أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس أو أول من أظهرها بعد الطوفان ومنها ان المراد أن مكة من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية بل تحريمها ثابت بالشرع فلا يسوغ الاجتهاد في تركه.

(١) المجمع ج ١ ص ٢٠٦ وعنه البرهان ج ١ ص ١٥٤.

(٢) المجمع ج ١ ص ٢٠٦ وعنه البرهان ج ١ ص ١٥٤.

٢٩٧

الرّزق بهم ، وإنّما خصّهم لأنّ الله تعالى أعلمه أنّ في ذرّيّته ظالمين وأنّهم لا ينالون عهده ، لمّا سأل الإمامة لذرّيّته بقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) فخصّ في الرّزق المؤمنين تأدّبا بأدب الله تعالى.

قال (وَمَنْ كَفَرَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) عطف التلقين كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف والتّقدير هنا وارزق من كفر على الإخبار لا الأمر ، أخبر تعالى بأنّ الرزق في الحيوة الدّنيا ليس مقصورا على المؤمنين بل يشمل الكافرين أيضا فإنّه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجّة له.

قال التفتازاني والّذي يقتضيه النّظر الصّائب أن يكون هذا عطفا على محذوف أي أرزق من آمن وأرزق من كفر بلفظ الخبر وهو جيّد ، ويجوز أن يكون مبتدأ تضمّن معنى الشّرط وقوله فامتّعه قليلا خبره ، والكلام في تقدير من آمن منهم أرزقه من الثمرات ، ومن كفر فامتعه قليلا [أي بالرّزق أو بالبقاء في الدّنيا].

ولا يرد أنّ الكفر لا يكون سببا للتمتّع ، فلا وجه لترتّبه عليه ، لانّ الكفر سبب لتقليله بأن يجعله مقصورا على حظوظ الدّنيا غير متوسّل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه وقوله (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) أي ألزّه إليه لزّ المضطرّ لكفره وتضييعه ما متّعته به من النّعم ، وانتصاب قليلا على المصدريّة أو الظرفيّة (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) المخصوص بالذّم محذوف وهو العذاب.

وقد يستدلّ بها على جواز الدّعاء بالرزق بل طلب الرّفاهية والتوسعة في المعاش وحسن الحال ، وطلب طيب المآكل كما يشعر به قوله (مِنَ الثَّمَراتِ) إذ لو كان المراد أصل القوت الّذي يسدّ به الخلّة لم يكن لذكره كثير فايدة ، وفي الاخبار دلالة على ذلك أيضا.

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) حكاية حال ماضية ، أي اذكر إذ يرفع إلخ ، والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس والأصل لما فوقه ، صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ، ومن ذلك القاعدة من الجبل ، ولعلّه مجاز من المقابل للقيام ، ومنه

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

٢٩٨

قعدك الله بالنّصب أي أسأل الله أن يقعدك أي يثبّتك ، ورفع الأساس البناء عليها ، لأنّه إذا بني عليها نقلت من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع ، وتطاولت بعد التقاصر ويجوز أن يكون المراد بها سافات البنا ، فانّ كلّ ساف قاعدة للّذي يبنى عليه ، ويوضع فوقه ، ومعنى رفع القواعد رفعها بالبناء لأنّه إذا وضع سافا فوق ساف فقد رفع السّافات.

قال الشيخ في التبيان (١) أكثر المفسّرين على أنّ إبراهيم وإسماعيل معا رفعا القواعد وقال ابن عبّاس كان إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ، ولما كان له دخل في البناء عطف عليه ، قلت ويؤيّد الأوّل [ظاهر الآية فإنّه تعالى عطف إسماعيل على إبراهيم فلا بدّ وأن يكون العطف في فعل من الأفعال الّتي سلف ذكرها ، ولم يتقدّم إلّا رفع القواعد.

و] ما في رواية الكلينيّ عن (٢) الصّادق عليه‌السلام إنّ الله تعالى أنزل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة ، فكان إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة ، والملائكة تناولهما ونقل الشيخ في التبيان عن شذاذ أنّ إبراهيم وحده رفعها ، وكان إسماعيل صغيرا حينئذ ثمّ قال : وهو ضعيف لأنّه خلاف ظاهر اللّفظ وخلاف أقوال المفسّرين.

وقد اختلفت الرّواية في كيفيّة بناء البيت (٣) فالمرويّ بين أصحابنا عن أئمّتهم عليهم‌السلام

__________________

(١) التبيان ج ١ ص ١٥٧ ط إيران.

(٢) جزء من حديث طويل في ج ١ ص ٢٢٠ باب حج إبراهيم وبنائهما البيت الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٥٥.

(٣) قد مر في ص ٩٨ حديث بناء الملئكة للكعبة وترى هنا احاديث بناء آدم وإبراهيم وإسماعيل إياها وذكر رشدي الصالح في ملحقاته على اخبار مكة للازرقى من ص ٣٥٥ الى ص ٣٧٣ ج ١ أن ما يتحصل مما أوضحه الأزرقي واتفق عليه المؤرخون الآخرون أن الكعبة بنيت عشر مرات : وهي : ١ ـ بنائه الملائكة. ٢ ـ بنائه آدم. ٣ ـ بنائه شيث. ٤ ـ بنائه إبراهيم وإسماعيل. ٥ ـ بنائه العمالقة. ٦ ـ بنائه جرهم. ٧ ـ بنائه قصى. ٨ ـ بنائه ـ

٢٩٩

أنّه كان آدم عليه‌السلام بناه ثمّ عفا أثره فجدّده إبراهيم عليه‌السلام روى الكلينيّ عن عمران بن عطيّة (١) عن الصّادق عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه أما بدء هذا البيت فانّ الله تبارك وتعالى قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٢) فردّت الملائكة على الله عزوجل فقالت (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فأعرض عنها فرأت أنّ ذلك من سخطة فلاذت بعرشه ، فأمر الله ملكا من الملائكة أن يجعل له بيتا في السّماء السّادسة يسمّى الضراح بإزاء عرشه ، فصيّره لأهل السّماء يطوفون به : يطوف به سبعون ألف ملك في كلّ يوم لا يعودون ويستغفرون ، فلمّا أن هبط آدم إلى الدّنيا أمره بمرمّة هذا البيت وهو بإزاء ذلك فصيره لآدم عليه‌السلام وذرّيته كما صيّر ذلك لأهل السّماء.

__________________

ـ قريش. ٩ ـ بنائه ابن الزبير. ١٠ ـ بنائه الحجاج.

ثم قال وبنيت للمرة الحادية عشرة عام ١٠٣٩ في عهد السلطان مراد ثم نقل عن الفاسى في شفاء الغرام أبياتا أجمل فيها تاريخ الكعبة لعهده وهي :

بنى الكعبة الغراء عشر ذكرتهم

ورتبتهم حسب الذي أخبر الثقة

ملائكة الرحمن آدم وابنه

كذاك خليل الرحمن ثم العمالقة

وجرهم يتلوهم قصى قريشهم

كذا ابن الزبير ثم حجاج لاحقه

فذيل الأبيات بعضهم بقوله :

وخاتمهم من آل عثمان بدرهم

مراد المعالي أسعد الله شارقه

وقال الفاسى في شفاء الغرام على ما في تاريخ الكعبة للمؤرخ حسين عبد الله بإسلامه ص ٣٩ : ووجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجانى أن عبد المطلب جد النبي بنى الكعبة بعد قصى ، وقبل بناء قريش ، ولم أر ذلك لغيره وأخشى أن يكون وهما والله أعلم انتهى.

ولذلك عد في تاريخ الكعبة عدة بنائه الكعبة اثنتي عشرة وأضاف إليها عمارتها في العهد السعودى ١٣٧٧ فصارت ثالثة عشرة.

(١) الكافي ج ١ ص ٢١٥ باب بدء البيت والطواف الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٥١.

(٢) البقرة : ٣٠.

٣٠٠