مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

صيد أصابه محرم وهو حلال ، قال فليأكل منه الحلال وليس عليه شيء إنّما الفداء على المحرم.

وبالجملة مقتضى الأصل المؤيّد بهذه الأخبار الصحيحة جواز أكل المحلّ منه فالعدول عن ذلك لأخبار ضعيفة لا يخفى ما فيه ، مع إمكان حملها على الكراهة ، وعدم منافاة النّهي أو التحريم في الآية لذلك ، لظهور رجوعه إلى الفعل وعدم معلوميّة ما زاد عليه ، والاحتياط في الاجتناب.

(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) ذاكرا لإحرامه عالما بأنّه يحرم عليه قتل ما يقتله والأكثر من العلماء على أنّ ذكر العمد ليس لتقييد وجوب الجزاء فإنّ إتلاف العامد والمخطئ واحد في إيجاب الجزاء ، وعلى هذا علماؤنا أجمع وقد تظافرت أخبارنا (١) عن الأئمّة عليهم‌السلام بذلك ، وإليه ذهب الفقهاء الأربعة ويجوز أن يكون التقييد لقوله (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) فنبّه على تغليظ الحرمة فيه ، أو لأنّ الآية نزلت فيمن تعمّد ، فقد روي (٢) أنّه عنّ لهم (٣) في عمرة الحديبية حمار وحش فطعنه أبو اليسر (٤)

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٢١ من أبواب كفارات الصيد ص ٢٧٩ ج ٢ ط الأميري وص ١٣٠ ج ٢ مستدرك الوسائل.

(٢) أخرجه النيشابوري في تفسير الآية ج ٢ ص ٤٢ ط إيران.

(٣) عن عنا وعننا وعنونا واعتن له الشيء ظهر أمامه واعترض.

(٤) أبو اليسر بفتح الياء المثناة من تحت والسين المهملة المفتوحتين بعد السين راء كذا ضبطه ابن مأكولا في الإكمال وابن حجر في الإصابة والتقريب وضبطه العلامة في الخلاصة والساروى في توضيح الاشتباه؟؟؟ بضم الياء وسكون السين هو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمه وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن شداد بن غنم بن كعب بن سلمه وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي بفتحتين.

وفي الخلاصة في النسخة المطبوعة والمنقول في كتب الرجال عمر مكان عمرو مشهور بكنيته واسمه شهد العقبة وبدرا وكان قصيرا دحداحا ذا بطن أسر العباس يوم بدر ، وكان العباس طويلا ضخما فقال له النبي (ص) لقد أعانك عليه ملك كريم وهو الذي انتزع راية المشركين ـ

٢٦١

برمحه فقتله ، فنزلت ، وأخذ سعيد بن جبير بظاهر القيد فلم يوجب في الخطأ شيئا وهو ضعيف وعن بعضهم نزل الكتاب بالعمد ووردت السنّة بالخطإ.

(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) قرأ الكوفيّون ويعقوب برفع جزاء والمثل معا والمعنى فعليه أو فواجبة جزاء يماثل ما قتل من النعم ، وعلى هذا فيكون الجارّ والمجرور صفة ثانية للجزاء ، لا أنّه متعلّق به للفصل بينهما بالصّفة ، فإنّ متعلّق المصدر كالصّلة له ، فلا يوصف ما لم يتمّ بها ، وقرأ الباقون بإضافة المصدر إلى المفعول أو إقحام مثل كما في قولهم «مثلي لا يقول كذا» والمعنى فعليه أن يجزي مثل ما قتل وهذه المماثلة

__________________

ـ وكانت بيد أبى عزيز بن عمير يوم بدر. وشهد أحدا وهو ابن عشرين سنة وشهد الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله (ص) وشهد صفين مع على عليه‌السلام.

وتوفي سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية في المدينة وهو آخر من توفي من البدريين قال في التقريب وقد زاد المائة قلت وهو ينافي ما في الطبقات والاستيعاب من كونه ابن عشرين يوم بدر وقد أطرءه أكثر من تعرض لترجمته من الشيعة وأهل السنة.

قال الشيخ في رجاله عند سرد أصحاب على عليه‌السلام فيمن عرف بكنيته أو قبيلته : وهو الذي لما نزل قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال وذرنا فلما نزلت (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) قال رضينا فلما نزلت (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) قال قد أنظرنا ، فلما نزلت (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) قال قد تصدقنا انتهى.

انظر ترجمة الرجل في رجال الشيخ قدس‌سره في أصحاب رسول الله ص ٢٧ الرقم ٣ وفيه أبو اليسير وفي أصحاب على ص ٦٤ الرقم ٢١ وفي الخلاصة في القسم الأول في الكنى ص ١٨٧ الرقم ٢ وفي رجال ابن داود ص ٤٠٧ الرقم ٩٨ وتوضيح الاشتباه؟؟؟ ص ٣١٦ الرقم ٨٣ ومنهج المقال ص ٣٩٧ ومنتهى المقال ص ٣٥٥ وفيه وفي الحاوي ذكره في الضعاف وإتقان المقال في القسم الحسان ص ٢٥٢ ومجالس المؤمنين ط باسمچى تبريزي ص ١٠٩ وتنقيح المقال ج ٢ ص ٣٩ من أبواب الكاف وج ٣ فصل الكنى ص ٣٩ وقاموس الرجال ج ٧ ص ٤٢٣ ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ط مصر سنة ١٣٨٢ ص ٥٠٦ وطبقات ابن سعد ط ـ

٢٦٢

باعتبار الخلقة والهيئة ، وعلى هذا أصحابنا أجمع ، وهو قول الشّافعيّة والمالكيّة من العامّة فأوجبوا في النعامة البدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وفي الظبي والأرنب شاة إلى غير ذلك ، وهو الظاهر المتبادر من إطلاق المثليّة.

ويوضحه قوله (مِنَ النَّعَمِ) فإنّه بيان للمثل وكذا قوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) وللرّوايات الدّالّة (١) على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في الضبع بكبش وما اشتهر من الصّحابة أنّهم حكموا في أمكنة مختلفة وأزمان متعددة في جزاء الصّيد بالمثل من النّعم فحكموا في النّعامة ببدنة وفي حمار الوحش ببقرة وفي الظبي بشاة إلى غير ذلك وهو ظاهر في أنّهم نظروا إلى أقرب الأشياء شبها بالصّيد من النعم ، ولو نظروا إلى القيمة لاختلفت باختلاف الأسعار.

وقال أبو حنيفة المراد بها المماثلة في القيمة فحكم بأنّ المثل الواجب هو القيمة قياسا على مالا مثل له ، وأوجب تقويم الصّيد حيث صيد فان بلغت قيمته ثمن هدي تخيّر بين أن يهدي من النّعم ما قيمته قيمة الصّيد ، وبين أن يشتري بقيمته طعاما فيعطى كلّ مسكين نصف صاع من برّ ، أو صاعا من غيره ، وإن شاء صام عن إطعام كلّ مسكين

__________________

ـ بيروت ج ٣ ص ٥٨١ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣١٦ والمعارف لابن قتيبة ص ١٤٢ والإكمال لابن مأكولا ج ١ ص ٢٧٥ والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسرانى ص ٤٣٠ الرقم ٦٤٩ وسرده فيه من افراد مسلم.

والكنى والأسماء للدولابي ج ١ ص ٦٢ واللباب ج ١ ص ٥٥٥ واسد الغابة ج ٥ ص ٣٢٣ والإصابة ج ٤ ص ٢١٧ الرقم ١٢٥٤ والاستيعاب ذيل الإصابة ج ٤ ص ٢١٧ والجرح والتعديل لابن أبى حاتم القسم الثاني من المجلد الثالث ص ١٦٠ الرقم ٩٠١ والتاريخ الكبير للبخاري القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢٢٠ الرقم ٩٥٥ والتقريب لابن حجر ج ٢ ص ١٣٥ الرقم ٥١ نشر السمنگانى والحلية لأبي نعيم ج ٢ ص ١٩ وسرده من أصحاب الصفة والكامل لابن الأثير حوادث سنة خمس وخمسين وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٣٦٠ وسائر المعاجم وكتب التاريخ والسير.

(١) انظر سنن البيهقي ج ٥ ص ١٣٨.

٢٦٣

يوما ، فان فضل مالا يبلغ طعام مسكين صام عنه يوما أو تصدّق به ، وأيّدوا ذلك بقوله (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فإنّه ظاهر في القيمة إذ التقويم ممّا يحتاج إلى النظر والاجتهاد بخلاف المماثلة الخلقيّة فإنّها ظاهرة للحسّ لا يحتاج إلى حكم العدل به.

وفيه نظر ، فإنّ الأنواع قد تشتبه وتتشابه كثيرا ويماثل بعضها بعضا ، فيحتاج التمييز إلى حكم العدل ، ولأنّه قد يقتل صيدا ولا يعلم مثله لعدم العلم به ، فيحتاج إلى حكم العدل ، ليحصل العلم به ، على أنّه يلزم التخيير بين الأمرين فقط على تقدير عدم بلوغ قيمة ما قتل هديا كما قاله ولانّه لا يكاد يوجد نعم يكون قيمته قيمة الصّيد المقتول بل هو نادر جدا ، ولأنّه على قراءة رفع المثل يقتضي أن يكون الجزاء مماثلا للصّيد من النّعم. ولو كان القيمة ، لم يكن مماثلا. بل الجزاء قيمة يشترى بها مماثل ، وفرق بين الأمرين ، وعلى قراءة الإضافة يكون من النّعم بيانا للمثل فرجع إلى ذلك أيضا.

وما ادّعاه في الكشاف (١) من أنّ التخيير الّذي في الآية بين أن يجزي بالهدي أو يكفّر بالإطعام أو الصّوم ، إنّما يستقيم استقامة ظاهرة بغير تعسّف إذا قوّم ونظر بعد التقويم أىّ الثلثة يختار فأمّا إذا عمد إلى النظير وجعله الواجب وجده من غير تخيير ، فإذا كان شيئا لا نظير له قوّم حينئذ ثمّ تخيّر بين الإطعام والصّوم ، ففيه بنو عمّا في الآية ، ألا ترى إلى قوله (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) كيف خيّر بين الأشياء الثلثة ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالتقويم.

غير مسلّم لما قلناه ، على أنّا نقول : إنّ القيمة لا نسمّيها مثلا فيما لا مثل له والشافعيّة إنّما أوجبوها من حيث إنّه إذا لم يكن له مثل يبقى الواجب الأمر ان الآخران ، ولا بدّ فيهما من اعتبار القيمة ، وعلى قولنا التخيير بين الثلاثة إنّما هو فيما له مثل من النّعم ، أمّا مالا مثل له فهو موكول إلى الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام حيث بيّنوا فيها ما يجب فيه من الجزاء وما لم يبيّن منها يجب فيه القيمة

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٦٧٨ ط دار الكتاب العربي.

٢٦٤

قطعا ، لأنّه أقرب في اللّزوم ، وقد وقع التّنبيه عليه في الخبر هذا.

وفي الآية دلالة على اعتبار الإسلام في الحكمين لظهور قوله «منكم» في ذلك فلا يكفى العدل في مذهبه ، مع أنّ في صدقه على غير المسلم بعدا ، ولفظة «منكم» للتّبعيض لأنّ الجميع ليسوا عدولا ، والظاهر أنّ المراد بهما الشاهدان وإن كان لفظ الحكم يشعر بأنّ المراد بهما الحاكم ، لأنّ التعدّد غير معتبر فيه.

وعلى هذا فيكفي الشاهدان وإن لم يكن هناك حاكم ، وإطلاق الحكم على الشّهادة غير عزيز في الكلام ، ولو حكم العدلان بأنّ للصّيد غير المنصوص مثلا من النعم وجب الرّجوع إلى قولهما فيه لإطلاق الآية ولا ينافيه ورود الأخبار (١) بثبوت القيمة لما عدا المنصوص ، لأنّ ذلك محمول على ما عدا ذلك الفرد الّذي حكم به العدلان ولو حكم عدلان بأنّ له مثلا وآخران بأنّه لا مثل له ، فالأخذ بقول الأوّلين ، ولو حكم عدلان بمثل وآخران بمثل آخر فأصحّ الوجهين أنّه يتخيّر بينهما ، ويحتمل أن يأخذ بالأغلظ هذا.

وقد روى الشيخ في التهذيب (٢) عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله

__________________

(١) انظر الباب ١ من أبواب كفارات الصيد من الوسائل ج ٢ ص ٢٧١ ط الأميري وص ١٢٦ مستدرك الوسائل.

(٢) أقول : هكذا في نسخنا المخطوطة من مسالك الافهام ، والحديث الذي رواه في التهذيب انما هو عن زرارة عن أبى جعفر وليس فيه قصة تخطئة الكتاب ، ولفظ الحديث على ما في زيادات القضايا والاحكام ج ٦ ص ٣١٤ الرقم ٨٦٧ هكذا : عنه (اى محمد بن الحسن الصفار) عن محمد بن الحسين بن أبى الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن حماد بن عثمان عن زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام في قوله عزوجل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ) فالعدل رسول الله والامام من بعده يحكم به وهو ذو عدل ، فإذا علمت ما حكم به رسول الله (ص) والامام فحسبك ولا تسأل عنه.

وقد حكاه عن التهذيب في نور الثقلين ج ١ ص ٥٦٠ بالرقم ٣٧٠ والبرهان ج ١ ص ٥٠٣ الرقم ١٢ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٣ والصافي ص ١٣٩ ط الخوانساري والوافي ـ

٢٦٥

عزوجل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال العدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام من بعده

__________________

ـ الجزء التاسع ص ١٣٦ والوسائل الباب ٧ من صفات القاضي الحديث ٢٦ ص ٣٧٦ ج ٣ ط الأميري.

ولم أظفر على حكاية الحديث عن التهذيب غير ذلك حتى يحتمل أن يكون في النسخة المطبوعة سقط أو تصحيف ، وانما روى قصة تخطئة الكتاب في الكافي ففيه في الباب ١١٥ نوادر من أحكام الصيد الحديث ٣ ج ١ ص ٢٧٤ :

على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم عمر اليماني عن أبى عبد الله قال سألته عن قول الله عزوجل (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال العدل رسول الله والامام من بعده ، ثم قال وهذا مما أخطأت به الكتاب.

والحديث ٥ منه : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال العدل رسول الله (ص) والامام من بعده ، ثم قال هذا مما أخطأت به الكتاب.

والحديثان في المرآة ج ٣ ص ٣١٧ ووصف المجلسي الأول بالحسن والثاني بالموثق ، وقد عرفت حال إبراهيم بن هاشم وإبراهيم بن عمر اليماني الواقعين في طريق الأول ، فهو كالصحيح ونقلهما في المنتقى ج ٢ ص ٤٤٦ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٣.

وفي روضة الكافي ص ٢٠٥ ط الآخوندى أيضا حديث بالرقم ٢٤٧ : على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد بن عثمان قال تلوت عند أبى عبد الله (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فقال «ذو عدل» هذا مما أخطأت به الكتاب وهو في المرآة ج ٤ ص ٣٣٨ وترى احاديث الكليني الثلاثة في نور الثقلين ج ١ ص ٥٦٠ وص ٥٦١ والبرهان ج ١ ص ٥٠٣ والوافي الجزء الثامن ص ١٢١.

وفي العياشي أيضا أخبار بهذا المضمون ففي ج ١ ص ٣٤٣ بالرقم ١٩٧ : وفي رواية حريز عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عن قول الله (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال العدل رسول الله (ص) والامام من بعده وهذا مما أخطأت به الكتاب.

وفي ص ٣٤٤ بالرقم ١٩٨ عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر في قول الله (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) يعنى رجلا واحدا ، وبالرقم ٢٠٠ عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر يقول ـ

٢٦٦

ثمّ قال هذا مما أخطأت به الكتّاب ، ويمكن حملها على أنّ المراد بالحكم معناه

__________________

ـ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قال : ذلك رسول الله (ص) والامام من بعده ، فإذا حكم به الامام فحسبك ، ونقل أحاديث العياشي في البحار ج ٢١ ص ٣٦ والبرهان ج ١ ص ٥٠٤ ونور الثقلين ج ١ ص ٥٦١.

قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل أحاديث تخطئة الكتاب ، بيان : يعنى أن رسم الألف في ذو عدل من تصرف النساخ والصواب محوها ، لأنها تفيد أن الحاكم اثنان والحال أنه واحد وهو الرسول في زمانه ثم كل إمام في زمانه على سبيل البدل انتهى.

ونقل في المجمع ج ٢ ص ٢٤٢ قراءة «ذو عدل» عن الباقر والصادق ثم نقل في الحجة عن أبى الفتح انه لم يوحد لان الواحد يكفى ، لكنه أراد معنى «من» اى يحكم به من يعدل. ومن يكون للاثنين كقوله «تكن مثل من يا ذهب يصطحبان».

ثم قال : وأقول : ان هذا الوجه الذي ذكره ابن جنى بعيد غير مفهوم ، وقد وجدت في تفسير أهل البيت منقولا عن السيدين (ع) أن المراد بذي العدل رسول الله وأولو الأمر من بعده ، وكفى بصاحب القراءة خبرا بمعنى قرائته انتهى ما في المجمع ، ونقل قراءة السيدين (ع) ذو عدل وتفسيره بالإمام أيضا في كنز العرفان ج ١ ص ٣٢٥.

أقول ويتوافق القرائتان على هذا المعنى إذ على قراءة ذوا عدل بالتثنية يكون المراد الرسول والامام ، والمعنى انه يحكم بالمماثلة النبي (ص) والامام الموصوفان بالعدل والاستقامة في جميع الأقوال والافعال ، وعلى القراءة الأخرى بصيغة المفرد يكون المراد واحدا من الحجج على البدل ، الذين يعلمون الاحكام بالوحي والإلهام وحكم كل حكم الأخر بلا اختلاف ، ولذلك ترى أنهم قد بينوا لنا في الاخبار مماثل أكثر الصيد ، ولم يكلوه الى أفهامنا ففي النعامة بدنة وحمار الوحش وشبهه بقرة ، وفي الظبي شاة ، والمماثلة التي يفهمها الناس ليست في كثير منها كالحمامة والشاة.

ثم أقول ان زيادة الألف في رسم المصاحف ليست بعزيزة كما ترى اتفاق المصاحف في رسم (لَأَذْبَحَنَّهُ) الآية ٢١ من سورة النمل بزيادة الألف ، وفي أكثر المصاحف رسم (لَأَوْضَعُوا) الآية ٤٧ من سورة التوبة بالألف ، وفي بعض المصاحف (لَإِلَى الْجَحِيمِ) الآية ٦٨ من سورة الصافات ، و (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) الآية ١٥٨ من سورة آل عمران ـ

٢٦٧

الحقيقيّ ، ويؤيّده ما نقله في الكشاف أنّ جعفر بن محمّد عليهما‌السلام قرأ «ذو عدل منكم»

__________________

ـ بالألف وكذا زادوا الالف بعد يرجوا ويدعوا وكذا في أولوا الألباب وملاقوا ربهم وبنوا إسرائيل :

انظر البرهان للزركشى ج ١ ص ٣٨١ الى ص ٣٨٦ والفرقان لابن الخطيب من ص ٥٧ الى ص ٩١ وتاريخ القرآن لمحمد طاهر بن عبد القادر المكي من ص ٩٣ الى ص ١٥٧ ومباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح من ص ١٠٣ الى ص ١١٢ والقاعدة الثانية من النوع السادس والسبعين من الإتقان للسيوطي ج ٢ ص ١٦٨ ومناهل العرفان للزرقانى ج ١ ص ٣٦٣ ونثر المرجان للاركاتى عند شرح الايات التي زيدت في كلماتها الالف وسائر الكتب المرتبطة.

قال ابن درستويه : خطان لا يقاس عليهما خط المصحف وخط تقطيع العروض فيكون رسم الالف هنا مع صحة قراءة «ذو» الثابتة عن الإمامين السيدين عليهما‌السلام مثل الألف في (لَأَذْبَحَنَّهُ) وغيره.

ثم انه لا يبعد أيضا أن يكون معنى الكتاب في قول الامام «وهذا مما أخطأت به الكتاب» العلماء ، استعمالا للكاتب بمعنى العالم ، ويكون المراد من العلماء القراء بمعنى انهم قرأوا (ذَوا) بصورة التثنية متابعة للرسم خطأ ، ولا يلزم مطابقة القراءة للرسم كما في (لَأَذْبَحَنَّهُ) أو يكون المراد بالعلماء المفسرين بمعنى أنه وان قرئ (ذَوا) بصورة التثنية الا أن المراد مع ذلك الرسول والامام ، لا رجلان يشهدان بالتماثل ، فتفسيرهم بالرجلين يشهدان بالتماثل خطأ.

ثم لو فرضنا أن المراد بالكتاب كتاب المصاحف العثمانية فليس تخطئتهم بأمر مستوحش فإنهم كانوا قاصرين في فن الكتابة فجائت الكتبة الأولى ببعض أخطاء كما في زيادة الألف بعد ذو هنا ، وقد أفصح عنه الإمامان السيدان عليهما‌السلام ، وببعض مناقضات كما في (لَأَذْبَحَنَّهُ) وقد رسموه بالألف ، ورسموا (لَأُعَذِّبَنَّهُ) في نفس الآية بغير الالف ، وليس هذا غمطا لحقهم ولا انتقاصا لفضلهم ، ففيهم من نعرف منهم الفضل والنبل والسبق في الخيرات والمكرمات ، لكنهم كانوا أميين قبل ذلك ، فعدم بلوغ بعض الافراد من أمة قد اتسمت بالامية وصارت الأمية اسما لها وعلما عليها الدرجة المطلوبة والغاية المرجوة ـ

٢٦٨

فتأمّل فيه (١).

«هديا» حال من الهاء في «به» أو من «جزاء» إن وصف بالمثل لتخصيصه بالصّفة أو بدل عن مثل باعتبار محلّه «بالغ الكعبة» صفة «هديا» وصحّ لأنّ إضافته لفظيّة ، ومعنى بلوغه الكعبة ذبحه بالحرم ، إن كان في إحرام العمرة ذبحه بمكة قبالة الكعبة ، وإن كان في إحرام الحجّ ذبحه بمنى ، فالمراد بالكعبة الحرم لأنّ الذبح والنّحر لا يقعان في نفس الكعبة ولا في غاية القرب والتلاصق منها ، ويكون التّفصيل في ذلك معلوما من الأخبار كصحيحة (٢) عبد الله بن سنان قال قال : أبو عبد الله عليه‌السلام من وجب عليه فداء

__________________

ـ في علم الهجاء وفن الكتابة ليس بغير معقول ، ويستسيغ العقل قطعا كونهم عرضة للخطإ في وضع رسم الأحرف والكلمات.

(١) أقول هكذا في النسخ الموجودة عندنا من مسالك الافهام ، وكذا في المرآة ج ٣ ص ٣١٧ نقلا عن الكشاف ، والموجود عندنا في النسخ المطبوعة من الكشاف نقل هذه القراءة عن محمد بن جعفر انظر ج ١ ص ٦٧٩ ط دار الكتاب العربي وج ١ ص ٤٨٤ ط مصطفى البابى الحلبي ففيه : وقرأ محمد بن جعفر ذو عدل منكم أراد يحكم به من يعدل ولم يرد الوحدة وقيل أراد الامام ، ونقل الاركاتى في نثر المرجان ج ٢ ص ١٠٣ أيضا هذه القراءة عن محمد بن جعفر ونقلها البيضاوي من غير عزو ففي ص ١٦٢ ط المطبعة العثمانية : وقرئ ذو عدل على ارادة الجنس أو الإمام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٣ الرقم ١٢٩٩ والاستبصار ج ٢ ص ٢١١ الرقم ٧٢٢ والكافي ج ١ ص ٢٧١ باب المحرم يصيد الصيد من أين يفديه وأين يذبحه الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣١٣ وفي المنتقى ج ٢ ص ٤٣٤ والوافي الجزء الثامن ص ١١٩ والوسائل الباب ٣٩ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ ص ٢٨٣ ج ١ ط الأميري.

وفي الباب حديث آخر عن منصور بن حازم رواه في التهذيب ج ٥ ص ٣٧٤ بالرقم ١٣٠٣ والاستبصار ج ٢ ص ٢١٢ بالرقم ٧٢٥ والمنتقى ج ٢ ص ٤٢١ يدل على جواز تأخير كفارة العمرة وذبحها بمنى.

٢٦٩

صيد أصابه محرما فان كان حاجّا نحر هديه الّذي يجب عليه بمنى ، وإن كان معتمرا نحره قبالة الكعبة ، ونحوها [من الأخبار].

ولا يكفي مجرّد الذّبح بل لا بدّ من التصدّق به لانّه عوض ما قتل من الصّيد فلا يحصل العوض بمجرّد ذبحه ، بل لا بدّ من صرفه فيه تحصيلا للعوضيّة ، ولانّ نفس الذبح إيلام فلا قربة فيه ، وإنّما القربة في التصدّق به على فقراء الحرم ، ولانّ ذلك هو الظاهر المتبادر من الهدي البالغ الكعبة ، ولورود الأخبار بالصّدقة به :

روى الحلبي في الحسن (١) قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فداء الصّيد يأكل صاحبه من لحمه؟ فقال يأكل من أضحيّته ويتصدّق بالفداء ، ونحوها ، ولا خلاف في ذلك بين أصحابنا وهو قول أكثر العامّة ، واكتفى أبو حنيفة بذبحه في الحرم أمّا التصدّق به فحيث شاء وظاهر الآية قد ينافيه.

(أَوْ كَفَّارَةٌ) عطف على جزاء المرفوع أو خبر مبتدأ محذوف كأنّه قيل : أو الواجب عليه كفّارة (طَعامُ مَساكِينَ) عطف بيان أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف أي هي طعام والمعنى أو أن يكفّر بإطعام مساكين ما يساوي قيمة الهدي وعلى هذا أصحابنا والشافعية وحينئذ فيفضّ القيمة على غالب القوت كالبرّ مثلا ، ويعطى لكلّ مسكين مدّا.

وهذا كالمطلق في اعتبار إعطاء المدّ لكلّ مسكين ، إلّا أنّ للأصحاب في ذلك تفصيلا وهو أنّ قيمة الهدي تعتبر بالنّسبة إلى جماعة معيّنين مثلا في النّعامة يعتبر إطعام ستّين مسكينا فلو اختار الإطعام فضّ قيمة البدنة على البرّ وأطعم ستّين مسكينا بحيث لو نقص عن السّتين لا يجب الإكمال ، ولو زاد لم يطعم ، وكذا الكلام في غير النّعامة من أفراد الصّيد ، على ما علم بيانه من الاخبار ، وإطلاق الآية منزّل عليه والأكثر على اعتبار

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٢٤ الرقم ٧٥٧ والاستبصار ج ٢ ص ٢٧٣ الرقم ٩٦٦ والكافي ج ١ ص ٣٠٢ باب الأكل من الهدى والصدقة منها الحديث ٦ ورواه الصدوق مرسلا في الفقيه ج ٢ ص ٢٩٥ الرقم ١٤٦٠ والحديث في المرآة ج ٣ ص ٣٤٣ والمنتقى ج ٢ ص ٥٧١ والوافي الجزء الثامن ص ١١٩ والوسائل الباب ٤٠ من أبواب الذبح الحديث ١٥ ص ٣٥٩ ج ٢ ط الأميري.

٢٧٠

المدّ الواحد في الإطعام ، وأوجب الشيخ (١) وجماعة مدّين ، وعليه أخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع بينها وبين ما دلّ على الواحد.

(أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) أو ما ساواه من الصّوم ، فيصوم عن إطعام كلّ مسكين يوما على ما ورد بيانه في الاخبار المعتبرة الإسناد : روى محمّد بن مسلم (٢) في الصّحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : عدل الهدي ما بلغ يتصدّق به ، فان لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكلّ طعام مسكين يوما ، ومقتضى ذلك أنّه لو كان البدل عن الجزاء الواجب أوّلا وهي القيمة المفضوضة على البرّ ناقصا عن إطعام السّتين ، مثلا في النّعامة فإنّه يجب عليه الصّيام على قدر ما وسعت القيمة من الإطعام ، ولا يجب الإكمال وعلى هذا أكثر أصحابنا.

واعتبر آخرون وجوب صوم السّتين يوما ، وإن كان الإطعام ناقصا عن الستّين نظرا إلى أنّ الواجب في الأصل هو إطعام الستّين وسقوط الزّيادة أو العفو عن النقيصة على تقديرهما في الإطعام لا يستلزم مثله في الصّيام ، ولا يبعد المصير إليه ، لقوّة دليله وعدم منافاة الآية له ، مع أنّ فيه احتياطا (٣).

ومقتضى الآية التخيير بين الأبدال الثلاثة على ما عرفت وهو قول أكثر الأصحاب وإليه يذهب أبو حنيفة ومالك لظهور «أو» في ذلك وما رواه حريز في الصّحيح (٤) عن

__________________

(١) انظر المختلف الجزء الثاني ص ١٠١.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٤٢ الرقم ١١٨٤ وحكاه في المنتقى ج ٢ ص ٤١٢ والوافي الجزء الثامن ص ١١٦ والوسائل الباب ٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٩ ج ٢ ص ٢٧٢ ط الأميري.

(٣) وفي سن : ولا يبعد المصير إلى الأول لقوة دليله وظهور الآية فيه.

(٤) هذه الجملة تراها ذيل حديث تناثر القمل من رأس كعب بن عجرة عن حريز وقد مر مصادره من الكافي وكتابي الشيخ والفقيه والعياشي في ص ١٦٥ من هذا المجلد فراجع وروى تلك الجملة أيضا العياشي عند تفسير الآية ٨٩ من سورة المائدة كفارة القسم ج ١ ص ٣٣٨ الرقم ١٧٥ عن أبي حمزة عن أبى جعفر وحكاها عنه في البحار ج ٢٣ ص ١٤٦ والبرهان ج ١ ص ٤٩٦ ونور الثقلين ج ١ ص ٥٦٢ الرقم ٣٨٦ وروى مثلها الشيخ في ـ

٢٧١

الصادق عليه‌السلام : كلّ شيء في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء الحديث.

وذهب الشيخ في النهاية وجماعة من الأصحاب إلى الترتيب بمعنى أنّ الواجب أوّلا الجزاء المماثل من النّعم ، ومع العجز عنه الإطعام بقدره ، ثمّ الصّيام بقدر المساكين محتجيّن على ذلك بظاهر بعض الأخبار الدالّة عليه ، ويردّه أنّ العمل بذلك يوجب التّأويل في القرآن والخبر معا ، ومع تعارض التّأويل في أحد الجانبين فتأويل الخبر أولى من تأويل القرآن ، على أنّ أخبار الترتيب غير صريحة في عدم إجزاء غير الأوّل فالأوّل ، بل هي ظاهرة في ذلك ، فيمكن حملها على الأفضليّة بالنسبة إلى ما بعده ، وبذلك يحصل الجمع بين الأدلّة.

وإلى الترتيب يذهب أحمد وزفر من العامة ، وربما احتجّوا عليه بأنّ الواجب هنا شرع على سبيل التّغليظ بدليل قوله (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) وهو متعلّق بالمحذوف المعلوم ممّا سبق أي فعليه الجزاء أو الإطعام أو الصّيام ليذوق ثقل فعله وسوء عاقبة هتكه لحرمة الإحرام ، أو ليذوق الثقل الشديد على مخالفة أمر الله ، وظاهر أنّ التخيير ينافي التغليظ.

وفيه نظر فانّ التغليظ جاز أن يكون باعتبار أصل الكفّارة وأصل الوبل الثقل ومنه الطّعام الوبيل.

وفي مجمع البيان (١) فان سأل سائل كيف يسمّى الجزاء وبإلا وإنّما هي عبادة

__________________

ـ التهذيب ج ٨ ص ٢٩٩ الرقم ١١٠٧ كتاب الايمان والنذور والكفارات الا ان في النسخة المطبوعة بالنجف عن حمزة عن أبى جعفر وأظن انه من سهو الناسخ فقد حكاه عن الشيخ في الوسائل الباب ١٢ من أبواب الكفارات الحديث ٧ ص ١٩٠ ج ٢ ط الأميري عن أبي حمزة.

ثم انه قد روى قريبا من تلك الجملة أهل السنة في كتبهم موقوفة على الصحابة انظر سنن البيهقي ج ٥ ص ١٨٥ وتفسير الطبري ج ٢ ص ٢٣٦ و ٢٣٧ وج ٧ ص ٥٣ والدر المنثور ج ١ ص ٢١٤ وج ٢ ص ٣٣٠ وغيرها من كتبهم.

(١) انظر المجمع ج ٢ ص ٢٤٥.

٢٧٢

فتكون نعمة ومصلحة فالجواب أنّ الله سبحانه شدّد عليه التكليف بعد أن عصاه ، فثقل ذلك عليه كما حرّم الشحم على بني إسرائيل لمّا اعتدوا في السبت ، فثقل ذلك عليهم وإن كان مصلحة لهم انتهى ، ويمكن أن يقال : الأمور الثلاثة اثنان منها نقص في المال فيثقل على الطّبع ، والثّالث وهو الصّوم ثقيل على البدن أيضا فكلّ منها نوع عقوبة ولعلّ مراد مجمع البيان ذلك فتأمّل.

(عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) لكم من الصّيد في الجاهلية أو قبل تحريمه عليكم أو في هذه المرة الّتي وقعت منكم [عمدا] (وَمَنْ عادَ) إلى مثل ذلك ثانيا (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) فهو ينتقم الله منه وذلك ليصحّ دخول الفاء فانّ الجزاء إذا كان مضارعا ارتبط بنفسه ولم يحتج إلى الفاء.

وقد استدلّ به جماعة من الأصحاب على عدم الكفّارة بالمعاودة إلى قتل الصّيد فإنّه تعالى جعل جزاء العود إلى قتل الصّيد الانتقام بعد أن جعل جزاء ابتدائه الفدية فاقتضى ذلك عدم وجوبها مع العود بمقتضى المقابلة إذ الخطاب في أوّل الآية مع من لم يقتل الصّيد بعد ، فيكون مفادها أنّ من قتل الصّيد عمدا ممّن لم يقتله بعد (١) فالواجب عليه الجزاء ، ومن عاد إلى القتل بعد مرّة سابقه فهو ممّن ينتقم الله منه ، فيكون في منطوقها دلالة على لزوم الانتقام مع العود ولم يثبت بدليل آخر ما يقتضي الزيادة على ذلك ، فيقتصر عليه عملا بأصالة البراءة ، ولأنّ التّفصيل في الآية قاطع للشركة.

ويؤيّده ما رواه الحلبي في الصّحيح (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال المحرم إذا

__________________

(١) في سن : لم يقتله قبل.

(٢) انظر التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ الرقم ١٢٩٧ وص ٤٦٧ الرقم ١٦٣٣ والاستبصار ج ٢ ص ٢١١ الرقم ٧٢٠ والكافي باب المحرم يصيب الصيد مرارا الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣١٦ وحكاه في المنتقى ج ٢ ص ٤١٨ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٦ والوافي الجزء الثامن ص ١١٤ والوسائل الباب ٣٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ ج ٢ ص ٢٨١ ط الأميري وقريب منه ما في تفسير العياشي ج ١ ص ٣٤٦ الرقم ٢٠٧ وحكاه عنه في البحار ج ٢١ ص ٣٦ والبرهان ج ١ ص ٥٠٤.

٢٧٣

قتل الصّيد فعليه جزاؤه ، ويتصدّق بالصّيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة. والظاهر أنّها في العمد بقرينة تفسير الآية ، ورواه ابن أبى عمير (١) مرسلا عن الصّادق عليه‌السلام قال إذا أصاب المحرم الصّيد فعليه كفّارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفّارة أبدا إذا كان خطأ فإن أصابه متعمّدا كان عليه الكفّارة فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممّن ينتقم الله منه ولم تكن عليه الكفّارة ، ورواه ابن بابويه (٢) في كتابه عن الصّادق عليه‌السلام قال : فان عاد فقتل صيدا آخر متعمّدا فليس عليه جزاؤه ، وهو ممّن ينتقم الله منه ، والنّقمة في الآخرة ، وهو قول الله سبحانه (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ).

وأجاب العلّامة في المختلف (٣) عن الآية بأنّها لا تنافي وجوب الفدية مع العود لعدم التّنافي بين الانتقام في العود ، وعمومية الجزاء فيه وفي الابتداء الثابت بقوله (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) فإنّه كما يتناول الابتداء يتناول العود من غير رجحان وأصالة البراءة معارضة بالاحتياط ، ورواية الحلبي متروكة الظاهر لانّ مقتول المحرم حرام فكيف يسوغ التصدّق به على المسكين ، فيحمل على ما إذا جعله غير ممتنع ، وبأنّه يحتمل أن يكون المراد من قوله «لم يكن عليه جزاء» نفي الجزاء المنفرد كما في الابتداء فلا منافاة ، إذ الواجب هنا الجزاء مع الانتقام ، وبمثله أجاب عن حديث ابن أبى عمير.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ الرقم ١٢٩٨ والاستبصار ج ٢ ص ٢١١ الرقم ٧٢١ ورواه في الكافي ج ١ ص ٢٧٣ باب المحرم يصيب الصيد مرارا بعد الحديث ٢ وبين لفظي الكافي وكتابي الشيخ تفاوت يسير.

والحديث في المرآة ج ٣ ص ٣١٦ والوافي الجزء الثامن ص ١١٤ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٧ والوسائل الباب ٣٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٢ ج ٢ ص ٢٨١ ط الأميري.

(٢) وهو في الفقيه ج ٢ ص ٢٣٤ ذيل الحديث بالرقم ١١١٨.

(٣) انظر المختلف الجزء الثاني ص ١٠٧.

٢٧٤

قلت قد عرفت في تقرير الآية ما يدفع جوابه ، ومنه يلزم اندفاع ما ذكره في جواب الحديثين. على أنّ كون الأولى متروكة الظاهر غير مسلّم لما عرفت من ذهاب جماعة من الأصحاب إلى العمل بمضمونها ، وأنّ مذبوح المحرم حلال على المحلّ فيسوغ التصدّق به.

وقد اعترف هو في المختلف ببعد ما ذكره من التأويل في الآية لعدم سبقه إلى الفهم ، ثمّ قال وليس بعيدا من الصّواب ما ذهب إليه الشيخ أعنى عدم التكرّر لدلالة الحديث عليه وقد عرفت أنّ الخبر الواحد يخصّ عموم القرآن لكنّ الأوّل أظهر بين العلماء انتهى.

وفيه أنّه لا تخصيص على ما قلناه لكون الخطاب مع من لم يصدر منه القتل بعد بقرينة المقابلة بالعود ، وهو دليل على أنّ المراد حكم القاتل ابتداء فقط ، وبقوله (مَنْ عادَ) حكم العود ، فلا عموم ليحتاج إلى التّخصيص.

مع أنّ في حكمه بأظهريّة الأوّل أي وجوب التكرّر بين العلماء نظرا ، فإنّه إن أراد أظهريّته بين علماء العامّة فلا عبرة بهم عندنا ، وإن أراد علماء الخاصّة ، فهو غير واضح ، كيف والمعهود بين أصحابنا عدم الفدية في التكرّر عمدا ، وهو قول أكثر القدماء كالكلينيّ على ما يظهر منه ، والصّدوق وغيرهما وعليه أكثر المتأخّرين أيضا فالأظهرية على العكس.

وقد يستدلّ على التكرّر بظاهر صحيحة معاوية بن عمّار (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في محرم أصاب صيدا قال عليه الكفّارة قلت فان هو عاد؟ قال : عليه كلّما عاد كفّارة ، ونحوها حسنته (٢) عنه عليه‌السلام وترك الاستفصال قرينة العموم ، والجواب

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ الرقم ١٢٩٦ والاستبصار ج ٢ ص ٢١٠ الرقم ٧١٩ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٤١٨ والوسائل الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣ ج ٢ ص ٢٨٢ ط الأميري.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٧٢ الرقم ١٢٩٥ والاستبصار ج ٢ ص ٢١٠ الرقم ٧١٨ والكافي ج ١ ص ٢٧٣ باب المحرم يصيب الصيد مرارا الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ـ

٢٧٥

أنّها مطلقة فتحمل على الخطأ كما دلّت عليه الرّوايات السابقة.

ويزيده وضوحا ما رواه حفص الأعور (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أصاب المحرم الصّيد فقولوا له [قتلت و] أصبت صيدا قبل هذا؟ فان قال نعم فقولوا له إنّ الله منتقم منك واحذر النقمة ، وإن قال لا فاحكموا عليه بجزاء ذلك الصّيد ، ونحوها من الاخبار وبذلك يحصل الجمع بينها ، ومع ذلك فلا ريب أنّ التكرّر أولى للاحتياط.

وموضع الخلاف العمد بعد العمد في إحرام واحد ، وإن تباعد الزمان ، فلو كان الواقع بعد قتل الصّيد مرّة عمدا قتله خطأ تكرّرت قطعا لعدم العمد في الثّانية ، وكذا لو كان الواقع بعد الخطأ عمدا أو تكرّر ذلك في إحرامين.

(وَاللهُ عَزِيزٌ) غالب على أمره (ذُو انْتِقامٍ) فينتقم (٢) ممّن يتعدّى أمره ويرتكب نهيه مصرّا على ذلك.

__________________

ـ ص ٣١٦ والحديث عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام في المحرم يصيد الصيد قال عليه الكفارة في كل ما أصاب.

وحكاه في المنتقى ج ٢ ص ٤٤٧ وفيه وفي بعض نسخ الكافي في المحرم يصيد الطير قال عليه الكفارة في كل ما أصاب قلت وهكذا في نسخة الكافي المطبوع ١٣١١ وعلى اى فلا صراحة فيه في حكم التكرر لجواز أن يكون القصد فيها تعميم افراد المصيد لا التكرار.

وروى الحديث في قلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٧ والوافي الجزء الثامن ص ١١٣ والوسائل الباب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد الحديث ١ ج ٢ ص ٢٨٢ ط الأميري.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٧ الرقم ١٦٣٥ ورواه في قلائد الدرر ج ٢ ص ١٠٧ والوافي الجزء الثاني ص ١١٤ والوسائل الباب ٣٨ من أبواب كفارات الصيد الحديث ٣ ج ٢ ص ٢٨٢ ، ط الأميري.

(٢) في الآخرة بل يحتمل أن الانتقام يكون في الدنيا أيضا فقد روى الكليني عن زيد الشحام عن أبى عبد الله في قول الله عزوجل (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) قال ان رجلا انطلق وهو محرم فأخذ ثعلبا فجعل يقرب النار من وجهه وجعل الثعلب يصيح ويحدث ـ

٢٧٦

(أُحِلَّ لَكُمْ) أيّها المحرمون كما يعطيه الظاهر ، فيكون قد بيّن فيها ما يحلّ من الصّيد على المحرم ، وما يحرم عليه ، بعد أن أطلق النّهي عن الصّيد في الآية السابقة (صَيْدُ الْبَحْرِ) ما صيد منه وهو مالا يعيش إلّا في الماء وفي أخبارنا عن الأئمّة عليهم‌السلام أنّه الّذي يبيض في البحر ويفرخ فيه كالسّمك لا كالبطّ ، وإن لازم الماء ومثله السرطان والسلحفاة ، فإنّه من صيد البرّ ويجب على قاتله الجزاء.

وجملة ما يصاد من البحر ثلاثة أصناف : الحيتان ، والضّفادع ، وما عداهما ممّا يسكن فيه ، وعلى حلّية صيده للمحرم جميع العلماء ، ومقتضى الآية عموم حلّ صيد البحر ويخصّ بالمأكول المحلّل منه ، على ما علم بيانه بالإجماع والأخبار ، سواء كان في الحلّ أو الحرم.

(وَطَعامُهُ) عطف على ما قبله أي وأحلّ لكم طعامه ، وهو ما يطعم من مصيدة فيكون الصّيد السابق بالمعنى المصدريّ أي الاصطياد ومضى معناه ، وهنا أكل ما صيد منه لأنّ العطف يقتضي المغايرة ، ويحتمل أن يراد بالأوّل ما صيد أيضا لكن من الجديد الطريّ وبالطعام اليابس القديد لأنّه يدّخر ليطعم منه ، فصار كالمقتات من الأغذية ، ويؤيّده قوله (مَتاعاً لَكُمْ) أي لأجل تمتّع حاضريكم (وَلِلسَّيَّارَةِ) من مسافريكم يتزوّدون بقديده كما يأكلون جديده ، وقد تزوّد موسى عليه‌السلام الحوت في مسيره إلى الخضر عليه‌السلام وبهذا المعنى وردت أخبارنا ، وقيل إنّ المراد بطعامه ما قذفه البحر ميتا أو نضب عنه

__________________

ـ من استه ، وجعل أصحابه ينهونه عما يصنع ثم أرسله بعد ذلك.

فبينما الرجل نائم إذ جائته حية فدخلت في فيه فلم تدعه حتى جعل يحدث كما أحدث الثعلب ، ثم خلت عنه. انظر الكافي باب نوادر الصيد الحديث ٦ ج ١ ص ٢٧٦ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣١٧ والوافي الجزء الثامن ص ١٢١ وروى مثله في العياشي مع اختلاف في بعض الألفاظ عن محمد بن مسلم عن أحدهما انظر ج ١ ص ٣٤٥ الرقم ٢٠٣ ونقله عنه في البحار ج ٢١ ص ٣٦ والبرهان ج ١ ص ٥٠٤ وروى حديثي الكافي والعياشي في الوسائل الباب ٨ من أبواب تروك الإحرام ص ٢٥٥ ج ٢ ط الأميري.

٢٧٧

وهو ضعيف لاعتبار الذّكاة في السّمك وهو إخراجه من الماء حيّا ، فلا يحلّ بدونه مطلقا.

(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) أي ما صيد فيه أو المعنى المصدريّ على ما سلف إلّا أنّ الظاهر الأوّل (ما دُمْتُمْ حُرُماً) محرمين ، وقد تظافرت أخبارنا عن أئمّتنا عليهم‌السلام وانعقد إجماعنا على تحريم الصّيد على المحرم بكلا المعنيين ، وقد وافقنا في ذلك جماعة من العامّة (١) وجمهورهم على حلّية أكل صيد البرّ على المحرم ما لم يصده هو بنفسه ، أو

__________________

(١) كالليث والثوري وإسحاق وطاوس وابن عمر وقد روى البخاري في ج ٤ ص ٤٠٢ فتح الباري عن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه اهدى لرسول الله (ص) حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال انا لم نرده عليك إلا أنا حرم.

وروى مثله مسلم في الصحيح ج ٨ ص ١٠٤ بشرح النووي وفيه من ص ١٠٤ الى ص ١٠٦ أحاديث أخر عن ذلك الرجل (الصعب بن جثامة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها باء موحدة أبوه جثامة بفتح الجيم وتثقيل المثلثة) مع تفاوت في بعض الألفاظ وكذا نقله في الفتح عن مصادر أخر وبين تفاوت الألفاظ وفي المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٥ ص ٢٠ أنه متفق عليه.

وفيه أيضا عن على عليه‌السلام أن النبي (ص) أتى ببيض النعام فقال انا قوم حرم أطعموه أهل الحل رواه أحمد قلت بل قد استفاض النقل عن على عليه‌السلام في رواياتهم أن النبي نهى المحرم عن أكل الصيد مطلقا انظر كنز العمال ج ٥ ص ١٣٩ وص ١٤٠ الرقم ، ١٠١٢ و ١٠١٤ و ١٠١٥ و ١٠١٦ أخرجه عن احمد وأبى يعلى وابن مردويه والطحاوي عن على عن النبي (ص).

وفي مجمع الزوائد ج ٣ ص ٢٢٩ ط بيروت لبنان الطبعة الثانية عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال كان أبى الحارث على أمر من أمر مكة فقال عبد الله فاستقبلت عثمان بالنزل بقديد فاصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح فجعلناه عراقا للثريد فقدمناه الى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان صيد لم نصطده ولم نأمر بصيده اصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس.

فقال عمر : من يقول هذا؟ قالوا : على ، فبعث الى على قال عبد الله بن الحارث : فكأني أنظر الى على حين جاء وهو يجب الخيط عن كفيه ، فقال له عثمان : لم نصطده ولم نأمر بصيده ، اصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس. ـ

٢٧٨

يصاد لأجله فلا يباح له حينئذ.

وقال أبو حنيفة منهم : يجوز للمحرم أكل ما صاده الحلال وإن صاده لأجله ، إذا لم يدل أو لم يشر ، وكذلك ما ذبحه قبل إحرامه محتجّين عليه بما روى أبو قتادة أنّه (١) اصطاد حمار وحش وهو حلال في أصحاب محرمين ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل أشرتم

__________________

ـ فغضب على وقال أنشد الله رجلا شهد رسول الله (ص) حين أتى بقائمة حمار وحش فقال رسول الله (ص) انا قوم حرم فأطعموه أهل الحل قال فشهد اثنا عشر رجلا من أصحاب رسول الله ثم قال أنشد الله رجلا شهد رسول الله (ص) أتى ببيض نعام فقال رسول الله انا قوم حرم فأطعموه أهل الحل قال فشهد دونهم في العدة من الاثنا عشر قال فثنى عثمان وركه عن الطعام فدخل وأكل ذلك الطعام أهل الماء.

قلت روى أبو داود منه قصة قائمة الحمار من غير ذكر عدة من شهد رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار وفيه على بن زيد وفيه كلام كثير وقد وثق وفي رواية أتى بخمس بيضات نعام.

وفي رواية عنده أيضا أن عثمان بن عفان نزل قديدا فأتى بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها فأرسل الى على وهو يصفن بعيرا له فجاء والخيط من يديه فأمسك فأمسك الناس فقال من هيهنا من أشجع هل تعلمون أن رسول الله (ص) جائه أعرابي ببيضات نعام وبتمير وحش فقال أطعمهن أهلك فانا حرم ، قالوا بلى ، فتورك عثمان على سريره وقال خبثت علينا رواه أحمد وفيه على بن زيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح انتهى ما في مجمع الزوائد.

أقول ما نقله عن أبى داود تراه في سننه ج ٢ ص ٢٣٢ بالرقم ١٨٤٩ ط مطبعة السعادة ١٣٦٩ وفي تذييل محمد محي الدين عبد الحميد عليه انه في المسند بالرقم ٧٨٢ و ٧٨٤ و ٨١٤ وفي السنن أيضا بالرقم ١٨٥٠ عن ابن عباس انه قال يا زيد بن أرقم هل علمت أن رسول الله (ص) أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال انا حرم؟ قال نعم قلت وأخرجه أيضا النسائي في ج ٥ ص ١٨٤ وأخرج حديث النهي أيضا في مجمع الزوائد عن عائشة والبراء بن عازب وانظر أيضا سنن البيهقي ج ٥ من ص ١٩١ الى ص ١٩٤.

(١) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٥ ص ٢٣ وفيه انه متفق عليه.

٢٧٩

هل أعنتم؟ فقالوا لا ، فقال هل بقي من لحمه شيء قالوا معنا رجله فأخذها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكلها ، ويردّه ظاهر الآية لاقتضائه تحريم أكل الصّيد على المحرم ، وانصراف إطلاق الصّيد إلى المصيد كما هو المتبادر منه ، وعدم ثبوت الرّواية المذكورة (١) فلا يخصّص بمثلها القرآن.

قال في الكشاف (٢) فان قلت فما يصنع أبو حنيفة بعموم قوله صيد البرّ؟ قلت قد أخذ أبو حنيفة بالمفهوم من قوله (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) لأنّ ظاهره أنّه صيد المحرمين دون صيد غيرهم ، لأنّهم هم المخاطبون فكأنّه قيل وحرّم عليكم ما صدتم في البرّ ، فيخرج منه مصيد غيرهم ومصيدهم حين كانوا غير محرمين ، ويدلّ عليه قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) انتهى.

وللنّظر فيه مجال ، إذ هو لا يقول (٣) بمفهوم المخالفة ، ولو سلّم فلا يعرف أنّ

__________________

(١) ومع ذلك فالحديث مضطرب المتن ففي لفظ أنه قد أكل منه ، وفي لفظ رواه في المنتقى ص ٢٣ عن أحمد وابن ماجه أنه لم يأكل منه لانه اصطيد له وهو في سنن ابن ماجة بالرقم ٣٠٩٣ وما حكاه في نيل الأوطار عن النووي في شرح المهذب من احتمال انه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قصتان بعيد.

ومع ذلك فالحديث معارض بما هو أقوى منه وأكثر لما عرفت من رواية حديث النهي عن على عليه‌السلام وابن عباس والبراء بن عازب وعائشة والصعب بن جثامة ، سلمنا تكافؤهما ، فالحديثان : حديث النهي وحديث الأكل يتعارضان فيتساقطان ويبقى ظاهر الآية وعمومها سليما عن المعارض.

ثم حديث الصعب انما كان في حجة الوداع وحديث أبي قتادة في عمرة الحديبية والمتأخر ناسخ للمتقدم.

(٢) انظر الكشاف ج ١ ص ٦٨١.

(٣) وفي سن : فانا لا نسلم أن الظاهر ذلك ، بل الظاهر أن المراد بالمصيد الجنس سواء كان الصيد منهم أو من غيرهم ، فيكون مفاد الآية تحريم جنس المصيد عليهم ما داموا محرمين ، على أن تخصيص تحريم الصيد الواقع في الآية على العموم بمصيدهم دون مصيد ـ

٢٨٠