مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

قال : سألته عن التكبير أيّام التشريق أواجب هو أولا؟ قال يستحبّ وإن نسي فلا شيء عليه ، ويؤيّدها رواية عمّار السّاباطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل ينسى أن يكبّر في أيّام التشريق ، قال إن نسي حتّى قام من موضعه فلا شيء عليه.

ورواية عمّار السابقة مع ضعفها متروكة لدلالتها على وجوب التكبير دبر النّافلة أيضا ، والظاهر أنّه لا قائل بالاستحباب فضلا عن الوجوب ، مع أنّ الأصل يقتضي عدمه واشتهار ذلك بين الأصحاب فإنّ القائل بالوجوب نادر ، وهو ممّا يرجّح القول بالاستحباب.

وقد اختلفت الرّواية في كيفيّته ففي صحيحة (٢) معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : التكبير أن يقول «الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله ، والله أكبر ولله

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٧٠ الرقم ٩٢٤ وكذا أيضا في ج ٥ ص ٤٨٧ الرقم ١٧٣٩ والاستبصار ج ٢ ص ٢٩٩ الرقم ١٠٧١ وهو في الوافي الجزء الخامس ص ١٩٩ والوسائل الباب ٢٢ من أبواب صلاة العيد الحديث ٢ ج ١ ص ٤٧٣ ط الأميري.

قال المحقق الأردبيلي في ص ٢٧٩ من زبدة البيان : وهو لا يدل على عدم الوجوب بل يدل عليه حيث قيد عدم الشيء بالنسيان إذ عدم وجوب الشيء إذا نسي لا يستلزم عدم الوجوب وهو ظاهر ، ثم قال وسنده أيضا ضعيف فالقول بالوجوب غير بعيد وان كان القائل به قليلا مثل السيد السند وابن الجنيد فإن القائل بالوجوب نادر وهو مما يرجح القول بالاستحباب.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٦٩ الرقم ٩٢٢ والكافي بسند آخر ج ١ ص ٣٠٦ باب التكبير أيام التشريق الحديث ٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤ وصدر الحديث عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله قال : تكبير أيام التشريق من صلاة الظهر يوم النحر الى صلاة الفجر من أيام التشريق ان أنت أقمت بمنى ، وان أنت خرجت من منى فليس عليك تكبير ، والتكبير الى آخر الحديث كما نقله المصنف.

واللفظ في الكافي إلى صلاة العصر ، قال المجلسي الظاهر الى صلاة الفجر كما في التهذيب ونقل حديث الكافي في المنتقى ج ١ ص ٥٨٧ والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٦ والوسائل الباب ٢١ من أبواب صلاة العيد الحديث ٤ ص ٤٧٢ ج ١ ط الأميري.

٢٢١

الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا».

والأولى العمل بهذه الرّواية ، ولا ينافيه ما في صحيحة محمّد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : وسألته عن التكبير بعدكم صلاة؟ فقال كم شئت ، إنّه ليس شيء موقّت يعني في الكلام. لأنّ الظاهر أنّ قوله يعني إلخ من كلام الرّاوي مع أنّه مجمل إذ يحتمل أن يكون المراد عقيب كم شئت أو كم مرّة شئت كرّر التكبير المعلوم ، أو لفظ الله أكبر أو غير ذلك ، فلا يمكن بسببها العدول عمّا هو المحقّق المعلوم فتأمّل. وما في حسنة معاوية بن عمّار (٢) عن الصادق عليه‌السلام يكبّر ليلة الفطر وصبيحة الفطر

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٠٦ باب التكبير أيام التشريق الحديث ٥ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٧ ورواه في التهذيب ج ٥ ص ٤٨٧ الرقم ١٧٣٧ ورواه في المنتقى ج ١ ص ٥٨٤ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٦ والوسائل الباب ٢٤ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ ص ٤٧٣ ج ١ ط الأميري.

قال المجلسي ـ قده ـ لعل السائل سأل عن عدد التكبيرات التي تقرأ بعد كل صلاة فقال ليس منه عدد معين موقت اى محدود وهذا هو المراد بقوله يعني في الكلام أى ليس المراد عدم التوقيت في عدد الصلاة بل في عدد الذكر.

وقال الأردبيلي قدس‌سره في زبدة البيان ص ٢٨٠ ط المرتضوي والظاهر أن قوله يعني في الكلام من محمد بن يعقوب الكليني ، قلت وهو موجود في نسخة التهذيب ، ولم يروه الشيخ عن الكليني ، فالحق ما أفاده المجلسي قدس‌سره.

وفي الحدائق نقل الحديث عن مستطرفات السرائر عوض هذه العبارة «كم شئت انه ليس بمفروض» انظر ج ١٠ ص ٢٨٢ وفي الوافي الجزء الخامس ص ١٩٩ «بيان قوله : عن التكبير يعنى عن صفة التكبير وعدده».

(٢) الكافي باب التكبير ليلة الفطر الحديث ٣ ج ١ ص ٢١٠ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٤٣ ورواه في المنتقى ج ١ ص ٥٨٦ وفي الوافي الجزء الخامس ص ١٩٩ والوسائل الباب ٢٠ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ ص ٤٧٣ ج ١ ط الأميري.

٢٢٢

كما يكبّر في العشر محمول على أنّ المراد أنّه يكبّر بعد المغرب والعشاء ليلة عيد الفطر وعقيب الصّبح وصلاة العيد كما يكبّر في عيد الأضحى ويكون المراد بالعشر اليوم العاشر وما بعده فتأمّل فيه.

(فَمَنْ تَعَجَّلَ) فمن استعجل النفر (فِي يَوْمَيْنِ) يوم النفر والّذي بعده ، والمراد أنّ من نفر في ثاني أيّام التشريق (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) باستعجاله (وَمَنْ تَأَخَّرَ) في النّفر إلى اليوم الثّالث من أيّام التشريق وهو يوم الصّدر (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لأنّ سيّئاته صارت مكفّرة بما كان من حجّته المبرورة ، أو لا إثم عليه بالتأخير.

قال العلّامة في المنتهى واختلف في قوله تعالى (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) مع أنّ التأخير فضيلة لأنّه يأتي بالنّسك كاملا فكيف ورد في حقّه فلا إثم عليه؟ وذلك إنّما يقال في حقّ المقصّر الّذي يظنّ أنّه قد رهقه أثام فيما أقدم عليه فحكي عن ابن مسعود (١) أنّه قال (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أى كفّرت سيّئاته وكذلك من تأخّر ، وقيل لا إثم عليه بالتعجيل ، وقوله (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) مزاوجة في الكلام. وقيل إنّ ذلك ورد على سبب فانّ قوما قالوا لا يجوز التّعجيل ، ولم يقولوا لا يجوز التأخير ، فوردت الآية على ذلك.

ثمّ قال : أقول : ويحتمل أن يكون المراد بذلك دفع الوهم الحاصل من دليل الخطاب يعني لا يتوهّم أحد أنّ تخصيص التعجيل بنفي الإثم يستلزم حصوله بالتأخير وقد أشار الصّادق عليه‌السلام إلى ذلك حيث قال في حديث (٢) فانّ الله تعالى يقول (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلو سكت لم يبق أحد إلّا تعجّل ، ولكنّه قال (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) الآية.

وظاهر الآية يقتضي التخيير للحاجّ مطلقا لعموم «من» في الموضعين وقوله (لِمَنِ اتَّقى) معناه على ما قاله في الكشاف أنّ ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجّل والمتأخّر

__________________

(١) انظر الدرر المنثور ج ١ ص ٢٣٦.

(٢) في رواية أبي أيوب الاتية.

٢٢٣

لأجل الحاجّ المتّقى لئلّا يتخالج في قلبه شيء منهما فيحسب أنّ أحدهما يرهق صاحبه آثام في الإقدام عليه ، لانّ ذا التقوى حذر متحذّر من كلّ ما يريبه ، ولانّه الحاجّ على الحقيقة عند الله.

ويؤيّده ما رواه ابن بابويه في الفقيه (١) مرسلا عن الصّادق عليه‌السلام أنّه سئل عن قول الله عزوجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ذاك ليتبين هو على أنّ ذلك واسع إن شاء صنع ذا ، وإن شاء صنع ذا ، لكنّه يرجع مغفورا لا إثم عليه ولا ذنب له.

واحتمل أكثر المفسّرين أن يكون (لِمَنِ اتَّقى) متعلّقا بجميع الأحكام المذكورة في الحجّ وغيرها ، يعنى أنّ الأحكام للمتّقي ، لأنه المنتفع بها ، فعلى هذا لا يكون التخيير المذكور مقيدا بالاتّقاء ، ويؤيّده أنّ الأصل عدم التقييد ، وعدم الشرط في الآية وأصالة عدم وجوب الصبر إلى النفر الثاني ، ومن هنا حكم العامة بأجمعهم بعموم التخيير لجميع أفراد الحاجّ.

لكن أصحابنا جعلوا الاتقاء قيدا للعموم المستفاد من قوله (فَمَنْ تَعَجَّلَ) وحكموا بأنّ التعجيل جائز لمن اتّقى النّساء والصّيد مستدلّين بما رواه محمّد بن المستنير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أتى النّساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النّفر الأوّل وفي الكافي في رواية أخرى الصّيد أيضا ورواه حمّاد بن (٣) عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٩ الرقم ١٤٢٧ وفيه : قال : ليس هو إلخ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٨ والوسائل الباب ٩ من أبواب العود إلى منى الحديث ٩ ج ٢ ص ٣٧٢ ط الأميري.

(٢) الكافي باب النفر من منى الأول والأخر الحديث ١١ ج ١ ص ٣٠٨ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٩ وفيه انه مجهول وآخره مرسل ورواه في التهذيب ج ٥ ص ٢٧٣ بالرقم ٩٣٢ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٧ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ١ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٧٣ الرقم ٩٣٣ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٧ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢ ص ٣٧٣ ط الأميري. ـ

٢٢٤

في قول الله عزوجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لمن اتّقى الصيد يعني في إحرامه ، فإن أصابه لم يكن أن ينفر في النّفر الأوّل ، وهما ضعيفتان لكن الظاهر من أصحابنا الإجماع على ذلك وربما ورد في أخبار أخر أيضا.

وظاهر ابن إدريس اعتبار الاتّقاء عن جميع محرّمات الإحرام ، زيادة على ما تقدّم ويؤيّده رواية سلّام بن المستنير (١) عن الباقر عليه‌السلام أنّه لمن اتّقى الرّفث والفسوق والجدال ، وما حرّم الله عليه في إحرامه ، لكنّها ضعيفة ، وعلى اعتبار اتّقائهما فالظاهر عموم الحكم بالنّسبة إلى كلّ محرم كما يعطيه العموم فتخصيص الحلبي ذلك بغير الضرورة ، وحكمه فيه بعدم جواز النّفر في الأوّل بعيد هذا.

وقد روى الكلينيّ في معنى الآية عن سفيان بن (٢) عيينة عن أبى عبد الله عليه‌السلام

__________________

ـ وسند الحديث هكذا : وروى محمد بن الحسين عن يعقوب بن يزيد عن يحيى بن المبارك عن عبد الله بن جبلة عن محمد بن يحيى الصيرفي عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

قال المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ص ٢٨٣ ط المرتضوي بعد نقل الحديثين : وفي الفقيه أيضا بعض الاخبار ولكنها لا تصلح لتخصيص القرآن العزيز؟؟؟ القطعي لعدم صحة سندها فان محمد ابن المستنير غير معلوم الحال وفي الرواية الثانية محمد بن الحسين المشترك مع عدم العلم بطريق الشيخ اليه ، ويحيى بن المبارك المجهول وعبد الله بن جبلة الواقفي ووجود محمد بن يحيى الصيرفي قال في الاستبصار انه كان عاميا مع قصور في الدلالة أيضا الى آخر ما أفاده وقد أجاد وتعجب من ابن إدريس وصاحب مجمع البيان فراجع.

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٨ الرقم ١٤١٦ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٨ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ٧ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري وفي نسخة الوسائل اشتباه حيث ذكر الراوي محمد بن المستنير وانما هو سلام بن المستنير ، ومحمد بن المستنير هو الراوي للحديث الماضي الحديث ١ من الباب المذكور في الوسائل.

وقريب من الحديث مع تفاوت ما في العياشي ج ١ ص ٩٩ الرقم ٢٨٠ عن سلام بن المستنير وحكاه في البحار ج ٢١ ص ٧٣ والبرهان ج ١ ص ٢٠٥.

(٢) الكافي ج ١ ص ٣٠٧ باب النفر من منى الحديث ١٠ وهو طويل وهو في المرآة ـ

٢٢٥

في قول الله عزوجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) يعني من مات فلا إثم عليه (وَمَنْ تَأَخَّرَ) أجله (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) الكبائر لكن الرّواية ضعيفة ، وكونه بعيدا عن الظاهر فلذا لم يعتبره الأصحاب وحملوها على ما تقدّم.

وهل يعتبر في اتقاء الصّيد اتّقاؤه إلى وقت النفر فقط؟ الظاهر ذلك ، فانّ

__________________

ـ ج ٣ ص ٣٤٨ والوافي الجزء الثامن ص ١٨٨ وروى الشطر الذي نقله المصنف هنا في الفقيه ج ٢ ص ٢٨٨ الرقم ١٤٢٠ وحكاه في الوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ١٠ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري.

وحيث ان الحديث فيه فوائد جمة حتى عبر عنه بعض الاعلام بالحديث الشريف ننقله بتمامه كما في الكافي : على بن إبراهيم عن أبيه وعلى بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سأل رجل أبى بعد منصرفه من الموقف فقال أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال أبى ما وقف بهذا الموقف عبد (احد خ ل) الا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا الا انهم في مغفرتهم على ثلث منازل : مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأعتقه من النار ، وذلك قوله عزوجل (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ومنهم من غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وقيل له أحسن فيما بقي من عمرك ، وذلك قوله عزوجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) يعنى من مات قبل أن يمضي فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى» الكبائر.

واما العامة فيقولون فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه يعني في النفر الأول ومن تأخر فلا اثم عليه ، يعنى لمن اتقى الصيد ، أفترى أن الصيد يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عزوجل (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) وفي تفسير العامة معناه «فإذا حللتم فاتقوا الصيد».

وكافر وقف هذا الموقف زينة الحيوة الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ان تاب من الشرك فيما بقي من عمره ، وان لم يتب وفاه (وافاه خ ل) أجره ولم يحرمه أجر هذا الموقف ، وذلك قوله عزوجل (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) انتهى ـ

٢٢٦

الشّرط إنّما هو الاتّقاء إلى زمان النفر الأوّل لا بعده ، ويظهر من الطّبرسيّ اعتبار اتّقائه إلى انقضاء النفر الأخير ، وفيه بعد فإنّه بعد حصول النفر منه في الأوّل لو لم يتّق الصيد في ثاني الحال لم يبطل نفره إجماعا.

__________________

ـ حديث الكافي.

وللمحدث الكاشاني بيان في الوافي للحديث يعجبنا نقله قال قدس‌سره :

بيان : يعنى من مات قبل أن يمضي يعني إلى أهله فلا اثم عليه لخروجه من ذنبه بحجه ومن تأخر يعنى تأخر موته فلا اثم عليه يعني في بقية عمرة إذا اتقى الكبائر يعني لمن اتقى الصيد أي في بقية عمره ، فإنكاره عليه‌السلام هذا التفسير لا ينافي ما مضى وما يأتي من تفسيره عليه‌السلام الاتقاء باتقاء الصيد لانه عليه‌السلام فسره فيما مضى باتقائه إياه إلى النفر الأخير ، ولم يفسر في شيء منها باتقائه إياه بقية عمرة كما قالته العامة.

وكلما فسر الاتقاء بالصيد ونحوه من محرمات الإحرام فالمراد بالتعجيل والتأخير التعجيل والتأخير في النفر ولمن اتقى متعلق بالجملتين معا يعني أنهما سواء للمتقي وكلما فسر بالكبائر والذنوب فالمراد بهما تعجل الموت وتأخره ولمن اتقى متعلق بالجملة الأخيرة.

ثم قال قدس‌سره والاختلاف في تأويلهم المتشابه ليس بمستنكر لان القرآن ذو وجوه انتهى.

وقال المجلسي عند شرح الحديث في المرآة بعد استبعاد قولهم الاتقاء بقية العمر وتفسير الاتقاء باتقاء الصيد ولم ينقل عنهم ذلك : ولعله قال به بعضهم في ذلك الزمان ولم ينقل أو غرضه عليه‌السلام انه يلزمهم ذلك وان لم يقولوا به انتهى ما أردنا نقله.

ثم أقول : ومما يؤكد مفاد هذا الحديث الشريف في معنى الآية الحديث الذي رواه العياشي ج ١ ص ٩٥ بالرقم ٢٥٧ عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر ورواه في البحار ج ٢١ ص ٤٠ والبرهان ج ١ ص ٢٠٠ وما رواه في ص ٩٩ بالرقم ٢٧٩ عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله ورواه في البحار ج ٢١ ص ٧٣ والبرهان ج ١ ص ٢٠٥ في معنى الآية انه يرجع مغفورا له لا ذنب له. ـ

٢٢٧

وقد يستدلّ له بما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح (١) قال ينبغي لمن تعجّل في يومين أن يمسك عن الصّيد حتّى ينقضي اليوم الثّالث ، ولا دلالة لها على ذلك بوجه نعم فيها دلالة على أنّ الصّيد الّذي حرّم بسبب الإحرام إنّما يرتفع تحريمه عن الّذي نفر في الأوّل بانقضاء اليوم الثالث من أيّام التّشريق ، وإن أحلّ من جميع المحرّمات غيره وإلى هذا يذهب ابن الجنيد وفي الأخبار دلالة عليه أيضا :

روى الشيخ عن (٢) معاوية بن عمّار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام من نفر في النفر الأوّل متى يحلّ له الصّيد قال إذا زالت الشمس من اليوم الثالث ، وروى حمّاد بن عثمان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أراد النفر في النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصّيد حتّى ينفر النّاس الحديث.

وحمل أمثال هذه الرّوايات على الصّيد الحرميّ بعيد عن ظاهرها ، وإنما ظاهرها الصّيد الإحرامي ، وقد أوضحنا ذلك في شرح الدّروس ، وحيث حكمنا بأنّ المتّقى للصّيد والنساء يجوز له النفر في الأوّل ، فالمراد به من اتّقى منهما مطلقا أي عمدا وسهوا وجهلا كما هو الظاهر من اتّقائهما ، لترتّب الكفّارة على ذلك في الصّيد هذا.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٩ الرقم ١٤٢٤ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٨ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ٥ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٩١ الرقم ١٧٥٩ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٧ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٩٠ الرقم ١٧٥٨ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٧ والوسائل الباب ١١ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣ ص ٣٧٣ ج ٢ ط الأميري.

والحديث كذلك :

محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن حماد عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال إذا أصاب المحرم الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول ومن نفر في النفر الأول فليس له ان يصيب الصيد حتى ينفر الناس وهو قول الله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ). (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) ، قال اتقى الصيد.

٢٢٨

ومقتضى الآية جواز النفر في الأوّل أيّ وقت شاء لإطلاق التعجيل في اليومين وهو يحصل في اليوم الثاني قبل الزّوال وبعده ، لكن أصحابنا أوجبوا كونه بعد الزّوال وقبل الغروب ، فلا يجوز عندهم النّفر الأوّل في اليوم الثاني قبل الزّوال للأخبار الدالّة عليه كصحيحه معاوية بن عمّار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتّى تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق وهو النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت ، قبل الزّوال أو بعده الحديث.

وصحيحة أبي أيّوب (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّا نريد أن نتعجّل السير وكانت

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٣٠٧ باب النفر من منى الأول الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٨ وفي التهذيب ج ٥ ص ٢٧١ الرقم ٩٢٦ رواه عن الكليني وللحديث في الكتابين ذيل لم يذكره المصنف وفي الاستبصار ج ٢ ص ٣٠٠ الرقم ١٠٧٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٨٧ الرقم ١٤١٤ نقل الحديث الى ما حكاه المصنف وفي الفقيه بعده وهو بالرقم ١٤١٥ في النسخة المطبوعة بالنجف :

وسمعته يقول في قول الله عزوجل (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) فقال اتقى الصيد حتى ينفر أهل المني في النفر الأخير.

وروى حديث الفقيه في المنتقى ج ٢ ص ٥٨٩ وحديث الكليني والشيخ في ص ٥٩٦ والظاهر أن مراد المصنف هنا حديث الشيخ والقرائن تدل عليه فهو اعتراف منه بصحة ما في سنده إبراهيم بن هاشم كما اخترناه ونبهنا عليه مرارا ، وصرح العلامة بحديث الشيخ وحكم بصحته في المنتهى ج ٢ ص ٧٧٦ والمختلف الجزء الثاني ص ١٤٢ وكذا حكم بصحة الحديث من غير عزو في التذكرة ج ١ ص ٣٩٦ ثم الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٦ والوسائل الباب ٩ من أبواب العود إلى منى الحديث ٢ ص ٣٧٢ ج ٢ ط الأميري.

(٢) الكافي ج ١ ص ٣٠٧ باب النفر من منى الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٨ وفي التهذيب ج ٥ ص ٢٧١ الرقم ٩٢٧ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠٠ الرقم ١٠٧٤ وللحديث ذيل لم يذكره المصنف ولم يروه في الاستبصار وهو :

فان الله عزوجل يقول (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ـ

٢٢٩

ليلة النفر حين سألته ـ فأيّ ساعة ننفر؟ فقال لي : أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتّى تزول الشمس ليلة النفر ، وأمّا اليوم الثالث فإذا ابيضّت الشمس فانفر على بركة الله الحديث ونحوهما من الأخبار الدالّة على ذلك ، وهي مقيّدة لظاهر الآية.

ولا ينافيها رواية زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لا بأس أن ينفر الرّجل في النفر الأوّل قبل الزوال ، ورواية أبي بصير (٢) سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينفر في النفر الأوّل ، قال : له أن ينفر ما بينه وبين أن تصفرّ الشمس. لأنّهما غير واضحتي الصحّة (٣) فلا يعارضان ما تقدّم ، وحملهما الشيخ على المضطرّ جمعا بين الأخبار وهو جيّد.

__________________

ـ وروى الحديث في المنتقى ج ٢ ص ٥٩١ بلفظ الكافي ثم قال : وروى الشيخ هذا الحديث بإسناده عن محمد بن يعقوب ببقية الطرق وفي المتن أما اليوم الثاني فلا تنفر وفيه فانفر على كتاب الله والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٧ والوسائل الباب ٩ من أبواب العود إلى منى الحديث ٣ ص ٣٧٢ ط الأميري.

قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد : ولا يضر وجود على بن الحكم وان كان هو ابن أخت داود ابن النعمان بقرينة نقله عن داود لانه غير مذموم ومؤيده ويحتمل كونه الثقة لثبوت نقل احمد بن محمد عنه وعدم ثبوت نقله عن غير الثقة وعدم ثبوت نقله عن ابن أخت داود ولا اشتراك أبي أيوب لأن الظاهر انه الخزاز الثقة وكأنه لبعض ما تقدم ما سمى في المنتهى بالصحة ولا يضر انتهى.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٧٢ الرقم ٩٢٨ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠١ الرقم ١٠٧٥.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٧٢ الرقم ٩٣١ والفقيه ج ٢ ص ٣٨٨ الرقم ١٤٢١ وتمام الحديث فان هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر وليبت بمنى حتى إذا أصبح فطلعت الشمس فينفر متى شاء.

(٣) قلت وفي الباب حديث صحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله المروي في التهذيب ج ٥ ص ٢٧٤ الرقم ٩٣٣ والكافي ج ١ ص ٣٠٧ باب النفر من منى الأول الحديث ٦ والفقيه ج ٢ ص ٢٨٩ بالرقم ١٤٢٥ و ١٤٢٦ قال لا بأس ان ينفر الرجل في النفر الأول ـ

٢٣٠

ولا يرد أنّه إذا جاز الرّمي قبل الزّوال ، فليجز النفر قبله أيضا بعد الرمي لعدم الفائدة في التوقّف سواه وجواز الرّمي قبل الزّوال معلوم من الأخبار الدالّة على أنّ زمان الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها وقد تظافرت في ذلك ، وهو المشهور بين الأصحاب.

بل كاد أن يكون إجماعا ، إذ لم يعرف فيه مخالف سوى الشيخ في الخلاف وقد وافق عليه في أكثر كتبه ، وما دلّ عليه من صحيحه معاوية بن عمّار (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : ارم كلّ يوم عند زوال الشمس محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلّة لأنّ الحكم بكون النفر ذلك الوقت لا يتوقّف على عدم صحّة الرمي قبله ، بل هو تعبّد من الشّارع غير معلوم العلّة ، يجب العمل بمقتضاه.

وقد وافقنا على كون النفر الأوّل بعد الزّوال الشافعيّ لأنّه لا يجوّز الرمي إلّا بعد الزّوال ، ومعلوم أنّه لا يجوّز النفر الأوّل إلّا بعد الرمي وأبو حنيفة وإن جوّز

__________________

ـ ثم يقم بمكة.

وزاد في الفقيه : كان ابى عليه‌السلام يقول من شاء رمى الجمار ارتفاع النهار ثم ينفر قال فقلت له الى متى يكون رمى الجمار فقال من ارتفاع النهار الى غروب الشمس ومن أصاب الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول وهو في المنتقى ج ٢ ص ٥٩٠.

وهذا الحديث ان لم يختص بالنفر الأول فهو كالنص للشمول له لان مبدء الكلام وآخره متعلق به وقد يحتمل احاديث جواز النفر قبل الزوال على حمل الثقل ففي الفقيه ج ٢ ص ٢٨٨ بالرقم ١٤٢٢ وروى الحلبي انه سئل عن رجل ينفر في النفر الأول قبل ان تزول الشمس فقال لا ولكن يخرج ثقله ان شاء ولا يخرج هو حتى تزول الشمس.

(١) الكافي ج ١ ص ٢٩٧ باب رمى الجمار في أيام التشريق الحديث ١ والتهذيب ج ٥ ص ٢٦١ الرقم ٨٨٨ والاستبصار ج ٢ ص ٢٩٦ الرقم ١٠٥٧ رواه الشيخ عن الكليني والحديث في المرآة ج ٣ ص ٣٣٨ ورواه في المنتقى عن الكليني ج ٢ ص ١٦٢ وفي الوافي الجزء الثامن ص ١٦٢ وترى اجزاء الحديث في الوسائل أبواب رمى جمرة العقبة من ص ٣٤٦ الى ص ٣٤٩ ج ٢ ط الأميري.

٢٣١

الرمي قبل الزّوال وبعده إلّا أنّه جوّز النفر الأوّل قبل طلوع الفجر ، فإذا طلع الفجر لزم التأخير إلى تمام الأيّام الثلاثة.

وظاهر الآية حجّة عليه ، لظهور أنّ التعجيل في اليومين إنّما يكون بعد الدّخول في الثاني مع أنّه يستلزم ترك الرّمي في اليوم الثاني ، إلّا أنّه (١) يجوّزه في اللّيل كما في صورة الخوف والعذر.

وإنّما اعتبرنا كونه قبل الغروب لأنّه لو غربت عليه الشمس لم يجز له النفر حينئذ ووجب عليه أن يبيت اللّيلة الثالثة ويرمي يومها كما دلّت عليه الأخبار المعتبرة الاسناد المتظافرة في ذلك وهو مقيّدة لظاهر الآية أيضا ، والأولى أن يؤخّر النفر إلى اليوم الثالث ، ليفوز بعبادة كاملة في منى تمام الأيّام ، ولا مانع من أن يقع التخيير بين الفاضل والأفضل كما قاله في الكشاف (٢) يقول : إن أعلنت الصدقة فحسن وإن أسررت فحسن أيضا مع أنّ الإسرار أحسن وأفضل (٣).

(وَاتَّقُوا اللهَ) بالاجتناب عن معاصيه ، والتباعد عنها فيما يستقبل من الزّمان

__________________

(١) في نسخة سن : وفيه أنه.

(٢) الكشاف ج ١ ص ٢٥٠ ط دار الكتاب العربي.

(٣) وفي حاشية لملا سراب على زبدة البيان أتحفنا الأستاد مدرسى چهاردهى مد ظله : الترتيب المناسب لظاهر قانون العطف تقديم الاسرار هيهنا وتقديم الأفضل في النفر ، الا أن يؤيد خلاف القانون المشهور أمر آخر وهو هيهنا الترتيب الوجودي لكن يمكن رعاية ترتيب الوجود مع مخالفتها لظاهر قانون العطف ان كان الدليل الخارج داعيا عليها ولا يمكن الاستدلال هيهنا بمحض الترتيب لاحتمال موافقة الترتيب الوجودي لظاهر القانون.

وكان الداعي على هذا التنزيل بعض الروايات ولا يبعد الاستدلال على أفضلية النفر الأخير بما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال لا بأس بأن ينفر الرجل في النفر الأول ثم يقيم بمكة ، لأن الظاهر من سلب البأس عن الأول مع ظهور القائل به هو رجحان الثاني انتهى.

قلت قد مر حديث جميل منا قبيل ذلك في ص ٢٣٠.

٢٣٢

وفيه حثّ على ملازمة التقوى فيما بقي من عمره ، وتنبيه على مجانبة الاغترار بالحج السابق.

(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء بعد الإعادة من قبوركم ، وأصل الحشر الجمع وضمّ المتفرّق ، والمحشر المكان الّذي يجتمعون فيه ، وفي الآية ترهيب من فعل المعاصي وترغيب في الطاعات وقد مرّ نظيرها مرارا.

السابعة : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (١) (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) علمان للجبلين المعروفين بمكّة قريبان من المسجد الحرام وهما الآن ركنان معروفتان هناك ، والصفا في اللّغة صخرة ملساء وعن الأصمعيّ المروة أحجار بيض برّاقة يقدح منها النار ، الواحدة مروة.

(مِنْ شَعائِرِ اللهِ) جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه ومتعبّداته.

(فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ) قصده لأداء المناسك المعلومة (أَوِ اعْتَمَرَ) زار البيت للعمل المخصوص أخذا من الاعتمار وهو الزّيارة (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أصل الطواف الدوران حول الشيء ، وليس بمراد هنا بل المراد السعي بينهما (٢).

ولعلّ نفي الجناح في الآية لا ينافي الوجوب لما قيل إنّ إساف كان على الصفا ونائلة على المروة وهما صنمان يروى (٣) أنّهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما ، فلما طالت المدّة عبدا من دون الله فكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأصنام تحرّج المسلمون الطواف بينهما لذلك فنزلت.

__________________

(١) البقرة : ١٥٨.

(٢) وفي سن : وقد يطلق على التردد بين الشيئين ويعبر عنه بالسعي وهو المراد.

(٣) انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج ٩ ص ٢٢ وليس مسخ الزانيين مأثورا عن المعصوم وانما هو حكاية عن بعض فلا تغفل.

٢٣٣

وروى أصحابنا أنّه (١) سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السّعى بين الصفا والمروة أفريضة أو سنة؟ قال فريضة ، قلت : أو ليس إنّما قال الله عزوجل (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) قال ذلك في عمرة القضاء إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام بين الصفا والمروة فتشاغل رجل حتّى انقضت الأيّام فأعيدت الأصنام ، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أي وعليهما الأصنام.

فعلى هذا ليس المراد من رفع الجناح التخيير بين الفعل والترك كما فهمه جماعة من العامة (٢) وحكموا بأنّه تطوّع مندوب إليه لا أنّه واجب لأنّ نفى الجناح [إنّما يدلّ على رفع الحرج والإثم ، وظاهر أنّ ما لا حرج ولا إثم في فعله يدخل تحته الواجب

__________________

(١) انظر الكافي ج ١ ص ٢٨٥ باب السعي بين الصفا والمروة الحديث ٨ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٢٨ ورواه في التهذيب عن الكليني ج ٥ ص ١٤٩ الرقم ٤٩٠ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٤٠ والوسائل الباب ١ من أبواب السعي الحديث ٦ ص ٣٢٩ ج ٢ ط الأميري.

وقريب منه في العياشي ج ١ ص ١٤٩ الرقم ١٣٣ ونقله في البحار ج ٢١ ص ٥٤ والبرهان ج ١ ص ١٧٠ وقريب منه ما في المجمع ج ١ ص ٢٤٠.

(٢) لكن جمهورهم على كونه واجبا وركنا واليه ذهب مالك والشافعي وإسحاق وهو قول عائشة وعروة وعند الحنفية والكوفيين أنه واجب يجبر بالدم ، وبه قال الحسن البصري وقتادة وسفيان الثوري ، وقال أنس وابن الزبير ومحمد بن سيرين انه تطوع ونقله في الخلاف والمغني عن ابن عباس وأبى بن كعب أيضا ونقله البيضاوي عن ابن عباس واختلف الرواية عن احمد كهذه الأقوال الثلاثة.

وقد أغرب الطحاوي فقال قد اجمع العلماء على انه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجه قد تم وعليه دم والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمهور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه وقال ابن العربي ان السعي ركن في العمرة بالإجماع وانما الخلاف في الحج.

٢٣٤

والمندوب والمباح ثمّ يمتاز كلّ واحد من الثلاثة بقيد زائد ، فاذن ظاهر الآية] (١) إنّما يدلّ على الجواز الداخل في معنى الوجوب كما يقتضيه سبب النّزول فلا يدفعه (٢).

وقد انعقد إجماع أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم على أنّ ذلك على الوجوب ورووه عن أئمّتهم (٣) الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، الّذين هم أعرف بظاهر القرآن وباطنه ، ومحكمه ومتشابهه ، إذ هم مهبط الوحي ومعدن التنزيل.

وكما ذهب أصحابنا إلى وجوبه فقد ذهبوا إلى ركنيّته وبطلان الحجّ بتركه وقد تظافرت أخبارهم بذلك أيضا.

وقد اختلف العامّة القائلون بوجوبه ، فمنهم من اقتصر على الوجوب كأبي حنيفة بل أوجب بتركه الدّم ، ومنهم من زاد على ذلك كونه ركنا يبطل الحجّ بتركه عمدا وهم المالكيّة والشافعيّة : واستدلّ لهم صاحب الكشاف والبيضاوي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤)

__________________

ـ انظر تفصيل ما تلوناك في الخلاف ج ١ ص ٤٠٥ المسئلة ٤٠ من أبواب الحج والمنتهى ج ٢ ص ٧٠٦ والتذكرة ج ١ ص ٣٦٦ وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٣٣ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ٣٨٨ ونيل الأوطار ج ٥ ص ٥٤ وفتح الباري ج ٤ ص ٢٤٤ وشرح الزرقانى على موطإ مالك ج ٢ ص ٣١٧.

(١) ما بين العلامتين من زيادات سن.

(٢) وفي سن : كما يقتضيه سبب النزول ، فلا بد من معرفة كونه واجبا من دليل آخر.

(٣) انظر الوسائل ج ٢ ص ٣٢٩ ط الأميري ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٥٨ والوافي الجزء الثامن ص ١٤٠ ونور الثقلين ج ١ من ص ١٢١ الى ص ١٢٤ والبرهان ج ١ ص ١٦٩ وص ١٧٠ والبحار ج ٢١ من ص ٥٣ الى ٥٥.

(٤) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٠٨ ط دار الكتاب العربي والبيضاوي ط المطبعة العثمانية ص ٣٣ وفي الشاف الكاف المطبوع ذيل الكشاف أنه أخرج الحديث الطبراني عن ابن عباس والشافعي وأحمد وإسحاق والطبراني والدارقطنى والحاكم عن حبيبة بنت أبى تجراة والطبراني والبيهقي عن تملك العبدرية.

قلت والحديث في الأم ج ٢ ص ٢١١ وسنن البيهقي ج ٥ ص ٩٨ وانظر طرق الحديث في الدر المنثور ج ١ ص ١٦٠ ومعاجم الصحابة ترجمة برة وتملك وحبيبة بنات؟؟؟ أبى تجراة ـ

٢٣٥

«اسعوا فانّ الله كتب عليكم السعي» أي فرضه عليكم «بينهما» وأجيب بأنّ قصارى

__________________

ـ ولم يتحقق أنهن ثلاث أو ثنتان أو واحدة ، وفيض القدير ج ٢ ص ٢٤٩ عند شرح الحديث بالرقم ١٧٦٦ من الجامع الصغير وفتح الباري ج ٤ ص ٢٤٤ وفيه ذكر إخراج ابن خزيمة أيضا للحديث.

ثم أبو تجراة على ما في الفتح بكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء مهملة ثم هاء وفي الإصابة ترجمة حبيبة ج ٤ ص ٢٦٠ الرقم ٢٦٨ ان الدارقطنى ضبطها بفتح المثناة من فوق وفي تاج العروس ج ١ ص ٥١ لغة (ج زء) مزجا بالقاموس : (وحبيبة) ويقال مصغرا (بنت ابى تجراة بضم التاء) الفوقية (وسكون الجيم) مع فتح الهمزة وفي بعض النسخ بسكونها العبدرية (صحابية) روت عنها صفية بنت شيبة.

وفي ج ١٠ منه ص ٧٢ لغة (ج ري) مزجا بالقاموس : (وحبيبة بنت ابى تجراة) العبدرية بالضم (ويفتح أوله صحابية) روت عنها صفية بنت شيبة (أو هي بالزاي مهموزة ، وقد ذكرت في الهمز ويقال حبيبة بالتشديد مصغرا انتهى.

ثم في الباب أحاديث أخر من أهل السنة تدل على وجوب السعي كحديث أبى موسى أخرجه البخاري في باب من أهل في زمن النبي (ص) كإهلال النبي (ص) وهو في ج ٤ ص ١٦٠ فتح الباري وفيه فأمرني أي النبي (ص) فطفت بالبيت وبالصفا والمروة قال ابن حجر في شرحه وفي رواية شعبة طف بالبيت وبالصفا والمروة.

وكحديث خذوا عنى مناسككم وسيأتي مصادره عند تمسك المصنف به.

وكحديث عائشة أخرجه مسلم وهو في شرح النووي ج ٩ ص ٢١ وفيه قالت : ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة.

وقد تواتر الاخبار بسعيه (ص) بل في الآية أيضا دليل على الوجوب حيث جعل الصفا والمروة من شعائر الله وقد عرفت من المصنف معنى شعائر الله وانها اعلام مناسكه ومتعبداته.

قال الأزهري الشعائر المقامة التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليها وقال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله وقال الزجاج في شعائر الله يعنى بها ـ

٢٣٦

ما دلّ عليه الحديث الوجوب أمّا الركنيّة فلا (١) وردّ بأنّه إذا كان فرضا عليهم في الحجّ لم يكن التارك له آتيا بالواجب على وجهه ، فلا يخرج عن العهدة.

ولا يرد أنّه جار في صورة النّسيان ، لأنّ الإجماع هناك دلّ على حصول الامتثال فتأمّل.

(وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) أي فعل طاعة فرضا كانت أو نفلا ، أو المراد أنّه تطوّع بخير زائد على ما وجب عليه من حجّ أو عمرة أو طواف وغيره ، فلا ينافي ذلك وجوب السعي كما تقدّم.

وقد يستفاد من ذلك جواز السّعي زيادة على الواجب كما يجوز ذلك في الطواف وهو غير معهود بين أصحابنا ، نعم لو زاد في السّعي شوطا سهوا وذكر بعد إكمال الثامن فإنّه يستحبّ له إكمال ستّة أخرى ليحصل له سعيان ، ولا يشرع استحباب السعي إلّا هنا ، أمّا تكراره ابتداء كما في الطّواف فغير جائز عندهم ، لعدم تعبّد الشّارع بمثله ، فإثبات استحبابه تشريع. ولعلّ إطلاق الآية في ذلك محمولة على ما ورد التطوّع به من العبادات الّتي يستحبّ تكرارها غير السعي على ما علم من خارج.

(فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) فيجازيه على ما تطوّع به ، ولا يضيع سعيه ، وعبّر بلفظ الشاكر تلطّفا بعباده (٢) ومظاهرة في الإحسان والأنعام إليهم كما قال عزوجل : (مَنْ

__________________

ـ جميع متعبدات التي أشعرها الله اى جعلها اعلاما. انظر في ذلك اللسان (ش ع ر) فهو مطلوب جزما وهو معنى الوجوب وقد عرفت ان السر في التعبير بنفي الجناح تخطئة من ينكر كونه من الشعائر.

(١) وفي حاشية ملا محمد سراب على زبدة البيان التي أتحفنا الأستاذ مدرسى چهاردهى : الظاهر من وجوبه كونه من الاجزاء الواجبة للحج لا كونه واجبا خارجا عنه كوجوب الاجتناب عن الصيد فإذا كان من الاجزاء الواجبة له بقوله (ص) فالظاهر عدم تحقق الحج الذي طلبه الشارع بدونه وهو المقصود من الدلالة على الركنية انتهى.

(٢) وفي تفسير المنار ج ٢ ص ٤٦ هنا بيان يعجبنا نقله قال : والنكتة في اختيار هذا التعبير تعليمنا الأدب فقد علمنا سبحانه وتعالى أدبا من أكمل الآداب بما سمي إحسانه ـ

٢٣٧

ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) والله سبحانه لا يستقرض عن عوز ولكن ذكر هذا اللفظ على التلطّف ، أي يعامل عباده معاملة المستقرض من حيث إنّ العبد ينفق ماله في الطاعة حال غناه ، فيأخذ أضعاف ذلك في حال فقره وحاجته ، فكذلك كان يعامل عباده معاملة الشاكرين من حيث أنّه يوجب الثناء والثواب لهم.

وإرداف ذلك بالعلم للتّنبيه على أنّه تعالى لا يفوّت على أحد شيئا من جزائه على الطاعة ، فإنّه لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيعلم بالنيّات ، وأنّ الافعال على أيّ وجه يقع بها.

الثامنة : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) أي الكعبة ، غلب عليها كما غلب النجم على الثريّا (مَثابَةً

__________________

ـ وانعامه على العاملين شكرا لهم. مع أن عملهم لا ينفعه ولا يدفع عنه ضرا فيكون أنعاما عليه ويدا عنده ، وانما منفعته لهم فهو في الحقيقة من نعمه عليهم إذ هداهم اليه وأقدرهم عليه.

فهل يليق بمن يفهم هذا الخطاب الا على أن يرى نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى وهو لا يشكره ولا يستعمل نعمه فيما سيقت لأجله ، ثم هل يليق به أن يرى بعض الناس يسدي إليه معروفا ثم لا يشكره له ولا يكافئه عليه ، وان كان هو فوق صاحب المعروف رتبة وأعلى منه طبقة فكيف وقد سمى الله تعالى جده وجل ثناؤه أنعامه على من يحسنون إلى أنفسهم والى الناس شكرا والله الخالق وهم المخلوقون وهو الغنى الحميد وهم الفقراء المعوزون انتهى ما أردنا نقله.

(١) البقرة : ٢٤٥ والحديد : ١١.

(٢) البقرة : ١٢٥.

٢٣٨

لِلنَّاسِ) مرجعا لهم يثوبون إليه كلّ عام ، أي ليس هو مرّة على النّاس في الزّمان أو المراد أنّه لا ينصرف عنه أحد وهو يرى أنّه قد قضى منه وطرا ، فهم يعودون إليه قال أبو جعفر عليه‌السلام : يرجعون إليه لا يقضون وطرا (١).

وقد يستدلّ به على استحباب تكرار الحجّ ، مرّة بعد أخرى ، وقد تظافرت الأخبار (٢) بذلك. وفي بعضها أنّ من رجع من مكّة (٣) وهو ينوى الحجّ من قابل زيد في عمره ، ومن خرج وهو لا ينوي العود إليها فقد قرب أجله ، أو المراد أنّه موضع ثواب لهم يثابون على حجّه واعتماره ، ومثابة مفعلة وأصلها مثوبة من ثاب يثوب مثابة ومثابا إذا رجع فنقلت حركة الواو إلى الثاء ثمّ قلبت على ما قبلها.

(وَأَمْناً) وموضع أمن لا يتعرّض لأهله بما يوجب الإيذاء كقوله (حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (٤) لما جعل الله في نفوس العرب من تعظيمه حتّى كانوا لا يتعرّضون لمن كان فيه ، فهو آمن على نفسه وماله ، وإن كانوا يتخطّفون من حوله.

__________________

(١) انظر التبيان ج ١ ص ١٥٤ ط إيران.

(٢) انظر الوسائل الباب ٤٦ من أبواب وجوب الحج ج ٢ ص ١٥٠ ط الأميري وص ١٠ ج ٢ مستدرك الوسائل وفي خلال سائر الأبواب أيضا ما يدل على ذلك.

(٣) انظر الوسائل الباب ٥٨ من أبواب وجوب الحج ج ٢ ص ١٥٣ ط الأميري وفي التهذيب ج ٥ ص ٤٦٢ بالرقم ١٦١٢ عن أبى خديجة قال كنا مع أبى عبد الله عليه‌السلام وقد نزلنا الطريق فقال ترون هذا الجبل ثافلا ان يزيد بن معاوية لعنهما الله لما رجع من حجه مرتحلا الى الشام ثم أنشأ يقول.

إذا تركنا ثافلا يمينا

فلن نعود بعده سنينا

للحج والعمرة ما بقينا

فأماته الله قبل أجله ، ومثله فيه بالرقم ١٥٤٦ ومثله في الفقيه ج ٢ ص ١٤٢ الرقم ٦١٥ وثافل اسم جبل قيل انه بين مكة والشام على يمين الراجع من مكة إلى الشام قال ياقوت جبلان يقال لأحدها ثافل الأكبر وللآخر ثافل الأصغر.

(٤) العنكبوت : ٦٧.

٢٣٩

وقد يستدلّ به على أنّه لا يجوز التعرّض للجاني في غيره إذا التجأ إليه ، ولا يقام عليه الحدود وهو كذلك عند أصحابنا ، فإنّهم يذهبون إلى أنّ الحرم كلّه مأمن الخائف الملتجئ إليه لا يقام عليه فيه شيء من الحدود ، وقال الشّافعي إنّ الامام يأمر بالتضيّق عليه بما يؤدّي إلى خروجه ، فإذا خرج أقيم عليه الحدّ في الحلّ ، فان لم يخرج جاز قتله فيه ، وكذلك من قاتل في الحرم جاز قتاله فيه ، وعند أبي حنيفة لا يستوفى قصاص النفس في الحرم إلّا أن ينشئ القتل فيه ، ولكن يضيّق الأمر عليه ، ولا يكلّم ولا يطعم ولا يعامل ، حتّى يخرج فيقتل ، وسلّم أنّه يستوفى منه قصاص الطرف ، وعند أحمد لا يستوفى من الملتجئ واحد من القصاصين ، والأصحّ ما ذهب إليه أصحابنا لإطلاق الأمن إلّا أن يقال : مقتضى الآية كون البيت أمنا لا الحرم ، ومع هذا ففي استفادة الحكم من ظاهر الآية تأمل إذ يجوز أن يكون المراد أنّه أمن من عذاب الآخرة أو لا يتعرّض له بالخراب ولا لأهله بالأذى ، نعم يتمّ ذلك بمعونة ما يدلّ عليه من الأخبار بحيث يظهر منها أنّه المقصود من الآية وقد مرّ نظيره سابقا.

(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) على إرادة القول أي وقلنا اتّخذوا منه موضع صلاة تصلّون فيه ، و «من» هذه تجريديّة نحو رأيت منك أسدا ، أو عطف على المقدّر عاملا لإذ ، أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره توبوا إليه واتّخذوا ، على أنّ الخطاب لامّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى أو المعنى أنّا لمّا شرّفناه ووصفناه بكونه مثابة للنّاس وأمنا فاتّخذوه أنتم قبلة لأنفسكم على أنّ الواو بمعنى الفاء كما قيل] (١).

قال الطبرسيّ في مجمع البيان استدلّ أصحابنا به على أنّ صلوه الطواف فريضة مثل الطواف لأنّ الله تعالى أمر بذلك وظاهر الأمر يقتضي الوجوب ، ولا صلاة واجبة عند مقام إبراهيم غير صلاة الطّواف بلا خلاف ، قلت وعلى الوجوب أكثر أصحابنا وهو المشهور فيما بينهم ، ونقل ابن إدريس عن شذاذ منهم الاستحباب ، وعلى الوجوب الشافعيّ في أحد قوليه وجماعة من العامّة ، وأكثرهم على الاستحباب ، ويدلّ على الوجوب

__________________

(١) من مختصات نسخة سن.

٢٤٠