مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

وإنّما سقطت التنوين ومثلها أذرعات في قول امرئ القيس (١).

تنوّرتها من أذرعات وأهلها

__________________

ـ وحمزة ويشبه الألف التي قبلها بالفتحة التي قبل هاء التأنيث فيمنعها حينئذ الصرف فيقول هذه مسلمات مقبلة وعلى هذا بيت امرئ القيس «تنورتها من أذرعات» وقد أنشدوه من أذرعات بالتنوين وقال الأعشى :

فخيرها أخو عانات شهرا

ورجى خيرها عاما فعاما

وعلى هذا ما حكاه سيبويه من قولهم هذه قرشيات غير منصرفة انتهى.

وأنت خبير بأنه يستنبط من قوله «واعلم أن من العرب» أنهم لم يذهبوا إلى شيء من هذا كله بالقياس من غير أن ينقلوه ويسمعوه من الاعراب المحتج بعربيتهم ، وان كان التعليل للوارد والتماس السبب ، وعانات في شعر الأعشى موضع بالجزيرة اليه ينسب نوع من الخمر وفي المحكم لابن سيدة ج ٢ ص ٥٩ قال سيبويه وقالوا أذرعات بالصرف وغير الصرف شبهوا التاء بهاء التأنيث ولم يحفلوا بالحاجز لانه ساكن والساكن ليس بحاجز حصين.

(١) تنورتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي

البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي من قصيدة طويلة لامية عدتها ستة وخمسون بيتا وهي من عيون شعره ومطلعها :

الأعم صباحا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

وأنشده في المجمع ج ١ ص ٢٩٥ والتبيان ج ١ ص ٢١٨ ط إيران وفتح القدير ج ١ ص ١٧٧ وتفسير القرطبي ج ٢ ص ٣١٤ واللسان ج ٨ ص ٩٧ ط بيروت (ذرع) ومقاييس اللغة ج ٥ ص ٣٦٨ (ن ور) والحموى في معجم البلدان ج ١ ص ١٣١ ط بيروت عند شرح أذرعات والبكري في سمط اللآلي ص ٣٥٩ وجامع الدروس العربية ج ٢ ص ٢٣٦ وشروح الألفية عند شرح قول ابن مالك :

وما بتا وألف قد جمعا

يكسر في الجر وفي النصب معا

كذا أولات والذي اسما قد جعل

كاذرعات فيه ذا أيضا قبل

وهو الشاهد بالرقم ٣٣ من شرح الاشمونى ج ١ ص ٦٦ وفي حاشية الصبان ج ١ ص ٩٤ ـ

٢٠١

فإنّ أكثر الرّوايات بالتّنوين ، وقد يروى مكسورا بغير تنوين ، ويظهر من

__________________

ـ وشرح ابن عقيل ج ١ ص ٧٦ والتصريح ج ١ ص ٨٣.

واستشهد به المحقق الرضى في شرح الكافية عند شرح أقسام التنوين ج ١ ص ١٤ ط حاج محرم افندى وهو من شواهد سيبويه في الكتاب ج ٢ ص ١٨ وشرحه القزويني ج ٢ ص ١٦٩ الرقم ٤٣٥ من شرح شواهد المجمع والبغدادي في الخزانة ج ١ ص ٣٧ شرح الشاهد الثالث والعيني في شرح شواهده.

واستشهد به المرزوقي في شرح الحماسة عند شرح البيت ٩٩ من أبيات الحماسة ج ١ ص ٣١٠.

قوله عم صباحا هذه الكلمة تحية عند العرب يقولون عم صباحا. وعم مساء وعم ظلاما وعم فعل أمر ، ماضيه وعم ، مثل وصف ، وذهب قوم الى أن عم مقتطع من أنعم وأجازوا عم صباحا بفتح العين وكسرها. والطلل ما شخص من آثار الدار ، والبالي من بلى الثوب من باب تعب خلق ، والعصر بضمتين لغة في العصر وهو الدهر ، والخالي الماضي.

وتنورتها أى نظرت الى نارها من بعيد ، وهذا تحزن وتمن منه ، وليس يعتقد أنه رآى بعينه شيئا ، وانما أراد رؤية القلب ، قاله ابن قتيبة ، وجوز أرباب البديع في الإغراق من المبالغة أن يكون نظرا بالعين حقيقة ، قالوا لا يمتنع عقلا أن يرى من أذرعات من الشام نارا حبته وكانت بيثرب مدينة النبي (ص) على بعد هذه المسافة على تقدير استواء الأرض وأن لا يكون ثم حائل من جبل أو غيره مع عظم جرم النار وان كان ذلك ممتنعا عادة.

وأذرعات بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء كأنه جمع أذرعة جمع ذراع جمع قلة كورة البثينة من كور دمشق أخذها يزيد بن ابى سفيان بالصلح على ما في شرح شواهد المجمع وفي معجم البلدان هو بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان ، تنسب اليه الخمر ونقل عن الحافظ أبى القاسم أنه مدينة بالبلقاء.

وقال الفراء الذراع أنثى ويجمع ويقال ثلاث أذرع وبعض عكل يقول هذا ذراع فيذكره قال وينبغي أن يجمع على اذرعة ولا أراهم سموا أذرعات الا بجمعه مذكرا وينسب إلى أذرعات أذرعى بفتح الراء المهملة.

ويثرب بفتح الياء آخر الحروف وسكون الثاء ذات الثلاث وكسر الراء بعدها باء موحدة ـ

٢٠٢

الكشّاف (١) أنّها منصرفة لعدم التأنيث المعتبر في أصل منع الصرف ، حيث قال فان قلت : هلا منعت الصرف وفيها السّببان التعريف والتأنيث؟ قلت لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء الّتي في لفظها وإمّا بتاء مقدّرة كما في سعاد فالّتي في لفظها ليست للتّأنيث وإنّما هي مع الألف الّتي قبلها علامة جمع المؤنّث ، ولا يصحّ تقدير التاء فيها لأنّ هذه التّاء لاختصاصها بجمع المؤنّث مانعة من تقديرها ، كما لا يقدّر تاء التأنيث في بنت لأنّ التّاء

__________________

ـ مدينة النبي (ص) سميت باسم الذي نزلها من العماليق فلما نزلها رسول الله سماها طيبة وطابة كراهية للتثريب ، نقل عن ابن عباس أنه قال من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله ثلاثا وأما قوله يا أهل يثرب فحكاية عمن قاله من المنافقين.

وأدنى دارها نظر عال : أى كيف أراها وأدنى دارها نظر مرتفع ، والعالي بمعنى المرتفع كما في المصباح وقيل معناه أقرب مكان من دارها بعيد فكيف بها ودونها نظر عالي.

و «أدنى» مبتدأ على حذف مضاف ، و «نظر عال» خبره على حذف مضاف أيضا تقدير ذلك «ناظر ادنى دارها نظر عالي» أو «أدنى» مبتدء وبعده مضاف محذوف خاصة تقديره : «أدنى نظر دارها» و «نظر» خبره وهذا أقل حذفا من الأول.

قال البغدادي : قال أبو على في الإيضاح الشعرى ولا يجوز أن يكون «نظر» خبر «ادنى» لانه ليس به لأن «أدنى» أفعل تفضيل ، وأفعل لا يضاف الا الى ما هو بعض له فوجب أن يكون بعض الدار وبعض الدار لا يكون النظر فاما أن يحذف المضاف من النظر أي أدنى دارها ذو نظر واما أن يحذف من الأول أي «نظر ادنى دارها نظر عالي» ليكون الثاني الأول انتهى.

وقال القزويني لو كانت الرواية نظرا بالنصب لكان أولى إذ لا حاجة الى الإضمار كما لا يخفى.

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٤٦ ط دار الكتاب العربي قال المحقق الرضى ج ١ ص ١٤ بعد نقله ذلك عن جار الله : وفيما قاله نظر لان عرفات مؤنث ، وان قلنا أنه لا علامة للتأنيث فيها : لا متمحضة للتأنيث ولا مشتركة ، لأنه لا يعود الضمير إليها إلا مؤنثا تقول هذه عرفات مباركا فيها ولا يجوز مباركا فيه الا على تأويل بعيد كما في قوله «ولا أرض أبقل إبقالها» فتأنيثها لا يقصر عن تأنيث مصر الذي هو بتأويل البقعة انتهى.

قلت وجملة «هذه عرفات مباركا فيها» نقلها سيبويه عن العرب واستدل بها على كون عرفات معرفة! انظر الكتاب ج ٢ ص ١٨ وما افاده المحقق الرضى كلام متين حري أن يكتب بالنور على خدود الحور.

٢٠٣

الّتي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنّث كتاء التأنيث فأبت تقديرها انتهى ويظهر من ذلك جواز الأمرين فيها.

وقد اختلف في سبب تسمية الموقف المعلوم بعرفات (١) فقيل لأنّ إبراهيم عليه‌السلام وصفت له أوّلا فلما رآها قال عرفت ، وقيل إنّ آدم وحوّا اجتمعا فيه فتعارفا بعد أن افترقا ، وقيل لأنّ الناس كانوا يتعارفون هناك ، وقيل كان جبرئيل عليه‌السلام يري إبراهيم عليه‌السلام المناسك فيقول عرفت ، وقيل إنّ إبراهيم رآى ذبح ولده ليلة الثامن فأصبح يروّي يومه أجمع أي يفكّر في أنّه أمر من الله أولا فسمّى ذلك اليوم يوم التروية ثمّ رأى اللّيلة الّتي بعدها فلمّا أصبح عرف أنّه من الله ، وقيل سمّيت بذلك لعلوّها وارتفاعها ومنه عرف الدّيك لارتفاعه ، وقيل لأنّ آدم اعترف بذنبه هناك.

وفي الآية دلالة على وجوب الوقوف بعرفة ، حيث كانت الإفاضة منها واجبة ، والإفاضة فرع الكون فيها ، وفيه نظر. واحتجّ البيضاوي على وجوب الوقوف بها بأنّ الإفاضة لا يكون إلّا بعد الوقوف ، وهي مأمور بها بقوله (ثُمَّ أَفِيضُوا) والأمر للوجوب ، وهو مبنيّ على أنّ المأمور به الإفاضة من عرفات ، واحتمال إرادة إفاضة المشعر قائم كما سيجيء أو أنّها مقدّمة للذكر المأمور به في قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) والأمر للوجوب ، فتكون واجبة ، ويتمّ المطلوب.

وردّ بأنّا لا نسلّم وجوب الذكر في المشعر الحرام ، وإنّما يجب الوقوف فقط فلا يتمّ ما ذكرتم ، وأجيب بأنّ مقتضى الأمر الوجوب والعدول عنه يحتاج إلى دليل واضح ، ولو سلّمنا فلنا أن نقرّر وجوب الإفاضة بوجه آخر هو أنّ تقدير الكلام «فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام ، واذكروا الله تعالى فيه» وإذا دلّ الدليل على أنّ الذكر مستحبّ غير واجب أخرجناه من الظاهر ، وبقي الآخر يتناوله الظاهر

__________________

(١) انظر المجمع أيضا ج ١ ص ٢٩٥ وفي الحديث المروي في الفقيه ج ٢ ص ١٢٧ الرقم ٥٤٦ أنه سميت عرفة عرفة لأن جبرئيل عليه‌السلام قال لإبراهيم هناك اعترف بذنبك واعرف مناسكك فلذلك سميت عرفة ، وقريب منه ما رواه في علل الشرائع الباب ١٧٣ ج ٢ ص ١٢١ ط قم وفيه فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه‌السلام اعترف فاعترف.

٢٠٤

فيتمّ المطلوب بأن نقول الإفاضة مقدّمة الكون بالمشعر الحرام ، وهو واجب فتكون واجبة ، ومنه يلزم وجوب الوقوف بعرفة.

وفيه نظر فانّ ذلك إنّما يتمّ أن لو كان الأمر بالذكر مطلقا لكنّه هنا مشروط بالإفاضة ، فهو بمثابة قولك إذا ملكت النصاب فزكّ ، في أنّه لا يجب تحصيل النصاب وإن توقّف الزكاة عليه إذ الأمر بها لم يقع مطلقا.

ولو قيل الدليل على وجوب الوقوف بالمشعر على الإطلاق قائم فيجب مقدّمته لقلنا الكلام في استفادة الوجوب من الآية وإلّا فلا يرتاب في وجوب الوقوف بعرفة وأنّها ركن الحجّ كما علم من الإجماع والأخبار.

ويراد من الذكر التهليل والتسبيح والدعاء ونحوه وقيل المراد به صلاة العشائين هذا ، ولا يذهب عليك أنّ أصحابنا مختلفون في وجوب الذكر عند المشعر الحرام ، وقد أوجبه القاضي ابن البرّاج حيث عدّ من أقسام الواجب الذكر لله تعالى والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الموقفين معا وهو الظاهر من كلام الحسن بن أبي عقيل ، واختاره جماعة من الأصحاب نظرا إلى ظاهر الأمر في الآية الكريمة وما رواه محمّد بن حكيم (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلحك الله الرّجل الأعجميّ والمرأة الضعيفة يكون مع الجمّال الأعرابيّ ، فإذا أفاض بهم من عرفات مرّ بهم كما هم إلى منى ولم ينزل جمعا بهم ، قال : أليس قد صلّوا بها؟ فقد أجزأهم ، قلت : فان لم يصلّوا ، قال فذكروا الله فيها فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم ونحوها رواية أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام وفيها أنّه يكفيه اليسير من الدعاء.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٣ الرقم ٩٩٥ والاستبصار ج ٢ ص ٣٦٠ الرقم ١٠٩٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٨٣ الرقم ١٣٩٠ والكافي ج ١ ص ٢٩٥ باب ١٦٩ من جهل ان يقف بالمشعر الحديث ١ وهو في المرآة ج ٢ ص ٣٣٦ وفي الوافي الجزء الثامن ص ١٥٩ والوسائل الباب ٢٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣ ص ٣٤٥ ج ٢ ط الأميري.

(٢) لفظ الحديث هكذا : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ان صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة فقال يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة ، قلت فإنه لم يخبرهما أحد حتى كان ـ

٢٠٥

ولكنّ المشهور بين الأصحاب استحباب الذكر وحملوا الأمر في الآية على الاستحباب لما في بعض الأخبار من عدم الوجوب كرواية ابن جذاعة (١) عن الصّادق عليه‌السلام رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتّى أفاض النّاس قال يجزيه وقوفه ، أليس قد صلّى بعرفات الظهر والعصر ، وقنت ودعا؟ الحديث ، ورواية زكريا الموصلي قال (٢) سألت العبد الصّالح عليه‌السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه قبل أن يذكر الله بشيء أو يدعو ، فقال لا أرى عليه شيئا ، وقد أساء فليستغفر الله أما لو صبر لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا و

__________________

ـ اليوم ، وقد نفر الناس قال فنكس رأسه ساعة ثم قال أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت بلى قال أليس قد قنتا في صلوتهما؟ قلت بلى قال قد تم حجهما ثم قال المشعر من المزدلفة والمزدلفة من المشعر ، وانما يكفيهما اليسير من الدعاء.

رواه في الكافي ج ١ ص ٢٩٥ باب ١٦٩ من جهل أن يقف بالمشعر الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٣٦ قال المجلسي «من المزدلفة» لفظة من اما للابتداء أى لفظ المشعر مأخوذ من المكان المسمى بالمزدلفة وكذا العكس أو للتبعيض أى لفظ المشعر من أسماء المزدلفة أي المكان المسمى بها وبالعكس ، وعلى التقديرين المراد أن المشعر الذي هو الموقف مجموع المزدلفة لا خصوص المسجد ، وان كان يطلق عليه.

وروى الحديث في التهذيب عن الكليني ج ٥ ص ٢٩٣ الرقم ٩٩٤ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠٦ الرقم ١٠٩٢.

وحكاه في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٩ والوسائل الباب ٢٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٧ ص ٣٤٦ ط الأميري.

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٨٦ الرقم ٦١٣ وتمام الحديث «قلت بلى قال فعرفات كلها موقف وما قرب من الجبل فهو أفضل» والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٥ والوسائل الباب ١٦ من أبواب الإحرام للحج والوقوف بعرفات الحديث ٢ ص ٣٣٨ ج ٢ ط الأميري

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٨٤ الرقم ٦١٤ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٥ والوسائل الباب ١٦ من أبواب الإحرام للحج والوقوف بعرفات الحديث ٣.

٢٠٦

نحوهما وفي دلالتهما على الاستحباب نظر مع قطع النظر عن ضعف إسنادهما (١) فإنّ الأولى دلّت على أنّ الصلاة والقنوت يكفي وظاهر أنّه لا يراد من الذكر سوى ذلك.

ولو قيل الصلاة والقنوت إنّما كانا بعرفات والمقصود وجوبه في المشعر ، فلا دلالة فيه عليه ، قلنا لا مانع من أن يكون الذكر هناك مجزيا عن هذا الذكر ، على أنّ

__________________

(١) أما الحديث الأول ففي طريقه جعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام وجعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة ليس له ذكر في كتب الرجال لا رجال الشيعة ولا رجال أهل السنة فهو مجهول بالمرة وقد صرح الأردبيلي في تصحيح الأسانيد ضعف طريق الشيخ الى عامر بن جذاعة في المشيخة والفهرست انظر ص ٧٣٤ مستدرك الوسائل ج ٣ وكذا ص ٤٩٨ ج ٢ جامع الرواة.

وأما عامر بن عبد الله بن جذاعة والحق أنه مع عامر بن جذاعة واحد ، ينسب تارة إلى أبيه ومرة الى جده فقد ورد في حقه روايتان في إحداهما أنه حواري الإمامين الهمامين الباقر والصادق وفي الأخرى دعاء الامام الصادق عليه بعدم المغفرة وليس لنا ما يوجب الوثوق بإحدى الروايتين فتتعارضان وتتساقطان فيبقى حال الرجل عندنا مجهولا.

انظر تنقيح المقال ج ٢ ص ١١٤ و ١١٦ ومجمع الرجال للقهبائي ج ٣ ص ٢٣٧ ـ ٢٣٩ وإتقان المقال ص ١٩٧ وص ٣٠٣ ومنهج المقال ١٨٦ ومنتهى المقال ١٦٧ ورجح العلامة البهبهاني وثاقته والشيخ محمد طه نجف ضعفه والحق عندي التوقف في حقه فالحديث الأول ضعيف كما أفاده المصنف.

وأما الحديث الثاني ففي سنده محمد بن خالد الطيالسي عن أبي يحيى زكريا الموصلي عن العبد الصالح وطريق الشيخ إليه في التهذيب صحيح صرح به الأردبيلي في تصحيح الأسانيد انظر المستدرك ج ٣ ص ٧٤٣ وجامع الرواة ج ٢ ص ٥١٤.

أما محمد بن خالد الطيالسي فعده الشيخ في رجال الكاظم ص ٣٦٠ الرقم ٢٦ وفي من لم يرو عنهم ص ٤٩٣ الرقم ١١ وص ٤٩٩ الرقم ٥٤ وذكره في الفهرست ص ١٧٦ الرقم ٦٤٨ وذكره النجاشي في ص ٢٦١ ط المصطفوى وص ٢٤٠ ط بمبئى ، ولم يذكروا في حقه مدحا ولا قدحا إلا أنّهما (الشيخ والنجاشي) ذكرا رواية على بن الحسن بن فضال وسعد بن عبد الله ومحمد بن على بن محبوب عنه ورواية حميد بن زياد عنه أصولا كثيرة. ـ

٢٠٧

الرواية وردت مطلقة في الوقوف فيجوز أن يكون أراد به وقوف عرفة فلا ينافي وجوب الذكر في المشعر الحرام بدليل آخر فتأمّل ، والأخرى دلّت على أنّه لا شيء عليه ، وقد أساء وهو لا ينافي الوجوب ، فإنّه لا يراد منه سوى تعلّق الإثم بتركه من غير أن يكون له دخل في الصحّة ، وحينئذ فيسلم ظاهر الآية عن المعارضة.

فإن قيل : هذا إنّما يتمّ لو أريد من الذكر ما ذكرتم واحتمال إرادة الصّلوة

__________________

ـ ونقل الأردبيلي في ج ٢ ص ١١٠ من جامع الرواة رواية معاوية بن حكيم واحمد بن محمد بن عيسى أيضا عنه وعليه فرواية الأجلاء الثقات عنه ورواية حميد بن زياد عنه أصولا كثيرة مما يوجب لنا الثقة بهذا الرجل والاعتماد على ما يرويه ولعله لأجل ذلك سرده الشيخ محمد طه نجف في إتقان المقال ص ٢٢٧ في القسم الحسان.

وأما زكريا الموصلي فهو أبو يحيى كوكب الدم وعنونه الشيخ قدس‌سره في أصحاب الصادق عليه‌السلام ص ٢٠٠ بالرقم ٧٥ فقال زكريا أبو يحيى كوكب الدم وفي ص ٢٠١ بالرقم ٨٤ أبو يحيى الموصلي وفي أصحاب الكاظم ص ٣٥٠ الرقم ٧ زكريا كوكب الدم وفي أصحاب الرضا باب الكنى ص ٣٩٦ بالرقم ١٢ أبو يحيى الموصلي.

وعنونه الكشي على ما في مجمع الرجال ج ٣ ص ٥٧ في ما روى في زكريا أبي يحيى الموصلي كوكب الدم من أصحاب الرضا ثم قال : حمدويه عن العبيدي عن يونس قال : أبو يحيى الموصلي لقبه كوكب الدم كان شيخا من الأخيار قال العبيدي أخبرني الحسن بن على بن يقطين أنه كان يعرفه أيام أبيه له فضل ودين.

ومثله في رجال الكشي المطبوع بالنجف ٥٠٤ الرقم ٥٠١ الا انه ليس فيه من أصحاب الرضا وعن ابن الغضائري على ما في مجمع الرجال زكريا أبو يحيى كوكب الدم كوفي ضعيف روى عن أبى عبد الله ونقل المامقاني في تنقيح المقال ج ١ ص ٤٤٩ أن في نسخة مصححة عنده من ابن الغضائري ليس فيه أنه كوفي.

وسرده العلامة في القسمين وتوقف في حقه في كلا الموضعين انظر الخلاصة ص ٧٥ الرقم ٥ وص ٢٢٤ الرقم ٢ وسرده ابن داود أيضا في القسمين ص ١٦٠ الرقم ٦٣٢ وص ٤٥٤ الرقم ١٨٣ وضعفه في القسم الثاني ثم قال وثقه الكشي وغيره قلت ولم نعثر على توثيق غير الكشي إياه.

٢٠٨

قائم فلا يتمّ القول بوجوب الذكر ، قلنا الظاهر من الذكر ما قلناه ، وهو يشمل الذكر في الصلاة وغيرها وحمله على الصلاة خلاف الظاهر ، على أنّ المطلوب يتمّ بذلك أيضا لحصول الذكر فتأمّل فيه.

والمشعر الحرام هو المزدلفة سميت مشعرا لأنّه معلم للحجّ والصلاة والمقام والمبيت به ، وسميت مزدلفة (١) لأنّ جبرئيل عليه‌السلام قال لإبراهيم عليه‌السلام بعرفات ازدلف إلى المشعر الحرام ، وسمّي جمعا لأنّه يجمع فيه بين العشائين بأذان واحد ، والمشعر

__________________

ـ وسرده الشيخ محمد طه نجف في إتقان المقال في القسم الثقات في ص ٦٣ وفي باب الكنى ص ١٥٤ وفي القسم الضعفاء ص ٢٨٣ والظاهر أن تردده في حقه من أجل عدم صراحة ما في الكشي في التوثيق ولا يخفى عليك كفاية ما رواه عن يونس والحسن بن على بن يقطين وقد كانا معاصري زكريا والشاهد يرى ما لا يرى الغائب وابن الغضائري كالغائب مع كثرة ابتلائه بجرح البرءاء وتضعيف الثقات مع عدم ذكره سبب الضعف.

فالذي يقوى عندي عده فيمن يقبل روايته وفي تنقيح المقال عده في الوجيزة ممدوحا وعده في الحاوي في فصل الحسان ثم ان احتمال تعدد الرجل كما عن العلامة قدس‌سره بعيد غاية البعد.

فتلخص مما ذكرنا أن الحكم بضعف الحديث الثاني كما ضعفه المصنف ضعيف ، وأن الأقوى عده مما يعتمد عليه سواء سميناه على اصطلاح أهل الدراية صحيحا أو حسنا أو غيرهما.

نعم ما أفاده ثانيا من ضعف الدلالة على الاستحباب لما فيه من التعبير بالاسائة والأمر بالاستغفار تام لا غبار عليه فالذي ينبغي أن يختار في المسئلة هو ما اختاره المصنف من وجوب الذكر بالمشعر كما اختاره أبو الصلاح وابن البراج على ما حكاه العلامة في المختلف الجزء الثاني ص ١٢٨ وص ١٢٩.

(١) هكذا رواه في الفقيه ج ٢ ص ١٢٧ الرقم ٥٤٦ عن أبى الحسن وعلل الشرائع الباب ١٧٦ ج ٢ ص ١٢١ ط قم عن أبى عبد الله ومثله في المجمع ج ١ ص ٢٩٥ من غير عزو. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات ج ٣ ص ١٥٠ : وسميت المزدلفة لازدلاف الناس إليها أي اقترابهم وقيل لاجتماع الناس بها وقيل لاجتماع آدم وحواء وقيل لمجيء الناس إليها في زلف من الليل.

٢٠٩

قيل هو جبل في ذلك الموضع يسمّى قزح (١) وهو الجبل الّذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة أي كان توقد النار هناك في الجاهليّة ، وقيل هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرنة (٢) إلى وادي محسّر (٣) وليس المأزمان ولا وادي محسّر منه. قال في الكشاف (٤) والصحيح أنّه الجبل لما روى جابر أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لما صلّى الفجر يعنى بالمزدلفة بغلس

__________________

(١) قزح بضم أوله وفتح ثانيه وحاء مهملة بلفظ قوس السماء الجبل الذي عند الموقف لا ينصرف لانه معدول معرفة.

(٢) المأزمان بفتح الميم الاولى وهمزة ساكنة وكسر الزاي موضع بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين يفضى آخره الى بطن عرنة وعرنة بوزن همزة قال الأزهري بطن عرنة واد بإزاء عرفة وقيل بطن عرفة مسجد عرفة والمسيل كله ، وفي المستند للنراقى ج ٢ ص ٢٤٦ واد بعرفات قاله المطرزي وقال السمعاني واد بين عرفات ومنى وقيل عرينة بالتصغير انتهى ما في المستند.

ثم المأزمان مهموز مثنى قاله عياض قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات ج ٣ ص ١٤٨ الذي ذكرته من كونه مهموزا لا خلاف فيه بين أهل اللغة والحديث والضبط ، لكن يجوز تخفيفها بقلب الهمزة ألفا كما في رأس وشبهه ولا يصح إنكار من أنكر على المتفقهين ترك الهمزة ونسبهم الى اللحن بل هو غالط ، فان تخفيف هذه الهمزة جائز باتفاق أهل العربية فمن همز فهو على الأصل ومن لم يهمز فهو على التخفيف فهما جائزان فصيحان.

(٣) محسر بالضم ثم الفتح وكسر السين المشددة وراء واد بين منى ومزدلفة ليس من منى ولا مزدلفة هذا هو المشهور ، وقيل موضع بين مكة وعرفة ، وقيل بين منى وعرفة وليس من منى وفي المستند للنراقى ج ٢ ص ٢٤٩ : قال والدي العلامة قدس‌سره في المناسك المكية ما ترجمته : ابتداء وادي محسر بالنسبة الى من يذهب من المشعر إلى منى انتهاء المشعر وهو موضع بين جبلين في عرض الطريق فيها أحجار منصوبة ينحدر الأرض ومنه الى أربعين وخمسمائة ذراع داخل في وادي محسر انتهى ما في المستند.

(٤) انظر الكشاف ص ٢٤٦ ج ١ ط دار الكتاب العربي والمراد بحديث جابر الحديث الطويل الذي رواه مسلم وأبو داود في صفة حج النبي (ص) مفصلا وغيرهما مختصرا انظر التاج لمنصور على ناصف ج ٢ من ص ١٤٠ الى ص ١٤٥.

٢١٠

ركب ناقته حتّى أتى المشعر الحرام فدعا وكبّر وهلّل ولم يزل واقفا حتّى أسفر ، ومعنى عند المشعر الحرام ما يليه ويقرب منه ، فإنّه أفضل ، وإلّا فالمزدلفة كلّها موقف.

هذا إن جعل المشعر عبارة عن قزح ، ولو جعل عبارة عن مجموع ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر أعني المزدلفة كلّها ففي لفظة «عند» تجوّز.

(وَاذْكُرُوهُ) كرّر الأمر بذكره للإشارة إلى أنّ الإنسان ينبغي أن يكون محافظا على ذكره لا يتركه في شيء من الأوقات ، ومعناه اذكروه بالثناء والشكر (كَما هَداكُمْ) كما علّمكم ، أو اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك وغيرها ، فما مصدريّة أو كافّة.

(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) قبل الهدى (لَمِنَ الضَّالِّينَ) الجاهلين الّذين لا يعرفون كيف يذكرونه ويعبدونه ، وإن هي المخفّفة من الثقيلة بدلالة اللّام ، فإنّها تلزمها وتفرق بينها وبين النافية أو الشرطيّة وقيل إنّها نافية واللام بمعنى إلّا كقوله (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (١).

الرابعة : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).

(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات إليها والخطاب عامّ ، والكلام معطوف على مقدّر أي أفيضوا من عرفات ، فإذا أفضتم منها إلخ ثمّ أفيضوا من حيث إلخ فتكون ثمّ على حقيقتها لما في التراخي الزماني بين الإفاضتين.

ويكون فيها دلالة على وجوب الوقوف بالمشعر ، لأنّ الإفاضة إنّما يكون بعد الوقوف فيه ، ووجوب نزول منى ، والمراد بالناس آدم وإبراهيم وإسماعيل عليهم‌السلام وغيرهم

__________________

(١) الشعراء : ١٨٦.

(٢) البقرة : ١٩٩.

٢١١

من الأنبياء السالفة والأمم الماضية ، ويؤيّده قراءة (١) من قرأ «الناس» بالكسر أي الناسي يعني آدم عليه‌السلام من قوله (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٢) يعني أنّ الوقوف بالمشعر الحرام والإفاضة منه إلى منى شرع قديم ، فلا تغيّروه.

وقيل : المراد الإفاضة من عرفات وعلى هذا أكثر المفسّرين ، ورواه معاوية بن عمّار

__________________

(١) القراءة نقلها في الكشاف ج ١ ص ٢٤٧ ط دار الكتاب العربي والبيضاوي ص ٤٣ ط العثمانية ونثر المرجان ج ١ ص ٢٨٣ وكنز العرفان ج ١ ص ٣٠٧ وعزاها في الخازن ج ١ ص ١٢٩ الى سعيد بن جبير وفي تفسير النيشابوري ج ١ ص ٢١٥ ط إيران وتفسير الإمام الرازي ج ٥ ص ١٩٩ عن الزهري أن الناس في هذه الآية آدم واحتج بقراءة سعيد بن جبير من حيث أفاض الناس بكسر السين اكتفاء من الياء بالكسرة.

وفي تفسير الناس في الآية حديث رواه في روضة الكافي ص ٢٤٤ ط الآخوندى بالرقم ٣٣٩ وهو في المرآة ج ٤ ص ٣٥٦ يناسب لنا نقله ، ونقله في قلائد الدرر أيضا ج ٢ ص ٦٥ وهو : ابن محبوب عن عبد الله بن غالب عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال سمعت على بن الحسين يقول ان رجلا جاء الى أمير المؤمنين فقال أخبرني ان كنت عالما عن الناس وأشباه الناس وعن النسناس ، فقال أمير المؤمنين يا حسين أجب الرجل.

فقال الحسين عليه‌السلام أما قولك أخبرني عن الناس فنحن الناس ولذلك قال الله تعالى ذكره في كتابه (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) فرسول الله (ص) الذي أفاض بالناس ، وأما قولك أشباه الناس فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منا ولذلك قال إبراهيم عليه‌السلام (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) وأما قولك النسناس فهم السواد الأعظم وأشار بيده الى جماعة الناس ، ثم قال (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) انتهى الحديث ورواه في نور الثقلين ج ١ ص ١٦٤ الرقم ٧١٤ والبرهان ج ١ ص ٢٠١ وروى الإمام الرازي في تفسير سورة النصر ج ٣٢ ص ١٥٦ أنه سئل الحسن بن على عليه‌السلام من الناس؟ فقال نحن الناس وأشياعنا أشباه الناس وأعداؤنا النسناس ، فقبل على عليه‌السلام بين عينيه ، وروى مثله أيضا النيسابوري في تفسير سورة النصر.

(٢) طه : ١١٥.

٢١٢

في الصحيح (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال إذا غربت الشمس في عرفة فأفض مع الناس ، وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار فانّ الله تعالى يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) الحديث ورواه في مجمع البيان (٢) عن الباقر عليه‌السلام أيضا فالخطاب مع قريش الّذين كانوا يترفّعون على الناس في الوقوف ولا يقفون معهم ويتعالون عن أن يساووهم فيه ويقولون نحن قطّان الله وسكّان حرمه ، فلا نخرج منه ، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات فأمروا بأن يساووهم في الموقف وبالإفاضة من عرفات كما يفيض الناس.

وعلى هذا فلفظة «ثمّ» فيها إشارة إلى التراخي الرتبيّ لتفاوت ما بين الافاضتين كقولك : أحسن إلى الناس ثمّ لا تحسن إلى غير كريم ، تأتى بثمّ لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم ، والإحسان إلى غيره ، وبعد ما بينهما ، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال (ثُمَّ أَفِيضُوا) لتفاوت ما بين الإفاضتين في أنّ إحداهما صواب والأخرى خطأ.

كذا في الكشّاف وفيه نظر لعدم تمشّي ما ذكره هنا إذ لا تفاوت بين المتعاطفين فيما نحن فيه فانّ المعطوف عليه هو الإفاضة من عرفات والمعطوف هو الإفاضة منها أيضا نعم التفاوت بين فعلهم وبين ما أمروا به ، وليس ذلك مفاد «ثمّ» ويمكن توجيهه بأنّه قد علم من قوله (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أفيضوا من عرفات إلخ ومن قوله (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ليكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الواقفون بعرفات ولا تكن

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٨٧ بالرقم ٦٢٣ والحديث طويل ورواه في الكافي بسند آخر ذيل حديث روى صدره أيضا في التهذيب بالرقم ٦١٩ والحديث في الكافي باب الإفاضة من عرفات الحديث ٢ ج ١ ص ٢٩٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٢٥ وحكى الحديث صدره وذيله في المنتقى عن التهذيب ج ٢ ص ٥٣٠ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٥ وفي الوسائل الباب ١ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١ و ٢ ص ٣٤٠ وص ٣٤١ ج ٢ ط الأميري.

(٢) راجع مجمع البيان ج ١ ص ٢٩٦.

٢١٣

من المزدلفة كالعرب المترفّعين ، فيكون الأوّل صوابا والثاني خطأ.

ويحتمل على بعد أن يكون الأمر بالذكر دالّا على أنّه بعد الإفاضة فيكون أمرا بالإفاضة على الإطلاق ثمّ قيّدها بقوله (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي على الوجه المشروع ، وفيه تنبيه على أنّ الإفاضة قسمان متفاوتان ، وأنّ التفاوت إنّما نشأ من تقييد المطلق.

فكأنّه قال : أفيضوا! ثمّ لتكن إفاضتكم من عرفات ، ولا تكن من المزدلفة كما يفعله العرب المترفّعون ، وفيه ما فيه ، وقد اعترف صاحب الكشف بأنّ هذا الموضع من أمّهات معاضل الكشّاف.

وعلى هذا الوجه يكون في الآية دلالة على وجوب الوقوف بعرفة ، لأنّ وجوب الإفاضة إنّما يكون بعد كون مّا ، وهو المراد بالوقوف المعتبر المجزئ في الحجّ ، فإنّه مسمّاه وإن كان الواجب هو الكون في جميع الزّمان على ما علم بيانه من الأدلّة.

(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) واطلبوا منه المغفرة لذنوبكم الّتي فعلتموها بالندم على ما سلف منها والعزم على أن لا تقربوها فيما بعد (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) كثير المغفرة (رَحِيمٌ) أي واسع الرحمة ، فيغفر ذنوب التائبين الطّالبين للمغفرة منه ، ويحتمل أن يكون المراد الاستغفار بالمشعر أو في طريقه أو في عرفة كما تشعر به الرّواية السالفة ، وكيف كان فالأمر محمول على الاستحباب ، لعدم ظهور القائل بوجوبه ، ويحتمل أن يكون المراد به الذكر الواجب المفهوم (١) من قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ) وفيه بعد ، ولو حملناه على أنّ المراد التوبة عن المعاصي كما قلناه أوّلا فالأمر للوجوب قطعا ، إذ التوبة عنها واجبة على الفور كما بيّن في محلّه.

الخامسة : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ

__________________

(١) المعهود خ.

٢١٤

خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١).

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) فإذا قضيتم العبادات الحجيّة وفرغتم منها ، والمناسك جمع منسك مصدر نسك ، أطلق على العبادة إطلاق المصدر على المفعول أو بمعناه المصدري أي فعلتم أفعالكم الّتي كانت عبادة ، أو يكون اسم مكان أطلق عليها تجوّزا أو بحذف المضاف أي عبادات مناسككم (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) فأكثروا ذكره تعالى بالغوا فيه كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) منصوب عطفا على كذكركم.

والمعنى أنّ ذكركم لله بعد قضاء المناسك يكون إمّا مساويا لذكر آبائكم أو أشدّ وأكثر وأعلى ذكرا من ذكر الآباء ويحتمل أن يكون مجرورا عطفا على الذّكر بجعل الذكر بمعنى الذاكر على المجاز ، والمعنى واذكروا الله ذكرا كذكر آبائكم أو كذكر أشدّ منه وأبلغ ، أو على ما أضيف إليه بمعنى أو كذكر قوم أشدّ منكم ذكرا.

وقد اختلف في الذكر المأمور به هنا ، فقيل هو التكبير الواقع في منى يوم النحر وأيّام التشريق لأنّه الذكر المرغّب فيه ، والأمر به محمول على الاستحباب كما عليه أكثر الأصحاب لوجود ما ينفى وجوبه من الأخبار ، وقيل إنّ المراد به الذكر مطلقا في تلك الأماكن ، فإنّه فيها أفضل منه في غيرها.

ويؤيّده (٢) ما قيل إنّ قريشا كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم ، ويذكرون أيّامهم القديمة ، وأياديهم الجسيمة ، فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه في مكان ذكرهم في هذا الموضع ، ويزيدوا على ذلك بأن يذكروا

__________________

(١) البقرة : ٢٠٠ ـ ٢٠٢.

(٢) نقله المفسرون ورواه في المجمع ج ١ ص ٢٩٧ عن الباقر عليه‌السلام.

٢١٥

نعم الله سبحانه ، ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعماءه لأنّ آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم ، فنعم الله سبحانه عليهم أعظم ، وأياديه عندهم أفخم وأجسم ، ولأنّه سبحانه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم ، وقيل إنّ معناه فاستعينوا بالله وافزعوا إليه كما يفزع الصبيّ إلى أبيه في جميع أموره ويلهج بذكره.

ثمّ إنّه تعالى فصّل الذّاكرين بين مقلّ لا يطلب بذكر الله إلّا متاع الدّنيا ومكثر يطلب به خير الدارين كما قال (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) أي اجعل إيتاءنا ومنحنا في الدّنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) من نصيب وحظّ لأنّه جعل عطاءه مقصورا على الدّنيا فهو غير مؤمن بالبعث والنّشور ، ويحتمل أن يكون المراد : وماله فيها من طلب خلاق ، وإن كان مؤمنا بالآخرة وبعثها ، ويكون الكلام بمنزلة العتاب لهم من حيث إنّهم سألوا الله في أعظم المواقف وأشرف المشاهد أخسّ البضائع ، وأدون المطالب ، المشبّه تارة بكنيف واخرى بأحقر من جناح بعوضة ، معرضين عن العيش الباقي والنّعيم المقيم ، والمفعول الثّاني في قوله (آتِنا فِي الدُّنْيا) محذوف لأنّه كالمعلوم ، ويحتمل أن يكون نزّل منزلة المتعدّي إلى مفعول واحد ، والمعنى اجعل عطاءنا في الدّنيا خاصّة.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) هي الصحّة والكفاف وتوفيق الخير (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) هي الثواب والرّحمة ، وقيل إنّ الحسنتين نعيم الدّنيا ونعيم الآخرة.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّها المعاش وحسن الخلق في الدّنيا والجنّة في الآخرة رواه الكلينيّ صحيحا عن جميل بن صالح عنه عليه‌السلام (١) وقيل العلم والعبادة في الدّنيا والجنّة في الآخرة ، وقيل المال في الدّنيا وفي الآخرة الجنّة وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال (٢) من اوتي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة

__________________

(١) انظر نور الثقلين ج ١ ص ١٦٦ وص ١٦٧ والبرهان ج ١ ص ٢٠٢ وص ٢٠٣ والمجمع ج ١ ص ٢٩٧.

(٢) رواه في المجمع ج ١ ص ٢٩٨.

٢١٦

تعينه على أمر دنياه وآخرته فقد أوتي في الدّنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقى عذاب النّار ، وعن علىّ (١) عليه‌السلام أنّها المرأة الصّالحة في الدّنيا وفي الآخرة الجنّة.

(وَقِنا عَذابَ النَّارِ) بالعفو والمغفرة أو جنّبنا عن المعاصي المؤدّية إلى النار ويروى عن على عليه‌السلام أنّ عذاب النار امرأة السّوء (٢).

(أُولئِكَ) الدّاعون بالحسنتين وهم الفريق الثاني وقيل هو إشارة إليهما معا (لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) أي من جنسه وهو جزاؤه أو من أجله كقوله (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (٣) والكسب ممّا يناله المرء بعمله ، ومنه يقال للأرباح إنّها كسب فلان أو المراد ممّا دعوا به نعطيهم منه قدر ما يستوجبونه ، بحسب مصالحهم في الدّنيا واستحقاقهم ، وسمّي الدّعاء كسبا لأنّه من الأعمال ، وهي موصوفة بالكسب.

(وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يوشك أن يقيم القيامة ، ويحاسب العباد على أعمالهم فبادروا بإكثار الذّكر وطلب الآخرة بفعل الحسنات ، أو المراد أنّه يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة أو أقلّ ، ولذلك ورد في الخبر أنّه يحاسب الخلق في مقدار حلب شاة ، أو المراد أنّه سريع المجازات للعباد على أعمالهم ، وأنّ وقت الجزاء قريب ، فجرى مجرى قوله (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٤).

وعبّر عن الجزاء بالحساب لأنّ الجزاء كفاء للعمل وبمقداره ، فهو حساب له ، ففي الآية ترغيب على الدّعاء والإكثار من ذكر الله ، وطلب الحوائج منه تعالى للدّنيا والآخرة في المواطن المشرّفة ، وفيها أيضا ترهيب عن فعل المعاصي حيث إنّه تعالى يحاسب العباد على أعمالهم حسنه وقبيحة ، في لمحة واحدة ، ويجازيهم على ما كسبوا ، ومن هذا شأنه فليرهب منه.

وقد يستدلّ بها على أنّه تعالى ليس بجسم وأنّه لا يحتاج في فعل الكلام إلى

__________________

(١) رواه في المجمع ج ١ ص ٢٩٨.

(٢) الكشاف عند تفسير الآية ج ١ ص ٢٤٨ ط دار الكتاب العربي.

(٣) نوح : ٢٥.

(٤) النحل : ٧٧.

٢١٧

آلة لأنّه لو كان كذلك لما جاز أن يخاطب اثنين في وقت واحد مخاطبتين مختلفتين ، ولكان يشغله خطاب بعض الخلق عن خطاب بعضهم ، ولكانت محاسبة الخلق على أعمالهم طويلة.

السادسة : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (١).

(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) وهي أيّام التشريق على ما رواه أصحابنا (٢) صحيحا عن عليّ عليه‌السلام ورواه محمد بن مسلم في الحسن (٣) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال التكبير في أيّام التشريق من صلاة الظهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات ، وقد علم منها أنّ المراد من الذّكر التكبير أيّام منى العيد وأيّام التشريق في دبر الصّلوات الخمس عشرة ، ورواه زرارة في الحسن (٤) أيضا قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) البقرة : ٢٠٣.

(٢) قد مر في ص ١٢٢ تفسير الآية ٢٨ من سورة الحج مصادره فراجع.

(٣) رواه في الكافي ج ١ ص ٣٠٦ باب التكبير أيام التشريق الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٧ ورواه في التهذيب كتاب الصلاة ج ٣ ص ١٣٩ الرقم ٣١٢ وكتاب الحج ج ٥ ص ٢٦٩ الرقم ٩٢٠ وشطرا منه في الاستبصار ج ٢ ص ٢٩٩ الرقم ١٠٦٨.

وذيل الحديث بلفظ الكافي :

فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر.

والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٨٦ وفي قلائد الدرر ج ٢ ص ٨٧ والوسائل الباب ٢١ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ ص ٤٧٢ ط الأميري.

(٤) رواه في الكافي ج ١ ص ٣٠٦ باب التكبير أيام التشريق ، الحديث ٢ وهو في ـ

٢١٨

التّكبير في أيّام التّشريق في دبر الصّلوات فقال بمنى في دبر خمس عشرة صلاة ونحوها من الأخبار.

وقد وافق أصحابنا في ذلك من العامّة مالك والشّافعيّ في أشهر أقواله ، والقول الثاني له أنّه يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة النحر إلى الصّبح من آخر أيّام التشريق فيكون في دبر ثماني عشرة صلاة ، والقول الثّالث له يبتدء به من صلاة الفجر يوم عرفة ويقطع بعد صلاة العصر من يوم النحر ، فيكون التكبير بعد ثمان صلوات ، وإلى هذا

__________________

ـ المرآة ج ٣ ص ٣٤٧ ورواه في التهذيب ج ٣ ص ١٣٩ الرقم ٣١٣ وج ٥ ص ٢٦٩ الرقم ٩٢١ والاستبصار ج ٢ ص ٢٩٩ الرقم ١٠٦٩.

ورواه في الخصال ج ٢ ص ٩٢ أبواب الخمسة عشر والعلل ج ٢ ص ١٣٢ ط قم الباب ١٩٩ وذيل الحديث بلفظ الكافي هكذا :

وفي سائر الأمصار في دبر عشر صلوات وأول التكبير في دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه «الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام» وانما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات لأنه إذا نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل الأمصار عن التكبير وكبر أهل منى ما داموا بمنى الى النفر الأخير انتهى الحديث بلفظ الكافي.

وهو في الوافي الجزء الخامس ص ١٩٩ وفي قلائد الدرر ج ٢ ص ٨٨ والوسائل الباب ٢١ من أبواب صلاة العيد الحديث ٢ ج ١ ص ٤٧٢.

قال في المنتقى بعد نقل الحديثين في ج ١ ص ٥٨٧ والحزازة الواضحة في متن الأخيرين واقعة في عدة نسخ الكافي وفي كتاب الصلاة من التهذيب وأما في كتاب الحج منه ففي متن الأول منهما : «فإذا نفر الناس النفر الأول أمسك أهل الأمصار» وفي متن الثاني «لأنه إذا نفر الناس».

ويقال : ان بعض نسخ الكافي موافق لما في الثاني هذا.

وفي متن الأول في كتاب الصلاة من التهذيب «الى صلاة الفجر «يوم الثالث» وفي الحج «من اليوم الثالث» وفي متن الثاني في الموضعين «وانما في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات التكبير» وهو اختلاف عجيب انتهى ما في المنتقى.

٢١٩

يذهب أبو حنيفة وجماعة من العامّة ، ويردّه أنّ هذه التكبيرات تنسب إلى أيّام التشريق فوجب أن يؤتى بها فيها ، وإن انضمّ معها زمان آخر ، فلا أقلّ من أن تكون هي الأغلب والقول الرّابع يبتدء من صلاة الفجر يوم عرفة ويقطع بعد صلاة العصر من آخر أيّام التشريق ، فيكون عقيب ثلاث وعشرين صلاة وإليه يذهب أحمد وأبو يوسف والمزنيّ وجماعة.

والصّحيح ما يذهب إليه أصحابنا لدلالة الأخبار عليه على ما عرفت ، والأمر محمول على الاستحباب عند أكثر أصحابنا ، وقد يظهر من السيّد المرتضى وجوبه عقيب الصّلوات المذكورة ، ومثله ابن الجنيد ولعلّ دليلهما ظاهر الأمر في الآية ، ويؤيّده ما رواه عمّار السّاباطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن التكبير فقال واجب في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق.

ويردّه أنّ الأمر محمول على الاستحباب لصحيحة عليّ (٢) بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٢٧٠ الرقم ٩٢٣ وأيضا ج ٥ ص ٤٨٨ الرقم ١٧٤٤ والاستبصار ج ٢ ص ٢٩٩ الرقم ١٠٧٠ ورواه في قلائد الدرر ج ٢ ص ٨٨.

ومما يدل على الوجوب أيضا حديث الأعمش المروي في الخصال في حديث شرائع الدين ج ٢ ص ١٥٤ حيث فسر التكبير المأمور به في الآية بهذا التكبير والأوامر القرآنية للوجوب وصرح في نفس الخبر بالوجوب أيضا وكذا في العيون فيما كتبه الرضا إلى المأمون في محض الإسلام وشرائع الدين (عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٢١ ط قم) ففي ص ١٢٥ التصريح بوجوب التكبير في العيدين وكذا في تحف العقول ص ٤٢٢ كل ذلك تراه في الوسائل الباب ٢١ من صلاة العيد الحديث ١٢ ص ٤٧٣ ج ١ ط الأميري فراجع.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٨٨ الرقم ١٧٤٥ وهو في المنتقى ج ١ ص ١٥٤ وفي قلائد الدرر ج ٢ ص ٨٨ وفي الوافي الجزء الثامن ص ١٠٩ وفي الوسائل الباب ٢٢ من أبواب صلاة العيد الحديث ١ ص ٤٧٣ ج ١ ط الأميري وما نقله المصنف صدر الحديث وبعده قال وسألته عن النساء هل عليهن التكبير أيام التشريق؟ قال نعم ، ولا يجهرن ، ومثله في الدلالة على الاستحباب حديث سعيد النقاش المروي بمصادره في ص ٣٣٥ في الجزء الأول من هذا الكتاب عبر فيه بأن التكبير مسنون فراجع.

٢٢٠