مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان متمتّعا فلم يجد هديا فليصم ثلثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله إلى أن قال : وإن كان له مقام بمكّة وأراد أن يصوم السّبعة ترك الصّيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ، ثمّ صام ، ونحوها من الأخبار.

ولو أقام بغيرها هل يجزى مثل ذلك هناك أو متعيّن عليه الانتظار مدّة الوصول؟ ظاهر بعض المتأخّرين الثاني حيث قال إنّما يكفي الشّهر إذا كانت إقامته بمكّة وإلّا تعيّن الانتظار مقدار الوصول إلى أهله ، كيف كان ، اقتصارا على مورد النصّ وتمسّكا بقوله تعالى (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) حملا للرجوع على ما يكون حقيقة أو حكما.

هذا كلامه ، وفيه نظر لأنه إن اقتصر على مورد النصّ لم يجز الصّيام في غير مكّة سواء مضى عليه مقدار الوصول أم لا لتعيّن حمل الرّجوع الواقع في الآية على ما هو المتبادر وهو الرّجوع إلى أهله حقيقة ، خرج عنه بعض الأفراد لدليل فيبقى الباقي وإن لم يقتصر على ذلك جرى فيه ما جرى في المقيم بمكّة مع أنّ الاقتصار على مورد النصّ. أحوط هذا.

ومقتضى الآية الانتقال إلى الصّوم مع عدم وجدان الهدي نفسه ، ولا ثمنه ، فانّ واجد العين أو الثمن واجد في الجملة ، ولا يتحقّق عدم الوجدان على الإطلاق ، إلّا بعدمهما ، ومن ثمّ لم ينقل في العتق إلى الصّوم إلّا بعد فقدان الثّمن أيضا ويؤيّده من الأخبار حسنة حريز (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في متمتّع يجد الثّمن ولا يجد الغنم

__________________

ـ النحر فيكون مفتوح الدال أيضا ، قال في القاموس الصدر الرجوع كالمصدر ، والاسم بالتحريك ، ومنه طواف الصدر ثم قال والصدر محركة اليوم الرابع من أيام النحر ، ويرجح احتمال المصدر أو اسمه موافقة الحكم معه للاخبار المتضمنة لصوم يوم الحصبة ويومين بعده انتهى ما في المنتقى.

والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٧٧ والوسائل الباب ٥٠ من أبواب الذبح ج ٢ ص ٣٦٢ ط الأميري.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧ الرقم ١٠٩ والاستبصار ج ٢ ص ٢٦٠ الرقم ٩١٦ والكافي ـ

١٨١

قال يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشترى له ويذبح عنه ، وهو يجزى عنه ، فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل ، ونحوها ، وعلى هذا أكثر أصحابنا.

وقال ابن إدريس الأصحّ أنّه إذا لم يجد الهدي ووجد ثمنه لا يلزمه أن يخلفه بل الواجب عليه إذا عدم الهدي الصّوم سواء وجد الثمن أو لم يجد محتجّا بأنّ الله تعالى نقلنا من الهدي عند عدمه إلى الصّوم من غير واسطة ، فمن نقلنا إلى ما لم ينقلنا الله إليه يحتاج إلى دليل شرعيّ ، ويؤيّده من الأخبار ما رواه أبو بصير (١) عن أحدهما عليهما‌السلام قال سألته عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتّى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال بل يصوم ، فإنّ أيّام الذّبح قد مضت وأجيب بأنّ وجدان الهدي عبارة عن وجود عينه أو ثمنه ، فالله تعالى لم ينقلنا إلى الصّوم إلّا مع عدم وجدانهما معا ، والرّواية غير واضحة الصحّة ، مع إمكان حملها على من لم يجد الهدي ولا ثمنه ، وبعد الشّروع في الصّوم وجد الثّمن ، فإنّه لا يجب عليه الهدي كما أسلفناه.

وخيّر ابن الجنيد بين الصّوم وتخليف الثّمن عند من يشتريه ، وبين الصّدقة بالوسطى من قيمة الهدي تلك السّنة ، وهو غير واضح الوجه.

وحيث يعتبر في عدم الوجدان عدم الثّمن أيضا فالمعتبر في الثمن أن يكون زائدا

__________________

ـ ج ١ ص ٣٠٤ باب صوم المتمتع الحديث ٦ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٥٧٢ واللفظ في نسخة المنتقى المطبوعة «ويأمر أن يشترى» مكان «من يشترى».

والحديث في المرآة ج ٣ ص ٣٤٦ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٧٤ والوسائل الباب ٤٤ من أبواب الذبح الحديث ١ ج ٢ ص ٣٦٠ ط الأميري.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٧ الرقم ١١١ والاستبصار ج ٢ ص ٢٦٠ الرقم ٩١٨ والكافي ج ١ ص ٣٠٤ باب صوم المتمتع الحديث ٩ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٤٦ وفي الوافي الجزء الثامن ص ١٧٤ والوسائل الباب ٤٤ من أبواب الذبح الحديث ٣ ج ٢ ص ٣٦٠ ط الأميري.

١٨٢

على ضروريّاته عادة ، فلو كان له ثياب التجمّل فالظاهر عدم وجوب بيعها لتحصيله ولو باعها فظاهر الشيخ وجماعة الإجزاء نظرا إلى أنّ الصّوم على ذلك التقدير رخصة والمرخّص لو أتى بالأصل أجزأه ، وللبحث فيه مجال واسع.

(تِلْكَ عَشَرَةٌ) فذلكة الحساب ، وفائدتها عدم توهّم كون الواو بمعنى أو ، كما في جالس الحسن وابن سيرين ، وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا فيحصل علمان وأنّ المراد بالسّبعة العدد دون الكثرة ، فإنّه قد يطلق عليها.

(كامِلَةٌ) صفة للعشرة مؤكّد لها تفيد المبالغة في محافظة العدد أو مبيّنة كمال العشرة فإنّه أوّل عدد كامل ، إذ به تنتهي الآحاد وتتمّ مراتبها ، والّذي رواه الشيخ في التهذيب (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ كمالها كمال الأضحيّة بمعنى أنّ الصّوم تامّ في البدليّة لا ينقص ثوابه من ثواب مبدله الّذي هو الهدي.

(ذلِكَ) إشارة إلى جميع ما تقدّم من أحكام التمتّع ، فانّ ذلك إشارة إلى

__________________

(١) إشارة الى الحديث المروي في التهذيب ج ٥ ص ٤٠ بالرقم ١٢٠ والحديث هكذا : موسى بن القاسم عن محمد بن زكريا المؤمن عن عبد الرحمن بن عتبة عن عبد الله بن سليمان الصيرفي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام لسفيان الثوري ما تقول في قول الله عزوجل : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) أي شيء يعني بكامله؟ قال سبعة وثلاثة قال : ويختل ذا على ذي حجى أن سبعة وثلاثة عشرة؟ قال فأي شيء هو أصلحك الله قال أنظر ، قال لا علم لي فأي شيء هو أصلحك الله؟ قال الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو أتيت بالأضحية تمامها كمال الأضحية انتهى الحديث.

وفي الفقيه مرسلا ج ٢ ص ٣٠٢ بالرقم ١٥٠٤ تلك عشرة كاملة لجزاء الهدى والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٧٥ والوسائل الباب ٤٦ من أبواب الذبح الحديث ٩ ج ٢ ص ٣٦١ ط الأميري.

١٨٣

البعيد ، وهو هنا التمتّع لا وجوب الهدي والصّوم إذا عجز عنه ، فإنّه متوسّط في الكلام ، وقد وافقنا على ذلك جماعة من العامّة وحكم الشافعيّة برجوعه إلى الهدي أو الصّوم مع العجز عنه.

وعلّله القاضي بأنّه أقرب ، وفيه نظر فانّ ذلك إشارة إلى البعيد ، وقد صرّح النّحاة بذلك ، وفصّلوا بينه وبين الرجوع إلى البعيد والمتوسّط في الإشارة فقالوا في القريب ذا وفي المتوسّط ذاك ، وفي البعيد ذلك كما يعلم من كلامهم.

ومقتضى قول الشافعيّة وأضرابهم أنّ التمتّع جائز لأهل مكّة ، ولكن لا يلزمهم الهدي ، ويكون التمتّع بلا هدي عندهم.

[قالوا وإنّما لزم الهدي الآفاقيّ لأنّه كان من الواجب عليه أن يحرم بالحجّ من الميقات ، فلمّا أحرم من الميقات بالعمرة ثمّ أحرم بالحجّ لا عن الميقات كان فيه نقص فجبر بالهدي] (١).

وهو قول الشيخ في الخلاف وأكثر أصحابنا على خلافه لما قلناه ، وللرّوايات الكثيرة الدالّة على ذلك كصحيحة (٢) عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال لا يصلح لأهل مكّة أن يتمتّعوا لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ونحوها من الأخبار ، وعلى هذا فالواجب على أهل مكّة وحاضريها القران أو الإفراد ، فلو تمتّعوا لم يجزهم عن فرضهم ولو أوقعوا التمتّع ندبا لزمهم الهدي أو الصّوم على الوجه السّابق ، وأبو حنيفة وإن أرجع ذلك إلى التمتّع ، وحكم بأنّه لا متعة لحاضري المسجد الحرام إلّا أنّه أوجب الدم جناية لو تمتّعوا ، فلا يجوز الأكل منه ، بخلاف التمتّع من الآفاق ، وكلّ هذا خلاف الظاهر من الآية بل الظاهر ما قلناه.

__________________

(١) ما بين العلامتين من مختصات نسخة سن.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢ الرقم ٩٧ والاستبصار ج ٢ ص ١٥٧ الرقم ٥١٥ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٣٣٢ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ٧٥ والوسائل الباب ٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢ ج ٢ ص ١٦٧ ط الأميري.

١٨٤

(لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وقد اختلف في تحديده فقال الشيخ في النهاية حدّ حاضري المسجد الحرام من كان بينه وبينها ثمانية وأربعون ميلا وهو قول أكثر الأصحاب ، وعليه الشّافعيّة فإنّهم يجعلون ذلك من كان من الحرم على مسافة القصر وهي عندهم هذا المقدار ، وقال الشيخ في المبسوط : حدّ حاضري المسجد الحرام من كان بينه وبين المسجد الحرام اثنى عشر ميلا من كلّ جانب.

والأظهر الأوّل ، ويدلّ عليه صحيحة زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قلت له قول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فقال يعني أهل مكّة ليس لهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن دخل في هذه الآية ، وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة.

قال في القاموس عسفان كعثمان موضع على مرحلتين من مكّة ، وذات عرق بالبادية ميقات أهلها ميقات العراقين وظاهر أنّ المرحلتين أكثر من اثني عشر ميلا ، فبطل ذلك القول.

وقد اعترف المحقّق في المعتبر والشّهيد في الدروس بأنّهما لم يقفا للشيخ في اعتبار الاثنى عشر ميلا على مستند ، قال العلّامة في المختلف : وكأنّ الشيخ نظر إلى أنّ الثمانية والأربعين المذكورة في الرّواية موزّعة على الأربع جهات ، وحينئذ فيختصّ كلّ واحد من الجوانب باثني عشر ميلا وهو بعيد عن ظاهر الرّواية ، ومقتضى الآية عدم إجزاء التمتّع عن أهل مكّة ومن تابعهم إلّا أنّه مخصوص ، بالنّسبة إلى الفرض المتعيّن على المكلّف ابتداء وإلّا فالحجّ المندوب يصحّ عنهم تمتّعا ، ويترتّب عليه الثواب لهم ، ويصحّ من غيرهم قرانا وإفرادا أيضا على ما دلّت عليه الأخبار

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٣ الرقم ٩٨ والاستبصار ج ٢ ص ١٥٧ الرقم ٥١٦ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٣٣٢ وهو في الوافي الجزء الثامن ص ٧٥ والوسائل الباب ٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣ ج ٢ ص ١٦٧ ط الأميري.

١٨٥

وانعقد عليه الإجماع.

(وَاتَّقُوا اللهَ) في المحافظة على حدوده وما أمركم به ونهاكم عنه في الحجّ وغيره (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالف أوامره ونواهيه ، ولم يتّقه ، وإنّما أمر بالعلم لأنّ العالم بذلك لا يخالف أمره قطعا ، فانّ علمه يمنعه ويصدّه عن ذلك ، كما هو شأن العلم الحقيقيّ ، فيكون العلم بشدّة عقابه لطفا في التقوى للعالم به.

الثانية : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١).

(الْحَجُّ) مبتدأ خبره (أَشْهُرٌ) أي زمان الحجّ أو وقته ليصحّ الحمل كقولك البرد شهران (مَعْلُوماتٌ) معروفات [موقّتات في أوقات معيّنة] لا يصحّ وقوع الحجّ إلّا فيها خلاف ما كان عليه أهل الجاهليّة من النسيء قبل ، وظاهر الجمع يقتضي أنّ أشهر الحجّ ثلثة ، إذ هي أقلّ الجمع وعلى هذا أكثر أصحابنا ، وقال السيّد المرتضى وجماعة إنّها شوّال وذو القعدة وعشر من ذي الحجّة وقيل تسع من ذي الحجّة مع ليلة العاشر إلى طلوع الفجر ، وقيل إلى طلوع الشّمس.

وهذا الخلاف عند العامّة أيضا فمالك على أنّها الثلثة بتمامها ، وأبو حنيفة على الثّاني والشّافعي على الثّالث ، والوجه في الإطلاق حينئذ التجوّز تنزيلا لبعض الشّهر منزلة كلّه ، أو بناء على إطلاق الجمع على ما فوق الواحد ، وكلا الوجهين بعيد لأصالة عدم التجوّز ، وإطلاق الجمع على ما فوق الواحد بلا قرينة في محلّ المنع.

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

١٨٦

ويدلّ على كونها ثلثة الأخبار المعتبرة الإسناد كصحيحة معاوية (١) بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) هي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، وحسنة زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال الحجّ أشهر معلومات شوّال

__________________

(١) رواه كذلك في التهذيب في زيادات الحج عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار ج ٥ ص ٤٤٥ بالرقم ١٥٥٠ ومثله العياشي ج ١ ص ٩٤ بالرقم ٢٥١ وهو في البحار ج ٢١ ص ٣٠ والبرهان ج ١ ص ٢٠٠ ورواه في الكافي مع زيادة بسند غير ما في التهذيب باب توفير الشعر لمن أراد الحج والعمرة الحديث ١ ج ١ ص ٢٥٣ ونقله عن الكليني في التهذيب ج ٥ ص ٤٦ بالرقم ١٣٩ والاستبصار ج ٢ ص ١٦٠ بالرقم ٥٢٠ ورواه في الفقيه أيضا ج ٢ ص ١٩٧ الرقم ٨٩٩.

والزيادة كذالك «فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا».

وروى الحديث في المنتقى باللفظ الأول ج ٢ ص ٣٥٢ وعليه رمز الصحة وباللفظ الثاني في ص ٣٦١ وحكم بصحة طريق الفقيه وحسن طريق الكافي وكتابي الشيخ والسر كون إبراهيم بن هاشم في سند الحديث وقد عرفت بما لا مزيد عليه في المجلد الأول من هذا الكتاب صحته.

والحديث في المرآة ج ٣ ص ٢٠٤ وفي الوافي الجزء الثامن ص ٧٠ والوسائل الباب ٢ من أبواب الإحرام ص ٢٤٢ ج ٢ ط الأميري.

(٢) الكافي ج ١ ص ٢٤٥ باب أشهر الحج الحديث ١ وبعده وليس لأحد أن يحج فيما سواهن ، ورواه عن زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام أيضا العياشي ص ٩٤ بالرقم ٢٥٢ وهو في البحار ج ٢١ ص ٣٠ والبرهان ج ١ ص ٢٠٠.

ورواه في الفقيه أيضا ج ٢ ص ٢٧٧ بالرقم ١٣٥٧ الا أن الراوي في المطبوعة بالنجف «أبان عن أبى جعفر» وذيله سماحة الخرسان بأن في ا وج والنسخة المطبوعة زرارة ، ونقله في الوسائل ط الأميري ج ٢ ص ١٦٩ الباب ١١ من أبواب أقسام الحج عن أبان وجعل زرارة نسخة ، وفي الوافي ج ٨ ص ٦٩ أيضا عن أبان وفي قلائد الدرر ج ٢ ص ٥٢ بعد ـ

١٨٧

وذو القعدة وذو الحجّة ونحوهما من الأخبار ، ولأنّه يصحّ وقوع بعض أفعال الحجّ في مجموعها إذ يصحّ الإحرام في الأوّلين وأوائل الثّالث ويصحّ بعض الأفعال كالرمي والذبح والطّوافين في باقيه.

ومن ثمّ قيل : إنّ هذا النّزاع لفظيّ ولا ثمرة له في باب الحجّ ، فإنّهم إن أرادوا بأشهر الحجّ ما يفوت الحجّ بفواته فليس هو كمال ذي الحجّة ، بل بانقضاء العاشر منه ، لعدم إمكان تحصيل الوقوف المعتبر في صحّة الحج إجماعا على ذلك التّقدير وإن أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحجّ فهي الثلثة كملا لأنّ باقي المناسك يصحّ في تمام ذي الحجّة.

نعم يظهر الفائدة في النذر وشبهه ، وفيه بحث إذ القائل بكون ذي الحجّة من أشهر الحجّ قد يقول بجوار تأخير مثل طواف الزّيارة وطواف النّساء اختيارا طول ذي الحجّة دون غيره إلّا أن يكون الحكم بعدم التأخير اختيارا مجمعا عليه ، وهو غير معلوم ، كما يظهر من كلامهم ، ومثل ذلك يصحّ أن يكون ثمرة الخلاف وقد يستفاد مثل هذا الوجه من الكشاف (١) كما سيجيء.

__________________

ـ نقل الحديث عن الكافي ورواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أبان بن تغلب عن أبى جعفر.

قلت : وفي نسخة مصححة من الفقيه عندي وروى زرارة عن أبى جعفر ، وروى الحديث في الكافي أيضا باب من أحرم دون الوقت الحديث ٢ ج ١ ص ٢٥٤ وبعده : وليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله ص فإنما مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا وترك الثنتين.

وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٠٥ ، ونقله عن الكليني هكذا في التهذيب ج ٥ ص ٥١ الرقم ١٥٥ والاستبصار ج ٢ ص ١٦١ الرقم ٥٢٧ وروى الحديث في معاني الأخبار ص ٢٩٣ الى قوله وليس لأحد إلخ ، وفيه وفي حديث آخر وشهر مفرد للعمرة رجب ومثله في الفقيه.

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٤٢ ط دار الكتاب العربي تفسير الآية حيث يقول فائدة ان شيئا من أفعال الحج لا يصح الا فيها.

١٨٨

وقال القاضي البيضاوي (١) أشهر الحجّ شوّال وذو القعدة وتسع من ذي الحجّة وليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة وذو الحجّة كلّه عند مالك ، وبناء الخلاف أنّ المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا ، فانّ مالكا كره العمرة في بقيّة ذي الحجّة وأبو حنيفة وإن صحّح الإحرام من قبل شوّال ، فقد استكرهه انتهى.

وفيه نظر فانّ مقتضى كلامه أنّ قول الشّافعي بكون أشهر الحجّ إلى تسع من ذي الحجّة مع ليلة النحر ، مبنيّ على أنّ المراد بوقت الحج وقت الإحرام وهذا يستلزم صحّة الإحرام ليلة النحر وهو بعيد ، إذ لا يجوز تأخير الإحرام إلى وقت يتيقّن فيه فوت عرفة ، فانّ الوقوف بها ركن إلّا أن يريد صحّة ذلك في بعض الصّور كما لو اضطرّ وفيه ما فيه ، وأيضا يقتضي أن لا يصحّ بعض المناسك بعد يوم النحر عند أبي حنيفة وهو باطل قطعا لصحّة بعض المناسك في أيّام التشريق.

وأيضا (٢) كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بأنّ ذا الحجّة بتمامه من أشهر الحجّ بمعنى أنّه لا يحسن غيره فيه ، ولا يكون وجها له ، فانّ الظاهر من الوقت ما صحّ وقوع الفعل فيه [بكراهتها].

وقال في الكشاف (٣) فان قلت ما وجه مذهب مالك ، وهو مرويّ عن عروة بن الزّبير؟ قلت قالوا وجهه أنّ العمرة غير مستحبّة فيه عند عمرو ابن عمر ، فكأنّها مخلصة للحجّ لا مجال فيها للعمرة ، وعن عمر أنّه كان يخفق النّاس بالدّرة ونهاهم عن الاعتمار فيهنّ ، وعن ابن عمر أنّه قال لرجل إن أطعتنى انتظرت حتّى إذا أهللت

__________________

(١) انظر البيضاوي ص ٤٢ ط المطبعة العثمانية.

(٢) وفي نسخة سن : فان قيل : كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بان ذا الحجة بتمامه من أشهر الحج ، قلت : المراد بوقت الحج عند مالك مالا يحسن فيه غيره ، بناء على كونه مخلصا لأفعال الحج. فلا يكون العمرة فيه حسنة ، فلذا حكم بكراهتها.

(٣) انظر ص ٢٤٣ ج ١.

١٨٩

المحرّم خرجت إلى ذات عرق وأهللت منها بعمرة ، وقالوا لعلّ من مذهب عروة تأخير طواف الزّيارة إلى آخر الشهر انتهى.

وفيه ما فيه (١) فإنّ الظاهر من كون الوقت وقت الحجّ أنّه يصحّ وقوعه فيه لا كراهة غيره فيه ، نعم لو كان ذلك حراما لكان مناسبا في الجملة ، ولعلّ من مذهب عمر ذلك حيث كان يضرب بالدّرة ، وإلّا فالضرب على فعل مكروه لا وجه له.

والوجه الصّحيح ما ذكره أخيرا من جواز تأخير طواف الزّيارة إلى آخر الشهر فانّ ذلك ممّا يصحّح تسمية ذي الحجة بتمامه شهر الحجّ كما أشرنا إليه سابقا من كون ثمرة الخلاف صحّة وقوع بعض الأفعال طول الشّهر ، فتأمّل.

ومقتضى كون الحجّ (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) عدم جواز الإحرام بالحجّ في غيرها ، لظهور الكلام في الانحصار بها ، فلو انعقد في غيرها كان المبتدأ أعمّ من الخبر ، وهو باطل ولأنّ الإحرام لا يبقى صحيحا لأداء الحجّ ، إذا ذهب وقت الحجّ قبل الأداء ، فلأن لا ينعقد صحيحا لأداء الحجّ قبل الوقت أولى ، لأنّ البقاء أسهل من الابتداء ، وعلى هذا أصحابنا أجمع ، وأكثر العامّة ، وفي أخبارنا دلالة على ذلك أيضا.

وإنّما خالف في ذلك أبو حنيفة فجوّز الإحرام بالحجّ في غيرها من جميع السّنة محتجّا عليه بقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (٢) حيث دلّت على كون الأهلّة بتمامها مواقيت الحجّ [وحيث لم يكن مواقيت لاداء الحجّ كانت مواقيت لصحّة الإحرام ، ويجوز أن يسمّى الإحرام حجّا] وجوابه أنّها عامّة وما نحن فيه خاصّ ، وهو مقدّم على العامّ ، ولأنّ الميقات علامة الوقت ، فلو لا الأهلّة

__________________

(١) وفي سن هكذا : ويبقى الكلام في الخفق بالدرة فإن الظاهر أنه انما يكون في الحرام ولعل من مذهب عمر ذلك والا فالضرب على فعل مكروه لا وجه له ، الا أن يقال : الخفق لاستمرار الناس عليه فتأمل.

(٢) البقرة : ١٨٩.

١٩٠

لم يعلم بدخول كلّ شهر على اليقين ، فجميع الأهلّة في الإعلام سواء بالنسبة إلى وقت مفروض ، فلا منافاة بين كون جميع الأهلّة علامات الحجّ من حيث إنّها تؤذن بما بقي من السّنة إلى أوان الحجّ وهي كون الأشهر المعلومات وقتا للحجّ.

وربما احتجّوا أيضا بأنّ الإحرام التزام الحجّ فجاز تقدّمه على الوقت كالنذر وجوابه أنّه قياس مع ظهور الفرق بينهما ، فانّ الوقت معتبر للأداء ولا اتّصال للنذر بالأداء فإنّ النذر لا يتصوّر إلّا بعقد مبتدأ ، وأمّا الإحرام فهو وإن كان التزاما إلّا أنّه شروع في الأداء وعقد عليه فلا جرم افتقر إلى الوقت.

قالوا اشتهر بين الصّحابة أنّهم قالوا من إتمام الحجّ أن يحرم من دويرة أهله وقد يبعد داره بعدا شديدا يحتاج إلى أن يحرم قبل شوّال.

والجواب أنّ النصّ لا يعارضه مثل هذا الأثر على أنّه يمكن تخصيصه في حقّ من لا يكون داره بعيدة ، وبالجملة فقول أبي حنيفة هنا بعيد ، مخالف للنصّ ، فإنّه اقتضى عدم جواز إنشاء الإحرام في غير أشهره وقوله بالكراهة لا يدفع المخالفة.

وربما ذهب بعض أصحابنا إلى أنه لو أحرم بالحجّ في غيرها انعقد عمرة مفردة وهو بعيد.

وما استدلّ به من رواية أبي جعفر الأحول (١) عن الصّادق عليه‌السلام في رجل فرض الحجّ في غير أشهر الحجّ قال يجعلها عمرة ، غير واضح الدّلالة ، إذ يجوز أن يكون المراد أنّ من أراد فرض الحجّ في غير أشهره لا يقع حجّة صحيحا ، بل ينبغي أن يجعل النّسك الّذي أراد فعله عمرة ليصحّ له ذلك ، مع أنّ الرّواية ضعيفة السند.

وفي حكم الإحرام بالحجّ الإحرام بعمرة التمتّع ، لأنّها داخلة في الحجّ ومرتبطة به كما دلّ عليه الأخبار ، ويؤيّده ما روي (٢) صحيحا عنهم عليهم‌السلام دخلت

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٨ الرقم ١٣٦١ وهو في الوسائل الباب ١١ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧ ج ٢ ص ١٦٩.

(٢) انظر فيض القدير ج ٣ ص ٥٢٢ الرقم ٤١٩٠ من الجامع الصغير وعليه رمز م د عن جابر ود ت عن ابن عباس وفي فيض القدير رواه عن ابن عباس البزار ، والطبراني والطحاوي.

١٩١

العمرة في الحج هكذا ، وشبّك بين أصابعه ، وعلى هذا أصحابنا ، واكتفى بعض العامّة بوقوع شيء منها في الأشهر ، واعتبر آخرون أكثر أفعالها فيها ، وهو ضعيف ، ومقتضى ما ذكرنا أنّه لو أحرم بعمرة التمتّع في غير الأشهر ، كانت عمرته باطلة ، لما عرفت وذهب بعض أصحابنا إلى الصحّة ، ووقوعها عمرة مفردة ، لا يتمتّع بها ، وهو ضعيف بما تقدّم.

(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهنّ ، والإحرام يتحقّق بالتلبية في جميع أنواع الحجّ عند جميع أصحابنا ووافقهم عليه أبو حنيفة حيث جعل التلبية [أو سوق الهدي] شرطا في انعقاد الإحرام وخالف في ذلك الشّافعيّ وحكم بانعقاد الإحرام بمجرّد النيّة من غير حاجة إلى التلبية ، وأنّها سنّة عند النيّة ، وإليه يذهب مالك وأحمد.

قالوا ظاهر الآية يدلّ على ذلك ، فانّ فرض الحجّ أدلّ على النيّة منه على التلبية أو سوق الهدي ، وفرض الحجّ موجب لانعقاد الحجّ بدليل قوله (فَلا رَفَثَ) إلخ فوجب أن تكون النيّة كافية في انعقاد الإحرام وفيه نظر لأنّا لا نسلّم دلالة الآية على ما ذكروه بل إلى ما ذكرناه أقرب إذ الظاهر من الفرض الالتزام ، وهو إنّما يتحقّق بشيء خارج عن النيّة وقد تظافرت الأخبار بكونه التلبية.

وكما يتحقّق فرض الإحرام بالتلبية يتحقّق بالإشعار والتقليد أيضا في القران كما دلّ عليه صحيحة (١) معاوية بن عمّار عنه عليه‌السلام (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) والفرض

__________________

(١) الحديث كما في الكافي باب أشهر الحج الحديث ٢ ج ١ ص ٢٤٥ عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) والفرض التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) وهو شوال وذو القعدة وذو الحجة.

ونقله عنه في الوافي ج ٨ ص ٦٩ ومثله ما في العياشي ج ١ ص ٩٤ بالرقم ٢٥٤ عن معاوية ابن عمار عن ابى عبد الله وهو في البحار ج ٢١ ص ٣٠ والبرهان ج ١ ص ٢٠٠ والوسائل الباب ١١ من أبواب أقسام الحج ص ١٦٩ ج ٢ ط الأميري.

١٩٢

التلبية والاشعار والتقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ الحديث ، وفيها دلالة على ركنيّة التلبية كما هو قول الأكثر ، وأنّها تجزي مطلقا ، ويجزى أحدهما أيضا للقارن كما دلّ عليه صحيحة (١) معاوية عنه عليه‌السلام قال يوجب الإحرام ثلثة أشياء التلبية والإشعار والتقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد أحرم ، لاقتضائها توقّف الإحرام على أحد هذه المذكورات فمع انتفائها تنتفي الإحرام ، كما يقتضيه مفهوم الشّرط ، وظاهر أنّ الإخلال بالإحرام مبطل للحجّ ولا نعني بالركنيّة سوى هذا.

ونقل العلامة في المختلف القول بعدم الركنيّة عن الشّيخ في المبسوط واحتجّ بأنّ الأصل صحّة الحجّ ، وأجاب بالمنع لأنّه لم يأت بالمأمور به وهو جيّد ، وحتم المرتضى انعقاد الإحرام في الجميع بالتلبية فقط ، وهو قول ابن إدريس ويردّه الأخبار [الدّالّة على الانعقاد بالإشعار أو التقليد] هذا.

وفرض الحجّ في القران والإفراد ظاهر وأمّا فرضه في حجّ التمتّع فيكون بالإحرام بعمرته إذ هي داخلة في الحجّ وكالجزء منه ، بحيث لو دخل بها دخل في الحجّ على ما عرفت ، ولعلّ في قوله (فَمَنْ فَرَضَ) دلالة على وجوب الإتمام بالشروع لصيرورته حينئذ فرضا وإن كان قبل ذلك تطوّعا ، وبه استدلّ على وجوب الإتمام مع الشروع فيه.

(فَلا رَفَثَ) فلا جماع ، ولا يبعد أن يدخل فيه ما يتبعه ممّا يحرم من النّساء على المحرم كالتّقبيل وغيره (وَلا فُسُوقَ) خروج عن حدود الشرع بالكذب والمفاخرة أو السّباب (وَلا جِدالَ) ولا مراء (فِي الْحَجِّ) في أيّامه ، وفي أخبارنا أنّ الجدال قول الرّجل «لا والله» و «بلى والله» روى علىّ بن جعفر في الصّحيح (٢) قال سألت أخي

__________________

(١) رواه بهذا اللفظ في التهذيب ج ٥ ص ٤٣ بالرقم ١٩٢ ونقله عنه في المنتقى ج ٢ ص ٣٧٢ وفي الوافي الجزء الثامن ص ٩١ والوسائل الباب ١٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢٠ ص ١٧٠ ج ٢ ط الأميري.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢٩٧ الرقم ١٠٠٥ والحديث كذالك : موسى بن القاسم عن على بن جعفر قال سألت أخي موسى عليه‌السلام عن الرفث والفسوق والجدال ما هو وما على من ـ

١٩٣

موسى عليه‌السلام عن الرّفث والفسوق والجدال ما هو؟ فقال : الرفث جماع النساء والفسوق الكذب والمفاخرة ، والجدال قول الرّجل «لا والله» و «بلى والله» الحديث ونحوها.

وظاهرها أنّ الجدال مجموع الصّيغتين ، ولا يبعد تحقّقه بالواحدة منهما ، واحتمل البيضاوي أن يراد من الرفث الفحش من الكلام ، ومن الفسوق الخروج عن حدود الشرع بالسّباب وارتكاب المحظورات ، وبالجدال المراء مع الخدم والرّفقة وفيه نظر فانّ الفحش من الكلام داخل في الفسوق بالمعنى الّذي ذكره وكذا المراء

__________________

ـ فعله فقال الرفث جماع النساء ، والفسوق الكذب والمفاخرة ، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم.

قال صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٣٨٦ بعد نقله الحديث : قلت كذا في النسخ التي تحضرني للتهذيب وما رأيت للحديث في الكتب الفقهية ذكرا سوى العلامة في المنتهى وبعض المتأخرين عنه ، ذكروا منه تفسير الفسوق أشعر ذلك بتقدم وقوع الخلل فيه والا لذكروا منه حكم الفسوق في الكفارة أيضا ولكنهم اقتصروا في هذا الحكم على ما في حديث الحلبي وابن مسلم محتجين به وحده ، ولو رأوا لهذا الحديث افادة للحكم مخالفة لذاك أو موافقة لتعرضوا له كما هي عادتهم لا سيما العلامة في المنتهى فإنه يستقصي كثيرا في ذكر الاخبار.

وكان يختلج بخاطري أن كلمتي «يتصدق به» تصحيف يستغفر ربه فيوافق ما في حديث الحلبي وابن مسلم وفي الاخبار من نحو هذا التصحيف كثير ، فلا يستبعد ، ولكني راجعت كتاب قرب الاسناد لمحمد بن عبد الله الحميري فإنه متضمن لرواية كتاب على بن جعفر الا أن الموجود من نسخته سقيم جدا باعتراف كاتبها الشيخ محمد بن إدريس العجلي رحمه‌الله والتعويل على ما فيه مشكل على كل حال.

فالذي رأيته فيه يوافق ما في التهذيب من الأمر بالتصدق وينافي الخبر الأخر ، ويبقى قضية التصحيف ، وفيه زيادة يستقيم بها المعنى ويتم بها الكلام الا أن المخالفة معها لما ـ

١٩٤

فتأمّل ، وكيف كان فليس تحريم هذه الأشياء مخصوصا بحالة الإحرام ، بل هي حرام مطلقا لكنّه في الحجّ آكد وأبلغ ، فإنّ ما كان قبيحا في نفسه ففي الطّاعة أكثر قبحا كلبس الحرير في الصّلوة ، والتطريب بقراءة القرآن.

والمراد بنفي الجنس في الثلاثة النهي عنها مبالغة ، وأنّها حقيقة بأن لا تكون وعلى قراءة الأوّلين بالرّفع والثّالث بالفتح ، يكون فيه حملا للأوّلين على معنى النّهي ، والمعنى لا يكوننّ رفث ولا فسوق ، والثّالث على معنى الإخبار بارتفاع الجدال والخلاف في الحجّ ليكون فيه ردّا على قريش فإنّها كانت تخالف العرب فتقف بالمشعر الحرام ، وسائر العرب يقفون بعرفة [وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء نحن أصوب ويقول هؤلاء نحن أصوب] وكانوا يقدّمون الحجّ سنة ويؤخّرونه اخرى وهو النسيء فردّ إلى وقت واحد ، وردّ الوقوف إلى عرفة ، فأخبر الله تعالى أنّه قد ارتفع الخلاف في الحجّ.

__________________

ـ في ذلك الخبر وغيره مما سيأتي أكثر وأشكل ، وهذه صورة ما فيه «كفارة الجدال والفسوق الشيء يتصدق به».

والعجب من عدم تعرض الشيخ لهذا الاختلاف في الاستبصار ، ولعل ما في قرب الاسناد من تصرف النساخ بعد وقوع نوع من الاختلال في أصل كتاب على بن جعفر مع أن في طريق الحميري لرواية الكتاب جهالة وربما يحتمل إطلاق المتصدق فيه بالنسبة إلى كفارة الجدال على التقييد الوارد في غيره وان بعد ، انتهى ما في المنتقى.

وروى الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٠٥ عن التهذيب وفيه بعد نقل الحديث بيان هكذا وجد هذا الحديث فيما رأيناه من النسخ ولعله سقط من الكلام شيء ونقل حديث الشيخ في الوسائل صدره في الباب ٣٢ من أبواب تروك الإحرام الحديث ٤ ص ٢٥٩ ج ٢ ط الأميري وذيل الحديث في الباب ٣ من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام الحديث ٤ ص ٢٨٤.

وروى حديث قرب الاسناد في الباب المذكور الحديث ١٦ ص ٢٨٥ وبعده ورواه على بن جعفر في كتابه مثله واللفظ في الوسائل وكذا في النسخة المطبوعة بالنجف من قرب الاسناد ص ١٣ «شيء يتصدق به» ولعله أصح مما في المنتقى «الشيء يتصدق به».

١٩٥

واستدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «من حجّ ولم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه» (١) حيث لم يذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله الجدال كذا في الكشاف وفيه نظر ويمكن أن يوجّه الفتح في الثّالث بأنّ الاهتمام بنفي الجدال أشدّ من الأوّلين من حيث إنّ الرفث كناية عن قضاء الشهوة والفسوق مخالفة أمر الله والجدال مشتمل عليهما إذ المجادل يشهي تمشّي قوله ولا ينقاد للحقّ ، مع أنّه مشتمل على أمر زائد وهو الاقدام على الإيذاء المؤدّي إلى العداوة ، والحديث المذكور لا ينافي ما قلناه ، لأنّه مشتمل عليهما ومركّب منهما ، فنفيهما يستلزم نفيه فتأمّل.

ثمّ إنّ الجماع في الحجّ قبل الوقوفين يوجب فساده ، ولا يفسد لو وقع بعدهما ، وقال أكثر العامّة بفساده أيضا ويفسد العمرة لو وقع قبل التحلّل منها ، والفسوق يوجب الكفّارة وكذا الجدال ، وتفصيل ذلك يعلم من الأخبار ، فإنّ الآية كالمجملة وبيانها يعلم من خارج كما في غيرها.

(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) على العموم حجّا أو غيره فعل المأمور به أو ترك المنهيّ عنه ، وصحّ إطلاق الفعل عليه باعتبار الكفّ وغيره ، وقرينة العموم ذكره بعد نفي الرفث وأخويه ، وتنكير «خير» الواقع بعد النفي (يَعْلَمْهُ اللهُ) فيجازيكم عليه ولا ينقص من جزائكم وفيها حثّ على فعل الطّاعة على أبلغ وجه وأتمّه ، فإنّ الله تعالى إذا كان عالما بجميع ما يصدر من المكلّف من أنواع الخير لم يفت على المكلّف شيء من جزائه وفي التّعبير بلفظ الله الدّالّ على الاتّصاف بجميع صفات الكمال من العلم والقدرة

__________________

(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٤٤ قال ابن حجر متفق عليه من حديث أبي هريرة وقريب منه في اللفظ ما في الجامع الصغير بالرقم ٨٦٢٦ في ج ٦ ص ١١٥ من فيض القدير برمز : حم خ ن ه عن أبي هريرة.

وفي الفيض زاد الطبراني والدارقطنى أو اعتمر وقال في الفيض أيضا ولم يذكر الجدال مع النهي عنه في الآية لأنه أريد به الخصومة مع الرفقاء اكتفاء بذكر البعض أو خروجا عن حدود الشريعة في الفسق أو لاختلاف في الموقف لم يحتج لذكره هنا.

١٩٦

والعدل ونحوها تصريح بذلك ، فيكون كاثبات الشّيء ببيّنة وبرهان.

وفي الكشاف حثّ الله تعالى على الخير عقيب النهي عن الشرّ ، وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ، ومكان الفسوق البرّ والتّقوى ، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتّى لا يوجد منهم ما نهوا عنه ويؤيّده قوله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتّقاء القبائح والمعاصي ، فإنّ خير الزّاد اتّقاؤها انتهى ، والتعميم أولى ، والآية تؤيّده أيضا فإنّ التّقوى فعل الطّاعات وترك المعاصي ، ولا يبعد كون الخطاب للعموم وإن كان بعد ذكر الحاجّ الفارض للحجّ.

ولعلّ إيراد ذلك عقيبه للتّنبيه (١) على أنّ الإنسان مسافر من الدّنيا إلى الآخرة فليتزوّد إليها بالطّاعة فإنّ الحاجّ إذا كان مع سفره القصير لا بدّ له من أن يأخذ زادا لذلك السّفر ، وأنّه إذا لم يأخذه هلك من الجوع ، فما ظنّك بالسّفر الطّويل البعيد ، فانّ احتياجه إلى الزّاد أهمّ (٢). وبيّن تعالى أنّ الزّاد النّافع في ذلك الطّريق هو التّقوى ، وفي إيراد الجملة مؤكّدة بانّ وتعريف الخبر باللّام تنبيه على أنّ الحكم كذلك على التحقيق ، فلا يدخل في قلب أحد الشكّ فيه.

وقيل : إنّ الآية نزلت في أهل اليمن (٣) كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون

__________________

(١) وفي سن : على أن الإنسان له سفران : سفر في الدنيا وسفر من الدنيا ، فالسفر من الدنيا لا بد له من زاد وهو الطعام والشراب والمركب والمال ، والسفر من الدنيا لا بد فيه أيضا من زاد وهو معرفة الله ومحبته والاعراض عما سواه وإذا كان الإنسان مسافرا من الدنيا الى الآخرة فليتزود إلخ.

(٢) وزاد في سن : [بل نقول زاد الآخرة خير من زاد الدنيا لان زاد الآخرة يخلص من عذاب متيقن دائم بخلاف زاد الدنيا فإنه يخلص من عذاب موهوم منقطع ، ولان الدنيا في كل ساعة في ادبار ، والآخرة في إقبال : والاستعداد للمقبل اولى من المدبر].

(٣) رواه في صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦٥ والسيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ٢٢١.

١٩٧

نحن متوكّلون على الله ، فيكونون كلّا وعيالا على النّاس فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا الاستطعام والإبرام ، والتثقيل على النّاس.

(وَاتَّقُونِ) وخافوا عقابي واتّقوا المعاصي الّتي هي سبب العقاب ، أو اتّقوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ، والمرجع واحد (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا أصحاب العقول فانّ لبّ الشّيء خالصة ، ولبّ الإنسان عقله ، إذ هو سبب الفوز بالسّعادات كلّها.

خصّهم بالخطاب لأنّهم المتأهّلون لذلك ، فإنّ قضيّة العقل خشية الله واتّقاء المعاصي فكأنّ من لم يتّق لا عقل له ، وهو كذلك عقلا ونقلا أمّا الأوّل فلأنّ من عرف عظمته تعالى وصدّق بعقابه وثوابه ، ولم يتّقه بل أقدم على المعصية لم يكن له عقل قطعا ، وإلّا لصدر منه ما ينفعه لا ما يضرّه ، وأمّا الثّاني فللأخبار المشحونة بأنّ العقل هو ما عبد به الرّحمن واكتسب به الجنان (١) وما عدا ذلك فليس بعقل ، ولعلّ في إطلاق اتّقائه من غير قيد تنبيها على أنّ المقصود من التّقوى هو الله ، فكأنّ التقوى إذا لم يكن لله لم تكن تقوى ، وأنّ جعله تعالى مقصودا وقطع النظر عن كلّ شيء سواه ، هو مقتضى العقل السّليم.

الثالثة : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (٢).

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج وإثم (أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بتقدير في أن تبتغوا عطاء من ربّكم وتفضّلا وزيادة في الرّزق بسبب التّجارة والرّبح بها ، فهو منصوب بنزع الخافض وحذف حرف الجرّ مع أنّ قياسه من باب الحذف والإيصال والعامل فيه معنى جناح ، أي لا تأثمون في ابتغاء الفضل وطلب الرّزق من ربّكم بالتجارة

__________________

(١) راجع أصول الكافي كتاب العقل الرقم ٣.

(٢) البقرة : ١٩٨.

١٩٨

بل ذلك جائز لكم.

قيل كان عكاظ وجحفة وذو المجاز أسواقهم في الجاهليّة يقيمونها مواسم الحجّ وكانت معايشهم منها ، فلمّا جاء الإسلام تأثّموا من ذلك فنزلت ، وقيل كان في الحجّ اجراء ومكارون ، وكان النّاس يقولون إنّه لا حجّ لهم. فرفع تعالى ذلك وبيّن أنّه لا إثم على الحاجّ أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا.

وعلى هذا التقدير فالآية صريحة في عدم المنافاة بين الحجّ وطلب الرّزق بإجارة أو مكاراة أو تجارة ونحوها ، فلا يتخيّل المنافاة بين الحجّ على ذلك التّقدير وبين الإخلاص ، فإنّه إنّما يقصد الإخلاص بفعل الحجّ وهو خارج عن تحصيل المال ، فانّ العمل الّذي يستحقّ به الأجرة مثل الخدمة ليس بداخل في الحجّ وليس بعبادة ، بل قد يحصل به الثواب والأجرة أيضا كما لو قصد به تحصيل المعاش الواجب أو الندب وقد لا يحصل كما لو قصد به غير ذلك وكذا الكلام في طلب التجارة ، فإنّ أفعال الحجّ لا تستغرق ذلك الزّمان ، فما فضل منها يصرفه في التّجارة فلا تنافي ، ولو آجر نفسه للحجّ ترتّب على فعله تحصيل المال وحصول الثواب أيضا وفي الأخبار دلالة على ذلك وفي بعضها أنّ للمستأجر عنه حجّة واحدة ، وللأجير تسع.

ولكن في حصول القربة المعتبرة في النيّة على ذلك التّقدير إشكال ، لظهور أنّ ذلك الفعل واقع بإزاء الأجرة ، فلا يتخلّص للقربة ، ويمكن أن يقال هو إنّما استوجر على إيقاع الفعل وحال الاستيجار لم يوقعه ، وإنّما أوقعه فيما بعد ذلك ، فجاز أن يقصد بذلك الفعل القربة إذ لا يحصل له شيء بعد الفعل ، حيث وجب فعله بعد عقد الإجارة وتعيّن عليه ، فيتخلّص الفعل للقربة. وفيه نظر إذ يجوز أن يكون القصد من الفعل حينئذ تمام ملكيّة الأجرة ، فإنّ الأجير إنّما يملكها ملكا تامّا بتمام العمل ، ويمكن الجواب بأنّه لا محذور في ذلك بعد ورود النصّ ، بل هو دليل على حصول القربة فتأمّل المقام فإنّه مشكل ، وقيل إنّ معنى الآية لا جناح عليكم في طلب المغفرة من ربّكم بأعمال توجبها ، ورواه جابر عن الباقر عليه‌السلام وفي مجمع البيان (١) أنّ

__________________

(١) المجمع ج ١ ص ٢٩٥.

١٩٩

الأوّل مرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام أيضا ولا يبعد الحمل على ما يعمّ الأمرين.

(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) دفعتم عنها بعد الاجتماع فيها ، من أفاض الماء إذا صبّه بكثرة وأصله أفضتم أنفسكم حذف مفعوله لمعلوميّته كما حذف في قولك دفعت من البصرة ، وعرفات جمع عرفة وبها سمّيت البقعة المعروفة الّتي يجب فيها الوقوف في الحجّ كما سمّيت بمفردها ، وإنّما نوّنت مع كونها غير منصرفة للعلميّة والتأنيث ، لأنّ التّنوين الممنوع من غير المنصرف هو تنوين التمكّن ، وهذا تنوين المقابلة (١) إذ هو بإزاء نون الجمع في مسلمون ، ومن ثمّ لو سمّيت امرأة بمسلمون لم يحذف هذه النون ويجوز حذف التنوين من عرفات تشبيها بالواحد ، إلّا أنّه لا يكون إلّا مكسورا ، (٢)

__________________

(١) وأنكر المحقق الرضى في شرح الكافية كونه تنوين المقابلة وجعل تنوينه تنوين الصرف والمقابلة واستشهد برواية الوجهين الآخرين في أذرعات في بيت امرئ القيس الاتى فتح التاء وكسرها غير منونة فإنه عليهما للصرف بلا خلاف انظر ج ١ ص ١٤ ط محرم افندى.

(٢) هذا هو تجويز جماعة منهم المبرد والزجاج ومنشأ ذلك عندهم ملاحظة حالتين يقتضي كل منهما الإخلال بالأخرى فأعطوه من كل حالة شبها حتى لا يكونوا قد نظروا إلى ناحية من نواحيه دون الأخرى.

وبيان هذا الوجه أنه من جهة كونه جمعا مؤنثا بحسب لفظه يستلزم الكسر والتنوين فلاحظوا لفظه وأعطوه الكسر ولاحظوا معناه فأعطوه حذف التنوين.

وهنا وجه ثالث روى به أذرعات في بيت امرئ القيس على ما نقله فطاحل الأدب وهو فتح التاء غير منونة كسائر ما لا ينصرف ولم يذكره المصنف لعدم ارتضائه ومثله في المجمع ج ١ ص ٢٩٥ قال وأما فتح التاء فخطأ قال ابن عصفور في شرح الجمل على ما نقل عنه : ونازع في ذلك المبرد محتجا بأن التاء للجمع فهي كالواو والياء فلا ينبغي أن يمنع الصرف وانما الوجه أن يعرب بالضمة والكسرة كما كان ويزول عنه التنوين لزوال المقابلة لزوال الجمعية.

قلت وعليه فلا وجه حينئذ لنصبه بالكسرة ولا لعدم تنوينه.

واختار سيبويه وابن جنى وجماعة جواز هذا الوجه قال ابن جنى في سر الصناعة على ما حكى عنه البغدادي : واعلم ان من العرب من يشبه التاء في مسلمات معرفة بتاء التأنيث في طلحة ـ

٢٠٠