مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

بهما (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فعليكم أو فالواجب أو فابعثوا لأجل التحلّل ما استيسر من الهدي بقرا أو إبلا أو غنما ، وقد وافقنا على البعث في هذه الصورة أبو حنيفة وأوجب الشّافعيّ الذبح مكانه مع حصر العدوّ الّذي نسمّيه بالصّدّ ، وهو موافق لنا في ذلك إلّا أنّه خالفنا في حمل الآية عليه.

ثمّ إنّ الظاهر من الآية أنّ حكم الإحصار متعلّق بكلّ من الحجّ والعمرة ، لأنّه ذكره عقيبهما ، فكان عائدا إليهما ، وعلى هذا أصحابنا أجمع وأكثر العامّة وقال ابن سيرين لا إحصار في العمرة لأنّها غير موقّتة بوقت ، ودفعه ظاهر.

__________________

ـ فمحل الهدى يوم النحر فليقصر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضى المناسك وان كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل.

وان كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع الى أهله ونحر بدنة أو أقام مكانه حتى يبرء إذا كان في عمرة ، وإذا برئ فعليه العمرة واجبة ، وان كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج فان عليه الحج من قابل.

فان الحسين بن على صلوات الله عليهما خرج معتمرا ، فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام ذلك وهو في المدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض بها فقال يا بنى ما تشتكي؟ فقال أشتكى رأسي ، فدعا علىّ ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة. فلما برء من وجعه اعتمر.

قلت أرأيت حين برء من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلت له النساء؟ قال لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا وبالمروة ، قلت فما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجع من الحديبية حلت له النساء ولم يطف بالبيت؟ قال ليسا سواء كان النبي (ص) مصدودا والحسين عليه‌السلام محصورا.

انتهى الحديث بلفظ الكافي والزيادة التي في التهذيب بين قوله «عليه الحج من قابل» وبين قوله «ان الحسين» إلخ : «وان ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا». ـ

١٤١

(وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) أي لا تتحلّلوا من إحرامكم عبّر عن التحلّل بالحلق الّذي هو أقوى ما يحصل به التحلّل أو أنّ المراد الحلق نفسه ويكون غيره معلوما بالمقايسة أو يقدّر : «ولا يفعلوا شيئا من محرّمات الإحرام حتّى يبلغ الهدي محلّه» وهو منى إن كان الإحرام بالحجّ ومكّة إن كان بالعمرة ، وحمل الشافعيّ المحلّ على الموضع الّذي صدّ فيه حلّا كان أو حرما ، وهو ما نقوله في الصدّ لا الإحصار ، [وفيه بعد لمنافاته قوله (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ) الآية ، فانّ الممنوع بالعدوّ لا يجب عليه اعتبار البلوغ ، بل ينسك مكانه عندنا وعند الشافعي أيضا] والحنفيّة على أنّ المراد به الحرم (١) فأوجبوا البعث إليه والمواعدة بينه وبين أصحابه يوم أمارة ولم يعيّنوا فيه زمانا بل جعلوه متى شاء بعد أن يكون الذّبح في الحرم ، فالبعث عندهم واجب في المنع مطلقا لكن في بعض الأوقات

__________________

ـ ومع ذلك ففي بعض ألفاظ الحديث تفاوت يسير أطبقوا على كون لفظ الكافي في هذا الحديث أصح ، وان كان في ألفاظ التهذيب حزازة نعم في لفظ الكافي «وان كان مرض في الطريق بعد ما يخرج» تصحيف ظاهر ، والصواب «بعد ما يحرم» كما أن لفظ التهذيب «بعد ما أحرم».

بل في نسختنا المطبوعة من الكافي أيضا بعد ما أحرم ، الا أن المصححين لعلهم صححوه من التهذيب والا فقد نقل صاحب المعالم اتفاق نسخ الكافي في «بعد ما يخرج» والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢٠ واللفظ فيه أيضا نقلا عن الكافي «بعد ما أحرم» وفي الوسائل الباب ٢ من أبواب الإحصار ج ٢ ص ٢٩٣ ط الأميري.

ثم السقيا على ما في معجم البلدان بضم أوله وسكون ثانيه قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا وقيل تسعة وعشرون ميلا ، وقيل السقيا من أسافل أودية تهامة ، وقيل السقيا بركة واحساء غليظة دون سميراء للمصعد إلى مكة من السقيا الى سميراء أربعة أميال ، وقيل بئر بالمدينة والسقيا أيضا قرية على باب منبج ذات بساتين كثيرة ومياه جارية ، وسقيا الجزل موضع آخر من بلاد عذرة قريب من وادي القرى ثم السقيا سميت سقيا لأنهم سقوا بها عذبا.

(١) في سن : وحمل الحنفية المحل على الحرم.

١٤٢

وهو ما لو كان في الحلّ لا في الحرم [ومنشأ الخلاف بينهم أنّ المحلّ في الآية اسم للزّمان الّذي حصل فيه الحلّ كما قاله الشافعي ، أو اسم للمكان كما قاله الحنفيّة] (١) ويرد عليه وعلى الشّافعيّ أنّ ذلك خلاف الظاهر من بلوغ الهدي محلّه ، بل موجب للإجمال بسبب هذه الزّيادة ، ويردّ قول الحنفيّة أيضا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذبح في الحديبية وهي من الحلّ على ما قالوه.

فان قيل إنّما أحصر في طرف الحديبية الّذي هو أسفل مكّة وهو من الحرم قال الواقدي : الحديبية على طرف الحرم على تسعة أميال من مكّة ، وأجيب بأنّ قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) (٢) دالّ على أنّ الكفّار منعوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن إبلاغ الهدي محلّه الّذي كان يريده وهو ظاهر في أنّهم نحروا الهدي في غير الحرم.

ومقتضى الآية جواز الحلق بعد بلوغ الهدي محلّه ، سواء ذبح عنه أو لا وعلى هذا فلو ظهر خلاف المواعدة الواقعة بين أصحابه إمّا بأن لم يكن نائبه ذبح الهدي أصلا ، أو ذبحه بعد تحلّله ، فانّ الظاهر أنّه لا شيء عليه ، لأنّه مأمور بالإحلال مع حصول ظنّ البلوغ ، فلا يضرّ ظهور عدمه بعده وفي الأخبار دلالة عليه.

روى الكلينيّ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته رجل أحصر فبعث بالهدي قال : يواعد أصحابه ميعادا ، إن كان في الحجّ فمحلّ الهدي يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتّى يقضي المناسك وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكّة ، والساعة الّتي يعدهم فيها ، فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ الحديث (٣).

__________________

(١) ما بين العلامتين زيادة من سن.

(٢) الفتح : ٢٥.

(٣) الحديث المار قبيل ذلك بتمامه وفي تعبير المصنف عن الحديث بالصحيح اعتراف بصحة ما يرويه إبراهيم بن هاشم كما اخترناه وأشبعنا الكلام في حقه في مواضع من المجلد الأول من هذا الكتاب.

١٤٣

وروى الشيخ صحيحا عن معاوية بن عمّار (١) عن الصّادق عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه فان ردّوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شيء ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا الحديث.

وروى في الكافي عن زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال المصدود يذبح حيث صدّ ، ويرجع صاحبه فيأتي النّساء ، والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه قلت أرأيت إن ردّوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه ، وقد أحلّ وأتى النّساء؟ قال فليعد وليس عليه شيء وليمسك الآن عن النّساء إذا بعث.

ومقتضاهما الرّجوع إلى الحالة السّابقة والأصحاب حملوا ذلك على أنّه محلّ ولا يبطل إهلاله بذلك ، ولكن يبعث الهدي في القابل ويمسك عنه من حين البعث كما

__________________

(١) المراد عين الحديث المار قبيل ذلك وانه في التهذيب بالرقم ١٤٦٥ وان هذه الزيادة انما كان في التهذيب وليس في حديث الكافي.

(٢) الكافي ج ١ ص ٢٦٧ باب الصد والإحصار الحديث ٩ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣١٠ وعده المجلسي من الموثق وقال المحقق الأردبيلي في زبدة البيان ص ٢٣٧ رواية غير صحيحة ، والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢١ وفي الوسائل الباب ١ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٥ ج ٢ ص ٢٩٢ ط الأميري.

وسند الحديث في النسخة المطبوعة من الكافي في السنة ١٣١٢ حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحسن عن المثنى عن أبان عن زرارة وفي الوافي عن الكافي حميد عن ابن سماعة عن الميثمي عن أبان عن زرارة وفي الوسائل حميد بن زياد عن الحسن ابن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبان عن زرارة.

وفي المرآة جعل كلا نسخة وأظن أن أصح النسخ نسخة الوسائل والحسن بن محمد بن سماعة وأحمد بن الحسن الميثمي الواقعان في طريق الحديث كلاهما واقفيان ، ولكن موثقان وسردهما الشيخ محمد طه من القسم الثقات ، انظر إتقان المقال ص ١٢ وص ٤٦ فهذا هو السر في عد المجلسي الحديث من الموثق والمحقق الأردبيلي من الضعيف.

١٤٤

يمسك عنه المحرم ، واعترض بعضهم بأنّه لا يعقل وجوب الإمساك والرّجوع إلى الإحرام بعد تحقّق التحلّل ، فحمل الأمر بالإمساك على الاستحباب ، وفيه بعد.

وقال بعضهم لا استبعاد بعد ورود النصّ وهو جيّد ، فانّا لا نعني بالرّجوع إلى الإمساك إلّا أنّه قد كان جائزا له قبل أن يردّ دراهمه بناء على ظنّه أنّهم ذبحوا عنه فلمّا ظهر عدم الذبح وجب عليه الإمساك فلا إثم عليه بما وقع منه بسبب ذلك الظنّ فإذا ظهر خطاؤه وجب عليه العود إلى ما كان عليه قبل من الإمساك ، فالمراد بالإحلال لازمه أي فعل أفعال المحلّ لاعتقاده أنّه محلّ لا أنّه محلّ حقيقة ، وحاصله نفي وجوب الكفّارة على ما صدر عنه من الأفعال وإن كان باقيا على إحرامه بجهله ، فلا يفعل بعد ذلك شيئا ينافي الإحرام ، حتّى يتحقّق الذّبح عنه ، وهذا ليس بعيدا من الآية والأخبار إذ يمكن أن يكون المراد منها الذبح في نفس الأمر ، وأنّ الظنّ غير كاف مع ظهور خلافه فتأمّل.

ويحتمل وجوب الإمساك من حين البعث ثانيا لكن عن النساء لا مطلقا ، كما هو ظاهر الأصحاب ويؤيّده وجود الإمساك بعد البعث فقط في الرّواية الصّحيحة ، ولفظة «الآن» في رواية زرارة.

واعلم أنّ مقتضى الرّواية الأخيرة الإحلال من النساء في المحصر بالمرض ، وهو خلاف المشهور رواية وفتوى ، فإنّ الّذي عليه الأصحاب أنّ المحصر بالمرض بعد بلوغ الهدي محلّه يتحلّل من كلّ شيء إلّا النساء فإنّه لا يتحلّل منهنّ حتّى يطوف بالبيت وسعى هو بنفسه ، وإن تعذّر فنائبه ، والأخبار الواردة بذلك كثيرة :

روى معاوية بن عمّار في الصّحيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول المحصور غير المصدود ، والمحصور المريض والمصدود الّذي يصدّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ليس من مرض ، فالمصدود يحلّ له النّساء والمحصور لا يحلّ

__________________

(١) هذا تمام الحديث السابق المشار إليه في ص ١٤٠ من هذا الكتاب عن التهذيب والفقيه الذي قلنا انه في الكافي صدر حديث نقلناه بطوله ، وهو في المنتقى ج ٢ ص ٦٠٢ مع التوضيح لإسناد التهذيب والفقيه والكافي وبعض اختلاف اللفظ فراجع.

١٤٥

له النّساء ـ إلى أن قال : وإن كان مرض في الطّريق بعد ما يخرج فأراد الرّجوع رجع إلى أهله ونحر بدنه أو أقام مكانه حتّى يبرأ إذا كان في عمرة فإذا بر أفعليه العمرة واجبة.

قلت : وإن كان عليه الحجّ فرجع أو أقام ففاته الحجّ؟ قال عليه الحجّ من قابل فانّ الحسين بن على عليه‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق وبلغ عليّا عليه‌السلام ذلك وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه بالسّقيا وهو مريض فقال يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال أشتكى رأسي فدعا عليّ عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ، وردّه إلى المدينة ، فلمّا برأ من وجعه اعتمر.

قلت أرأيت حين برأ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلّ له النّساء؟ قال لا يحلّ له النّساء حتّى يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة ، قلت فما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين رجع من الحديبية حلّت له النّساء ولم يطف بالبيت؟ قال ليسا سواء ، كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدودا والحسين عليه‌السلام محصورا.

وروى ابن بابويه في الصحيح عن رفاعة (١) بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرج الحسين عليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنه حتّى انتهى إلى السقيا [فبرسم] فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثمّ أقبل حتّى جاء فضرب الباب فقال عليّ عليه‌السلام ابني وربّ الكعبة افتحوا له ، وكانوا قد حموا له الماء فأكبّ عليه فشرب ثمّ اعتمر بعد.

والمحصور لا يحلّ له النّساء حتّى يطوف بالبيت ويسعى بين الصّفا والمروة. ونحوهما. وظاهرهما بقاء تحريم النّساء حتّى يطوف بالبيت ويسعى بنفسه ، فقول الشّهيد في الدروس أنّه مع ندب الحجّ والعمرة يكفي في التحلّل أن يطاف عنه طواف

__________________

(١) انظر الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥ الرقم ١٥١٥ وحكاه في المنتقى ج ٢ ص ٦٠٣ ثم قال فبرسم بضم اوله معناه أصابته علة البرسام قلت والبرسام على ما في كشاف اصطلاحات الفنون بالكسر أو بالفتح ويسمى بالجرسام أيضا هو الورم الذي يعرض للحجاب الذي بين الكبد والمعدة ثم الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢٠.

١٤٦

النّساء بعيد ، فانّ ظاهر الرّوايات وجوب السّعي ومقتضى ذلك إيقاعهما هو بنفسه والأصل عدم إجزاء فعل الغير عنه ، إلّا بدليل يدلّ عليه ، وهو غير ظاهر هنا ، نعم لو تعذّر فعل ذلك بنفسه أجزأت النيابة.

ثمّ إنّ الظاهر من هذا الطواف كونه غير طواف النساء ، لاقترانه بالسّعي في الرّوايات ، ولكن ظاهر كلام الأصحاب أنّه طواف النّساء وممّن صرّح بذلك العلّامة في كتبه ، والشّهيد في الدروس على ما عرفت من كلامه.

والحقّ (١) أنّ الحمل عليه مع اقترانه بالسعي بعيد ، والعجب أنّ الشهيد حكم في العمرة المتمتّع بها إذا كان الإحصار فيها ، بعدم الاحتياج إلى طواف النساء في التحلّل نظرا إلى عدم وجوبه فيها ، بل يحصل التحلّل بمجرّد التقصير ، وفيه نظر أمّا أوّلا فلما عرفت من عدم ظهور كون المراد بالطواف فيها طواف النساء لاقترانه بالسعي ، وأمّا ثانيا فلعموم الرّوايات في كون الإحلال من النساء في صورة الإحصار بالمرض إنّما يكون بالطواف والسعي فإجزاء غيره يتوقّف على الدليل.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المحصر لا يحلّ له النساء إلى أن يأتي بالطّواف والسّعي إمّا في عمرة مفردة أو في حجّ ، وما ورد من خلاف ذلك محمول على ضرب من التأويل والآية غير صريحة في التحلّل من النّساء أيضا بعد بلوغ الهدي محلّه ، بل ظاهرها جواز الحلق بعده ، ويكون تحليل ما عداه من المحرّمات بالإحرام موقوفا على الدّليل وقد انعقد الإجماع فيما عدا النساء ، وقام الدليل على التحلّل منها بما تقدّم.

__________________

(١) وفي سن بدل هذه الجملة هكذا : «وقد يشكل الحمل عليه مع اقترانه بالسعي وعلى القول بوجوب طواف النساء للإحلال ، فهل يجب مطلقا أو في موضع يجب فيه طواف النساء ظاهر الشهيد الثاني ، ومن ثم حكم في العمرة المتمتع بها إذا كان الإحصار فيها ، بعدم الاحتياج إلى طواف النساء في التحلل نظرا الى عدم وجوبه فيها بل يحصل التحلل بمجرد التقصير إذ يمكن القول بعدم الإحلال من النساء في الصورة المفروضة ، إلا بعد طواف النساء في الحج ، نعم لو اعتبر بالطواف الذي يتعقبه السعي نظرا إلى إطلاق الروايات في كون الإحلال من النساء في صورة الإحصار بالمرض بالطواف والسعي تم ما ذكره.

١٤٧

أو يقال : هي ظاهرة في التحلّل مطلقا لكنّها مخصوصة بما عدا النّساء ، لقيام الدّليل على أنّ التحلّل منهنّ يكون بما ذكر ، وعلى ما ذكرناه من حمل الآية على المحصر بالمرض لا بدّ فيه من بعث الهدي والصّبر حتّى يبلغ محلّه كما اقتضته الآية ودلّ عليه بعض الأخبار أيضا ، وهو قول أكثر الأصحاب إلّا أنّ في بعضها ما يدلّ على جواز الذّبح مكانه أيضا. وهو ما تقدّم من صحيحتي معاوية ورفاعة الدّالّتين على الذّبح مكانه ، وبه أخذ بعض الأصحاب واختار بعضهم الذّبح مكانه في المرض ما لم يكن ساق ، وفرّق آخرون بين التطوّع والواجب فجوّزوا النّحر مكانه في الأوّل وأوجبوا البعث في الثّاني مستدلّين عليه بظاهر فعل الحسين عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة.

وأجاب العلّامة بحمله على ما إذا لم يتمكّن المريض من المقام على إحرامه ، بل يفتقر إلى الحلق فإنّه والحالة هذه يجوز له التحلّل مطلقا بعد الذّبح أو النحر ، ويمكن الجمع بين الأدلّة بالتخيير بين البعث والذبح مكانه في المحصور بالمرض ، ويحتمل فعله عليه‌السلام حيث ذبح مكانه على الجواز بمعنى كونه أحد الفردين الواجبين ، وعلى هذا فيثبت وجوب البعث بالآية ، ويثبت الإجزاء في الذّبح مكانه بالأخبار الدّالّة عليه ، والاحتياط في البعث.

تنبيهات :

الأول : قد يدّعى أنّ ظاهر الآية وجوب التحلّل بالهدي في صورة الإحصار بالمرض ، سواء أراده أولا ، حيث علّق وجوبه على الإحصار ، وهو خلاف ما يظهر من الأصحاب حيث حكموا بوجوب ذلك مع إرادة التحلّل لا مطلقا ، ويمكن حمل الآية عليه بل يمنع ظهورها في الأوّل ومن ثمّ حملها المفسّرون على هذا ، وقيّدوا الحكم فيها بالإرادة كما يعلم من كلام القاضي والكشاف ومجمع البيان وغيرهم (١).

الثاني : هل يتوقّف التحلّل على الحلق أو يكفي في ثبوته مجرّد حضور وقت المواعدة لنائبه في الذبح؟ الظاهر الأوّل لثبوت حكم الإحرام فلا يخرج عنه إلّا بالمحلّل

__________________

(١) انظر المجمع ج ١ ص ٢٩٠ والكشاف ج ١ ص ٢٤٠ والبيضاوي ص ٤٢ عند شرح قوله تعالى (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) يصرحون بإرادة التحليل.

١٤٨

قطعا ، وحصوله بمجرّد حضور الوقت غير معلوم ، ويؤيّده [أنّ في غير هذه الصّورة من مواضع الإحرام لما يكفي في التحلّل إتمام أفعال الإحرام ، سواء كان بحجّ أو عمرة من دون الحلق أو التّقصير و] (١) ما في صحيحة معاوية المتقدّمة (٢) : فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ، لكن مقتضاها وجوب التّقصير والظاهر أنّه لا قائل به عينا فيثبت القول بالتخيير بينه وبين الحلق.

ويمكن (٣) استفادة التخيير من الآية حيث قال فيها (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ) بمعنى لا تحلّوا ولا تفعلوا شيئا من محرّمات الإحرام (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) فيفهم من الغاية وجوب فعل محلّل ، وليس إلّا الحلق أو التقصير وفيه تأمّل.

أو يقال يكفى انتهاء التحريم ، فيفهم جواز الحلق بعده ويكون خصوص كلّ واحد جائزا وفرد مّا منهما واجبا.

ويحتمل أن يكون المراد كما هو الظاهر لا تفعلوا شيئا من محرّمات الإحرام حتّى يبلغ ثمّ يحلّ ذلك لكم بمعنى رفع الحظر والمنع والتحريم ، فيفهم جواز الحلق بعد البلوغ فلا يكون التقصير متعيّنا ، وقد علم وجوبه ، فيكون الحلق مثله.

واعلم أنّه قد يستفاد من بعض هذه الوجوه الاكتفاء في ثبوت التحلّل بمجرّد حضور الوقت ، وعلى الأوّل فهل يتوقّف التحلّل بأحدهما على النيّة بحيث لو انتفت انتفى التحلّل؟ الظاهر من الأصحاب ذلك ، ولعلّ دليلهم الإجماع والاحتياط ، وكونه عبادة لا بدّ لها من النيّة ، وإلّا فيمكن المناقشة في الوجوب نظرا إلى إطلاق الآية والأخبار.

الثالث : ظاهر الآية يقتضي وجوب الهدي مع الإحصار ، سواء شرط وقت الإحرام على ربّه [الرجوع :] أن يحلّه حيث حبسه أو لم يشترط؟ وعلى هذا أكثر أصحابنا ، وأسقط

__________________

(١) ما بين العلامتين من مختصات نسخة سن.

(٢) مر بطوله في ص ١٤٥ فراجع.

(٣) زاد في سن ههنا «كما هو مقتضى الجمع بين الآية والرواية» وبعد ذلك أسقط المباحث الى قوله «وهل يتوقف التحلل» إلخ.

١٤٩

السيّد المرتضى وجماعة من الأصحاب وجوب الهدي مع الاشتراط ، قالوا لو لم يسقط لم يكن للشرط فائدة ، وهو باطل وقد نقل المرتضى على ذلك إجماع الفرقة ، وحكم بأنّ الآية مخصوصة بمن لم يشترط.

وقد يستدلّ له بصحيحة ذريح المحاربي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ وأحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال : فقال أو ما اشترط على ربّه أن يحلّه من إحرامه عند عارض يعرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه ، إنّ الله أحقّ بمن وفي بما اشترط عليه ، فقلت أفعليه الحجّ من قابل؟ قال : لا.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨١ الرقم ٢٧٠ والاستبصار ج ٢ ص ١٦٩ الرقم ٥٥٨ وحكاه صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٦٠٦ ثم قال : قلت ذكر الشيخ في الكتابين أن هذا الخبر محمول على كون الحج تطوعا فان من هذا شأنه لا يلزمه مع الإحصار الحج من قابل وأما إذا كان حج الإسلام فلا بد من الحج في القابل ولا بأس به.

والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢١ والوسائل الباب ٢٤ من أبواب الإحرام الحديث ٣ ص ٢٤٧ ج ٢ ط الأميري.

ثم ذريح على ما في ص ١٥٣ من توضيح الاشتباه للساروى الرقم ٦٧٢ بالذال المفتوحة والياء المثناة التحتية والحاء المهملة ابن محمد بن يزيد أبو الوليد المحاربي بضم الميم وكسر الراء المهملة قال الشيخ انه ثقة له أصل. وترى ترجمته أيضا في منهج المقال ص ١٣٨ وقال العلامة البهبهاني في حواشيه عليه رواية جعفر بن بشير وصفوان وابن المغيرة ويونس تشير الى وثاقته ، وكذا كون كتابه يرويه عدة من الأصحاب وكونه كثير الرواية.

قلت وقد تقدم في معنى قضاء النفث في ص ١٢٨ من هذا المجلد صحيحة عبد الله بن سنان تدل على جلالته وعظم قدره ، وقد دلت على انه يحتمل من الاسرار والغوامض الإلهية مالا يحتمل غيره.

ومما يدل على وثاقته الحديث المروي في التهذيب ج ٦ ص ١٩٨ بالرقم ٤٤١ والاستبصار ج ٣ ص ٦ الرقم ١٤ والفقيه ج ٣ ص ١١٧ بالرقم ٥٠١ وعلل الشرائع ج ٢ ـ

١٥٠

دلّت الرّواية على التحلّل بمجرّد الإحصار مع الاشتراط من غير تعرّض لاعتبار الهدي ، ولو كان واجبا لذكر في مقام البيان ، وإلّا لزم تأخيره عن وقت الحاجة وهو باطل وأجيب بأنّ الفائدة من الاشتراط جواز الإحلال لا سقوط الهدي وفيه نظر لأنّ التحلّل حاصل له جوازه مع العذر ، وإن لم يشترط كما دلّ عليه حسنة زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال هو حلّ إذا حبسه اشترط أو لم يشترط ، ونحوها رواية حمزة بن حمران (٢) سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الّذي يقول حلّني حيث حبستني ، قال هو حلّ حيث حبسه ، قال أو لم يقل.

وظاهرهما أنّه مع العذر الشّرعي يجوز له التحلّل في الصّورتين ، ومقتضاه أنّ التحلّل بنفسه لا يكون فايدة للاشتراط ، وهذا لا ينافي أنّه مع الاشتراط لا حاجة فيه إلى شيء آخر ، ومع عدمه يحتاج إليه إذ أقام الدّليل عليه ، وهو الصّحيحة المذكورة ويجوز أن يكون الفائدة هنا هي التعبّد أي كونه تعبّدا ودعاء مأمورا به ، يترتّب عليه الثواب فقطّ من غير أن يظهر لذلك أثر في مقدّمات الإحرام.

وفيه بعد إذ الظاهر أنّ الفائدة في هذا المقام غير ذلك ممّا له أثر في مقدّمات

__________________

ـ ص ٢١٦ ط قم الباب ٣١٣ حيث استدل ابن ابى عمير بحديث ذريح المحاربي عن أبى عبد الله انه قال : لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدين ورد دراهم غريمه الذي باع داره فيدل على كمال اعتماد ابن ابى عمير بهذا الرجل وصحة حديثه فما أفاده المصنف من كون الحديث صحيحا صحيح ، وعده محمد ط نجف أيضا في إتقان المقال ص ٦٠ من الثقات.

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨٠ الرقم ٢٦٧ والكافي ج ١ ص ٢٥٧ باب صلاة الإحرام وعقده والاشتراط فيه الحديث ٧ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٨٨ والمنتقى ج ٢ ص ٦٠٧ والوافي الجزء الثامن ص ١٢١ والوسائل الباب ٢٥ من أبواب الإحرام الحديث ١ ص ٢٤٧ ج ٢ ط الأميري.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٨٠ الرقم ٢٦٦ والكافي ج ١ ص ٢٥٧ والفقيه ج ٢ ص ٢٠٧ بالرقم ٩٤٢ عن حمران بن أعين وص ٣٠٦ بالرقم ١٥١٦ عن حمزة بن حمران وهو في الوافي الجزء الثامن ص ١٢١ والوسائل ج ٢ ص ٢٤٧ و ٢٩٤ ج ٢ ط الأميري.

١٥١

الإحرام لا مجرّد التعبّد.

لا يقال : عندنا ما ينافي ذلك وهو صحيحتا (١) محمد بن مسلم ورفاعة عن الصادق عليه‌السلام قالا : القارن يحصر وقد قال واشترط «فحلّني حيث حبستني» قال عليه‌السلام يبعث بهديه ، الحديث ، لأنّا نقول هذا غير ما نحن فيه ، إذ لا كلام في وجوب بعث هدى السّياق مع تعيّنه بالسّياق وقد ادّعى الشّهيد في الدروس على إنفاذه الإجماع ، وصرّح بأنّ محلّ الخلاف غيره ، ومن هنا يظهر أنّ استدلال بعضهم بها على عدم السّقوط مع الشرط لا وجه له.

وقد اختلف الأصحاب في وجوب بعث هدي آخر مع هدي السّياق أو يكفي إرساله فقط ، الأكثر على الاكتفاء بإرساله في التحلّل ، وقد يكون في ظاهر الآية دلالة عليه فإنّها تدلّ على وجوب ما استيسر ، وهدي السّياق كاف ، فانّ مقتضى ما استيسر الاكتفاء بذبح الموجود ، وأوجب عليّ بن بابويه بعث هدي آخر معه ، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدى محلّه ، وهو الظاهر من كلام ابنه في الفقيه (٢) حيث قال : وإذا قرن الرّجل الحجّ والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه ، ولا يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه ، فإذا

__________________

(١) في التهذيب ج ٥ ص ٤٢٣ بالرقم ١٤٦٨ : الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام وفضالة عن ابن ابى عمير عن رفاعة عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنهما قالا القارن يحصر وقد قال واشترط «فحلني حيث حبستني» قال يبعث بهديه قلنا هل يتمتع في قابل؟ قال لا ولكن يدخل بمثل ما خرج منه.

قال صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٦٠٥ قلت في اسناد هذا الحديث سهو فان كلا من فضالة وابن أبى عمير يروى عن رفاعة ولا يعرف لأحدهما عن الأخر رواية ، فالصواب إثبات الواو في موضع عن.

والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢١ وفي الوسائل الباب ٤ من أبواب الإحصار والصد الحديث ١ ص ٢٩٣ ج ٢ ط الأميري.

(٢) انظر الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥.

١٥٢

بلغ محلّه أحلّ وانصرف إلى منزله ، وعليه الحجّ من قابل.

وفصّل آخرون فقالوا إذا أحصر ومعه هدي قد ساقه ، فان كان قد أوجبه عليه بوجه من الوجوه بعث بهدي آخر للتحلّل عن إحصاره ، وإن لم يكن أوجبه بحال من إشعاره ولا غيره أجزأه عن إحصاره وهو جيّد فإنّه مع إيجاب الهدي يكون قد تعيّن عليه ذبحه أو نحره ، فلا يكون مجزيا عن هدي الإحصار ، لأصالة عدم التداخل واقتضاء كلّ سبب مسبّبا ، أمّا مع عدم إيجابه فيكفي ، بظاهر الآية.

وعلى كلّ حال فهل يجب تقسيم هذا الهدي مثل هدى التمتّع أو صرف جميعه إلى الفقراء أو لا يجب شيء سوى الذبح ، يحتمل الأخير للأصل السّالم عن المعارض وعدم اقتضاء ما يخرجه عن ملكه إلّا أن يدّعى أنّ الغرض من ذبحه حصول النّفع للفقراء لا مجرّد الذّبح ، ولا كونه بدل هدي التمتّع ، ولهذا يجب على غير المتمتّع أيضا ، والاحتياط غير خفيّ.

الرابع : أطلق الشّافعيّة عدم وجوب الحجّ من قابل بعد التحلّل بذبح الهدي واستدلّ القاضي (١) عليه بظاهر الآية نظرا إلى أنّ اقتصاره تعالى في صورة الإحصار على الهدي دليل عدم القضاء ، وأنكره الحنفيّة فأوجبوا القضاء من قابل ، والّذي ذهب إليه أصحابنا وجوب قضاء الحجّ من قابل إذا كان واجبا [مستقرّا في ذمّته قبل عام الفوات] وعليه دلّت أخبارهم وربما يأبى ذلك ما في صحيحة ذريح (٢) المتقدّمة لاقتضائها عدم الوجوب ، وحملها الشّيخ على النّدب ، ويمكن حملها على من لم يستقرّ الوجوب في ذمّته كما لو لم يمض عليه زمان يمكن إيقاع الحجّ وأخّره عمدا من غير عذر ، فإنّه حينئذ لا يجب عليه الحجّ مع فوات الاستطاعة ، نعم لو بقيت استطاعته في السّنة المقبلة أيضا وجب عليه الحجّ.

الخامس : مقتضى الآية وجوب التحلّل بالهدي مع الإحصار بالمرض ، سواء فاته الحجّ أولا ، وقال بعضهم ذلك مقيّد بعدم فواته ، حتّى أنّه لو صبر المحصر ولم يتحلّل

__________________

(١) انظر ص ٤٢ ط المطبعة العثمانية.

(٢) قد مر في ص ١٢٨ من هذا الجزء.

١٥٣

بالهدي حتّى فاته الحجّ وجب عليه العمرة للتحلّل بأن ينقل نفسه بالنيّة أو ينتقل من غير نيّة على الخلاف بينهم ، فلو حصر عنها أيضا تحلّل بالهدي ، وظاهر الآية عامّ ويؤيّده الأخبار الواردة (١) في الحصر وما ورد من الأخبار الدالّة على وجوب العمرة على من فاته الحجّ لو سلّم صحّتها فالظّاهر أنّ المراد به في صورة الإفساد لا مطلقا وحينئذ فلا وجه لتخصيص الآية ، بل ولا الأخبار الصحيحة لأنّ التّخصيص يتوقّف على كون دلالة اللّفظ على الفرد المخرج دلالة نصّية أقوى وأتمّ من دلالة العامّ عليه ، وإلّا فلا وجه للتخصيص ، وهو منتف هنا.

كذا قيل وفيه نظر إذ الظاهر أنّ الآية تدلّ على وجوب التحلّل بالهدي مع عدم الفوات كما قاله البعض ، لا مع الفوات فانّ قوله (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) من تمام سابقه ، والمنع من الحلق حتّى يبلغ الهدي المبعوث محلّه يقتضي أنّ وجوبه إنّما يكون مع بقاء وقت يمكن فيه بعث الهدي ، فمع فوات ذلك الوقت لا يجب الهدي ، فيتمّ قول ذلك البعض بالتقيّد فتأمّل.

السادس : لو لم يحلّ هذا المحصر والتحق بعد بعث الهدي فأدرك الوقوف المجزي وجب الحجّ قطعا وإن ذبح عنه ، إن كان الحصر عن الحجّ ، ولو كان عن العمرة فالظاهر أنّه كذلك أيضا. ولو فات الحجّ على ذلك التقدير ولم يذبح الهدي فالظّاهر من الأصحاب وجوب التحلّل بالعمرة المفردة.

وقد يدلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أيّما قارن

__________________

(١) انظر أبواب الإحصار والصد في الوسائل من ص ٢٩٢ الى ص ٢٩٤ ط الأميري.

(٢) انظر الفقيه ج ٢ ص ٢٨٤ الرقم ١٣٩٤ والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٤ الرقم ٩٩٨ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠٧ الرقم ١٠٩٥ والكافي ج ١ ص ٢٩٦ باب من فاته الحج الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٣٧ وفي ألفاظ المشايخ الثلاثة تفاوت يسير وما نقله المصنف بعض الحديث بلفظ الفقيه.

وانظر بسط الكلام في الحديث في المنتقى ج ٢ ص ٥٣٦ وص ٥٣٧ والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٥٩ والوسائل الباب ٢٧ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١ ص ٣٤٦ ط الأميري.

١٥٤

أو مفرد أو متمتّع قدم وقد فاته الحجّ فليحلّ بعمرة وعليه الحجّ من قابل ، وعلى هذا فيخصّص عموم الآية بهذه الرواية ، ويمكن عكس الأمر بأن يخصّص هذه الرّواية بغير المحصر نظرا إلى ظاهر الآية وأخبار الحصر.

ويؤيّد ذلك ما رواه داود الرقّى (١) قال كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام بمنى إذ جاءه رجل فقال إنّ قوما قدموا وقد فاتهم الحجّ فقال نسأل الله العافية أرى أن يهريق كلّ واحد منهم شاة ويحلق ، وعليه الحجّ من قابل ، إن انصرفوا إلى بلادهم وإن أقاموا

__________________

(١) انظر الفقيه ج ٢ ص ٢٨٤ الرقم ١٣٩٥ والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٥ الرقم ١٠٠ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠٧ الرقم ١٠٩٧ والكافي ج ١ ص ٢٩٦ باب من فاته الحج الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٣٧ وقال في شأن الحديث : مختلف فيه ونقله في المنتقى عن الشيخ ج ٢ ص ٥٤٠ ثم قال وردوه بضعف سند الرواية لتعارض الجرح والتعديل في حق داود ورجحان الجرح.

ثم قال وأنت خبير بأن صحة هذا الخبر على رأيهم وتضمنه في رواية الصدوق لذبح الشاة وهي أقرب الى الضبط تقتضي قوة القول بالوجوب ، وضعف التعلق في نفسه بعدم صحة روايته انتهى.

ويريد صاحب المعالم من الخبر الصحيح عندهم حديث ضريس المروي في الفقيه ج ٢ ص ٢٤٣ الرقم ١١٦٠ والتهذيب ج ٥ ص ٢٩٥ الرقم ١٠٠١ والاستبصار ج ٢ ص ٣٠٨ الرقم ١٠٩٨ المصرح في لفظ الفقيه وجوب ذبح الشاة الموافق لمفاد حديث داود الرقي في ذلك.

ثم الرجل قال الساروى في توضيح الاشتباه ص ١٥١ الرقم ٦٦٢ داود بن كثير بفتح الكاف الرقى بفتح الراء المهملة وتشديد القاف مختلف فيه.

والرقى بفتح الراء المهملة وتشديد القاف على ما في اللباب ج ١ ص ٤٧٣ والأنساب للسمعاني ج ٦ ص ١٥٦ الرقم ١٨٠٧ والإكمال لابن مأكولا ج ٤ ص ٨٥ منسوب إلى الرقة وهي مدينة على طرف الفرات مشهورة بها من الجزيرة قال الحموى في معجم البلدان ج ٣ ص ٥٩ ط بيروت بينها وبين حران ثلاثة أيام. ـ

١٥٥

حتّى يمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى وقت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحجّ من قابل. لدلالتها على عدم وجوب العمرة عليهم على التعيين ، فيمكن حملها على المحصر جمعا بين الأدلّة ، لكن في متنها شيء لا يخفى فتأمّل.

السابع : لو لم يتحلّل ولحق بأصحابه وقد فاته الحجّ لكن ذبح عنه هديه قال في الدروس ففي الاجتزاء به أو التحلّل بالعمرة وجهان ، قلت لعلّهما ناظران إلى ظاهر

__________________

ـ واختلف علماؤنا في هذا الرجل فذكره الشيخ في الفهرست ص ٩٣ بالرقم ٢٨٣ من دون ذكر مدح وقدح ، وكذا في أصحاب الإمام الصادق في رجاله ص ١٩٠ بالرقم ٩ وسرده في أصحاب الإمام الكاظم ص ٣٤٩ ووثقه وروى الكشي في رجاله ص ٣٤٤ و ٣٤٧ ما يدل على وثاقته أتم الوثاقة وفيه أنه عاش الى وقت الرضا عليه‌السلام.

وسرده المفيد قدس‌سره في الإرشاد في ثقات أصحاب الكاظم ص ٢٨٥ وسرده العلامة في الخلاصة في القسم الأول ص ٦٧ الرقم ١ وقوى وثاقته بعد الترديد أولا ، الا أنه ضعفه في إيضاح الاشتباه وقوى العلامة البهبهاني في حواشيه الرجالية على ص ١٣٧ منهج المقال وثاقته وسرده الشيخ محمد طه نجف في إتقان المقال في الثقات ص ٥٩.

وضعفه النجاشي ص ١١٩ ط المصطفوى وكذا المنقول عن ابن الغضائري بل يتراءى أيضا من رجال ابن داود ص ٤٥٢ الرقم ١٧٣ ففيه قال احمد بن عبد الواحد قل ما رأيت له حديثا سديدا والذي يتقوى عندي هو ما اختاره العلامة البهبهاني من وثاقته لمكان رواية مثل ابن أبى عمير وابن محبوب عنه وكثرة الروايات عنه وكون رواياته مفتى بها في كتب الأصحاب وتوثيق المفيد وهو عارف ثقة.

ثم الرجل فيه ذكر في كتب أهل السنة أيضا انظر التقريب لابن حجر ج ١ ص ٢٣٤ الرقم ٣٧ نثر النمنكانى والجرح والتعديل لابن ابى حاتم القسم الثاني من المجلد الأول ص ٤٢٣ الرقم ١٩٢٨ وميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٩ الرقم ٢٦٤٣ عدوه مجهولا نعم حكى في ميزان الاعتدال عن ابن حبان انه من الثقات وعده ابن حجر من الطبقة الثامنة.

ثم الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٦٠ والوسائل ج ٢ ص ٣٤٦ ط الأميري الباب ٢٧ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٣.

١٥٦

الآية المقتضى للتحلّل بما استيسر من الهدي ، وإلى أنّ المقتضى للتحلّل مع فوات وقت الحجّ هو العمرة المفردة ، ولا يبعد ترجيح الأوّل لظاهر الآية ولصحيحة زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «وإن قدم مكّة وقد نحر هديه فانّ عليه الحجّ من قابل والعمرة ، قلت فان مات قبل أن ينتهي إلى مكّة قال إن كانت حجّة الإسلام يحجّ عنه ويعتمر ، فإنّما هو شيء عليه» لدلالتها علي أنّه متى قدم بعد فوات الحجّ وحصول الذّبح لم يكن عليه شيء إلّا الحجّ مع العمرة في القابل ، إذ لم يتعرّض في ذلك لما يجب عليه الآن ، فلو وجب عليه شيء آخر ، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولا يرد جواز أن يكون المراد يجب عليه الحجّ من قابل والعمرة الآن للتحلّل. لأنّ تتمّة الرّواية صريحة فيما قلناه فتأمّل.

الثامن : قد يدّعى أنّ الظاهر من الآية الإحصار عن إتمام الأفعال بمعنى أنّه لم يأت بالحجّ ولا بالعمرة تامّين ومقتضى ذلك ثبوت أحكام الحصر فيما يضرّ تركه عمدا كطواف الزّيارة ونحوه ممّا يبطل [الحجّ] عمدا لا نحو مناسك منى وطواف النّساء لعدم فوات الحجّ به ، وإن تعمّد.

وفيه نظر فانّ الظاهر من الآية ، المنع عمّا يحصل الحجّ أو العمرة به ويتحقّق فواتهما بفواته ، كالموقفين أو أحدهما إذا استلزم فوت الآخر ، ومتى حصل أحدهما لم يثبت حكم الحصر ، ويؤيّد ذلك ما قاله الأصحاب إنّه إذا مرض بعد الموقفين طيف به إن أمكن ، وإلّا استناب من يطوف عنه ، وأيضا إبطال الحجّ بعد تحقّق الموقفين اللّذين هما العمدة والمدار في حصول الحجّ وفواته ، وإيجاب هدي آخر والطواف ، لإباحة النّساء خلاف الأصل ، وبعيد عن الشريعة السمحة السهلة ، فعلى هذا لو أحصر عن عرفة فحصل له وقوف المشعر أو العكس لم يجب عليه شيء للإحصار.

ويؤيّد ذلك الأخبار (٢) الدّالّة على إدراك الحجّ بإدراك أحد الموقفين ، وصحيحة

__________________

(١) راجع الوسائل أبواب الإحصار والصد الباب ٣ تحت الرقم ١.

(٢) تجدها خلال أبواب الوقوف بعرفات وأبواب الوقوف بالمشعر من الوسائل.

١٥٧

الفضل بن يونس (١) قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرّف فبعث به إلى مكّة فحبسه ، فلمّا كان يوم النّحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ قال يلحق فيقف بجمع ثمّ ينصرف إلى منى فيرمي ويحلق ويذبح ولا شيء عليه قلت فان خلّى عنه اليوم الثّاني كيف يصنع؟ قال : هذا مصدود عن الحجّ ، فان كان دخل متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وإن كان دخل مكّة مفردا فليس عليه ذبح ولا حلق.

وهذه وإن كان في الصدّ لكنّ الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك ، إذ مقتضاها

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٥ ص ٤٦٥ الرقم ١٦٢٣ والكافي ج ١ ص ٢٦٧ باب المحصور والمصدود الحديث ٨ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣١٠ وجعله المجلسي من الموثق ولفظ الكافي مكان «ولا حلق» «ولا شيء عليه» والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢١ وفي الوسائل الباب ٣ من أبواب الإحصار والصد الحديث ٣ ص ٢٩٣ ج ٢ ط الأميري.

وتصحيح المصنف لهذا الحديث مبنى على سكوت النجاشي عن وقف الفضل بن يونس وحكمه بأنه ثقة له كتاب انظر ص ٢٣٧ ط المصطفوى وأما الشيخ فسرده في رجاله ص ٣٥٧ الرقم ٢ في أصحاب الكاظم وقال الفضل بن يونس الكاتب أصله كوفي تحول الى بغداد مولى واقفي وذكره في الفهرست ص ١٥١ الرقم ٥٦٥ ولم يذكر له مدحا ولا قدحا.

وسرده العلامة أيضا في الخلاصة في القسم الثاني من الضعفاء ص ٢٤٦ ط النجف وحكم بأنه واقفي مع نقله توثيق النجاشي إياه ونقل أبو على في منتهى المقال عن كتاب المشتركات أنه واقفي وقال العلامة البهبهاني في حواشيه الرجالية على منهج المقال ص ٢٦١ والحكم بوقفه لا يخلو عن شيء واكتفى في زبدة البيان ص ٢٤٦ ط المرتضوي بذكر توثيق النجاشي ، وسرده محمد طه نجف في إتقان المقال في القسم الثقات ص ١٠٩ وفي الضعفاء ص ٣٣٥ ثم قال : والأقوى عندي وثاقته كما مر ، بل في إهمال النجاشي ذكر وقفه يستشم منه توقفه في وقفه أو نفيه انتهى.

وحكم بوثاقته أيضا المجلسي ويظهر من السبزواري توقفه في وقفه ، وقال المحقق في المعتبر ص ١٣٦ ط ١٣١٥ مسئلة آخر وقت الظهر وأما خبر الفضل فضعيف لأنه واقفي ـ

١٥٨

إدراك الحجّ بإدراك المشعر اختياريّا كان أو اضطراريا لظاهر إطلاق يوم النحر ، فإنّه يصدق على ما قبل طلوع الشّمس وبعده ، وترك الاستفصال أمارة العموم ، بل قد يدّعى أنّ المراد هنا الاضطراريّ لأنّ الغالب أنّ المطلق من الحبس يوم النحر لا يصل إلى المشعر قبل طلوعها.

التاسع : هل لهذا الهدي بدل كهدي التمتّع أم لا بدل له حتّى أنّه لو لم يجده كان باقيا على إحرامه إلى أن يجده؟ نقل الشهيد في الدروس الثّاني عن الشيخ ، ونقل عن ابن الجنيد خلافه ، وأنت خبير بأنّ ظاهر الآية مع الشيخ ، حيث دلّ على المنع من الحلق إلّا ببلوغ الهدي محلّه ، وإلّا لم يكن الغاية غاية ، ولكن لزوم الحرج

__________________

ـ ومقصوده من خبر الفضل ما رواه من عدم وجوب قضاء الظهر على الحائض التي تطهر بعد مضى أربعة أقدام ، المروي في التهذيب ج ١ ص ٣٨٩ الرقم ١١٩٩ والاستبصار ج ١ ص ١٤٢ بالرقم ٤٨٥ والكافي ج ١ ص ٢٩ باب المرأة تحيض بعد دخول وقت الصلاة الحديث ١ الموجود في المرآة ج ٣ ص ٤٤ وهو في الوسائل الباب ٤٩ من أبواب الحيض الحديث ٢ وفي الحدائق ج ٦ ص ١٢٠ ورده صاحب المدارك ص ١١٧ بأنه واقفي.

ثم في زبدة البيان ص ٢٤٧ عند التكلم في الحديث مباحث مفيدة لا يمكننا الصفح عن نقلها قال قدس‌سره : وفي هذا الخبر فوائد :

الاولى عدم تحقق الصد إذا كان محبوسا بالحق وذلك يفهم من قوله «ظالما له» بالمفهوم وذكره الأصحاب أيضا ويدل عليه العقل والنقل أيضا وهو ظاهر.

الثانية إدراك الحج بإدراك المشعر اضطراريا كان أو اختياريا ، لظاهر يوم النحر فإنه يصدق على ما قبل طلوع الشمس وبعده ، مع أنه سكت عن التفصيل ، بل الظاهر الاضطراري لأن الغالب ان المطلق عن الحبس يوم النحر ما يصل الى المشعر قبل طلوعها.

الثالثة عدم تحقق الصد بالمنع عن عرفة فقط مع تيسر المشعر.

الرابعة تحققه إذا اخرج من الحبس بعد فوت المشعر.

الخامسة أنه لو كان بعد التعريف أيضا لم يكن مصدودا لقوله قبل ان يعرف بل يكون حجة مجزيا بإدراك عرفة وحدها أيضا مطلقا. ـ

١٥٩

والضيق المنفيّ وكونه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث بالشريعة السّمحة السّهلة ، قد يدلّ على قول ابن الجنيد.

ويؤيّده حسنة معاوية بن عمّار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في المحصور ولم يسق هديا قال : ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام ، لظهور أنّ المراد من

__________________

ـ السادسة وجوب الذبح والحلق مع العمرة.

السابعة عدم وجوب كفارة بفوت منسك بغير الاختيار.

الثامنة ان الواجب على المصدود بعد العمرة المتمتع بها عن حج التمتع على الظاهر هو العمرة المفردة لكن مع وجوب الذبح أيضا وتعين الحلق وذلك غير ظاهر من كلام الأصحاب ، ويمكن حمل الذبح على الاستحباب وعلى كونه هدى التمتع الواجب ، وحمل الحلق على الاستحباب أو على كون الحاج صرورة لوجود ما ينافيه من جواز التقصير أيضا على ما ذكره الأصحاب.

التاسعة يمكن استفادة وجوب التحلل بالعمرة إذا لم يتحلل بالهدي وفات الحج في المحصور أيضا ، كما يقوله الأصحاب قياسا على المصدود.

العاشرة أن الواجب هو العمرة فقط من دون الذبح والحلق إذا كان مصدودا عن الحج المفرد ، أو عدم وجوب شيء أصلا إذا كان مفردا كما يدل عليه ظاهر الكافي بل قوله في التهذيب «ولا حلق» إذ لو كان عليه عمرة لكان عليه الحلق ولو تخييرا بينه وبين التقصير الا أن يقال : المراد نفى التعيين فيفهم حينئذ القول بالتعيين في الإحلال عن حج التمتع ولا يقول به أحد على الظاهر فتأمل.

الحادية عشر انتقال إحرام الحج إلى إحرام العمرة ، من غير قصد واحتياج الى النقل كما هو مذهب البعض.

الثانية عشر أنه يفهم عدم وجوب طواف النساء في هذه العمرة فتأمل.

انتهى ما أردنا نقله من زبدة البيان.

(١) الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥ الرقم ١٥١٤ وهو في الكافي باب المحصور والمصدود الحديث ٥ ج ١ ص ٢٦٧ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٠٩ ولفظ المصنف كالكافي وروى في المنتقى حديث الفقيه ج ٢ ص ٦٠٣ وحديث الكافي ص ٦٠٧ والحديث في الوافي الجزء الثامن ص ١٢٠ وفي الوسائل ج ٢ ص ٢٩٣ ط الأميري.

١٦٠