مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ٢

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

أبى جعفر عليه‌السلام وقيل بكّة موضع البيت والمطاف ومكة اسم البلد ، ونقله في مجمع البيان (١) عن الأكثر ، واشتقاقها من بكّة إذا زحمه ودفعه لأنّهم يتباكون فيها أى يزدحمون في الطواف وقيل لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة أى تدقّها لم يقصدها جبار بسوء إلّا اندقّت عنقه (٢).

أمّا مكة فاشتقاقها من امتكّ الفصيل ضرع أمّه إذا امتصّ ما فيه واستقصى فسميّت بذلك لأنّها تجذب النّاس من كلّ جانب وقطر أو لقلة مائها كأنّ أرضها امتصّت ماءها.

(مُبارَكاً) كثير الخير والبركة والنفع لمن حجّة أو عمرة أو اعتكف عنده أو طاف حوله لما فيه من الثّواب العظيم المضاعف وتكفير الذّنوب (٣) وهو حال من المستكنّ في الظرف.

(وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) دلالة لهم على الله سبحانه بإهلاكه كلّ من قصده من الجبابرة كأصحاب الفيل وغيرهم ، وباجتماع الظبي في حرمة مع الكلب والذئب ولا ينفر عنه كما ينفر في غيره من المواضع وباستيناس الطيور فيه بالنّاس وباستشفاء المريض به (٤).

وبأنّه لا يعلوه طير إعظاما له إلى غير ذلك من الدلالات أو أنّهم يهتدون به لأنّه قبلتهم ومتعبّدهم.

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) دلالات واضحات والجملة مفسّرة للهدي على الوجه الأوّل ويحتمل أن يكون حالا اخرى.

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٤٧٧.

(٢) زاد في سن وعش وهامش قض :

وفي الموثق عن ابى جعفر عليه‌السلام : كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها.

(٣) زاد في سن وعش : وتوسيع الرزق ، وقيل لثبوت العبادة فيه دائما حتى قيل : ان الطواف به لا ينقطع أبدا وحمله على الأعم أولى.

(٤) زاد في سن وعش وهامش قض : وانمحاق جمار الرمي مع كثرة الرماة ، فلو لا أنها برفع لاجتمع من الحجارة مثل الجبال.

١٠١

(مَقامُ إِبْراهِيمَ) مبتدأ حذف خبره أي منها مقام إبراهيم أو بدل من آيات بدل البعض أو عطف بيان لقوله «آيات» وصحّ بيان الجمع بالواحد إمّا لأنّه وحده بمنزلة آيات كثيرة كما جعل إبراهيم وحده امّة لظهور شأنه وقوّة دلالته على قدرة الله ونبوّة إبراهيم عليه‌السلام من تأثير قدمه في حجر صلد وإمّا لاشتمالها عليها لأنّ أثر القدم في الصخرة الصّماء آية ، وغوصة فيها إلى الكعبين آية وإمّا لأنّه بعض الصّخرة دون بعض آية وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء آية وحفظه مع كثرة الأعداء من المشركين وأهل الكتاب الملاحدة ألوف سنة آية.

وفي حسنة ابن سنان (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) ما هذه الآيات البينات؟ قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه ، والحجر الأسود ومنزل إسماعيل ، وسبب هذا الأثر أنّه لمّا ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكّن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه أو أنّه لما جاء زائرا من الشام أرادت امرأة إسماعيل أن تغسل رأسه فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر ووضعته مرة إلى شقّه الأيمن فوضع قدمه عليه وإلى الأيسر فوضع قدمه عليه فبقي أثر قدمه.

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) جملة ابتدائيّة أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على مقام ، لأنّه في معنى أمن من دخله أي ومنها أمن من دخله واقتصر في الآيات عليهما لأنّ فيهما غنية عن غيرهما في الذات : من بقاء الأثر مدى الدهر ، والأمن من العذاب يوم القيامة.

وقد تظافرت الأخبار بكونه أمنا من العذاب يوم القيمة روى عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مات في أحد الحرمين (٢) بعث يوم القيامة آمنا ونحوها.

__________________

(١) انظر الكافي ج ١ ص ٢٢٧ باب في قوله تعالى (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦٠ ونقله في المنتقى ج ٢ ص ٢٦٦ والوافي الجزء الثامن ص ١٦ والبرهان ج ١ ص ٢٩٩ ونور الثقلين ج ١ ص ٣٠٤ الرقم ٢٥٦ وهو في الوسائل الباب ١٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٤ ج ٢ ص ٣٠٠ ط الأميري.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ١٤٧ في الرقم ٦٥٠ واللفظ فيه بعثه الله من الآمنين ونقله في ـ

١٠٢

ويحتمل أن يكون الخبر هنا بمعنى الأمر ، والمراد من دخله أمّنوه ويؤيّده ما رواه الحلبي في الحسن (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : إذا أحدث العبد جناية في غير الحرم ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسغ لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يطعم ولا يكلّم فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم لأنّه لم يرع للحرم حرمة. وما رواه علىّ بن أبي حمزة (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال : إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية على نفس ففرّ إلى مكّة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتّى يخرج منه ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ منه ، ونحوهما من الأخبار (٣).

__________________

ـ الوافي الجزء الثامن ص ١٠ وأخرجه بلفظ المصنف الكشاف ج ١ ص ٣٨٩ ط دار الكتاب العربي واخرج مضمونه في الدر المنثور بطرق مختلفة وألفاظ متقاربة عن البيهقي والجندي وغيرهما ج ٢ ص ٥٥ وقريب منه في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٥ عن القطب الراوندي وما تجده في خلال الأحاديث الواردة في ثواب الحج والعمرة وفي البحار ج ٢١ الباب ٧٠ ص ٩١.

(١) الكافي ج ١ ص ٢٢٨ باب في قوله ومن دخله كان آمنا الحديث ٢ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦١ ونقله في المنتقى ج ٢ ص ٢٨٤ والوافي الجزء الثامن ص ١٧ والوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢ ج ٢ ص ٢٩٨ ط الأميري.

(٢) الكافي ج ١ ص ٢٢٨ باب في قوله ومن دخله كان آمنا الحديث ٣ وهو في المرآة ج ٢ ص ٢٦١ والوافي الجزء الثامن ص ١٧ والوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٣ ج ٢ ص ٢٩٦ ط الأميري.

(٣) مثل حديث معاوية بن عمار المروي في التهذيب ج ٥ ص ٤١٩ بالرقم ١٤٥٦ وص ٤٥٣ بالرقم ١٦١٤ والكافي ج ١ ص ٢٢٨ باب الإلحاد بمكة والجنايات الحديث ٤ المحكي في المنتقى عن الكافي وموضعين من التهذيب مع اختلاف الألفاظ والإسناد في ج ٢ ص ٢٦٩ وهو في التهذيب بالرقم ١٦١٤ هكذا : على بن مهزيار عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال قلت له رجل قتل رجلا ـ

١٠٣

لكن هذا يقتضي كون الضمير في (وَمَنْ دَخَلَهُ) راجعا إلى الحرم لا إلى البيت أو بكّة ، والمذكور هما لا غيرهما ويمكن أن يرجع الضمير إلى مقام إبراهيم ويراد بمقام إبراهيم الحرم كلّه على ما يروى عن ابن عباس أنّه قال الحرم كلّه مقام إبراهيم وهو مبنىّ على أن يراد المقام لغة وهو ما أقام فيه أو توسّع فيه فأطلق اسم الجزء على الكلّ وفي حسنة عبد الله بن سنان (١) قال سألته عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) البيت عنى أو الحرم؟ قال : من دخل الحرم مستجيرا من النّاس فهو آمن من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم ، وهي صريحة في كون الضمير للحرم ويؤيّد ذلك قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (٢).

وبالجملة الحكم بعدم إقامة الحدّ في الحرم على من التجأ إليه ممّا ذهب إليه أصحابنا وقد تظافرت أخبارهم بذلك إلّا أنّ الاستناد في الحكم إلى ظاهر الآية بعيد لعدم ظهورها

__________________

ـ في الحل ثم دخل الحرم؟ فقال : لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد قلت فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق فقال يقام عليه الحد صاغرا انه لم ير للحرم حرمة وقد قال الله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) يقول هذا في الحرم فقال لا عدوان الا على الظالمين.

وكذالك أخبار أخر انظر العياشي ج ١ ص ١٨٩ والبرهان ج ١ ص ٣٠١ ونور الثقلين ج ١ ص ٣٠٧ والبحار ج ٢١ ص ١٧ والوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف ج ٢ ص ٢٩٨ والوافي الجزء الثامن ص ١٧ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٣٩.

وبمضمونه أيضا أخبار أهل السنة انظر الدر المنثور ج ٢ ص ٥٤ وص ٥٥.

(١) انظر التهذيب ج ٥ ص ٤٤٩ الرقم ١٥٦٦ والفقيه ج ٢ ص ١٦٣ الرقم ٧٠٣ والكافي ج ١ ص ٢٢٨ باب في قوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦١ ومنتقى الجمان ج ٢ ص ٢٦٩ والوافي الجزء الثامن ص ١٧ والوسائل الباب ١٤ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١٢ ج ٢ ص ٢٩٨ ط الأميري.

(٢) العنكبوت : ٦٩.

١٠٤

في ذلك ، واحتمال المعنى الأوّل قائم ، نعم يتمّ بمعونة الأخبار ، وقد وافقنا على ذلك أكثر العامة ، واتّفقت الأمة على أنّ من أصاب فيه ما يوجب الحدّ أقيم الحدّ عليه فيه لعدم احترامه.

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) قصده للزيارة على الوجه المخصوص المشتمل على إيقاع المناسك المؤدّاة في المشاعر المخصوصة (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) بدل من الناس مخصّص لعمومه أي أوجب الله على المستطيع من الناس حجّ البيت :

وقد اختلف في الاستطاعة المحصّلة للوجوب فقيل إنّها بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق ولو بسؤال الناس إذا كان من عادته ذلك وهو مذهب المالكية ويدفعه ما صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه فسّر الاستطاعة بالزّاد والرّاحلة ، وقال الشافعيّة إنّها بالمال فقط ، ومن ثمّ أوجبوا الاستنابة على الزّمن المقعد إذا وجد اجرة من ينوبه ، ويردّه أنّها عبادة متعلّقة بالبدن أيضا فيمتنع التكليف بها مع العجز ، إذ لم بعهد من الشارع التكليف بمثله.

والّذي عليه أصحابنا رضوان الله عليهم أنّها بمجموع الأمرين فلم يوجبوه إلّا على من قدر على الزّاد والرّاحلة عينا أو ثمنا ونفقة عياله ذاهبا وآئبا فاضلا عن حوائجه الأصلية اللازمة له في حالة السفر ، وكان صحيحا في نفسه ، سالما عمّا يعوقه عن المسير من الأمراض وانقطاع الطريق وضيق الوقت ، فلو لم يغلب على ظنّه السلامة في الطريق لخوف سبع أو لصّ أو نحو ذلك أو خافت المرأة على بضعها أو كان ضعيفا لا يقوى على الاستمساك على الرّاحلة لضعف أو مرض أو غيره ، فهو غير مستطيع ، وكذا لو ضاق عليه الوقت بحيث لا يفي بالوصول وإيقاع الأفعال ، وقد تظافرت بذلك الأخبار عن الأئمة الأطهار الّذين هم مهبط الوحي ومعدن التنزيل ، وأعرف بأسرار الكتاب وبشريعة جدّهم [محمّد] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

روى محمّد بن يحيى الخثعمي (١) قال : سأل حفص الكناسي الصادق عليه‌السلام وأنا عنده

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣ الرقم ٢ والاستبصار ج ٢ ص ١٣٩ الرقم ٤٥٤ والكافي ج ١ ص ٢٤٠ باب استطاعة الحج الحديث ٢ وللحديث تتمة وهو في المرآة ج ٣ ص ـ

١٠٥

عن قول الله عزوجل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قال يعنى

__________________

ـ ٢٧٢ وجعله المجلسي من الحسن الموثق وفي الوافي الجزء الثامن ص ٤٩ وفي الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث ٤ ج ٢ ص ١٣٩ ط الأميري وقلائد الدرر ج ٢ ص ٩ وعبر عنه بالصحيحة وفي المنتهى ج ٢ ص ٦٥٢ من غير تعبير بالصحيح ورواه في المختلف الجزء الثاني ص ٨٧ وعبر عنه بالصحيح.

ولكن الشيخ قدس‌سره ذكر بعد الحديث الذي رواه في الاستبصار ج ٢ ص ٣٠٥ بالرقم ١٠٩١ فيمن فاته الوقوف بالمشعر الحرام ان محمد بن يحيى الخثعمي عامي ولكنه لم يتعرض لعاميته في التهذيب بعد نقله الحديث ج ٥ ص ٢٩٣ بالرقم ٩٩٣ مع كونه بصدد الطعن في خبره هذا.

ولهذا الرجل في ذبائح التهذيب وغيره وفي الكافي باب شدة ابتلاء المؤمن وباب طبقات الأنبياء وباب النهي عن قول رمضان وغيرها احاديث لو أمعنت النظر فيها لاستبعدت كونه عاميا.

ثم انهم اختلفوا في ان الخثعمي هذا راوي الحديث في استطاعة الحج هل هو ابن سليمان أو ابن سليم وان ابن سليمان هل هو متحد مع ابن سليم أو متغاير.

استظهر المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ان راوي هذا الحديث هو ابن سليمان أخو مفلس الثقة وقال في زبدة البيان ص ٢١٧ ط المرتضوي في رجال ابن داود ورجال الشيخ انه مهمل ويظهر من نقد الرجال ص ٣٣٩ انه يقوى اتحادهما وكذا من الحواشي الرجالية للعلامة البهبهاني على ص ٣٢٨ وص ٣٢٩ منهج المقال الا انه احتمل اتحاده مع محمد بن يحيى الخزاز أيضا.

قلت : وهو بعيد غاية البعد لاختلاف الرجلين (الخثعمي والخزاز) في اللقب والراوي والمروي عنه والمروي كما يتضح لك ذلك عند مراجعة المعاجم والاخبار فكيف يعقل اتحادهما.

وذكر الخثعمي في إتقان المقال في موضعين أحدهما ص ١٣٦ في الثقات ابن سليمان والثاني ص ٣٦١ في الضعفاء ابن سليم ثم قوى اتحادهما.

وقوى أبو على في منتهى المقال ص ٢٩٧ تغايرهما ونقل انه ظاهر الأمين الكاظمي و ـ

١٠٦

بذلك من كان صحيحا في بدنه مخلّى في سربه له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ

__________________

ـ كذا الجزائري في الحاوي ونقل عن كتاب المشتركات تردده في ذلك وقوى تغايرهما أيضا المامقاني في تنقيح المقال ج ٣ ص ١٩٩ من أبواب الميم ويظهر من الطريحي ص ١٢٩ من جامع المقال أيضا اختيار التغاير.

وعلى اى فقد سرده الشيخ من دون ذكر أبيه في الرجال في أصحاب الإمام الصادق ص ٣٠٤ بالرقم ٣٨٢ وذكره في فهرسته مرتين مرة في ص ١٦٨ الرقم ٦١٧ وفيه : له كتاب رويناه بالإسناد عن ابن سماعة عنه ومرة في ص ١٧٦ بالرقم ٦٤٣ وفيه : له كتاب رويناه بهذا الاسناد عن ابن ابى عمير عنه.

ووثقه النجاشي في ص ٢٧٨ ط المصطفوى قال محمد بن يحيى بن سلمان الخثعمي أخو مفلس كوفي ثقة روى عن ابى عبد الله ومثله في رجال ابن داود ص ٣٤٠ الرقم ١٥٠٠ ومثله في الخلاصة في القسم الأول ص ١٥٨ الرقم ١١٩ وقد نقله علماء الرجال عنه ابن سليم وفي المطبوع بالنجف ابن سليمان وفي الرقم ١٤٩٨ من رجال ابن داود محمد بن يحيى الخثعمي ق جخ مهمل ولعله يستظهر من ذكره مرتين انهما متغايران عنده.

واستظهر أبو على من توثيق العلامة إياه في الخلاصة ونقله في المنتهى كلام الشيخ في الاستبصار وعدم رده انهما عند العلامة أيضا متغايران.

قلت : واما أنا فأستظهر من كلام العلامة في توضيح الاشتباه انهما واحد عنده قال في توضيح الاشتباه محمد ابن يحيى بن سلمان بغير ياء الخثعمي أخو مفلس بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد اللام والسين المهملة ابن عذافر بالذال المعجمة والفاء ابن عيسى بن أفلح بالفاء والحاء المهملة انتهى.

فالذي أظنه ان الرجل واحد وان أباه سلمان فصحفوا سلمان بسليمان تارة وبسليم مرة فما نقلوه في كتب الرجال عن نسخ الخلاصة سليم وما نقله المامقاني سليمان وضبطوه في المطبوع بالنجف كلاهما تصحيف وكذا ضبط الكتب التي ضبطوه سليمان وان أخاه مغلس فصحفوه ب (مفلس) فان الضبط في كثير من كتب الرجال مفلس ولذا ضبطناه فيما حكيناه من عل مفلس حفظا للأمانة في النقل.

وعليه فالذي أظنه الحكم بوثاقته لتوثيق النجاشي إياه وكذا ابن داود ولا شك ان توثيق النجاشي مقدم على تضعيف الشيخ في الاستبصار ووثقه الشهيد الأول أيضا في غاية المراد ـ

١٠٧

ونحوها من الأخبار ويمكن استفادة بعضها من الأدلّة العقليّة أيضا (١).

وهل يشترط الرجوع إلى كفاية زيادة على ذلك؟ قيل نعم وعليه بعض الأصحاب محتجّا برواية أبي الربيع الشامي عن (٢) الصادق عليه‌السلام سئل عن السبيل فقال :

__________________

ـ والشهيد الثاني في الدراية والله العالم.

ثم الخثعمي بالخاء المنقطة من فوق المفتوحة والثاء المثلثة الساكنة والعين المهملة ثم الميم نسبة الى خثعم كجعفر أبو قبيلة اسمه خثعم بن انمار بن أراش بن عمرو بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سباء.

وقيل ان انمارا هذا هو انمار بن نزار بن معد بن عدنان وهم أخو بجيلة وقيل اسم خثعم أقبل بالقاف والباء الموحدة أو الياء المثناة من تحت أو التاء المثناة من فوق أو افتل بالفاء والتاء المنقوطة بنقطتين من فوق وقيل ان خثعما جمل كان يحمل لهم وكان يقال آل خثعم.

وقيل انهم لما تحالفوا على بجيلة نحروا بعيرا فتخثعموا بدمه اى تلطخوا وقيل هو جبل تحالفوا عنده. منهم أسماء بنت عميس وغيرها من الصحابة انظر اللباب ج ١ ص ٣٤٧ وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٣٥٧ وتذييل الشيخ عبد الرحمن على أنساب السمعاني ج ٥ ص ٥١ وتنقيح المقال ج ١ ص ٥.

(١) زاد في سن وعش وهامش قض : وخالف الشافعية في نفقة العود فلم يعتبروها في حق من كان وحيدا لا أهل له ولا عشيرة لتساوى البلاد بالنسبة إليه قال في التذكرة : وليس بجيد لأن النفوس تطلب الأوطان وربما قيل بعدم اعتبارها مطلقا وكأنه لعدم الدليل الصالح على اعتبارها مع ظهور أكثر الأدلة في اعتبار مؤنة الذهاب فقط كظاهر الآية وكثير من الاخبار الا ان هذا القول مرغوب عنه بين أصحابنا بل الظاهر منهم الإجماع على عدمه فتأمل.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٢ الرقم ١ والاستبصار ج ٢ ص ١٣٩ الرقم ٤٥٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٥٨ الرقم ١٢٥٥ وعلل الشرائع ط قم ج ٢ ص ١٣٨ باب نوادر علل الحج الحديث ٣ والكافي ج ١ ص ٢٤٠ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٧٢ وأرسله المفيد في المقنعة ص ٦٠ مع تفاوت وزيادة سيشير المصنف إليها.

وقال الشهيد الأول في غاية المراد ان زيادة المفيد مقبولة لأنها زيادة ثقة ثم قال الا انها قاصرة عن النص وعن معارضة القرآن وصحاح الاخبار وروى الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ٤٩ وفيه : وفي بعض النسخ من الكتب الأربعة ينطلق إليه أي الحج ـ

١٠٨

السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعضا لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلّا على من ملك مائتي درهم؟

والجواب أنّ الرواية غير معلومة الصحّة لجهالة راويها ، ولو سلّم فلا دلالة فيها على ما ذهبوا إليه لأنّها تدلّ على وجوب بقاء النفقة لعياله مدّة ذهابه وعوده ، ونحن لا نخالف في اشتراط ذلك وإنّما ننكر الزيادة عليه ، ولم يعلم من الرّواية اعتبار الرّجوع إلى كفاية على الوجه الّذي ذكروه ، بل هي ظاهرة فيما قلناه وهو أصرح في الردّ على العامّة ، حيث يكتفون بالزاد والراحلة له نفسه ، ولم يعتبروا نفقة العيال المدّة المذكورة.

نعم روى شيخنا المفيد هذا الحديث بزيادة قد تدلّ على ذلك وهي : قد قيل لأبي جعفر عليه‌السلام ذلك فقال هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرها ومقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ، فقد وجب عليه أن يحجّ ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه؟ لقد هلك الناس إذا ، فقيل له : فما السبيل عندك؟ قال السعة في المال وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله.

فانّ قوله عليه‌السلام ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه فيه دلالة مّا على ذلك ثمّ قوله ويبقى البعض لقوت نفسه وعياله قد يدلّ أيضا إذ المراد بقاء ذلك وقت الرّجوع وإلّا فكيف يقوت نفسه بذلك البعض مع أنّه قد خرج إلى الحجّ.

__________________

ـ فيسلبهم إياه يعنى يسلب عيالهم ما يقوتون به لقد هلكوا يعنى عياله وهو أصوب واصح وأوضح.

وروى الحديث في المختلف الجزء الثاني ص ٦٨ وكنز العرفان ج ١ ص ٢٦٤ وقلائد الدرر ج ٢ ص ١٠ وترى الحديث في الوسائل الباب ٩ من أبواب وجوب الحج الحديث ١ ص ١٣٩ ج ٢ ط الأميري ونور الثقلين ج ١ ص ٣٠٩ الرقم ٢٨٣ والبرهان ج ١ ص ٣٠٢ الرقم ٥.

ثم ان ما نقله المصنف هو ذيل الحديث وانظر في البحث عن الحديث تعاليقنا على كنز العرفان ص ٢٦٤ وص ٢٦٥.

١٠٩

والجواب : أنّه لم يثبت نقل هذه الزّيادة في شيء من كتب الحديث المتداولة فيما بيننا ، فلا تكون معتبرة ، ولو قيل إنّ الزيادة من الثقة مقبولة لقلنا لا نسلّم ، ومع التسليم فإنّما ذلك مع معلوميّة طريق نقلها.

على أنّا لو سلّمناها فلا دلالة لها على ذلك ، إذ يجوز أن يكون المراد بقوله : «ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه» أنّه لا يكون بحيث يصير بسبب الحجّ سائلا بكفّه بعده ، بأن يكون الحجّ جعله سائلا كذلك ، وظاهر أنّ هذا لا يستلزم اشتراط الرّجوع إلى كفاية على الوجه الّذي قلتم ، وأيضا يمكن أن يراد منه بقاء الاستطاعة إلى أن يرجع إلى بلده بحيث لا يسأل الناس في الطريق بكفّه.

وقوله «ما يحجّ ببعضه ويبقى البعض» ، إلى آخره يجوز أن يراد به صرف بعضه في مصالح الحجّ من الرّاحلة والآلات ، والبعض الآخر يصرفه في قوت نفسه في الطريق وقوت عياله في بلدهم إلى أن يرجع.

وبالجملة فالرّواية غير واضحة الدلالة على ما قالوه مع ضعفها فلا تقاوم عمومات القرآن ، وصحاح الأخبار بل تضمحلّ في مقابلهما.

ثمّ إنّ مقتضى الآية الوجوب على المستطيع بالزّاد والرّاحلة كما عرفت ، وهو أعمّ من أن يكون مالكا لهما أولا ، فعلى هذا لو بذلا له ، وجب عليه الحجّ لظهور كونه مستطيعا على ذلك التقدير ، وهل يثبت بمجرّد البذل؟ الأكثر نعم ، واعتبر بعضهم التمليك أو تعليقه بنذر وشبهه ممّا لا يصحّ له الرجوع معه ، نظرا إلى جواز الرجوع فيما بذله فيكون ذلك بمثابة تعليق الواجب على ما ليس بواجب ، والاخبار المعتبرة الإسناد دالّة بإطلاقها على الوجوب من غير تقييد بكون الباذل قد ملّكه أولا.

روى محمّد بن مسلم في الصحيح (١) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في قوله (وَلِلَّهِ عَلَى

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣ الرقم ٤ والاستبصار ج ٢ ص ١٤٠ الرقم ٤٥٦ ورواه في المنتقى ج ٢ ص ٢٨٧ والسند في التهذيب في النسخة المطبوعة بالنجف : موسى بن القاسم عن معاوية بن وهب عن صفوان عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم وفي الاستبصار ـ

١١٠

النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قال : يكون له ما يحجّ به ، قلت : فان عرض

__________________

ـ ط النجف موسى بن القاسم عن معاوية بن وهب عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم ، وهو في الوافي الجزء الثامن ص ٤٩ والوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج الحديث ١ ص ١٣٩ ج ٢ ط الأميري.

قال في المنتقى بعد نقل الحديث وجعل رمز الصحة عليه : قلت هكذا صورة إسناد الحديث في نسخ التهذيب التي رأيتها وأكثر نسخ الاستبصار ولا ريب أنه غلط لان معاوية بن وهب أقدم في الطبقة من صفوان بن يحيى فروايته عنه غير معقولة ، ولا يوجد نحوها في شيء من طرق أخبارنا ، وفي نسخة عندي قديمة للاستبصار موسى ابن القاسم بن معاوية بن وهب.

ثم ان بعض الواقفين عليها الحق العين لكلمة ابن الاولى بصورة متميزة لم تتغير بها الكلمة عما كانت عليه بخط كاتبها وما ذاك الا لتوهم كون الصحة في جهة الكثرة وعدم الممارسة أو لنوع من الغفلة.

وهذا الحديث أول ما أورده الشيخ في الكتابين عن موسى بن القاسم وذلك مظنة لزيادة البيان في نسبه ، وحيث ان التنقيط لهذه الخصوصيات عزيز والشائع الغالب في تسمية الرجال عدم التجاوز عن ذكر الأب وقع هذا التوهم في أوائل النسخ وسرى ذلك في الأواخر وقد بينا أيضا في أول الكتاب ان رعاية الطبقة يمنع من رواية موسى بن القاسم عن جده معاوية بن وهب بغير واسطة.

ثم ان رواية موسى عن صفوان بن يحيى بغير واسطة هو الغالب فكيف جائت هذه الواسطة البعيدة في هذا الموضع ولو لا قيام احتمال يطول الكلام ببيانه لكان فيما حكينا عن الإستبصار كفاية في القطع بالإصلاح وغناء عن التعرض لشرح الحال فإن التأدية عن موسى بهذه الصورة متكررة في موضع ذكره والقرينة الحالية هنا شاهدة بأن ذلك هو الصحيح بحسب الواقع وانما الاحتمال في استناد الغلط الى سهو قلم الشيخ فلا يغير ويشرح أو الى الناسخين فليستدرك ويصلح انتهى ما في المنتقى.

ثم الجدع بالدال المهملة قطع الأنف والاذن والشفة واليد ، وروى الحديث الى قوله هو ممن يستطيع الصدوق في التوحيد الباب ٥٦ باب الاستطاعة الحديث ١٠ ص ٣٤٩ نشر مكتبة الصدوق ١٣٨٧ عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

١١١

عليه الحجّ فاستحيى ، قال : هو ممّن يستطيع ، ولم يستحيى؟ ولو على حمار أجدع أبتر.

وروى معاوية بن عمّار في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام (١) إلى أن قال : فان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيى فلم يفعل ، فإنّه لا يسعه إلّا أن يخرج ولو على حمار أبتر الحديث.

والأخبار في ذلك كثيرة ويجاب عمّا ذكروه من تعليق الواجب على ما ليس بواجب بأنّا لم نحتّم الوجوب بمجرّد البذل بمعنى أنّ مجرّد حصول البذل يوجب استقرار الحج في الذمة ويجعله واجبا مطلقا؟ بل نقول إنّه يجب بذلك ويبقى الوجوب مراعى باستمرار البذل فان استمرّ استمرّ الوجوب ، وإن سقط في الأثناء لعارض سقط ، وهل ذلك إلّا مثل من وجب عليه الحجّ وسافر عام الاستطاعة فعرض له عارض في الطريق من نهب ماله أو غصبه بحيث لا يمكنه المسير عن ذلك الموضع ، فإنّه يسقط عنه الوجوب المحكوم به ظاهرا في أوّل الأمر ، نعم مع وجود العائلة لا بدّ أن يكون عندهم ما يكفيهم مدّة غيبته عنهم ، سواء كان ذلك ببذل الباذل أو كان عنده ما يخلفه لهم ، ولا فرق في كون المبذول نفس الزّاد والرّاحلة أو ثمنهما أو ما يمكن تحصيلهما به ، ومن فرّق فقد أبعد.

[ثمّ إنّ ظاهر تعليق الوجوب بالاستطاعة كونه فوريا كما هو مختار أصحابنا ، ووافقهم أبو حنيفة خلافا للشافعيّ حيث قال إنّه موسّع لأنّ آية الحجّ نزلت سنة ستّ (٢) من

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٨ الرقم ٥٢ وهو في المنتقى ج ٢ ص ٢٨٧ والوافي الجزء الثامن ص ٤٨ وتراه في الوسائل روى بعضه في الباب ٦ من أبواب وجوب الحج الحديث ٢ وذيله الذي حكاه المصنف هنا في الباب ١٠ الحديث ٣.

(٢) قال الشوكانى في نيل الأوطار ج ٤ ص ٣٠٠ : وأجيب بأنه قد اختلف في الوقت الذي فرض فيه الحج ومن جملة الأقوال انه فرض في سنة عشر فلا تأخير ولو سلم انه فرض قبل العاشر فتراخيه (ص) انما كان لكراهة الاختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانوا يحجون ويطوفون بالبيت عراة فلما طهر الله البيت الحرام منهم حج (ص) فتراخيه لعذر ومحل النزاع التراخي مع عدمه انتهى.

وقال ابن حزم في ج ٧ ص ٣١٧ من المحلى : فان احتجوا بأن النبي (ص) أقام ـ

١١٢

الهجرة وأخّره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى سنة عشرة من غير عذر ، ولأنّه لو أخّره ثمّ فعله في السّنة الأخرى لم يسمّ قاضيا ، ولا يخفى أنّ عدم العذر ممنوع على أنّ الوجوب غير معلوم لاحتمال عدم الاستطاعة والفوريّة لا يستلزم تسميته بالقضاء كالزكاة ونحوها ويؤيّده الأخبار (١) من طرق العامّة والخاصّة] (٢).

واعلم أنّ مقتضى ما ذكرناه في تفسير الاستطاعة أن لا يجب الحجّ على المغصوب

__________________

ـ بالمدينة عشر سنين لم يحج إلا في آخرها قلنا لا بيان عندكم متى افترض الله تعالى الحج وممكن أن لا يكون افترض إلا عام حج عليه‌السلام وما لا نص بينا فيه فلا حجة فيه الا أننا موقنون ان رسول الله (ص) لا يدع الأفضل إلا لعذر مانع ولا يختلفون معنا في ان التعجيل أفضل انتهى.

(١) وأصرحها ما يدل على حرمة التسويف لا لعذر كما سيجيء بعيد ذلك وانه موجود في طرق السنة أيضا ويضاف إليها من طرقهم أيضا ما رواه ابن عباس عن النبي انه قال تعجلوا الى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم لا يدرى ما يعرض له ، رواه احمد على ما في المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٤ ص ٢٩٩ وما رواه فيه أيضا عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الأخر عن النبي (ص) من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة رواه احمد وابن ماجه وهو في سنن ابن ماجة ص ٩٦٢ الرقم ٢٨٨٣.

وقوله (ص) من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل وسيأتي مصادره وقد روى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب انه قال لقد هممت ان أبعث رجالا الى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين ، كل ذلك في المنتقى ص ٢٩٩ ج ٤ بشرح نيل الأوطار.

وفي تذييل ابن ماجة ص ٩٦٢ انه قد جاء من أراد الحج فليعجل رواه الحاكم وقال صحيح ورواه أبو داود أيضا.

قلت وهو في المستدرك للحاكم ج ١ ص ٤٤٨.

ثم انه قد يستدل لفورية الحج بوجوه أخر كلها غير ناهضة بإثباتها فلا نطيل الكلام في النقض والإبرام نعم ما أفاده أستادنا العلامة الحائري نور الله مضجعه في مسئلة المواسعة والمضايقة نقلناه في ص ٢٤٧ من المجلد الأول من هذا الكتاب لعله تام ويجري في هذه المسئلة أيضا.

(٢) ما بين العلامتين مما لا يوجد في نسخة المدرسى وفي نسخة قض جعله في الهامش كاشباهه مما يوجد في نسخة سن وعش في المتن.

١١٣

والزمن والكبير الّذي لا يستمسك على الرّاحلة لكن بعض أصحابنا أوجب على هؤلاء الاستنابة في الحجّ إذا كانوا موسرين قادرين على أن يجهّزوا شخصا يحج عنهم ، وإنّما وجب ذلك بدليل من خارج دلّ عليه ، ومع هذا لو قدر على الحجّ بنفسه بأن زال العذر عنه وجب عليه الحجّ أيضا ولا يسقط عنه بتلك الاستنابة لتحقّق الاستطاعة حينئذ وما وجب نيابة إنّما وجب لدليل خارج ، وإلّا لم يجب لوقوعه قبل شرط الوجوب.

(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ ، عَنِ الْعالَمِينَ) أي ومن لم يحجّ ، وضع مكانه كفر للتأكيد في وجوبه ، وفي الحديث «من مات ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديّا أو نصرانيّا (١).

وقد أكّد أمر الحجّ في هذه الآية على المستطيع من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في الجملة الاسميّة وإيراده على وجه تفيد أنّه حقّ واجب لله في رقاب الناس لا ينفكّون عن أدائه كما دلّ عليه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) والتعميم أوّلا ثمّ التخصيص بالإبدال لما فيه من تثنية المراد وتكريره ، ولما في الإفصاح بعد الإبهام ،

__________________

(١) روى في التهذيب ج ٥ ص ٤٦٢ بالرقم ١٦١٠ عن محمد بن الحسين عن صفوان عن ذريح المحاربي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال من مات ولم يحج حجة الإسلام ما يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق معه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا وقال من مضت له خمس حجج ولم يفد الى ربه وهو موسر انه لمحروم.

ورواه في الكافي أيضا بتفاوت في المتن والسند ج ١ ص ٢٤٠ باب من سوف الحج الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٧٣ ورواه في الفقيه أيضا ج ٢ ص ٢٣٧ بالرقم ١٣٣٣ ورواه الشيخ أيضا في التهذيب كما في الكافي عن الكليني في ج ٥ ص ١٧ بالرقم ٤٩ والحديث في المنتقى ج ٢ ص ٢٩٠ وفيه بعد نقل حديث التهذيب بالرقم ١٦١٠ وروى الكليني والصدوق ما قبل قوله و «قال» بإسنادين من غير الواضح واختلاف في جملة من ألفاظ المتن فان في الكافي لم يمنعه من ذلك حاجة يجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج وفي كتاب من لا يحضره الفقيه ولم يمنعه وفيه لا يطيق منه الحج أو سلطان يمنعه منه.

وطريق الكليني مشهوري الصحة صورته أبو على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار ـ

١١٤

والتفصيل بعد الإجمال من إيراد الشيء بصورتين مختلفتين ليتكرّر ويتقرّر.

وتسمية ترك الحجّ كفرا للتغليظ عليه ، وأنّه فعل الكفرة ، ثمّ ذكر الاستغناء على تقدير عدم الفعل ، وهو أمارة المقت والسخط والخذلان ، وكون الاستغناء عن العالمين دون الاستغناء عن التارك ، لما فيه من مبالغة التعميم ، وثبوت الاستغناء عنه بالبرهان

__________________

ـ عن صفوان بن يحيى عن ذريح المحاربي وطريق الصدوق حسن وهو عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى ببقية السند انتهى ما في المنتقى.

ثم ان ذيل الحديث أيضا رواه في الكافي باب من لم يحج خمس سنين الحديث ١ وقد روى الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ٤٨ ثم قال بيان لم يجحف به بتقديم الجيم اى تفقره أو تدنو منه وتقارنه والحديث في الوسائل الباب ٧ من أبواب وجوب الحج الحديث ١ ص ١٢٨ ج ٢ ط الأميري وفيه نقل حديث الكليني في التهذيب بزيادة ان شاء كما في المتن وليس في التهذيب ولا في الوافي ولا في المنتقى ولعله في نسخة كانت عند صاحب الوسائل.

ثم ترى حديث موت من سوف الحج يهوديا أو نصرانيا في مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤ عن عدة كتب وكذا في اخبار أهل السنة ففي كنز العمال ج ٥ ص ١٠ بالرقم ٨٦ من ملك زادا وراحلة يبلغه الى بيت الله ولم يحج فلا عليه ان يموت يهوديا أو نصرانيا أخرجه عن الترمذي عن على عليه‌السلام وفي الدر المنثور ج ٢ ص ٥٦ : واخرج سعيد بن منصور واحمد في كتاب الايمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي امامة قال قال رسول الله (ص) من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على اى حال شاء يهوديا أو نصرانيا وفيه أحاديث أخرى أيضا بطرق مختلفة وعبارات متفاوتة موقوفة على الصحابة.

وفي سنن الدارمي ج ٢ ص ٢٨ عن أبي أمامة قال قال رسول الله (ص) من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة أو سلطان جائر أو مرض حابس فمات ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا وان شاء نصرانيا. وتحاملوا على ابن الجوزي حيث عد حديث موت من سوف الحج يهوديا أو نصرانيا في الموضوعات انظر اللآلي المصنوعة ج ٢ من ص ١١٧ الى ص ١٢٠ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٩٩ وص ٣٠٠.

١١٥

الواضح ، ولدلالته على الاستغناء الكامل ، وهو أدلّ على عظم السخط.

وقد ورد في الأخبار ما يدلّ على الذمّ الفاحش لمن ترك الحجّ ولم يبادر إلى فعله بعد وجوبه :

روى محمّد بن الفضيل (١) عن الكاظم عليه‌السلام في قوله تعالى (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (٢) أنّهم الّذين يتمادون بحجّ الإسلام ويسوّفونه ، وروى معاوية بن عمّار (٣) عن الصادق عليه‌السلام في قوله (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٤) المراد من تحتّم عليه الحجّ ولم يحجّ أي أعمى عن طريق الخير ، ونحوها من الأخبار ، وكفى بتركه ذمّا أن جعل كفرا مع أنّ مقرّ الكافرين النار.

__________________

(١) رواه في نور الثقلين ج ٣ ص ٣١١ بالرقم ٢٤٧ عن غوالي اللآلي ورواه في قلائد الدرر ج ٢ ص ١٢ وكنز العرفان ج ١ ص ٢٦٧.

(٢) الكهف : ١٠٤.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٨ الرقم ٥٣ والفقيه ج ٢ ص ٢٧٣ الرقم ١٣٣٢ ولفظ الفقيه عن طريق الخير ولفظ التهذيب عن طريق الجنة ونقل في المنتقى ج ٢ ص ٢٩٠ لفظ الفقيه عن الخير ولفظ الشيخ عن طريق الحق وعلى اى فالسند في التهذيب موسى بن القاسم عن معاوية بن عمار.

قال في المنتقى : وما أورده الشيخ من الأستاد منقطع لان موسى بن القاسم لا يروى عن معاوية بن عمار بغير واسطة وان اتفق له تركها في غير هذا السند أيضا فإن الممارسة تطلع على انه من جملة الاغلاط الكثيرة الواقعة في خصوص روايته عن موسى بن القاسم كما نبهنا عليه في مقدمة الكتاب وبينا سببه ثم ان في جملة من يتوسط بين موسى ومعاوية من هو مجهول الاعتقاد انتهى ما في المنتقى.

وترى الحديث في الوافي الجزء الثامن ص ٤٨ وفي الوسائل الباب ٦ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث ٢ ج ٢ ص ١٣٨ ط الأميري.

(٤) أسرى : ٧٢.

١١٦

الثانية : ([وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١).

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) أي واذكر إذ جعلنا مكان البيت مباءة أي مرجعا يرجع إليه إبراهيم عند إرادة بنائه (٢) [والعبادة فيه بأن عيّنّا له ذلك وأمرناه به وقيل : أي عرّفناه ، ولما في ذلك من معنى التسهيل قيل أي وطّأنا وقيل هيّأنا ، وقيل : جعلناه مبوّأ أي منزلا] (٣).

وقيل إنّ اللّام مزيدة فان بوّأ يتعدّى بنفسه تقول بوأته منزلا أي عرّفته منزلا ومكان ظرف أي إذ أنزلناه فيه ، قيل إنّ البيت رفع إلى السماء أيّام الطوفان فانطمس وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله تعالى إبراهيم مكانه بريح أرسلها يقال له الحجوج كنست ما حوله حتّى أظهرت أسّه القديم فبناه على أسّه القديم ، وقيل كانت سحابة تطوف حيال الكعبة فبنى على ظلّها ، وقيل خلق الله فيها رأسا يتكلّم فقامت بحيال البيت وقالت : يا إبراهيم ابن على قدري.

(أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) أن مفسّرة لفعل دلّ عليه «بوّأنا مكان البيت» لأنّ التبوّء به من أجل العبادة ، فكأنّه قيل وأمرناه أو تعبّدناه : وقلنا له لا تشرك بي شيئا في العبادة فيه.

(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) من عبادة الأوثان والشرك ، أو من الأقذار الّتي كانت ترمى حول البيت.

[وعن الصادق عليه‌السلام نحّ عنه المشركين (٤) وقيل المراد بناؤه على الطهارة بأن

__________________

(١) الحج : ٢٦ ـ ٣٤.

(٢) في سن : أراد العمارة.

(٣) ما بين العلامتين لا يوجد في نسخة چا ولا في قض إلا في الهامش كما مر مثل ذلك كثيرا وسيأتي.

(٤) رواه على بن إبراهيم في تفسيره ص ٣٢ وحكاه عنه في البرهان ج ١ ص ١٥٢ بالرقم ١ ونور الثقلين ج ١ ص ١٠٤ بالرقم ٣٥٥.

١١٧

يكون بصدق النيّة وخلوص العقيدة كما قال (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ) الآية] (١).

(لِلطَّائِفِينَ) حول البيت (وَالْقائِمِينَ) (٢) (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أراد (٣) المصلّين عبّر عن الصلاة بأركانها للدلالة على أنّ كلّ واحد منها مستقلّ باقتضاء ذلك فكيف مع الاجتماع.

قال الشيخ في التبيان (٤) وفي الآية دلالة على جواز الصلاة في الكعبة قلت وهو حجّة عليه حيث ذهب في الخلاف إلى المنع من الصلاة في جوفها ، وإن جوّز ذلك في سائر كتبه وعلى ابن البرّاج حيث منع من صلاة الفريضة واحتجّ الشيخ في الخلاف بما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه (٥) وقف على باب البيت وصلّى ركعتين ، وقال : هذه القبلة وأشار إليها ، فكانت هي القبلة وظاهر أنّ من صلّى جوفها لم يصلّ إلى ما أشار إليه ، وهو بعيد ودفعه ظاهر ، والآية لا يعارضها مثل هذه الأخبار.

ولا يرد أنّ المأمور بذلك إبراهيم عليه‌السلام لأنّ الدّلالة على ذلك بكون الغرض من التطهير ذلك ، فلا يختلف في شريعة من الشرائع وهو ظاهر.

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) ناد فيهم (بِالْحَجِّ) أي بدعوته والأمر به ، والمأمور بالأذان

__________________

(١) برأه : ١٠٩.

(٢) في بعض النسخ : والقائمين فيه وعن سعيد بن جبير أن الطائفين هم الطارؤن على مكة من الآفاق ، والقائمين هم المقيمون بها ، والأكثر على أن المراد به وبقوله (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) واحد أعنى المصلين إلخ.

(٣) ما بين العلامتين كما سبق يوجد في نسخة سن وعش وهامش قض مع اختلاف.

(٤) التبيان ج ٢ ص ٣٠٣ ط الايران.

(٥) أخرجه النسائي ج ٥ ص ٢١٩ عن أسامة بن زيد مع تكرار هذه القبلة ورواه مسلم في صحيحه ج ٩ ص ٨٧ بشرح النووي بدون التكرار وأخرجه في المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٥ ص ٩١ عن احمد والنسائي عن أسامة وفي كنز العمال ج ٦ ص ١٦٦ وص ١٦٧ عن احمد ومسلم وابن خزيمة وابن عوانة والطحاوي والروياني عن أسامة.

١١٨

نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قاله جماعة من المفسّرين [محتجّين عليه بأنّ الخطاب في القرآن إذا أمكن حمله على أنّ محمّدا هو المخاطب فهو أولى ، وتقدّم قوله (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ) لا يوجب أن يكون الخطاب يرجع إليه لأنّ المعنى اذكر يا محمّد على ما عرفت ، فالخطاب يرجع إليه ، قالوا إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] (١) أمر بذلك في حجّة الوداع ويؤيّده من الأخبار ما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ثمّ أنزل الله سبحانه (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) الآية فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحجّ في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب ، الحديث.

[وربما أيّده قوله (يَأْتُوكَ رِجالاً) الآية فإنّ دعوة إبراهيم عليه‌السلام لم تكن مخصوصة بأمته ، بل تعمّ من هو في أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات].

وقيل إنّ المأمور به إبراهيم عليه‌السلام فإنّه لمّا فرغ من بناء البيت أمره تعالى بأذان الحجّ فقام في المقام أو صعد جبل أبي قبيس فنادى يا أيّها الناس حجّوا بيت ربّكم! فأسمع الله نداه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممّن سبق في علمه أن يحجّ إلى يوم القيامة ، فأجابوه ، فمن أجابه مرّة حجّ مرّة ، ومن أجاب أكثر فأكثر ويقال : إنّ التلبية اليوم جواب الله تعالى من نداء إبراهيم عليه‌السلام عن أمر ربّه ونقل في مجمع البيان هذا القول عن جمهور المفسّرين.

(يَأْتُوكَ رِجالاً) جمع راجل كقيام وحجاب أي مشاة على أرجلهم (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ)

__________________

(١) ما بين العلامتين من مختصات سن :

(٢) انظر الكافي ج ١ ص ٢٣٣ باب حج النبي الحديث ٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٦٧ والتهذيب ج ٥ ص ٤٥٤ الرقم ١٥٨٨ والبرهان ج ٣ ص ٨٥ الرقم ٢ والحديث طويل وهو في الوافي الجزء الثامن ص ٣١ وفي الوسائل الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣ ص ١٦٠ ج ٢ ط الأميري.

وتراه في المنتقى ج ٢ من ص ٣٤١ الى ص ٣٤٥ عن الكافي والتهذيب مع ذكر اختلاف الألفاظ والاسناد ورواه في المجمع أيضا ج ١ ص ٢٩١ عن معاوية بن عمار.

١١٩

أي وركبانا على كلّ بعير مهزول أضمره السير (يَأْتِينَ) صفة كلّ ضامر إذ هو في معنى الجمع أو لأنّ المعنى وعلى كلّ ناقة ضامر ، وقرئ يأتون وهو صفة للرجال أو الركبان أو استيناف على أنّ الضمير للناس.

(مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) طريق بعيد ، قال الراجز (١) :

يقطعن بعد النازح العميق

ومثله المعيق وبه قرأ ابن مسعود [وقد يستفاد من الآية عدم اعتبار الراحلة في وجوب الحجّ بل تحقّق وجوبه مع التمكّن من المشي وقد ورد بذلك بعض الأخبار.

وقيل إنّ ذلك محمول على القريب الّذي لا يحتاج إليها ، وربما أشعر بذلك تقييد الرّكبان بيأتين من كلّ فجّ عميق ، وأصحابنا مجمعون على اعتبارها ودخولها في الاستطاعة كما هو الظاهر ، وقد وردت بذلك الأخبار الصحيحة فتعيّن التأويل فيما دلّ على خلافه] ولعلّ في تقديم (رِجالاً) إشعارا بأفضليّة المشي على الركوب.

ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس (٢) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال سمعته يقول : للحاجّ الراكب بكلّ خطوة يخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاجّ الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم ، قيل : يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال الحسنة بمائة ألف.

ولكن في الأخبار ما يدلّ على أفضليّة الركوب أيضا روى الشيخ عن رفاعة (٣) قال سأل أبا عبد الله عليه‌السلام رجل : الركوب أفضل أم المشي؟ فقال الركوب أفضل من المشي

__________________

(١) أنشده أبو عبيده في مجاز القرآن ج ٢ ص ٤٩ وأبو الفتوح الرازي في روح الجنان ج ٨ ص ٨٩.

(٢) انظر المجمع ج ٤ ص ٨١.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٢ الرقم ٣١ والاستبصار ج ٢ ص ١٤٢ الرقم ٤٦٣ وقريب منه عن رفاعة وابن بكير في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٨ الرقم ١٦٩١ والكافي ج ١ ص ٢٩١ باب الحج ماشيا الحديث ٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٣٣ والمنتقى ج ٢ ص ٣١٥ والوافي الجزء الثامن ص ٦٨ والوسائل الباب ٣٤ من أبواب وجوب الحج ج ٢ ص ١٤٤ ط الأميري.

١٢٠