مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

الباقون وجوب البدأة من الأعلى إمّا أنّه الفرد المتعارف في الغسل فينصرف الإطلاق إليه دون ما عداه ، وإمّا لدلالة الأخبار على تعيّنه وعدم الخروج عن العهدة بدونه ، وفي كلام الوجهين بحث (١) وقد استفاد بعض علمائنا من الآية وجوب النيّة في الوضوء نظرا إلى أنّ المراد الغسل لأجل الصلاة إذ هو المفهوم عرفا من قولك : إذا لقيت الأمير فخذ أهبتك ، وإذا لقيت الأسد فخذ سلاحك : أي لأجل لقائهما ، ولا معنى لفعله لأجل الصلاة إلّا إرادة استباحتها وهو المعنى بالنيّة. وفيه نظر إذ لا نسلّم إرادة ذلك عرفا وإنّما المفهوم منه أنّك لا تلق الأسد بلا سلاح ولا تقوموا إلى الصلاة إلّا متطهّرين ، ومن ثمّ لو كان متطهّرا كفاه في امتثال الأمر ولو كان المطلوب إيقاعه لأجله لم يكف ، وبالجملة فدلالة الآية على وجوب النيّة غير ظاهرة ، وإن كانت الدلالة معلومة من محلّ آخر ، وأنكر أبو حنيفة شرطيّة النيّة (٢) في الوضوء نظرا إلى أنّها غير مذكورة في الآية ، والزيادة على النصّ نسخ (٣) ، ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز ، والشافعيّ (٤) جعلها شرطا نظرا إلى أنّ الوضوء مأمور به وكلّ مأمور به يجب أن يكون

__________________

(١) أما الأول فقال في الحدائق ج ١ ص ٢٣٦ ، لو تم ذلك لزم عدم إجزاء غمس الوجه واليد في الماء ، وأما الثاني فقال في المدارك على ما نقله في الحدائق ص ٢٣٠ ، إن من الجائز كون ابتداء الامام عليه‌السلام بالأعلى لكونه أحد جزئيات مطلق الغسل المأمور به لا لوجوبه بخصوصه ، وأتم الاستدلال أستاذ المصنف شيخنا البهائي في حبل المتين ، وشرح الأربعين على ما حكاه في الحدائق بأنه لو اقتضى البيان وجوب الابتداء بالأعلى للزم مثله في إمرار اليد لوروده كذلك في مقام البيان وهو في ص ٢٦ من شرح الأربعين ط مكتبة الصابرى.

(٢) إلا في الوضوء بالنبيذ ، وسؤر الحمار والبغل ، وقد أشبعنا الكلام في رده ، في تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٣٣ فراجع.

(٣) ولابن القيم الجوزية نقوض وردود عليه في هذا النظر منه أشبع الكلام في ذلك في كتابه اعلام الموقفين ج ٢ من ص ٢٨٧ إلى آخر هذا المجلد ص ٣٩٤ وأتمم الكلام في ج ٣ منه من ص ١ إلى ص ١٤ ولعلنا نشير إلى بعضها في تعاليقنا على هذا الكتاب في موارد مناسبة.

(٤) انظر كتاب الأم للشافعي ج ١ ص ٢٩ ومختصر المزني ص ٢ وفيه استدلال الشافعي لوجوب النية بقوله : الاعمال بالنيات نعم في تفسير الإمام الرازي ذكر استدل الشافعية لوجوب النية في الوضوء بمجموع الآيتين : آية الوضوء ، وآية سورة البيّنة بتقريب ما شرحه ـ

٤١

منويّا لقوله : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ، والإخلاص النيّة الخالصة على أنّ كون مثل ذلك زيادة على النصّ غير ظاهر. فتأمّل.

(وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) مرفق بكسر أوّله وفتح ثالثة أو العكس مجمع عظمى العضد والذراع سمّى به لأنّه يرتفق به في الاتّكاء ونحوه ، ولا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد فإنّ الغاية قد تدخل في الحكم تارة وقد تخرج اخرى كقولك : حفظت القرآن من أوّله إلى آخره ، وقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (١) ودعوى دخول الغاية. إذ لم يتميّز عن المعنى بفصل محسوس موقوفة على الثبوت ، وغاية ما يقتضيه عدم التمييز إدخاله احتياطا وليس الكلام فيه وكون ـ إلى ـ بمعنى مع أحيانا نحو ويزدكم قوّة إلى قوّتكم إنّما يجدى لو ثبت كونها هنا كذلك وهو غير ثابت ، ونحن إنّما استفدنا وجوب غسل المرافق مع اليد من بيان أئمّتنا ـ صلوات الله عليهم ـ قولا وفعلا ، وقد أطبق جماهير الأمّة على دخوله في الغسل ، وإنّما خالف في ذلك جماعة من العامّة (٢) لا اعتداد بهم ولا بخلافهم. هذا ، وكون ـ إلى ـ لانتهاء

__________________

ـ المصنف هنا انظر ص ٤٣ من ج ٣٢ الطبعة الأخيرة ، ونسب الاستدلال كذلك إلى الشافعي نفسه في ج ١١ ص ١٥٣ ، ومما استدل به العلامة الهمداني قدس‌سره ـ في مصباح الفقيه كتاب الطهارة ص ٩٥ ط إيران ١٣٥٣ على لزوم النية في خصوص الوضوء ، وأنه عبادي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبى جعفر قال : إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم من يطيعه ومن يعصيه ، وأن المؤمن لا ينجسه شيء إنما يكفيه مثل الدهن ج ١ ب ٥٢ من أبواب الوضوء من الوسائل.

(١). ٢ ـ ٢٨٠.

(٢) قال الشافعي في الأم ص ٢٥ ج ١ قال الله جل وعز (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل. انتهى ، ونسب عدم وجوب إدخالها في الغسل إلى بعض أهل الظاهر بل إلى داود الظاهري وأبى بكر بن داود ، وبعض متأخري أصحاب مالك وزفر ، وعن مالك روايتان انظر المغني لابن قدامة ج ١ ص ١٢٢ وبداية المجتهد ج ١ ص ١٠ ورحمة الأمة بهامش الميزان للشعرانى ص ١٧ والخلاف ج ١ ص ١٠ وتفسير الإمام الرازي ج ١١ ص ١٥٩ المسئلة الثلاثون من مسائل آية الوضوء ، وأحكام القرآن لابن العربي ص ٥٦٥.

٤٢

الغاية لا يقتضي تعيين الابتداء من الأصابع كما اختاره جماعة من العامّة (١) لأنّ اليد لمّا كانت تطلق على ما تحت الزند وما تحت المرفق وما تحت المنكب اقتضى الحال بيان حدّ المغسول منها ، ويكون التحديد فيها للمغسول لا للغسل فهو بمثابة أن تقول لغلامك : اخضب يدك إلى المرفق. وللصيقل : اصقل سيفي الى القبضة في أنّ المراد تحديد المصقول لا نهاية الصقل حتّى لو ابتدأ من القبضة لم يكن ممتثلا فعلى هذا الآية صالحة لكلّ من الوجهين ، والامتثال بها متحقّق على كلّ من التقديرين ، ومن ثمّ ذهب بعض أصحابنا الى ذلك (٢) ومن أوجب الابتداء من المرفق فإنّما استفاده من دليل خارج عن الآية ، وهو الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام ، ولتفصيل البحث مقام غير هذا.

(وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) المسح أن يبلّ المحلّ بالماء من غير أن يسيل ، والباء للتبعيض ومجيئها له في اللغة العربيّة ممّا اعترف به محقّقوا النحاة والمفسّرين ، وصرّح الأصمعيّ بأنّها في قوله تعالى (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) للتبعيض ، ووافقه في ذلك جماعة ، ومن أنكر مجيئها فيه فلا عبرة بقوله لأنّها كالشهادة على النفي وهي غير مسموعة في مقابلة الشهادة على الثبوت ، وممّا يدلّ على كونها للتبعيض هنا صحيحة زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام حيث قال فيها : إنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء. الحديث

__________________

(١) الظاهر أن أهل السنة أيضا لم يقولوا بتعين الابتداء من الأصابع إلا قليل ، وإنما جعلوه سنة انظر الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٥٦ وفي تفسير الإمام الرازي ج ١١ ص ١٦٠ المسئلة الثالثة والثلاثون السنة أن يصب الماء على الكف بحيث يسيل الماء من الكف إلى المرفق فان صب الماء على المرفق حتى سال الماء إلى الكف فقال بعضهم : هذا لا يجوز لانه تعالى قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فجعل المرافق غاية الغسل فجعله مبدء الغسل خلاف الآية وجب أن لا يجوز ، وقال جمهور الفقهاء : إنه لا يخل بصحة الوضوء إلا أنه يكون تركا للسنة.

(٢) نسب إلى السيد المرتضى وابن إدريس. وعدة من متأخري المتأخرين استحباب الابتداء من المرفق ، وجواز النكس على كراهية.

(٣) رواه في التهذيب ج ١ ص ١٩ الرقم ١٦٨ والاستبصار ج ١ ص ٦٢ الرقم ١٨٦ ـ

٤٣

وقيل : إنّها مزيدة ، والمراد وامسحوا رؤوسكم ، والرأس حقيقة في الجميع فتناوله الحكم المعلّق عليه ، وبهذا أخذ مالك فأوجب الاستيعاب ، وفيه نظر للفرق الظاهر بين قولك : مسحت برأس اليتيم ومسحت رأسه حيث إنّ الأوّل في تقدير الصقوا المسح برؤوسكم وهو لا يقتضي استيعابا بخلاف الثاني إذ هو بمثابة اغسلوا وجوهكم ، وقد اختلف العلماء في البعض الّذي يجب مسحه. فالّذي يذهب إليه أصحابنا ما يصدق عليه الاسم قليلا كان أو كثيرا ، وإليه يذهب الشافعي أيضا غير أنّ أصحابنا يخصّونه بمسح البعض بمقدّم الرأس لروايات واردة عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام دالّة على ذلك ، وأوجب الحنفيّة مسح ربع الرأس لما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه مسح على ناصيته (١) وهو قريب من الربع ، و

__________________

ـ والكافي الباب ١٩ من أبواب الطهارة ، وهو في مرآت العقول ج ٣ ص ١٩ وترى الحديث في الوسائل ص ٥٥ ط أمير بهادر الباب ٢٣ من أبواب الوضوء الحديث الأول ، وفي البحار ج ١٨ ص ٧٠ والبرهان ج ١ ص ٤٥٢ الرقم ٦ وجامع أحاديث الشيعة ص ١١١ الرقم ٩٥٥ وسيشير المصنف إلى ما في آخر الحديث من لزوم علوق شيء من التراب في التيمم إنشاء الله فانتظر.

(١) أقول ليس حديث المسح على الناصية مما اختص به أهل السنة بل هو موجود في كتب الشيعة أيضا ففي التهذيب ج ١ ص ٣٦٠ ط النجف الرقم ١٠٨٣ عن حريز عن زرارة قال : قال أبو جعفر ، إن الله وتر يحب الوتر. فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات : واحدة للوجه واثنتان للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى ، وهو ذيل الخبر الرابع من الكافي باب صفة الوضوء ص ١٥ ج ٣ مرآت العقول ، ووصفه العلامة المجلسي بالحسن كالصحيح وجعل صاحب المعالم على كليهما رمز من ص ١١٧ و ١٢٣ من المنتقى الدال على الحسن ، والخبر في الوسائل ج ٥ ب ٣١ ح ٣ ، وفي جامع أحاديث الشيعة ص ١١٦ وكذا خبر الحسين بن زيد الوارد في مسح المرأة ب ٢٣ ج ٥ من الوسائل.

وتحقيق البحث أن إطلاق الآية يقتضي الاكتفاء بمسح أى جزء من أجزاء الرأس ، وألفاظ الاخبار وعبائر الفتاوى في حد الممسوح ، وكلمات اللغويين في معنى الناصية والمقدم مختلفة فتصير المقيدات كالمجمل المنفصل لا تصح دليلا للتقييد إلا في القدر المتيقن ، وهو الربع المقدم من الرأس لا يصح الوضوء مع مسح غيره ويصح مع مسحه أى جزء منه ، نعم من اعتقد ـ

٤٤

الراوية غير معلومة الصحّة ولو سلّم لأمكن أن يكون ذلك لكونه أحد أفراد الواجب لا لتعيّنه. وكيف كان فمقتضى الأمر بالمسح وجوب إيصال اليد إلى البشرة نفسها فلو مسح على العمامة لم يجزه عند أكثر العلماء ، وأجاز بعض العامّة المسح عليها لما روى عنه عليه‌السلام أنّه مسح على العمامة (١) وأجيب بأنّه لعلّه مسح الفرض على الرأس والبقيّة على العمامة. هذا ، وليس في الآية إشعار بوجوب كون المسح ببقيّة بلل الوضوء بل ظاهرها الإطلاق فيه وفي المسح بالماء الجديد ، ومن ثمّ ذهب جماعة إلى ذلك

__________________

ـ إهمال الآية ، وأنها في مقام أصل التشريع لا بيان مهية الوضوء يلزمه القول بالاحتياط وعدم الاكتفاء إلا بمسح الناصية بين النزعتين لان الشك في محصل المطلوب مقتضاه الاحتياط ، وإن كان لاية الله الخوانساري ـ مد ظله ـ في جامع المدارك ج ١ ص ٤٣ بيان لجريان البراءة في الشك في محصل المطلوب أيضا وجريان حديث الرفع فيه أيضا ، إلا أن إطلاق الآية مما لا ترديد فيه ، وذكر الغاية في الآية من أقوى الشواهد على كونها مسوقة لبيان موضوع الحكم لا لمجرد تشريعه مضافا إلى تصريح إمام المفسرين المولى أمير المؤمنين على بن أبى طالب ـ صلوات وسلامه عليه وعلى ذريته ـ في رواية إسماعيل بن جابر المروية ، في الوسائل الباب ١٥ من أبواب الوضوء الحديث ٢٣ ص ٥٣ ج ١ ط أمير بهادر عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين بكون الآية من المحكمات ، وترى التصريح به عنه عليه‌السلام في ص ١٦ من رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى ط إيران ١٣١٢ وص ٩٧ ج ١٩ من كتاب البحار ط كمپانى ، ويرشدك أيضا على كونها في مقام بيان موضع الحكم استدلال الامام الباقر لوجوب غسل تمام الوجه واليد ومسح بعض الرأس بالاية ، وما ورد عنهم في المنع عن المسح عن الخفين مستدلين بالاية انظر الباب ٣٨ من أبواب الوضوء من الوسائل وغيرها فحكم المسألة بحمد الله واضح وقد أطال البحث صاحب الحدائق ـ نور الله مرقده الشريف ـ انظر من ص ٢٥٢ إلى ص ٢٦٣ ج ٢ ط النجف.

(١) رواه ابن تيمية في المنتقى على ما في ص ١٨٤ ج ١ نيل الأوطار عن المغيرة بن شعبة أن النبي (ص) توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين متفق عليه (المتفق عليه في اصطلاحهم ما أخرجه أحمد ومسلم والبخاري) وقال الشوكانى في شرحه : إن البخاري لم يخرجه ، وإن المنذرى وابن الجوزي وهما في ذلك والمصنف قد تبعهما ، وترى الحديث ـ

٤٥

واختاره بعض علمائنا فجوّز الأمرين ، ومن عيّن كونه ببقيّة البلل فقد استفاده من النصوص المعتبرة الإسناد الدالة عليه وهو يوجب تقييد إطلاق الآية ، ولا ينافي ذلك ورود بعض الأخبار بجواز المسح بالماء الجديد لأنّ ذلك محمول على التقيّة أو الضرورة كما يعلم من محلّه. أمّا تقدير المسح بثلاث أصابع كما هو اختيار المرتضى ، وجماعة من الأصحاب فلا دليل عليه بل إطلاق الآية يدفعه ، ويزيده توضيحا ما في صحيحة

__________________

ـ في صحيح مسلم بشرح النووي ج ٣ ص ١٧٣ وفي سنن البيهقي ج ١ ص ٥٨ وفي ص ٦٠ و ٦١ منه أحاديث تدل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل يده تحت العمامة ويمسح مقدم رأسه ، ونظائر هذا المضمون ، وعلى أى ففي بداية المجتهد ج ١ ص ١٣ بعد نقل منع مالك والشافعي وأبى حنيفة عن المسح على العمامة ، وأجازه أحمد بن حنبل وأبى ثور والقاسم بن سلام ، ونقل حديث مسلم ، وقال فيه أبو عمرو بن عبد البر : إنه حديث معلول ، وفي بعض طرقه أنه مسح على العمامة ولم يذكر الناصية.

أقول : وكفى في ضعف الحديث كون المغيرة بن شعبة في طريقه فإنه وإن كان من الصحابة وأهل السنة لا يجترئون على احتمال الكذب على الصحابي ويقولون بعدالة كل الصحابة إلا أنا قد أشبعنا البحث في ذلك في تعليقنا على كنز العرفان ج ٢ ص ١٦٦ فلا نعيد الكلام في ذلك ولا شك في أن الصحابة كانوا يترامون ويتقاذفون يرمى بعضهم بعضا بالكفر والزندقة ، ويقذف بعضهم بعضا بالكذب يشهد بذلك ملاحظة كتب أخبارهم واعترف بذلك أحمد أمين أيضا في فجر الإسلام ص ٢١٦ الطبعة التاسعة وسرد موارد مما كذب بعضهم بعضا ، وسرد موارد منها أيضا الأستاذ محمود أبو رية في كتابه الأضواء على السنة المحمدية انظر ص ٧٠ إلى ٧٢ و ٢٧٩ إلى ص ٣٠٦ الطبعة الثانية ، وسرد أيضا موارد منها أيضا البياضي في الصراط المستقيم ج ٣ من ص ٢٣٧ إلى ٢٤٠ وسرد موارد أيضا ابن أبى الحديد في شرحه على نهج البلاغة ج ٢٠ من ص ١٩ إلى ٣٠ وفيه بعد ذلك من أراد أن ينظر إلى اختلاف الصحابة وطعن بعضهم على بعض فلينظر في كتاب النظام فأهل السنة في ذلك أتم مصداق للمثل المعروف بالفارسية (كاسه گرم تر از آش) والعجب من تعديلهم الصحابة وعد إجازتهم عليهم الخطاء ، وإجازة كثير منهم المعاصي على الأنبياء والحاصل أن الصحابي أيضا كغيره لا يكتفى في قبول قوله بمجرد كون الراوي ـ

٤٦

__________________

ـ صحابيا ما لم نتعاهد حاله فهلم معى أيها القاري نتصفح صفحات التاريخ لكي نستعلم حال المغيرة بن شعبة.

إن المغيرة بن شعبه لم يؤمن بالله ولم يظهر الإسلام إلا حقنا لدمه من بنى مالك ، وحفظا لأمواله التي اقترفها عنهم غدرا بهم انظر قصة إسلامه في الطبقات لابن سعد ج ٤ ص ٢٨٤ ط بيروت نقلا عن نفسه ، وقال ابن أبى الحديد في ج ٢٠ ص ٨ وكان إسلام المغيرة من غير اعتقاد صحيح ولا إنابة ونية جميلة كان قد صحب قوما في بعض الطرق فاستغفلهم وهم نيام فقتلهم وأخذ أموالهم وهرب خوفا أن يلحق فيقتل أو يؤخذ ما فاز به من أموالهم فأظهر الإسلام وكان رسول الله (ص) لا يرد أحدا على إسلامه أسلم عن علة أو أسلم عن إخلاص فامتنع بالإسلام ، وحمى جانبه. ثم نقل قصة إسلامه عن الأغاني ، وفي البحار ج ٨ ص ٧٢٨ وروى صاحب كتاب الغارات عن أبى صادق عن جندب بن عبد الله قال : ذكر المغيرة بن شعبة عند على وجده مع معاوية فقال : وما المغيرة؟ إنما كان إسلامه لفجرة وغدرة غدرها بنفر من قومه فهرب من قومه فاتى النبي (ص) كالعائذ بالإسلام ، والله ما رأى عليه أحد منذ ادعى الإسلام خضوعا ولا خشوعا قلت : ولعله إلى ذلك وغيره يشير كلامه عليه‌السلام في نهج البلاغة لعمار وقد سمعه يراجع المغيرة من الحكم الرقم ٤٠٥! دعه يا عمار فإنه لم يأخذ من الدين إلا ما قاربه من الدنيا وعلى عمه لبس على نفسه ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته. كان المغيرة من الدهاة انظر ج ٤ ص ٤٠٦ من اسد الغابة وج ٣ ص ٤٣٢ الرقم ٨١٨١ من الإصابة والاستيعاب بذيل الإصابة ص ٣٦٨ والمخبر للنسابة محمد بن حبيب البغدادي ص ١٨٤ كان المغيرة أول من رشا في الإسلام انظر المعارف لابن قتيبة ص ٢٤٣ ولطائف المعارف ص ١٤ وكان المغيرة بن شعبة من الزناة بل أزنى الناس انظر لطائف المعارف ص ١٠٠ واسد الغابة وقصة زناه مع أم جميل مسطورة في أكثر الكتب ففي وفيات الأعيان ج ٢ ص ٤٥٥ ترجمة يزيد بن زياد الحميري ، وفي السنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٣٥ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٤٤٨ والمهذب لأبي إسحاق الشيرازي ج ٢ ص ٣٣٣ وفي شرح نهج البلاغة ج ١٢ من ص ٢٢٧ إلى ٢٤٦ نقلا عن تاريخ الطبري والأغاني ، وفيه في ص ٢٣١ أنه لا شك أنه زنى بالمرئة وفي ص ٢٣٩ فهذه الاخبار كما تراها تدل على متأملها على أن الرجل زنى ـ

٤٧

الأخوين عن الباقر عليه‌السلام (١) قال : فإذا مسحت بشيء من رأسك أو بشيء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزئك وظاهر أنّ الشيء يتناول ما هو أقلّ من ذلك.

(وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرأ حمزة وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بجرّ الأرجل ، وقرأ الكسائي ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم بنصبها ، وقد اختلف الأمّة في حكمها فأصحابنا الإماميّة وجماعة من العامّة على أنّ حكمها المسح وهو المستفاد من ظاهر الآية أمّا على تقدير الجرّ فظاهر لأنّه عطف على الرؤوس الممسوحة فيلحقها حكمها ، وأمّا على تقدير النصب فلأنّها معطوفة على محلّ الرؤوس لكونه أقرب ، والعطف على المحلّ شائع في كلام العرب وشواهده أكثر من أن تحصى وعليه جرى قول الشاعر :

__________________

ـ بالمرئة ، وكل كتب التواريخ والسير تشهد بذلك ، وفيه قد روى المدائني أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الإسلام قيده الإسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة ، ولا أظن أحدا له أدنى معرفة بالتاريخ يشك في أنه كان مبغضا لعلي أمير المؤمنين (ع) الذي شهد بطهارته الرب الجليل ، وتواتر الحديث معنى عن النبي أن مبغضة منافق فكفى عليه بذلك عارا وشنارا ، وذكر ابن أبى الحديد في ج ٢٠ ص ٣٥ أن برأيه على (ع) منه معلومة جارية مجرى الأخبار المتواترة فمع ذلك كله هل يطمئن نفوسنا بصدق كل ما رواه المغيرة بصرف كونه من الصحابة ثم الأشهر في المغيرة ضم الميم ، وحكى النووي في التهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ١٠٩ الرقم ١٦٠ كسرها أيضا وهو من ثقيف بن بكر بن هوازن مات سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين اتفق البخاري ومسلم من أحاديثه على تسعة وانفرد البخاري بحديث ولمسلم حديثان.

(١) الحديث رواه في التهذيب ج ١ ص ٩٠ الرقم ٢٣٧ والاستبصار ج ١ ص ٦١ وهو في جامع أحاديث الشيعة ص ١١٨ الرقم ٣٥ وفي الوسائل ب ٢٣ ج ٥ من أبواب الوضوء ص ٥٥ طبع أمير بهادر ، وللحديث صدر لم يذكره المصنف ، والمراد بالأخوين زرارة وبكير ابنا أعين.

٤٨

فلسنا بالجبال ولا الحديد

(١) ونحوه ، واستدل صاحب الكشّاف بقراءة النصب على أنّ الأرجل مغسولة عطفا على الوجوه ، وأيّده بالسنّة الشائعة وعمل الصحابة وقول أكثر الأمّة والتحديد. إذا لمسح لم يحدّ ، وفي كلّ من ذلك نظر : أمّا عطفها على الوجوه فبعيد جدّا لا يقع مثله

__________________

(١) أوله ، معاوي إننا بشر فأسجح ، والبيت لعقيبة مصغر عقبة ، وروى مكبرا ، وقد يشدد الياء ابن هبيرة الأسدي كان شاعرا جاهليا إسلاميا فكان مخضرما ، ولم يذكره أحد في معاجم الصحابة ، والبيت من قصيدة قالها في حق معاوية يشكو إليه جور العمال وبعدها :

فهبها امة ذهبت ضياعا

يزيد أميرها وأبو يزيد

أكلتم أرضنا فجردتمونا

فهل من قائم أو من حصيد

أتطمع في الخلود إذا هلكنا

وليس لنا ولا لك من خلود

ذر وأخون الخلافة واستقيموا

وتأمير الأراذل والعبيد

وأعطونا السوية لا تزركم

جنود مردفات بالجنود

يروى قوله : يزيد أميرها. يزيد يسوسها ، ويروى قوله : فجرزتموها بدل فجردتموها ترى الأبيات في العقد الفريد في مواضع متعددة منها في اللؤلؤة في السلطان في التعرض للسلطان ، ورده ص ٢٩ ج ١ من طبع المطبعة الازهرية بمصر في سنة ١٣٤٦ في أربع مجلدات وكذا ذكره في باب من استعدى عليه من الشعراء ج ٣ ص ٤٠٩ ، وكذا في باب ما غلط فيه على الشعراء ج ٤ ص ١٢ ، وأنشده سيبويه في الكتاب ص ٣٤ و ٣٥٢ و ٣٧٥ من المجلد الأول مستشهدا للعطف على المحل ، وفيه نقل البيت الذي بعده.

أديروها بنى حرب عليكم

ولا ترموا به الغرض البعيدا

وقد تحامل الأدباء عليه ، وشددوا النكير عليه ، وقالوا : إن الروي في الأبيات بعده بالخفض لا بالنصب ، وحكى ذلك عن المبرد أيضا ، ولم أجده في كتابه الكامل ، ولعله في كتابه الرد على سيبويه أو كتابه شرح شواهد سيبويه سردهما الحموى في معجم الأدباء ج ١٩ ص ١٢٣ في كتبه قال أبو أحمد العسكري في كتابه شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص ٢٠٧. ومما غلط فيه النحويون من الشعر ورووه موافقا لما أرادوه روى عن سيبويه عند ما احتج به في سبق الاسم المنصوب على المخفوض قول الشاعر : معاوي إلخ ، وغلط على الشاعر لان هذه القصيدة مشهورة وهي مخفوضة كلها ، ورد عليه أيضا الميمنى في تذييله على سمط اللئالى ص ١٤٩ ـ

٤٩

في كلام أحد الناس فكيف القرآن العزيز الّذي هو قرآن عربيّ غير ذي عوج ، وذلك لأنّ الجملة المأمور فيها بالغسل قد انقضت وتمّ حكمها ظاهرا بالأمر بالمسح في الجملة الثانية ولا يجوز بعد انقطاع حكم الجملة الاولى أن يعطف عليها ، وهل ذلك إلّا مثل

__________________

ـ ولم يرتض اعتذار الأعلم ، وكذا اعترض عليه في جامع الشواهد عند شرح البيت ، ويلوح من تذييل محمد محيي الدين عبد الحميد على كتاب الانصاف تقويته جانب المتجاملين ، وحمى جانب سيبويه ابن الأنباري انظر ص ٣٣٣ من كتابه الانصاف ، وكذا الزمخشري نقله البغدادي ، واعتذر الأعلم عند شرحه البيت في ص ٣٤ ج ١ الكتاب بجواز كون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه القصيدة المعروفة أو كون الاحتجاج بقول المنشد لا بقول الشاعر.

أقول : والذي يقوى عندي أن سيبويه غير متهم في نقله عن العرب ، وليس مثل بعض من النحاة يصنع الشعر شاهدا على مدعاه لا يعرف قائله ولا شطره الأخر كاستشهادهم على دخول اللام في خبر لكن بقول الشاعر : ولكنني من حبها لعميد ، وأن البيت (ولا الحديدا) وإن كان لعقبة بن هبيرة في قصيدة مجرورة القوافي إلا أنه ضمنها غيره في قصيدة منصوبة سواء كان المضمن عبد الله بن همام السلولي كما اختاره الميمنى في تذييله على سمط اللئالى ، وقواه سماحة الحجة الخراسان في تذييله للتهذيب ، وقال : إنه قال ليزيد ، وصار ذلك سببا لأخذ يزيد البيعة لابنه أو عبد الله بن الزبير بفتح الزاي من أسد بن خزيمة كما قاله البغدادي أو عمر بن أبي ربيعة كما ذكره المرزوقي في كتابه الأزمنة والأمكنة ط حيدرآباد ج ٢ ص ٣١٧ أو عقبة بن الحارث كما ذكره في جامع الشواهد ، وفي حاشية الدسوقى على المغني ج ٢ ص ١٢٣ فنصب الحديد وقفا للقوافى وعطفا على محل الجبال ، ولا يجوز أن ينشد بعض القصيدة منصوبا وبعضها مجرورا على طريق الاقواء لان الاقواء يكون في الغالب بين المرفوع والمجرور لما بينهما من المناسبة ، وستسمعه من ابن جنى ، وللتضمين باب واسع في علم الأدب انظر خاتمة الفن الثالث من تلخيص المفتاح ، وشروحه وسائر الكتب الأدبية ، وصرحوا بأن تضمين البيت مع عدم النسبة إلى قائله مقبول إذا كان معروفا.

وكفاك بذلك أنه استشهد بالبيت لحكم العطف على المحل جهابذة لا يرتاب أحد في تضلعهم في الأدب فقد استشهد به علم الهدى في الانتصار المطبوع مع الجوامع الفقهية ، وشيخ الطائفة في التهذيب ج ١ ص ٧١ ط النجف والتبيان ج ١ ص ٥١٤ ط إيران ومجمع البيان ج ٢ ص ١٦٥ ، وأبو الفتوح الرازي ج ٤ ص ١٣٠ والفاضل المقداد في كنز العرفان ج ١ ص ١٢ ـ

٥٠

قول القائل : ضربت زيدا وعمروا ، وأكرمت خالدا وبكرا (١) بجعل بكر معطوفا على زيد لقصد الإعلام بأنّه مضروب لا مكرم ، ولا يخفى أنّ ذلك في غاية الاستهجان عند أهل اللسان تنفّر عنه طبائعهم وتشمئزّ عنه إسماعهم فكيف يجنح إليه أو يحمل القرآن المجيد عليه ، وأضعف من ذلك حكم بعضهم بإضمار عامل ناصب للأرجل سوى الفعلين المذكورين في الآية فإنّ التقدير خلاف الأصل ضعيف في الكلام ، ولو جاز في كتاب الله على ضعفه وبعده في سائر الكلام فإنّما هو إذا استحال حمله على ظاهره وانسدّ الطريق إلّا إليه وانتفت المندوحة عنه ، وقد عرفت الغنا عن ذلك. ثمّ تأييده بالسنّة الشائعة وعمل الصحابة أبعد من ذلك. فإنّ من الصحابة عبد الله بن عباس (٢) و

__________________

ـ والبياضي في صراط المستقيم ج ٣ ص ٢٦٤ وابن رشد في بداية المجتهد ج ١ ص ١٥ والجصاص في أحكام القرآن ج ٢ ص ٤٢٢ وابن هشام في المغني الباب الرابع ص ١٢٣ ج ٢ بحاشية الدسوقى والمحقق الرضي الأسترابادي في شرح الكافية في توابع المنادي ، وشرحه البغدادي في الشاهد الرابع والعشرين بعد المائة ج ٢ ص ٨١ من الطبعة الأخيرة.

(١) في هامش بعض النسخ المخطوطة منه ـ قدس‌سره ـ : قال صاحب الفتوحات المكية : وأما القراءة في قوله تعالى (وَأَرْجُلَكُمْ) بفتح اللام وكسرها من أجل العطف على الممسوح فالخفض أو على المغسول فالفتح فمذهبنا أن الفتح لا يخرجه عن الممسوح فان من الواو قد يكون واو مع ، وواو المعية ينصب تقول قام زيد وعمرا تريد مع عمر. فحجة من يقول بالمسح في هذه الآية أقوى لأنه يشارك القائل بالغسل في الدلالة التي اعتبروها مع فتح اللام ، ولم يشاركه من يقول بالغسل في خفض اللام. انتهى منه.

(٢) قد استفاض من طريق الفريقين قول ابن عباس : الوضوء غسلتان ومسحتان. أو بلفظ افترض الله غسلتين ومسحتين أو ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين ، وأكثروا الرواية عنه أبى الناس الا الغسل ، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح والاستدلال بآية التيمم جعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتان فمن طريق الإمامية انظر جامع أحاديث الشيعة من ص ١١٣ إلى ١١٥ ، وسائر كتب الأحاديث والفقه والتفسير ومن طريق أهل السنة انظر كنز العمال ج ٩ ص ٢٥٦ الطبعة الأخيرة الرقم ٢٢٠٣ والرقم ٢٢٠٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٢ وفتح القدير ج ٢ ص ١٦ وابن كثير ج ٢ ص ٢٥ والخازن ج ١ ص ٤٤١ والقرطبي ـ

٥١

عبد الله بن عمر (١) وأنس بن مالك (٢) وجمع كثير منهم (٣) مسحوا على أرجلهم

__________________

ـ ج ٦ ص ٩٢ والطبري ج ٦ والمغني لابن قدامة ج ١ ص ١٣٣ ، وقد نظم ذلك السيد العلامة بحر العلوم ـ طاب ثراه ـ فقال :

إن الوضوء غسلتان عندنا

ومسحتان والكتاب معنا

فالغسل للوجه ولليدين

والمسح للرأس وللرجلين

(١) انظر تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٥.

(٢) فقد أخرج الطبري ج ٦ ص ٧٣ والقرطبي ج ٦ ص ٩٢ وابن كثير ج ٢ ص ٢٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٢٦٢ وابن قدامة في المغني ج ١ ص ١٣٣ والبيهقي ج ١ ص ٧١ بأسنادهم بألفاظ مختلفة خلاصته أن موسى بن أنس أخبر أباه أن الحجاج أمر الناس بغسل الرجلين في الوضوء فقال : صدق الله وكذب الحجاج قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) وقد أخرج القرطبي والطبري والخازن وابن كثير والسيوطي إن أنس كان يقول : نزل القرآن بالمسح.

(٣) وقد سرد سماحة الحجة نجم الدين العسكري في كتابه الوضوء في الكتاب والسنة أسماء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والقراء والعلماء والمحدثين ممن قال بجواز المسح أو وجوبه تنيف على ثلاثين مستخرجا من كتب أهل السنة من ص ١٠٩ إلى ١٢١ فراجع ولسماحة الحجة الايروانى في تذييله على الحدائق ج ٢ ط النجف ص ٢٨٨ بيان يعجبنا نقله بعين عبارته قال ـ مد ظله ـ : في عمدة القارئ ج ١ ص ٦٥٧ المذاهب في وظيفة الرجلين أربعة : الأول : مذهب الأئمة الأربعة من أهل السنة أن وظيفتهما الغسل الثاني : مذهب الإمامية من الشيعة الفرض مسحهما. الثالث : مذهب الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري وأبى على الجبائي التخيير بين الغسل والمسح الرابع : مذهب أهل الظاهر. ثم ذكر الأخبار المصرحة بغسل النبي رجله وبعدها ذكر الأحاديث المصرحة بمسح النبي (ص) رجليه كحديث جابر الأنصاري وابن عمر وأوس بن أوس وابن عباس وعثمان ورجل من قيس ثم ذكر حديث رفاعة بن رافع قال غسل النبي (ص) وجهه ويديه إلى المرفقين ، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين. قال : وحديث رفاعة حسنه أبو على الطوسي والترمذي وأبو بكر البزاز : وصححه الحافظ ابن حيان وابن حزم : وفي اختلاف الحديث على هامش الام ج ٧ ص ٦٠ وأحكام القرآن ج ١ ص ٥٠ كلاهما للشافعي غسل الرجلين كمال ، والمسح رخصة وكمال ، وأيهما شاء فعل ، وفي تفسير الطبري ج ١٠ ص ٥٩ من ـ

٥٢

في الوضوء بل أنكروا على من غسلها (١) ، وروايات أهل البيت الّذين هم مهبط الوحي ومعدن التنزيل متواترة بالمسح (٢) وهم أعرف بشريعة جدّهم من الأجانب ، وليس وجود التحديد في المغسول دليلا كما قال بل هو في الدلالة على ما نذهب إليه أقرب بحصول التعادل بين المغسولين والممسوحين في كون الأوّل منهما غير محدود ، والثاني محدودا ، وبذلك يحصل تناسب المتعاطفين. هذا ، وقد اضطرب الغاسلون في توجيه قراءة الجرّ فقال بعضهم : إنّ الأرجل فيها معطوفة على الوجوه المغسولة لكنّها جرّت بالجوار قالوا : ونظيره كثير في القرآن والشعر كقوله تعالى (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) بالجرّ

__________________

ـ الطبعة تحقيق محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر عن جابر عن أبى جعفر قال : امسح على رأسك وقدميك ، وعن الشعبي نزل جبريل بالمسح ألا ترى التيمم يمسح ما كان غسلا ويلغى ما كان مسحا ، وعن عامر نزل جبريل بالمسح. ثم قال ابن جرير الصواب عندنا إن الله تعالى أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب ، في التيمم وإذا فعل ذلك المتوضي فهو ماسح غاسل لان غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقامها عليهما ، وبذلك كله يظهر لك أن قول ابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ٢٦ ، ومن أوجب من الشيعة مسحهما فقد ضل وأضل جرءة لا تغفر وعثرة لا تقال انتهى ما في تذييل الحدائق.

قلت : والعجب أن ابن كثير نفسه نقل في ص ٢٥ حكم المسح عن ابن عمرو علقمة وأبى جعفر محمد بن على والحسن والحسين وجابر بن زيد ومجاهد وعن ابن عباس وأنس وعامرى وعكرمة والشعبي وابن جرير وإن حمل مرادهم على الغسل الخفيف إلا أنه حمل على مالا يرضى صاحبه. ولا يتأتى ما روى عنهم وإنكارهم الغسل والاستدلال بآية التيمم ، وأنه فيه يمسح ما كان غسلا ، ويلغى ما كان مسحا ، والتعبير بأن الوضوء غسلتان ومسحتان ، وغير ذلك مما حكاه نفسه.

(١) كما عرفت من ابن عباس وأنس ، وقد حكى ابن كثير الذي ينسب الشيعة في هذا الحكم إلى الضلال والإضلال في ص ٢٦ ج ٢ إنكار عدة على من غسلها في ص ٢٥ كما سمعت.

(٢) انظر الوسائل الباب ١٥ و ٢٥ وغيرهما من أبواب الوضوء ، وسائر الكتب الموسوعة الحديثية والفقهية والتفسيرية ، وفي الانتصار أنها أكثر من عدد الرمل والحصى.

٥٣

على الجوار مع كونه صفة العذاب ، وحور عين بالجرّ في قراءة حمزة والكسائي فإنّه على الجوار إذ هو معطوف على ولدان مخلّدون لا على أكواب وأباريق كما سيجيء. وقولهم : جحر ضبّ خرب ، وللنحاة باب واسع في ذلك ، ويردّه أنّ جرّ الجوار ضعيف جدّا (١) حتّى أنّ أكثر أهل العربيّة أنكروه ، ومن ثمّ لم يذكره صاحب الكشّاف في توجيه قراءة الجرّ ، ومن جوّزه فقد اعتبر فيه شرطين :

الأوّل : عدم تأديته إلى الالتباس على السامع كما في الأمثلة المذكورة فإنّ الألم إنّما هو للعذاب ، والخرب للجحر ونحو ذلك.

والثاني : أن لا يكون معه حرف العطف ، والشرطان فيما نحن فيه مفقودان : أمّا الأوّل فلالتباس حكم الأرجل بسبب تكافئ احتمالي الجرّ بالجوار المقتضى للغسل وبالعطف على الأقرب المقتضى للمسح ، وأمّا الثاني فظاهر ولو قيل : إنّ وحور عين مجرورة بالجوار علي ما عرفت مع وجود حرف العطف وليست معطوفة على أكواب وأباريق. إذ ليس المعنى أنّ الولدان يطوفون عليهم بالحور بل على ولدان لأنّهنّ طائفات بأنفسهنّ ، وقد جاء أيضا في قول الشاعر :

فهل أنت إن ماتت أتانك راحل

إلى آل بسطام بن قيس فخاطب (٢)

__________________

(١) انظر تعليقتنا على كنز العرفان ج ١ ص ١٦ وما ذكره أهل الأدب من ضعف الجر بالجوار وانظر أيضا الانصاف لابن الأنباري ص ٦١٥.

(٢) البيت أنشده في التهذيب ج ١ ص ٦٨ والتبيان ج ١ ص ٥١٣ وأبى الفتوح ص ١٢٨ ج ٤ والصراط المستقيم ج ٣ ص ٢٦٣ والبحار ج ١٨ ص ٥٩ وكنز العرفان ج ١ ص ١٧ أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ٤٢٢ والمصراع الأول فيه :

فهل أنت إن ماتت أنانك راكب والبيت بعده كما نقله الجصاص :

فنل مثلها في مثلهم أو فلمهم

على دارمى بين ليلى وغالب

ولم نعرف قائل البيت ، ونسب إلى جرير ولم يثبت. ثم الأتان على ما في لسان العرب الحمارة ، والجمع : آتن مثل عناق واعنق ، وتطلق على المرأة الرعناء على التشبيه بالاتان ـ

٥٤

بعطف خاطب على راحل وجرّه بجوار قيس : فلا يتمّ ما ذكرتم لقلنا : الحكم بكون الجرّ في وحور عين بالجوار بعيد جدّا وإنّما جرّه بالعطف على جنّات : أي وهم في جنّات ، ومصاحبة حور عين أو على أكواب إمّا لأنّ معنى يطوف عليهم ولدان مخلّدون بأكواب يتنعّمون بأكواب كما في الكشّاف وغيره أو لأنّه يطاف بالحور نفسها عليهم مثل ما يجاء بسراري الملوك إليهم على ما قاله في الكواشي وغيره ، ودعوى كونهنّ طائفات بأنفسهنّ لا مطافا بهنّ لم تثبت بها رواية ولا تشهد لها دراية ، وأمّا البيت فبعد تسليم كونه من قصيدة مجرورة القوافي لا نسلّم كون لفظة خاطب فيه اسم فاعل ، ويجوز أن يكون فعل أمر : أي فخاطبني وأجبتني عن سؤالي سلّمنا كونها اسم فاعل لكن نمنع كونها مجرورة إعرابا ، ويجوز أن تكون مرفوعة وأين من نقلها صحيحا إنّها كذلك والاقواء (١) في شعر العرب العاربة [العرباء خ ل (٢)] كثير حتّى قلّ أن يوجد لهم قصيدة

__________________

ـ وهي المراد في هذا البيت ، وبسطام بن قيس بن مسعود الشيباني أبو الصهباء سيد شيبان ، ومن أشهر فرسان العرب في الجاهلية يضرب المثل بفروسيته أدرك الإسلام ، ولم يسلم وقتله الضبي يوم الشقيقة بعد البعثة النبوية. قال الجاحظ : بسطام أفرس من في الجاهلية والإسلام انظر الاعلام ج ٢ ص ٢٤ وسائر المعاجم ، وتوجيه المصنف في الجواب عن البيت وبيانه أمتر ممن احتمل كون خاطب أمرا كما لا يخفى.

(١) الاقواء على ما في اللسان ط بيروت ج ١٥ ص ٢٠٨ اختلاف إعراب القوافي ، وفيه عن الأخفش رفع بيت وجر آخر قال : وقد سمعت هذا من العرب كثيرا لا أحصى ، وقلت قصيدة ينشدونها إلا وفيها إقواء. ثم لا يستنكرونها لانه لا يكسر الشعر وفيه ، وقال ابن جنى أما سمعه الاقواء عن العرب فبحيث لا يرتاب لكن ذلك في اجتماع الرفع مع الجر. فأما مخالطة النصب لواحد منهما فقليل ، وذلك لمفارقة الالف الياء والواو ، ومنابهة كل واحد منهما جميعا أختها ، فمن ذلك قول الحرث بن حلزة :

فملكنا بذلك الناس حتى

ملك المنذر بن ماء السماء

مع قوله :

آذنتنا ببينها أسماء

رب ثاو يمل منه الثواء

(٢) العرب العاربة والعرباء : هم الخلص منهم أخذ من لفظه فأكد به للمبالغة كما يقال : ـ

٥٥

سالمة عنه صرّح بذلك كثير من العلماء سلّمنا كونها مجرورة بالجوار لكن لا يلزم عن وقوع جرّ الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره. إذ يجوز في الشعر لضرورة الوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره فلا يقاس عليه ، ووجّه صاحب الكشّاف قراءة الجرّ بأنّ المراد غسلها حقيقة ، وعطفها على الرؤوس الممسوحة لا لتمسح بل ليبيّن على وجوب الاقتصار في صبّ الماء عليها لكونها مظنّة للإسراف المذموم المنهيّ عنه ، ولا يخفى ما فيه من التعسّف البعيد والتحمّل الشديد فإنّ كلّ واحدة من اللفظتين في اللغة والشرع لمعنى مخالف للآخر ، وقد فرّق بين الأعضاء المغسولة والممسوحة فكيف يكون معنى الغسل والمسح واحدا.

على أنّا نقول : من ذا الّذي قال : إنّه يجب الاقتصاد في غسل الرجلين من غير سرف ، ومتى ينتقل المخاطب بعد عطفها ما على الرؤوس الممسوحة وجعلها معمولة لفعل المسح إلى أنّ المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح ، والعجب أنّه في أوّل الآية لم يحمل الأمر على الوجوب والندب تحرّزا من الألغاز والتعمية ، ولا يخفى أنّهما فيما ذكره هنا أشدّ وأكثر فكلامه كالمتناقض ، وقد ينقل من الأخفش أنّه قال : الأرجل معطوف على الرؤوس في اللفظ مقطوع عنه في المعنى كقوله :

__________________

ـ ليل لائل وصوم صائم تقول : عرب عاربة وعرباء صرحاء ، ومتعربة ومستعربة : دخلاء ليسوا بخلص فعدة من المؤرخين على أن العرب قسمان بائدة وباقية ، ويسمون البائدة بالعرب العاربة أو العرباء ويقسمون الباقية إلى قسمين : يسمون الأول بالعرب المستعربة لأنهم ليسوا بصرحاء في العروبية ، وهم من بنى حمير بن سبا ، ويسمون القسم الثاني بالعرب التابعة للعرب وهم من قضاعة وقحطان وعدنان ، وعدة من المؤرخين يقسمون العرب ببائدة وعاربة ومستعربة ، ويريدون بالبائدة القبائل الهالكة ، وبالعاربة عرب اليمن ومن ولد قحطان ، وبالمستعربة أولاد إسماعيل لانه كان عبرانيا فاستعرب بعد أن اتصل بجرهم الثانية من ولد قحطان وأصهر إليهم ، ويسمى بعضهم البائدة بالعاربة والقحطانية بالمستعربة والإسماعيلية بالمستعربة ، وبعضهم يجعل المتعربة والمستعربة مترادفين ، ويراد بهما الإسماعيلية ، واختلاف المؤرخين في ذلك إنما جاء من تطبيقهم أو أقوال علماء اللغة على التاريخ فإنهم يريدون في اللغة كما مر بالعاربة والعرباء الخلص ، وبالمتعربة والمستعربة الدخلاء.

٥٦

علّفتها تبنا وماء باردا (١) والمعنى وأسقيتها ماء باردا ، ولا يخفى أنّه تقدير مخالف للأصل من غير موجب. فتأمّل.

(إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قال في القاموس : الكعب كلّ مفصل للعظام ، والعظام الناشر فوق القدم ، والناشران من جانبيها ، والمعنى الثالث ممّا أجمع أصحابنا على نفيه ، وحمل الآية عليه جمهور العامّة إلّا محمّد بن الحسن ومن تبعه من الحنفيّة ، وبعض الشافعيّة.

واحتجّ المثبت له بقول أبي عبيدة الكعب هو الّذي في أصل القدم ينتهى إليه الساق بمنزلة كعاب القن ، وأنت خبير بأنّه ظاهر في المعنى الأوّل من المعنيين السابقين ومن ثمّ استدلّ به بعض أصحابنا.

__________________

(١) البيت أنشده السيوطي في البهجة المرضية ، وابن عقيل وابن الناظم والسيد عليخان في الحدائق الندبة ، والأزهري في التصريح ، وابن هشام في شرح شذوذ الذهب ، والرضى في شرح الكافية كلهم في باب المفعول معه ، وشرحه صاحب المسالك في ص ١٧١ والبغدادي في ص ٣٠٠ ج ١ من الطبعة الأخيرة والعيني وأنشده أيضا في كنز العرفان ج ١ ص ١٤ و ١٩٢ والبحار ج ١٨ ص ٥٨ والتبيان ج ١ ص ٥١٤ والقرطبي ج ٥ ص ٩٥ والطبري ج ١ ص ١١٤ عند تفسير الآية ٧ من سورة البقرة ، وابن قتيبة في مشكل القرآن ص ١٦٥ والكشاف ج ١ ص ٥٥٠ تفسير الآية ٥٠ من سورة الأعراف ، وكذا في ج ٣ ص ١٧٠ الآية ٣٨ من سورة والذاريات ، والسيد المرتضى في المجلس ٧٦ من الأمالي ، وابن قيم الجوزية في جلاء الافهام ص ٣٣٠ وابن هشام في المغني في الباب الخامس في حذف الفعل ج ٢ ص ٢٦٣ مع حاشية الدسوقى ، وابن الأنباري ص ٦١٣ والصحاح لغة (ق ل د) ج ١ ص ٢٥٥ ط بولاق ، واللسان (ق ل د) ص ٣٦٧ ج ٣ ط بيروت ، وابن الهمام في شرحه للهداية في الفقه الحنفي ، وفتح القدير ج ١ ص ٨ وكذا في تيسير الحرير في الأصول الحنفي ج ٣ ص ١٤٠ ، وحيث لم يمكن تسلط العامل في المعطوف عليه أعنى علفتها على المعطوف لم يمكن عطفه على ما قبله فذكروا في وجه نصب ماء ثلاثة أوجه : الأول النصب على المعية الثاني : تقدير فعل يعطف على علفتها أى وسقيتها. الثالث : تضمين علفتها معنى انلتها ، وغلط ابن الهمام تنظيرهم الآية بالبيت في تقدير فعل آخر لعدم اتحاد الفعلين في إعراب متعلقهما في الآية بخلاف البيت ثم إنهم اختلفوا في رواية البيت هل المصراع أول بيت آخره : حتى شتت همالة عيناها ، ويروى مشت أو بدت ـ

٥٧

وأمّا المعنى الأوّل والثاني فقد اختلف أصحابنا فيهما فأكثرهم على كونه بالمعنى الثاني حتّى ادّعى الشهيد في الذكرى إجماعنا عليه ، وهو ظاهر جماعة أيضا ، وقال العلّامة إنّه بالمعنى الأوّل ، وصبّ عبارات الأصحاب عليه ، وجعل اعتقاد خلاف ذلك فيها اشتباها على غير المحصّل ، ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة الأخوين (١) عن الباقر عليه‌السلام ولكن في المعنى الثاني روايات واردة عن الأئمّة عليهم‌السلام تناسب ذلك مع الثبوت لغة ، ولا يبعد الجمع بين الروايات وعبارات الأصحاب بالحمل على أنّه العظم الناتي على ظهر القدم عند المفصل حيث يدخل تحت عظم الساق (٢) بين الظنبوبين فيتّحد الإشارة إليه ، وإلى المفصل كما في الرواية عن الباقر (٣) إلّا أنّ هذا لا يتمشى في بعض

__________________

ـ أو غدت بدل شتت ، أو هو آخر بيت أوله ، لما حططت الرجل عنها واردا ثم إنهم لم ينسبوا البيت إلى قائل ، وقال البغدادي ، رأيت في حاشية نسخة من الصحاح إنه لذي الرمة ، وفتشت ديوانه فلم أجده فيه ، وقال أيضا : إن شتت بمعنى أقامت شتاء ، وزعم العيني أن شتت بمعنى بدت ، ولم أر هذا المعنى في اللغة ، وهمالة : اسم مبالغة من هملت العين إذا انهمرت بالدموع حال من الضمير المستتر ، وعيناها فاعله ، ومن روى بدت جعل عيناها فاعله وهمالة تميزا.

(١) إشارة إلى الخبر المروي في التهذيب ج ١ ص ٧٦ الرقم ١٩١ عن زرارة وبكير ابني أعين أنهما سألا أبا جعفر عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أن قالا : قلنا : أصلحك الله فأين الكعبان قال : هيهنا يعنى المفصل دون عظم الساق فقالا : هذا ما هو قال : هذا عظم الساق ، ورواه في الكافي ص ١٥ ج ٣ مرآت العقول ، وفيه زيادة ، وفيه : والكعب أسفل من ذلك ، ورواه في الوسائل الباب ١٥ من أبواب الوضوء ورواه العياشي أيضا مثل ما في الكافي ج ١ ص ٢٩٨ الرقم ٥١.

(٢) وهو الموافق لما يدعيه أهل التشريح حتى في العصر الجديد ، وقد تكلمت في ذلك مع كثير من الأطباء وانظر أيضا تعليقتنا على كنز العرفان ج ١ ص ١٨.

(٣) إشارة إلى الرواية المروية في التهذيب ج ١ ص ٧٥ الرقم ١٩٠ عن ميسر عن أبى جعفر. إلى أن قال : ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال : هذا هو الكعب قال : وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب. ثم قال : هذا الظنبوب ، وروى مثلها العياشي عن عبد الله بن سليمان عن ـ

٥٨

عبارات الأصحاب لصراحتها في الثاني. فتأمّل هذا.

وقد اعترض العامّة على أصحابنا بأنّه لو كان الكعب عبارة عن العظم الناشر على ظهر القدم لكان ينبغي أن يقول : إلى الكعاب كما قال (إِلَى الْمَرافِقِ). إذ في كلّ رجل على هذا كعب واحد كالمرفق في كلّ يد.

والجواب أنّه كما يصحّ جمع المرفق بالنظر إلى أيدي المكلّفين ، وتثنية الكعب بالنظر إلى كلّ رجل على تقدير صحّة إطلاق الكعب على الظنبوبين ، وإرادتهما كما ذكرتم كذلك يصحّ الجمع في الكعب بالنظر إلى أرجل المكلّفين ، والتثنية بالنظر إلى رجلي كلّ شخص ، والإفراد بالنظر إلى كلّ رجل على ما قلنا ، وكذلك في المرافق على أنّ القياس في هذا المقام بناء على قولكم في الكعب يقتضي خلاف ذلك فإنّ لكلّ شخص حينئذ أربع كعاب فيكون على ضعف المرافق فكان أولى بالجمع.

ويمكن دفع قولهم أيضا بأنّ مسح الرجلين فقد ثبت بإجماع العصابة ، وقد قامت الأدلّة على حجيّته ، ومن قال : بالمسح قال : بأنّ الكعب أحد المعنيين الأوّلين. إذ لم يقل أحد ممّن قال : بالمسح بكون الكعب بالمعنى الثالث فالقول به منفيّ.

تنبيه ظاهر أمره ـ جلّ وعلا ـ المكلّفين بفعل الوضوء يقتضي مباشرة المكلّف أفعال الوضوء بنفسه إذ الظاهر من الأمر بفعل إرادة قيام الفاعل به على الخصوص فإنّ الإسناد على الحقيقة والمجاز خلاف الظاهر يتوقّف على القرينة الصارفة وهي هنا غير معلومة فعلى هذا لا يجوز التولية في الوضوء ولا المشاركة في فعله ، وهو مذهب علماءنا إلّا من ندر (١) وجوّزها العامّة والآية حجّة عليهم. أمّا استفادة الترتيب بين أعضاء

__________________

ـ أبى جعفر ج ١ ص ٣٠٠ الرقم ٥٦ وانظرهما في الوسائل الباب ١٥.

والعرقوب على ما في اللسان : العصب الغليط الموتر فوق عقب الإنسان والظنبوب : حرف الساق اليابس من قدم. وقيل هو الساق. وقيل : هو عظمه

(١) حكاه في المختلف ص ٢٥ عن ابن الجنيد.

٥٩

الوضوء منها والموالاة بينها فغير معلومة ، وما استدلّ به بعض علمائنا من جهة دلالة ـ الفاء ـ على تعقيب غسل الوجه للقيام إلى الصلاة ، ومتى ثبت وجوب تقديم غسل الوجه ثبت الترتيب في الباقي لعدم القائل بالفصل بعيد. فإنّ المفيدة للتعقيب هي العاطفة لا الجزائيّة ، ولو سلّم فإنّها تفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بالأفعال المذكورة كأنّه قال : إذا قمتم إلى الصلاة فتوضّؤوا ولا دلالة في مثله على الترتيب إلّا أن يقال : إنّ الواو للترتيب ومعه لا حاجة إلى التمسّك بالفاء. وحاول بعضهم استفادته من الآية بوجه آخر حاصله أنّه قد تقرّر في العربيّة أنّ العامل في المتعاطفين واحد وهو هنا فعل الغسل المعنىّ بالمرفقين فليس بعد غسلهما غسل ، والوجه مغسول فيكون غسله قبلهما ، ولا يجوز أن يقدّر اغسلوا ليكون كلمة ـ إلى ـ غاية له وحدة لما عرفت من اتّحاد العامل فيهما ، وكذا نقول : في فعل المسح الواقع على الرأس والرجلين ، وفيه نظر. إذ لا نسلّم مقدّماته سلّمنا لكن لا دلالة فيها على تقديم اليد اليمنى على اليسرى بل ولا تقديم المغسولات على الممسوحات بل ولا تقديم الوجه على اليدين. إذ يتحقّق ما ذكره بتوسط الوجه بينهما وكذا لو وسّط مسح الرأس بين مسح الرجلين على أنّا قد ذكرنا سابقا أنّ ـ إلى ـ لانتهاء المغسول لا الغسل ، وهذا مناف له في الجملة بل غير منطبق على ما يذهب إليه الأكثر من وجوب الابتداء بالمرفق ولا يصار إليه ، وبالجملة استفادة الترتيب من الآية بعيدة نعم ثبت وجوبه عندنا بدليل من خارج كإجماعنا وتضافر أخبارنا (١) به. ثم إنّ تخصيص بعض الأفعال بالغسل وبعضها بالمسح ظاهر في عدم إجزاء أحدهما عن الآخر لأنّ التفصيل قاطع للشركة فعلى هذا يشترط في صحّة المسح عدم تحقّق أقلّ مسمّى الغسل وإلّا صدق الغسل فلا يجزى عن المسح ، وأجيب بأنّ المقابلة جاز أن تكون. باعتبار القصد والنيّة ولا يضرّ خلافه أو باعتبار عدم جواز المسح في المغسول كذا قيل ، و

__________________

(١) تضافروا بالضاد المعجمة ، وتظافروا بالظاء المعجمة ، وتظاهروا بمعنى واحد انظر اللسان [ض ف ر] ص ٤٩٠ ج ٤ ط بيروت. ثم انظر المسألة في تعاليقنا على كنز العرفان ص ٢١ و ٢٢ ج ١ وانظر الاخبار في الوسائل الباب ١٥ ـ ٣٤ ـ ٣٥ وانظر جامع أحاديث الشيعة ص ١٠١ و ١٠٥ و ١٢٠ و ١٢١ و ١٢٤ و ١٢٥.

٦٠