مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي لترحموا بذلك فإن اتّباع أوامر القرآن والاتّعاظ به يوجب المرحمة.

(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ) وهو عامّ في الأذكار من القراءة والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد أمر المأموم بالذكر سرّا إذا كان في صلاة لا يجهر فيها ، ورواه في التبيان عن زرارة عن أحدهما عليه‌السلام (١) إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت ، وسبّح في نفسك يعنى فيما لا يجهر به.

وقيل : المراد اذكر نعمة ربّك بالتفكّر في نفسك وقيل : أذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى ، ولعلّ في تخصيص اسم الربّ دون الإله وغيره تنبيها على أنّ سبب الذكر هو التربية والإنعام وليدلّ على الطمع والرجاء.

(تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) يحتمل انتصابهما على الحالية من فاعل اذكر : أي متضرّعا وخائفا أو على نزع الخافض : أي بتضرّع وخوف ، والمراد التضرّع في الدعاء والخوف منه تعالى.

والوجه في هذا القيد بعد القيد الأوّل أنّ كمال حال الإنسان إنّما يحصل بانكشاف أمرين :

الأوّل : عزّة الربوبيّة ، وهو إنّما يتمّ الأوّل أعني قوله (اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ).

الثاني : مشاهدة ذلّة العبوديّة ، وهو إنّما يكمل بقوله (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) فالانتقال من الذكر : أى التضرّع يشبه الصعود ، وبهما يتمّ معراج الأرواح القدسيّة.

فإن قيل : معرفة الله تعالى يلزمها التضرّع والخوف.

قلنا : ليس ذلك مطلقا ، إذ قد يستحكم في عقل الإنسان أنّ الله تعالى لا يعاقب أحدا. إذ العقاب إيذاء ولا فائدة لله تعالى فيه فيحكم بأنّه لا يعذّب فلا يكمل

__________________

(١) التهذيب ج ٣ ص ٣٥ الرقم ١٢٧ والاستبصار ج ١ ص ٤٢٨ الرقم ١٦٥١ والكافي ص ١٥٠ ج ١ والعياشي ج ٢ ص ٤٤ والمجمع ج ٢ ص ٥١٥.

٣٠١

التضرّع والخوف.

فإن قيل : الخوف إمّا خوف العقاب وهو مقام المذنبين أو خوف الجلال وهو مقام العارفين ، وهو ممتنع الزوال فمات كلّ من كان أعرف بجلال الله كان هذا الخوف في قلبه أكمل.

قلنا : لأصحاب المكاشفات مقامين : مكاشفات الجلال ومكاشفات الجمال فإذا فإنّهم إذا كوشفوا بالجمال عاشوا ، وإذا كوشفوا بالجلال طاشوا ، والمراد بالخيفة إمّا خوف التقصير في الأعمال أو خوف الخاتمة بل خوف السابقة فإنّها علّة الخاتمة ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة (١) أو المراد خوف مقابلة نعم الله الّتي لا حصر لها ولا عدّ بطاعاته الناقصة وأذكاره القاصرة.

(وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) عطف على تضرّعا : أى ومتكلّما كلاما فوق السرّ ودون الجهر فإنّه أدخل في الخشوع والإخلاص ، وذلك قد يكون واجبا إذا كان موجبا لترك الرياء أو تكون القراءة واجبة فإنّه حينئذ يجب إسماع النفس بحيث يخرج عن حديث النفس ولا يكون غالبا بحيث يخرج عن الحدّ ، والفقهاء وإن قالوا ذلك في صلاة الفريضة إلّا أنّه يمكن جريانه في مطلق القراءة الواجبة بل مطلق القراءة والدعاء ، ويحتمل أن يكون عطفا على نفسك : أي وقعا دون الجهر من القول والمراد استحباب إخفات الذكر والدعاء والقراءة دون المقدار الواجب ليبعد عن الرياء فإنّ البعد عنه مطلوب كما قالوه في استحباب السرّ في التصدّق ونحوه ، وكذا الكلام في سائر العبادات فإنّ الإخلاص منها هو العمدة فكلّما بعدت عن شبهة الرياء كانت أولى ، ولعلّ التصريح بالنفس هنا للدلالة على اعتبار القصد في الذكر وكونه بالقلب واللسان معا فلو عرى عن ملاحظة القلب لم يترتّب عليه الأثر المطلوب لأنّ المراد بذكر النفس السرّ لقوله : ودون الجهر فيلزم التكرار. فتأمّل.

__________________

(١) عقد البخاري لهذا بابا انظر فتح الباري ج ٢٤ من ص ٢٩٢ إلى ٢٩٥ ، وبسط ابن حجر في الحديث ، وألفاظه المختلفة مثل جف القلم بما أنت لاق أو جف القلم بما هو كائن أو جفت الأقلام وطويت المصاحف ، وغيرها. فراجع.

٣٠٢

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي بأوقات الغدوات والعشيّات أوّل النهار وآخره وقت العصر فإنّهما أفضل الأوقات وأبعدها عن الرياء لعدم اطلاع الناس بهما. إذ أكثرهم مشغولون بحالهم في منازلهم بخلاف سائر الأوقات. فتكون الآية جامعة لما ينبغي في الذكر من الفعل والوقت ، ويحتمل أن يكون المراد بهما الدوام على الفعل. ثمّ أكّد الأمر بالذكر بقوله.

(وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الّذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه فيحتمل كون النهي للتحريم لكن إذا عمّت الغفلة جميع الأوقات واستغرقتها لظهور تحريم ترك الصلاة المشتملة على الذكر ، ويحتمل كونه للكراهة ، والمراد الحثّ على عدم الغفلة في شيء من الأوقات عن ذكر الله والاستمرار عليه ليتنوّر جوهر النفس ويستعدّ لقبول الإشراقات القدسيّة فيضا هي سكان حظائر الجبروت الّذين مدحهم الله بقوله :

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم الملائكة ـ صلوات الله عليهم ـ ومعنى عند دنو الزلفة والقرب من رحمة الله لا قرب المكان.

ويمكن أن يراد ما يعمّ جميع المقرّبين من الملائكة وغيرهم الفائزين لمزيد الفضل والرحمة وعلوّ الدرجة. فتأمّل.

(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي هم مع جلالة قدرهم وعلوّ أمرهم يعبدون الله ويذكرونه ، والمراد إنّكم إن استكبرتم عن عبادته فمن هو أعظم حالا منكم لا يستكبر عنها.

(وَيُسَبِّحُونَهُ) وينزّهونه عن كلّ سوء ، وهذا يرجع إلى المعارف والعلوم.

(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ويخصّونه بالعبادة والتذلّل لا يشركوا به غيره وهذا يرجع إلى إعمال الجوارح.

ويجوز أن يكون في الكلام تعريض بمن عداهم من المكلّفين والمقصود أنّ الملائكة مع غاية طهارتهم ونهاية عصمتهم وبراءتهم عن بواعث الشهوة والغضب ودواعي الحقد والحسد مواظبون على العبادة والطاعة. فالإنسان مع كونه مبتلى بظلمات عالم الطبيعة وكدورات الزلّات البشريّة أولى بأن يداوم على ذكر معبوده ليصفّى مرآت

٣٠٣

قلبه من صداء الهواجس وتنتقش بالجلايا القدسيّة والمعارف الحقيّة ، ومن ثمّ شرع السجود هنا ، ولا خلاف في أنّ هنا سجدة هي أوّل سجدات القرآن ، وإنّما اختلفوا في وجوبها واستحبابها ، والأكثر على الاستحباب وهو قول أصحابنا والشافعيّة وجماعة من العامّة.

وقال جماعة : بالوجوب ، ودليله غير واضح ، وسجدة التلاوة في خمسة عشر موضعا من القرآن (١) في هذا الموضع ، وفي الرعد (٢) ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين ، والفرقان ، والنمل ، والم تنزيل وهي سجدة ، ولقمان ، وص ، وحم السجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ باسم ربّك ، ولا خلاف بين علمائنا في ذلك ، والخلاف مع العامّة في الثلاث الأخير ، وفي السجدة الثانية للحجّ ، وفي ص. فقال الشافعي : ليس في الثلاث الأخيرة سجود لأنّها واقعة في المفصّل ، وقد روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسجد في شيء من المفصّل (٣) مذ تحوّل إلى المدينة.

وقال أبو حنيفة : ليس في ثانية الحجّ سجود لأنّه جمع فيها بين الركوع والسجود

__________________

(١) وفي الباب حديث عن أم الدرداء عن أبى الدرداء أنه سجد مع النبي (ص) إحدى عشرة سجدة منها التي في النجم أخرجه الترمذي ج ٢ ص ٤٥٧ الرقم ٥٦٨ وابن ماجة ص ٣٣٥ الرقم ١٠٥٥ وأبو داود ج ٢ ص ٧٩.

(٢) انظر تفصيل مواضع السجدة في العروة الوثقى المسئلة ٢ من مسائل سائر أقسام السجود ، وانظر أيضا دعائم الإسلام ط دار المعارف بالقاهرة ج ١ ص ٢١٤ والحدائق ج ٨ ص ٣٢٩ والبحار ج ١٨ الصلاة ص ٣٧١.

(٣) تفرد به من أصحاب الصحاح أبو داود أخرجه في ج ٢ ص ٧٩ الرقم ١٤٠٣ وفي سنده أبو قدامة ومطر الوراق وهما ضعيفان وانظر ترجمة أبى قدامة الأيادي البصري واسمه الحارث بن عبيد في ميزان الاعتدال ج ١ ص ٤٣٨ الرقم ١٦٣٢ نقل فيه تضعيفه عن أحمد وابن معين والنسائي وابن حبان ، ونقل الحديث أيضا. وقال مطر : رديء الحفظ وهذا منكر فقد صح أن أبا هريرة سجد مع النبي في إذا السماء انشقت وترجم مطر الوراق في ج ٤ ص ١٢٦ الرقم ٨٥٨٧ ونقل تضعيفه عن ابن سعد وأبى حاتم وأحمد ويحيى والنسائي ، وفيه وقال عثمان بن دحية : لا يساوى دستجه بقل (الدسجة الخرمة معرب والجمع دساتج) وأوضح ضعف الحديث أيضا ابن القيم الجوزية في إعلام الموقعين ج ٢ ص ٣٩٠.

٣٠٤

فقال : اركعوا واسجدوا كقوله لمريم : اركعي واسجدي.

وقال الشافعي : ليس في ص سجدة التلاوة ، وإنّما هي سجدة شكر.

ويردّ الأوّل أنّ عمرو بن العاص قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة عشر سجدة منها ثلاث في المفصّل ، وسجدتان في الحجّ (١) ، وما رواه أبو رافع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره بالسجود في سورة الانشقاق (٢).

ويردّ الثاني ما تقدّم ، وما رواه عقبة بن عامر (٣) قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في سورة الحجّ سجدتان قال : نعم من لم يسجدهما فلا يقرأهما ، وسجدهما عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس وأبو الدرداء وجماعة من الصحابة والتابعين (٤) ، وهذا هو الموجب للقول بالسجود عندها ، واشتمالها على الأمر بالركوع لا ينافي السجود عندها كما في اقتران السجود بالبكاء في قوله (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) فلا ينفى الاستحباب بدونه على أنّ استحباب السجود فيها إنّما يثبت بدليل خارج عن الآية لا بها.

ويردّ الثالث أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سجدها ، وروي ذلك ابن عبّاس (٥) وروي غيره أنّه يسجد لها وإليه يذهب أبو حنيفة. هذا.

__________________

(١) انظر سنن أبى داود ج ٢ ص ٧٨ الرقم ١٤٠١ وابن ماجة ص ٣٣٥ الرقم ١٠٥٧ والبيهقي ج ١ ص ٣٠٤ والمنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٣ ص ١٠٢ وقال الشوكانى في شرحه أخرجه الدارقطنى أيضا والحاكم ، وحسنه المنذرى والنووي ، وروى الحديث من أصحابنا العلامة في التذكرة : والشهيد في الذكرى.

(٢) رواه عن أبي هريرة انظر البيهقي ج ٢ ص ٣١٥ والبخاري بشرح فتح الباري ج ٣ ص ٢١٤ ومسلم بشرح النووي ج ٥ ص ٧٨ ومسند أبي عوانة ط حيدرآباد ج ٢ ص ٢٠٨ ورواه عنه أيضا أبو سلمة وعطا بن مينا.

(٣) مر مصادر الحديث من طريق الفريقين في ص ١٩٧ من هذا الجزء.

(٤) انظر سنن البيهقي ج ٢ من ص ٢١٦ الى ٣١٨ ترى فيها تفصيل سجدة من سرده المصنف في سجدتين في الحج : وكذا سائر جوامعهم الحديثية.

(٥) انظر سنن البيهقي ج ٢ من ص ٣١٨ إلى ٣٢٠ ومشكل الآثار للطحاوى ج ٤ من ص ٣١ إلى ٣٥ والمعتصر من المختصر ج ١ ص ٨٣.

٣٠٥

وسجدة التلاوة في أربعة من هذه المواضع واجبة عندنا يعبّر عنها بسجود العزائم (١) ومستحبّة في البواقي ، وقالت الشافعيّة : بالاستحباب في الجميع ، والحنفيّة بالوجوب في الجميع.

وقد انعقد إجماع الطائفة المحقّة على ذلك ، ورووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) أنّه قال : عزائم السجود أربع ، وروي الكليني (٣) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : العزائم أربعة : حم السجدة ، والم تنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربّك ، ونحوها من الأخبار. ففي حم تجب السجدة عند قراءة (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ) الآية ، ويحتمل عند لا يسأمون ، وفي الم تنزيل عند قوله : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وفي آخر النجم عند قوله (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) وفي آخر اقرأ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ).

واستدلّ العلّامة على وجوب السجود في هذه الأربع بأنّها متضمّنة للأمر بالسجود فتكون واجبة إذ الأمر للوجوب بخلاف غيرها فإنّه غير صريح في الأمر فيكون ندبا.

وفيه نظر فإنّ الأمر بالسجود لا دلالة فيه على وجوب السجدة عند سماع قرائتها

__________________

(١) قال في اللسان : وعزائم السجود ما عزم على قارئ آيات السجود أن يسجد لله فيها.

(٢) أخرجه ابن المنذر وغيره انظر نيل الأوطار ج ٣ ص ١٠٥ وروى ابن المنذر وغيره عن على (ع) أن العزائم : حم ، والنجم ، واقرء ، والم تنزيل حكاه في نيل الأوطار ج ٣ ص ١٥٠ وفتح الباري ج ٣ ص ٢٠٦ وفيه أن إسناده حسن وأخرجه الطحاوي أيضا في مشكل الآثار ج ٤ ص ٣٢ ثم قال : وهذا من على لم يقله استنباطا ولكن قاله مما قد علمه بما هو فوق الاستنباط فدل ذلك على أن ما كان من السجود عزائم كان فيها الوجوب ، وأن ما كان لا عزيمة فيه فتاليه وسامعه بالخيار بين السجود وبين ترك ذلك ، وانظر أيضا المعتصر من المختصر ج ١ ص ٨٣

(٣) انظر فروع الكافي ط ١٣١٢ ج ١ ص ٨٧ باب عزائم السجود الحديث الأول وهو في المرآة ج ٣ ص ١٢٦.

٣٠٦

أو تلاوتها أو غير ذلك ، إلّا أن يكون الأمر للفور وهو مرغوب عنه فيما بينهم.

ولو قيل : إنّ الأمر بالسجود يقتضي وجوبه ولا وجوب للسجدة في غير الصلاة وقراءة هذه الآيات بالإجماع وليست هذه سجدة الصلاة بالإجماع فيثبت المطلوب.

لقلنا : هذه مسافة بعيدة ، ويمكن اختصارها بدعوى الإجماع من أوّل الأمر على وجوب السجود فيها.

وبالجملة إثبات وجوب سجدة التلاوة من ظاهر الآية بعيد والعمدة فيه الأخبار والإجماع والظاهر من السجود هنا وضع الجبهة فلا يجب وضع ما عداها من الأعضاء ، والأحوط الوضع ، وكذا لا تجب فيها الطهارة عند أكثر أصحابنا لأصالة عدم الاشتراط ، ويؤيّده موثقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : قال : إذا قرء شيء من العزائم الأربعة فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرأة لا تصلّى (١) ونحوها روايته أيضا عن الصادق عليه‌السلام والحائض تسجد إذا سمعت السجدة (٢) واشترط الشيخ الطهارة استدلالا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة التلاوة إذا سمعت السجدة؟ قال : تقرأ ولا تسجد ، والجمع بين الأخبار بالحمل على الكراهة مع أنّ الأخير غير صريح في النهي لجواز إرادة الإنكار ، وقد اتّفق الفقهاء من العامّة على وجوب الطهارة ونحوها من شروط الصلاة أمّا التكبير لها ففي وجوبه أو استحبابه خلاف بينهم ، وكيفيّة السجود عندهم أن ينوي ويكبّر للافتتاح ثمّ يكبّر تكبيرة أخرى للهوي إلى السجود ، ويكبّر بعد رفع رأسه من السجدة ، وجوّزوا ذكر ما يقوله في سجود الصلاة ، وأوجب بعضهم التسليم والتشهّد وبعضهم لم يوجبهما ، وهو مرغوب عنه بين أصحابنا ، والظاهر من

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٢ ص ٢٩١ الرقم ١١٧١ والكافي ط ١٣١٢ ج ١ ص ٨٧.

(٢) انظر التهذيب ج ٢ ص ٢٩١ الرقم ١١٦٨ والاستبصار ج ١ ص ٣٢٠ الرقم ١١٩٢ وما نقله المصنف آخر الحديث ولم ينقل أوله.

(٣) انظر التهذيب ج ٢ ص ٢٩٢ الرقم ١١٧٢ كما في المتن وفي الاستبصار ج ١ ص ٣٢٠ الرقم ١١٩٣ لا تقرأ ولا تسجد.

٣٠٧

روايات أهل البيت عليهم‌السلام أنّ التكبير في سجدة التلاوة يكون بعد الرفع روى سماعة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبّر حتّى ترفع رأسك (١) وكذا الكلام في الذكر وغيره ممّا يجب في سجدة الصلاة ، ونحوها صحيحة عبد الله ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : إذا قرأت شيئا من العزائم الّتي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك ولكن تكبّر حين ترفع رأسك. الحديث ، وفي صحيحة أبي عبيدة الحذّاء (٣) عنه عليه‌السلام قال : إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : سجدت لك يا ربّ تعبّدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ، ولا مستنكفا ولا متعظّما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير ، والعمل على هاتين الروايتين أولى.

__________________

(١) التهذيب ج ٢ ص ٢٩٢ الرقم ١١٧٥.

(٢) انظر التهذيب ج ٢ ص ٢٩١ الرقم ١١٧٠ والكافي ج ١ ص ٨٧ وتتمة الحديث والعزائم أربعة : حم السجدة : والم تنزيل. والنجم ، واقرا باسم ربك

(٣) الكافي ج ١ ص ٩١ وانظر أحاديث الباب في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ من ص ٣٤١ الى ص ٣٤٣ والحدائق ج ٨ من ص ٣٢٥ إلى ص ٣٣٠ والوسائل من الباب ٤٢ إلى الباب ٤٩ من أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ص ٣٧٧ وص ٣٧٨ ج ١ ط أمير بهادر.

٣٠٨

(كتاب الصوم)

وفيه آيات :

الاولى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ. إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١).

__________________

(١) البقرة ١٨٢ إلى ١٨٧.

٣٠٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قد مرّ غير مرّة وجه تخصيصهم بالخطاب مع كون الحكم ثابتا بالنسبة إليهم ، وإلى الكفّار أيضا.

(كُتِبَ) أى فرض وأوجب.

(عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) وهو العبادة المعروفة في الشرع : أي الإمساك عن أشياء مخصوصة على وجه ممّن هو على صفات مخصوصة ، والصيام والصوم بمعنى واحد يقال : صمت صوما وصياما.

(كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعنى الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم والمراد أنّ الصوم عبادة قديمة أصليّة (١) ما أخلى الله امّة عن افتراضها ولم يفرضها عليكم وحدكم وفي ذلك ترغيب على الفعل وتسلية للمؤمنين وتطييب لقلوبهم بشرع تكليفه ففيهم من ذلك الاهتمام بتوطين النفس على فعله وحسن قبوله ، ومحلّ الكاف النصب على أنّه صفة المصدر المحذوف ، وما مصدريّة : أي كتابة مثل كتابته على الّذين من قبلكم ، ولعلّ التشبيه في أصل الصوم أو العدد أو الوقت أيضا لكنّه غيّره أيضا كما نقله جمع من المفسّرين.

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) المعاصي فإنّ الصوم يكسر الشهوة الّتي هي أسّ المعصية ، وفي

__________________

(١) انظر قاموس الكتاب المقدس ص ٤٢٧ و ٤٢٧ لغة (روزه) يشير فيه إلى مواضع ذكر الصوم في كتب العهدين ، وليس قوله : كما كتب على الذين من قبلكم في مقام الإطلاق من حيث الأشخاص ، ولا من حيث التنظير فلا يدل على أن جميع أمم الأنبياء كان مكتوبا عليهم الصوم من غير استثناء ، ولا على أن الصوم المكتوب عليهم هو الصوم الذي كتب علينا من حيث الوقت والخصوصيات والأوصاف فالتنظير في الآية إنما هو من حيث أصل الصوم ، والكف لا من حيث خصوصياته ، وربما يستفاد من بعض الاخبار اختصاص كونه فرضا بالأنبياء انظر البرهان ج ١ ص ١٨٠ ونور الثقلين ج ١ ص ١٣٦ ولا ينافي ذلك كونه مشروعا للأمم كصلاة الليل تكون واجبة على نبينا (ص) وهي مشروعة لنا غير فرض.

٣١٠

الحديث من لم يطلق الباه فعليه بالصوم فإنّ الصوم له وجاء (١) وفي آخر خصاء أمّتي الصوم (٢) وعلى هذا فيمكن أن يستفاد منها اعتبار اجتناب جميع المعاصي في الصوم لما روي

__________________

(١) والحديث كما في المنتقى ج ٦ ص ١٠٦ نيل الأوطار هكذا ، عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله (ص) : يا معشر الشباب من استطاع منكم البائه فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه الجماعة (أصحاب الصحاح الست وأحمد) وشرح الحديث ابن حجر مع بيان مواضع اختلاف الألفاظ في الفتح من ص ٩ إلى ١٢ ج ١١ ، وأخرجه البيهقي ج ٤ ص ٢٩٦ وج ٧ ص ٧٧ والمنذرى في الترغيب والترهيب ج ٣ ص ٤٠ ورواه المحدث النوري في المستدرك عن در اللآلي عن النبي (ص) والبائه بالهمزة وتاء التأنيث ممدود وبغير همزة ولا مد وبهمزة ومد بلا هاء ، والباهة كالأول لكن بهاء بدل الهمزة : الجماع وأصله الموضع الذي يتبوء ويأوي إليه.

والمراد في الحديث بقرينة الجملة بعدها مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها. والوجاء بكسر الواو والمد وقال بعضهم : وجيء بفتح الواو مقصورا ، والأول أكثر ، هو رض عروق الأنثيين حتى ننفضح فيكون شبيها بالخصي ، وأصله الغمز ، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة.

وفي الحديث إشكال من جهة إغراء الغائب في قوله : فعليه ، ومن أصول النحويين أن لا يغري الغائب تقول : عليك زيدا ، ولا تقول ، عليه زيدا ، وأجيب بأن الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولا بقوله : من استطاع منكم. فالهاء في قوله فعليه ليست لغائب ، وإنما هي للحاضر المبهم. إذ لا يصح خطابه بالكاف نظير (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) إلى قوله (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ومثله لو قلت لاثنين : من قام منكما فله درهم. فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب.

(٢) انظر المجمع ج ١ ص ٢٧٢ وأخرجه السيوطي بالرقم ٣٩١١ ج ٣ ص ٤٤٠ فيض القدير عن أحمد والطبراني الكبير بلفظ خصاء أمتي الصيام والقيام. قال المناوى في شرحه : قاله لعثمان بن مظعون ، وقال الزين العراقي : إسناده جيد. وقال تلميذه الهيثمى : رجاله ثقات ، وفي بعضهم كلام.

وأرسله السيد الشريف الرضى في مجازات الآثار النبوية ص ٥٣ قال ـ قدس‌سره ـ : وهذا القول مجاز لانه (ع) أراد أن الصيام يميت الشهوات ، ويشعل عن اللذات كما أن الخصاء في الأكثر يكسر النزوة ، ويقطع الشهوة قال : ومما يؤكد ذلك الخبر الأخر المروي عنه ـ

٣١١

عن أبي عبد الله عليه‌السلام إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك ، وعدّد أشياء غير هذا ، وقال : لا يكون يوم صومك كيوم فطرك (١) وعنه عليه‌السلام أنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحدة ، قالت مريم : إنّي نذرت لرحمان صوما : أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا (٢) وعنه عليه‌السلام إذا صمت فليصم معك سمعك وبصرك من الحرام والقبيح ، ودع المراء وأذى الخادم ، وليكن عليك وقار الصيام ، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرتك (٣) وغير ذلك من الأخبار أو تتّقون الإخلال بآدابه لأصالته وقدمه واستمراره أو تنتظمون في سلك المتّقين لأنّ الصوم شعارهم ومن يشبه بقوم فهو منهم فكيف إذا تدرع بلباسهم.

(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) موقتات بعدد معلوم أو قلائل فإنّ القليل من المال يعدّ عدّا ، والكثير يهال هيلا ، وانتصابها على الظرفيّة ، والعامل فيه الصيام : أي أن تصوموا في أيّام معدودات ولا يضرّ الفصل فإنّ الظرف يكفيه رائحة الفعل وكذا لا يضرّ وجود اللام لذلك أيضا أو كتب ، ويجوز انتصابها على أنّها مفعول بها للصائم توسّعا : أي كتب عليكم أن تصوموا أيّاما معدودات كما تقول : نويت الخروج يوم الجمعة كذا في الكشّاف (٤) وأنكر البيضاوي (٥) انتصابها بالصيام لوقوع الفصل بين المصدر ومعموله وحكم بأنّ العامل فيه مقدّر : أي صوموا لدلالة الصيام عليه ، وذلك على تقدير كونه مفعولا به

__________________

ـ عليه‌السلام قال : من استطاع الباه فليزوج : ومن لم يستطعه فليصم. فان الصوم وجاء. والوجاء الخصاء.

(١) انظر الفقيه ج ٢ ص ٦٧ الرقم ٢٧٨ والتهذيب ج ٤ ص ١٩٤ الرقم ٥٥٤ والكافي ج ١ ص ١٨٦.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ١٩٤ الرقم ٥٥٣ والكافي ج ١ ص ١٨٧ : وللحديث تتمة ، وقريب منه بسند آخر في الفقيه ج ٢ ص ٦٧ الرقم ٢٨٠.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٦٨ الرقم ٢٨٥ والتهذيب ج ٤ ص ١٩٤ الرقم ٥٥٥ والكافي ج ١ ص ١٨٧.

(٤) انظر الكشاف ج ١ ص ٢٥٥.

(٥) انظر تفسير البيضاوي ص ٣٨ وفي المجمع ج ١ ص ٢٧٣ جواب واف عن الاشكال ننقله بعين عبارته قال بعد نقل إشكال أبى على في انتصاب الأيام بالصيام : ـ

٣١٢

وهو بعيد مع أنّه موجب للتكرار كما لا يخفى.

وقد اختلف المفسّرون في هذه الأيّام. فقيل : إنّها شهر رمضان ، ونقله في المجمع البيان (١) عن أكثر المفسّرين قالوا : أوجب سبحانه الصوم أوّلا فأجمله ولم يبيّن أنّه يوم أو يومان أو أكثر ثمّ بيّن أنّها أيّام معدودات وأبهم ، ثمّ بيّنه بقوله : شهر رمضان.

وقيل : إنّها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيّام من كلّ شهر أو صوم يوم عاشوراء ثمّ نسخ بشهر رمضان ، والأوّل أقرب إلى الظاهر فإنّ النسخ خلاف الأصل فلا يصار إليه سيّما مع بقاء حكم ما بعدها المتفرّع عليه.

(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) لعلّ في قوله : منكم إشارة إلى أنّ هذه العطيّة إنّما هي لمن كان سفره مباحا كما هو ظاهر حال المؤمنين (مَرِيضاً) إطلاق الآية يتناول كلّ مرض ، وبه أخذ بعض العامّة فأباح الإفطار بمطلقه قائلا إنّ الله لم يخصّ مرضا دون مرض كما لم يخصّ سفرا دون سفر ، وإليه ذهب ابن سيرين روى أنّه دخل عليه قوم في شهر رمضان وهو يأكل فاعتلّ بوجع إصبعه ، واعتبر بعض العامّة أن يجهده الصوم جهدا لا يحتمل ، وهذان القولان على طرفي النقيض ، وتوسّط أصحابنا في ذلك وخصّوه بمرض يضرّه الصوم إمّا بعسر برئه أو بطؤه أو زيادته ، وعلى ذلك انعقد إجماعهم وتظافرت به أخبارهم ، وقد يستدلّ عليه بالاعتبار المناسب الّذي يجعله مخالفونا حجّة فيقال : لم يجعل الشارع في المرض ضابطا يعلّق عليه الإفطار لاختلاف الأمراض في أنفسها إذ منها ما يضرّ صاحبه الصوم ، ومنها مالا يضرّه فلا يكون المرضى ضابطا فاعتبرت الحكم لإمكانها ، وجعل المناط في ذلك ما يخاف

__________________

ـ أقول : إنه يستقيم أن ينتصب أياما بالصيام إذا جعلت الكاف من قوله (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) في موضع نصب على الحال ، أى مفروضا مثل ما فرض عليهم فيكون ما موصولا وكتب صلته ، وفي كتب ضمير يعود إلى ما ، والموصول وصلته في موضع جر بإضافة الكاف إليه والكاف موضع النصب بأنه صفة للمحذوف الذي هو الحال من الصيام فعلى هذا لم يفصل بين الصلة والموصول ما هو أجنبي منهما على ما ذكره الشيخ أبو على ، انتهى.

(١) انظر المجمع ج ١ ص ٢٧٣.

٣١٣

معه الضرر إمّا بزيادته أو عدم برئه بل يطؤه. فتأمّل.

والمرجع في ذلك عندنا إلى المكلّف نفسه فمتى غلب على ظنّه الضرر بالصوم وجب عليه الإفطار سواء استند في ذلك إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف طبيب ومالا فلا.

(أَوْ عَلى سَفَرٍ) أو راكب سفر يوجب التقصير في الصلاة فقد عرفته ، لا السفر مطلقا كما قاله بعض العامّة.

وقال البيضاوي (١) : فيه إيماء بأنّ من سافر في أثناء اليوم لم يفطر ، وفي الإطلاق نظر بل الظاهر من لفظة على شمول السفر له ، ودلّت عليه الأخبار وانعقد الإجماع وبهما إطلاق الآية وقد يستفاد من لفظة على أنّه لو كان أكثر نهاره مسافرا ترتّب عليه حكم السفر ، وبذلك نطقت الأخبار الصحيحة عندنا الدالّة على أنّ أكثر النهار في حكمه فمتى سافر قبل الزوال لزمه الإفطار كما أنّه لو سافر بعده لزمه الصوم لعدم كونه على السفر روي ذلك ابن بابويه في الصحيح عن الحلبي (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، فقال : إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتمّ يومه ، ونحوها ، وأطلق علىّ بن بابويه وجوب الإفطار بالخروج إلى السفر في أيّ وقت كان ولو بعد الزوال ولو كان قبل الغروب بقليل تمسّكا بظاهر الآية فإنّه مسافر فوجب عليه الإفطار ، ولأنّ الصوم عبادة لا يقبل التجزي.

وقد حصل المنافي في جزء منه فأبطله. إذ يمتنع اجتماع المتنافيين فبطل اليوم أجمع ببطلان جزئه ، ويؤيّده ما رواه عبد الأعلى على مولى آل سام (٣) في الرجل يريد السفر

__________________

(١) انظر البيضاوي ص ٣٨.

(٢) انظر الفقيه ج ٢ ص ٩٢ الرقم ٤١٢ والاستبصار ج ٢ ص ٩٩ الرقم ٣٢١ والتهذيب ج ٤ ص ٢٢٨ الرقم ٦٧١ والكافي ج ١ ص ١٩٩ وشرح صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٢٠٩ مواضع اختلاف ألفاظ الحديث فراجع.

(٣) انظر التهذيب ج ٤ ص ٢٢٩ الرقم ٦٧٤ والاستبصار ج ٢ ص ٩٩ الرقم ٣٢٤ والحديث غير مسند إلى أحد الأئمة.

٣١٤

في شهر رمضان قال : يفطر ، وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل.

والجواب أن ظاهر الآية يقتضي كون المكلّف مشتملا على السفر من حيث الوقت الّذي يقع فيه الصيام وإنّما يكون الاشتمال بمضي أكثره في السفر على ما عرفت والسفر المنافي للصوم وهو هذا السفر لا مطلقا فلا يحصل المنافاة على ذلك التقدير ، والرواية ضعيفة السند مقطوعة لا عمل عليها فتضمحلّ في مقابلة ما ذكرناه من الأخبار الصحيحة ، وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز الفطر بمجرّد التهيّؤ للسفر والإشراف عليه كما روي عن بعض العامّة ، ورواه محمّد بن كعب (١) قال أتيت أنس بن مالك في شهر رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر ودعا بطعام فأكل قلت له : سنّة فقال : سنّة وركب أخرجه الترمذي ، وقد انعقد إجماعنا على بطلان هذا القول والشيخ لم يوجب الإفطار بالخروج قبل الزوال إلّا فيما إذا بيّت نيّة السفر من الليل فلو لم يبيّت النيّة وخرج قبل الزوال أفطر واجبا ، ولو خرج بعد الزوال أمسك واجبا وقضاه ، واستدلّ له المحقّق بظاهر قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، وهو بإطلاقه يدلّ على وجوب الإتمام مع الخروج قبل الزوال وبعده قال : ولا يلزم ذلك علينا لأنّه مع تبيّت النيّة من الليل يكون صومه مشروطا في نيّته فلا يصحّ ، ولأنّه إذا عزم على السفر من الليل لم ينو الصوم فلا يكون صوما تامّا ، والعلّامة في المختلف بعد أن اختار القول الأوّل رجع عنه ، وقال : قول الشيخ ليس ببعيد من الصواب. إذ لم يتحقّق فيه شرط الصوم ، وهو النيّة.

ولا يخفى أنّه بعيد من الصواب ، وآية (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ) لا نسلّم تناولها لمن

__________________

(١) انظر الترمذي الطبعة الأخيرة ج ٣ ص ١٦٣ الرقم ٨٩٩ لم يخرج الحديث من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي ، وفي طريقه عبد الله بن جعفر وهو والد على بن المديني قال الذهبي في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٤٠١ الرقم ٤٢٤٧ : متفق على ضعفه روى عن عبد الله بن دينار وطائفة قال يحيى : ليس بشيء ، وقال ابن المديني : أبى ضعيف. وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا وقال النسائي ، متروك الحديث ، وقال الجوزجاني : واه ثم سرد عدة أحاديث عنه.

٣١٥

خرج قبل الزوال ، وإن لم يبيّت نيّة السفر لعدم كونه صائما وصدق المسافر عليه. فلا يجب الإتمام.

سلّمنا تناوله لكن الأخبار الصحيحة دلّت على وجوب الإفطار للمسافر قبل الزوال فيحمل الآية على ما عداه جمعا بين الأدلّة.

وأيضا لا نسلّم أنّ نيّة السفر على هذا الوجه وهو كونه يخرج نهارا تنافي نيّة الصوم بعد ورود النصّ الصحيح بالصوم ذلك اليوم من غير تقييد بقصد السفر وعدمه على أنّه مع اجتماع شرائط الوجوب يجب نيّة الصوم إلى أن يتحقّق المبطل له ، وإن كان في قصده السفر أيضا فإنّ قاصد السفر لا يقطع بحصوله بل يجوز عدمه لقيام مانع أو اقتراحا منه ، وعلى هذا فنيّة الصوم حاصلة قطعا غايته أنّها لم تقع مجزوما بها وهو غير مضرّ فإنّ الجزم إنّما يعتبر مع الإمكان لا مطلقا ، وأيضا حكم الشيخ بوجوب بالإمساك وإيجاب الإعادة بعيد إذ لا معنى للاعتداد بالصوم والأمر به ، وإيجاب الإعادة ثانيا مع كون الأمر يستلزم الإجزاء. فتأمّل.

وبقي هنا خبر صحيح عن رفاعة (١) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال : إذا أصبح في بلده. ثمّ خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر ، والقائل بمضمونه غير معلوم ، وحمله العلّامة في المختلف على الخروج بعد الزوال وحكم بأنّ القول بتخيير المسافر بين الفطر والصيام إذا خرج بعد الزوال ليس بعيدا

__________________

(١) روى الحديث باللفظ الذي حكاه المصنف هنا في التهذيب ج ٤ ص ٣٢٧ الرقم ١٠١٩ وصورة ذكره لسنده عنه عن يعقوب بن يزيد إلى آخره ، وكان الظاهر عوده إلى الحسين بن سعيد المذكور في الرقم ١٠١٨ وليس كذلك فإنه لا يروى عن يعقوب بن يزيد فشرح صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٢٠٩ أنه يرجع إلى محمد بن على بن محبوب المذكور في الرقم ١٠١٦ والضمير له وان بعد فقد كثرت نظائره ، ونظير هذا الحديث عن رفاعة في الراجع عن السفر رواه في التهذيب ج ٤ ص ٢٢٨ الرقم ٦٦٨ والاستبصار ج ٢ ص ٩٨ الرقم ٣١٨ والكافي ج ١ ص ١٩٩ والفقيه ج ٢ ص ٩٣ الرقم ٤١٤ وأوضح صاحب المعالم في المنتقى مواضع اختلاف الألفاظ فراجع.

٣١٦

من الصواب لهذه الرواية.

قال : وإنّما قيّدناه ذلك بالخروج بعد الزوال جمعا بين الأخبار ، واستبعد بعضهم هذا الحمل نظرا إلى إطلاق الرواية ثمّ قال : ولو قيل : بالتخيير مطلقا إذ خرج المسافر بعد أن أصبح كان وجها قويّا وبه يحصل الجمع بين الروايات المختلفة ، وكأنّه يحمل ما دلّ على التفصيل على الاستحباب ، وفيه نظر ، ويمكن حمله على أنّ المراد إن شاء أبطل السفر ورجع عن نيّته وصام ، فإن شاء التزم السفر وأفطر ، وإن شاء خرج بعد الزوال فيصوم ، وإن شاء خرج قبله فيفطر فهو مخيّر بين الإفطار والصوم على هذا الوجه ، ويرجع إلى الأخبار المفصّلة الدالّة على ذلك بحمل المطلق على المقيّد.

(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي فعليه أو فالواجب عدّة أيّام المرض والسفر فهو إمّا مبتدا حذف خبره أو العكس ، وعلى قراءة النصب تقديرها فليصم عدّة ، وظاهر الكلام يعطى عدم إجزاء الصوم من المريض أو المسافر لأنّهما إنّما امرا بصيام العدّة من الأيّام الأخر فلا يجزئهما الصيام حال السفر والمرض لأنّهما لم يؤمرا به فلا يحصل بفعله الخروج عن العهدة بل قد يظهر منها عدم جوازه لأنّ تقدير الكلام فليصم غير هذه الأيّام ، وهذا يستلزم كون الصيام فيها خلاف المأمور به فيكون حراما ، ويؤيّده ما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الصائم في السفر كالمفطر في الحضر (١) ومثل ذلك روي أئمّتنا

__________________

(١) رواه ابن ماجة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن رسول الله بلفظ صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر ص ٥٣٢ الرقم ١٦٦٦ ورواه النسائي بلفظ الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ، وبلفظ الصيام في السفر كالافطار في الحضر ج ٤ ص ١٨٣ وأخرجه المنذرى في الترغيب والترهيب ج ٢ ص ١٢٤ ، وأخرجه أيضا الطبري ج ٢ ص ١٥٢ والسيوطي في الدر المنثور ج ١ ص ١٩١ ، وأخرجه أيضا ابن حزم في المحلى ج ٦ ص ٥٥٩ و ٥٦٠ وفيه : «ومن العجب أن أبا حنيفة لا يجزى عنده إتمام الصلاة في السفر ومالك يرى في ذلك الإعادة في الوقت ثم يختارون الصوم في السفر على الفطر تناقضا لا معنى له وخلافا لنص القرآن وللقياس الذي يدعون له السنن». وأنظر أيضا تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ من ص ٢٠٦ إلى ٢١٠.

٣١٧

عليهم‌السلام (١) ، ومقتضى ذلك أنّ الإفطار لهما عزيمة كما أنّ الصوم للحاضر الصحيح كذلك فلو صاما في السفر قضيا في الحضر.

وقد تظافرت أخبارنا المعتبرة الإسناد عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام بذلك وانعقد إجماعنا عليه.

وقد وافقنا على ذلك جماعة من الصحابة (٢) كعمر بن الخطّاب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عبّاس ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبي هريرة ، وعروة بن الزبير ، وعلى هذا فالحكم بأنّ الإفطار على الرخصة لا الوجوب بعيد عن ظاهر الآية ، ونسب البيضاوي القول بالوجوب إلى الظاهريّة (٣) ولا يخفى ما فيه بعد ما بيّناه وكذا تقديره في الآية إن أفطر وحذف الشرط للعلم به بعيد جدا لعدم ما يدلّ عليه فيجب نفيه.

فإن قيل ، مثل هذا التقدير في القرآن العزيز لا يصار إليه من دون دليل قاطع يقطع العذر ، واللازم العمل بظاهر القرآن بل بظاهر الأدلّة مطلقا إلى أن يقوم المعارض ، ونحن لا نرى شيئا يوجب التقدير هنا حتّى يصار إليه فيجب الوقوف على الظاهر والحكم بوجوب القضاء على المريض والمسافر وإن صاما لعدم كونه صوما معتبرا في الشرع كما اقتضاه الظاهر ، وقد يستفاد من الآية عدم إجزاء الصوم الواجب مطلقا في السفر ، وبذلك تظافرت أخبارنا وانعقد إجماع أصحابنا إلّا أنّهم استثنوا صوم

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٤ ص ٢١٧ الرقم ٦٣٠ والفقيه ج ٢ ص ٩٠ الرقم ٤٠٣ والكافي ج ١ ص ١٩٧ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٣١ واللفظ في الكل الصائم في شهر رمضان كالمفطر في الحضر ، وفي الباب أحاديث من طرق الفريقين بلفظ ليس من البر الصيام في السفر انظر الجوامع الحديثية من الفريقين ، وتعاليقنا على كنز العرفان.

(٢) انظر الطبري ج ٢ ص ١٥١ والدر المنثور ج ١ ص ١٩١ وفتح الباري ج ٥ ص ٨٦ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٢٣٧ والمغني لابن قدامة ج ٣ ص ١٤٩ والمنتهى ج ٢ ص ٥٩٢ والتذكرة ، وقد قال به عدة من التابعين وتابعي التابعين أيضا كالزهرى والنخعي وغيره انظر المصادر التي سردناها.

(٣) انظر البيضاوي ص ٣٨.

٣١٨

النذر المقيّد به ونحوه ممّا خرج بالأدلّة على ما يعلم تفصيله من محلّه ، وإطلاق العدّة في القضاء يقتضي التخيير بين التتابع فيه وعدمه ، ونقله في الكشّاف عن عامّة العلماء وهو قول أصحابنا أيضا نعم اختلفوا في المستحبّ منها ولا يبعد استحباب المتابعة لصحيحة ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا أفضل وإن قضاه متفرّقا فلا بأس ، ونحوها من الأخبار ، ولما في ذلك من المسارعة إلى المغفرة ، والاستباق إلى الخير فيكون مندوبا إليه ، وأيضا ربّما يحصل مانع فيبقى في ذمّته.

ويؤيّده قراءة من قرأ فعدّة من أيّام أخر متتابعات ، وإن كان لا حجّة فيه ، ونسب في الكشّاف (٢) إلى علىّ عليه‌السلام وابن عمر والشعبي وغيرهم أنّه يقضى كما فات متتابعا ، ولعلّه يريد به الوجوب عندهم ولا يعلم بذلك قائلا من أصحابنا أيضا نعم فيهم من يذهب إلى استحباب التفريق مطلقا ، وفي الأخبار ما يدلّ على أنّ التتابع إنما هو في ستّة أيّام فقط لا أزيد روي ذلك عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام (٣)

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٤ ص ٢٧٤ الرقم ٨٢٩ والاستبصار ج ٢ ص ١١٧ الرقم ٣٨١ والكافي ج ١ ص ١٩٥ واللفظ في كتابي الشيخ ، وإن قضاه متفرقا فحسن ، وفي الكافي وإن قضاه متفرقا فحسن لا بأس ، وابن سنان هذا هو عبد الله المتفق على صحته قال صاحب المعالم في المنتقى ج ٢ ص ٢٢٣ ، ولكن اتفق في الطريق غلط واضح في جميع ما عندي من نسخ الكافي وهذه صورته (على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبي عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان) والذي يقوى في خاطري ان ما بين قوله : عن أبيه وقوله : عن عبد الله بن المغيرة مزيد سهوا من الطريق الأخر ولم يتيسر له مصلح ، ويحتمل أن يكون الغلط بإسقاط وأو العطف من قوله : عن عبد الله بن المغيرة فيكون الاسناد مشتملا على طريقين للخبر يرويه بهما إبراهيم ابن هاشم ولا يخلو من بعد بالنظر إلى المعهود في مثله وان ظن قربه من حيث اقتضائه تعليل الغلط. انتهى.

(٢) المضبوط في الكشاف ج ١ ص ٢٥٥ نسبتها إلى ابى وكذا نسبها الإمام الرازي إلى ابى انظر ج ٥ ص ٨٥ الطبعة الأخيرة ، وكذا في كنز العرفان ج ١ ص ٢٠٦.

(٣) انظر التهذيب ج ٤ ص ٢٧٥ الرقم ٨٣١ والاستبصار ج ٢ ص ١١٨ الرقم ٣٨٣ ـ

٣١٩

قال : سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان كيف يقضيها. فقال : إن كان عليه يومان فليفطر بينهما ، يوما وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أيّاما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستّة أيّام متوالية وإن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينها يوما وهي ضعيفة السند لا عمل عليها (١) ، ويمكن حمل الأمر فيها على الإباحة لا الندب فيبقى ما دلّ على استحباب المتابعة خاليا عن المعارض فيعمل عمله.

(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي يطيقون الصوم.

(فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) مدّ من طعام عند الأكثر ، ويؤيّده أنّ ذلك هو الغالب في قوت المسكين في اليوم الواحد ، وصحيحة محمّد بن مسلم الآتية أو مدّان كما ذهب إليه البعض وعليه أخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع هذا.

وقد اختلف المفسّرون في المراد بالّذين يطيقونه ، فقيل : إنّهم سائر الناس ، وقد كان في بدء الإسلام كلّهم مخيّرين بين أن يصوموا ولا يكفّروا وبين أن يكفّروا بالفدية ويفطروا ، وكان الصوم أفضل لهم ثمّ نسخ ذلك بقوله (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) الآية ، وهذا القول مرغوب عنه فيما بين أصحابنا لأنّ النسخ خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا مع موجب معلوم ، والّذي ورد في بيان ذلك عن أئمّة الهدى ـ صلوات الله عليهم ـ الّذينهم عارفون بالقرآن ومهبط الوحي ومعدن التأويل ومكان التنزيل وجهان :

الأوّل : المراد بهم الشيوخ والعجائز وذو العطاش ونحوهم من الّذين كانوا يطيقون الصوم أوّلا ثمّ صاروا بحيث لا يطيقونه ، وعلى ذلك دلّ مرسلة بن بكير (٢) عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : الّذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ ففي الآية حذف لا يخفى ، والرواية وإن كانت مرسلة إلّا أنّ ظاهر

__________________

(١) فان عمار فطحي كما قد عرفت غير مرة ، ولعلنا نزيدك بيانا في الجزء الثاني من الكتاب إن شاء الله تعالى.

(٢) انظر الفقيه ج ٢ ص ٨٤ الرقم ٣٧٧ والكافي ج ١ ص ١٩٤ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٢٨.

٣٢٠