مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

__________________

ـ لم يكن يمر يوم لا يأتيه راحلة من بنى أمية تنيخ ببابه بسؤال عن خبر أو نسب أو شعر ، وتوفي قتادة سنة سبع عشرة ، وقيل : ثمان عشرة ومائة ، وهو ابن ست ، وقيل : خمس وخمسين سنة ، وكان أحمر الرأس واللحية أجمع أهل السنة على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله احتج به أهل الصحاح مع تعبيرهم إياه بالتدليس وبقوله بالقدر سرده ابن القيسرانى في كتاب الجمع ج ٢ ص ٤٢٢ الرقم ١٦٢٢ من رجال الشيخين ، ولم أجد في الكتب الرجالية للشيعة منه ذكرا نعم بعض قصصه في كتب الاخبار تجد الإشارة إليها في سفينة البحار ج ٢ ص ٤٠٥ ، وفي الكافي عند رواية عن الحسن البصري الباب ٧٧ من أبواب النكاح باب آخر وفيه ذكر أزواج النبي تراها في مرآت العقول ج ٣ ص ٤٧٢ الحديث الثالث وكذا في الوافي الجزء الثاني عشر الباب ٢٥ ص ٣٠ ، وفي الوسائل ب ٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ج ٤ ص ٥٢ من ح ٣ ط أمير بهادر ، وفيها قصة تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة عامرية وامرأة كندية بتفصيل ما في الرواية ، ومن عجيب الاشتباه من الأردبيلي في جامع الرواة ج ٢ ص ٢٢ توهمه أن راوي الحديث قتادة بن النعمان ، وقتادة ابن النعمان أخو أبي سعيد الخدري لامه صحابي شهد بدرا واحد وسائر المشاهد أصيب عينه في بعض المشاهد فشفاه الله ببركة دعاء رسول الله (ص) ، ولقب لذلك بذي العينين ، وإليه أشار من قال :

ومنا الذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أحسن الرد

فعادت كما كانت لأول مرة

فيا حسن ما عين ويا حسن مارد

وسرده الشيخ ـ قدس‌سره ـ في أصحاب رسول الله في رجاله ص ٢٦ ط النجف وترى ترجمته في معاجم الصحابة مفصلا ففي اسد الغابة ج ٤ ص ١٩٥ وفي الإصابة ج ٣ ص ٢١٧ الرقم ٧٠٧٨ وفي الاستيعاب ذيل الإصابة ج ٣ ص ٢٣٨ وترى بعض أخباره في سفينة البحار ج ٢ ص ٤٠٥ وتوفي قتادة هذا سنة ٢٣ والحسن البصري عندئذ كان ابن ثلاث فكيف يمكن روايته عن الحسن بل الراوي لهذه الرواية هو قتادة بن دعامة ، واختلف ضبط نسخ الكافي ومرآت العقول والوافي وجامع الرواة والوسائل في الراوي عن قتادة والصحيح أنه سعيد بن أبى عروبة فإنه الراوي عن قتادة كما ترى ترجمته في ميزان الاعتدال ج ٢ ص ١٥٣ الرقم ٣٢٤٢ وغيره مات سنة ست وخمسين ومائة وهو في عشر الثمانين.

وانظر ترجمة قتادة بن دعامة في تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٥٧ الرقم ٦٦ وإنباه ـ

٢١

وفيهم من ذمّت مذاهبهم كأبي صالح (١) ..

__________________

ـ الرواة ج ٣ ص ٣٥ ومعجم الأدباء ج ١٧ ص ٩ والتفسير والمفسرون ج ١ ص ١٢٥ واللباب ج ١ ص ٥٣٦ والنجوم الزاهرة ج ١ ص ٢٧٦ وتذكرة الحفاظ ص ١٢٢ الرقم ١٠٧ وتاريخ ابن الأثير ج ٤ ص ٢٢٤ والاعلام ج ٦ ص ٢٧ والمعارف لابن قتيبة ط مصر سنة ١٣٥٣ ص ٢٠٣ والجرح والتعديل القسم الثاني من الجزء الثالث ص ١٣٣ وطبقات القراء ج ٢ ص ٢٥ الرقم ٢٦١١ والأضداد لابن الأنباري ط الكويت ص ٣٧٨ الرقم ٢٧٨ وتاريخ آداب اللغة العربية ج ٢ ص ١٠٠ ووفيات الأعيان ج ١ ص ٢٦٦ والمزهر ج ٢ ص ٣٣٤ والطبقات لابن سعد ط بيروت ج ٧ ص ٢٩٩ وريحانة الأدب ج ٢ ص ١٧٥ وميزان الاعتدال ج ٣ ص ٣٨٥ الرقم ٦٨٦٤.

(١) الظاهر أن المراد بأبى صالح هذا هو باذام أو بأذان مولى أم هانئ بنت أبى طالب فإنه المعروف بالمفسر وهو الذي يروى عنه الكلبي وقد قدمنا بعض الكلام فيه في ص ١٧ عند ترجمة ابن عباس ، ونتم الكلام فيه هنا كما وعدنا قال ابن قتيبة في المعارف عند سرد التابعين ومن بعدهم ص ٢١٠ ط مصر سنة ١٣٥٣ ، أبو صالح صاحب التفسير مولى أم هانئ بنت أبى طالب بن عبد المطلب أخت على بن أبى طالب واسمه باذام ويقال : بأذان ، وكان لا يحسن أن يقرء القرآن حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي عن أبيه قال : كان الشعبي يراه فيقعد. ويقول : له : تفسر القرآن ولا تحسن أن تقرأه نظرا ، وفي الطبقات لابن سعد ج ٥ ص ٣٠٢ : أبو صالح باذام مولى أم هانئ بنت أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، روى عنه سماك ومحمد بن السائب الكلبي وإسماعيل بن أبى خالد ، ومر ذكر الطبري إياه في ج ١ ص ٤٠ وذكره القرطبي أيضا في ج ١ ص ٣٦ وفيه قال حبيب بن ثابت : كنا نسميه الدروغ زن يعني أبا صالح مولى أم هانئ ، والدروغ زن : الكذاب بلغة الفرس.

وفي كتاب الكنى والأسماء للدولابي ج ٢ ص ٩ عند سرد من كنيته أبو صالح : أن أبا ـ صالح صاحب التفسير وصاحب الكلبي هو باذام ، وقيل : بأذان مولى أم هانئ سمع عن على وابن عباس هلك في إمارة الوليد بن عبد الملك نقل فيه عن أحمد بن حنبل أن أبا صالح صاحب الكلبي هو باذام مولى أم هانئ وعن يحيى بن معين أن أبا صالح الذي يروي عند الكلبي وسماك هو باذام مولى أم هانئ قال : وقد سمع مالك بن معزل من أبى صالح باذام. ـ

٢٢

__________________

ـ وفي الجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث ص ٢٧٠ الرقم ١٤٧٨ إن الكلبي روى عن أبى صالح باذام ، وفي مقدمة المباني ص ١٦٩ عند سرد من اشتهر بعلم التفسير من التابعين وكذلك أبو صالح باذام. ثم قال بعد أسطر : وأما أبو صالح فإنه كان رآى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسمع منه. ثم نقل حديثا عنه عن رسول الله (ص) حين دخل على أم هانئ بتفصيل ما في الكتاب.

قلت ، وعلى هذا يكون صحابيا ، وقد ذكر ذلك أيضا ابن الأثير في أسد الغابة ج ٥ ص ٢٢٨ وقال : أورده الحسن بن سفيان وذكر الحديث المذكور في المباني وخلاصة الحديث أنه قال : دخلت على أم هانئ فبينا أنا عندها إذ دخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا ابن عم كبرت وثقلت وضعف عملي فهل لي من مخرج؟ فعلمها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التحميد والتكبير والتسبيح والتهليل كل واحد مأة مرة ، وبشرها أبواب الخير لا يلحقها ذنب إلا الشرك ثم قال : أخرجه أبو نعيم وأبو موسى ، وأنكر ابن حجر في الإصابة ج ٤ ص ١١٠ الرقم ٦٦١ كونه من الصحابة بعد نقله الحديث عن الحسن بن سفيان في مسنده ، وأنه ذكره من طريقة أبو نعيم قال : هكذا قال رزين وهو ضعيف والصواب إذ دخل عليها على فقالت يا ابن أم. ثم قال : وأبو صالح مولى أم هانئ مشهور في التابعين لا يخفى ذلك على من له أدنى معرفة ، وفي التقريب ص ٤٨ باذام بالذال المعجمة ، ويقال في آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف مداس من الثالثة.

ويظهر من السيد الصدر عند سرد أئمة علم التفسير والتأويل في كتابه تأسيس الشيعة ص ٣٢٥ أن أبا صالح المفسر هو الميزان البصري حيث قال : ومنهم أبو صالح تلميذ ابن عباس في علم التفسير اسمه ميزان البصري التابعي مشهور بكنيته أحد أئمة العلم المشهورين روى عنه كثيرا محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير الاتى ذكره ، وأبو صالح من الشيعة الثقات قال الشيخ أبو عبد الله المفيد في كتابه الكافية في إبطال توبة الخاطئة بعد حديث سنده هكذا : أبان بن عثمان عن الأجلح عن أبى صالح عن ابن عباس. إلخ. فهذا الحديث صحيح الاسناد واضح الطريق جليل الرواة. انتهى ، وهذا لا يكون إلا أن يكونوا من الشيعة الثقات الأجلة كما لا يخفى على الخبير بأصول الجرح والتعديل عند الشيعة الإمامية. مات أبو صالح بعد المائة ـ

٢٣

والسدىّ (١) ..

__________________

ـ انتهى ما في تأسيس الشيعة ، وقريب منه بأدنى تفاوت ما في أعيان الشيعة المجلد الأول القسم الأول ط بيروت الطبعة الثالثة ص ٣٦٢ عند سرد المفسرين من الشيعة من التابعين ومن بعدهم وفي الذريعة ج ٤ ص ٢٤٤ الرقم ١١٨٦ عند ذكره تفسير ابن عباس أن الراوي عن أبى صالح ميزان البصري هو محمد بن السائب الكلبي.

أقول : وفي كتاب الجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الرابع ص ٤٣٧ الرقم ١٩٩٤ ميزان أبو صالح بصري روى عن أبي هريرة وابن عباس ونوف روى عنه خالد الحذاء وسليمان التيمي والصلت بن دينار سمعت أبى يقول ذلك قال أبو محمد : روى عنه أبو خلدة نا عبد الرحمن نا أبو بكر بن أبي خثيمة فيما كتب إلى قال : سألت يحيى بن معين عن أبى صالح الذي روى عنه سليمان التيمي فقال : اسمه ميزان بصري ثقة مأمون. انتهى ما في الجرح والتعديل ، وفي التاريخ الكبير للبخاري القسم الثاني من الجزء الرابع ص ٦٧ الرقم ٢١٨١ ميزان أبو صالح قاله محمد بن على عن سعيد بن قتيبة عن الصلت بن دينار اسمه ميزان روى عنه خالد الحذاء والتيمي وفي كتاب الكنى والأسماء للدولابي ج ٢ ص ٩ وأبو صالح الذي روى عنه سليمان التيمي وخالد الحذاء بصري واسمه ميزان ووثقه ابن حجر أيضا في التقريب ص ٣٦٩. فيظهر من هذه المعاجم وما سرد من قبل أن الراوي عن أبى صالح ميزان البصري ليس محمد بن السائب الكلبي وأن المعروف بالمفسر والذي يروى عنه الكلبي هو أبو صالح باذام أو بأذان مولى أم هانئ وأنه مراد الشيخ هيهنا هذا مضافا إلى أن الشيخ ـ قدس‌سره ـ سرده في مذموم الطرائق في التفسير فلا يكون مراده ميزان البصري أثنى عليه الفريقان كما قد عرفت.

(١) بضم السين المهملة وتشديد الدال هذه النسبة إلى السدة ، وإنما نسب السدى الكبير إليها لأنه كان يبيع الخمر : أى المقانع بسدة الجامع بالكوفة يعني باب الجامع ، وقيل : لانه نزل بالسدة وقيل : لانه كان يجلس بالمدينة في موضح يقال له : السد ، والمشهور بهذه النسبة إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبى ذويب ، وقيل : ابن أبي كريمة الأعور مولى زينب بنت قيس بن مخرمة من بنى عبد مناف حجازي الأصل سكن الكوفة وكان أبوه من عظماء أهل أصبهان وكان أسدى عريض اللحية إذا جلس غطت لحيته صدره مات سنة سبع أو ثماني وعشرين ومأة روى ـ

٢٤

__________________

ـ عن أنس بن مالك وعبد خير وأبى صالح وابن عمرو ابن عباس وغيرهما من الصحابة روى عنه الثوري وشعبة وخلق من تلك الطبقة قال ابن تغرى بردي في النجوم الزاهرة ج ١ ص ٣٠٨ : صاحب التفسير والمغازي والسير وكان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس ، وفي فهرست ابن النديم ص ٥٨ عند سرد كتب التفسير كتاب تفسير السدى ، وفي الإتقان ج ٢ ص ١٨٨ النوع الثمانون أن أمثل التفاسير تفسير السدى ، وقد أثنى عليه الفريقان أهل السنة والشيعة الإمامية ، ووثقه ابن عدا ويحيى بن القطان وأحمد وإبراهيم النخعي ويحيى بن سعيد قال يحيى في حقه : ما رأيت أحدا يذكر السدى إلا بخير وما تركه أحد ، واحتج به مسلم وأصحاب السنن انظر معجم الأدباء ج ٧ من ص ١٣. إلى ١٦ والتاريخ الكبير للبخاري القسم الأول من الجزء الأول ص ٣٦١ الرقم ١١٤٥ والجرح والتعديل القسم الأول من المجلد الأول ص ١٨٤ الرقم ٥٢٥ وميزان الاعتدال ج ١ ص ٢٣٦ الرقم ٩٠٧ مع نقله فيه عن حسين بن واقد المروزي أنه كان يشتم أبا بكر وعمر وكونه مرميا بالتشيع مع ذلك نقل مدحه عن عدة ، وفي التقريب ص ٣٦ صدوق يهم رمى بالتشيع من الرابعة مات سنة سبع وعشرين أقول : يعنى بعد المائة ، وفي اللباب ج ١ ص ٥٣٧ وكان ثقة مأمونا ، وأما الشيعة فسرده الشيخ ـ قدس‌سره ـ في أصحاب الإمام السجاد في رجاله ص ٨٢ ط النجف الرقم ٥ وفي أصحاب الإمام الباقر ص ١٠٥ الرقم ١٩ وفي أصحاب الإمام الصادق ص ١٤٧ الرقم ١٠٥ ووصفه عند عدة من أصحاب الإمام الباقر والصادق بكونه القرشي المفسر الكوفي ، ووصفه إياه بالقرشي باعتبار كونه مولى للقرشي هو الصحيح ، وما وقع في كتاب الجمع لابن القيسرانى عند ذكره أفراد مسلم ممن اسمه إسماعيل ص ٢٨ ج ١ الرقم ١٠٢ من وصفه بالهاشمي اشتباه منه ، وذكره فيه أن قيس بن مخرمة من بنى عبد المطلب اشتباه منه وتخليط بين المطلب وعبد المطلب فإن مخرمة كان ولد المطلب بن عبد مناف انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٧٢ ونسب قريش للزبيري ص ٩٢ تجد صحة ما ذكرناه ومدح السدى أيضا السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة في الجزء الأول القسم الأول ط بيروت الطبعة الثالثة ص ٣٦٣ عند سرد مفسري الشيعة من التابعين ومن بعدهم ، ومدحه السيد الصدر في تأسيس الشيعة عند سرد أئمة التفسير من الشيعة ص ٣٢٦ ومدح السيد شرف الدين في المراجعة ١٦ من كتاب المراجعات ، وذكر كتاب تفسيره في الذريعة ج ٤ ص ٢٧٦ الرقم ١٢٧٥ ـ

٢٥

والكلبيّ (١) وغيرهم هذا في الطبقة الأوّلة. فأمّا المتأخّرون فكلّ واحد منهم نصر مذهبه وتأوّل على ما يطابق أصله فلا يجوز لأحد أن يقلّد أحدا منهم بل ينبغي أن يرجع إلى الأدلّة الصحيحة ، إمّا العقليّة أو الشرعيّة من إحماع عليه أو نقل متواتر به عمّن يجب اتّباع قوله ، ولا يقبل في ذلك خبر واحد ، وخاصّة إذا كان ممّا طريقه في العلم ، ومتى كان التأويل ممّا يحتاج إلى شاهد من اللغة فلا يقبل من الشاهد إلّا ما كان

__________________

ـ وترى ذكره في جامع الرواة ج ١ ص ٩٨ وسائر كتب الرجال ناقلين عن الشيخ عده إياه في أصحاب الأئمة الثلاثة.

قلت : وإلى الان لم أظفر في الكتب الحديثية للشيعة على رواية عنه نعم له في البحار ص ٢٧٥ ج ١٠ ط كمبانى حكاية عن ضيفه الاخنس بن زيد الذي كان من قتلة الحسين بن على عليه‌السلام بتفصيل ما في البحار ، وأقواله في التفسير مسطورة في كثير من كتب التفاسير ، وهذا هو السدى الكبير ، وأما السدى الصغير فهو محمد بن مروان وقد عرفت حاله في ص ١٧ عند ترجمة ابن عباس ، وأما إسماعيل بن موسى الفزاري نسيب السدى الكبير أو ابن بنته أو ابن أخته المتوفى سنة خمس وأربعين ومأة فلم يعده أحد من المفسرين.

(١) هو أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي المتوفى سنة ست وأربعين ومأة نسابة راوية عالم بالتفسير والاخبار وأيام العرب من أهل الكوفة مولده ووفاته فيها ، وهو من كلب بن وبرة من قضاعة وكان جده بشر بن عمر ، وبنوه السائب وعبيد وعبد الرحمن شهدوا الجمل وصفين مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه‌السلام ، وقتل السائب بن بشر مع مصعب بن الزبير روى عن الكلبي سفيان الثوري ومحمد بن إسحاق ويقولان ، حدثنا أبو النضر حتى لا يعرف ، وعن سفيان كما في الجرح والتعديل أنه لا يعجبه هؤلاء الذين يفسرون القرآن من أوله إلى آخره مثل الكلبي صنف كتابا في التفسير قال السيوطي في الإتقان : أبسط التفاسير وعن ابن عدا هو معروف بالتفسير ليس لأحد تفسير أطول من تفسيره ولا أشبع ، وحدث عنه ثقا ت من الناس ورضوه بالتفسير ترى ترجمته في المعارف لابن قتيبة عند سرد النسابين وأصحاب الأخبار ص ٢٣٣ ط مصر ١٣٥٣ والفهرست لابن النديم ص ١٤٥ وفيه له كتاب تقسيم القرآن وفي ص ٥٧ منه ذكر كتاب تفسير الكلبي محمد بن السائب والطبقات لابن سعد ج ٦ ص ٣٥٨ ووفيات الأعيان ج ٢ ص ٦٩ واللباب ج ٣ ص ٤٧ وقد طعن فيه أكثر أهل السنة انظر القسم ـ

٢٦

معلوما بين أهل اللغة شائعا فيما بينهم. فأمّا ما طريقه الآحاد من الأبيات النادرة فإنّه لا يقطع بذلك ، ولا يجعل شاهدا على كتاب الله ، وينبغي أن يتوقّف فيه ، ويذكر ما يحتمله ، ولا يقطع على المراد منه بعينه فإنّه متى قطع على المراد كان مخطئا وإن أصاب الحقّ كما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه قال تخمينا وحدسا ، ولم يصدر ذلك عن حجّة قاطعة وذلك باطل بالاتّفاق. انتهى ، ويستفاد من آخره ذلك أنّ القول فيما يدرك من القرآن بقواعد العربيّة تخمينا وتشبيها خطاء أيضا وإن أصاب ، وقد أشار إليه السيّد

__________________

ـ الأول من الجزء الأول من التاريخ الكبير للبخاري ص ١٠١ الرقم ٢٨٣ والجرح والتعديل القسم الثاني من المجلد الثالث ص ٢٧٠ الرقم ١٤٧٨ وميزان الاعتدال ج ٣ ص ٥٥٦ الرقم ٧٥٧٤ وتنزيه الشريعة عن الأحاديث الشنيعة للكنانى ج ١ ص ١٠٥ الرقم ١٢٧ إلا أن ابن حجر لم يسرده في لسان الميزان وذكره في التقريب ص ٣٢٠ ووصفه فيه بالمفسر. ثم قال متهم بالكذب ورمى بالرفض وأثنى عليه في مقدمة المباني ص ١٩٧ واعتقد أن طعن الطاعنين إنما كان من إغراء الشيطان بين علماء كل عصر على سبيل التحاسد والتفاخر حيث كان مشهورا بعلم التفسير والبراعة فيه كما أغرى بين بنى يعقوب.

وأما الشيعة فسرده الشيخ ـ قدس‌سره ـ من أصحاب الإمام الباقر في رجاله ص ١٣٦ الرقم ٢٥ وفي أصحاب الإمام الصادق ص ٢٨٩ الرقم ١٤٤ وذكره الآخرون في كتبهم الرجالية ناقلين عن الشيخ عدة في أصحاب الإمامين ، وأثنى عليه السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الأول ص ٣٦٤ ، والسيد الصدر في تأسيس الشيعة ص ٣٢١ وص ٣٢٥ وذكر تفسيره في الذريعة ج ٤ ص ٣١١ الرقم ١٣١٨ ولم يعرف من الكلبي هذا إلا كتاب التفسير وما في ص ١٤٦ فهرست ابن النديم تقسيم القرآن ولعلهما واحد ، ولابنه هشام أبى المنذر المعروف النسابة عدة كتب نقل أنها تبلغ نحو خمسين ومائة كتاب سرد عدة منها ابن النديم من ص ١٤٦ إلى ١٥٠ وفي ص ٥٧ منه ذكر كتاب تفسير الاي الذي نزل في أقوام بأعيانهم ، وكان هشام هذا إمام علماء النسب والاخبار والسير والآثار أعلم علماء عصره في كل ذلك كان يختص بمذهبنا وسرد عدة من كتبه أيضا النجاشي ص ٣٣٩ ط المصطفوى ومات سنة ٢٤٤ أو ٢٤٦.

٢٧

الشريف (١) أيضا في حاشية الكشّاف عند بيان معنى علم التفسير. قال : وينقسم إلى تفسير ، وهو ممّا لا يمكن إدراكه إلّا بالنقل كأسباب النزول والقصص فهو ما يتعلّق بالرواية ، وإلى تأويل وهو ما يمكن إدراكه بالقواعد العربيّة فهو ما يتعلّق بالدراية. فالقول في الأوّل بلا نقل خطاء ، وكذا القول في الثاني بمجرد التشهي ، وإن أصاب

__________________

(١) هو المير سيد على بن محمد بن على الحسيني الحنفي الاسترادى كان متكلما بارعا عجيب التصرف ماهرا في الحكمة والعربية له نحو خمسين مصنفا منها حاشية على أول الكشاف وله شرح على مواقف القاضي عضد الإيجي في علم أصول الكلام ، وله كلام في شرح المواقف المقصد الثاني من النوع الثاني من الفصل الثاني من المرصد الثالث من الموقف الثالث ص ٢٧٦ ط بولاق سنة ١٢٦٦ في مبحث تعلق العلم بمعلومين عند ذكر المصنف الجفر والجامعة يناسب لنا نقله بعين عبارته قال : وهما كتابان لعلى ـ رضى الله عنه ـ قد ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم ، وكانت الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما : وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه على بن موسى ـ رضى الله عنه ـ إلى المأمون : إنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آباؤك فقبلت منك عهدك ألا إن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينسبون فيه إلى أهل البيت ، ورأيت أنا بالشام نظما أشير فيه بالرموز إلى أحوال ملوك مصر وسمعت أنه مستخرج من ذينك الكتابين انتهى ما في شرح المواقف.

وصرح بصحة علمي الجفر والجامعة الحاج خليفة في كشف الظنون ص ٣٩٥ ج ١ ط اسلامبول در سعادت سنة ١٣١٠ ، ونقل فيه كتاب الامام على بن موسى عليه‌السلام إلى المأمون الذي حكاه السيد الشريف عن كتاب مفتاح السعادة ، وفيه وكان كما قال لأن المأمون استشعر فتنة من بنى هاشم فسمه ، وفيه أن هذا في كتب الأنبياء أيضا ، وفيه عن ابن طلحة أن الجفر والجامعة كتابان جليلان : أحدهما : ذكره الامام على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وهو يخطب بالكوفة على المنبر ، والأخر أسره إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلموأمره بتدوينه فكتبه على ـ رضى الله عنه ـ حروفا متفرقة على طريق سفر آدم في جفر يعني في رق قد صنع من جلد البعير فاشتهر بين الناس به لانه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين. ـ

٢٨

فيهما. هذا ، وقد يظهر من كلام الشيخ ـ رحمه‌الله ـ أنّ اللفظ إذا احتمل وجوها ولم يذكر المتقدّمون إلّا وجها واحدا منها لم يجز للمتأخّرين أن يحمل الآية عليه ، والظاهر جوازه

__________________

ـ وفيه بعد أسطر أن من الكتب المصنفة فيه : الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبى سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢ اثنين وخمسين وستمائة مجلد صغير أوله : الحمد لله الذي اطلع من اجتباه. إلخ ذكر فيه أن الأئمة من أولاد جعفر يعرفون الجفر فاختار من أسرارهم فيه ، وصرح بصحة علم الجفر المسمى باسم الجلد الذي كتب منه أيضا ابن خلدون في مقدمته في فصل ابتداء الدول والأمم الفصل الثالث والخمسين من الباب الثالث من الكتاب الأول من ص ٣٣٠ إلى ٣٤٢ طبع مصطفى محمد ، وكونه مكتوبا عند الامام جعفر الصادق وأهل البيت بتفصيل ما في المقدمة ، وقال أبو العلاء المعرى على ما نقله في وفيات الأعيان ج ١ ص ٣٣٧ عند ترجمة عبد المؤمن ابن على القيسي :

لقد عجبوا لأهل البيت لما

أتاهم علمهم في مسك جفر

ومرآت المنجم وهي صغرى

أرته كل عامرة وقفر

والمراد من قوله : مرآت المنجم اسطرلاب ، وكلمة اسطرلاب معربة إستاره ياب على ما ذهب إليه حمزة الأصفهاني أو معربة من اليونانية اسطرلبون وأسطر ، هو النجم على ما ذهب إليه البيروني ، وعلى أى فلا وجه لتشديد النكير من محمد صادق الرافعي على الشيعة الإمامية باسم الرافضي في ص ١٢٠ من المجلد الثاني من كتابه آداب اللغة العربية قولهم : بالجفر والجامعة وكونهما عند الأئمة ، وقد عرفت تأييد مثل ابن خلدون والحاج خليفة والسيد الشريف ذلك ، وأخبار الإمامية بصحة الجفر والجامعة وكونهما عند الأئمة متضافرة انظر سفينة البحار ج ١ ص ١٦٤ وص ١٨٠ وج ٢ ص ٢٠ والوافي ب ٨٠ من أبواب خصائص الحجج من كتاب الحجة من الجزء الثاني ص ١٣٥ وص ١٣٦ ، وبصائر الدرجات ط إيران سنة ١٢٨٥ الباب الرابع عشر من الجزء الثالث في الأئمة عليهم‌السلام أنهم أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام إلى أربع صفحات ، وترى شرح أحاديث الكافي ج ٥ من ص ٣٨٣ إلى ٣٩٤ للمولى محمد صالح المازندراني ، وفي مرآت العقول ج ١ من ص ١٧٥ إلى ص ١٧٦.

ولد المحقق الشريف في تاكو قرب استراباد سنة ٧٤٠ وتوفي في شيراز سنة ٨١٦ انظر ترجمته في الإعلام ج ٦ ص ١٦٠ ريحانة الأدب ج ٢ ص ٣٢٢ والروضات ص ٤٩٨ والكنى ج ٢ ـ

٢٩

إذ اشتمل على ما يوافق الأصول الاعتقاديّة ، وقد قوّاه السيّد المرتضى (١) ـ رحمه‌الله ـ في الذريعة (٢) قال : والّذي يوضح عمّا ذكرناه (٣) إنّا إذا تأوّلنا قوله تعالى : (وُجُوهٌ

__________________

ـ ص ٣٢٩ وآداب اللغة العربية ج ٣ ص ٢٣٥.

(١) هو سيد العلماء ذو المجدين الشريف المرتضى علم الهدى على بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الامام موسى بن جعفر ـ عليهما وعلى آبائهما آلاف التحية والثناء ـ كان مولده في رجب ٣٥٥ وتوفي يوم الأحد ٢٥ ربيع الأول ٤٣٦ ودفن في داره عشية ذلك اليوم هذا هو المشهور ، وهناك خلاف يسير كان الشريف المرتضى إمام الفقه ومؤسس أصوله أستاذ الكلام نابغة الشعر وراوية الحديث بطل المناظرة والقدوة في اللغة والمرجع في تفسير القرآن جلالة قدره وعظم شأنه أشهر من أن يحتاج إلى مدح وإطراء أجل مشايخه شيخ الأمة الشيخ المفيد ، وأجل تلاميذه شيخ الطائفة الطوسي ـ قدس الله أسرارهم ـ تنيف كتبه على ثمانين. تذكره كتب الشيعة وأهل السنة بجميل الثناء انظر مصادر ترجمته في ص ٢٦٩ ج ٤ كتاب الغدير لسماحة الآية العلامة الامينى ـ مد ظله ـ ، وص ٣١٥ من تذييل سماحة الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم على لؤلؤة البحرين ط النجف ، والاعلام للزركلى ج ٥ ص ٨٩ وريحانة الأدب ج ٣ ص ١١٦ الرقم ١٩٦.

(٢) هو من كتب الشريف علم الهدى قال في الذريعة ص ٢٦ ج ١٠ الرقم ١٣٠ ما ملخصه : الذريعة إلى أصول الشريعة للشريف المرتضى علم الهدى على بن الحسين الموسوي المتوفى سنة ٤٣٦ ألفه سنة ٤٣٠ مرتبا على فصول ، وكانت متناولة للعلماء من لدن تأليف الكتاب نسخة منه في مكتبة حسينية كاشف الغطاء ، ونسخة بمكتبة شيخنا الشريعة ، ونسخة عند السيد محمد صادق بحر العلوم ، ونسخة عند السيد على شبر ، ونسخة عند الشيخ منصور آل عدا الشروقى ، وله شروح ، وقد حرره العلامة الحلي وسماه النكت البديعة في تحرير الذريعة ، ولخصه فريد خراسان بعنوان تلخيص مسائل الذريعة.

(٣) قد بسط الكلام في تفسير الآية ٢٢ من سورة القيامة شيخ الطائفة في التبيان انظر ص ٧٣١ ج ١ ط إيران ، وكذا الطبرسي في مجمع البيان انظر ص ٣٩٦ إلى ص ٣٩٩ ج ٥ ط صيدا ، وتكلم فيه المتكلمون عند البحث عن الرؤية ، ونحن نكتفي بنقل عبارة السيد آخر المجلس الثالث من كتابه الغرر والدرر ص ٢٨ ج ١ ط ١٣٢٥ قال ـ قدس‌سره ـ

٣٠

يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) على أنّ المراد بها الانتظار لا الرؤية (١) وفرضنا أنّه لم ينقل عن المتقدّمين إلّا هذا الوجه دون غيره جار للمتأخّر أن يزيد على هذا التأويل ويذهب إلى أنّ المراد أنّهم ينظرون إلى نعم الله لأنّ الغرض في التأويلين جميعا إنّما

__________________

ـ مسئلة اعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالى ، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) على وجوه معروفة لأنهم بينوا أن النظر ليس يفيد الرؤية ، ولا الرؤية من أحد محتملاته ، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة منها : تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلبا لرؤيته ، ومنها : النظر الذي هو التعطف والمرحمة ، ومنها : النظر الذي هو الفكر والتأمل ، وقالوا : إذا لم يكن في أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق ، واحتجنا جميعا إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية ، وتأولها بعضهم على الانتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفا ، والمنتظر منه مذكورا على عادة للعرب معروفة ، وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر ، وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم على سبيل حذف المرئي في الحقيقة ، وهذا كلام مشروح في مواضعه ، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة ، وهيهنا وجه غريب في الآية حكى عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمدة إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ، ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية ولا يحتملها بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أو الرؤية بالعين ، وهو أن يحتمل قوله تعالى (إِلى رَبِّها) إلى أنه أراد نعمة ربها لان الآلاء النعم ، وفي واحدها أربع لغات إلا مثل قفا وألى مثل رمى والى مثل معى والى مثل حنى قال أعشى بكر بن وائل :

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحما ولا يخون الى

أراد أنه لا يخون نعمة ، وأراد تعالى الى ربها فأسقط التنوين للإضافة فإن قيل : فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رؤيته لنعمه وثوابه قلنا : ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل ـ إلى ـ حرفا ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف ، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف لأن ـ إلى ـ فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره ، والله أعلم بالصواب انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

(١) هذا مما وقع النزاع فيه بين الإمامية ، وأهل السنة فاتفق الإمامية إلا من شذ ـ

٣١

هو إبطال أن يكون الله تعالى في نفسه مرئيّا ، والتأويلان معا مشتركان في دفع ذلك وقد قام كلّ واحد مقام صاحبه في الغرض المقصود ، وجرت التأويلات مجرى الأدلّة في أنّه يغني بعضها عن بعض ، ثمّ قال : وقد خالفت في هذا المذاهب. انتهى ، وهو جيّد

__________________

ـ منهم على أن الله تعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة ، ووافقهم في ذلك المعتزلة أما غيرهم من أهل السنة فقد ذهبوا إلى إمكانها في الدنيا ، ووقوعها في الآخرة ، وحسبنا العقل السليم الحاكم بامتناع الرؤية مع عدم حصول شرائطها الممتنعة كلها على الله ، وحسبنا أيضا كلام الله العزيز حيث قال عز من قائل (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ، وقال (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) وقال (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) وقال مخاطبا لموسى بن عمران (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) تدل على استحالة الرؤية بالنسبة إليه سبحانه لانه قد ربطها باستقرار الجبل ، واستقراره في حال كونه متزلزلا من المحالات وإلا لزم كونه ساكنا ومتحركا في حالة واحدة فهو أشبه بقوله (لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وإذا امتنعت رؤيته على أنبيائه كانت بالنسبة إلى غيرهم أولى بالامتناع وقد تواترت أخبار الإمامية في ذلك انظر البحار ج ٢ ط كمپانى من ص ١١٢. إلى ١٢٢ ، وفي تلك الأخبار لطائف ودقائق إذا تأمل من كان له قلب سليم وسر نقى علم أن تلك الدقائق والمعارف الحقة الإلهية والإشارات العقلية التي لم تبلغ إليها أفكار أوحدي الناس في تلك الأعصار فضلا عن غيرهم ، ولا يدركها الراسخون في العلوم الإلهية إلا بعد تلطيف سر ومدد سماوي إنما فاضت من صدور الذين هم المستضيئون بأنوار الرحمن ، والعالمون بالعلوم اللدنية المستفاضة من لدن مبدء العالم عليهم ، والمتضلع في أقوال العلماء يذعن بأنه لم يعهد إقامة مثل هذه البراهين المأثورة عن آل محمد من غيرهم ، والاخبار في هذه المسئلة كثيرة ونكتفي للتبرك بذكر خبر رواه في الاحتجاج ج ٢ ص ١٨٤ ط النجف ، والتوحيد للصدوق ص ٩٨ ط إيران والكافي الخبر الثاني من باب إبطال الرؤية ، وهو في ص ٦٨ ج ١ مرآت العقول ، ووصفه العلامة المجلسي بالصحة ، وحيث إن ألفاظ الخبر مختلفة ننقله بلفظ الكافي أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال : سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبى الحسن الرضا. فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة : إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية. فقال أبو الحسن : فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والانس لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء أليس محمد؟ قال : بلى قال : كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من ـ

٣٢

غير أنّ مراده بالمذاهب بعضها فإنّ المخالف في ذلك بعض العامّة ، وأمّا أكثرهم فمعترفون بأنّ استنباط المعانيّ على قوانين اللغة العربيّة ممّا لا قصور فيه بل يعدّونه فضلا

__________________

ـ عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول : لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شيء.

ثم يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما ، وهو على صورة البشر أما تستحيون ما قدرت الزنادقة أن ترميه عليه‌السلام بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر ثم قال أبو قرة : فإنه يقول ، ولقد رآه نزلة اخرى فقال أبو الحسن عليه‌السلام : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال : لقد رأى مر آيات ربه الكبرى فآيات الله غير الله ، وقد قال الله (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة فقال : أبو قرة فتكذب بالروايات. فقال أبو الحسن : إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه إنه لا يحاط به علما ولا تدركه الابصار وليس كمثله شيء ، وفي آخر الحديث في الاحتجاج فتحير أبو قرة فلم يحر جوابا حتى قام وخرج.

والقائلون بالرؤية طائفتان : الاولى : المجسمة والكرامية الذين يقولون بأن ربهم جسم الثانية : أتباع الأشعري ، ومن كان قبله ممن هو بمنزلتهم فهما وتعقلا. قال بعض : إن رؤية الله جائزة في الدنيا عقلا ، واختلف في وقوعها ، وفي أنه هل رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الإسراء أولا؟ فأنكرته عائشة انظر البخاري بشرح ابن حجر (فتح الباري) ص ٢٢٩ ج ١٠ الطبعة الأخيرة ، وعليه جماعة من الصحابة والتابعين والمتكلمين ، ونسب إثباته إلى ابن عباس لكنها افتراء محض لا يحتمل من مثله مثل هذه المقالة الزائفة فان صح ما نقل عنه فمأول بالعلم به فقد أخرج مسلم عنه رأى ربه بفؤاده مرتين ومن طريق عطاء أنه رآه بقلبه وروى ابن مردويه عنه أنه لم يره رسول الله بعينه إنما رآه بقلبه انظر ص ٢٣١ ج ١ فتح الباري ، والمراد برؤية القلب الانكشاف التام بالبصيرة القلبية لا ما ذكره ابن حجر هنا من أن المراد حصلت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره ، والرؤية لا يشترط فيها شيء مخصوص ولو جرت العادة يخلقها في العين فان ما ذكره ربما يضحك به الثكلى ، وأخذ بهذه المقالة (جواز الرؤية عقلا في الدنيا) جماعة من السلف والأشعري في جماعة من أصحابه وابن حنبل ، وكان الحسن على ما نقل عنه يقسم لقد رآه وتوقف فيه جماعة هذا حال رؤيته في الدنيا ، وأما رؤيته في الآخرة فعند غير المعتزلة من أهل السنة جائزة عقلا واقعة في الآخرة للمؤمنين خاصة أو للكل انظر مقالات الاسلاميين للأشعري ج ١ ص ٢٦٣ ، وفيه واختلفوا في رؤية الباري على تسع عشرة مقالة ، و ـ

٣٣

وكمالا كما يعلم من تتبّع كلامهم ، ولو حمل كلامه على أنّ المراد بالحكم عدم الرؤية لتمّ ما قلناه أيضا إذ ليس المخالف في ذلك الجميع. فتأمّل (١) ونحن الآن شارعون في المقصود مستمدّون من الواحد المعبود.

__________________

ـ شرح المواقف ط بولاق من ص ٥٠٢ ، إلى ٥١٤ وشرح التجريد للقوشجى ط إيران سنة ١٣٠١ من ص ٣٦٣. إلى ص ٣٧٢.

(١) إذ قد عرفت أن المعتزلة أيضا وافقوا الإمامية في ذلك ثم إن المفيد ـ قدس‌سره ـ قال في كتابه أوائل المقالات ص ٢٣ ، أقول : إنه لا يصح رؤية الباري بالابصار ، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن ، وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد ، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامة متكلميهم إلا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الاخبار ، والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك ، وجمهور المرجئة ، وكثير من الخوارج ، والزيدية ، وطوائف من أصحاب الحديث ، ويخالف فيه المشبهة ، وإخوانهم من أصحاب الصفات ، ولعل مراد المفيد من هذا الشاذ هو أحمد بن محمد بن نوح السيرافي كما ذكره شيخ الطائفة في فهرسته ص ٦١ ط النجف الرقم ١١٧ وفيه : يكنى أبا العباس السيرافي سكن البصرة واسع الرواية ثقة في روايته غير أنه حكى عنه مذاهب فاسدة في الأصول مثل القول بالرؤية وغيرها وله تصانيف إلخ ، ولكن التعبير بالحكاية يدل على عدم ثبوت هذه النسبة ، وعزى القول بالرؤية أيضا إلى هشام بن الحكم ، والنسبة اشتباه ليس المقام موضع إطالة الكلام وقد بالغ الكتاب في نسبة التجسيم إليه ، ونسبوا إليه بعض المقالات التي لا يقرها العقل ولا تنسجم مع سيرة هشام وعلمه وصلته بالأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ، وكيف تصح في حقه تلك المقالات؟ مع تعظيم الأئمة له ، وتقديرهم لجهوده وجهاده ، والظاهر أن الجملات العنيفة التي واجهها هشام كانت بدافع الشنيع عليه لانه كان بخاصم الفريقين ، ويناظرهم ولا يثبتون في جميع مواقفهم معه ، وقال فيه الامام الصادق لا تزال مؤيدا بروح القدس يا هشام ما نصرتنا بلسانك.

٣٤

(كتاب الطهارة)

وفيه آيات : الاولى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تخصيص المؤمنين بالخطاب لأنّهم هم المنتفعون بها المتهيّئون للامتثال بها كما وقع ذلك في أكثر الأحكام وإلّا فالكفّار عندنا مخاطبون بالفروع كما ثبت في محلّه.

(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أي إذا أردتم القيام إليها من باب إطلاق الملزوم على اللازم أو المسبّب على السبب. فإنّ فعل المختار يلزمه الإرادة ويتسبّب عنها نحو (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) وليس المراد القيام حقيقة وإلّا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وهو باطل بالإجماع ، وأيضا لو غسل الأعضاء ثمّ صلّى مضطجعا أو قاعدا حال التعذّر خرج عن العهدة بالإجماع ، والفائدة في التعبير عن الإرادة بالفعل التنبيه على أنّ من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها بحيث لا يتخلّف الفعل عن إرادتها أو إذا قصدتم الصلاة لأنّ التوجّه إلى الشيء ، والقيام إليه قصد إليه ، وإذا قمتم قياما منتهيا إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم بإجراء الماء عليها حتّى يسيل سواء كان ذلك يصبّ الماء على العضو أو غمسه فيه كما هو الظاهر من معناه. فعلى هذا لو توقّف جريانه على تخليل ما يمنع وصول الماء إلى العضو بدونه وجب لوجوب ما يتوقّف عليه الواجب أمّا وجوب الدلك فغير ظاهر لعدم دخوله

__________________

(١) المائدة ٦.

٣٥

في الغسل ، وأوجبه بعض أصحابنا (١) لدليل من خارج دلّ عليه ، والدلالة غير واضحة (٢) مع أنّ العدم كاد أن يكون إجماعا.

وظاهر الآية وجوب الوضوء على كلّ قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا لظهور (إذا) في العموم عرفا وإن لم يكن لغة لأنّ الظاهر أنّ القيام إليها علّة فيثبت الحكم مع ثبوتها كما حقّق في الأصول والإجماع على خلافه ، وفي الأخبار المتظافرة من الجانبين دلالة عليه (٣) ولعلّ ذلك هو الموجب لتخصيصها بالمحدث لا ما قيل : إنّ ذلك كان في بدو الإسلام ثمّ نسخ واختصّ بالمحدث لما اشتهر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : المائدة

__________________

(١) قلت : لم أظفر على قائل من أصحابنا الإمامية صريحا بوجوب الدلك مضافا إلى الغسل نعم نسبه في المختلف ص ٢٣ ط ١٣٢٣ إلى ابن الجنيد ، وعبارته المحكية في المختلف غير دالة عندي عليه ، وربما يستفاد من عبارة شيخنا البهائي ـ قدس‌سره ـ في شرح الأربعين الميل إليه انظر ص ٣٢ من المطبوع بمطبعة الصابرى سنة ١٣٧٨ لكنه ـ قدس‌سره ـ رده قبل ذلك في مسئلة لزوم الابتداء بالأعلى في ص ٢٦ بعدم لزوم كون فعل الإمام في الرواية المستدل بها بقصد أن جملة ما فعله قصد منها البيان ، نعم نسب ذلك من غير أصحابنا إلى مالك انظر كنز العرفان ص ٩ ج ١ وكذا في حاشية لشيخنا البهائي على شرح الأربعين ، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى أنه مذهب مالك والزيدية ، وأصر على لزوم الدلك ابن العربي المالكي في أحكام القرآن ص ٥٦٠ ، ويرشدك إلى عدم لزوم الدلك ما ورد من إجزاء إصابة المطر أعضاء الوضوء انظر الباب ٣٦ من أبواب الوضوء من الوسائل ، وفي أصحابنا من يكتفى بالمسح ، ولا يوجب إجراء الماء كما هو ظاهر بعض الاخبار المروية في الوسائل الباب ٥٢ من أبواب الوضوء مثل أبى جعفر عليه‌السلام : إذا مس جلدك الماء فحسبك أو مثل إنما يكفيه مثل الدهن أو مثل يجرى منه ما أجرى من الدهن الذي يبل الجسد ، وحملها الآخرون على إرادة كفاية مسمى الغسل انظر مفتاح الكرامة ج ١ ص ٢٣٤ و ٢٣٥.

(٢) الظاهر أن مراده التعبير في بعض الاخبار بأنه أمر يده كما أفاده شيخنا البهائي ـ قدس‌سره ـ في شرح الأربعين ، وكذلك التعبير في بعضها فامسح الماء وأمثال ذلك وقد عرفت أن المراد من كل ذلك حصول مسمى الغسل.

(٣) انظر من كتب الشيعة الباب ٧ من أبواب الوضوء من الوسائل ، وفيه إشارة إلى ما روى في الأبواب الأخر ، وقلائد الدرر ج ١ ص ١٧ وانظر مصادر الحديث من أهل السنة في ص ٢٢٤ و ٢٢٥ ج ١ نيل الأوطار ، وفتح الباري الطبعة الأخيرة ج ١ ص ٢٤٢ و ٣٢٧ وتفسير المنار ج ٦ ص ٢٢٠ و ٢٢١ وفي تفسير الرازي ج ١١ ص ١٥١ المسألة الثالثة من مسائل آية الوضوء أنه قال داود الظاهري : يجب الوضوء لكل صلاة ، وبين احتجاجه وجوابه مفصلا فراجع.

٣٦

آخر القرآن نزولا (١) فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها مع أنّ في تصحيح النسخ تأمّلا بل هو إلى التخصيص أقرب إلّا أن يراد نسخ الوجوب عن المتطهّرين الظاهر من عموم الآية فعمومه بالنسبة إليهم منسوخ لا مخصوص. فتأمّل ، فاحتمل في الكشّاف أن يكون الأمر للندب ، والظاهر أنّ ذلك على تقدير كون الأمر للمتطهّرين. إذا لوجوب بالنسبة إلى المحدثين ممّا لا يرتاب فيه أمّا كون الأمر شاملا للفريقين للمحدثين على وجه الوجوب وللمتطهّرين على وجه الندب فقد منع منه في الكشّاف نظرا إلى أنّ

__________________

(١) انظر الحديث بهذا المضمون بلفظ ما في المتن ، وبغير هذا اللفظ من كتب الشيعة ، تفسير العياشي ط قم ص ٢٨٨ و ٣٠١ ج ١ ، والبحار ج ١٩ ص ٦٩ والبرهان ج ١ ص ٤٣٠ وص ٤٥٢ والصافي ط الحاج محمد باقر الخوانساري سنة ١٢٨٦ ص ١٢٣ ومجمع البيان ط صيدا ج ٢ ص ١٠٥ وتفسير الميزان ج ٥ ص ٢٥١ و ٢٥٢ والوسائل الباب ٣٨ من أبواب الوضوء ص ٦١ ط أمير بهادر ، وجامع أحاديث الشيعة ص ١١٧ ، وانظر من كتب أهل السنة ، الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢ وفتح القدير ج ٢ ص ٢ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢ وتفسير الخازن ج ١ ص ٤٢٣ ، وتفسير المنار ج ٦ ص ١١٦ ، وتفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٠ و ٣١ والإتقان ج ١ ص ٢٧ النوع الثامن ، ومناهل العرفان ج ١ ص ٩٢ والناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١١٦ وأكثر أحاديثهم موقوفة على الصحابة ، ومن بعدهم إلّا أن في فتح القدير حديث مرفوع إلى النبي (ص) قال : المائدة من آخر القرآن تنزيلا فأحلوا حلالها ، وحرموا حرامها ، وكذا في القرطبي أن النبي (ص) بعد أن قرء سورة المائدة في حجة الوداع قال : يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها ، ونظيره في تفسير الخازن مرفوعا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أخرج الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٣١١ وصححه الذهبي والترمذي في كتاب التفسير ، تفسير سورة المائدة الحديث ٢٣ عن عائشة أنها آخر سورة نزلت فما وجدتم من حلال فاستحلوه ، وما وجدتم من حرام فحرموه : وفي تفسير الإمام الرازي ص ١٦٣ ج ١١ وأجمع المفسرون أن هذه السورة لا منسوخ فيها البتة إلا قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) وفي تفسير الطبري ج ٦ ص ٦٠ أيضا آثار تدل على أنه لم ينسخ من المائدة إلا آية (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) وفي الناسخ والمنسوخ عن أبي ميسرة لم ينسخ من المائدة شيء ، وفي القرطبي قال الشعبي : لم ينسخ من هذه السورة إلا قوله (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ) وفيه عن أبي ميسرة المائدة آخر ما نزل ليس فيها منسوخ ، وفيها ثمان عشرة فريضة ليست في غيرها قال القرطبي بعد سرد تلك الثمان عشرة قلت : وفيها تاسعة عشرة وهي قوله (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة أما ما جاء في السورة الجمعة ـ

٣٧

تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الألغاز والتعمية ، ولو قيل : إنّ استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيّ والمجازيّ مجاز ، والمجاز لا يكون إلغازا ولا تعمية لقلنا : بعد تسليم صحّة ذلك فإنّما هو لقرينة. إذا لمجاز لا بدّ فيه من القرينة ولا قرينة على ذلك التقدير وليس المراد بالإلغاز سوى ذلك.

والوجه مأخوذ من المواجهة وهو اسم للعضو المعلوم وتحديده غير ظاهر من الآية بل في الأخبار دلالة عليه.

روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قلت : له أخبرني عن حدّ

__________________

ـ فمخصوص بالجمعة ، وهو في هذه السورة عام لجميع الصلوات. انتهى ما في القرطبي قلت : وفي الدر المنثور آثار كثيرة تدل على أن آية ٣٣ سورة فصلت (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أن هذه الآية نزلت في المؤذنين انظر ص ٣٦٤ ج ٥ وكذا في فتح القدير ج ٤ ص ٥٠٣ وتفسير الخازن ج ٤ ص ٨٦ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٠٠ و ١٠١ وأحكام القرآن لابن العربي ص ١٦٥٠.

ولعلنا نزيدك كلاما عند البحث في آية (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ).

ثم إنه لا يلزم من كون سورة المائدة آخر ما نزل ، وكون آية الوضوء فيها كون اشتراعه أيضا عند نزولها فان الوضوء كان مشترعا قبل نزول المائدة بل قبل الهجرة أيضا يرشدك إلى ذلك أحاديث الإسراء في كتب الفريقين ، وغيرها بل في فتح الباري ج ١ ص ٢٤٣ نقل اتفاق أهل السير ، وأن النبي (ص) لم يصل قط إلا بوضوء عن ابن عبد البر ، وادعى في المنار ج ٦ ص ٢٣٨ أيضا الاتفاق على أن الوضوء كان ثابتا قبل نزول المائدة ، وقال ابن العربي في أحكام القرآن ، لا خلاف أن الوضوء كان مفعولا قبل نزولها غير متلو.

(١) الحديث رواه في الكافي الباب ١٨ من كتاب الطهارة ، وهو في هامش مرآت العقول ج ٣ ص ١٥ وفي التهذيب ج ١ ص ٥٤ الرقم ١٥٤ ط النجف والعياشي ط قم ج ١ ص ٢٩٩ الرقم ٥٠ من تفسير سورة المائدة ، وفي كلها ذكر السبابة قبل الوسطى ، ونقل في البحار ج ١٨ ص ٦٦ ان ضبط العياشي السبابة الوسطى بدون الواو قبل الوسطى ، وروى الحديث في الفقيه ج ١ ص ٢٨ الرقم ٨٨ ط النجف بإسقاط كلمة السبابة ، وفيه بعد قوله : لا قال زرارة : قلت لم؟ أرأيت ما أحاط به الشعر. فقال : كلما أحاط به من الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ـ

٣٨

الوجه الّذي ينبغي أن يوضّأ الّذي قال الله ـ عزوجل ـ فقال : الوجه الّذي أمر الله ـ عزوجل ـ بغسله الّذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يوجر وإن نقص منه أثم ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه ، وما سوى ذلك فليس من الوجه. فقال له : الصدغ من الوجه؟ فقال عليه‌السلام : لا ، ومقتضاها أنّ طول الوجه من شعر الرأس

__________________

ـ ولا يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء ، ولفظ الكافي ، وما جرت عليه الإصبعان كما في الفقيه والعياشي ، ولفظ التهذيب : وما حوت عليه الإصبعان ، وصرح باختلاف لفظي الكافي والتهذيب صاحب المعالم في منتقى الجمان ج ١ ص ١٢١ ، وقال العلامة المجلسي في مرآت العقول : ولا يستر عليك أن في كل نسخ التهذيب : والكافي التي عندنا عبارة الحديث : ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام ، وفي بعض نسخ هذا الكتاب بزيادة لفظ (عليه) لكن في كل نسخ الفقيه ما دارت عليه الوسطى والإبهام بدون لفظ السبابة ، ولعله الصواب لأن زيادة السبابة ليست لها زيادة فائدة ظاهرا ثم احتمل التكلف على نسخ التهذيب بإرادة التخيير أو يكون أحدهما للحد الطولى والأخر للعرضى. فالطولى ما دارت عليه السبابة والوسطى لان ما بين القصاص والذقن بقدره غالبا ، والعرضي ما دارت عليه الوسطى والإبهام وذكر مثل ذلك في البحار أيضا ، وترى الحديث في جامع أحاديث الشيعة ص ١٠٩ وكذا في الوسائل الباب ١٧ من أبواب الوضوء ص ٥٤ ط أمير بهادر ثم إن المشهور في معنى الحديث أن ما دارت عليه الإبهام والوسطى بيان لعرض الوجه ، وقوله : من قصاص الشعر إلى الذقن لطوله ، وقوله : وما جرت عليه الإصبعان تأكيد لبيان الغرض إلا أن للشيخ البهائي أستاذ المصنف في معنى دوران الوسطى والإبهام بيان غير ما فهمه الأكثرون ، وارتضاه المحدث الكاشاني أيضا كما في الوافي الجزء الرابع ص ٤١ وفي مفاتيحه ، ونقل في مرآت العقول وفي البحار أيضا عن المختلف عن ابن الجنيد مثله ، والمعنى الذي حمل عليه الخبر أن كلا من طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى بمعنى أن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن وهو ما بين الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه وأدير على نفسه فيحصل شبه دائرة فذلك المقدار هو الذي يجب غسله ، وتفصيل الكلام في كتب الفقه المبسوطة.

٣٩

إلى الذقن (١) وعرضه ما دارت عليه الإصبعان ، وقد يستفاد من عدم وجوب غسل الصدغ (٢) عدم وجوب غسل العذار ، وهو الشعر النابت على العظم الناتي الّذي يتّصل أعلاه بالصدغ مع أنّ الإصبعين لا يصلان إليه غالبا ، وقد صرّح العلّامة في المنتهى بعدم استحباب غسله بل قال : يحرم إذا اعتقده ، ويظهر من ذلك عدم وجوب غسل البياض الّذي بين العذار والاذن بطريق أولى ، وقد وافقنا على عدم وجوب غسله أبو ـ يوسف من العامّة ، وأوجب غسله أبو حنيفة والشافعي نظرا إلى أنّه من الوجه فيجب غسله ، ودفعه ظاهر ممّا ذكرنا : أمّا العارض وهو الشعر المنحطّ عن القدر المحاذي للأذن فقد قطع جماعة بوجوب غسله وآخرون بعدمه ، ويمكن القول بوجوب غسل بعضه وهو ما نال التحديد المذكور دون ما خرج عنه ، وأمّا مواضع التحذيف فالظاهر وجوب غسلها وتمام ما يتعلّق بذلك يعلم من الفروع ، ومقتضى إطلاق الغسل جواز غسل الوجه من إعلاء وأسفله ، وهو قول العامّة ، وإليه ذهب بعض أصحابنا (٣) نظرا إلى أنّ الأمر بالكلّيّ يقتضي الخروج عن العهدة بفعل أيّ جزئيّ كان من جزئيّاته ، واعتبر

__________________

(١) وفي هامش بعض النسخ المخطوطة حاشية منه ـ قدس‌سره ـ ننقلها بعين عبارته قال ـ قدس‌سره ـ القصاص لغة منتهى منابت شعر الرأس من مقدمه ومن مؤخره ، والمراد هنا قصاص المقدم ، وهو يأخذ في جانبي الناصية ويرتفع عند النزعة ، ثم ينحطا إلى مواضع التحذيف وهي ما بين العذار والنزعة ينبت عليها شعر خفيف يحذفه النساء ، ويستفاد منه أن أعلى الوجه قصاص الناصية ، وما على سمته من الجانبين في عرض الرأس ، ومنه يظهر أن النزعتين خارجتان عن حد الوجه ، وهو كذلك عند علمائنا. انتهى ما في الهامش منه ـ قدس‌سره ـ ، والقصاص مثلت القاف ، والضم أشهر : والناصية هي الشعر الذي في مقدم الرأس يكتنفه بياضان غالبا وهما النزعتان بالتحريك.

الذقن بالتحريك : مجمع اللحيين الذين فيها منابت الأسنان السفلى.

(٢) الصدغ هو المنخفض الذي ما بين أعلى الاذن وطرف الحاجب ، وبسط الكلام في ذلك في البحار ج ١٨ ص ٦٨ فراجع.

(٣) نسب ذلك إلى السيد المرتضى وابن إدريس.

٤٠