مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

السابعة : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١).

(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) أي لا تجهر جهرا عظيما ولا تخافت كذلك بحيث يلحق بحديث النفس.

(وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي قراءة وسطا بينهما قال الشيخ أبو جعفر في التبيان (٢) واختلفوا في الصلاة الّتي عنى بالآية فقال الحسن : لا تجهر بإشاعتها عند من يؤذيك ، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك ، وقال قوم : لا تجهر بدعائك ولا تخافت ، ولكن بين ذلك. قالوا : والمراد بالصلاة الدعاء ذهبت إليه عائشة وابن عبّاس وسعيد بن جبير وغيرهم وفي رواية أخرى عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى جهر في صلوته فسمع به المشركون فشتموه وآذوه وآذوا أصحابه فأمره الله بترك الجهر وكان ذلك بمكّة في أوّل الأمر وبه قال سعيد بن جبير ، وقال قوم : أراد لا تجهر بتشهّدك في الصلاة ولا تخافت بها روي ذلك عن عائشة في رواية أخرى ، وبه قال ابن سيرين ، وقال قوم : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّى بمكّة جهارا فأمر بإخفائها ذهب إليه عكرمة والحسن البصري ، وقال قوم : لا تجهر بصلاتك معناه تحسّنها مراياة في العلانية ، ولا تخافت بها تسئ القيام بها في السريرة روي ذلك الحسن وابن عبّاس وقتادة ثمّ قال ، وقال الطبرسي : يحتمل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك صلاة النهار ، ولا تخافت بها يعنى صلاة الليل الّتي تجهر فيها بالقراءة. قال : وهذا محتمل غير أنّه لم يقل به أحد من أهل التأويل. انتهى.

ومنه يعلم أنّ الاستدلال بها على وجوب الجهر للرجال في بعض الصلوات والإحفات فيما عداها بعيد ، ويمكن أن يقال : المتبادر منها النهي عن الجهر العالي الّذي يوجب شغل من يصلّى قربك ، وعن الإخفات الّذي لا يسمع نفسه ، ورواه أصحابنا

__________________

(١) اسرى ١١٠.

(٢) ج ٢ ص ٢٢٢ ط إيران.

٢٠١

عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافة ما لم تسمع أذنيك (١).

(وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي قراءة وسطا بين الجهر والمخافة.

فإن قلت : فما تقول في وجوب الجهر في صلاة الصبح وأولتي العشائين ، والإخفات فيما عداهما.

قلت : الحقّ عدم وجوبهما وأنّهما مستحبّان من السنن المؤكّدة كما ذهب إليه السيّد المرتضى وابن الجنيد وجماعة من الأصحاب لأصالة عدم الوجوب إلّا بدليل يقطع العذر فيه ، وخصوص صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) ، قال : سألته عن الرجل يصلّى الفريضة ممّا يجهر فيه هل عليه أن لا يجهر؟ قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر ونحوها من الأخبار.

احتجّ الشيخ وجماعة على الوجوب بصحيحة حريز عن زرارة عن أبى عبد الله في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه وأخفا فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال : أيّ ذلك فعل متعمّدا فقد نقض صلوته وعليه الإعادة (٣) ، والجمع بين الأدلّة يقتضي حملها على الاستحباب

__________________

(١) انظر المجمع ج ٣ ص ٤٤٦ والبرهان ج ٢ ص ٤٥٣ ونور الثقلين ج ٣ ص ٢٣٣ والوسائل الباب ٣٣ من أبواب القراءة ، وجامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٨٠ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٢٨١.

(٢) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٧٩ الرقم ٢٥٦٩ رواه عن التهذيب والاستبصار وقرب الاسناد ، والوسائل الباب ٢٥ من أبواب القراءة الحديث ٦ ونور الثقلين ج ٣ ص ٢٣٤ والمنتقى ج ١ ص ٤٠٨ قال في المنتقى : معنى ـ هل عليه أن لا يجهر ـ أن ترك الجهر هل على المصلى فيه هرج أولا : قلت ، وهذا البيان لما يترائى من اضطراب المتن كيف يصح السؤال عن الفريضة التي يجهر فيها عن أنه عليه أن لا يجهر فبين أن إن هنا مكسورة وبين معناها ، وفي كشف اللثام نقل ضبط الحديث في قرب الاسناد هل عليه أن يجهر ، وكذا نقله في نور الثقلين وهكذا ضبط في نسخة قرب الاسناد ط النجف ١٣٦٩ ص ١٢٣ وفي المعتبر ص ١٧٥ هل له أن لا يجهر.

(٣) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٧٨ الرقم ٢٥٦٢ عن التهذيب والاستبصار والفقيه والوسائل الباب ٢٦ من أبواب القراءة الحديث ١ وبين لفظ الفقيه وكتابي الشيخ ـ

٢٠٢

مع احتمال كون المراد نقص بالصاد المهملة : أي نقص ثوابه لا نقض بالضاد المعجمة فيتمّ ما قلناه.

وما ادّعاه الشيخ من الإجماع على الوجوب لم يثبت ، وحمل صحيحة عليّ بن جعفر على التقيّة لكونها موافقة لقول العامّة بعيد ، ونسبه المحقّق في المعتبر إلى التحكّم لمكان قول بعض الأصحاب بعدم الوجوب ، وهو جيّد ، وقد بسطنا الكلام في شرح الدروس هذا.

وقد ذهب بعضهم إلى أنّ الآية منسوخة بقوله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) وفي موضع آخر ، (وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) وهو على تقدير حمل الصلاة على الدعاء مع أنّ النسخ غير لازم. إذ يمكن الجمع بينهما في الجملة ، فتأمّل.

الثامنة : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) قرء بالنصب عطف على الله وقوله :

(يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) خبر عن الجميع ، وقرء بالرفع (٢) فقيل : إنّه معطوف

__________________

ـ تفاوت يسير في اللفظ نبه به صاحب المعالم في المنتقى ج ٨ ص ٤٠٨ وفي مصباح الفقيه كتاب الصلاة ص ٢٩٨ مزيد بيان فراجع ، وذيل الحديث : وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدرى فلا شيء عليه ، وقد تمت صلوته. ورواه أيضا في قلائد الدرر ج ١ ص ١٦٦ وفيه ، وطريق الشيخ إلى حريز وإن لم يكن مذكورا في المشيخة إلا أن طريقه إليه في الفهرست صحيح ، ومن ثم عده العلامة في المنتهى والمختلف من الصحيح ، وهو كذلك.

(١) الأحزاب ٥٦.

(٢) هكذا نقله في فتح القدير ج ٤ ص ٢٩٠ عن ابن عباس ، والمسئلة من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين ، هل يجوز رفع المعطوف على اسم ـ إن ـ قبل مضى الخبر أولا فجوزه الكوفيون فالكسائى على الجواز مطلقا ، والفراء على الجواز إن لم يظهر إعراب اسم ـ إن ـ مثل انك وزيد أو إن الفتى وزيد قائمان ، والبصريون على المنع مطلقا. وسردها ابن الأنباري في المسئلة ٢٣ من مسائل الخلاف ص ١٨٥ من كتاب الانصاف ، واختار مذهب البصريين ، و ـ

٢٠٣

على محلّ اسم إنّ ، وقيل : مرفوع بالابتداء والمذكور خبره وخبر إنّ محذوف للقرينة ، والمراد إنّهم يثنون عليه بالثناء الجميل ويبجّلونه أعظم التبجيل.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أى قولوا : الصلاة والسلام على رسول الله اللهمّ صلّ وسلّم عليه ، ومعناه الدعاء بأن يترحم عليه الله ويسلم كذا في الكشّاف. وروى في مجمع البيان عن أبي حمزة الثمالي قال : حدّثني السدّي وحميد بن سعد الأنصاري وبريد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجزة قال : لمّا نزلت هذه الآية قلنا : يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال : قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد (١) وفي الآية دلالة ظاهرة على وجوب الصلاة والسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّها مطلقة غير معلومة المحلّ فيحتمل أن يكون المراد الصلاة عليه حال ذكره وفي أيّ وقت كان وهذا هو الظاهر لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النار فأبعده الله تعالى (٢) وروى أنّه قيل. يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ وَ

__________________

ـ الحق عندي مختار الكوفيين ، وأدلة مخالفيهم عليلة ، وعوامل النحو ليست بمؤثرات حقيقية ، وإنما هي معرفات لنا كيف ننطق بالكلام ، وقد ورد في القرآن الكريم الآية ٦٩ سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وتوجيهات البصريين للاية غير خالية عن التعسف.

(١) انظر المجمع ج ٤ ص ٣٦٩ وانظر في ذلك أيضا كنز العرفان ج ١ ص ١٣٤ مع تعاليقنا في مصادر الحديث وألفاظه ، وانظر تعاليقنا من ص ١٣١ إلى ١٤٢ فان فيها مباحث مفيدة.

(٢) الظاهر أنه تخليط بين الحديثين فان هناك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حديثان : الحديث الأول : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة أخرجه السيوطي في الجامع الصغير بالرقم ٤٤٥٩ ص ٣٤ ج ٤ من فيض القدير عن الترمذي والحاكم في المستدرك وكذا في كنز العمال للمنتقى الهندي ج ١ ص ٤٣٧ الرقم ٢١٤٩ وأخرجه البخاري ـ

٢٠٤

مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا من العلم المكنون ولو لا أنّكم سألتموني لما أخبرتكم إنّ الله وكلّ بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلّى عليّ إلّا قال ذانك الملكان غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين ، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلّى عليّ إلّا قال ذانك الملكان : لا غفر الله لك ، وقال الله وملائكته لذينك الملكين آمين (١) وهو الموافق لما في أخبارنا المعتبرة الإسناد ، وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر

__________________

ـ في الأدب المفرد الباب ٢٨١ بالرقم ٦٤٦ على ما في ص ١٠١ ج ٢ من فضل الله الصمد بلفظ تأمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا بعد دعاء جبرئيل بما ذكر ، وفي ذيله ص ١٠٢ أنه أخرجه الترمذي والحاكم في الدعاء وابن حبان في الصلاة مرة أخرى وابن خزيمة في الصيام وأبو عوانة في البر والصلة واحمد.

وروى الحديث في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٣٩٣ و ٥٧٥ و ٥٨٧ صورته الاولى عن البحار عن كتابه الإمامة والتبصرة لعلي بن بابويه ، وصورته الثانية عن نوادر الراوندي.

ثم رغم بكسر الغين وتفتح : أى لصق أنفه بالتراب وهو كناية عن حصول غاية الذل والهوان ، وذكرت عنده بالبناء للمفعول فلم يصل على قال الطيبي : الفاء استبعادية كهي في قوله تعالى (فَأَعْرَضَ عَنْها) والمعنى بعيد من العاقل أن يتمكن من إجراء كلمات معدودة على لسانه فيفوز بما ذكر فلم يغتنمه حتى يموت فحقيق أن يذله الله ، ورد بأن جعلها للتعقيب أولى ليفيد ذم التراخي عن تعقيب الصلاة عليه بذكره.

الحديث الثاني : من ذكرت عنده فلم يصل على فدخل النار فأبعده الله رواه في الكافي باب الصلاة على محمد وآله من الأصول الحديث ١٩ وهو المرآة ص ٤٥١ ج ٢ ورواه الصدوق في الأمالي ص ٣٤٦.

وترى الحديث في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٥٦ والوسائل الباب ١٠ من أبواب التشهد الحديث ٣ ورواه في الكشاف أيضا عند تفسير الآية ج ٢ ص ٥٤٨ قال العلامة المجلسي في المرآة ، فأبعده الله جملة دعائية وقعت خبر أو خبرية ، أى كان بعيدا من رحمة الله حيث حرم من هذه الفضيلة

(١) انظر الدر المنثور ج ٥ ص ٢١٨ أخرجه عن الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن الحسن بن على ، وانظر أيضا الكشاف ج ٢ ص ٥٤٨.

٢٠٥

عليه‌السلام وصلّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكر عنده في أذان وغيره (١) والأمر للوجوب ومن هنا يلزم وجوب الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله في التشهّد لاشتماله على ذكره فيه ، والشافعي لمّا لم يوجب في الصلاة إلّا التشهّد الأخير قال : بوجوب الصلاة والتسليم عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه نظرا إلى تضمّن الآية وجوبهما ، ولا يجبان في غير الصلاة ولا في غير التشهّد الأخير ومن ثمّ ذهب إلى عدم وجوبهما في التشهّد الأوّل لعدم وجوبه عنده.

وقال أبو حنيفة : لا تجب شيء من التشهّدين نعم يجب القعود بقدره ، ولا يجب الصلاة فيهما محتجّا بأنّ النبيّ لم يعلّمه الأعرابي ولو كان واجبا لعلّمه. وفيه نظر لجواز عدم وجوبه حينئذ ثمّ تجدّد بعده (٢) ولما رواه ابن مسعود كنّا نقول قبل أن يفرض

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الأذان ص ٣٣٧ ج ١ ط أمير بهادر.

(٢) ولابن قيم الجوزية في كتابه جلاء الأفهام في جواب هذا الاشكال بيان يناسب لنا نقله بعين عبارته قال في ص ٢٣٨ : قوله : لم يعلمها النبي المسيء في صلوته ولو كانت فرضا لعلمها أباه جوابه من وجوه!

أحدها : أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندا لهم في نفى كل ما ينفون وجوبه وحملوه فوق طاقته ، وبالغوا في نفى ما اختلف في وجوبه فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به ومن نفى وجوب التسليم احتج به ، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي (ص) احتج به ومن نفى وجوب أذكار الركوع والسجود وركني الاعتدال احتج به ، ومن نفى وجوب تكبيرات الانتقالات احتج به ، وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال وإلا فعند التحقيق لا ينفى وجوب شيء من ذلك بل غايته أن يكون سكت عن وجوبه ونفيه فإيجابه بالأدلة الموجبة له لا يكون معارضا به.

فان قيل : سكوته عن الأمر بغير ما أمره به يدل على أنه ليس بواجب لأنه في مقام البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز.

قيل : هذا لا يمكن لأحد أن يستدل به على هذا الوجه فإنه يلزمه أن يقول : لا يجب التشهد ولا الجلوس له ولا السلام ولا النية ولا قراءة الفاتحة ولا كل شيء لم يذكره في الحديث وطرد هذا أنه لا يجب عليه استقبال القبلة ولا الصلاة في الوقت لانه لم يأمره بهما وهذا لا يقوله أحد.

فإن قلتم إنما علمه ما أساء فيه وهو لم يسيء في ذلك قيل لكم : فاقنعوا بهذا الجواب من ـ

٢٠٦

علينا التشهّد : السلام على الله قبل عبادة. إلى آخره (١) وهو صريح في أنّه قد فرض واحتجاجه على عدم وجوب الصلاة أيضا برواية ابن مسعود أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له عقيب ذكر الشهادتين : إذا قلت ذلك فقد تمّت صلوتك (٢) مدفوع بأنّ التمام قد يحمل على المقاربة أو بمعنى أنّها تمّت مع أفعالها الباقية (٣) لما روي عن عائشة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا يقبل الله صلاة إلّا بطهور والصلاة علىّ (٤) ولما تقدّم من خبر كعب بن عجرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في صلوته : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد (٥) فيجب متابعته لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّوا كما رأيتموني

__________________

ـ منازعيكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء هذا.

الثاني : ما أمر به النبي من أجزاء الصلاة دليل ظاهر في الوجوب وترك للمسيء به يحتمل أمورا : منها أنه لم يسيء فيه ، ومنها أنه وجب بعد ذلك ، ومنها أنه علمه معظم الأركان وأهمها وأحال بقية تعليمه على مشاهدته (ص) في صلوته أو على تعليم بعض الصحابة له فإنه كان يأمرهم بتعليم بعضهم بعضا فكان من المستقر عندهم أنه دلهم في تعليم الجاهل وإرشاد الضال ، أى محذور في أن يكون النبي (ص) علمه البعض وعلمه أصحابه البعض الأخر ، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المجمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي (ص) ولا غيرها من واجبات الصلاة فضلا عن أن يقدم عليها فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المجمل. والله اعلم انتهى ما أردنا نقله ، وسرد أدلة وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مفصلا من شاء فليراجع.

(١) أنظر سنن البيهقي ج ٢ ص ١٣٨ أخرجه عن مسلم والبخاري.

(٢) قال ابن القيم الجوزية في مسالك الافهام ص ٢٣١ إن هذه الزيادة ليست من كلام النبي (ص) بين ذلك الأئمة الحفاظ ثم بسط الكلام في إثبات ذلك من شاء فليراجع.

(٣) قال ابن القيم الجوزية في جلاء الافهام ، معنى قوله : إذا قلت : ذلك فقد تمت صلوتك يعني إذا ضم إليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم وسائر أحكامها ألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لأنه قد وقفهم على ذلك فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم.

(٤) انظر نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٦ نقلا عن البيهقي والدارقطنى.

(٥) انظر البيهقي ج ٢ ص ١٤٧ والام للشافعي ج ١ ص ١١٧ وفي الحديث بعد آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

٢٠٧

أصلّي (١) وحديث جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل (٢) ، ومقتضى العموم وجوب الصلاة عليه كلّما ذكر سواء كان في المجلس الواحد أو المتعدّد ، وسواء تخلّل الصلاة عليه في ذلك المجلس أولا.

واكتفى بعضهم بوجوب الصلاة في العمر مرّة ، وآخرون في المجلس مرّة ، وإن تكرّر ذكره ، وآخرون بالمرّة مع عدم تخلّل الصلاة كما في وحدة الكفّارة مع تعدّد

__________________

(١) قال ابن القيم الجوزية في جلاء الافهام ص ٢٤٢ : روى البخاري في صحيحه عن مالك بن الحويرث قال : آتينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن شيبة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا ، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه وكان رفيقا رحيما فقال : ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي ، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ، وأخرج ابن حزم أيضا في المحلى ج ٣ ص ١٧١ جملة : صلوا كما رأيتموني أصلي عن مالك بن الحويرث ، وكذا ابن حجر في الإصابة ج ٣ ص ٣٢٢ الرقم ٧٦١٩ ترجمة مالك بن الحويرث ولعله يختلج ببالك أن البخاري أخرج الحديث في باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد ج ٢ ص ٢٥٠ فتح الباري وفي باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم ج ٢ ص ٣١١ فتح الباري وليس فيهما هذه الجملة (صلوا كما رأيتموني أصلي) قلت : بلى ولكنه أخرجه أيضا في كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم ص ٤٤ ج ١٣ فتح الباري عن طريق إسماعيل بن علية عن مالك ابن الحويرث واللفظ كما نقلناه عن ابن القيم الجوزية ، ولأجل ذلك لم يرتضى أحد ترتيب البخاري وأخرجه في هذا الباب بمناسبة لفظ وكان رفيقا رحيما وهو للأكثر بقافين من الرقة ، وللاصيلى والقابسى والكشميهنى بفاء ثم قاف من الرفق كذا في الفتح ، وأخرجه أيضا في باب ما جاء في إجازة خبر الواحد ص ٣٦٢ ج ١٦ فتح الباري ، وأخرجه في الأدب المفرد انظر فضل الله الصمد في شرح الأدب المفرد الباب ١٠٨ الحديث ٢١٣ ج ١ ص ٣٠٣ ، وأخرج الشافعي في الأم ج ١ ص ١٥٨ حديث مالك بن الحويرث وفيه أيضا لفظ (صلوا كما رأيتموني أصلي)

(٢) روى الحديث بهذا اللفظ في المستدرك ج ١ ص ٣٣٤ عن ابن مسعود ، وهو في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٥٤ بالرقم ٣٣٣٨ وأخرج الحديث بهذا اللفظ أيضا في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٦ عن الدارقطني عن أبي مسعود ، ولم أظفر على طريق الحديث عن جابر عن أبي جعفر.

٢٠٨

الموجب وعدم تخلّل التكفير لا مع التخلّل ، وهي أقوال بعيدة. هذا في الصلاة.

أمّا السلام عليه بمعنى التحية فالآية غير واضحة في الدلالة على وجوبه إذ يجوز أن يكون المراد به الانقياد لأمره وطاعته كما في قوله (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١) ويؤيّده ذلك ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية. فقلت : كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال : يا أبا محمّد تزكية له في السموات العلى قلت : قد عرفنا صلوتنا عليه فكيف التسليم فقال هو التسليم في الأمور.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٢) قوله : وسلّموا تسليما يعني سلّموا له بالولاية وبما جاء به ، وعلى تقدير كونه بمعنى التحيّة ففي تفسير البيضاوي قولوا : السلام عليك أيّها النبيّ ونحوه في الكشّاف ، ويمكن أن يقال : يخرج عن العهدة بقصده في السلام المخرج من الصلاة. فتأمّل.

قال في الكشّاف : فإن قلت : فما تقول في الصلاة على غيره؟.

قلت : القياس جواز الصلاة على كلّ مؤمن لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) وقوله (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى ، ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك وهو أنّها إن كانت على سبيل التبع كقولك : صلّى الله على النبيّ وآله فلا كلام فيها.

وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأنّه يؤدّى إلى الاتهام بالرفض ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفنّ مواقف التهم ، انتهى ، ولا يخفى ما فيه من وجوه :

أمّا أوّلا : فلأنّ ما يقتضي الجواز نصّ لا قياس كما اعترف به بل هو برهان قطعي لتطابق العقل والنقل على الجواز.

__________________

(١) النساء ٦٥.

(٢) انظر تفسيره ط إيران ١٣١٥ ص ٣٠٥.

(٣) التوبة ١٠٣.

٢٠٩

وأما ثانيا : فلقوله تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (١) فإنّه يدلّ على أنّ من يقول هذا بعد المصيبة عليه صلوات من الله ، ولا شكّ في صدور هذا القول من أهل البيت عليهم‌السلام بل من غيرهم ، وإذا ثبت جواز الصلاة لهم من الله جاز القول بذلك مطلقا منفردا أو منضمّا فلا وجه لما ذكره من التفصيل.

وأمّا ثالثا : فلأنّ ذلك جائز في حقّ من يؤدّي الزكاة كما ورد في الخبر السابق فكيف لا يجوز في حقّ أهل البيت عليهم‌السلام.

وأمّا رابعا : فلأنّ الكلّ أجمعوا على جوازها بالتبعيّة فما الفرق.

وأمّا خامسا : فلأنّه لا معنى لكونه شعارا له صلى‌الله‌عليه‌وآله وما الّذي دلّ على ذلك مع ورود الآيات والروايات بالجواز على غيره ، والظاهر أنّ ذلك بسبب جعلهم حيث منعوا الغير من الصلاة تشهيا من أنفسهم وتعصّبا في إحداثهم الباطل كما أشعر به قوله : إنّه يؤدّى إلى الاتهام بالرفض ، وبعد قيام البرهان العقلي والنقلي كتابا وسنة لا وجه له على أنّ ذلك لو كان سببا للكراهة للزم أن يتركوا العبادات الواجبة أيضا لأنّها شعار لهم أيضا نعوذ بالله من الأهواء المضلّة والآراء المفسدة.

__________________

(١) البقرة ١٥٥.

٢١٠

(النوع السادس)

(في المندوبات)

وفيه آيات :

الاولى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (١).

قد يستدلّ بها على استحباب القنوت على ما مرّ بيانه.

الثانية : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٢).

قيل : المراد بالصلاة فيها صلاة العيد ، ويؤيّده اقترانها بالنحر الّذي يقع في ذلك اليوم فيكون فيها دلالة على وجوب صلاة العيد ووجوب النحر كما هو مقتضى الأمر ، وتكون الشرائط معلومة من الأخبار : أى صلّ صلاة العيد وانحر هديك أو أضحيّتك ، ويؤيّد ذلك ما قال أنس بن مالك : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ينحر قبل أن يصلّى فأمر أن يصلّى ثمّ ينحر (٣) ويكون المراد بها الهدى الواجب أو يكون وجوب الأضحيّة مخصوصا به صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ الظاهر عدم وجوبها على الأمّة وإن نقل الشهيد في الدروس وجوبها عن ابن الجنيد ، ولعلّه استند في الوجوب إلى خبرين معتبري الاسناد دلّا على وجوب الأضحيّة (٤) على الواجد وهما محمولان على تأكّد الاستحباب للأخبار الدالّة على عدم الوجوب كما يعلم من محلّه ، وإنّما لم يقل : ضحّ ، وإن كان أشمل لأنّ أعزّ الأموال عند العرب هو الإبل فأمر بنحرها وصرفها إلى طاعة الله.

وقيل : معناه فصلّ لربّك صلاة الغداة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى.

وقيل : إنّ أناسا كانوا يصلّون وينحرون لغير الله فأمر الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن

__________________

(١) البقرة ٢٣٨.

(٢) الكوثر ٢.

(٣) أخرجه في الدر المنثور ج ٦ ص ٤٠٣ عن ابن جرير.

(٤) وهما في الفقيه ج ٢ ص ٢٩٢ بالرقم ١٤٤٥ و ١٤٤٦.

٢١١

تكون صلوته ونحره للبدن تقرّبا إلى الله تعالى وخالصا لوجهه.

وقيل : معناه صلّ لربّك الصلاة المكتوبة مطلقا لإطلاق اللفظ الأمر ، واستقبل القبلة بنحرك.

وقيل : معناه الاعتدال في قيام الصلاة روى حريز مرسلا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال : النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره (١) أو المراد بالنحر رفع اليد في تكبيرات الصلاة إلى محاذاة نحر الصدر وهو أعلاه كالمنحر أو موضع القلادة ، وقد ورد بهذا التفسير روايات عدّة عن أصحاب العصمة عليهم‌السلام روي عمر بن يزيد قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول في قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) هو رفع يدك حذاء وجهك (٢) ونحوها صحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام (٣) ، وروى جميل قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فصلّ لربّك فانحر قال بيده هكذا يعنى استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في استفتاح الصلاة (٤) ، والأخبار في ذلك عديدة ، وعلى هذا ففي الآية دلالة على إيقاع الصلاة لله وعلى الأمر بالنحر بهذا المعنى ، ولا شكّ في وجوب الأوّل أمّا الثاني فالظاهر عدم وجوبه للأصل وخلوّ الأخبار الواردة في تعليم الصلاة عنه كصحيحة حمّاد الطويلة (٥) فإنّ الرفع لو كان واجبا لذكره في مقام التعليم ، وصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليهما‌السلام.

قال : على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة (٦)

__________________

(١) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٦٤ الرقم ٢٤٢٩ رواه عن الكافي والتهذيب وللحديث تتمة لم يذكرها المصنف هنا وهو في التهذيب ج ٢ ص ٨٤ الرقم ٣٠٩ وفي الكافي باب القيام والقعود للصلاة الحديث ٩ وهو من المرآة ج ٣ ص ١٣٣.

(٢) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ٢٤٨٤ رواه عن المجمع ، وأنت ترى أكثر أحاديث الباب في المجمع ج ٥ ص ٥٥٠ والوسائل الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٣) انظر الجامع ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ٢٤٨٣ رواه عن التهذيب.

(٤) انظر الجامع ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ٢٤٨٨ عن المجمع.

(٥) المار ذكرها في ص ١٢٨.

(٦) انظر التهذيب ج ٢ ص ٢٨٧ الرقم ١١٥٣ والوسائل الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٧.

٢١٢

وعدم الوجوب على الغير يستلزم عدم الوجوب مطلقا. إذ لا قائل بالفرق.

ويؤيّد الاستحباب ما في رواية مقاتل بن حيّان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) قال لمّا نزلت هذه السورة قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لجبرئيل : ما هذه النحيرة الّتي أمرني بها ربّى؟ فقال : ليست بنحيرة ولكنّه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنّه صلوتنا وصلاة الملائكة في السموات السبع ، فإنّ لكلّ شيء زينة وزينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة الحديث. فإنّ كونها زينة كالصريح في الاستحباب.

ويؤيّده أيضا الشهرة بين الأصحاب وعدم ظهور مخالف في ذلك سوى ما يحكى عن السيّد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ حيث أوجب الرفع في تكبيرات الصلاة ، ولعلّه لظاهر الأمر في الآية ، ولظاهر صحيحة عبد الله بن سنان ونحوها.

وفيه نظر إذ الآية غير صريحة في ذلك كما نقلنا الاحتمالات فيها ، والرواية معارضة بمثلها ، وطريق الجمع حملها على الاستحباب ، والظاهر أنّه أراد بالوجوب تأكّد الاستحباب فإنّه قد يطلقه عليه كثيرا.

ويؤيّده إنّه لم ينقل عنه وجوب التكبيرات الزائدة على تكبيرة الافتتاح بعد وجوب الرفع مع عدم وجوب التكبير.

ومن هنا قال الشهيد : كأنّه قائل بوجوب التكبير أيضا إذ لا معنى لوجوب الكيفيّة مع استحباب الأصل.

وقد يقال : وجوب ذلك بطريق الشرطيّة ممّا لا قصور فيه : أي إن كبّرت فارفع يديك إلّا أنّ حمل كلام السيّد ـ رحمه‌الله ـ عليه بعيد. فتأمّل.

__________________

(١) روى الحديث في جامع أحاديث الشيعة عن أمالي الشيخ وعن المجمع ، وأخرجه في الدر المنثور ج ٦ ص ٤٠٣ عن ابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سنة وكذا في فتح القدير ج ٥ ص ٤٩٠ ، وحكاه في كنز العرفان ج ١ ص ١٤٧ عن الثعلبي والواحدي وادعى الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٥٣٧ أنه من أحسن ما روى في تأويل الآية ثم تفاوت ألفاظ الحديث في المصادر المذكورة يسير.

٢١٣

وكيفيّة الرفع أن يبتدئ التكبير في ابتدائه وينتهى به عند انتهاء الرفع لظاهر رواية ابن سنان (١) قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٢) وقيل : يكبّر حال رفعهما ، وقيل : حال إرسالهما ، والأوّل أظهر إمّا ما رواه العامّة عن عليّ عليه‌السلام (٣) أنّ معناه : ضع يدك اليمنى على اليسرى حذاء النحر في الصلاة فممّا لا يصحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّ جميع عترته قد رووه عنه خلاف ذلك فهو افتراء عليه كما يعلم ذلك من الأخبار المتظافرة (٤).

الثالثة : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٥).

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمراد جميع المكلّفين كما

__________________

(١) في نسخ المخطوطة رواية عمار ولكن صححناه من الجامع والوسائل والتهذيب كما ترى.

(٢) انظر الجامع ج ٢ ص ٢٧٢ الرقم ٢٤٩٢ روى عن التهذيب عن ابن سنان رأيت أبا عبد الله يصلى يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح وهو في التهذيب ج ٢ ص ٦٦ الرقم ٢٣٦.

(٣) انظر الدر المنثور ج ٦ ص ٤٠٣ أخرجه عن ابن أبي شيبة في المصنف والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والدارقطنى في الافراد وأبى الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه وقال ابن التركمانى في الجوهر النقي : في سنده ومتنه اضطراب انظر ج ١ ص ١٢٥ وكذا ذيل السنن ج ٢ ص ٣٠ قلت : أما اضطراب السند فلكون حماد بن سلمة في طريقه وهو الراوي للمناكير مثل رؤية النبي (ص) ربه في صورة شاب أمرد انظر ميزان الاعتدال ج ١ ص ٥٩٠ الرقم ٢٢٥١ وكذا عاصم الجحدري له مناكير انظر الميزان ج ٢ ص ٣٥٤ الرقم ٤٠٥٧ وأما اضطراب اللفظ فلاختلاف ألفاظ الحديث في مصادره مع تشويش العبارة ففي سنن البيهقي إن عليا ـ رضى الله عنه ـ قال في هذه الآية (فصل لربك فانحر) قال : وضع يده اليمنى على وسط يده اليسرى ثم وضعهما على صدره انظر هل ترى معنى محصلا لهذه العبارة.

(٤) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٤١٤ والوسائل الباب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة ج ١ ص ٤٤٦ ط أمير بهادر ، ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٤٠٥.

(٥) النحل ٩٨.

٢١٤

يخاطب الرئيس ، والمراد جميع الرعيّة ، والمعنى إذا أردت قراءة القرآن.

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) فإن بعد القراءة لا تجب الاستعاذة ، والتعبير عن الإرادة بالفعل كثير في الكلام. تقول : إذا أفطرت فقل هذا الدعاء ، وإذا أكلت فسمّ ، وقد تقدّم الوجه في قوله (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) والاستعاذة طلب اللجإ استفعال من العوذ والعياذ وهو اللجإ.

(مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) المرجوم من السماء بالشهب الثاقبة أو المرجوم باللعنة ، والشيطان فيعال من شطنت الدار : أي بعدت أو فعلان من شاط يشيط إذا بطل ، والأوّل أولى قال في التبيان :

والاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع والتذلّل وتأويله استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قرائتك القرآن لتسلم في التلاوة من الزلل ، وفي التأويل من الخطل. ثمّ إنّ الآية مشتملة على الأمر بالاستعاذة عند التلاوة ، والأكثر على استحبابها بل قال الشيخ أبو جعفر في التبيان : إنّها مستحبّة غير واجبة بلا خلاف وفي مجمع البيان للطبرسي ـ رحمه‌الله ـ أنّها غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة ولعلّهما يريدان نفى الخلاف بين أصحابنا في عدم الوجوب ، وإلّا فبعض العامّة يذهب إلى وجوبها في كلّ قراءة في الصلاة وغيرها محتجّين بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واظب عليها ، وقال تعالى (فَاتَّبِعُوهُ) ، ولأنّ الأمر في (فَاسْتَعِذْ) للوجوب ، وإنّما تجب عند كلّ قراءة لأنّ ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدلّ على التعليل ، والحكم يتكرّر بتكرر العلّة ، وربّما ينقل هذا القول عن عطا ، وفيه بعد ، وقد نقل عن أبي علىّ ولد الشيخ الطوسي ـ رحمه‌الله ـ القول بوجوبها في أوّل ركعة قبل الحمد فقط. قال في الذكرى : وهو غريب لأنّ الأمر هنا للندب بالاتّفاق ، وقد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع هنا.

قلت : هو حمل الأمر على مقتضاه إذا لم يكن له معارض صريحا فيعمل عمله ولعلّه فهم أنّ الإجماع الّذي نقله والده لم يرديه حقيقته بل الشهرة كما وقع في غيره من المواضع ، ويؤيّده حسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا افتتحت الصلاة فارفع

٢١٥

يديك. إلى أن قال : ثمّ تعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ثمّ اقرأ فاتحة الكتاب. الحديث (١).

وقد يقال : ظاهر الآية الأمر بالاستعاذة في كلّ ركعة بل عند ابتداء القراءة مطلقا في الصلاة أو غيرها حتّى أنّه لو قطعها في الأثناء ثمّ أراد أن يقرأ فليستعذ. ثمّ يقرء لأنّ الحكم المترتّب على شرط يتكرّر بتكرّره ، كما ثبت في الأصول ، ولا قائل بالوجوب على هذا الوجه. فإنّ الشيخ أبا عليّ إنّما أوجبه في الركعة الأولى كما عرفت ، وهذا ممّا يقوى الظنّ بكون الأمر للندب إلّا أن يقال مقتضى الآية العموم وخصّ بعض الأفراد لمكان الإجماع فيبقى ما عداه وهو التعويذ أوّل ركعة واجبا.

وفيه نظر مع أنّ مقتضى هذا الاستحباب في كلّ ركعة.

وقد نقل العلّامة في المنتهى وجماعة من الأصحاب الإجماع على عدم استحبابها في باقي الركعات ، ولعلّهم يحكمون بأنّ مجموع الصلاة بمنزلة فعل واحد وقراءة واحدة عرض في أثنائها ذكر فتكفي الاستعاذة الواحدة في أوّل كلّ ركعة ، والآية لا تنافي ذلك لعدم ظهور العموم فيها ، وفيه نظر.

وقد يقال : لو سلّم عموم الآية فهو مخصوص بأوّل ركعة للإجماع على الاستحباب ههنا فقط فيخرج غيرها قال البيضاوي (٢) إنّها دليل على أنّ المصلّى يستعيذ في كلّ ركعة لأنّ الحكم المترتّب علي شرط يتكرّر قياسا.

قلت : الشافعي يذهب إلى التعوّذ في كلّ ركعة ، ويستدلّ بظاهر الآية كما ذكره البيضاوي ، ولا يخفى أنّه لو تمّ ما ذكره لم يكن قياسا بل عموما عرفيا مستفادا من النصّ كما في (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) لكنّه غير تامّ لمّا عرفت.

ويؤيّده ما رواه الجمهور عن أبي هريرة (٣) قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا نهض

__________________

(١) انظر الجامع ج ٢ ص ٢٦٨ الرقم ٢٤٧٢ عن الكافي والتهذيب.

(٢) انظر تفسير البيضاوي ص ٣٦٦ ط المطبعة العثمانية سنة ١٣٠٥.

(٣) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٧٩ أخرجه عن مسلم ، وقال الشوكانى في شرحه إنه أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وأبو داود ، واستدل الشوكانى به على عدم مشروعية ـ

٢١٦

من الركعة استفتح بقراءة الحمد رواه مسلم ، وممّا يرجّح الاستحباب مطلقا رواية فرات ابن أحنف عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : مفتاح كلّ كتاب أنزل من الله بسم الله الرحمن الرحيم فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي ألّا تستعيذ (١). الحديث ، وكون التخصيص خلاف الأصل ، وبعد وجوب الاستعاذة بمجرد إرادة القراءة المندوبة فإنّ له أن يرجع عنها فكيف تجب الاستعاذة لها ، وأصالة عدم الوجوب وعدم نقلها في تعليم الصلاة ، ولعلّ كلام الشيخ أبي على محمول على تأكّد الاستحباب. فتأمّل ، والاحتياط هنا ممّا لا ينبغي تركه هذا.

وقد اختلف في كيفيّة الاستعاذة. فقيل : هو أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وعلى ذلك جماعة من القرّاء مثل ابن كثير وعاصم وأبو عمرو ، وهو قول أبي ـ حنيفة والشافعي لأنّه لفظ القرآن المجيد ، وقال نافع وابن عامر والكسائي : يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ، وقال أبو حاتم وجماعة : يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ونقل ذلك الشيخ أيضا لقوله : فاستعذ بالله إنّه هو السميع العليم ، ولا يبعد ترجّح الأوّل لظاهر الآية. ولظاهر حسنة الحلبي ، ولما رواه العامّة عن ابن مسعود قال : قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقلت : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هكذا اقرأ فيه جبرائيل عن القلم عن اللوح المحفوظ (٢).

__________________

ـ التعوذ في غير الركعة الأولى. ولفظ المنتفى قال رسول الله إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القرائة بالحمدلله رب العالمين ولم يسكت.

(١) انظر الجامع ج ٢ ص ٢٧٧ الرقم ٢٥٤٩ واللفظ فيه أول كل كتاب إلخ ، وهو في المرآة ج ٣ ص ١٢٤ وقال العلامة المجلسي في شرح قوله : أول كل كتاب إنه ينافي بعض الروايات الدالة على أنه لم يعطها الله غير نبينا وسليمان.

(٢) انظر الكشاف ج ٢ ص ٢١٧ وكذا البيضاوي ص ٣٦٦ ط المطبعة العثمانية.

٢١٧

(النوع السابع)

(في آيات متعددة تتعلق بذلك)

منها : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (١).

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) أصله المتزمّل من تزمّل بثيابه إذا تلفّف بها أدغم التاء في الزاء وجلبت الهمزة للابتداء سمّى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تهجينا لما كان عليه لأنّه كان نائما أو مرتعدا ممّا دهشة ابتداء الوحي متزمّلا بقطيفة أو تحسينا له. فإنّه روي أنّه كان يصلّى متلفّفا ببقيّة مرطه أو تشبيها له في تثاقله بالمزمل لأنّه لم يكن قد يمرّن بعد في قيام الليل أو من تزمّل الزمل إذا تحمّل الحمل أي الّذي يحمل أعباء النبوّة أعنى أثقالها ويناسبه التكليف بعده بقيام الليل.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) أي قم إلى الصلاة في الليل وإنّ القيام بالليل كناية عن الصلاة فيه ، وفي التبيان أنّه عبارة عن الصلاة بالليل ، وهو قريب ، والاستثناء هنا من الليل أو نصفه بدل من قليل كأنّه خيّره بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه ، وبين قيام الزائد عليه ووصف النصف بالقلّة بالنسبة إلى الكلّ ومعناه قم إلى الصلاة مقدار نصف الليل أو أقلّ منه أو أزيد منه.

ويؤيّد ذلك ما نقله في مجمع البيان عن الصادق عليه‌السلام قال : القليل النصف أو

__________________

(١) المزمل ١ إلى ٨.

٢١٨

انقص من القليل قليلا أو زد على القليل قليلا (١) ، ويحتمل أن يكون نصفه بدلا من الليل ، وإلّا قليلا استثناء من النصف كأنّه قال : قم أقلّ من نصف الليل ، والضمير في منه وعليه للنصف. والمعنى التخيير بين أمرين : أن يقوم أقلّ من نصف الليل على البتّ وأن يختار أحد الأمرين : وهما النقصان من النصف والزيادة عليه.

وفيه أنّه على هذا يلغوا وانقص منه لأنّ التخيير في الحقيقة بين الأقلّ من النصف والزيادة عليه.

وأجيب بأنّه قيل : أو انقص لمناسبة أو زد ، ولأنّه قد يحسن الترديد بين الشيء على البتّ وبين غيره على التخيير ، ولا يخفى ما فيه لأنّه تكلّف بعيد عن فصاحة القرآن فتأمّل فيه. قال في الكشّاف : وإن شئت قلت : لمّا كان معنى قم الليل إلّا قليلا نصفه إذا أبدلت النصف من الليل. قم أقلّ من نصف الليل رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقلّ من النصف فكأنّه قيل : قم أقلّ من نصف الليل أو قم أنقص من ذلك الأقلّ أو أزيد منه قليلا. فتكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث ، وفيه أنّه على هذا لا يكون النصف من أفراد المخيّر فيه بل يكون المخيّر فيه الأفراد المتجاوزة عن النصف ، ولا يخفى ما فيه.

وربّما قيل : إنّ نصفه بدل من الليل ، والمراد إلّا قليلا من الليالي وهو ليالي العذر والمرض فإنّه غير مكلّف فيها بالقيام لمكان العذر.

وفيه نظر لما في آخر السورة عند قوله (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ) الآية وسيجيء. فكيف كان ففي الآية دلالة على وجوب صلاة الليل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) كما في قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) أي يجب التهجّد وهو الصلاة بالليل

__________________

(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٣٧٧.

(٢) انظر خصائص النبي (ص) بأقسامها في التذكرة أول كتاب النكاح المقدمة الرابعة ومن كتب أهل السنة تهذيب الأسماء واللغات للنووي ج ١ من ص ٣٧ إلى ص ٤٤ ثم إنه أتحفنا الأستاذ مرتضى المدرسى (الچهاردهى) ـ دام ظله ـ بنسخة مخطوطة من حاشية لملا محمد ابن عبد الفتاح التنكابنى المعروف بسراب على ـ تغمده الله بغفرانه ـ على زبدة البيان ، وله في ـ

٢١٩

زيادة على باقي الصلوات مخصوصة بك دون أمّتك على ما قيل. وقيل : إنّ هذا الكلام كان مستحبّا بدليل التخيير.

ويؤيّده اقتران الأمر بالترتيل وهو مستحبّ قطعا ، وقيل : كان القيام فرضا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه وإن كان الخطاب له وحدة قبل وجوب الصلوات الخمس ثمّ نسخ بالصلوات الخمس ، وعن عائشة أنّ الله فرض قيام الليل في أوّل هذه السورة فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه حولا خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتّى أنزل في آخر السورة التخفيف. فصار قيام الليل تطوّعا بعد أن كان فريضة (١) قال الطبرسي في مجمع البيان وليس في ظاهر الآية ما يقتضي النسخ فالأولى أن يكون الكلام على ظاهره فيكون القيام بالليل سنّة مؤكّدة مرغبا فيه ، وليس بفرض ، وقريب منه ما

__________________

ـ هذا البحث بيان يعجبنا نقله هنا بعين عبارته قال.

قوله : فيمكن الاستدلال بهذه الايات على وجوب صلاة الليل. إلخ : أما الاستدلال على وجوبها على النبي (ص) فبقوله تعالى (قُمِ اللَّيْلَ) لظهور الأمر في الوجوب ولا يظهر وجوبها على الأمة بظاهر هذه الآية لكون الخطاب مخصوصا ظاهرا به صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا دليل على اندراجهم في هذا الطلب لعدم ظهور كون الخطاب عاما بحسب المعنى ، وقوله تعالى (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) لا يدل على اندراجهم في الخطاب بل الظاهر تبرعهم بعبادة أمر رسول الله (ص) بها فناسبهم به (ص) في أصل الفعل ، وفي قدر الوقت المقدر له لا في جهته من الوجوب ، وأما الاستدلال على استحبابها على الآية فبقوله تعالى (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) لانه لا شك في دلالته على رجحان فعلهم ، والاعذار المذكورة بعد انضمام الطائفة بصبغ الجمع من لن تحصوه وما بعده تدل على تخفيف الزمان لا عن الأصل فمن كان الأصل بالنسبة إليه واجبا خفف في الوقت مع بقاء الوجوب ، ومن كان بالنسبة إليه استحبابا فكذلك فظهر بما ذكرته أنه لا إشعار في الآية على وجوبها على الأمة حتى يحتاج إلى ذكر احتمال النسخ بالنسبة إليهم ، وإن ظاهر سياق الآية هو تخفيف الاستحباب ، انتهى كلامه ـ رفع مقامه ـ

(١) انظر المجمع ج ٥ ص ٣٧٧ وانظر أيضا فتح القدير وفيه أنه أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام ، وفيه بعد نقل الحديث ، وقد روى هذا الحديث عنها من طرق.

٢٢٠