مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

فإنّ من يقول : بمراعاة الجهة لا يذهب إلى أنّ الجهة هي المسجد الحرام ، ومن يقول : بمراعاة العين يجعل المتوجّه إلى عين مسجد الحرام متوجّها إلى عين الكعبة كالدوائر حول نقطة متّسعة كلّما بعدت عنها مع أنّها لا تخرج عن المحاذاة للعين.

قلت : لعلّ مراد صاحب الكشّاف أنّ التعبير بالمسجد الحرام دون الكعبة مع أنّ ما يجب أن يستقبل هو الكعبة وأنّها هي المقصودة بالتوجّه فيه دلالة ظاهرة على أنّ الواجب مراعاة الجهة لما فيه من التوسعة ، إذ لو كان هو العين لكان المناسب ذكر الكعبة الّتي هي القبلة ، وحاصل ما ذكر صاحب الكشّاف أنّ التوجّه إلى عين المسجد توجّه إلى عين الكعبة لإحاطة المسجد بها كالدائرة المحيطة بالمركز فإنّها لا تخرج عن المحاذاة وإن كبرت وعظمت جدّا.

وفيه نظر فإنّه ربّما يتوجّه إلى طرف من المسجد لا يحاذي عين الكعبة.

وهو ظاهر بل الدائرة المحيطة بالشيء ربّما يتوجّه إليها بحيث يقع الخطّ الخارج من البصر على المحيط ولا يقع على المحاط على أنّ ما ذكره من أنّ المحاذاة للشيء مع البعد لا يخرج عن محاذاة عينه كلام ظاهريّ لا تحقيقيّ. والتحقيق أنّ المحاذاة للجرم الصغير إذا كان المحاذي زائدا عن مقداره لا يكون إلى عينه ، وإن أوهم ذلك كما في محاذاة القوم للجرم الصغير عن مقدارهم. فإنّا لو فرضنا خطوطا خارجة عن مواقفهم على التوازى فإنّها لا تلتقي أبدا وإن خرجت إلى غير النهاية وحينئذ فالواقع على الجرم المقابل منها مقدار وسعه من القوم لا الجميع وإلّا لزم خروج الخطوط عن التوازي. هذا خلف وتمثيله بالدوائر المتّسعة لا ينطبق هنا بالنسبة إلى الجهة الواحدة. فتأمّل.

وممّا ذكرنا يلزم على اعتبار العين بطلان صلاة [أهل الإقليم الواحد الّذي يخرج بعضه عن عين الكعبة ، وسيجيء بيان أنّه على اعتبار الجهة لا يلزم ذلك بل مع اعتبار الجهة وإيجاب الاستقبال إليها خ ل] بعض الصفّ المستطيل جدّا على الاستقامة بخلاف اعتبار الجهة فإنّ المراد بها أن يصل الخطّ الخارج من جنبي المصلّي إلى الخطّ المارّ بالكعبة على استقامته بحيث يحصل قائمتان [زاويتان خ ل] وهذا حاصل بالنسبة إلى ذلك الصفّ ، وبالجملة بعد اعتبار الجهة وإيجاب الاستقبال إليها يتمّ المطلوب سواء

١٦١

أريد من المسجد الحرام الحرم نفسه تعبيرا عن الشيء بأشرف أجزائه أو البيت فيتمّ ما ذهب إليه أكثر أصحابنا من أنّ الواجب على البعيد استقبال الجهة كما هو الظاهر من الشطر.

ويؤيّده النصوص الواردة في علامة قبلة أهل العراق للبعيد لدلالتها على ذلك لظهور اتّباع خطّة الإقليم عن سعة الحرم ، وعلى هذا فلا يرد الإشكال في صحّة صلاة الصفّ المستطيل الّذي يخرج عن عين الكعبة أو عين الحرم.

وقال الشيخ وجماعة من الأصحاب : إنّ الكعبة قبلة من في المسجد ، والمسجد قبلة من في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه (١) حتّى أنّ الشيخ ادّعى عليه الإجماع ، ويدلّ عليه بعض الأخبار عن الصادق عليه‌السلام ، ونقله في التبيان عن ابن عبّاس ثمّ قال : وهو موافق لما قاله أصحابنا : إنّ الحرم قبلة من نائى عن الحرم من أهل الآفاق. انتهى ولعلّ نسبته إلى أصحابنا نظرا إلى دعوى الشيخ الإجماع عليه.

وفيه نظر فإنّ الإجماع لا يتحقّق مع مخالفة جماعة من أعيان العلماء كالمرتضى وابن الجنيد وغيرهما من المتقدّمين ، والروايات ضعيفة ، وفي بعضها إرسال مع أنّ الحكم بأنّ الحرم نفسه قبلة من خرج عنه يوجب بطلان صلاة بعض أهل الإقليم إلى جهة واحدة لظهور اتّساع خطّة الإقليم عن سعة الحرم ظهورا واضحا لما لا يعتريه شبهة وكيف يصحّ صلاة أهل الإقليم الواحد كالعراق بعلامة واحدة إلّا أن يأوّل بجهة الحرم كما قاله بعض الأصحاب ، ولا بأس بإيراد معنى الجهة الّتي يجب على البعيد الاستقبال إليها فنقول :

وقد اختلفت عبارات الأصحاب في تحقيق معنى الجهة الّتي هي قبلة البعيد اختلافا معنويّا مع اتّفاقهم على أنّ المكلّف متي عمل بالعلامات المقرّرة فيما بينهم فإنّه يكون مستقبلا إليها لأنّ هذا العمل لا يكفي في بيان حقيقتها فقال العلّامة في التذكرة : جهة الكعبة هي ما يظنّ أنّه الكعبة حتّى لو ظنّ خروجه عنها لم يصحّ ، وهذا التفسير مع

__________________

(١) انظر في ذلك تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ٨٦ و ٨٧.

١٦٢

فساد عبارته. إذ لا يشترط في صحّة صلاة البعيد ظنّ محاذاة الكعبة كما هو قول من يجعل القبلة عين الكعبة يستلزم بطلان بعض الصفّ المستطيل الّذي يزيد طوله على مقدار بعد الكعبة للقطع بخروج بعضه عنها فضلا عن ظنّ كلّ واحد أنّه مستقبل الكعبة.

فإن قيل : القطع بخروج بعضه متعلّق بالمجموع على الإشاعة لا على التعيين فلا ينافيه ظنّ كلّ واحد على التعيين أنّه مستقبل الكعبة.

قلنا : الظنّ لا بدّ من استناده إلى أمارة معتبرة بحيث يجوز الركون إليها شرعا وهذا القطع ينافيه على أنّ العلامات المنصوبة من الشارع للقبلة يوجب امتثالها صحّة الصلاة ، وإن لم يخطر بالبال ظنّ كون ذلك إلى نفس الكعبة. وحينئذ فإن كان امتثالها غير كاف لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإن كان كافيا لم يكن ظنّ ذلك معتبرا والظاهر أنّ مراد العلّامة أنّ الجهة هي ما يظنّ اشتمالها على الكعبة : أى الامتداد العرضي في جانبي الأفق لا الطولى كما سنبيّنه.

وقال المحقّق في المعتبر : نعني بالجهة السمت الّذي فيه الكعبة لا نفس التنبيه وذلك متّسع يمكن أن يوازي كلّ مصلّى ، وهو أجود ممّا سبق إلّا أنّه غير تامّ لأنّه إن أراد السمت بالمعنى اللغويّ ورد الصفّ المستطيل وصلاة أهل الإقليم الواحد بعلامة واحدة ، وإن أراد المعنى الاصطلاحي : أي خطّ يخرج من وجه المصلّى إلى الكعبة أو نقطة من دائرة الأفق إذا واجهها الإنسان كان مواجها للكعبة فظاهر أنّ مثل ذلك أمر ضيق يتوقّف على مقدّمات دقيقة لا يكلّف بها كلّ أحد والنصوص دالّة على ما هو أوسع من ذلك.

أقول : الظاهر أنّ مراده بالسمت فيه هو الامتداد العرضي في جانبي الأفق لا الطولى الّذي يمتدّ من المستقبل في الصوب الّذي يستقبله ، وأراد بكون الكعبة فيه اشتماله على الكعبة وفي الذكرى المراد بالجهة السمت الّذي يظنّ كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قاله بعض العامّة : إنّ الجنوب قبلة لأهل الشام ، وبالعكس ، والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس لأنّا نتيقّن الخروج هنا عن القبلة وهو قريب من تعريف المحقّق غير أنّه اكتفى بظنّ كون الكعبة في السمت ، والّذي يظهر من كلامه في الردّ على المخالف أنّ

١٦٣

المراد بالسمت جهة مخصوصة أضيق من الجهات الأربع بحيث يظنّ كون الكعبة فيها لا السمت بمعنيه ، ومعنى كون الكعبة في تلك الجهة اشتمال الجهة عليها ، وإن كانت أوسع منها بكثير بحيث لا يقطع في جزء من الجهة المذكورة بخروج الكعبة عنه على القطع ، وهذا أجود التعريفات.

وقال بعضهم : جهة الكعبة الّتي هي القبلة للنائي هي خطّ مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين ويمرّ بسطح الكعبة فالمصلّي حينئذ يفرض من نظره خطّا يخرج إلى ذلك الخطّ فإنّه إذا وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال ، وإن كان على حادّة ومنفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب ، وهو مخصوص بجهة العراقيّ ، وتبعه الشيخ علىّ ـ رحمه‌الله ـ إلّا أنّه أتى بتعريف يشتمل جميع البلاد ، فقال المراد بالجهة ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خطّ مستقيم عن موقف المستقبل تلقاء وجهه وقع على خطّ جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان.

فلو وقع الخطّ الخارج من موقف المصلّى عليه لا بالاستقامة بحيث يكون إحدى الزاويتين حادّة ، والأخرى منفرجة لم يكن مستقبلا بجهة الكعبة ، ولا يخفى ما فيها من الفساد لاستلزامهما بطلان الصلاة بالتفاوت اليسير بخروجه عن القبلة على ذلك التقدير ، وعلى كلّ حال فالّذي يظهر أنّ أمر القبلة أوسع من ذلك (١) ، ويؤيّده النصوص الواردة في

__________________

(١) قال في شرح القواعد : الذي ما زال يختلج بخاطري أن جهة القبلة التي هي شأن البعيد أن يجوز على كل بعض من أن يكون هو الكعبة بحيث يقطع بعدم خروجها من مجموعه وقريب منه تعريف شيخنا الزينى ـ رحمه‌الله ـ في شرح الشرائع الا أنه أضاف إليه لامارة يجوز التعويل عليها شرعا ، واحترز به عن فاقد الامارات كالمتحيز الذي يصلى إلى أربع جهات فإنه يجوز على كل واحد منها كون الكعبة فيه ، ويقطع بعدم خروجها عنه لكن لا لامارة فلا يدخل مثله في التعريف ولعل اشتراط التجويز على كل بعض من ذلك المقدار للاحتراز عن بعض الأجزاء الذي يقطع أو يظن بخروج الكعبة عنه ، وتوضيحه : أن الامتداد العرضي المشتمل على الكعبة قد يكون أوسع منه من جهة القبلة فإنا لو فرضنا امتدادا معترضا في جانبي الأفق زائدا ـ

١٦٤

القبلة كرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال : سألته عن القبلة قال : ضع الجدي على قفاك وصلّ (١) ورواية ابن بابويه (٢) قال رجل للصادق عليه‌السلام : أكون في السفر ولا اهتدى إلى

__________________

ـ عن خط الإقليم فما ساوى الإقليم منه فهو جهة القبلة وما خرج عنه من الجانبين لا يكون جهة القبلة فيصدق على مجموع هذا الامتداد أنه يقطع بعدم خروج الكعبة عن مجموعه من أن مجموعه ليس جهة القبلة لعدم التجويز على الخارج من جانبيه ان الكعبة فيه ، وبما ذكرنا تظهر الفائدة فيما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى أن الجنوب ليس قبلة لأهل الشمال لان مجموع جهة الجنوب زائد عن خط الإقليم فلا يكون مجموعه سمت القبلة.

إذا عرفت هذا فنقول : إن اعتبرنا مجموع هذا الامتداد فلا بد في الخط الخارج من جنبي المصلى أن يكون قائما عليه إذ لو لم يكن قائما لكان خارجا عن جهة الكعبة بالنسبة إلى ذلك الإقليم فيكون واقعا فيما بين المشرق والمغرب أو نفس المشرق والمغرب أو غيرهما ومن هنا اعتبر قيام الزاوية من جعل جهة الكعبة الخط الخارج من المشرق إلى المغرب كما عرفت ، وإن اعتبرنا من هذا الامتداد ما يساوى خط الإقليم فلا شك ان الخط الخارج من جنبي المصلي إذا وقع عليه كان الاستقبال حاصلا له سواء كانت الزاوية قائمة أولا لبقاء تجويز ذلك البعض أن الكعبة فيه وهذه جملة نافعة ، ولبسط الكلام محل آخر منه.

(١) انظر التهذيب ج ٢ ص ٤٥ الرقم ١٤٣.

(٢) انظر الفقيه ج ١ ص ١٨٠ الرقم ٨٦٠ وكلا الحديثين في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ١٩٥ وفي الوسائل الباب ٥ من أبواب القبلة ص ٢٥٦ ط أمير بهادر وفي تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٥٦ حديثان آخران في تفسير (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) بالرقم ١٢ و ١٣ نقلهما في المستدرك ج ١ ص ١٩٩ والبرهان ج ٢ ص ٣٦٢ وليسا في النسخة المطبوعة من الوسائل إلا أن في جامع أحاديث الشيعة أنهما موجودان في الوسائل المصحح قال آية الله الحكيم ـ مد ظله ـ في ص ١٤٥ من ج ٥ من المستمسك في الجدي : بفتح الجيم وسكون الدال المهملة كما ضبطه جماعة منهم الحلي في السرائر وحكاه عن إمام اللغة ببغداد ابن العطار واستشهد له بقول مهلهل :

كان الجدي جدي بنات نعش

يكب على اليدين فيستدير

وعن المغرب أن المنجمين يصغرونه فرقا بينه وبين البرج ، وفي القاموس أن الجدي بمعنى البرج لا تعرفه العرب ، وعليه يكون مختصا بالكوكب عندهم انتهى ما في المستمسك.

١٦٥

القبلة بالليل ، فقال : أتعرف الكوكب الّذي يقال له جدي؟ قلت : نعم فقال : اجعله على يمينك ، وإذا كنت في طريق الحجّ فاجعله بين كتفيك ، ولا يخفى أنّ التوسعة ظاهرة منهما ، ويؤيّده أيضا بعض الأخبار الصحيحة عنهم عليهم‌السلام من قولهم بين المشرق والمغرب قبلة (١) وقوله تعالى (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢) ولا يمكن أن يقال : إنّ ترك البيان في ذلك اعتمادا على أهل الهيئة فإنّ مثل ذلك غير معهود من الشارع في شيء من الأحكام.

واعلم أنّ الاستقبال يتوقّف على مستقبل اليه ومستقبل هو القبلة ولا بدّ من حالة يقع فيها الاستقبال. فالأركان ثلاثة لا بأس ببيانها على الإجمال :

الأوّل : الحالة الّتي يقع فيها الاستقبال وهي الصلاة والذبح وأحكام الميّت للإجماع على أنّ الاستقبال فيما عدا الأمور المذكورة غير واجب وإن كان طاعة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير المجالس ما استقبل به القبلة.

والصلاة إمّا فريضة ويتعيّن فيها الاستقبال إلّا في حالة الخوف أو التحيّر أو نافلة والمشهور عدم وجوب الاستقبال فيها ، وقيل : بالوجوب إلّا في الخوف أو السفر راكبا أو ماشيا متوجّها إلى طريقه.

الثاني : القبلة فالمصلّي إن وقف في جوف الكعبة وهي على هيئتها مبنيّة استقبل أىّ جدرانها شاء ، ولو انهدمت أو صلّى على سطحها وجب أن يبرز منها شيئا يتحقّق الاستقبال إليه ، وإن وقف خارجها وصلّى إليها جاز لأنّ المتوجّه إلى هذا البيت متوجّه نحو المسجد الحرام كمن صلّا على جبل أبى قبيس والكعبة تحته ، وإن كان المصلّي خارج الكعبة فإن كان حاضرا في المسجد الحرام وجب عليه لا محالة استقبال

__________________

(١) انظر الوسائل الباب ١٠ من أبواب القبلة وخلال سائر أبواب القبلة ، وجامع أحاديث الشيعة الباب ٨ من أبواب القبلة وخلال سائر أبوابها ، ومن طرق أهل السنة سنن البيهقي ج ٢ ص ٩ وخلال سائر الصفحات.

(٢) البقرة ١١٨.

١٦٦

عين الكعبة بكلّ بدنه لأنّه قادر عليه ولو صلّوا جماعة وقفوا خلف الإمام مستديرين حول البيت ، ولو كان بعيدا عن المسجد الحرام فالمعتبر فيه جهة الكعبة على ما عرفت.

الثالث : المستقبل إذا قدر على التعيين بالمعاينة أو بأمارات أخر فلا يجتهد وإن لم يقدر فإن وجد من يخبره عن علم ولو كان المخبر ممّن يعتدّ بقوله رجع إلى قوله ، ولم يجتهد لأنّ مفاد الاجتهاد الظنّ وهو أدنى من العلم ، وإلّا اجتهد ، ومع العجز عن الاجتهاد يقلّد العدل العارف كالعاميّ في الأحكام ، وإلّا صلّي إلى أربع جهات أو جهة متحريّا ظنّه على الخلاف ، وتفصيل جميع ذلك في كتب الفروع.

(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) قيل : أراد بهم علماء اليهود وقيل : علماء اليهود والنصارى ، وهذا أظهر لعموم اللفظ وشمول الكتاب التورية والإنجيل ، ولكن يجب أن يكونوا أقلّ من عدد التواتر ليصحّ عنهم الكتمان كذا قيل ، وفيه نظر.

(لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي يعلمون أنّ تحويل القبلة إلى الكعبة حقّ مأمور به من ربّهم وإنّما علموا ذلك لأنّهم كانوا عالمين بأنّ كلّ نبيّ له شريعة وله قبلة ولأنّه كان في بشارة الأنبياء لهم أنّه يكون نبيّا من صفاته أنّه يصلّى إلى القبلتين ، ولم يعترفوا بذلك لكثرة عنادهم وعدم انقيادهم إلى الحقّ.

(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) وعد ووعيد للفريقين ، وهذه الآية ناسخة لفرض التوجّه إلى بيت المقدس قال ابن عبّاس : أوّل ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة ، وقال قتادة : نسخت هذه الآية ما قبلها ، وقال جعفر بن مبشّر : هذا ما نسخ من السنّة بالقرآن وهذا هو الأقوى لأنّه ليس في القرآن ما يدلّ على التعبّد بالتوجّه إلى بيت المقدس.

وقيل : إنّها ناسخة لقوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وسيجيء (١).

وقد اختلف الناس في صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدس فقال قوم : إنّه كان

__________________

(١) ولاية الله الخويي ـ مد ظله ـ بيان متين في ذلك في ص ١٩٩ و ٢٠٠ من البيان فراجع.

١٦٧

يصلّى بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر إلى المدينة أمره الله تعالى أن يصلّى إلى بيت المقدس ثمّ أعيد إلى الكعبة ، وقال قوم : كان يصلّى بمكّة إلى بيت المقدس إلّا أنّه كان يجعل الكعبة بينه وبينها ، ولا يصلّى إلى غير المكان الّذي يمكن هذا فيه ، وقال قوم : بل كان يصلّى بمكّة وبعد قدومه المدينة إلى بيت المقدس ، ولم يكن عليه أن يجعل الكعبة بينه وبينها. ثمّ أمره الله بالتوجّه إلى الكعبة ، وهل كانت صلوته قبل ذلك إلى بيت المقدس على الوجوب؟ قيل نعم ، وقيل : كان له أن يتوجّه حيث شاء ولكن اختار التوجّه إلى بيت المقدس ، وسيجيء.

الثانية : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يريد بهما ناحيتي الأرض فإنّ الأرض منقسمة إلى المشرق ، أي النصف الّذي فيه محلّ طلوع الشمس وإلى المغرب : أي النصف الّذي فيه محلّ غروبها. فله الأرض كلّها لا يختصّ به مكان دون مكان.

(فَأَيْنَما تُوَلُّوا) فعل شرط حذفت نونه بالجزم وأين للمكان وما زائدة ، والمعنى في أيّ مكان فعلتم التولية بمعنى تولية وجوهكم شطر المسجد الحرام بدليل قوله (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) كما تقدّم.

(فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي جهته الّتي أمر بها فإنّ إمكان التولية لا يختصّ بمسجد أو بمكان والمراد : أنّكم إذا منعتم أن تصلّوا في المسجد الحرام أو بيت المقدس كما فهم ذلك من الآية السابقة على هذه وهي قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ) الآية فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلّوا في أيّ بقعة ، وأيّ جزء منها أردتم فإنّ الكلّ لله ، والتوجّه إلى شطر المسجد الحرام غير مخصوص بمكان دون مكان بل هو ممكن في كلّ مكان ، وبذلك يندفع وهم من يتوهّم عدم إمكان التوجّه إلى جهة واحدة من جميع الأمكنة كذا في الكشّاف ، و

__________________

(١) البقرة ١١٥.

١٦٨

لم يتعرّض الشيخ في التبيان لحكاية المنع في الآية السابقة بل نقل عن الجبائي أنّه ردّ على اليهود حيث أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة ، وقال : ليس هو تعالى في جهة دون جهة كما يقوله المشبّهة ، ثمّ قوّى هذا القول فعلى هذا لا تكون الآية منسوخة ولا مخصوصة بحال الضرورة ، ولا بالنوافل مطلقا أو حال السفر.

وقيل : إنّها منسوخة لأنّ المسلمين كان لهم التوجّه حيث شاؤوا في صلوتهم وتوجّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدس كان باختياره وإلّا فكان له أن يتوجّه حيث شاء كما قاله الشيخ في التبيان ، وفي ذلك نزلت الآية ، ثمّ نسخ بقوله : وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره.

وقيل : إنّها مخصوصة بالنوافل إذا صلّيت على الراحلة فإنّها تصلّي حيث ما توجّهت حال السفر.

وأمّا الفرائض فلا تصلّى إلّا إلى القبلة لقوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) قال في التبيان : وهذا هو المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام (١) وقالوا : صلّى رسول الله : إيماء على راحلته أينما توجّهت الراحلة به حيث خرج إلى خيبر وحين رجع إلى مكّة وجعل الكعبة إلى ظهره.

وقيل : إنّها مخصوصة بحال الحيرة والضرورة روي جابر أنّه قال : بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية كنت فيها وأصابتنا ظلمة. فلم نعرف القبلة. فقال : طائفة منّا ، قد عرفنا القبلة هي هنا قبل الشمال فصلّوا وخطّوا خطوطا ، وقال بعضنا : القبلة هي هنا قبل الجنوب فخطّوا خطوطا ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس تبيّن خطاءهم فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسكت فأنزل الله هذه الآية (٢) وعلى هذا فالمفهوم منها أنّه لا يجب حال الحيرة

__________________

(١) انظر البرهان ج ١ ص ١٤٦ ومثله في طرق أهل السنة انظر سنن البيهقي ج ٢ ص ٤.

(٢) انظر الدر المنثور ج ١ ص ١٠٩ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ١٥٨ وفتح القدير ج ١ ص ١١٣ وسنن البيهقي ج ٢ ص ١٠ وانظر أيضا المجمع ج ١ ص ١٩١ وقلائد الدرر ج ١ ص ١٢٢.

١٦٩

أكثر من الصلاة الواحدة إلى جانب واحد ، وإن لم يكن عن علامة شرعيّة فقول بعضهم بالأربع جهات على ذلك التقدير بعيد مع قصور ما يدلّ عليه (١) وورود الرواية الصحيحة بخلافه (٢).

(إِنَّ اللهَ واسِعٌ) بإحاطته بالأشياء أو واسع الرحمة ويريد التوسّع على عباده والتيسير عليهم.

(عَلِيمٌ) بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن ، وقد زعمت المجسّمة من الآية أنّ الله

__________________

(١) فان حديث الصلاة إلى الأربع رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٥ بالرقم ١٤٤ و ١٤٥ وفي الاستبصار ج ١ ص ٢٩٥ بالرقم ١٠٨٥ و ١٠٨٦ وتراه في الوسائل الباب ٨ من أبواب القبلة ، وفي جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ١٩٤ الرقم ١٨٠٤ وفي طريق الحديث إسماعيل بن عباد عن خراش عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله وليس لخراش ذكر في كتب رجال الشيعة وخراش في كتب رجال السنة ممن يمكن كونه قريبا من زمان الامام الصادق (ع) أيضا مطعون أشد الطعن انظر ميزان الاعتدال ج ١ ص ٦٥١ وإسماعيل بن عباد هذا أيضا مجهول فسند الحديث سلسلة المجاهيل فكيف يصح الاستناد به.

(٢) انظر تنقيح البحث في ص ١٤٣ إلى ١٤٥ ج ٥ من المستمسك لاية الله الحكيم ـ مد ظله ـ وعلى أى فالحق ما اختاره المصنف من الاكتفاء بالواحدة ، ومع التنزل يقوى عندي القول بالقرعة كما نقل عن السيد بن طاوس في أمان الاخطار : وقد بسطنا الكلام في موارد القرعة في تعليقاتنا على كنز العرفان من ص ٢٠ إلى ٢٩ ج ٢ وإن موردها ما هو مجهول واقعا وظاهرا. وحكم المسألة كذلك. فانا وإن كنا نقول بالتخيير في الاخبار المتعارضة في سالف الزمان إلا أنا رجعنا عنه إلى القول بالتساقط ، وعليه نقول مع فرض تكافؤ أخبار الأربع مع أخبار الاكتفاء بالواحدة ، ومع فرض عدم وجوب مآت من الصلاة إلى الجهات المختلفة تخلصا من العلم الإجمالي يكون حكم المسألة مجهولا ، ومشتبها من جميع الجهات ، ويكون أتم مصداقا للحكم بالقرعة إلا أن الشأن في تكافؤ الأخبار فإن أخبار الاكتفاء بالواحدة للمتحير مترجحة ومع ذلك فالعمل بالقرعة أحوط ، وأحوط منه العمل بها مع الإتيان بأربع صلوات كما نقل عن كشف اللثام.

١٧٠

تعالى وجها وأيضا سمّاه نفسه واسعا والسعة من أوصاف الأجسام ، ويردّه أنّ الآية عليهم لا لهم فإنّ الوجه لو حمل على مفهومه اللغوي لزم خلاف المعقول إذ لا يمكن محاذاته للشرقى والغربي معا فإنّه إن كان محاذيا للشرقى استحال أن يكون محاذيا للغربي فلا بدّ من تأويل وهو أنّ الإضافة للتشريف مثل بيت الله وناقة الله لأنّه خلقهما فأيّ وجه من وجوه العالم وجهاته المضافة إليه بالخلق والتكوين نصبه وعيّنه فهو قبلة ، والمراد بالوجه القصد والنيّة مثل (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أو المراد فثمّ مرضات الله مثل (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وكيف يكون له وجه أو جهة أم كيف يكون جسما أو جسمانيّا وهو خالق الأمكنة والأحياز ، والجواهر ، والأعراض ، والخالق مقدّم على المخلوق تقدّما بالذات والعلّة ، والمراد بالسعة كمال الاستيلاء والقدرة والملك وكثرة العطاء والرحمة والإنعام ، وأنّه تعالى قادر على الإطلاق في توفية ثواب من يقوم بالمأمورات علي شرطها وتوفية عقاب من تكاسل عنها عليم بمواقع نيّاتهم على حسب أعمالهم.

١٧١

(النوع الرابع)

(في مقدمات أخر للصلاة)

وفيه آيات :

الاولى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (١).

(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً») أي خلقناه لكم بتدبيرات سماوية وأسباب نازلة منه كالمطر وغيره ، ونظيره أنزل لكم من الأنعام وأنزلنا الحديد أو قضيناه في السماء وكتبناه فصحّ الإنزال فيه ، وقيل أنزل مع آدم وحوّا حين امرا بالاهباط.

(يُوارِي سَوْآتِكُمْ) صفة لباسا ، أي يستر عورتكم فإنّ السوءة : العورة ، ولعلّ ذكر قصّة آدم تقدمة لذلك ليعلم أنّ انكشاف العورة أوّل سوء أصاب الإنسان من الشيطان ، وفيه دلالة على وجوب ستر العورة حيث ذكره تعالى في معرض الامتنان عليهم ويؤيّده ما روي أنّ العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ، ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنزلت (٢).

__________________

(١) الأعراف ٢٧.

(٢) انظر المجمع ج ٢ ص ٤١٠ والدر المنثور ج ٣ ص ٧٥ و ٧٧ و ٧٨.

١٧٢

(وَرِيشاً) هو لباس الزينة أستعير من ريش الطائر لأنّه لباسه وزينته : أيّ أنزلنا عليكم لباسين : لباسا يوارى سوآتكم ، ولباسا يزيّنكم لأنّ الزينة غرض صحيح كما قال (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) فالأوّل واجب ، والثاني مستحبّ لأنّ الله تعالى يحب أن يرى آثار نعمته على عبده كما في بعض الأخبار ، ويمكن فهم اشتراط اباحة اللباس منهما لأنّه تعالى ، لا يمنّ بإعطاء الحرام.

(وَلِباسُ التَّقْوى) أي لباس الورع والخشية من الله أو الإيمان أو لباس يقصد به الاتّقاء في الحروب كالدروع والجواشن والمغافر أو مطلق اللباس الّذي يتّقى به من الحرّ والبرد وهو مبتدا خبره.

(ذلِكَ خَيْرٌ) امّا على معنى أنّ لباس التقوى هو خير فإنّ أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر وامّا لأنّ ذلك صفة للمبتدإ كأنّه قيل : ولباس التقوى المشار إليه خير ، ولا تخلوا الإشارة من التعظيم أو يكون ذلك إشارة إلى اللباس المواري للسوءة وصحّ لأنّ اللباس المواري للسوءة عين لباس التقوى ويكون فيه تفضيل على لباس الزينة. وقرئ منصوبا عطفا على لباسا فيكون اللباس ثلاثة أقسام قد امتنّ الله به على خلقه ، والمشار إليه بذلك يحتمل كونه الأخير بمعنى اللباس الّذي يتّقى به من الحرّ والبرد وكونه خيرا ظاهرا لأنّه يحصل به الستر والحفظ عن الضرر بخلافهما ، ويحتمل رجوعه إلى اللباس مطلقا لظهور ما فيه من الخير والمنفعة والمصلحة ما لا يخفى.

(ذلِكَ) أي إنزال الموصوف بالصفات المذكورة.

(مِنْ آياتِ اللهِ) الدالّة على فضله ورحمته على عباده.

(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فيعرفون نعمته أو يتعظّمون فيمتنعون من القبائح قال في الكشّاف وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت وخصف الورق عليها إظهارا للمنّة ممّا خلق من اللباس ، ولما في العرى وكشف العورة من الإهانة والفضيحة ، وإشعار بأنّ التستر باب عظيم من أبواب التقوى ، ومقتضى الآية وجوب الاستتار على كلّ أحد خصّ فيه بعض الأفراد لغيرها من الآيات والأخبار

١٧٣

فيبقى الباقي على الوجوب. ثمّ خاطبهم الله تعالى مرّة أخرى فقال :

(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي لا يضلّنّكم عن الدين ، ولا يصرفنّكم عن الحقّ بأن يدعوكم إلى المعاصي الّتي تميل إليها النفوس.

(كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) كما محن أبويكم بأن أخرجهما منها ، ومحلّه النصب على المصدريّة : أي فتنة مثل إخراج أبويكم لأنّ هذا الإخراج نوع من الفتنة في أولاده.

(يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) جملة حالية من أبويكم أو من فاعل أخرج ، واسناد النزع إليه لكونه سببا وصحّ أنّ ينهى الإنسان بصيغة النهي للشيطان لأنّه أبلغ في التحذير من متابعيه والافتتان به وفيها إيماء إلى أنّ انكشاف العورة وإن كان بين الزوجين لا يخلو من فضيحة وقبح.

(إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) تعليل للنهى وتأكيد للتحذير من فتنته فإنّ من هذا حاله فليتحفّظ منه كمال التحفّظ : أى يكيدون ويغتالون من حيث لا يشعرون بهم.

واستدلّ به صاحب الكشّاف على أنّ الجنّ لا يرون ولا يظهرون للأنس ، وأنّ إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وإنّ زعم من يدّعى رؤيتهم زور ومخرقة ، وفيه نظر ظاهر.

(إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أى خلينا بينهم وبينهم ولم نكفهم عنهم حتّى تولّوهم وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي واتّبعوهم لأنّهم يتناصرون على الباطل ، وهذا تحذير آخر للمؤمنين من متابعة الشيطان أبلغ من الأوّل لتضمّنه أنّ من تابعه فقد اتّخذه وليّا ، وفيهما أيضا مبالغة في وجوب استتار العورة. فتأمّل.

الثانية : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (١).

__________________

(١) الأعراف ٣١.

١٧٤

(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) أي لباسكم الّذي يستر عورتكم.

(عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) لصلاة أو طواف ، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة والطواف ويؤيّده ما قيل : إنّهم كانوا يطوفون عراة ويدعون ثيابهم وراء المسجد ، وإن طاف أحد وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنّهم قالوا : لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت ، وقد تفسّر الزينة بالثياب الّتي يتزيّن بها والمراد ألبسوا ثياب الزينة كلّما حضرتم في المسجد لصلاة جمعة أو عيد أو للصلاة مطلقا ، ويؤيّده ما رواه العيّاشي بإسناده (١) أنّ الحسن عليه‌السلام كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه. فقيل له : يا ابن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال : إنّ الله جميل يحبّ الجمال فأتجمّل لربّي ، وهو يقول (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فأحبّ أن ألبس أجود ثيابي ونحوها من الأخبار ، ولا سيّما يوم الجمعة ويوم العيد فإنّ لبس ثياب التجمّل فيها من أفضل الأعمال على ما في الأخبار ، وقيل : المراد بالزينة المشط (٢) وقيل : الطيب والسواك والخاتم وربّما ورد ذلك في بعض الأخبار والأظهر الأوّل لأنّ ظاهر الأمر الوجوب ، وكلّما سوى اللبس غير واجب فوجب حمل الزينة على اللبس عملا بالنصّ بقدر الإمكان ، وحيث إنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كان مقتضى الآية وجوب اللبس التامّ عند كلّ صلاة ترك العمل به في القدر الّذي لا يجب ستره من الأعضاء إجماعا فيبقى الباقي داخلا تحت اللفظ فإذن يجب ستر العورة في الصلاة وتفسد بدون الستر ، وتفاصيل ذلك يعلم من الفروع.

(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) عقّب الأمر بأخذ الزينة بإباحة الأكل والشرب إشارة إلى عدم التنزّه من أكل المباح : أي كلوا واشربوا ما أبيح لكم قيل : نزلت في بني عامر (٣)

__________________

(١) انظر العياشي ج ٢ ص ١٤ الرقم ٢٩ والبرهان ج ٢ ص ١٠ والبحار ج ١٨ ص ٨٥ و ٨٧ ونور الثقلين ج ٢ ص ١٩ الرقم ٦٧ والوسائل أبواب لباس المصلى الباب ٥٣ الحديث ٦ والمجمع ج ٢ ص ٤١٢.

(٢) انظر المجمع ج ٢ ص ٤١٢ والعياشي ج ٢ ص ١٣ والبرهان ج ٢ ص ١٠ ونور الثقلين ج ٢ ص ١٩.

(٣) انظر الكشاف ج ١ ص ٥٤٦.

١٧٥

لأنّهم كانوا في أيّام حجّهم لا يأكلون الطعام إلّا قوتا ، ولا يأكلون دسما يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون : نحن أحقّ بذلك فقيل لهم : كلوا واشربوا ولا تسرفوا.

(وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تتجاوزوا الحلال إلى الحرام ولا تسرفوا في المآكل فتأكلوا ما لا يليق بحالكم كمن يطبخ الطعام في القدر ويطرح فيه المسك أو كمن لا يملك إلّا دينارا فيصرفه في أكل ما لا يليق بحاله أو في الملبس والمشرب فيلبس ثياب التجمّل وقت النوم والخدمة ، ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس (١) كل ما شئت والبس ما شئت ما خطأتك خصلتان : سرف ومخيلة أو لا تسرفوا في الأكل نفسه بحيث يؤدّي إلى الأمراض المهلكة ويؤيّده ما قيل : إنّ الله تعالى قد جمع الطبّ في نصف آية من كتابه ، وهي (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) وورد به بعض الأخبار (٢).

(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لا يرضى فعلهم ، وفيه دلالة على تحريم الإسراف في الأكل وغيره لكنّه كالمجمل ، وسيجيء بيانه ، ويمكن أن يقال : إنّه مقيّد بالمحرّم منهما على ما علم من خارج. ثمّ إنّه تعالى أكّد اباحة التزين وأكل المباح وشربه بقوله :

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) أي من الثياب وكلّما يتجمّل به فإنّ الزينة بإطلاقها متناول جميع أنواعها من الملابس والمراكب والحليّ وكذا كلّما يستطاب ويستلذّ من المآكل والمشارب.

(الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) خلقها لهم وأخرجها من النبات كالقطن والكتّان ومن الحيوان كالصوف والسقلاط.

(وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) والمستلذّات من المآكل والمشارب ما لا يعدّ خبيثا ينفر منه الطبع ويقبح العقل أكله ، والاستفهام للإنكار : أي لا وجه لتحريمها ، وفيها دليل على أنّ الأصل في المطاعم والملابس ، وأنواع التجمّلات واباحة وغيرها يحتاج

__________________

(١) رواه بهذا اللفظ في الكشاف ج ١ ص ٥٤٦ ورواه في الدر المنثور ج ٣ ص ٧٩ مع تفاوت يسير في اللفظ.

(٢) انظر المجمع ج ٣ ص ٤١٣.

١٧٦

إلى دليل ناقل عن ذلك الأصل مع أنّ مقتضى العقل ذلك فاجتمع العقل والنقل على الإباحة واحتاج التحريم إلى الدليل.

(قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي هي لهم بالأصالة في الحيوة الدنيا ، وإن شاركهم الكفّار فيها تبعا وبالعرض.

(خالِصَةً) أي للمؤمنين مختصّة بهم.

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) فلا يشاركهم فيها غيرهم رأسا ، وانتصابها على الحال من ضمير الطيّبات الحاصل في متعلّق للّذين آمنوا : أي هي ثابتة لهم ، ويوم القيمة ظرف لخالصة فيفهم من ذلك أنّها في غير يوم القيمة غير خالصة لهم بل يكون مشوبة بزحمة الكفّار ، وقرئت مرفوعة خبر بعد خبر.

(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي كتفصيلنا هذا الحكم نفصّل سائر الأحكام.

(لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وفي هذه الآية دلالة على جواز لبس الثياب الفاخرة ، وأكل الأطعمة الطيّبة من الحلال. ويؤيّده ما رواه العياشي بإسناده عن الحسين بن زيد عن عمّه عمر بن عليّ عن أبيه زين العابدين عليه‌السلام أنّه كان يشترى كساء الخزّ بخمسين دينارا فإذا أصاف تصدّق به ، ولا يرى بذلك بأسا (١) ويقول (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) (٢) الآية ، وبإسناده عن يوسف بن إبراهيم ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعليه جبّة خزّ وطيلسان خزّ فنظر إليّ فقلت : جعلت فداك هذا خزّ ما تقول فيه فقال : ما بأس بالخزّ (٣).

قلت : وسداه إبريسم قال : لا بأس به فقد أصيب الحسين عليه‌السلام وعليه جبّة خزّ. ثمّ قال : إنّ عبد الله بن عبّاس لمّا بعثه أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الخوارج لبس أفضل

__________________

(١) انظر العياشي ج ٢ ص ١٦ الرقم ٣٥ والبرهان ج ٢ ص ١٣ والمجمع ج ٢ ص ٤١٣.

(٢) الأعراف ٣٢.

(٣) انظر العياشي ج ٢ ص ١٥ الرقم ٣٢ والبرهان ج ٢ ص ١٣ والمجمع ج ٢ ص ٤١٣.

١٧٧

ثيابه ، وتطيّب بأطيب طيبه ، وركب أفضل مراكبه فخرج إليهم فوافقهم قالوا : يا ابن عبّاس بينا أنت خير الناس أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم. فتلا هذه الآية (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) الآية فالبس وتجمّل فإنّ الله جميل يحبّ الجمال.

ثمّ إنّه تعالى أشار إلى بيان أصول الأفعال المحرّمة ، وحصرها في ستّة أنواع لأنّ الجناية إمّا على الفروج ، وأشار إليها بقوله (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي جهرها وسرّها ، وإمّا أن يكون على العقول ، وهي شرب الخمر وإليها أشار بقوله (وَالْإِثْمَ) فإنّ الإثم من أسماء الخمر ، وقيل : الفواحش ما تزايد قبحه وتشايع ، والإثم عامّ لكلّ ذنب فهو تعميم بعد تخصيص ، وإمّا أن يكون الجناية على النفوس والأموال والأعراض وإليهنّ أشار بقوله (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) والجارّ متعلّق بالبغي مؤكّد له معنى كقوله تعالى (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ) ومعنى كونه بغير الحقّ أنّهم يقدمون على إيذاء الناس بالقتل والقهر من غير أن يكون لهم حقّ إذ لو كان لهم فيه حقّ ليخرج عن أن يكون بغيا ، وإمّا أن يكون الجناية على الأديان إمّا بالطعن في التوحيد ، وإليه أشار بقوله (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي لم تقم به عليه حجّة وهو تهكّم بالمشركين. فإنّ كلّ مشرك فهو بهذه المثابة ليس عليه حجّة ولا برهان ، وفيه إيماء إلى وجوب اتّباع البرهان لأنّ ترك مقتضى البرهان اتّباع ما لم يدلّ عليه برهان. فتأمّل.

وإمّا بالافتراء على الله ، وذلك قوله (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بالإلحاد في صفاته ، والافتراء عليه ، ومنه إسناد الأمور الغير الصادرة عنه إليه كالقول بأنّ الحكم في المسئلة كذا مع أنّه ليس كذلك ، ويدخل في ذلك الفتوى والقضاء بغير الاستحقاق وهو ظاهر ، وحيث إنّ الحصر فيها إضافيّ كما أشرنا إليه فلا يضرّ وجود محرّمات غيرها كثيرة.

فإن قيل : الفاحشة وغيرها ممّا قيل هنا هي الّتي نهي الله تعالى عنها فيصير تقدير الآية : إنّما حرّم ربّى المحرّمات ، وهذا كلام خال عن الفائدة.

قلنا : كون الفعل فاحشة عبارة عن اشتماله في ذاته على أمور باعتبارها يجب النهي

١٧٨

عنه كما هو قاعدة القبح العقليّ فلا إشكال.

الثالثة : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) (١).

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) ذكر تعالى في أوّل السورة حليّة بهيمة الأنعام إلّا ما يتلى عليكم ، وهنا بيّن ما يتلى ، ومنه الميتة ، وهو الحيوان الّذي فارقته الروح من غير تذكية شرعيّة ، ولو كان بنحو إخراج المسلم السمك من الماء حيّا وأخذ الجراد كذلك [الشافعيّة على نجاسة الميتة قالوا : إنّ التحريم إذا تعلّق بما ليس بمحترم ولا ضرر فيه كان ذلك لنجاسته. إذ لو تعلّق بمحترم كان ذلك لاحترام أو تعلّق بما فيه ضرر كالسمّ كان ذلك لضرورة فإذا خلّى عن الأمرين لم يكن التحريم إلّا لنجاسة فيكون نجسا ، وبمثله استدلّوا على نجاسة التحريم لتعلّق التحريم به.

فإن قلت : التحريم قد تعلّق بالاستقسام بالأزلام ولا نجاسة فيه.

قلنا : التحريم لم يتعلّق هنا بالعين وإنّما تعلّق بالمعنى فلا يكون ممّا نحن فيه. هذا ، وفي أصل الدليل نظر ، وقد يستدلّ بها على تحريم مطلق التصرّف بالميتة خ ل] ويحتمل اختصاصها بما فارقته الروح من دوابّ البرّ وطيره من غير تذكية ، ويؤيّده ما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه سمّى السمك والجراد ميتا (٢) فقال : ميتتان مباحان الجراد والسمك.

واستدلّ بها على تحريم لبس جلد الميتة في الصلاة ، وغيرها نظرا إلى أنّ اسناد التحريم إلى الدوابّ غير معقول بنفسه فلا بدّ من تقدير فعل يتعلّق به التحريم ، وتقدير

__________________

(١) المائدة ٤.

(٢) ففي المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٨ ص ١٥٢ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أحل لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال رواه أحمد وابن ماجة والدارقطنى قلت : ورواه الشافعي أيضا في الأم انظر ج ٢ ص ٢٣٣.

١٧٩

الأعم وهو الانتفاع أولى لئلّا يلزم الإجمال أو الترجيح بلا مرجّح. إذ لا قرينة على الخصوص بالنسبة إلى بعض الأفعال دون بعض ، وإذا كان مطلق الانتفاع بالميتة حراما لزم من ذلك تحريم لبس جلدها ، واستعماله في الصلاة وغيرها ولأنّ جميع ذلك داخل في الانتفاع ، وقد يقال : لا نسلّم عدم القرينة على الخصوص إنّما ذلك إذا لم يتبادر الذهن إلى معنى من المعاني بخصوصه ، والمتبادر من تحريم الميتة تحريم أكلها كما في تحريم الدم ولحم الخنزير. فينصرف النهي إليه ، ويتعلّق به وحدة الحكم فلا يتمّ المطلوب ، ويؤيّده ما روي الجمهور عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما حرّم من الميتة أكلها (١) وعلى الأوّل فالتحريم لا يدلّ على النجاسة ، ويؤيّده تعلّقه هنا بالاستقسام بالأزلام ولا نجاسة فيها ظاهرا ، وعلى هذا فما قاله بعضهم : من أنّ الحكم بتحريم جميع الانتفاعات يستلزم الحكم بنجاستها نظرا إلى أنّه لو كان طاهرا لانتفع به وهو باطل مدفوع بما بيّناه ، ويؤيّده تعلّق التحريم بالخمر ولا نجاسة فيها عند بعضهم نعم النجاسة في الميتة ثابتة بالإجماع وتظافر الروايات (٢) عن أصحاب العصمة عليهم‌السلام بذلك ، وفي حكم الميتة ما أبين من حيّ ، ويؤيّده قوله : ما أبين من حيّ فهو ميّت (٣) وإنّما يتحقّق النجاسة في الأجزاء الّتي تحلّها الحيوة منها ، ولو لم تحلّها الحيوة لم ينجس بالموت ، وهو طاهر ، ويعتبر كونها من ذي النفس فلو كانت من غيره لم تنجس. ثمّ إنّ أصحابنا مجمعون على

__________________

(١) انظر المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ١ ص ٧٢ وفيه رواه الجماعة ، وانظر أيضا سنن البيهقي ج ٢ ص ١٥ و ٢٣.

(٢) انظر تعاليقنا على كنز العرفان ج ١ ص ١٠١ و ١٠٢.

(٣) لم أظفر على الحديث بهذا اللفظ نعم مضمونه موجود في الأحاديث انظر الوسائل الباب ٢٤ من أبواب الصيد وإن ما قطعت الحبالة فهو ميتة والباب ٣١ من أبواب الأطعمة وأن أليات الغنم تقطع وهي أحياء ميتة ، ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ٦٩ عن دعائم الإسلام بلفظ ما قطع من الحيوان ، وفي لفظ آخر كل شيء سقط من حي فهو ميت ، واللفظ في أحاديث أهل السنة ، ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة انظر الرقم ٧٩٦١ من الجامع الصغير في ج ٥ ص ٤٦١ من الفيض القدير والرقم ١٠٥٢ ج ٦ ص ١٣٩ كنز العمال عن أحمد والترمذي وأبى داود والمستدرك والطبراني في الكبير وفي الرقم ١٠٥١ من الكنز عن الحلية : كل شيء قطع من الحي فهو ميت ، وفي لفظ للمستدرك ج ٤ ص ٢٣٩ ما قطع من حي فهو ميت.

١٨٠