مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

جواد الكاظمي

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام - ج ١

المؤلف:

جواد الكاظمي


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : الفقه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٦٦

والاضطراب في المعركة وإن حضر وقتها بل قال : هو معذور في تركها إلى أن يطمئنّ وسيجيء تمام الكلام في صلاة الخوف إنشاء الله تعالى.

الثانية : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (١) (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) أي اضبطوها بأدائها في وقت المحدود الموقّت من الشارع وبالمداومة عليها ، ولعلّ الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد والنساء للتنبيه على أنّه لا ينبغي أن يكونوا بحيث يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها ، وقد يستفاد من شرط عمومها وجوب المحافظة على جميع الصلوات إلّا ما أخرجه الدليل فيمكن الاستدلال بها على وجوب الجمعة والعيدين والآيات ولكن في بعض الروايات أنّ المراد بها الخمس. وهو غير بعيد.

(وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) تأنيث الأوسط ، وهو ما بين الشيئين على جهة الاعتدال والتساوي ، ويحتمل أن يكون المراد بها الفضل من قولهم للأفضل الأوسط ، وتخصيصها بالذكر بعد ذكرها بالعموم للاهتمام بشأنها ، واختصاصها بمزيد فضيلة توجب زيادة المحافظة عليها بالنسبة إلى غيرها من الصلوات.

وقد اختلف أصحابنا بل العامّة أيضا (٢) في المراد بها. فقيل : إنّها صلاة الظهر وعلى ذلك بعض علمائنا. ونقل الشيخ في الخلاف عليه إجماع الفرقة ، وقد رواه زرارة صحيحا عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) قال (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) : هي

__________________

(١) البقرة ٢٣٨.

(٢) قد استوفينا الأقوال في الصلاة الوسطى في تعليقاتنا على كنز العرفان انظر ص ٦٠ إلى ٦٢ ج ١.

(٣) نقل المصنف هنا شطرا من الحديث ، وسينقل بعض أجزائه في خلال تفسير الايات بعد ذلك ، وينقل شطرا منه في النوع الثاني ، والحديث رواه في الكافي باب فرض الصلاة الحديث الأول ، وهو في مرآت العقول ج ٣ ص ١١٠ والتهذيب ج ٢ ص ٢٤١ الرقم ٩٥٤ والفقيه ج ١ ص ١٢٤ الرقم ٦٠٠ والعلل ج ٢ ص ٤٣ الباب ٦٧ ط قم مع اختلاف في ألفاظ ـ

١٢١

صلاة الظهر ، وهي أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي متوسّطة بين صلوتين نهاريّتين ، ولوقوعها في وسط النهار حين ينتشر الناس في معايشهم ، ويتوفّرون على

__________________

ـ الحديث وأوضح مواضع الاختلاف صاحب المعالم في المنتقى ص ٢٨٩ و ٢٩٠ ج ١ والعلامة المجلسي في البحار ج ١٨ الباب الثالث من كتاب الصلاة ، وفي جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ١٣ الرقم ٩٤ ورواه في الوافي ص ١٠ من الجزء الخامس ، وفي الوسائل أبواب أعداد الفرائض الباب ٢ الحديث ١ ص ٢١١ ط أمير بهادر ج ١ والبرهان ص ٢٣٠ ج ١ ونحن ننقله بلفظ الفقيه :

قال زرارة بن أعين : قلت لأبي جعفر : أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات قال : خمس صلوات في الليل والنهار قلت له : هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ فقال : نعم قال الله ـ عزوجل ـ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) ودلوكها زوالها ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن. وغسق الليل انتصافه. ثم قال : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا. فهذه الخامسة ، وقال في ذلك أقم الصلاة طرفي النهار ، وطرفاه المغرب والغداة ، وزلفا من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة وقال (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله وهي وسط صلوتين بالنهار صلاة العصر وصلاة الغداة ، وفي بعض القراءة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين في صلاة الوسطى وقال (في النسخة المطبوعة بنجف وقيل) أنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر. وأضاف للمقيم ركعتين ، وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيام. انتهى الحديث.

قال العلامة المجلسي في المرآة : صلاة العصر في نسخة الكافي والفقيه بدون العاطف وفي نسخة التهذيب مع العاطف ، ونقل في البحار ذكر العاطف في نسخة العلل أيضا ، وهو كذلك في النسخة المطبوعة بقم ، وذكر صاحب المعالم أيضا اختلاف نسختي الكافي والتهذيب ، واستحسن نسخة التهذيب. لسلامته من التكلف في وجه الجمع بين القرائتين ، وذكر فيه اختلاف نسخ الفقيه ففي بعضها مع الواو وفي بعضها بدون الواو ، وانظر الجزء الذي نقله المصنف من ـ

١٢٢

الاشتغال بأمر دنياهم. فاقتضى ذلك الاهتمام بالمحافظة عليها والحثّ إليها ولما في قراءة (١) حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر أدّ العطف يقتضي المغايرة ، وروي العامّة (٢) عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال قال : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ لله في سماء الدنيا حلقة تزول فيها الشمس فإذا زالت الشمس سبّح كلّ شيء لربّنا فأمر الله تعالى بالصلاة في تلك الساعة وهي الساعة الّتي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتّى تصلّى الظهر.

وقيل : إنّ المراد بها صلاة العصر ، وعلى ذلك بعض علمائنا أيضا فادّعى السيّد المرتضى عليه إجماع الشيعة ، وهو اختيار جماعة من العامّة وعليه رواية عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

ـ الحديث مع تفاوت يسير في العياشي أيضا ج ١ ص ١٢٧ الرقم ٤١٦ وفي البرهان ج ١ ص ٢٣١ والبحار ج ١٨ ص ٧٢٥ ومعاني الأخبار ص ٣٣٢ وقريب منه ما في دعائم الإسلام ج ١ ص ١٣١ ط دار المعارف بالقاهرة ، وانظر أيضا أخبارا قريبة منه في المقصود في ص ١٧١ ج ١ من مستدرك الوسائل.

(١) كما قد عرفت في نسختي التهذيب والعلل في رواية زرارة عن أبى جعفر ، ورواها العياشي والقمي كما في ص ٢٣١ ج ١ تفسير البرهان ، وفي البحار ج ١٨ الباب الثالث من كتاب الصلاة ، ورأيت في كتاب تفسير القرآن عن الصادقين من نسخة عتيقة مليحة عندنا الان أربعة أحاديث بعدة طرق عن الباقر والصادق أن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ، وأن رسول الله كان قرء حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر انتهى ما في البحار ، وروى القراءة في معاني الاخبار عن عائشة وحفصة في ص؟؟؟ ٣٣١؟؟؟.

وقد روى هذه القراءة أهل السنة عن أم سلمة وعائشة وحفصة انظر تفسير فتح القدير ج ١ ص ٢٢٩ والدر المنثور ج ١ ص ٣٠٢ وسنن البيهقي ج ١ ص ٤٦٢ وشرح الزرقانى على موطإ مالك ج ١ ص ٢٨٣ ونيل الأوطار ص ٣٤٠ وغيرها ، ولعله يختلج ببالك كيف يصح ذلك مع أن القول بتحريف القرآن عندنا باطل مموه لكنا نقول : إنا قد استوفينا البحث بما لا مزيد عليه في حواشينا على كنز العرفان ج ٢ من ص ١٥٠ إلى ١٥٣ فراجع.

(٢) ورواه أيضا في المجمع ج ١ ص ٣٤٣.

١٢٣

أنّه قال يوم الأحزاب (١) : اشغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم نارا ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّها الصلاة الّتي شغل عنها سليمان بن داود عليه‌السلام حتّى توارت بالحجاب (٢) وفي الكشّاف عن حفصة أنّها قالت لمن كتب لها المصحف : إذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها حتّى أمليها عليك كما سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤها. فأملت عليه والصلاة الوسطى صلاة العصر منه ولأنها في وسط النهار فكانت أشقّ الصلوات عليهم فكانت أفضل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أفضل الأعمال أحمزها.

وقيل : إنّها المغرب لأنّها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات ، ولأنّها تأتي بين بياض النهار وسواد الليل.

وقيل : إنّها صلاة العشاء لأنّها بين صلوتين لا يقصّران.

__________________

(١) انظر الدر المنثور ص ٣٠٣ ج ١ ونسل الأوطار ج ١ ص ٣٣٥ وغيرهما من كتب التفسير وأخبارهم مع تفاوت يسير في ألفاظ الحديث ، وانظر أيضا مستدرك الوسائل ج ١ ص ١٧١ رواه عن القطب الراوندي في لب اللباب.

(٢) انظر مضمون الحديث في الدر المنثور ج ٥ ص ٣٠٩ والطبري ج ٢٣ ص ١٥٥ وابن كثير ج ٤ ص ٣٣ والخازن ج ٤ ص ٣٩ ولم أجد الحديث في كتبهم مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنما هو موقوف على الصحابة ، وانظر من كتب الشيعة أيضا تفسير البرهان ج ٤ ص ٤٧ والبحار ج ٥ ص ٣٥٥ إلى ٣٥٧ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ١٧١ وأنكر الإمام الرازي في تفسيره قصة شغل سليمان عن صلاة العصر انظر ص ٢٠٣ إلى ٢٠٦ ج ٢٦ وخلاصة ما ذكره : إن الحق المطابق لألفاظ القرآن أن سليمان أمر بإحضار الخيل وإجرائها لا لأجل الدنيا بل لأمر الله وتقوية دينه وهو المراد بقوله : عن ذكر ربي (يعنى أن هذه المحبة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى) حتى توارت أى الخيل بالحجاب أى غابت عن بصره ثم أمر برد الخيل إليه ، وهو قوله ردوها على فلما عادت طفق يمسح سوقها وأعناقها تشريفا لها لكونها من أعظم الأعوان في رفع العدو أو لإظهار أنه يباشر الأمور بنفسها ضبطا للسياسة أو لكونه أعلم بأحوال الخيل ، وأمراضها وعيوبها من غيره فكان يمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض فينطبق مع لفظ القرآن ، ولا يلزم محظور ولا منكر.

١٢٤

وقيل : إنّها الصبح وهو قول الشافعي لأنّها بين صلوتى الليل والنهار ، وبين الظلام والضياء ، ولأنّها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي مفردة بين مجتمعين.

وقيل : إنّها أحد الصلوات لم يعيّنها الله تعالى أو أخفاها في جملة الصلوات المكتوبة كما أخفى ليلة القدر مع ليالي شهر رمضان ، واسمه الأعظم في جميع الأسماء ، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة ، والغرض من الاهتمام بالجميع ليحصل إدراك المطلوب في ضمنه ، وفي هذا إشارة إلى أنّ العمل المخصوص بوقت يجوز إيقاعه في كلّ وقت يحتمل أنّه ذلك الوقت إذا وقع الاشتباه فيه ، وإن لم يجزم به ، وقد وردت الرواية بذلك أيضا في عمل ليلة القدر ، وعمل العيد ، وعمل رجب مع عدم ثبوت الهلال ، وقد يستنبط من ذلك أنّ الجزم في النيّة إنّما يشترط بحسب الممكن ، واحتجّت الشافعيّة على الحنفيّة بالآية على عدم وجوب الوتر قالوا : لو كانت واجبة لكانت الصلوات ستّا فلم يبق لها وسطى ، وأجيب بأنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المراد الوسطى في العدد لكنّه يحتمل أن يكون المراد الوسطى في الفضيلة (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أو الوسطى في القدر كالمغرب فإنّها ثلاث ركعات فتوسّط بين الاثنتين والأربعة أو الوسطى في الصفة كصلاة الصبح تتوسّط بين صفتي الظلام والضياء ، والحقّ أنّ هذه الوجوه بعيدة عن ظاهر الآية ، وإنّما ظاهرها الوسطى في العدد فيتمّ قول الشافعي على نفي وجوب الوتر.

(وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) أي ذاكرين الله في قيامكم ، والقنوت أن يذكر الله قائما كذا في الكشّاف ثمّ قال : وعن عكرمة كانوا يتكلّمون في الصلاة فنهوا عن ذلك رواه زيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود كنّا نتكلّم في الصلاة تكلّم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه حتّى نزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.

وقيل : هو الذكر وكفّ الأيدي والبصر.

وقيل : معناه طائعين.

وقيل : خاشعين.

وقيل : داعين.

والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهذا القول رواه مفسّرو أصحابنا

١٢٥

عن السيّدين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وهو قول ابن عبّاس أيضا وحينئذ فتحمل الآية عليه غير أنّ أصحابنا لم يشترطوا الدعاء في القنوت فإنّهم يجعلون أفضله كلمات الفرج ، وليس فيها دعاء. فتأمّل إلّا أن يراد بالدعاء لما يشمل الذكر ، والظاهر ذلك. فلا إشكال.

واستدلّ بعضهم بها على وجوب القنوت في الصلاة ، وفيه نظر. إذ القنوت من الألفاظ المشتركة بين المعاني المذكورة ، وعدم تبارد المعنى المتعارف بين الفقهاء منها فهي كالمجملة فيها سلّمنا أنّ المراد بها الدعاء كما هو المروي عن السيّدين الصادقين عليهم‌السلام (١) وأنّ الدعاء يشمل الذكر أيضا كما أشرنا إليه فلا يلزم من ذلك وجوب القنوت لأنّه تعالى أمر بالقيام حال القنوت فالواجب حينئذ القيام حال القنوت ، ولا يلزم من ذلك وجوب القنوت.

فإن قيل : على تقدير تركه لم يوجد المأمور به ، وهو القيام حال القنوت فوجوبه يستلزم وجوبه.

قلنا : لا نسلّم. إذ يجوز أن يكون واجبا مشروطا : أى إن قنتم فقوموا ، ولا مانع من كون الشيء مستحبّا وكيفيّته واجبة بهذا المعنى كما صرّح به الفقهاء في كثير من المواضع سلّمنا الوجوب لكن نقول به في ضمن القراءة والأذكار لما فيها من الذكر أو الدعاء فيتحقّق الامتثال بذلك من دون القنوت المتنازع فيه.

سلّمنا ذلك لكن الآية واردة في الصلاة الوسطى (٢) فيجوز أن يكون الوجوب مخصوصا بها.

لا يقال : متى ثبت الوجوب فيها ثبت في الجميع. إذ لا قائل بالفرق.

__________________

(١) انظر التبيان ج ١ ص ٢٥٣ ط إيران ومجمع البيان ج ١ ص ٣٤٣ ط صيدا ، والبحار ج ١٨ ص ٣٧٦.

(٢) وفي رواية زرارة المتقدمة بلفظ الفقيه تصريح بان الأمر بالقنوت في الآية مخصوص بالصلاة الوسطى (انظر ص ١٢٢).

١٢٦

لأنّا نقول : هذا غير واضح لمكان قول الشافعي فإنّه يذهب إلى اختصاصه في صلاة الصبح وهي الوسطى عنده كما عرفت ، وفيه نظر.

والحقّ أنّ حمل الأمر على الوجوب إنّما هو مع عدم المعارض لا معه وهو هنا موجود كصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام إن شئت فاقنت ، وإن شئت لا تقنت (١) ونحوها من الأخبار ، ويؤيّده خلوّ رواية تعليم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الأعرابي (٢) الصلاة عنه

__________________

(١) انظر التهذيب ج ٢ ص ٩١ الرقم ٣٤٠ والاستبصار ج ١ ص ٣٤٠ الرقم ١٢٨٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٤٤ الرقم ٣٢٣٥.

(٢) انظر نيل الأوطار ج ٢ من ص ٢٧٢ إلى ٢٧٦ وفيه طرق الحديث وألفاظه المختلفة وشرح الخارج عما اشتمل عليه حديث الباب ، والخارج المتفق عليها عن جميع ألفاظه والمختلف فيها ، وشرح أن الحديث هل يدل على وجوب ما ذكر فيه وعدم وجوب ما لم يذكر فيه وانظار علماءهم في ذلك ببسط ، ولابن حجر أيضا بسط كلام في فتح الباري انظر ج ٢ من ص ٤١٩ إلى ٤٢٤ ط مطبعة البابى الحلبي سنة ١٣٧٨.

وروى حديث تعليم النبي الأعرابي أيضا في مستدرك الوسائل ج ١ ص ٢٦٢ عن غوالي اللآلي وهو في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٤٥ الرقم ٢٢٦٣ ورواه في الذكرى أيضا مرسلا في المسئلة الاولى من مسائل الركوع.

وحيث إن المصنف سيشير إلى الحديث في المسائل الدينية يناسب لنا نقله لتمام الفائدة ، وننقله بلفظ الذكرى قال في الاستدلال بوجوب الركوع.

ولما روى أن رجلا دخل المسجد ورسول الله (ص) جالس في ناحية المجلس فصلى ثم جاء وسلم عليه فقال : وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فقال له : مثل ذلك فقال له الرجل في الثالثة : علمني يا رسول الله. فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر. ثم اقرء ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا. ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم ارفع حتى تستوي قائما. ثم افعل ذلك في صلوتك كلها.

ومن طريق أهل السنة ننقل الحديث بلفظ البخاري ، وفيه بعد الاسناد : عن أبي هريرة أن النبي (ص) دخل المسجد فدخل رجل فصلى. ثم جاء فسلم على النبي فرد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ

١٢٧

وكذا رواية حمّاد بن عيسى عن الصادق عليه‌السلام (١) مع اشتمالها على أفعال الصلاة بتمامها مستحبّا وواجبا ، ومن هنا ذهب الأكثر إلى الاستحباب ، وإنّما خالفهم ابن بابويه فأوجبه مطلقا ، وخصّ ابن أبي عقيل وجوبه بالجهريّة فقط وهما بعيدان ، وربّما

__________________

ـ فقال : ارجع فصل فإنك لم تصل. فصلى ثم جاء فسلم عليه (ص) فقال : ارجع فإنك لم تصل ثلاثا. فقال : والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر. ثم اقرء ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما. ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا. ثم افعل ذلك في صلوتك كلها.

(١) الحديث رواه في الكافي باب افتتاح الصلاة الحديث الثامن ، وهو في المرآة ج ٣ ص ١٢٣ وفيه أن الحديث حسن ، وفي الفقيه صحيح ، وروى عنه في التهذيب ج ٢ ص ٨١ الرقم ٣٠١ ورواه في الفقيه ج ١ ص ١٩٦ الرقم ٩١٦ وفي الأمالي ص ٢٤٨ ووصفه صاحب المعالم في المنتقى ج ١ ص ٤٥١ بالحسن من طريق الكافي ، وبالصحة من طريق ابن بابويه وأوضح مواضع اختلاف ألفاظ الحديث ، وتجد الحديث في البحار ج ١٨ ص ١٨٢ ، وفي جامع أحاديث الشيعة ص ٢٤١ ج ٢ الرقم ٢٢٥٥ وفي الوسائل الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١ ص ٣٣٨ ج ١ ط أمير بهادر ، وفي الوافي ص ١٢٥ من الجزء الخامس وتطلع على مواضع الاختلاف ألفاظ الحديث أيضا مع مراجعة البحار والوسائل والجامع ، وشرحه المجلسي أتم شرح في البحار والمرآة فراجع ، وفي البحار أيضا نقل الحديث عن كتاب العلل لمحمد بن على بن إبراهيم بن هاشم ، عن حماد نقله في المستدرك ج ١ ص ٢٦٠ وهي في الجامع بالرقم ٢٢٥٦ ثم إنهم وصفوا الحديث من طريق الكافي بالحسن لكون إبراهيم بن هاشم في طريقه وعندي أنه صحيح أتم الصحة ليس المقام موضع إطالة الكلام ، وما أحسن ما أفاده السيد الداماد في الرواشح الرشحة الرابعة ص ٤٨ إن أمره أجل وحاله أعظم من أن يتعدل ويتوثق بموثق غيره بل غيره يتعدل ويتوثق بتعديله إياه وتوثيقه إياه ، واختار صحة الحديث من طريقه أيضا العلامة البهبهاني ـ قدس‌سره ـ في الفائدة الثالثة من تعليقاته على منهج المقال ، وفي تعليقة على ص ٢٩ من المنهج ، وأتم البيان في حقه العلامة الشفتي في رسالته الرجالية في ص ١٨ صحيفة كبيرة ، وسرده الشيخ محمد طه نجف في إتقان المقال في الثقات في ص ١٠ وصرح بوثاقته في ص ١٥٧ عنه سرد الحسان ووثقه المحدث النوري في المستدرك ج ٣ ص ٥٥١ بل المجلسي أيضا في الأربعين ص ١٥٤ الحديث الخامس والثلاثون وحيث إن المصنف سيستند بجمل من هذا ـ

١٢٨

__________________

ـ الحديث في خلال المسائل الاتية يناسب لنا نقل الحديث بتمامه لتمام الفائدة وننقله بلفظ الكافي الذي ظنوه من الحسان ووصفه محمد باقرون الأربعة (الداماد ـ البهبهاني ـ الشفتي والمجلسي) بالصحة ، وأنا أيضا موسوم بمحمد باقر (الگلپايگاني) فصرت لهم خامسا والحديث هكذا.

على بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يوما : يا حماد تحسن أن تصلى قال : فقلت : يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة فقال لا عليك يا حماد قم فصل قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت ، وسجدت فقال : يا حماد لا تحسن أن تصلى ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة قال حماد : فأصابني في نفسي الذل فقلت : جعلت فداك فعلمني الصلاة. فقام أبو عبد الله مستقبل القبلة منتصبا. فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحترفهما (وفي نسخة لم يحرفهما) عن القبلة. وقال بخشوع : الله أكبر. ثم قرء الحمد بترتيل ، وقل هو الله أحد. ثم صبر هنيئة بقدر ما يتنفس وهو قائم ، ثم رفع يديه حيال وجهه وقال : الله أكبر وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه منفرجات ، ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومد عنقه ، وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل فقال : سبحان ربي العظيم وبحمده. ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال سمع الله لمن حمده ثم كبر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه. ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال : سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرات ، ولم يضع شيئا من جسده على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال : سبعة منها فرض يسجد عليها ، وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ، ووضع الأنف على الأرض سنة ، ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا قال : الله أكبر ثم قعد على فخذه الأيسر ، وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : أستغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية ، وقال : كما قال في الاولى ، ولم يضع شيئا من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود ، وكان مجنحا ، ولم يضع ـ

١٢٩

احتجّا عليه أيضا برواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام : ليس له أن يدعه متعمّدا (١) وبرواية وهب عنه عليه‌السلام من ترك القنوت رغبة عنه (٢) فلا صلاة له ، وفي سندهما كلام (٣) فلا يصلحان لمعارضة ما تقدّم وحملهما على الاستحباب طريق الجمع مع أنّ

__________________

ـ ذراعيه على الأرض فصلى ركعتين على هذا ويداه مضمومتي الأصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم فقال : يا حماد هكذا صل.

قال في الحدائق ص ٤ ج ٨ بعد نقل الحديث : الظاهر أن إنكار الصادق عليه‌السلام على حماد في صلوته وتعليمه إنما هو بالنسبة إلى سنن الصلاة وآدابها لا بالنسبة إلى واجباتها وإلا لأمره بقضاء ما مضى من صلواته على أن مثل حماد ـ رضوان الله عليه ـ أجل قدرا من أن يجهل الواجب عليه.

(١) رواه في التهذيب ج ٢ ص ٣١٥ الرقم ١٢٨٥ وما نقله المصنف ذيل الحديث وتراه في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٤٣٨ الرقم ٤٠٥٩ وفي الوسائل الباب ١٥ من أبواب القنوت الحديث ٣ ص ٣٨٣ ج ١ ط أمير بهادر.

(٢) رواه في الكافي باب القنوت في الفريضة وهو في المرآة ج ٣ ص ١٣٤ الحديث ٦ ووصفه بالصحة وفيه ، وقد يتوهم أنه يدل على الوجوب ، ودلالته على الاستحباب أظهر كما لا يخفى ورواه في التهذيب ج ٢ ص ٨٩ الرقم ٣٣٣ والاستبصار ج ١ ص ٣٣٩ الرقم ١٢٧٦ ولفظ الشيخ القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له ، وهو في الوسائل الباب ٢ من أبواب القنوت الحديث ٢ وج ١٢ من الباب ١ ص ٣٨٠ ج ١ ط أمير بهادر ، وفي جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٣٤٤ الرقم ٣٢٢٦ و ٣٢٢٧ وفي الوافي الجزء الخامس ص ١١٢.

(٣) أقول أما عمار فهو فطحي كما قد عرفت قبل ذلك أيضا وأما حديث وهب فلا أرى في سنده بكلا طريقيه (طريق الشيخ والكليني) إشكالا ، ولذا وصف في المرآة حديث الكافي بالصحة نعم في تأديتهما للإسناد قصور ، ولذا ترى نظم إسناد حديث الشيخ في الوسائل والجامع والوافي هكذا : عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أذينة عن وهب ، وأنت خبير بأن أحمد بن محمد بن عيسى لا يروى عن ابن أذينة بلا واسطة مضافا إلى أنه ذكر وهب مطلقا لم يذكره كما في الكافي وهب بن عبدربه وأنت إذا راجعت التهذيب والاستبصار تقدر على إرجاع ضمير عنه إلى على بن ـ

١٣٠

الأخيرة دلّت على تركه رغبة عنه ، وهو لا ينافي تركه لا عن رغبة ، والصلاة المنفيّة فيه هي الصلاة الكاملة ، والله أعلم.

الثالثة : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (١).

(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) أمر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يأمر أهل بيته بالصلاة بعد ما أمره بها ، ويحتمل أن يكون المراد أهل بيتك وأهل دينك فيشمل جميع أمّته.

(وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أى على فعلها ، وعلى أمرهم بها أو المراد بها داوم عليها واستعن بها على الصبر عن محارم الله.

__________________

ـ الحكم لا إلى أحمد ، وأما راوي الحديث فلعل الاشتراك في اسمه غير ضائر لدلالة القرائر على أن المراد به وهب بن عبدربه ، ونظير هذا القصور في حديث الكافي فإنه يقول : بهذا الاسناد عن يونس عن وهب بن عبدربه ، ولم يسبق في الطريق الأول ذكر ليونس ونقله في الوسائل عنه عن محمد بن عيسى عن يونس ، والظاهر أن الإشارة راجعة إلى محمد بن إسماعيل عن الفضل ابن شاذان.

ويستشم من صاحب العالم الترديد في صحة الحديث من جهة قصور التأدية انظر ص ٤٤٣ وص ٤٤٤ ج ١ من المنتقى ، ولعل إشكال المصنف في سند الحديث أيضا من أجل قصور التأدية ، وسرد صاحب المعالم حديث الكافي مع قطع النظر عن قصور تأدية الإسناد في القسم الحسان ، والظاهر أنه لأجل محمد بن إسماعيل ، وهو طريق الكليني والكشي وغيرهما من رؤساء الأصحاب وقدمائهم إلى الفضل بن شاذان : وبسط الكلام في أحاديثه السيد الداماد في الرشحة التاسعة عشر من كتابه الرواشح واستنتج في ص ٧٢ من المطبوع بايران إن طريق الحديث بمحمد بن إسماعيل النيسابوري هذا صحيح لا حسن كما قد وقع في بعض الظنون ولقد وصف العلامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحة فإذا حديث وهب بكلا طريقيه صحيح لا تأمل فيه ولا كلام.

(١) طه ١٣٢.

١٣١

(لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) يحتمل أن يكون المراد جميع الخلق كما يخاطب الرؤساء ، والمراد جميع الرعية ، وأن يكون المراد هو حقيقة : أي لا نسألك إن ترزق نفسك ولا أهلك نحن نرزقك ، والخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمراد جميع الخلق : أى نحن المتكلّفون بما يحتاجون إليه من الرزق ، ولا نسترزقهم فيجب أن يفرّغوا بالهم للصلاة ونحوها من العبادات المأمور بها ولا يلتفتوا إلى أحوال الدنيا ، ولهذا ورد : من كان لله كان الله له ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس ، ومن أصلح أمر دينه أصلح الله أمر دنياه ، ويؤيّد ذلك ما في قوله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) وقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٢) ونحوها ، وعن بكر بن عبد الله المزني أنّه كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا وصلّوا بهذا أمر الله ورسوله ثمّ يتلو هذه الآية ، ويحتمل اختصاص عدم طلب الرزق بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنّه تعالى يرزقه ، وأهل بيته من غير طلب وكسب : أي أقبل أنت مع أهلك على عبادة الله والصلاة واستعينوا بها على حاجتكم ولا تهتمّ بأمر المعيشة فإنّ رزقك يأتيك من عندنا ونحن رازقوك ولا نسألك أن تطلب رزقا ، ولا أن تسعى في تحصيله ففرّغ بالك لأداء الرسالة وعبادة الله تعالى وأمر الآخرة ، ويكون المراد بذلك طلب ترك الكسب للرزق منه بالكلّيّة ، والتوجّه إلى ما أمر به ، والتصبّر على مشاقّ الصلاة وأداء الرسالة ، وعدم تكليفه بطلب رزق نفسه ولا عياله ، ويؤيّد ذلك ما روى عن أبى جعفر عليه‌السلام (٣) أمره الله أن يخصّ أهله دون الناس ليعلم الناس أنّ لأهله عند الله منزلة ليست للناس إذ أمرهم مع الناس عامّة. ثمّ أمرهم خاصّة ، وروى بن عقدة (٤) وغيره أنّه لمّا نزلت هذه الآية كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) الطلاق ٢ و ٣.

(٢) الذاريات ٥٦.

(٣) انظر تفسير البرهان ج ٣ ص ٥٠.

(٤) ترى روايات ابن عقدة في البحار ج ٩ خلال ص ٣٨ إلى ٤٥ وترى روايات إتيان ـ

١٣٢

يأتي باب فاطمة وعلىّ عليهم‌السلام تسعة أشهر عند كلّ صلاة فيقول : الصلاة رحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت. الآية.

وهذا يدلّ على أنّ المراد بأهله من يختصّ به من أهل بيته لا أهل دينه ، ويكون الرزق للعباد ، وإن كان مضمونا منه تعالى لكن بالطلب والكسب كما دلّ عليه غيرها من الآيات ، وعلى الأوّل يمكن أن يستنبط من الآية الأمر بكلّ ما كان واجبا والصبر على جميع التكاليف الشاقّة ، وعدم جعل الرزق مانعا عنه.

(وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي العاقبة المحمودة لذوي التقوى الّذين اتّقوا معاصي الله واجتنبوا محارمه ، ولعلّ في إطلاق العاقبة إشارة إلى أنّ غير المتّقين لا عاقبة لهم فكان دخولهم في الدنيا كلا دخول لعدم الأثر المترتّب على وجودهم ، وقال ابن عبّاس : يريد الّذين صدّقوك واتّبعوك واتّقونى. والله أعلم.

الرابعة : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قد فازوا بأمانيّهم وظفروا بمطلوبهم وهو الخلاص من

__________________

ـ رسول الله عدة أشهر باختلاف الروايات باب فاطمة وعلى من طريق أهل السنة في الدر المنثور ج ٤ ص ٣١٣ تفسير هذه الآية وج ٥ ص ١٩٩ تفسير آية التطهير ، وكفاية الطالب ط النجف ص ٢٣٢ وإسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص ١٠٨ ونور الابصار ص ١١٢ وغيرها من كتبهم.

(١) المؤمنون ١ و ٢.

١٣٣

عذابه والبقاء على دوام رحمته ، وكلمة ـ قد ـ تثبت المتوقّع كما أنّ ـ لمّا ـ تنفيه ، ولمّا كان المؤمنون متوقّعون ذلك من فضل الله صارت بها بشارتهم ، والمؤمن عندنا المصدّق بالنبيّ وبما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مواطئا قلبه ولسانه ، وفي دخول العمل الصالح خلاف أقربه العدم.

(الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) أي خاضعون متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ، ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا كذا في التبيان ، ومقتضاه أنّ الخشوع من أفعال الجوارح ، وإليه ذهب بعضهم ، وفي الكشّاف الخشوع في الصلاة خشية القلب ، وإلزام البصر موضع السجود ، وظاهره أنّ الخشوع فعل القلب والجوارح معا.

وقال الشيخ في التبيان : الخشوع في الصلاة هو الخضوع بجمع الهمّة لها والإعراض عمّا سواها لتدبّر ما يجرى فيها من التكبير والتسبيح والتحميد لله وتلاوة القرآن ، وهو موقف الخاضع لربّه الطالب لمرضاته بطاعته ، وهو معنى حسن للخشوع.

ويؤيّده ما روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رآى رجلا يعبث بلحيته (١) في صلوته فقال : أمّا إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ، وبالجملة اللازم في الخشوع أن يفرغ قلبه بجمع همّه لها ، والإعراض عمّا سواها. فلا يكون ملحوظا له غير العبادة والمعبود ويدخل في ذلك جميع ما ذكر من النظر إلى موضع السجود حال القيام كما ذكره أصحابنا.

ويدلّ عليه رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : إذا قمت إلى الصلاة فليكن نظرك إلى موضع سجودك (٢) ، وفي حال القنوت يكون نظره إلى باطن كفّيه بناء على أنّ

__________________

(١) رواه في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٥٣ الرقم ٢٣٥٠ ، وفي كتب أهل السنة في فيض القدير ج ٥ ص ٣١٩ الرقم ٧٤٤٧ من الجامع الصغير وفي سبل السلام ج ١ ص ١٤٧ وإحياء العلوم ج ١ ص ١٣٥ فضيلة الخشوع من الباب الأول من أسرار الصلاة.

(٢) هذا جزء من حديث مبسوط رواه في الكافي والتهذيب انظر ج ٢ ص ٢٤٢ الرقم ـ

١٣٤

القانت يجعل باطن كفّيه إلى السماء. أمّا النظر إلى السماء في الصلاة فهو مكروه لما قيل : إنّ المسلمين كانوا يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك فلمّا نزلت هذه الآية تطأطأ وكان لا يجاوز بصره مصلّاه وروى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اخشع بصرك ولا ترفعه إلى السماء (١) ، وفي رواية مسمع أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهي أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة فيتعيّن لذلك النظر إلى باطن الكفّين ، وفي حال الركوع النظر إلى ما بين الرجلين لقول الباقر عليه‌السلام في رواية زرارة مدّ عنقك (٢) وليكن نظرك إلى ما بين قدميك ، وروي حمّاد عنه عليه‌السلام غضّ البصر حال الركوع (٣) وحملها الشيخ على رواية زرارة فإنّه إذا نظر إلى ما بين قدميه يتراءى للناظر أنّه غضّ بصره ، ويحتمل العمل بكلّ منهما ، ويكون حال الركوع مخيّرا بين الأمرين.

وكذا يدخل في الخشوع جميع ما ذكره الفقهاء من المستحبّات حال الصلاة كاستعمال الأعضاء على الوجه الّذي أمر به ، وترك المكروهات كالعبث بجسده وثيابه ، والالتفات يمينا وشمالا والتمطّي والتثأب والفرقعة والتشبيك وتقليب الحصى ونحو ذلك ممّا اشتملت عليه الروايات الواردة عن أصحاب العصمة.

وقد روي صحيحا عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا قمت في الصلاة فعليك بالاكباب

__________________

ـ ٢٢٥٨ من جامع أحاديث الشيعة ، وقد نقله صاحب المعالم في المنتقى من ص ٤٥٣ إلى ٤٥٥ وذكر فيه تخالف لفظي الكافي والتهذيب في عدة مواضع لكن لم يبينها لقلة الطائل إلا موضعا واجدا في آخر الحديث. فراجع.

(١) هذا جزء الحديث رواه في الكافي والفقيه والتهذيب انظر ص ١٨٧ ج ٢ جامع أحاديث الشيعة الرقم ١٧٥٥ و ١٧٥٦ ورواه صاحب المعالم في المنتقى من ص ٤٦٢ إلى ٤٦٣ مع ذكر مواضع اختلاف ألفاظ الكتب الثلاثة ، واختلاف نسخها. فراجع.

(٢) في الحديث المتقدم من الرقم ٢٢٥٨ جامع أحاديث الشيعة.

(٣) قد مر مصادر الحديث في ص ١٣٠ من هذا الجزء.

١٣٥

على صلوتك (١) فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيديك ، ولا برأسك ، ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمطّ ولا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ، ولا تحتفز ولا تفرّج كما يفرّج البعير ، ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعك ، ولا تفرقع أصابعك فإنّ ذلك كلّه نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ، ولا متثاقلا فإنّها من خلال النفاق فإنّ الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعنى سكر النوم ، وقال للمنافقين : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، وهل الخشوع بهذا المعنى واجب في الصلاة الظاهر من أصحابنا عدم الوجوب ، وهو قول أكثر الفقهاء من العامّة.

وذهب بعضهم إلى وجوبه ، وقد نقل الغزّالي عن بشر الحافي (٢) أنّه قال : من لم يخشع فسدت صلوته ، وعن الحسن (٣) كلّ صلاة لا يحضر فيها القلب فهي للعقوبة أسرع ، وعن معاذ بن جبل (٤) من عرف من على يمينه وشماله متعمّدا وهو في الصلاة فلا صلاة له.

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرفوعا أنّ العبد ليصلّي (٥) الصلاة لا يكتب له سدسها وعشرها ، وإنّما يكتب للعبد من صلوته ما عقل منها.

وقد يستدلّ على هذا القول بظاهر بعض الآيات كقوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ) (٦) والتدبّر لا يتصوّر بدون الوقوف على المعنى وقوله (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) نهي

__________________

(١) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٥٢ الرقم ٢٣٤٢ والمرآة ج ٣ ص ١١٩ وقد أشرنا إليه في ص ٧٦ من هذا الجزء ، واللفظ في نسخ الكافي المطبوع والمرآة فعليك بالإقبال ولم ينقل في المنتقى ص ٤٦٦ ج ١ نسخة الاكباب إلا أن في الجامع نقل نسخة الاكباب.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) انظر إحياء العلوم ج ١ ص ١٤٤ ط المطبعة العثمانية ١٢٨٩ الباب الثالث من أسرار الصلاة ، وروى حديث أن العبد ليصلي في جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٤٩ الرقم ٢٣٠٩ عن ص ٢٦٤ مستدرك الوسائل عن الغوالي ، وقال الزين في المغني في تخريج الحديث ـ د ـ ن ـ حب ـ من حديث عمار بن ياسر بنحوه.

(٦) النساء ٨٢.

١٣٦

للسكران عن القرب لعدم العلم بما يقول ، وظاهر أنّ من كان قلبه موزعا في هموم الدنيا بمنزلته ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المصلّى يناجي ربّه (١) ولا مناجاة مع الغفلة ، ونحو ذلك.

ولو قطع النظر عن ذلك لأمكن أن يقال : إنّ الخشوع من شرائط قبول الصلاة الّتي يترتّب عليها الثواب ، وإن لم يكن من شرط الإجزاء وهو عدم وجوب القضاء فمع عدمه لا يترتّب على ترك الصلاة أثر ، وبالجملة فالأمر مشكل والعاقل لا يخفى عليه ما يحصل به الخروج عن العهدة.

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) ما لا يغنيهم من القول أو الفعل كاللعب والهزل وما توجب المروّة إلقاؤه واطراحه.

(مُعْرِضُونَ) لما بهم من الجدّ في العبادة الّتي تشغلهم عن ذلك بل الالتفات إليه وهو أبلغ من الّذين لا يلغون من وجوه عديدة : وهي جعل الجملة اسميّة ، وبناء الحكم على الضمير ، والتعبير عنه بالاسم ، وتقديم الصلة عليه ، وإقامة الإعراض مقام الترك ليدلّ على بعدهم عنه رأسا مباشرة وتسبيبا وميلا وحضورا. فإنّ أصل الإعراض أن يكون في غرض غير غرضه قال في الكشّاف : لمّا وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع بهم الفعل والترك الشاقّين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف وهو جيّد ، واعترض عليه بأنّ الخشوع في الصلاة كان مشتملا على الفعل والترك وترك اللغو : أي ما لا يعنى مطلقا فعلا كان أو تركا داخل فيه فلعلّ ذكره ثانيا للتأكيد.

قلت : فيه نظر فإنّ المراد أنّهم في حال الصلاة خاشعون على الوجه المتقدّم وحال عدم الصلاة معرضون عن اللغو بمعنى أنّ جدّهم في العبادة وانتظار وقتها وتحصيل مقدّماتها شاغل لهم عن ذلك بل عن الالتفات إليه ، ولا شكّ أنّ هذا تأسيس بالنسبة إلى الخشوع لا تأكيد.

وقد يستفاد منها أرجحيّة ترك اللغو في غير وقت العبادة حيث جعله من صفات المؤمنين بل قد يستفاد وجوبه حيث قارنه بفعل الزكاة وترك الزنا. فتأمّل.

__________________

(١) قال الزين في ذيل ص ١٤٣ ج ١ احياء العلوم حديث المصلى يناجي ربه متفق عليه من حديث أنس.

١٣٧

(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) إمّا على تقدير مضاف : أي فاعلون لأدائها أو أنّ المراد بالزكاة هنا المصدر كما يقال : فاعل الضرب بإضافة الفاعل إلى الأحداث كما هو المتعارف ، ولا يراد بها عين القدر المخرج للنصاب لأنّ الخلق لا قدرة لهم على فعلها وهو ظاهر ، وعن أبى مسلم أنّه حمل الزكاة هيهنا على كلّ فعل مرضيّ كقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) وفيه نظر. ثمّ إنّه تعالى وصفهم بأوصاف أخر ، ورجع إلى وصفهم بالمحافظة على الصلاة بقوله :

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) أي يواظبون عليها ويؤدّونها في أوقاتها من غير تقديم على الوقت ولا تأخير عنه وقال الشيخ في التبيان : في تفسير أهل البيت أنّ معناه الّذين يحافظون على مواقيت الصلاة فيؤدّونها في أوقاتها ولا يؤخّرونها حتّى يخرج الوقت ، ويؤيّد ذلك ما رواه أبو أسامة زيد الشحام (١) قال : سألته عن قول الله ـ عزوجل ـ (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ») قال هو الترك لها والتواني عنها ، ولكن روى يونس عن بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : سألته عن قول الله (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أهي وسوسة الشيطان؟ فقال : لا ، كلّ أحد يصيبه هذا ولكن يغفلها ويدع أن يصلّى في أوّل وقتها ، وحينئذ فيمكن أن يريد بالمحافظة الصلاة أوّل الوقت من غير تأخير عنه فتأمّل ، وليس ذكر الصلاة هنا وقع مكرّرا من غير فايدة بل أريد في كلّ موضع فايدة غير الأخرى قال في الكشّاف : ليس ذكر الصلاة مكرّرا بل لأنّهما مختلفان. إذ وصفوا أوّلا بالخشوع في صلوتهم ، وأخيرا بالمحافظة عليها ، وذلك أن لا يسهوا عنها ويؤدّوها في أوقاتها ، ويقيموا أركانها ، ويكلّفوا نفوسهم بالاهتمام بها وبما ينبغي أن تتمّ به أوصافها ، وأيضا فقد وحّدت أوّلا ليفاد الخشوع في جنس الصلاة أىّ صلاة كانت ، وجمعت أخير لتفاد المحافظة على أعدادها وهي الصلاة الخمس والوتر [وذكر الوتر لكونه واجبا عنده] والسنن المرتّبة مع كلّ صلاة ، وصلاة الجمعة ، والعيدين ، والجنازة والاستسقاء ، والكسوف ، والخسوف ، وصلاة الضحى ، والتهجّد ، وصلاة التسبيح ،

__________________

(١ و ٢) انظر المجمع ج ٥ ص ٥٤٨.

١٣٨

وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل ، ولا يخفى أنّ بعضها غير مستحبّ عندنا (١). بل بدعة وقال البيضاوي : في تصدير الأوصاف بأمر الصلاة وختمها به تعظيما لشأنها هذا ، وفي الصحيح عن فضيل (٢) قال : سئلت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله ـ عزوجل ـ (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) قال هي الفريضة قلت (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) قال : هي النافلة ويؤيّد ذلك ظاهر روايات أخر بل ظاهر قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ). الآية فإنّ ظاهرها في الفرائض وهو المتبادر من إطلاقها ، وظاهر البغوي صاحب التفسير في المعالم أنّ المراد بها الفرائض مطلقا قال : كرّر ذكر الصلاة ليبيّن أنّ المحافظة عليها واجبة كما أنّ الخشوع فيها واجب ، وفي التبيان إنّما أعاد ذكر الصلاة تنبيها على عظم قدرها ، وعلوّ رتبتها ، ومنه يعلم ما في الكشّاف.

(أُولئِكَ) أي الجامعون لهذه الأوصاف العظيمة والخصال الكريمة.

(هُمُ الْوارِثُونَ) الأحقّاء بأن يسمّوا وارثا دون من عداهم ممّن يرث مالا فانيا ومتاعا قليلا أو ممّن يدخل الجنّة سواهم كالأطفال والمجانين والفسّاق بعد العفو وإنّما كانوا هم الأحقّاء لاجتماع الصفات الموجبة للإرث فيهم ، والإرث حقيقة ملك ما يتركه الميّت لمن بعده ممّن هو أولى به في حكم الله. ثمّ شبّه به فقيل : فلان ورث علم فلان : أى صار إليه على الاستعارة.

(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) بيان لما يرثونه بعد ذكره مجملا فخامة وجزالة لإرثهم.

والفردوس البستان الّذي يجمع محاسن النبات وأنواع الثمار ، وقيل : هو البستان الّذي فيه الكرم ، وهل هو عربيّ أو رومي معرّب؟ قولان ، والمراد به الجنّة وقيل : هو اسم الرياض الجنّة ، وقيل : هو جنّة مخصوصة من بين الجنان.

__________________

(١) مثل صلاة الضحى.

(٢) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢٠ الرقم ١٤٠ عن الكافي ، والتهذيب والمجمع.

١٣٩

وقد اختلف في معنى إرثهم. فقيل : إنّهم يرثون من الكفّار منازلهم فيها حيث فوّتوها على أنفسهم فقد روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال : ما منكم أحد إلّا وله منزلان : منزل في الجنّة ، ومنزل في النار. فإن مات على الضلال ورث منزله أهل الجنّة ، وإن مات على الإيمان ورث هو منزل أهل النار من الجنّة ، وقيل : إنّ معنى الميراث هنا أنّهم صائرون إلى الجنّة بعد الأحوال المتقدّمة وينتهي أمرهم إليها كما يؤول أمر الوارث إلى صيرورة ما يرثه عنده ، وقيل : إنّ الجنّة كانت مسكن أبينا آدم فإذا انتقلت إلى أولاده كان شبيها بالميراث.

(هُمْ فِيها خالِدُونَ) أنّث الضمير الراجع إلى الفردوس لأنّها اسم للجنّة على ما عرفت فلينظر العاقل بعين البصيرة إلى ما حثّ الله تعالى عليه من أمر الصلاة بإيقاعها على وجه الخشوع والخضوع والمحافظة على أوقاتها على الوجه المتقدّم ، وما وعد فاعلها من الفوز ، وأنت إذا نظرت إلى كلامه تعالى وجدت الاهتمام بشأن الصلاة والحثّ عليها في مواضع عديدة على وجه لم يبلغ إليه شيء من الواجبات غيرها وهو دليل على عظمة قدرها عند الله ، وفي الحديث الصحيح عنهم عليهم‌السلام أنّه لم يتقرّب العبد بشيء بعد المعرفة أفضل من الصلاة (١) فيجب على المكلّف الاهتمام بشأنها كما اهتمّ تعالى بالحثّ عليها والدعاء إليها.

__________________

(١) انظر جامع أحاديث الشيعة ج ٢ ص ٢ الرقم ١ ـ ٢ ـ ٣.

١٤٠