أنوار الولاء

السيّد هاشم الهاشمي

أنوار الولاء

المؤلف:

السيّد هاشم الهاشمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

عيد الغدير ركب السماء

سار ركب الحجيج في الصحراءِ

يتهادى كالبدر عبر السماءِ

سار يطوي الصحراء ، عبر مدار القفر

شوقاً لغاية غرّاء

وهو يشكو الظماء ، والشمس تمتدّ

ضراماً في خاطر البيداء

هزّه الشوق للإله فلم يشعر

بجسم يذوب من إعياء

والنبيُّ العظيم في زحمة الركب

وفي قلبه لهيب الفداء

قاد ركب السماء ، شقّ به درباً

تحدّى به جنون الشقاء

لم يخف صرخة العداء ترامت

من نفوس غريقة في العداء

سار ركب « النبي » رغم المهاوي السود

والقفر والظما والعناء

إيه يا ركب ، لا تعجّلْ في الخطو

فما زلتَ تائهاً في الفضاء

قفْ هنا ، سوف تستفيق على فجر

ستحا فيه بظلّ العلاء

وترامى صوتُ « النبيّ » فتيّاً

ثابتَ الوقع ، حالم الأصداء

قف هنا ، فالعصور تغرق في البغي

إذا لم تسر بخير لواء

يبرز الشرُّ من مخابئه السود

إذا اُطلقت يد الأهواء

٤١
 &

أيّها الركب قف ، برغم الهجير المر

نسمع معاً نداء السماء

إنّ هذا ، وامتدت الأعين الظمأى

لترنو إلى اليد البيضاء

فإذا بالوصيّ في غمرة النور

مُشعّاً بوجهه الوضّاء

يتعالى على الأنام « عليٌّ »

صاعداً فيه خاتم الأنبياء

صارخاً في العصور من كنتُ مولاه

فمولاه سيّد الأوصياء

* * *

قف معي يا أخي على شرفة الآفاق

وانظر لوحشة الأرجاء

أنظر انظر قوافل الغرب تأتينا

لتهوي معالمي وبنائي

أأنا المسلم الذي يصرخ الحقّ

بأعماق قلبه المعطاء

قد بعدنا عن ديننا فإذا الإيمان

منّا ممزّق الأشلاء

نحن كنّا والدين يهدي خطانا

لحياة نديّة الأفياء

نحن كنّا بكلّ جيل نفيض الخصب

في كلّ اُمّة جرداء

قد حملنا هذي الرسالة ، قل لي

هل وفينا ونحن أهل الوفاء

أين منّا عقيدة تنشر النور

وتطوي معالم الظلماء

لتعود الحياة للجيل فالجيل

تناءى عن نهجه الوضاء

* ذي الحجة ١٣٨٨ ، ألقيت في احتفال مدرسة منتدى النشر

٤٢
 &

في رثاء أمير المؤمنين عليه‌السلام

شهيد العقيدة

مولاي لن تصمت تلك الدماءْ

كيف ؟ وقد شقّت مهاوي الفناءْ

لن يخنق الدهرُ حكاياتها

وإن تحدّى زحفها الأشقياء

وإن مضى الكفر الذي لم يزل

يلمح في طيفك سيف القضاء

يفور بالحقد ، ليخفى به

عن أعين الأجيال فجر الولاء

فأنت رغم الكفر اُنشودةٌ

تُفجّرُ الوعي بنا والفداء

* * *

غمامةٌ تزحف عبر المدى

تبشّر القفر بعهد الرواء

أنت لنا اُنشودة ثَرّة

بالخير توري جذوة الكبرياء

تنسلّ من أعماق دهر طوى

ضياءه الثرّ ، ضباب البلاء

تنسلّ كي تهبط في أرضنا

كفّاً تهزّ النائمين الظماء

أنت لنا عبر المدى صرخةٌ

تفجّر الوعي بنا والفداء

* * *

٤٣
 &

من أنتَ قل لي إنّني حائرٌ

قد أغلق السرُّ دروبَ الذكاء

أغرقُ في الفكر ، ولكنني

أعيى ، وقد ضمّ شعوري العياء

هبطتَ في كونٍ يلفُّ الهوى

أرجاءه ، كي يستفيق الفناء

أنّی تراميتَ ترى لعنةً

تنشر في الدرب شراك الشقاء

كيف استقرّت فيك روح الهدی

لم تفترق عنك بدرب البقاء

قَدّمتَ في مذبحها كلّ ما

تملك ، كي تحيى بذور الرجاء

فالليل لن تنسى حكاياته

كيف يشقّ الصمتَ ضوءُ الدعاء

والحرب ما زالت فتوحاتُها

تذكر سيفاً صدَّ زحفَ العداء

أنت لنا في كل شيءٍ صدى

يفجّر الوعيَ بنا والفداء

* * *

لولاكَ يا مولاي لم يخترق

متاهةَ الليل شعاعُ السماء

سرتَ مع النور فلم يرتفعْ

لولاكَ في زهو الليالي لواء

غرقتَ في الرحلة حتى اختفتْ

في هوّة المنفى شرورُ الغباء

وعندما حطّمت أحلامها

وسار لله رسولُ الأخاء

تطلّعتْ من قبرها لعنةٌ

تحلم بالأمس دَجيَّ الفضاء

ألقتك للموت ، ليحيى لها

عهدٌ ، به تمسخ وجه العلاء

٤٤
 &

هيهات لن تفنى ، وهل يختفي

فكرٌ ، تحدّى ثورة الأغبياء

فأنت رغم الموت اُنشودة

تفجّر الوعيَ بنا والفداء

* * *

يا ليلةَ القدر ، ويا نغمةً

تهمي ، فيمتدّ بقلبي الصفاء

يا ليلة القدر وأنفاسنا

لم تختلج إلا بخفق الدعاء

ألمحُ ـ رغم البعد ـ في مسجدٍ

وجهاً له يخشع حتى البناء

يُصعَّد الآهات في زفرةٍ

تشقُّ كالشُهب ظلام الفضاء

في ليلة القدر ، وقد أطرقت

لله روحٌ ، وارتمت في البكاء

تذوب في الآهة من حبِّه

قد جدّدت فيها عهودَ الولاء

يشعّ نور الحق من جبهةٍ

ما عرفت إلا مجالي العلاء

شُلّت يدٌ تغتال طَود الهدى

والطهر والحبّ ، وكنز الوفاء

فليخسأ الطاغي ، ففي كفّه

قد هُدَّ للإيمان أقوى بناء

ومذ هوى الطود تسامتْ له

روحٌ ، وقد دوّى هناك النداء

تريد أن يُطفأ نور الهدى

هيهات ، لن يخمد منه الضياء

يا لحظة أبقت بأعماقنا

نزيف جرحٍ ما له من عزاء

يريدنا أن نغتدي اُمّةً

تحتضن الدين بظلّ الولاء

٤٥
 &

يريد أن نصمد في عالمٍ

للكفر في أحشائه ألف داء

يريد أن نروي بنور الهدى

جيلاً تهاوى في جحيم الظماء

نتبع صوت الحقّ مهما دجت

آفاقنا ، إذ هبّ منه النداء

فهو لنا رغم المدى صرخةٌ

تفجّر الوعي بنا والفداء

* شهر رمضان ١٣٨٩ ألقيت في الصحن العلوي الشريف في النجف الأشرف مع موكب كليّة الفقه

٤٦
 &

جواب لأبيات بعثها أحد الفضلاء الأدباء من النجف الأشرف يعاتبه على ترك الشعر :

هجرتُ الشعرَ حين هجرتُ دنيا

يفوح باُفقها نشرُ القصيدِ

فكلّ حديثها أدبٌ وشعرٌ

وملؤ ترابها عبقُ الخلود

وجئتُ إلى بلاد كنت فيها

غريبَ القلب والفم والنشيد

بذلتُ بغربتي جُهداً مريراً

وفي أوجاعها ضاعتْ جهودي

وقد ولّى ربيعُ العمر منّي

وعمر الشعر من عمر الورود

وهدّتْ جيلَنا نُذُرٌ أبادتْ

مواهبه على قصف الرعود

أحِنُّ إلى الغريّ حنينَ صَبّ

يعاني الهَجر في قلبٍ عميد

إلى تلك القباب الصفر فيها

ظِلالُ الصفو والوصل السعيد

وفي وادي السلام يكون قبري

كقبر أبي بذيّاك الصعيد (١)

أخي أبياتك الغرّاء وافتْ

فعادتْ بي إلى الماضي البعيد

لقد فزتم بقرب أبي ترابٍ

برغم مخالب الطاغي الحقود

رزقنا حبّه دنياً ونرجو

شفاعةَ حيدر يوم الورود

* قم المقدسة ١٤٢٧ هـ

__________________

(١) هذا البيت مقتبس من قصيدة نظمها سيدي الوالد قدس‌سره في أواخر عمره الشريف.

٤٧
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

٤٨
 &

الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام

ثاني أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام اسمه الحسن كنيته أبو محمّد أشهر ألقابه الزكي ، أبوه الإمام علي عليه‌السلام ، واُمه فاطمة الزهراء عليها‌السلام

ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان ، السنة الثالثة بعد الهجرة.

وتقسّم حياته لثلاثة مراحل :

المرحلة الاُولى : مرحلة الطفولة في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي « ٨ » سنوات

وقد وردت أحاديث في محبّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام والثناء عليهما ، منها : « من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني » (١) ، « الحسن والحسين سيّدا أهل الجنة » ، « ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا » (٢) ويشير في ذلك إلی أنّهما إمامان في الثورة والصبر والصلح وغيرها.

ومن الآيات النازلة فيه وفي أخيه الحسين عليه‌السلام آية التطهير والمودّة والمباهلة.

المرحلة الثانية : مع أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي « ٢٩ » عاماً.

وقد صحب أباه ، وشاركه في اُموره وحروبه ، وشارك في الجمل وصفين وسطر فيهما ملاحم بطولية ، حتى خاف أبوه من انقطاع الإمامة باستشهاده.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٥٣.

(٢) الإرشاد ٢ : ٣٠.

٤٩
 &

وحين حضرته الوفاة ، عيّن الإمام الحسن عليه‌السلام محلّه إماماً للمسلمين بوصيّة من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

المرحلة الثالثة : مرحلة إمامته « ١٠ » سنوات

من سنة « ٤٠ » إلى « ٥٠ » للهجرة فإنّه بعد شهادة أبيه أصبح خليفة للمسلمين ، وقد بدأت مخطّطات ومؤامرات الحكم الاُموي ضده ، حيث استخدم مختلف الأساليب ضد أهل البيت عليهم السلام ومبادئهم وشيعتهم ، من الإرهاب ومطاردة أتباع مذهب أهل البيت والتنكيل بهم ، ووضع الأحاديث في ذمّهم ، ومدح مخالفيهم ، وسبّ الإمام علي عليه‌السلام على المنابر ، وشراء الضمائر وطلاب الدنيا بالأموال والمناصب ونشر العصبيّة الجاهلية ، والتفرقة القبلية ، وتطبيع المسلمين على إسلام مزيف يتلاءم وأطماعهم. ونشر المجون والفساد الأخلاقي بين المسلمين ، وغيرها مما تذكرها الكثير من المصادر لأجل أن يحقّق أطماعه وسيطرته من خلال هذه الأساليب ، وقد اضطرّ الإمام الحسن عليه‌السلام لمحاربته حفاظاً على الإسلام الأصيل.

فقام بتجهيز الحملة العسكريّة التي كان الإمام علي عليه‌السلام قد بدأ بأعدادها قبل استشهاده لمحاربة معاوية المتمرد والمنحرف عن خطّ الإسلام ، وتحرّك الجيش باتّجاه الشام ، وحتى لا تعود الجاهلية بعد أن قدم المسلمون المخلصون كلّ التضحيات في سبيل الإسلام ، ولكن عوامل جديدة حالت دون الإستمرار بالزحف ، ومن هذه العوامل :

١ ـ خيانة بعض قادة الجيش الذين اشترى معاوية ضمائرهم بالمال.

٢ ـ انشقاق واختلاف أفراد جيش الإمام وتشرذمه وتخاذلهم وتراجعهم بفعل أساليب معاوية.

٥٠
 &

٣ ـ محاولة بعض القادة تسليم الإمام الحسن عليه‌السلام حيّاً إلى معاوية ممّا اضطر معه الإمام عليه‌السلام لتقبل الصلح بشروط منها :

١ ـ احترام دماء الشيعة ، وعدم الإعتداء على حقوقهم.

٢ ـ الإمتناع عن سبّ الإمام علي عليه‌السلام.

٣ ـ التزام معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤ ـ لا يعيّن معاوية أحداً من بعده للخلافة وإنّما يعود الأمر إلى الإمام الحسن ، وإن كان ميّتاً ، فالأمر يعود إلى أخيه الإمام الحسين عليه‌السلام.

ووافق معاوية على الشروط ، وكلّها تستهدف الحفاظ على الإسلام ، ولكن بعد ذلك نقض الشروط والعهود كلّها ، وهو ما قصده الإمام عليه‌السلام ويعلمه مسبقاً قبل الصلح حتى يكشف حقيقة النظام الاُموي للمسلمين آنذاك بل للتأريخ ، وبذلك مهّد الطريق لثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ولولا صلح الإمام الحسن عليه‌السلام لما كانت ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ، حيث كشف انحراف النظام الاُموي عن التعاليم الإسلامية وأسقط القناع عنه ، وقد كشف معاوية عن حقيقته في خطابه في النُخيلة بعد الهدنة : « إنّي والله ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا إنّكم تعملون ذلك ، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون ، ألا وإنّي منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي ولا أفي بشيء منها له » (١).

وقد رجع الإمام عليه‌السلام للمدينة ، ولكن معاوية دسّ له السمّ على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، وقال لها : إن قتلته بالسمّ فلك مائة ألف واُزوّجك يزيد ابني ،

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٤.

٥١
 &

وقد دسّت له السمّ ، فاستشهد الإمام عليه‌السلام في « ٢٨ » صفر سنة « ٥٠ » هجرية ودفن في البقيع في المدينة.

ومن خصاله : الورع ، كان يرتجف حين وضوئه لصلاته ، وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنّ الحسن كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم ، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربّما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى » (١). وقد حجّ خمسة وعشرين حجة ماشياً ، وربما بدون نعل.

وتميّز بالجود والعطاء ، وكذلك بالحلم ، ومن أساليب الاُمويين وغيرهم من أعداء أهل البيت عليهم‌السلام وضع الأحاديث والأخبار الكاذبة في أهل البيت والتي تستهدف تشويه سمعتهم ، والحد من انتشارها بين المسلمين خوفاً على إطماعهم ، ومنها ما وضعوه من أخبار حول الإمام الحسن عليه‌السلام إنّه كثير الزواج والطلاق ، وقد كتب الباحثون المنصفون حول كذب هذه التهمة.

ويظلّ الإمام الحسن عليه‌السلام امتداداً لشخصيّة جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبيه المرتضى عليه‌السلام ، كما تظلّ خطبه وحكمه ورسائله متميّزة فنّياً وفكريّاً ، فمن حكمه وكلماته القصار قوله عليه‌السلام :

« هلاك المرء في ثلاث ، الكبر والحرص والحسد ، ففي الكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس ، والحرص عدوّ النفس وبه اُخرج آدم من الجنة ، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل » (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ : ٣٣١.

(٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمة ٢ : ٧١٢.

٥٢
 &

وقال عليه‌السلام : « لا أدب لمن لا عقل له ، ولا مروءة لمن لا همّة له ، ولا حياء لمن لا دين له ، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل ، وبالعقل تُدرك الداران جميعاً » (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ١١١.

٥٣
 &

في مولد الإمام الحسن عليه‌السلام

ذكريات الإسلام

أشرقت بالبشاشة الصحراء

فاستفاقت في رملها الأشذاء

واستحمّت بالطيب يثرب وانساب

على ظلّها الكئيب الهناء

أيّ بشرى تُنضِّر الكون بالنور

فيحيا في كلّ اُفق ضياء

قد اُضيفت إلى سماء المعالي

نجمةٌ لن يمرّ فيها الفناء

ولد السبط فاغرقي بالرؤى الخضراء

يا أرض واخشعي يا سماء

* * *

أيُّ ذكرى ، لو أنّنا نعرف الذكرى

حياةً يموج فيها الثراء

ذكريات الإسلام كنز عطاءٍ

فيه تسمو الشريعة السمحاء

ذكريات الإسلام يشرق منها الـدرب

والدرب ملؤه الظلماء

ذكريات الإسلام نبع هدى ثرٍّ

فتروى بها القلوب الظماء

يا أخي لو نُحطّم الزيف والجهل

لما ضاع من يدينا اللواء

* * *

٥٤
 &

ذكريات الإسلام تخطر في قلبي

فتعلو في جبهتي الكبرياء

يوم كان « الرسول » يزحف ، والدّ

رب إلى مرفأ الخلود الفداء

قد تحدّى بالحق كلَّ الطواغيت

فهبّت في وجهه الأهواء

ثم دكَّ الهدى رؤاها فشعّت

في دجاها الشريعة البيضاء

وتعود الذكرى ، فهذا « عليٌّ »

وصمودٌ على الهدى ومضاء

وحكايا الطفوف ،كيف يضمُّ الحقّ

نصراً ، جسوره الشهداء

وحكايا أئمّة قد تهاووا

في غمار الردى ليحيى الإباء

* * *

ثم تعدو لخاطري ذكريات « السـ

بط » كونٌ ما فيه إلا العطاء

علّمتنا أنّ الكفاح طريقٌ

غمرته الأشواك والضراء

يتراءى عليه ألف سرابٍ

ماكرٍ ملؤه الهوى والرياء

ربما تصرخ الجماهير بالحرب

وفي سرّها تخاف الدماء

هكذا كنت والجماهير كانت

لن تضمّ المكارمَ الجبناء

مزّقت هديها الشرورُ فهل يفلح

جيلٌ تَلفّه الأهواء

فدحرتَ التَيار بالفكر ، والفكر

طريقٌ سارت به الأنبياء

إنّ بالفكر يعرج الجيل للخلد

فتذوي العواصف الهوجاء

٥٥
 &

فهو كالسيف إن تلظّت خطوبٌ

فعلى كفّه يرف الرجاء

سيّدي أنت مشعل الفكر إن

جنّت خطوبٌ ، وهيمنت أرزاء

أنت حيٌّ رغم العصور وهيهات

يأن يخنق الشعاع الفناء

* شهر رمضان ١٣٩٠ ألقيت في مدرسة منتدى النشر في النجف الأشرف

٥٦
 &

الإمام أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام

اسمه الحسين بن علي ، أبوه الإمام علي عليه‌السلام واُمّه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيته أبو عبد الله ، ولقبه سيّد الشهداء.

وهو ثالث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام وثاني السبطين سيدي شباب أهل الجنّة وريحانتي المصطفى أحد أصحاب العباء.

ولد في الثالث من شعبان السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنوّرة ، ومدّة إمامته أحد عشر عاماً من سنة ٥٠ إلى ٦١ هـ.

وتقسّم حياته الشريفة إلى أربع مراحل :

١ ـ مرحلة ملازمته لجدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ست سنوات ...

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤكّد على حبّه والثناء عليه وعلى أخيه الحسن ، يدلّ على ذلك الأحاديث الكثيرة في حقّه التي ذكرنا بعضها في حياة الإمام الحسن ، ومنها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً » (١) وهذا يعني أنّ بقاء رسالته بالإمام الحسين وتضحيته في كربلاء حتى قيل « إنّ الإسلام محمّدي الحدوث وحسينيّ البقاء ».

٢ ـ مرحلة ملازمته لأبيه وأخيه الحسن عليه‌السلام :

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٢٧.

٥٧
 &

وهي أربعون عاماً شارك في أكثر أحدائها ومواقفها وحروب أبيه ، وكان عوناً لأخيه الحسن خلال إمامته.

٣ ـ مرحلة إمامته حتى شهادته :

وهي إحدى عشر عاماً ، وأهم أحداث هذه المرحلة بل في التاريخ كلّه واقعة كربلاء ، والحديث عنها لا تتسع لها هذه الصفحات إلا أنّنا نشير إلى محاور هذه الواقعة وهي ثلاثة :

عوامل الثورة الحسينية.

١ ـ أحداثها.

٢ ـ نتائجها ومعطياتها.

ويلخّص المحور الأوّل : بأنّ الإمام عليه‌السلام رأى بأنّ الإسلام قد تعرض لخطر التحريف والإبادة بفعل الأساليب والمخطّطات الاُموية المعادية للإسلام التي ذكرنا بعضها في حياة الإمام الحسن عليه‌السلام والشواهد عليها كثيرة ، ولا يمكن إنقاذ الدين إلا بتضحيته بنفسه وبأهل بيته وأنصاره.

وأمّا الحديث عن أحداث الواقعة الأليمة فهي كثيرة ابتداء من محاصرته في وادي كربلاء هو وأهل بيته وأصحابه ومنعهم من الماء واستشهادهم بتلك الصورة المؤلمة ؛ وأخذ أطفاله ونسائه أسارى من بلد إلى بلد.

وغيرها من الأحداث الكثيرة المؤلمة ، التي لا زالت تثير لوعة المسلمين وتألّمهم ورفضهم لمن ساهم فيها ومن سار على سيرتهم.

٥٨
 &

وأمّا نتائجها فإنّ ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام ودمه ودماء أصحابه المقدسة كانت سدّاً منيعاً بوجه محاولات الإبادة والتحريف للإسلام الأصيل ، فإنّها هزّت الوعي الإسلامي لدى المسلمين آنذاك وأيقظتهم على الأخطار المحدقة بالإسلام والمسلمين ، حتى انبثقت ثورات كثيرة تحمل شعار يا لثارات الحسين ، ولا زالت ثورة الحسين تهزّ المسلمين وتوقظهم ، ومصدر إلهام لكلّ الثوار والأحرار والمصلحين حتى لغير المسلمين وشبحاً مخيفاً للجريمة والطغيان ، كما أنّ مآتمه وإحياء ذكره مدارس إسلامية وتربوية لها الكثير من الآثار الفاعلة للإسلام والمسلمين ، وفي بقاء الإسلام الأصيل ومبادئ أهل البيت عليهم‌السلام ونشرها وترسيخها ، لذلك شجّع عليها وشارك فيها أئمتنا الأطهار عليهم‌السلام والأصحاب والعلماء والمؤمنون عبر التاريخ ، من أجل معطياتها المهمّة ، ولذلك خافها الطغاة والمنحرفون ، ولكن لن يتمكّنوا من إطفاء نورها مهما بذلوا من جهود.

وقد استشهد الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء في العاشر من المحرم ٦١ هـ وعمره الشريف ٥٧ عاماً ودفن هناك ، ومرقده الشريف كعبة للمؤمنين والثائرين والسائرين على هداه.

ومن أقواله ما قاله حول فلسفة ثورته : « وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتی يقضی الله بيني وبين القوم ، وهو خير الحاكمين » (١).

وفي كتاب له إلی رؤساء الأخماس بالبصرة : « وأنا أدعوكم إلى كتاب الله ، وسنّة نبيه ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ : ٣٣٠.

٥٩
 &

فإنّ السنة قد اُميتت والبدعة قد اُحييت ، فإن تسمعوا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد ».

وقال حين مسيره إلى كربلاء « خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلی يوسف ، وخيّر لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا » (١).

«ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلی الباطل لا يتناهي عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما » (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٤ : ٣٦٧.

(٢) مقتل الحسين عليه‌السلام لأبي مخنف : ٢٦.

٦٠