أنوار الولاء

السيّد هاشم الهاشمي

أنوار الولاء

المؤلف:

السيّد هاشم الهاشمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

في الزهراء عليها‌السلام

توسّلتُ بالزهراء فارفق بمحنتي

ففي ظلّها فجر البشائر يفترّ

أطلّت على الدنيا فرفت على المدى

دروب الهدى ينساب من اُفقها الطهر

وكان خلود الحقّ في ظلّ بيتها

أئمّة حقّ لا ثمانٍ ولا عشر

ولولا شروق النور من نبع هديها

لكانت عصورٌ ملؤها الليل والكفر

* ١٤٢٩ هـ

٢١
 &

ولاء الزهراء عليها‌السلام

أنا لستُ أملك غير زاد ولائي

أرجو الخلاص به بيوم جزائي

يا بنت خير الأنبياء أتيتُ من

زمنٍ يقيم بهوّة عمياء

وطرقتُ بابك لاهثاً ـ من بعد أن

سُدّت منافذ رحلتي ورجائي

وأتيت بيتكِ بعد عمرٍ خاطئٍ

متوحّلٍ بصحيفتي السوداء

أرجو الشفاعة في القيامة فامسحي

ليل الذنوب بكفّك البيضاء

أنا لا أرى إلا ظلاماً مطبقاً

وولاكِ في الظلماء نبع ضياء

أنتِ السفينة في الخضمِّ تلاطمت

أمواجه بعواصف الأهواء

أنا ظامئٌ في قَفرةٍ جرداء

وولاكِ أنضر واحة خضراء

أنتِ الدليل لكلّ خطوٍ ضائعٍ

وسواكمُ تيهٌ وشوكُ شقاء

فولاكِ في الأخرى نعيمٌ دائمٌ

أبداً ، وفي الدنيا طريق علاء

من لم يذق طعم الولاء ولم يعش

حب النبيِّ وآله الاُمناء

فحياته خسرٌ وبؤسٌ قاتلٌ

وجزاؤه في الحشر شرّ جزاء

إنّي هجرتُ الشعر إلا فيكمُ

فسواكمُ زبدٌ ومحضُ هراء

يا ربّ إنّي قد أتيتكَ تائباً

متوسّلاً بشفيعتي الزهراء

* ربيع الثاني ١٤٠٥

٢٢
 &

مصائب الزهراء عليها‌السلام

رحلتْ للإله تشكو اُناساً

جرّعوا الطهر أعظم الأرزاءِ

أو لم يسمعوا الرسول وكم قال

بأنّ الزهراء خير النساء

إنّ من أغضب البتول فقد نا

صبَ ربَّ العباد شرَّ عداء

كم حديثٍ له عن الطهر عمّا

قد حباها الإله خير حباء

كم ثناءٍ لله فيها فما يجدي

ثناء الأقلام والشعراء

كم لها من مناقبٍ قد تسامت

بعلاها على بني حوّاء

قد رعاها النبيُّ يرفدها علماً

وطهراً من منهل الإيحاء

ولدتْ من سنا السماء وعاشت

بهداها وزُوّجت في السماء

وتلاقى النوران في الخلد ، كي يخـ

لد نور الشريعة السمحاء

وتلاقى النوران في الخلد وامتدَّ

لبقيا الأئمّة الاُمناء

حجج الله في البسيطة لولاهم

لدبَّ الفناء في الأشياء

والنبيُّ العظيم أنقذ جيلاً

من دجى الجاهليّة الجهلاء

حلّقوا بالهدى إلى ذروة المجد

وكانوا في هوّةٍ عمياء

٢٣
 &

هل جزاء الإحسان أن يمنعوا الزهراء

عن سكب دمعها والبكاء

كيف لا تذرف الدموع وقد غاب

أبوها وكهفها في البلاء

كان نعم الملاذ يمسح عنها

غصص الدهر باليد البيضاء

كان ظلاً تأوي إليه إذا اشتدّ

ت عليها لواعجُ الضرّاء

لقيت بعده مصائبَ شتّى

من قلوبٍ مليئةٍ بالعداء

وثب القومُ يطلبون من العترة

ثأر الأوثان والآباء

غصبوا حقّها وحقَّ « عليٍ »

وتناسوا أمجاد آل العباء

جحدوا بيعة الغدير بغدرٍ

بعد ما قدّموا عهودَ الولاء

أسفروا عن تآمرٍ كتموه

عن نبيِّ الهدى بوجه الرياء

أشعلوا نارهم بباب إبنة

المختار نارَ الأطماع والبغضاء

دخلوا دارها ، فلاذتْ وراء البا

ب ستراً من أعين الأعداء

عصروها ليكسر الباب صدراً

قد حوى سرَّ خاتم الأنبياء

أسقطت محسناً إلى الأرض ميتاً

وترامتْ خضيبةً بالدماء

ثم قادوا الوصيَّ مثل هَزبْرٍ

أو كراع تقوده كفُّ شاء

عجباً كم أبادَ للكفر جمعاً

بحسامٍ يُردي العدى بمضاء

قيّدته وصيةٌ من رسول الله

حفظاً للشرعةِ الغرّاء

٢٤
 &

ورأته البتول يُسحب والناس

تغاضوا عن سيّد الأوصياء

رأت الطهر كيف فرّق ليلُ الجهل

جيلاً عن سيّد الأوصياء

رأت الطهر كيف يخنق صوت الحق

حكمُ الإرهاب والإغراء

نهضتْ والجراح تنزف منها

وجرتْ خلفهم بكلِّ عناء

صرخت فيهمُ : دعوه ، وإلا

سوف أشكو إلى الإله بلائي

فأتاها اللعينُ بالسوط كي يُسكت

منها صوتاً شجيَّ النداء

إنّ آلامها ستشهد يوم الحشر

ماذا لاقتْ من الخلفاء

سوف يستفسر الجميع مدی الدهـر

لماذا قد اُلحدتْ في الخفاء

آه لولا جرحُ البتولةِ ما كانتْ

جراحُ الحسين في كربلاء

* إلى هنا نظمت جمادى الأولى ١٤١٢

* * *

إنّني قد أتيتُ يا مشرق النور

وعيني في ظلمة الانطفاء (١)

ربِّ إنّي طرقتُ كل دروب الأرض

بحثاً يا سيدي عن شفائي

لم أجد في الورى مغيثاً ولم أظفر

بكلّ الدنا بحُلم شفائي

أنا في البحر قد تلفّتُ عن درب خلا

ص فلم أجد غير ماء

__________________

(١) في هذا المقطع أتوسل بالصدّيقة الزهراء عليها‌السلام في مرض ألمّ بعيني وأوشكت علی الانطفاء سنة ١٤١٧.

٢٥
 &

فتوجّهت للسماء عسی تهمي

علی محنتي ببعض عطاء

فأتاني النداء يهتف في قلبي

مُطلّاً في غمرة اللّئلاء

هل تُرى رفّت البشارة في عمري

وأصغيتُ مذعناً للنداء

لن ترى في الوجود باب نجاةٍ

غير باب الصدّيقة الزهراء

فبحقّ البتول والأب والبعل

بحقّ الأئمّة الاُمناء

وبحق السرِّ الذي في وجود الطهـر

يخفى بكنزه المعطاء

إنّني قد أتيتُ أحمل دمعي

وذنوبي وتوبتي وولائي

فتلطّف عليِّ واكشف ظلامي

وأنِر ناظري بفيض الضياء

٢٦
 &

في التوسل بفاطمة الزهراء عليها‌السلام

ربّ استغثت بفاطمٍ وأبيها

خير الأنام وبعلها وبنيها

وبحق ذاك السرّ قد خُصّت به

دون الورى في الخلق اُودع فيها

إنّي حملتُ لباب لطفك حاجتي

إذ لم أجد في الأرض من يقضيها

صلّوا عليهم فالصلاة لذكرهم

تقضي حوائج كلّ من يُهديها

* ربيع الثاني ١٤٠٩

في الزهراء عليها‌السلام

لولا محمّد ما عرفنا ربّنا

لولا علي ما عرفنا أحمدا

لولا البتولة ما عرفنا بعلها

وأئمّة من ولدها سبل الهدی

صلّوا عليها كل آن إذ غدا

نور الهدی في فاطم متجسّدا

٢٧
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

٢٨
 &

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام

سيّد الوصيّين وأوّل أئمّة المسلمين وخلفاء الله في العالمين بعد سيّد المرسلين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

اسمه « علي » ، وكنيته أبو الحسن ولقبه أمير المؤمنين.

ولد في ١٣ رجب قبل البعثة النبوية بعشر سنوات في جوف الكعبة الشريفة. وهو أوّل وآخر من ولد فيها ، وهذه من كراماته.

واُمّه السيّدة فاطمة بنت أسد ، وأبوه أبو طالب كافل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومؤمن قريش وأكبر المدافعين عن الإسلام ونبيّه حتى سمّى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عام وفاته ووفاة خديجة بعام الحزن ، وهذا ما يدل على إسلامه بالإضافة إلى جهره بإسلامه في خطبه وأشعاره الكثيرة التي منها قوله يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ودعوتني وعلمت أنّك صادق

ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

ولقد علمت بأنّ دين محمّد

من خير أديان البريّة دينا

ويمكن تقسيم حياة الإمام إلى مراحل خمسة.

١ ـ من الولادة إلى البعثة :

حيث تكفّله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمره خمس سنوات فنشأ في حجره وتربّى على يديه ، حتى شاركه في عبادته قبل البعثة.

٢٩
 &

٢ ـ من البعثة إلى الهجرة :

أوّل من أسلم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الإمام علي عليه‌السلام وكان عمره الشريف عشر سنين ، وشاركه في تحمّل أعباء الرسالة والدفاع عنها سراً وعلانية لمدة ثلاثة عشر عاماً في مكّة ، وكان يكتب له الوحي وبات على فراشه ليلة الهجرة مضحياً في سبيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته.

٣ ـ من الهجرة إلى وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

شارك في جميع الغزوات خلال عشر سنوات عدا تبوك ، حتى قيل إنّ الإسلام إنّما قام بسيف علي وأموال خديجة ودفاع أبي طالب ، وظهرت منه بطولات خارقة في جميع هذه المعارك الجهاديّة ، حتى قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه يوم الخندق : « ضربة علي يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين إلى يوم القيامة » (١) ، وكان الرسول يؤكّد على خلافته من بعده منذ يوم الدار في بداية البعثة حتى وفاته وتوجّها ببيعة الغدير.

٤ ـ من وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى خلافته :

استمر في هذه المرحلة خمس وعشرين عاماً ، اختار فيها الإمام الصبر والسكوت حفظاً للإسلام والمسلمين ، حيث اغتصب حقّه في الخلافة وتعرّض للكثير من الأذى والحيف ، ومع استنكاره لمواقف المغتصبين لحقّه في أحاديثه وخطبه لم يقصّر عن بذل الجهود لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين مع مواصلة لنشاطه العلمي ، ونشر التعاليم الإسلامية وتربية مجموعة من المؤمنين على العلم والإسلام الأصيل.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ٣٢.

٣٠
 &

٥ ـ من الخلافة حتى الشهادة :

وفي المرحلة التي استمرت ما يقرب من خمس سنين حيث تولّى الخلافة بعد أن بايعه المسلمون ، وقد حكم بالعدل وتطبيق سنّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإسلام الأصيل ، مما أسخط ذوي الأطماع الذين لم توافق حياتهم ومتطلباتهم عدالة علي عليه‌السلام وتطبيق الإسلام الأصيل ولذلك حدثت المعارك الثلاث التي قام بها الناكثون ، والقاسطون والمارقون ، فسميت هذه المعارك بالجمل وصفين والنهروان ، وأخيراً استشهد الإمام في سبيل العدالة والإسلام الأصيل في محراب صلاته في مسجد الكوفة على يد أحد المارقين « الخوارج » في ليلة التاسع عشر من رمضان ٤٠ هجري ، وتوفّي ليلة الواحد والعشرين منه. وقد دفن في النجف الأشرف حيث مرقده الشريف هناك يزوره ملايين العشّاق والمؤمنين.

وقد أثر عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام الكثير من الخطب والرسائل والمواعظ والكلم. جمع بعضها الشريف الرضي في كتابه الخالد « نهج البلاغة ».

ومن وصيته الأخيرة لأبنائه قوله عليه‌السلام :

« أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ، بتقوى الله ، ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم .. الله الله في الأيتام .. الله الله في جيرانكم الله الله في القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم ، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم ، والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتبادل ، وإياكم والتدابر والتقاطع ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولّی عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم » (١).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٥١.

٣١
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

٣٢
 &

ميلاد أمير المؤمنين عليه‌السلام ١٣ رجب ١٤٢٩

رفّ في الدهر يوم ميلادك الميمون

يهمي بأروع الأنداء

حمل الحقّ والمكارم للأجيال

تُهدى بنهجه الوضّاء

قدوة الدين والبطولة والتقوى

مثال الفدا ورمز الولاء

قد مضى في طريقه الصعب لله

برغم الإرهاب والإغراء

خاضعٌ للسماء في الحرب والسلم

وإن حُشّدت حراب العداء

قد حبته السماء من مدد الغيب

ليحضى بروعة الإصطفاء

وارتقى ذروة الإمامة إذ يطوي

بعزمٍ مصاعب الإبتلاء

كان نور الهدى تحدّى بعزم الدين

دنيا الجهالة العمياء

ليس تثنيه عن مسار الهدى الزاكي

حشود اللّوّام والأعداء

كافح البغي والضلالة والزيف

وإرثِ الأصنام والجهلاء

رافضاً للمَقام والمال والدنيا

اذا لم تسِرْ بدرب السماء

مذ تحدّى أهواءها بتقاه

حاربته عصائب الأهواء

كان سدّاً لزمرة الجهل والبغي

وأهل الأطماع والبغضاء

٣٣
 &

منذ عهد الرسول قد حاربته

زمر الجهل والهوى والعداء

أنكروا النص في الغدير لكي يُطفأ

في زعمها ضياء السماء

بدأت سلطة الطواغيت سمّوها

بزور حكومة الخلفاء

ليس في عهدها سوى الظلم والنهب

وكأس الطلا وعهر البغاء (١)

لاحقوا بالسجون والضغط والإعدام

أهل الهدى ونهج الولاء

بدأت هذه الحكومات لما

منعوا حق سيّد الأوصياء

حينما أنكروا الغدير بغدرٍ

حين جاروا ظلماً على الزهراء

حرموا الدهر والشعوب من الحقّ

ونور الهدى وصوت السماء

سوف يستفسر الجميع مدی الدهر

لماذا إغلاق باب الضياء

بيد أنّ الولاء والدين لا يُطفيه

جور الطغاة والعملاء

حرمونا من السعادة والنور

وحكم الأئمّة الأُمناء

كلّ إفكٍ وكل ظلمٍ إلى الحشر

تراث السقيفة السوداء

أشعل البغي في السقيفة ناراً

سوف يبقى اللظى ليوم الجزاء

__________________

(١) الطلاء : اسم للخمر ، والطلی الهوا والطِلی اللذة ..

٣٤
 &

الغدير والزمن

إلى أين تبحر هذي النفوس

ويرحل هذا السحاب الندي

تنقّل عبر رفيف الظنون

وأومأ كفّيه للموعد

تنقّل عبر صحارى الضياع

تلوح علی دربه الأسود

وشقّ المتاهة عبر الحياة

يلملم ظلّ المنى الشرد

وأحلامه خلف كون الضباب

تطِلّ كإشراقة الفرقد

وجنّ المدى برياح العذاب

تسرّب في وحشة المشهد

هنا التَهَم الركب ليل الشقاء

وأمحل فيه ظلام الغد

ولمّا تثاءب جمر الجنون

وماتت بقاياه في الموقد

هنا .. وقف الركب بعد الصراع

وأومأ كفّيه للموعد

وخطّ على شرفات الزمان

حروفا يقيم بها المهتدي

* * *

أتسأل عن ذكريات الرسول

وكيف تحدّى جبال المحال

وثورته في لهيب المخاض

تعال لنحيى بتلك الليال

٣٥
 &

هنالك من هبّ رغم التساؤل

ينداح في نظرات الرجال

هنالك من هبّ في وعيه

يخوض الرياح ويطوي الجبال

ليمتدّ ظلّ شعاع الهدى

ويفرش بالعطر تلك الرمال

وعند ارتعاشة ليل السكون

يقوم على همسات الخيال

يُحدّق في قسمات السماء

ويمتدّ من راحتيه ابتهال

وجود يذوب بدفء الهدى

وقلب يهيم بتلك الظلال

تعال لنسأل عنه الفتوح

تحدّى سيوف العدى والنبال

يدور مع الحقّ أنّی يدور

« علي » وللحقّ أغلى منال

* * *

ولكنّ خلف قلوب الرجال

تعيش بقايا عصور الشقاء

فهبت لتوقظ فيها الجذور

وتمتصَّ لعنتها ما تشاء

وللشرّ ألف جحيم يشبّ

إذا جبنت في العروق الدماء

إذا الوعي تصمت أنفاسه

إذا الاُفق يغلق عنه الضياء

بني الدين ، فالجيل في غفوةٍ

تُخدّره زعقات الغباء

وقد آن للجيل أن يستفيق

ويصرخ في الكون إنّا ظماء

فملؤ الحياة ضبابٌ ثقيلٌ

ويبحث بين الضباب الشفاء

٣٦
 &

وفي كل أرضٍ تشب الشرور

لتقذف أجيالها للفناء

بني الدين .. لا الحلم عبر الشعور

ولا الحرف يحمل صوت الرجاء

لنعمل .. كفّ تبيد الشرور

وكفّ تعبّد درب السماء

* ألقيت في ندوة الأدب الرسالي في عيد الغدير في مسجد الهندي ذي الحجه ١٣٨٧

٣٧
 &

عيد الغدير

غديركَ لا صوبُ الغمام ولا البحرُ

ونهجك لا زيدٌ هناك ولا عمرو

ولائي لكم زادي إذا صفرتْ يدي

كفاني به فخراً فما بعده فخرُ

يقولون لي غاليتَ في الحبّ فاتّئدْ

فربّ هوىً غالى بإظهاره الشعر

عذولي مهلاً أنّ في القلبِ جذوةً

تزيد ضراماً كلما كبر العمر

رضعتُ الهوى في المهد بل إنّ فطرتي

تلقّتْ عهود الحبّ مذ وُجــد « الذرّ »

مقيم بروحي ضاربٌ متجذّرٌ

وهيهات ، لا يخبو وإن ضمّني القبر

شفيعي في يوم الجزاء وأنّه

صحيفة أعمالي سيشهدُها الحشر

كتبتُ بها سطرين ، سطراً لحبّهم

وتبرئتي من مبغضيهم لها سطر

هما كلُّ زادي في المعاد ومُنيتي

فإنّ يدي من كلّ مكرمة صفر

* * *

ذكرتكَ سيفاً ما استكان لغمده

إلى أن قضى الإيمان أن يُشهر الصبر

تحدّى جنون الجاهلية هادماً

كياناً بناه الجهل والبغيُ والنكر

فاشعل حقد الجاهليين سيفُه

ففي كلّ قلبٍ من لظى حقده جمر

٣٨
 &

نفوسٌ أبت أن تُبصر النور فانبرت

تحاربه ، حتى يدوم لها عمر

فنازلها بالحرف والسيف « حيدرٌ »

هصورٌ على وقع الأسنّة يفترُّ

وما قام دين الله إلا بسيفه

كما شهدت في فضل عزمته « بدر »

فسل صحف التاريخ من قدَّ « مرحباً »

ومن قد هوى من وقع صارمه « عمرو »

ولمّا مضى عهد الرسول تحرّكت

نفوسٌ تلظّى في ضغائنها الثأر

ولمّا تعالتْ بالجهاد وبالدما

صروح الهدى وانهار من عرشه الكفر

أتت عصبةٌ لم تعرف الحقّ إنّما

لإبليس في توجيهها النهي والأمر

رأت أمةً لا زال في المهد وعيها

وحكماً بناه السيف والدم والذكر

أتت بقناع الدين تسرقُ مجده

وفي عمقها الأحقادُ والبغي يجترُّ

وكان لها تحت « السقيفة » غدرةٌ

ستبقى تثير الشرّ ما بقي الدهر

تناست بها عهد « الغدير » وكم لها

عهودُ ولاءٍ كان دافعها المكر

ومنذ قديم وهي تُحكم خِطّةٌ

فقد آمنت لفظاً ولم يؤمن السرُّ

وأصلُ ضلالِ الناس للحشر قولةٌ

« بأنّ رسول الله أدركه الهجر »

وشادت ببطش السيف والمكر عرشها

ليُسكتَ صوتَ الحقّ في مهده الغدر

وكانت طواغيتُ الخلافات بعدها

وراثةَ عرشٍ شادَه المكر والقهر

ولو عملوا « بالنصّ » حقّاً ، وآمنوا

بعهد رسول الله ما نجم الشر

٣٩
 &

ولو سلّموا حكم الهدى « لوصيّه »

لكانت عصورٌ ملؤها النورُ والطهر

* * *

يريدون إطفاء الولاء ببغيهم

ولكن سيبقى في المدى نوره الثرُّ

خلاص الورى دنيا واُخرى بظلّه

وعقبى سواه العار والنار والخسر

حملتُ لكم قلبي دليلاً فإنّه

وحبّكم لا لن يحوّله هجر

طرقتُ بكفِّ الشوق أبواب عطفكم

طويلاً فلم يُكشف لعاشقكم ضرُّ

تحمّلتُ ما تعيا الجبال بحمله

نوائب تغتال الفؤاد وتجترّ

ففي كل شبر للشقاء جهنّمٌ

ومن ألمي في كل ثانية دهر

وكيف يخوض التيه خطوٌ ممزّقٌ

ومن يتمنّى قربكم دربه وعر

اُحاول أن أنسى فاهرب فترة

عن الوعي لكن لن يغيب لكم ذكر

فبيني وبين الوجد سرٌّ معذّبٌ

ومهما قسى دهري فلن يكشف السر

لقد آمنت نفسي بأنّ ولاءكم

طريق الهدى حقاً وبغضكم كفر

* ذي الحجة ١٤٠٣

٤٠