أنوار الولاء

السيّد هاشم الهاشمي

أنوار الولاء

المؤلف:

السيّد هاشم الهاشمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الإمام علي الهادي عليه‌السلام

عاشر أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام اسمه علي ، وكنيته أبو الحسن ولقبه الهادي والنقي ، وأبوه محمّد الجواد ، واُمّه « سمانة » ولد في منتصف شهر ذي الحجة سنة « ٢١٢ » هجري في المدينة ، وقد تولّى الإمامة وعمره ثمانية أعوام سنة « ٢٢٠ » واستمرّت فترة إمامته حتى استشهاده عام « ٢٥٤ هـ ».

وعاصر من الخلفاء « المعتصم ، والواثق ، والمتوكل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز ».

وتقسّم حياته إلى ثلاث مراحل :

مرحلة ما قبل الإمامة ـ ومرحلة الإمامة إلى زمان المتوكل.

ومرحلة ما بعد المتوكل ـ وهي أشد مراحل حياته وأصعبها.

واصل الإمام عليه‌السلام مسيرة آبائه في هداية الناس ونشر الإسلام الأصيل والحفاظ عليه.

لذلك التف الناس حولهم لينهلوا من معين علومهم ، وهذا مما أثار حفيظة الخلفاء المعاصرين له وبخاصة المتوكل الذي كان شديد القسوة ضد اتباع أهل البيت والعلويين ، وقد واجههم بالتنكيل والقتل والسجن حتى اضطر الكثير منهم للهجرة إلى الأقطار النائية ، ممّا أدّى إلى قيام كثير من الانتفاضات والثورات العلوية تدعو إلى الرضا من آل محمّد في تلك الفترة ، ومن شنع أعمال المتوكل قيامه بهدم قبر الإمام الحسين عليه‌السلام وهدّد زائريه بالقتل والتعذيب ، ووضع المراقبين حول قبره منعاً لزائريه ، حيث أثار بذلك استنكار الكثير حتى الشعراء منهم قد نظموا هذه الحادثة المؤلمة.

١٤١
 &

ولشدّة خوف الحكّام والخوف من نفوذ وشعبيّة الإمام عليه‌السلام كسائر الأئمّة ، فأراد أن يضعه تحت المراقبة المباشرة ، فاستدعاه إلى سامراء عام « ٢٣٤ » من المدينة ، وأسكنه دار الصعاليك مجاوراً لمعسكره ، وأقام فيه إلى آخر عمره تحت مراقبة مشدّدة. ولذلك لم يتهيّأ للإمام عليه‌السلام أن يلتقي بشيعته ومحبّيه بحريّة تامّة ، كما كان كذلك بهذه الظروف العصبيّة والده الإمام الجواد وابنه العسكري عليهما‌السلام ، ولذلك فإنّ ما وصلنا من علومهم ورواياتهم وأخبارهم الشيء النادر ، نتيجة للفترة الصعبة التي عاشوها. ولكنّهم كانوا يهدون الناس لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام من خلال وسائل عديدة كفضائلهم وكراماتهم.

وبالرغم من استعمال الطغاة والأعداء مختلف الأساليب لإخفاء ذكرهم كان المسلمون آنذاك يحملون لهم الاحترام والمحبّة والولاء ، ولهم النفوذ الكبير في أوساط المسلمين.

وقد ظهرت للإمام عليه‌السلام كرامات تناقلها الناس في ذلك الوقت ، ممّا زاد في اعتقادهم في خصائص أهل البيت المتفوقة وملكاتهم المنفردة ، كلّ ذلك أثار فزع الحكّام ونقمتهم عليه وعلى الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام ، لذلك يلاحظ أنّ المتوكل أمر أكثر من مرّة بتفتيش بيت الإمام ، إلا أنّهم وجدوا الإمام وعليه مدرعة من صوف جالساً على التراب متوجهاً لله تعالى يتلوا القرآن الكريم ، وقد اُجبر مرّة على الحضور إلى مجلس المتوكل ، الحافل بالخمرة والمجون والسكارى. وقد كان المتوكل متهتّكاً سكّيراً ظالماً مبذراً لأموال المسلمين ، يرتكب أفظع الجرائم والمنكرات.

ولمّا اُحضر الإمام ، وكان المتوكل جالساً والكأس بيده ، فطلب من الإمام عليه‌السلام أن ينشده شعراً ، وبعد إبائه ، أجبره على ذلك ، فأنشده الإمام عليه‌السلام تلك الأبيات المعروفة ، التي

١٤٢
 &

تتضمن الموعظة وذكر الموت ونبذ الشهوات والمنكرات والتي مطلعها :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غـلب الرجال فـلم تنفعهم القلل

فلم يترك إرشاده وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى في أقسى الظروف وأبشعها.

وهكذا عاش الإمام مراقباً من قبل حكّام عصره الذين جاءوا بعد المتوكل ، حتى وصل الأمر إلى المعتز العباسي فدسّ إليه السمّ واستشهد الإمام عليه‌السلام على أثر ذلك في ٣ رجب سنة ٢٥٤ هـ.

وممّا روي عنه عليه‌السلام زيارة الجامعة المعروفة.

ومن آثاره رسالته في الردّ على أهل الجبر والتفويض وإثبات الأمر بين الأمرين. وكذلك له أجوبة في الردّ على القاضي يحيى بن أكثم ، ذكرت بتمامها في كتاب تحف العقول وغيرها.

ومما أثر عنه من حكم وكلمات قصار قوله عليه‌السلام :

« من اتّقى الله يُتّقى ، ومن أطاع الله يُطع ، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين » (١).

قوله عليه‌السلام : « من جمع لك ودّه ورأيه فأجمع له طاعتك » (٢).

قوله : « من هانت عليه نفسه فلا تأمن شرّه » (٣).

__________________

(١) تحف العقول : ٤٨٢.

(٢) تحف العقول : ٤٨٣.

(٣) تحف العقول : ٤٨٣.

١٤٣
 &

الإمام الهادي عليه‌السلام

جرحٌ يهزّ صداه كلّ فؤاد

مذ فجّروا قبر الإمام الهادي

تلك الخفافيش التي تخشى الضحى

أبداً تعيش بظلمة وعناد

جبناء تضرب في الظلام وتختفي

عملاء تشعل فتنة الأحقاد

بالأمس قد قتلوا الوصي وولده

حقداً يضجّ بخاطر الأوغاد

من أجل دنياها الدنيّة حاربت

نور الرسول وآله الأمجاد

غاصت بأوحال التحلّل والخنا

والقتل والتدمير والإفساد

زال العدوّ وظلّ نور المصطفى

ووصيّه والعترة الأمجاد

ظنّوا بأنّ البغي يخلد ملكه

خسأوا فإنّ الله بالمرصاد

كأبيه قد نال الإمامة في الصبا

فخصاله تسمو على الأنداد

شدّ الجميع لعلمه ولزهده

وخوارق غيبيّة الإمداد

كم واجه الأعداء زحف ولائه

كم لاحقوه وزجّ في الأصفاد

١٤٤
 &

كم نكّلوا ظلماً بشيعته وكم

سجنوا وكم قتلوا من الأوتاد

كم طاردوا أهل العدالة والهدى

بالسجن بالإغراء والإيعاد

فتشرّدوا عبر المدى بولائهم

لنرى معالمهم بكلّ بلاد

قد لاحقوا حتى القبور وروّعوا

زوّارها في طارف وتلاد

كي يسكتوا صوت الولاء لأنّه

في ظلمة الأحقاد صوت رشاد

لكنّما خابت جميع ظنونهم

تهفو الظماء لمنهل الورّاد

تسعى القلوب إلى هداه وركبه

يطوي الخِضمّ بحكمة وسداد

ومجالس فيها الغواية عربدت

والحقد كم شهدت لفضل باد

ألوى ضجيج مجونها وعدائها

بالوعظ أسكت غيّها المتمادي

حتى إذا عجز العدى دسّوا له

سمّ المنون أصاب خير فؤاد

خسأوا فهذا نهجه وضريحه

تسعى إليه مواكب الوفّاد

* ربيع الثاني ١٤٢٨

١٤٥
 &

محمّد الطهر عليه‌السلام

* نظمت في الطريق لزيارة السيد محمّد ابن الإمام الهادي عليه السلام

مولاي أنت لكلّ قلب مقصدُ

فانظر فقبرك بالخلائق يُحشدُ

قبرٌ به نورُ الولاية نابضٌ

أبداً يظلّ على المدى يتجدد

أين الاُولى ملكوا الزمان وحاولوا

أن يُطفأوا نور الهداة ويُخمدوا

هدموا قبور الصالحين وشتّتوا

زوّارهم ، وتجبّروا وتمرّدوا

نعب الغراب على طلول قصورهم

وتمزّقوا وكأنّهم لم يولدوا

والسادةُ الأطهارُ ممّن عمرهم

سجنٌ وتشريد وعيش أنكدُ

عاشوا برغم الموت ، نوراً خافقاً

يهدي الورى ، وكأنّهم لم يُلحدوا

قصر الردى عن أن يواريَ ذكرهم

وبكلّ قلبٍ حبّهم يتوقّد

* * *

أمحمّد الطهر الزكيّ ومن له

وفّاده من كلّ حدبٍ تقصد

قدّموا وقد رفعوا الأكفّ تضرّعاً

وجميل ذكرك في الشفاه يُردّد

فاشفع إلى الرحمن في حاجاتهم

واسمع هتاف قلوبهم « يا سيّد »

وأنا المعذّب جئتُ بابك سائلاً

فأمام وجهي كلّ بابٍ موصد

يا سيّدي فاعطف عليَّ ، فإنّني

ظام ، وعطفك للمعذّبِ مورد

* ١٣٩٥

١٤٦
 &

الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام

الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام اسمه الحسن ، وكنيته « أبو محمد » ولقبه العسكري ، وأبوه الإمام علي الهادي ، واُمّه السيّدة الجليلة « حديثة » وتسمّى أيضاً بـ « سوسن » ، ولد في الثامن من ربيع الثاني في المدينة سنة ٢٣٢ ، هـ تولّى الإمامة وعمره الشريف ٢٢ عام ، ومدّة إمامته ستّ سنوات من ٢٥٤ ، إلى ٢٦٠ هـ.

وخلفاء عصره ، المعتزّ ، والمهتدي ، والمعتمد ، وتقسّم حياته لمرحلتين :

مرحلة ما قبل إمامته ٢٢ عام ، ومرحلة إمامته ٦ سنوات قضى أكثرها في السجن.

ومن أجل أنّ الأئمّة ينفردون بخصال وملكات لا تتهيّأ لغيرهم ، وعدم تنازلهم لإرادة خلفاء عصرهم وقد أدّى ذلك إلى توجّه الناس إليهم والتفافهم حولهم ، ممّا أثار فزع الحكّام ، والتشديد في مراقبتهم واضطهادهم حتى الشهادة ، وهكذا كانت سيرة الخلفاء مع الإمام الحسن العسكري عليهم‌السلام ، حيث فرضوا عليه مراقبة مشدّدة ، وأودع السجن مرّات عديدة ، وحتى في الفترة التي لم يكن فيها في السجن كان مراقباً بحيث لا يتمكّن الشيعة والمحبّون الاتصال به بسهولة ، وإنّما كانوا يلتقون به بأساليب مختلفة بعد الاستعانة ببعض العلويين.

ومن هنا لم يتيسّر للإمام عليه‌السلام أن ينشر علومه ومعارفه بين المسلمين إلا القليل ممّا وصل إلينا ، وظهرت للإمام كرامات تناقلها الناس ، وهي مما أدّت إلى شدّهم إليه واعترافهم بفضله ، بالإضافة إلى ما يتحلّى الإمام به من فضائل أخلاقية راقية وكمالات

١٤٧
 &

معنوية ، بحيث اضطر الأعداء ، فضلاً عن الأصدقاء. للإعتراف بعظمته وعلوّ شخصيته ....

حتى قال فيه أحمد بن عبيد الله بن الخاقان وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام : « ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن علي في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم كافّة وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعامة الناس ».

وهذا ما كان يشدّ الناس إلى أئمتنا عليهم‌السلام ، ويثير خوف الأعداء وخاصّة الحكّام. ومن أهمّ أسباب هذا الاضطهاد والمراقبة المشدّدة للإمام الحسن العسكري خاصّة بالإضافة لما ذكرناه أمران :

الأوّل : كثرة الشيعة ودعوتهم لإمامة الإمام العسكري ورفضهم للخلافة العباسية.

والثاني : الأخبار المتواترة التي كان يعرفها حتى أعداء أهل البيت عليهم‌السلام أنّ الإمام الثاني عشر هو ابن الإمام العسكري ، وهو الذي يقضي على الحكومات الظالمة ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

ولذلك حينما أحسّ الخليفة المعتمد بدنوّ أجل الإمام ، بدأ يرسل الجواسيس إلى بيته للتفتيش عن ولد الإمام عليه‌السلام لعلّهم يعترفون عليه فيتخلصون منه. ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن يغيّبه عن أبصارهم ويحفظه من عدوانهم ، وقد كان الإمام عليه‌السلام يؤكّد على إمامة ابنه المهدي في بعض المواقف. ولبعض أصحابه الخلّص. فممّا ورد من ذلك رواية معتبرة عن معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيوب بن نوح ، ومحمّد بن عثمان العمري قالوا : عرض علينا أبو محمّد الحسن بن علي عليه‌السلام ونحن في منزله ، وكنّا أربعين رجلاً ، فقال : هذا إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا ، أمّا

١٤٨
 &

إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا قالوا : فخرجنا من عنده ، فما مضت إلا أيام قلائل ، حتی مضى أبو محمّد ».

شهادته : ولمّا رأى المعتمد العباسي توجّه الناس للإمام عليه‌السلام ومحبّتهم واعتقادهم به يزداد يوماً بعد آخر ، وأنّ السجن والاضطهاد والرقابة لم تؤثّر شيئاً بل أدّت إلى اتساع شخصيته أكثر ، لذلك دسّ إليه السمّ خفية ، فاستشهد عليه‌السلام في الثامن من ربيع الأول سنة ٣٦٠ هـ.

ومما أثر عنه من حكم وكلمات قصار قوله :

ــ « لا تمارِ فيذهب بهاؤك ، ولا تمازح فيتجرأ عليك » (١).

ــ « من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه ، ومن وعظه علانية فقد شانه » (٢).

ــ « كفاك أدباً لنفسك تجنّبك ما تكره من غيرك » (٣).

ــ « حسن الصورة جمال ظاهر وحسن العقل جمال باطن » (٤).

__________________

(١) تحف العقول : ٤٨٦.

(٢) تحف العقول : ٤٨٩.

(٣) الأنوار البهية : ٣١٩.

(٤) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٧٧.

١٤٩
 &

في الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام

إذا كنتَ في موقفٍ معسِرٍ

توجّهْ إلى الحسن العسكري

ستُجلى الهمومُ وتحيا القلوبُ

وتسكن في ذكره النيّر

تولّى الإمامة رغم الصعابِ

لكي يخلد المذهبُ الجعفري

تحدّته كلُّ حرابِ الظلام

لتطفئَ نور الهدى الأطهر

فكم طاردتْ شيعة المرتضى

لتخنق فيهم صدى « حيدر »‏

وإن أوقفَ الظلمُ خطو الظماء

فتهفو القلوبُ إلى « الكوثر »

ومن ذاقَ في العمر طعمَ الولاء

وخاضَ المكارهَ لم يَخسر

يموت ويحيا على حبّه‏

ويُحشر في ظلّه الأزهر

ينال السعادة عبر الدنا

ولطفَ الشفاعةِ في المحشر

فآل الرسول سفينُ النجاة

ولولاهم الحق لم يسفر

وغير ولاهم جحيم الضلال

يُصَبُّ على الحاقدِ المُنكر

وكم هدّدوا من لقاء « الإمام »‏

ولكنْ خطى الحبّ لم تذعر

وكم أودعوه ظلامَ السجون

ولكنّه العطرُ لم يُحصر

١٥٠
 &

وكم حاولَ الجورُ تشويهَه

يدنّسه كاذبٌ مفترِ

ولكنّه رغم كيد الخصوم

يزيدُ شموخاً ولم يُقهر

تساقطُ كلُّ قشور الدجى

ويخلد فينا سنا الجوهر

هو الشمسُ مهما تحدّى الظلام

فنور الحقيقة لم يُستر

هو الحقُ يمتدُّ عبر العصور

ومهما سعى البغيُ لم يُحسر

كراماتُه ردَّدتْها الشعوب‏

لتنهلَ من نبعه الخيّر

وقد علموا أنَّ في صلبه

وريثَ الهدى صاحبَ الأعصر

سيظهرُ بعد عصور الضياع

فيمرعُ كلُّ مدىً مُقفِر

وكم مرّةٍ لاحقتَه الجناةُ

لتبحث عن « كنزه » الأنور

فصدَّ قواها سلاحُ السماء

ليبقى خفيّاً ولم يُبصر

وغابَ كما الشمسُ خلفَ الغيوم

تفيضُ الحياة ولم تظهر

ولمّا تصاغَر حلمُ الطغاة

وصرحُ الإمامةِ لم يصغر

فدسّوا له السمَّ لكنَّه

يظلّ مناراً ولم يُقبر

ونالَ الشهادةَ غضّ الصبا

وساماً لتاريخه المزهر

* * *

١٥١
 &

وقد طاردوا الطهر بعد الممات

بتفجير مرقده الأطهر

خفافيش تهوى العمى والظلام

تحارب كلّ سناً أنضر

يريدون أن يُطفؤوا نوره

ويأبى الإله فلم يقهر

سيظهر وعدُ الهدى هادماً

قوى الجور والحقد والمنكر

* ربيع الثاني ١٤٢٢ هـ

١٥٢
 &

الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشريف

الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، واسمه اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولقبه المهدي القائم ، الحجّة ، بقيّة الله إلى غيرها من الألقاب ، والده الإمام الحسن العسكري وهو ابنه الوحيد ، واُمّه السيدة الجليلة « نرجس » حفيدة قيصر الروم ؛ ولد في يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة ٢٥٥ هـ في سامراء.

عاش خمس سنوات في حياة أبيه ، وقد أظهره أبوه لبعض الخواصّ من أصحابه ، حيث أنّ الأعداء كانوا يتربصون به ليقتلوه ، بعد أن فرضوا رقابة مشدّدة على أبيه عليه‌السلام ليقتلوا كلّ ولد يولد له ، ولكنّ الإرادة الإلهية شاءت أن يولد المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشريف ويدّخر لخلاص البشرية.

وقد تولّى الإمامة في سنة ٢٦٠ هـ بعد وفاة أبيه ، وله غيبتان :

الغيبة الصغرى : التي بدأت من سنة ٢٦٠ ـ ٣٢٩ هـ.

استمرت سبعين عاماً ارتبط فيها بالناس بواسطة نوّاب أربعة كُلّفوا بمهمّة النيابة الخاصّة. وهم عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمّد بن عثمان ، والحسين بن روح ، ومحمّد بن علي السمري.

الغيبة الكبرى : التي بدأت ٣٢٩ هـ وتستمرّ إلى مدة غير معلومة حتى اليوم الذي يتمّ فيه إعداد البشرية لتقبل حكومة العدل الإلهي ، وحينها سيظهر الإمام بأمر من الله تعالى ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

١٥٣
 &

وليس له نائب خاصّ في هذه الفترة وإنّما له نواب بالنيابة العامّة وهم الفقهاء العدول.

والاعتقاد بظهور المهدي في آخر الزمان مما ورد الإشارة إليه في القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ). وقوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) وغيرها من الآيات ذكرها المفسّرون ، وممّا اتفق عليه جميع المذاهب الإسلامية والروايات فيه متواترة من الفريقين وقد بلغت بحسب إحصاء بعض المؤرخين ستّة آلاف رواية.

فعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تقوم الساعة حتى يلي من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » كما في مسند أحمد بن حنبل ج ١ ، ص ٣٧٦ ، ٤٣٠.

وأمّا الأقوال حول أنّ الإمام المهدي هو ابن الإمام الحسن العسكري فهي كثيرة حتى في بعض مصادر أهل السنة كما نقلت بعض أقوالهم في كتاب « المهدي الموعود المنتظر » للشيخ نجم الدين العسكري بالإضافة إلى الروايات والأقوال الكثيرة في مصادر الشيعة.

وفي أحاديثنا وأحاديث سائر المذاهب الإسلامية نصوص عديدة تدلّ على أنّ عدد الأئمّة اثنا عشر ، وأنّ آخرهم المهدي عجّل الله تعالی فرجه شريف ونذكر منها :

في صحيح البخاري عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي أنّه قال : كلّهم من قريش ».

ونظيره في صحيح مسلم وجامع الترمذي ومسند أحمد وغيرها ، وفي بعضها ورد « اثنا عشر خليفة » كما في صحيح مسلم ، ومن الواضح أنّ الخلفاء الاثني عشر الذين ذكروا

١٥٤
 &

في الحديث لا ينطبق أوصافهم وأعدادهم إلا على أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام دون غيرهم من الخلفاء ، وقد نصّ في رواياتنا عليهم بأسمائهم كما في الرواية الصحيحة عن موسى بن جعفر عليه‌السلام أنه قال : « تقول في سجدة الشكر : اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك إنك أنت الله ربي والإسلام ديني ، ومحمّد نبييي وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر وعلي بن موسي ، ومحمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، والحجة بن الحسن ، أئمتي بهم أتولى ومن أعدائهم أتبرأ » الوسائل ج ٧ ، ص ١٥.

ويمكن بقاء الإنسان حيّاً هذه المدة الطويلة بإرادة الله ، لأنه يكفي في إثبات وقوع الشيء وإمكان تعلق إرادة الله به ، إمكانه في ذاته وعدم استحالته ، ووجود الدليل المعتبر على وقوعه ، وهذه القاعدة العامة « الإمكان الذاتي مع النص المعتبر على الوقوع » تثبت الكثير من الحقائق الغيبية التي لا تؤمن بها بعض العقول المتأثرة بالفكر المادي ، وكذلك نرى القرآن حافلاً بالكثير من الخوارق التي نُسبت للأنبياء بل حتى لغيرهم بمدد الله تعالى ، أمثال معاجز الأنبياء وعلم عيسى عليه‌السلام بما يأكلون ويدخرون ، وإلقاء القميص على وجه يعقوب فعاد بصيراً ، وبقاء أصحاب الكهف تلك المدّة الطويلة ، وإماتة عزير مئة عام حتى طعامه لم يتسنّه ومعرفة سليمان بمنطق الطير ، ومريم كان يأتيها رزقها ، ومجيء آصف بن برخيا بعرش بلقيس مع أنّ البعض ليسوا أنبياء أو أئمّة لذلك لا تعجب من بقاء الإمام عليه‌السلام هذه المدة الطويلة بمدد الله تعالى. وهو ممّا يتوفر في بقاء الإمام الغائب ، بالإضافة إلى وجود المعمّرين كما نصّ عليه في القرآن الكريم أمثال نوح ، وكما يدل على بقاءه النصوص المعتبرة كما أشرنا إليها ، ومنها الأحاديث الثابتة بين الفريقين أنّ

١٥٥
 &

الأرض لا تخلو من حجة أو إمام ، وغيرها من الأحاديث العامة والخاصة.

والسرّ في غيبته عليه‌السلام هو الحفاظ عليه من أيدي الجبابرة والجائرين ، وقد اُشير في الروايات إلى حِكمٍ أخرى ، منها إمتحان الناس واختبار مدى استقامتهم بعد إقامة الحجة عليهم ، مع أن الناس لم يحرّموا تماماً من عطاءات الإمام خلال الغيبة ، وكما ورد في الروايات أنّه كالشمس خلف الغيوم حيث يستفاد من نورها ، وقد وفق أفراد للقائه وإن ظهر بصورة رجل مجهول ، واستفادوا منه كثيراً في قضاء حوائجهم المعنوية والمادية.

ويعتبر بقاؤه حيّاً عاملاً كبيراً في زرع الطمأنينة وشيوع الأمل بين الناس ، وخاصة المستضعفين والمضطهدين الذين يبحثون عن الخلاص ، ولولا هذا الأمل لأصاب الناس اليأس والمستقبل المظلم المجهول.

والانتظار هو من العوامل المهمّة التي تساهم في إصلاح الناس لأنفسهم من أجل إعدادها لظهوره عليه‌السلام ، لذلك أكّد كثيراً في الروايات على الإنتظار فعن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أفضل العبادة إنتظار الفرج » (١).

وقد ذكرت الروايات بعض العلامات على ظهوره منها قريبة من عصر الظهور ومنها بعيدة عنه تراجع فيها في الكتب الموسعة ، وقد ورد عن الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه الشريف في تعيين الفقهاء في زمان غيبته الكبرى وانهم حجة :

« وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليهم وأنا حجة الله عليهم » ، وكذلك قال الإمام الصادق عليه‌السلام في حقّهم : « وأمّا من كان من الفقهاء صائناً

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ : ١٢٥.

١٥٦
 &

لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه » (١).

__________________

(١) جامع الأحاديث الشيعة ١ : ٣١٤.

١٥٧
 &

في مولد الإمام الحجة عجّل الله تعالی فرجه الشريف

الصمت الناطق

لِلّه صَمتكَ أيُّ لحنٍ شاعري

كالحسن ملؤ مشاعرٍ ونواظرِ

أنّي نظرتُ أراكَ وجهاً ملؤه

نورٌ ، ولكن لا أراك بناظري

کالعطر يسحبنا لسحر فتونه

وشذاه مخبوءً بطيّ أزاهر

کالروح تنبض بالحياة ، ووجهها

أخفت ملامحه وراء ستائر

تعبَ الزمان ولم تزل ثرّ القوی

يسقي الرجاء رُؤی صباک الزاهر

لابد للشمس الخفيّة عودة

في الصبح رغم قوی الظلام الجائر

* * *

ذکراک تقدم کالربيع لقفرنا الـ

ـذاوي ، فيحيی ألف روض ناظر

يهمي علينا بالحياة نسيمها

والخير والأمل الحبيب الطاهر

ويعيد تاريخ الولاء فتوّةً

في الخطو تمسح ألف شوک غادر

يا لائمي في حبّهم وولائهم

مهلاً ، فإنّهم نعيم مشاعري

فهم بهول التيه أعذب واحة

وبخاطر الظلماء فجر بشائر

أسفاً علی اُمم تناست مجده

وتنکّرت لبزوغ عهدٍ زاهر

١٥٨
 &

لو يطرد الإنسان من أعماقه

ليلاً يجمّعه جنون جرائر

وحکاية الماضي ولعنة اُمّة

کانت تقيم بعالم متناحر

يتصارعون علی الغنيمة والعدی

يغزو مواقعنا ولا من ذاکر

حتى انتبهنا والعدى في أرضنا

أهل ونحن عليه أثقل زائر

فالغرب حطّمَ كلّ بابٍ واحتوى

آفاقنا حتى دبيب الخاطر

دنيا من المتع الرخيصة ، ثرّة

بالمخزيات ، بكلّ عمرٍ فاجر

وتغيب في عبث الظلام ، فعهدهم

كونٌ يجنُّ بكلّ وحش كاسر

خمدت مبادؤهم ، فكلّ طموحهم

زعقات أكوابٍ ، وحشد عواهر

أين الفتوح الشمُّ تعصف ثورة

وتنازل الدنيا بكلّ مغامر

أين الحروف البيض تهطل بالهدى

والنور ، تخصب كلّ قفر داثر

نضبت روافدها بجيل غارق

في البغي يلهث خلف وحل جرائر

يا رحلة العلياء كيف تقهقرت

منكِ الخطى تهوي بتيهٍ غابر

لتعود لليل القديم يجنُّ فيه

غاباته وحش الضياع الخاسر

المجد خطوٌ واثبٌ يطوي المدى

ويواجه الجلّى بعزمٍ قاهر

قد خاب من يغفو بأوحال الهوى

ويقيم في الدنيا بقلبٍ خائر

* شعبان ١٣٩٢

١٥٩
 &

في مولد الإمام المنتظر عجّل الله تعالی فرجه الشريف

يا لمح

عبثاً فليس الفجر يستترُ

ورؤاک يمضغ خطوها الشررُ

ومرافئ التاريخ تعرفها

کانت ، وکان الليل والسهر

أترى تشق البيد مرکبةٌ

في حين ترکل وجدها الحُفر

من أين يفترس المدی عبراً

وعلی يديک تعالت العبر

عبثاً فلا الآهات صامتةً

کلا ، ولا يترجّل القمر

إنّ الحکايا السود قد لعنت

دهراً به تتکالب الصور

يا ليل ، قد طالت مسافتها

ومشی علی تاريخها الخطر

لا تبتئس ، فاللمح قافية

قد شدّ في تلحينها الوتر

وأتيتَ من خلف العصور هوی

في خاطر العشّاق ينهمر

وفتحتُ صدراً کلّه ضرمٌ

ومسحت عيناً کلّها نظر

أنا هاهنا شوقٌ علی يده

کلّ الدروب السود تنتحر

ومشيت لا هزؤ السراب ، ولا

الأصوات تفزعني ، ولا الغِيَر

١٦٠