أنوار الولاء

السيّد هاشم الهاشمي

أنوار الولاء

المؤلف:

السيّد هاشم الهاشمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وتهاوت كلّ الأساليب وامتدّ

ولاء الإمام في الأرجاء

فرمته الطغاة غيظاً وغدراً

في سجونٍ رهيبةٍ سوداء

خسأوا فالولاء رغم قوى الإرهاب

يمضي بخطوه الوضّاء

فاستشاطت بغيظها زمر البغي

فدسّت إليه سمّ العداء

بيد أنّ الأعداء زالوا ليبقى

كاظم الطهر في ذرى العلياء

* ٢٥ رجب ١٤٢٩

١٢١
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

١٢٢
 &

الإمام علي الرضا عليه‌السلام

الإمام علي ابن الإمام موسى الكاظم ، واُمّه تسمّى نجمة من أفضل النساء عقلاً وتقوى ، كنيته أبو الحسن ، ولقبه الرضا.

ولد ١١ ذي القعدة عام « ١٤٨ » في المدينة.

ومدة إمامته عشرون عاماً من سنة ١٨٣ إلى ٢٠٣ هجرية.

وخلفاء زمان إمامته : هارون والأمين والمأمون.

زمان ومكان شهادته : آخر صفر ٢٠٣ ، وعمره ٥٥ عاماً ، استشهد بسمّ دسّه المأمون ، ومرقده الشريف في مدينة مشهد في إيران.

وتقسّم حياته لثلاث مراحل :

١ ـ ما قبل الإمامة من عام ١٤٨ إلى ١٨٣ أي « ٣٥ » عاماً.

٢ ـ مرحلة الإمامة في المدينة « ١٧ » عاماً.

٣ ـ مرحلة الإمامة في خراسان ثلاث سنوات وهي أهم مراحله السياسية. واصل الإمام عليه‌السلام الجهاد العلمي ونشر علوم أهل البيت عليهم‌السلام وتجاهر بإمامته وخاصّة في فترة الصراع بين الأمين والمأمون حيث كثر عدد الشيعة والعلويين ، وأظهر الكثير رفضهم وتمرّدهم على النظام العباسي.

ولكن حاول المأمون امتصاص النقمة الشيعيّة من خلال التظاهر ببعض الممارسات ليقضي على أرضيّة التمرّد والانتفاضات عليه وخاصّة بعد اتساع شهرة الإمام ونفوذه ،

١٢٣
 &

لذلك جعله وليّاً للعهد من بعده ، وجلبه من المدينة إلى مرو لأجل ذلك ، وفي الطريق رأى النظام العباسي مدى توجّه الناس واستقبالهم الكبير للإمام ، وخاصة في نيشابور حيث ألقى عليه‌السلام حديث سلسلة الذهب في الجماهير الغفيرة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « حدّثني جبرائيل قال سمعت ربّ العزة يقول : كلمة لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي ، لكن بشروطها وأنا من شروطها » (١) أي أنّه لا بد من الإيمان بالتوحيد والنبوة والإمامة وولاية أهل البيت عليهم‌السلام فهو الحقّ وهو سبيل السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

وإنّما قِبل الإمام عليه‌السلام ولاية العهد ، كما قبل الإمام الحسن عليه‌السلام الصلح ، فإنّه كان مضطراً إليه ، حيث إنه كان مهدّداً بالقتل لو لم يقبل ، بالإضافة إلى أنّه عليه‌السلام إنّما قبلها بشروط منها عدم تدخله في شؤون الخلافة وتعيين الأفراد في المناصب أو عزلهم ، حيث كشف للجميع أنّه مجبور على ذلك ، وحتى يسقط القناع عن بعض مخطّطات العباسيين ، لأنّه عليه‌السلام كان يعلم بأنّها خطّة يقصد من خلالها التوصّل لبعض الأطماع ، لذلك حاول الإمام عليه‌السلام إفشالها من خلال شروطه ، وسلوكه ومواقفه بعد ولاية العهد وقد استخدمها وسيلة لنشر مبادئ أهل البيت عليهم‌السلام ، والكشف عن زيف النظام وانحرافاته للمسلمين كما فعل قبله الإمام الحسن عليه‌السلام في صلحه مع معاوية.

وقد فزع النظام من توجّه الناس للإمام وخاصّة حين كلّفه المأمون لإقامة صلاة العيد في مرو ، ولمّا خرج أقبل عليه الناس من كلّ جانب ، حتى قال : « الفضل بن سهل للمأمون إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلّنا على دمائنا ». فانفذ إليه أن

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٩ : ١٢٧.

١٢٤
 &

يرجع فرجع.

ولذلك خطّط المأمون لقتله بعد أن فشلت جميع الأساليب في الحد من نفوذه.

لذلك دسّ إليه السم بالعنب. كما صرح بذلك أيضاً بعض علماء السنة في كتاب خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال عن سنن ابن ماجة ، وكذلك في تهذيب التهذيب ، والطبري.

وهذا ممّا يدلّ على عدم تنازل الإمام للمأمون وعدم صدق المأمون في ولاية العهد ، وكذلك فإنّ هذه الولاية قد أفشلت مخطّطات النظام الحاكم.

وذكرت له بعض الآثار :

١ ـ ما كتبه إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله عن علل الأحكام.

٢ ـ العلل كما نقله عنه الفضل بن شاذان.

٣ ـ ما كتبه إلى المأمون في محض الإسلام ، وشرائع الدين ، وهذه الثلاثة نقلها الصدوق في عيون أخبار الرضا.

٤ ـ الرسالة الذهبية في الطلب.

٥ ـ ما كتبه إلى المأمون في جوامع الشريعة.

٦ ـ صحيفة الرضا.

من هنا نعرف أنّ الإمام عليه‌السلام قد ساهم مساهمة فعّالة في الحركة العلمية في زمانه ، فقد أتيح له أن يتحرّك في شتّى الميادين ، كما ركّز على فلسفة الأحكام الشرعية ، يظهر ذلك من الروايات المرويّة عنه حول هذا المضمون ، وتركيزه على قضايا الطبّ والصحّة ، كما برزت عنايته بمحاورة أصحاب الفرق والأديان الاُخرى ، وتتلمذ على يده كبار العلماء من

١٢٥
 &

مختلف المذاهب ، وأشاد بفضله كبار رجال السياسة ، وقد أقرّ الجميع بتفرّده علمياً في جميع مجالات المعرفة.

ونقف قليلاً مع نصّ له عليه‌السلام يتحدّث فيه الإمام عليه‌السلام عن مفهوم الإمامة يقول عليه‌السلام :

« الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم ، وهو بالاُفق حيث لا تناله الأبصار والأيدي ».

الإمام : البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الطالع ، والنجم الهادي في غيابات الدجى ، والدليل على الهدى ، والمنجي من الردى.

الإمام : أمين الله تعالى في خلقه ، وحجّته على عباده وخليفته في بلاده ، والداعي إلى الله ، والذابّ عن حريم الله » (١).

ومن كلماته وحكمه القصار قوله عليه‌السلام :

« أحسنوا جوار النعم ، فإنّها وحشيّة ما نأت عن قوم فعادت إليهم » (٢).

« لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ، ولا يدعم تعجيل العقوبة مع ادّراع البغي » (٣).

__________________

(١) تحف العقول : ٤٣٨.

(٢) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٤١.

(٣) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٥٠.

١٢٦
 &

توسّل بالإمام الرضا عليه‌السلام دعاء الصمت

وبالصمت أدعو لا بنطقي وإنّما

تحلّق روحي في مدى الصمت عاليا

ويعيى لساني عن دعائي ، فينبري

سكوتي ، يناجي لطفكَ الثرَّ راجيا

يضيق كلامي عن بيان لواعجي

ولكنّني بالصمت أبدي الأمانيا

إلهي : ونفسي بين خوف ورغبة

وأهواؤها في التيه أمسَت ضواريا

فجَرِّد وجودي من قيودي ، لعلّني

أفوز بلطف العفو يوم جزائيا

فعبر جهاد النفس أفياء جنّتي

وفي هوّة الأهواء نار شقائيا

أعنّي إلهي في حياتي ، فلم أَجد

سوى الكدح في هذي المتاهة ناجيا

ففي ضبط أهوائي ، وفي تعب التقى

وفي قهر لذّات الغياب خلاصيا

تزاحمت الآراء ، واضطرب السُرى

وغامت دروبي ، ربّ فاختمْ ضياعيا

ومنذ قديمٍ قد دعوتكَ فاستجبْ

ولا شافعٌ أرجوه إلا ولائيا

بحقّ الرضا ، فالطفْ لعمري بنظرة

فقد عاد من طعن المتاعب ذاويا

تفضّلْ على خطوي بصبرٍ وعزمةٍ

ليسلك درب الإستقامة راضيا

* ربيع الثاني ١٤٢١ مشهد

١٢٧
 &

توسل بالإمام الرضا عليه‌السلام سيّدي أيها الغريب

سيّدي أيّها الغريب لقد جاءتك

تسعى قوافل الغرباء

أنت أنت الملاذ في هذه الدنيا

وأنت الشفيع يوم الجزاء

كلّ ما في الوجود ليلٌ ولكن

أنت شمس تضجّ باللئلاء

قد أتتك القلوب تستلهم الإيمان

من فيض قبرك الوضّاء

بعد عمر من الضياع من الظلـمة

مدّت أكفّها للعطاء

سيّدي إنّني فقيرٌ ، فلا أملك

غير الدموع والأهواء

أترى أستحق نظرة لطف

وأنا غارق ببحر الشقاء

أترى أستحق قرباً ، وقلبي

كلّ آن يهفو لتيه التنائي

أنا أدركتُ بعد طول ضياعي

أنّكم وحدكم وميض رجائي

سيّدي قد أتيتُ أطلب عفواً

من ذنوبي ، فهل تجيب ندائي

١٢٨
 &

سيّدي قد أتيتُ أرجو خلاصاً

من شقائي ومحنتي وعنائي

سيّدي قد أتيتُ أحمل دمعي

وذنوبي وتوبتي وولائي

سيّدي كم سألتُ ربي لطفاً

بيد أنّ الذنوب صدّت دعائي

سيّدي قد أتيتُ ، فاشفع إلى الـ

ـله لعبدٍ يقيم في الأخطاء

ليس لي ملجأ سواكم ، فهل تبقى

حياتي في هوّة عمياء

فخلاصي أن تستقيم خطى العمـ

ـر بدرب التقى بكلّ مضاء

* * *

لست أبكي لميّت ودّع الدنيا

بخطو زاكٍ وقلب مُضاء

بل لنفسي وواقعي ومصيري

كلّ دمعي وأنّتي وبكائي

أنا ماضٍ إلى ملاقاة ربي

أتراني أفوز يوم اللقاء

وكتابي ما فيه غير ذنوب

وحكايا مريرة رعناء

« وقفوهم » صوتٌ يهزُّ بعنفٍ

كلّ سمع ، فيا لهول النداء

كيف بي لو وقفتُ ناكس طرفٍ

خائفاً من صحيفتي السوداء

هو يُطفي حرّ الجحيم وإن عاش

الموالي جرائر الأخطاء

١٢٩
 &

يشهد الله سيّدي ليس في قلبـي

سوى نبض حبّكم وولائي

عُجنت طينتي بطيب ولاكم

كيف تدنوا الجحيم من أعضائي

أبداً لن أحيد عنكم ، وإن كنــتُ

وحيداً في قبضة الأعداء

هو في العمر عزّتي وعلائي

ليس لي غير حبّكم من علاء

وكتابي يوم المعاد وزادي

ليس لي غير حبّكم من رجاء

فكتابي صفرٌ من الخير لكن

قبل موتي ملأته بولائي

* * *

سيّدي أيها الرضا ، إنّني جئتُ

بشعري ومدحتي وثنائي

فتقبّل ، فإنّني قد ترفّعتُ

بشعري عن غير آل العباء

إنّه كلّ ما ملكتُ من الدنيا

وهذي هدية الشعراء

إنّني قد مددتُ كفّي بإلحا

ح وذلٍّ لسادة الكرماء

سوف اُلقي أمامكم كل دمعي

وولائي حتى تجيبوا ندائي

ليس لي حاجة سوى الوعد أن أحـضى

بقربٍ منكم بيوم الجزاء

آل بيت النبيِّ .. فيه رجالٌ

خير كلّ الورى ، وخير نساء

نهجهم للعباد دنياً واُخرىً

مرفأ النور والعلى والهناء

١٣٠
 &

دربهم منهل السعادة ، يروي

ظمأ الحائرين والبؤساء

رَبّ ثبّت خطوي بدرب هداهم

رغم كلّ العواصف الهوجاء

فهو في الحشر جنّةٌ ، وهي في الدنيا

طريق السعادة الخضراء

* محرم ١٤١١

الإمام الرضا

إذا ضاقت بك الدنيا فوجّه

ركابك « للرضا » رمز النجاة

سيفرّج عنك فاقصده وزره

وأكثر عنده ذكر « الصلاة »

* * *

١٣١
 &

الإمام الرضا عليه‌السلام

وإمامٌ في طوس عاش غريب الدار

عانى لواعج الابتلاء

قد تحدّى نفوذه في قلوب الناس

عصف الإرهاب والإغراء

واجهته خلافة الجور لا تعرف

غير الجناة والخلعاء

هو نور الضمير والدين في عصر

تهاوى في هُوة الظلماء

خُلق كالنسيم يعبق باللطف

كريماً حتى على الخصماء

ضمَّ في نبله وطيب السجايا

ونداه حتى الغريب النائي

ذروة الزهد والتواضع قد واسى

حياة العبيد والفقراء

وغزير العطاء ينفق سراً

لبيوت الجياع والضعفاء

علمه زهده جميل عطاياه

حديث الأقلام والشعراء

وكراماته التي شدّت الأنظار

حبّاً لنهجه المعطاء

هديه وعظه أحاديثه الغرّاء

تهدي الورى لدرب السماء

كم سعى البغي أن يصدَّ ولاءً

مثمر الخطو طاهر الأجواء

رام أن يضعف الإمام اختباراً

لعلوم غيبيّة الآراء

١٣٢
 &

خاب كيد الخصوم حيث أقرّت

لعلاه محافل العلماء

علماء الأديان كم ناظروه

فتصدّى لهم بكلّ مضاء

شدّهم علمه وقد عاد جمعٌ

منهم للهدى ، ونهج الولاء

قلّدوه ولاية العهد لكن

ردّ سهم العداء للأعداء

مثّل الدين منطقاً وفعالاً

ورأته الأنام خير لواء

ودعاه بمكره لصلاة العيد

حكم الأطماع والبغضاء

زحفت نحوه الجماهير شوقاً

وولاءً لركبه الوضّاء

كلّ شر وموقف لطغاة الحكم

أصمى العدى بأقسى جزاء

رغم كلّ المواقف السود يزداد

سموّاً في ذروة العلياء

حين هدّ اليأسُ المريرُ قوى البغي

فدسّوا إليه سمّ العداء

خسأوا هذه الملايين تهفو

لثرى قبره ملاذ الرجاء

هديه مرفأ السعادة في الدنيا

وحُلم الفلاح يوم الجزاء

واختفت سطوة العروش فلم يبق

لذكر الطغاة غير الهجاء

* * *

سيّدي أيها الرضا كم نظمتُ الشعر

فيكم حتى يزاح بلائي

إنّني قد طرقتُ كلّ دروب الأرض

بحثا يا سيّدي عن شفائي

١٣٣
 &

بيد أنّي لا زلت في غمرة الآلام

أحيا في محنة الضّراء

كم توسّلتُ بالنبيّ وبالعترة

لكن لا زلتُ في البأساء

ليس لي ملجأ لكشف كروبي

في حياتي بغير أهل الكساء

قد هجرت الأبواب طرّاً لخطبي

غير باب الأئمّة الاُمناء

* ربيع الثاني ١٤٢٨

١٣٤
 &

الإمام الجواد عليه‌السلام

اسمه محمّد ، وكنيته أبو جعفر وأشهر ألقابه التقي والجواد واُمّه « سبيكة » سمّاها الإمام الرضا « الخيزران » وهي تنتسب لمارية القبطية زوجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولد في ١٠ رجب سنة ١٩٥ هجرية في المدينة ، ومدّة إمامته ١٧ عاماً من ٢٠٣ إلى ٢٢٠ ، وخلفاء زمان إمامته المأمون والمعتصم.

استشهد في آخر ذي القعدة سنة ٢٢٠ وعمره « ٢٥ » عاماً ، وقد دسَّ إليه السمّ بأمر المعتصم على يد زوجته اُم الفضل بنت المأمون في بغداد ودفن في بغداد.

تقسّم حياته لمرحلتين ؛ قبل إمامته وبعد إمامته.

وقد تولّى الإمامة وعمره ثمان أو تسع سنين.

ولا عجب في ذلك ، لأنّ الإمامة منصب يساهم فيه مدد الله تعالى وقابليّة الإمام بما لا تتوفّر في غيره ، ولأجل حاجة البشريّة لإمام في كل عصر ، فيجعل الله الإمامة لمن يملك قابليّتها دون غيره ، ولا مانع من توفّر الشخص على جميع مؤهّلات الامامة من العلم والعصمة والولاية حتى لو كان طفلاً صغيراً فيبعثه نبيّاً أو يجعله إماماً وهو في مرحلة الطفولة ، وكما صرّح القرآن الكريم أنّ « يحيى » نال مقام النبوّة وهو صبي : ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) وعيسى نال النبوّة في المهد : ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ). لذلك فإنّ أعداء أهل البيت عليهم‌السلام من أجل مواجهة مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام والاستهانة بإمامة إمامهم وهو

١٣٥
 &

صبي ، حاولوا امتحان الإمام عليه‌السلام واختباره في بعض المواقف ولكنّه خرج منتصراً ، تشهد أجوبته على إمامته ، وتفوقه على أهل عصره ، حتى وهو صبي.

وتذكر جميع المصادر من الشيعة وأهل السنة موقفه من يحيى بن أكثم ، قاضي عصره ، حيث جمعوه مع الإمام في مجلس حاشد من الناس ، من أجل إفحام الإمام ، وسأله سؤالاً صعباً ، فأجابه الإمام عليه‌السلام وفرّع السؤال إلى فروع عديدة ، مما أدهش ابن أكثم ، ثم طرح عليه‌السلام سؤالاً ، فلم يتمكن ابن أكثم من الجواب.

ولأجل مواجهة المأمون لنقمة الشيعة والعلويين ، وانتفاضاتهم ، زوّجه من ابنته اُم الفضل ، حيث اُجبر كأبيه على هذا الزواج.

وواصل الإمام عليه‌السلام إرشاده وتعليمه وتربية التلاميذ ، ولكن لأجل الضغوط والمواقف الشديدة المعادية التي اتخذها النظام الحاكم ضد الإسلام الأصيل ، لم يتمكن من ممارسة هذا العمل العلمي والتبليغي بصورة موسّعة ، وتوجيه المسلمين وهدايتهم لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، لذلك فإنّه كان يحاول استخدام نشاطاته العلمية ، وتعريف المسلمين بإمامته ومبادئ أهل البيت وتعاليمهم وأنّها تمثّل سبيل الحق والفلاح بمختلف الأساليب رغم الضغوط والملاحقات ومنها إظهار بعض الكرامات مما وجّهت الأنظار إليه ، حيث صدرت منه الكثير من الكرامات بالإضافة لنشاطاته العلمية سجّلتها المصادر التاريخية.

وبعد أن رأى المعتصم انتشار شخصية الإمام عليه‌السلام ، واعتقاد الناس وتوجّههم إليه وإلى مدرسته وتعاليمه ، فخاف على حكمه وإطماعه ، وزاد من ذلك وشاية أعداء أهل البيت عليهم‌السلام واصطناع الأكاذيب والتهم حوله ، مما دفع المعتصم لمحاولة اغتيال الإمام عليه‌السلام ، فجلبه من المدينة جبراً إلى بغداد ، واستشهد الإمام بالسمّ الذي دسته إليه زوجته اُم الفضل بإيعاز من المعتصم.

١٣٦
 &

ومما أثر عنه من المواعظ والحكم :

« قال له رجل أوصني ؛ قال : أوَ تقبل ، قال : نعم ، قال عليه‌السلام : توسّد الصبرَ واعتنق الفقر ، وارفض الشهوات ، وخالف الهوى ، واعلم أنّك لن تخلوا من عين الله ، فانظر كيف تكون » (١).

وقال عليه‌السلام : « تأخير التوبة اغترار ، وطول التسويف حيرة ، والاعتلال على الله هلكة ، والإصرار على الذنب أمن لمكر الله ، ولا يأمن لمكر الله إلا القوم الخاسرون » (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٥٨.

(٢) تحف العقول : ٤٥٦.

١٣٧
 &

الإمام الجواد عليه‌السلام

إن تمادى عليك ليل العوادي

فتوجّه إلى الإمام الجواد

وتوسّل به إلى الله كي يجبر

جرح الأسى بخير ضماد

ورث العلم والإمامة طفلاً

قاد ركب الهدى بكلّ سداد

إنّها حكمة الإله فقد أوحى

لعيسى المسيح في الميلاد

فاستهان العدى وراموا اختباراً

لقوى علمه على الأشهاد

رجعوا خائبين ، لكنّها الأهواء

تطغى في غيِّها المتمادي

شاهدوا علمه وحشد كراماتٍ

تسامى بها على الأنداد

لم تؤثّر على ابن أكثم والمأمون

دنيا غيبيّة الإمداد

هو حبّ الدنيا وإرث ذنوبٍ

تحجب المرء عن طريق الرشاد

طاردوا بالسجون والغدر والإرهاب

ظلماً آل النبي الهادي

جمع العلم والمكارم والجود

وزهد النسّاك والعبّاد

١٣٨
 &

فنهارٌ يقضيه بالهدي والبذل

وليل يمرّ بالأوراد

يرفد المؤمنين خيراً لدنياهم

ودرب الفلاح يوم المعاد

وبه تلتجي المساكين لا ترجع

منه إلا بأفضل زاد

فاستشاط النظام حقداً واُم الفضل

دسّت إليه سمّ الأعادي

خسأ الغدر فهو لا زال حيّاً

يتسامى على مدى الآباد

سيّدي أيّها الجواد لقد ضاقت

حياتي من الخطوب الشداد

كبرت ظلمتي ففي التيه لا أنظر

إلا السواد إثر السواد

سيّدي أيّها الجواد لقد جئت

بخطبي مستجدياً للجواد

فتفضّل وجُد بنظرة عطفٍ

لمرادي فأنت « باب المراد »

* ربيع الثاني ١٤٢٨

١٣٩
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

١٤٠