أنوار الولاء

السيّد هاشم الهاشمي

أنوار الولاء

المؤلف:

السيّد هاشم الهاشمي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: نور الولاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-97647-4-7
الصفحات: ٢٠٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام

اسمه « محمّد » ومن أشهر ألقابه « الباقر » ، « باقر العلوم » ، وكنيته « أبو جعفر » أبوه : الإمام السجاد ، واُمه : فاطمة بنت الإمام الحسن عليه‌السلام ، ولد أوّل رجب سنة « ٥٧ » هجريّة في المدينة ، ومدّة إمامته : « ١٩ » عاماً وعشرة أشهر من سنة « ٩٥ » إلى « ١١٤ ». وخلفاء زمان إمامته : الوليد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك من خلفاء بني اُمية ، واستشهد بالسمّ في المدينة يوم الاثنين ٧ ذي الحجة سنة « ١١٤ » بأمر هشام بن عبد الملك ، ومرقده الشريف في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.

تقسّم حياته لمرحلتين :

١ ـ ثلاث سنوات وستة أشهر وعشرة أيام مع جدّه الحسين عليه‌السلام ، وأربع وثلاثين عاماً وخمس عشر يوماً مع أبيه السجاد.

٢ ـ مرحلة إمامته : « ١٩ » عاماً وشهران وعشرة أيام. حيث كانت بدايات الصراع بين الاُمويين والعباسيين ، استفاد منها الإمام عليه‌السلام في تربية الطلاب ، ونشر مفاهيم الإمامية ، وسعی في سبيل إيجاد التحوّل الثقافيّ بين المسلمين.

امتاز الإمام عليه‌السلام حسب مرحلته بالعلم ، وقد أذعن له العلماء حتى من سائر المذاهب الإسلامية ودرسوا علی يديه ، ولذلك سمّي « باقر العلوم » ، وقد نشأ في مدرسته مجموعة من أعلام الإمامية ، أمثال أبان بن تغلب وزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم وغيرهم.

١٠١
 &

دور الإمام الباقر عليه‌السلام :

١ ـ نشبت كثير من الثورات في عصر الإمام عليه‌السلام ضد النظام الاُموي ، ولكن الإمام عليه‌السلام لم يشارك في هذه الثورات لأنّ الظروف لم تكن مهيّئة للمشاركة فيها.

٢ ـ قام بتوعية المسلمين وبناء جيل من المتعلّمين الواعين والفقهاء الكبار من أجل بناء قاعدة إسلامية شيعية ، تحمل راية الإسلام في المستقبل وتتصدّى لمظاهر الإنحراف.

٣ ـ الوقوف بشدة أمام التيارات الفكرية المنحرفة وإظهار الحقيقة الإسلامية التي جاء بها القرآن وبشّر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث كان يتميز باحتجاجاته العلميّة ضد الخصوم المعاندين لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام التي نقلتها مختلف المصادر.

٤ ـ مدرسة الإمام الباقر عليه‌السلام : إنّ سياسة بعض الخلفاء المعاصرين له كانت متساهلة بعض الشيء ، دفعت الإمام عليه‌السلام إلى أن يقوم بنشاط إسلامي فكري وعلمي كبير لمواجهة التيّارات المنحرفة وقد ذكرت لنا كتب السير مئات من العلماء والفقهاء الذين تخرّجوا من جامعة الإمام الباقر عليه‌السلام والذين ألّفوا مئات الكتب التي تتحدّث عن آرائه وعلومه.

الإمام الباقر عليه‌السلام وعبد الملك بن مروان :

كانت الدراهم والدنانير التي يتعامل بها المسلمون في عهد الاُمويين من صنع الروم ، وذات مرّة ساءت العلاقات بين ملك الروم والدولة الاُموية ، فهدّد ملك الروم أن يسبك الدراهم وعليها عبارة تشتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضاق عبد الملك الخليفة بالأمر ، لأنّ عدم التعامل قد يؤدّي إلى أزمة اقتصادية ، فعرض عبد الملك الأمر علی الإمام الباقر فعلّمهم الإمام عليه‌السلام طريقة ضرب النقود في خطّة يستحيل معها التلاعب في وزن الدراهم والدنانير أو تزويرها. وقال الإمام عليه‌السلام إذا فعلت ذلك فأمر بالتعامل بها ، وهدّد المخالفين بأشدّ

١٠٢
 &

العقوبات ، وبذلك انقطع الطريق أمام ملك الروم واستغنی المسلمون عن نقوده.

استمرّت مدرسة الإمام الباقر عليه‌السلام مدة « ١٨ » عاماً ، خلّفه بعدها ولده الإمام الصادق عليه‌السلام الذي عاش في الفترة التي سقطت فيها الدولة الاُموية ، وقامت علی إنقاضها الدولة العباسية.

وقد ورد من الإمام عليه‌السلام الكثير من الروايات والأقوال في مختلف المجالات نكتفي بذكر وصية من وصاياه لأحد تلامذته « جابر بن عبد الله الجعفي » يقول عليه‌السلام :

« واعلم أنّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ولا عقل كمخالفة الهوی ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنی كغنی النفس ولا قوة كغلبة الهوی ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستضعاف الدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ولا نعمة كالعافية ولا عافية كمساعدة التوفيق ... » (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ١٦٤.

١٠٣
 &

الإمام الباقر عليه‌السلام

إذا كنت في موقفٍ حائرٍ

وجرحك عاد بلا جابر

وسُدَّت بوجهك كلّ الدروب

وعُدت وحيداً بلا ناصر

فوجّه خطاك لآل الرسول

توسّل إلى الله بالباقر

سيدفع عنك صروف الزمان

لتنعم في ظلّه الناضر

إمامٌ تفجّرَ فيض العطاء

مدى الدهر من علمه الوافر

لقد بقر العلم لمّا همی

من الغيب في قلبه الطاهر

ليكتب للخلق نهج الفلاح

لدنياه والعالم الآخر

لتنهل منه جميع القلوب

أفانين من بحره الزاخر

وكل إمام له دوره

لحفظ الهدی النابض الزاهر

ليبقى أصيلاً تراث الرسول

من الزيف في الزمن الماكر

فدور الحسين ضحايا تخيف

قوى البغي بالموقف الثائر

مدى الدهر يبقى نداء الحسين

فهل للرسالة من ناصر

وأدوار بعض كراماتهم

تشدّ لها أعين الناظر

١٠٤
 &

ودور الإمام بحفظ الشريعة

في عالم بالهوى سادر

وهبّ وصادق آل الرسول

لنشر الهدى في المدى الغابر

وحفظ الأحاديث من زائفٍ

يُحرّف فيها ومن قاصر

وقد عبقت عبر دنيا الوحول

نسائم نشر الهدی العاطر

وقد خفّفت عاصفات المتاه

من سطوة الحاقد الزاجر

هنالك إذ أشغل الظالمين

صراعٌ علی سلطة الحاضر

طويل المناجاة في ليله

تقدّس من قائمٍ ذاكرِ

ويطرق سراً بيوت الجياع

لتُطعَم من بذله الساتر

ويكدح في الزرع حتى يعيش

كريماً على كدّه الشاكر

وينشر بين الورى علمه

ونور الهدى طاب من ناشر

وإن جاءه مكربٌ عاثرٌ

فتهمي عطاياه للعاثر

تصدّى لنشر تراث النبي

أصيلاً برغم قوى الجائر

أحاديثه الكُثر أرست لنا

دعائم مذهبنا العامر

كراماته وعباداته

حديث الجميع بلا ناكر

تشدُّ إليها قلوب العباد

لتهدى إلى نوره الباهر

وتفزع منها قوى الجائرين

وتغلي على حقدها الغادر

١٠٥
 &

وراحت تخطّط كيف تصدُّ

مسيرة زحف الهدى الآسر

فدسّت له السمَّ في ظنّها

ستُسكت صوت الهدى الهادر

وقد خسأت إنّه خالدٌ

مدى الدهر في نهجه الظافر

* ربيع الثاني ١٤٢٨

١٠٦
 &

الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام

اسمه « جعفر » وكنيته « أبو عبد الله » ولقبه « الصادق »

ولد في المدينة في اليوم السابع عشر من ربيع الأوّل عام ثلاث وثمانين للهجرة ، واُمه « اُم فروة » بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.

وتقسّم حياته لمرحلتين : مرحلة قبل الإمامة من سنة ٨٣ إلى ١١٤ ، ومرحلة إمامته « ٣٤ » سنة من عام ١١٤ ـ ١٤٨ هجرية وقد عاش خمساً وستين سنة.

وعاصر مجموعة من الخلفاء ، هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد ، وإبراهيم بن الوليد ، ومروان الحمار من بني اُميّة والسفاح والمنصور الدوانيقي من بني العبّاس.

يتميّز الإمام الصادق عليه‌السلام بالإضافة إلى خصاله الكثيرة باهتمامه بنشر علوم أهل البيت عليهم‌السلام في مختلف المجالات ، حيث توفّرت له ظروف سمحت له بذلك ، وخاصّة فترة أواخر الحكم الاُموي وبدايات الحكم العبّاسي ، حيث كانوا مشغولين بأنفسهم حتى نسب المذهب الشيعي لجعفر الصادق عليه‌السلام فسمّي بالجعفرية ، وهو في الحقيقة الإسلام المحمّدي الأصيل.

وقد اعترف الجميع وحتى بعض أصحاب المذاهب الاُخرى بفضله وعلمه الغزير أمثال أبي حنيفة ومالك بن أنس يقول مالك : « ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر علی قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد فضلاً وعلماً وعبادة ». وقد تخرّج على يديه أكثر من أربعة آلاف رجل ، والكثير منهم من العلماء الكبار ، اكتسبوا العلم منه أو رووا عنه وبذلك

١٠٧
 &

حافظ على الإسلام الأصيل المتمثّل بمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد ذكر هؤلاء الرواة والطلاب في كتب الرجال ، كما حاور أصحاب المبادئ والمذاهب الاُخرى. وكان يفحمهم أمام الملأ ، كما شجّع بعض أصحابه العلماء على المحاورة ، كلّ ذلك من أجل الهدف الكبير الذي يسعى إليه وهو الحفاظ على الإسلام الأصيل.

ويشمل عطاؤه العلمي الكثير من المجالات في التفسير والفقه والحديث والكلام وحتى في الكيمياء حيث تعلّم منه جابر بن حيّان هذا العلم.

ومن الكتب التي رويت عنه « توحيد المفضل » أملاه الإمام عليه‌السلام على المفضل بن عمر ، حيث تعرّض فيه إلى الكثير من الموضوعات المهمة في مجال خلق الإنسان والعالم وإثبات وجود الله وقدرته وعلمه وحكمه.

بالإضافة إلى الروايات الكثيرة التي تملأ كتب الحديث عند الإمامية بل وغيرهم وتعتبر أهمّ ما تعتمده علوم أهل البيت عليهم‌السلام ، وخاصّة في الفقه والتفسير والكلام ، ولولاها لاختفت الكثير من التعاليم الإسلامية الأصيلة في مختلف المجالات. وقد استشهد الإمام عليه‌السلام في ٢٥ من شهر شوال عام « ١٤٨ ». حيث دسّ المنصور الدوانيقي له السمّ بعد أن رأى شخصيته تنتشر بين المسلمين ، فخاف على حكمه وأطماعه. ودفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.

وآخر وصية له نقلها أبو بصير قال : كنت حاضراً حين وفاة الإمام ففتح عينيه وقال : اجمعوا لي أهل بيتي ، وعندما اجتمعوا بين يديه قال عليه‌السلام : « إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بصلاته » (١).

ومن أهمّ الإنجازات التي حقّقها الإمام الصادق عليه‌السلام هو أنه وضع أساس التأليف في

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٢٧.

١٠٨
 &

الإسلام ، فانطلق الناس بعده يؤلّفون ويدوّنون تبعاً لتعليماته ، وكما أرسى دعائم علم الكلام للدفاع عن مذهب أهل البيت عليهم‌السلام وتعليم جملة من أصحابه ذلك.

وكما اُتيح للإمام عليه‌السلام أن يتصدّى لظاهرة الزندقة والإلحاد وخاصة بعد الارتباط بسائر الشعوب والمبادئ والأديان الاُخرى وبعد ترجمة الفكر اليوناني وظهور الفلسفات اليونانية ، كما ناقش الفرق الإسلامية التي نشأت في ذلك الزمان ، ومن مأثور كلامه وحكمه رسالته التي وجّهها إلى عامة المؤمنين يقول فيها :

« أمّا بعد ؛ فسألوا ربّكم العافية ، وعليكم بالدعاء والوقار ، والسكينة والحياء ، والتنزّه عما تنزّه عنه الصالحون منكم ، وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضيم منهم ، وإيّاكم ومماظَّتهم ... » (١).

ومن كلماته القصار قوله عليه‌السلام : « لا يزال العزّ قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها » (٢). وبهذا فقد أرسى الإمام عليه‌السلام دعائم الفكر الإسلامي النقي.

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ٢١١.

(٢) بحار الأنوار ٧٥ : ٢٠٦.

١٠٩
 &

في رثاء الإمام الصادق عليه‌السلام

لواء العقيدة

مولاي لن يرقى إليك رثاء

فبكلَ قلبٍ لوعةٌ وبكاء

وبكلّ قافيةٍ تموج لواعجٌ

هيهات يحضن اُفقها الإيحاء

مأساة يومك خلّفت في وعينا

جرحاً ، له عبر العصور بقاء

يا قائداً آثار خطوك لم تزل

بيضاء ، تلمع عبرها العلياء

أترى يضمّ النصر زحفٌ ناهضٌ

دامٍ ، ويسقط في الطريق لواء

لم يفتقد نجواكَ جيلٌ ، فالأسى

دوّى له عبر الزمان نداء

علّمتنا كيف استعادت صفوها

رغم الكمائن شرعةٌ بيضاء

لولا كفاحك ، وهو فكرٌ واثبٌ

وعقيدةٌ تُلوی بها الأهواء

لرأيت كيف يضمُّ آفاق الهدى

كُفر ، ويلتهم الهداة فناء

مولاي والذكرى نداء صارخ

يهمي على التاريخ منه عطاء

والغرب يحلم أن يهدَّ كياننا

لتقرّ تحت ظلاله الأجواء

علّمتنا معنى الكفاح عقيدةً

ونُهىً تجفّ بفجره الظلماء

١١٠
 &

فالدين درب للحياة معبّدٌ

وتقدّمٌ وحضارةٌ وعلاء

لا فكرة ماتت لتبقى قصّة

تُروى ولا رجعيّة رعناء

دين يمدُّ على الحياة ظلاله

فبكلّ قفر واحة خضراء

دين به عطر الاُلوهة وهو لو

يعلو لضمّ العالمين صفاء

* شوّال ١٣٨٩ ألقيت في قاعة كليّة الفقه في النجف الأشرف

١١١
 &

قبور البقيع

هاهنا مرقد الأئمّة مَن كانوا

مناراً لكلّ مجدٍ منيع

من بعيدٍ أتيتكم وحكايا الشوق

يغلي لهيبها في ضلوعي

إنّني قد أتيتُ أحمل أوجاع حياةٍ

تضری بقلبٍ صديع

وتلَفَّتُ عنكم في ربوعٍ

حفلت تربها بماضٍ رفيع

لم اُشاهد إلا بقايا ترابٍ

ورمالٍ تفرّقت في الربوع

ووجوهاً تحجّرت بشعاراتٍ

تجافتْ عن كل معنی وديع

تنكر الحُبَّ والتوسّل والدمع

وصوت الدعا وروح الخشوع

أين قبر الزهراء لا زال مخفيّاً

أيبقي بسرِّه المفجوع

وتفحّصتُ عنه في روضة المسجد

في دارها ، بأرض البقيع

لم أجد غير أنّةٍ وعويلٍ

ومحبٍّ ظامٍ وقلبٍ جزوع

وعيونٍ حرّى تلحّ انتظاراً

لإمامٍ ، أكرم به من طلوع

يأخذ الثأر للبتول جهاراً

ثم يُبدي أسرار قبرٍ مضيع

سوف يبقى مصابها يُلهب القلـب

شجوناً ، يشيب رأس الرضيع

١١٢
 &

سوف يبقى سقط الجنين وحرق الباب

سوط العدى .. وكسر الضلوع

سوف تبقى هذه المصائب للحشر

تُثير الورى بحزنٍ وجيع

* ذي القعدة ١٤١٩ نظمت في المدينة المنوّرة ، في البقيع

١١٣
 &

أنوار الولاء في رحاب المعصومين عليهم السلام للسيّد هاشم الهاشمي

١١٤
 &

الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام

اسمه موسى وكنيته أبو إبراهيم وأبو الحسن ، ولقبه الكاظم والعبد الصالح. واُمّه حميدة وتكنّى لؤلؤة.

ولد بالأبواء موضع بين مكة والمدينة في السابع من صفر سنة ١٢٨.

تقسّم حياته لمرحلتين :

مرحلة ما قبل الإمامة ومرحلة إمامته وهي طويلة. استمرت ٣٥ عاماً من سنة ١٤٨ إلى ١٨٣ بذل فيها مختلف الجهود في الحفاظ على الإسلام الأصيل ونشره وعدم الاستسلام لحكّام عهده ، لذلك زجّ في السجون مرّات عديدة ، عاصر من الخلفاء العباسيين المنصور والمهدي العباسي والهادي وهارون الرشيد.

واستشهد بالسمّ بأمر هارون الرشيد في سجنه سنة ١٨٣ في بغداد وعمره « ٥٥ » عاماً بعد أن قضى ١٥ عاماً في السجن لا يخرج منه حتى يدخل إلى آخر ، ودفن في مدينة الكاظمية قرب بغداد ، وقد واصل الإمام سيرة أبيه في نشر العلم والتعاليم الإسلامية الحقّة وتوعية الاُمة وهدايتها.

ونشأ على يديه الكثير من التلاميذ من العلماء والرواة ، ولكنّ النظام العباسي الذي كان يخشى من انتشار الوعي الإسلامي الأصيل ، ومن اتساع شخصية الإمام ، واجه الإمام وأصحابه بمختلف الضغوط المشدّدة حيث سجن بعض أصحابه أمثال ابن أبي عمير ، وطارد الشيعة ، فقتل الكثير من العلويين وشرّد الكثير منهم في الأقطار وأوعز إلى بعض الشعراء في النيل من أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكنّ الإمام كان يواصل مهمّته التعليميّة في الدفاع

١١٥
 &

عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لذلك كان يصرح أحياناً بالحق ، وتوعية الأُمّة بالحقائق التي حاول أعداء أهل البيت إخفاءها ، حتى في محضر حكام عصره.

فمن ذلك ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار : أنّ هارون كان يقول لموسى خذ « فدكاً » وهو يمتنع ، فلمّا ألحّ عليه ، قال : ما آخذها إلا بحدودها قال : وما حدودها ، قال الحدّ الأوّل عدن ، فتغيّر وجه الرشيد قال : والحدّ الثاني ؟ قال : سمرقند ، فاربدّ وجهه قال : والحدّ الثالث ؟ قال : إفريقا. فاسودّ وجهه قال : والحدّ الرابع ؟ قال : سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينيا. فقال هارون : فلم يبق لنا شيء ، فتحوّل في مجلسي ، فقال موسى قد أعلمتك إنّي إن حدّدتها لم تردّها ، فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره » وهو يشير بذلك إلى أنّ مطالبة الزهراء بفدك هي مطالبة بحق الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة التي نصّ عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وهذا مما أدّى إلى إغضابها.

وروى الخطيب في تاريخ بغداد قال « بعث موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت أنّه لن ينقضي عنّي يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون ».

لذلك فإنّ النظام ألقى القبض عليه وأودعه السجن ، لمرّات عديدة ، وفي آخرها دسّ إليه السمّ واستشهد في السجن كما ذكرنا.

ومن نشاطاته حواراته واحتجاجاته مع الآخرين.

وتلامذته كثيرون ، وكذلك رواياته كثيرة في كتب الحديث.

ومن آثاره وصيّته لهشام بن الحكم وهي وصيّة طويلة ذكرت في كتاب تحف العقول.

تعتبر فترة الإمام الكاظم عليه‌السلام طويلة نسبياً إلا أنّ الملاحظ أنّه عليه‌السلام تحرّك فكرياً وعلمياً في ظلّ ظروف قاسية ، وبالرغم من ذلك فقد وصلتنا من الإمام عليه‌السلام نصوص

١١٦
 &

متنوّعة في مختلف ميادين المعرفة من الفقه والعقائد والأخلاق ، والأدب ، والتفسير وغيرها. والمهم أن نعرض لنموذج من النتاج الذين صدر عنه عليه‌السلام ونقتصر على التوصية والكلمات القصار فمن وصية يوجهها إلى تلميذه هشام بن الحكم يقول :

« يا هشام : إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ... ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه.

يا هشام : إيّاك ومخالطة الناس والاُنس بهم ، إلا أن تجد عاقلاً مأموناً فأنس به ، واهرب من سائرهم كهربك من السباع » (١).

ومن كلماته وحكمه قوله عليه‌السلام :

« تعجّب الجاهل من العاقل أكثر من تعجّب العاقل من الجاهل » (٢).

« المؤمن مثل كفتي ميزان : كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه » (٣).

« لكل شيء زكاة الجسد صيام النوافل » (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٥ : ٣١٢.

(٢) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٢٦.

(٣) بحار الأنوار ٧٥ : ٣٢٠.

(٤) بحار الأنوار ٧٤ : ٣٢٦.

١١٧
 &

الإمام الكاظم عليه‌السلام

« باب الحوائج ما أتته مروعة

في حاجة إلا ويقضي حاجها »

وإذا تجهّمت الخطوب فإنّه

يجلو بأنوار الإله عجاجها

وإذا المشاكل أغلقت أبوابها

فبعونه الهادي يفكّ رتاجها

وإذا المآسي مزّقتك جراحها

ستنال في ظلّ الإمام علاجها

واذا أعاصير الحوادث حطّمت

عمراً سيسكت لطفه أمواجها

كم حاربته قوى الظلام لأنّه

لشريعة الإسلام كان سراجها

يهفو الظماء إلى نمير عطائه

وترى النفوس بهديه منهاجها

عرفوه في ورعٍ وطول سجوده

وغدا الحاجات الورى فرّاجها

رأت الخلافة في نفوذ ولائه

بين الورى خطراً يهدّد تاجها

ويجود حتى للخصوم بخلقه

السامي فتترك عنده إزعاجها

ومنعّمٍ ترك القصور بوعظه

زهداً ليسلك في القفار فجاجها

فرمته في قعر السجون معذّباً

فيها يعاني ظلمها ولجاجها

فخصاله شمس الهدى مهما سعوا

هيهات لا يُخفِي الدجى وهّاجها

١١٨
 &

لكنّها نفس الرشيد تفرعنت

بغياً لتطفئ بالدماء هياجها

عاشت على وحل الضلالة والهوى

فغدا بها ظلم العباد مزاجها

سقوا الإمام السم وهو بسجنه

ستنال في يوم الجزاء نتاجها

* ربيع الثاني ١٤٢٨

١١٩
 &

الإمام الكاظم عليه‌السلام

يا إمام الهدى ويا كاظم الغيظ

ورمز التقى حليف الدعاء

قد هوته القلوب مذ وجَدت فيه

مثال الهدى ومهد النقاء

ورعٌ خالصٌ وعلمٌ غزيرٌ

وثباتٌ على طريق السماء

وكراماته التي شدّت الأنظار

شوقاً لنهجه المعطاء

كرمٌ زاخرٌ تجود عطاياه

على البائسين والفقراء

بهر الكلّ في عظيم سجاياه

فمدّت له أكفَّ الولاء

رفدته السماء من مدد الغيب

بأزكى المواهب الغراء

مذ سَمت روحه على الخلق في الطهر

فجادت له بأسمى عطاء

نال في طهره وفي علمه الثرِّ

مقام الإمامة الشمّاء

فزعت من نفوذه وسجاياه

عروشُ الطغاة والأدعياء

حاربوه كي يُطفؤا من قلوب الناس

في زعمهم نفوذ الضياء

طاردوا حبّه المقدس إذ هزّ

عروش الأطماع والبغضاء

بيد أنّ الولاء باق وخابت

بخطاها مكائد الأعداء

١٢٠