الطبّ محراب للإيمان - ج ١

الدكتور خالص جلبي كنجو

الطبّ محراب للإيمان - ج ١

المؤلف:

الدكتور خالص جلبي كنجو


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٧١

المادي فلو فرضنا ان عامل الخض الحروري هو الذي يعمل وبقدر يبلغ ٥٠٠ مليون تريليون هزة في الثانية الواحدة أي ٥ × ١٠ ١٤ / ثا ، والتي هي من رتبة ذبذبة الضوء ، فان الزمن الذي نحتاج اليه مع كل هذا هو ١٠ ٢٤٣ بليون سنة.

ولكن يجب أن لا ننسى مع ذلك ان الأرض على آراء الجيولوجيين لم توجد إلا منذ بليوني سنة كما أن الحياة لم توجد إلا منذ بليون سنة ( ١ × ١٠ ٩ ) وهكذا فاننا نجد انفسنا ان الامكانية الزمانية والحجم المادي لا يسعفنا في تحقيق تكوين ذرة واحدة ( مع وجود الذرات بالأصل أي ليس الخلق ) وهكذا نصل إلى أن نجعل فكرة المصادفة هي الاستحالة لذرة واحدة. ولكن الكون ليس ذرة واحدة فقط مصممة على نسق عجيب وتكوين غريب ، فتكوين الذرة مدهش محير وتركيب الفلك مدهش محير ، وتركيب الخلية مدهش محير ، وتركيب الانسجة مدهش محير ، وتركيب الاعضاء مدهش محير ، كما ان تركيب الكائن الحي مدهش محير ، وأما النفس فهي ذلك العالم الغامض المجهول الذي تستشف البشرية بعض مكنونانه الآن ..

وهكذا نرى ان هذه الفكرة مستحيلة وذلك في مستويات بسيطة وهي كما ذكرنا امثلة منها بناء الذرة الآحية البسيطة ، ولكن الكون للناظر فيه من الاعاجيب واشكال الحياة المعقدة. بل ان تركيب الخلية بالذات محير مدهش كما قلنا وسنبحث ذلك فيما سيأتي معنا .. وهكذا نصل الى تقرير قاعدة أساسية في مستهل ابحاثنا اردناها في هذا الكتاب وهي ان كل هذه الدقة والتعقيد والجمال والروعة في بناء الكائن الانساني

٢١

انما هي من ارادة الله عز وجل الذي خلق هذا الانسان لهدف مرسوم وغاية محدده ... ( أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) المؤمنون ( ايحسب الانسان أن يترك سدى؟ .. ألم يك نطفة من مني يمنى. ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ ) النازعات.

٢٢

بعض أسرار الذرة ..

و ...

الخليّة ...

مع فكرة عن ظاهرة : الموت والحياة ..

نظراً لأن البحث الذي نخوض فيه يجب أن يكون متكاملاً ولا يشعر القارىء ان فيه فجوات ولذا فلابد من عرض نقطة البحث الاساسية وهي تكوين الكون بالاصل الذي يقوم على قاعدة الذرة حيث ان بناء الذرة بالذات معجز ومحير ، استطاع العلماء أن يضعوا له شكلاً رسموه في اذهانهم وتحقق فعلياً عندما حدثت ظاهرة انشطار ( انفلاق ) الذرة ولكن نتائج ذلك مع الاسف كانت مع خط التخلف الفكري البشري الذي تمثل في ظاهرة التدمير والحرب التي لا تبقي ولا تذر فكان القاء القنابل الذرية وتطوير السلاح النووي ..

٢٣
٢٤

الـذرة

بناؤها ـ وزنها ـ أبعادها

مع فكرة عن الجدول الدّوري التضيف العناصر

لمندلييف

الذرة هي أصغر جزء في الكون وقد سميت باللغة الأجنبية Atom أي الجزء الذي لا يتجزأ ، وقد كان يظن في القديم أنها اصغر شيء وهي جزء واحد لكل العناصر ، ولكن العلم الحديث وجهود العلماء التي بذلت في القرن الحالي استطاعا أن يصلا إلى تحديد أساسي جوهري لبنية الذرة. فلقد وجدوا ان الذرة بتركيبها هي أقرب ما تكون للنظام الشمسي ، فهي تتكون من الناحية المبدئية من ثلاثة أجزاء : في المركز يتوضع البروتون وهو ذو شحنة ايجابية ومعه النترون وهو ذو شحنة حيادية وهناك في المدارات الخارجية تتوضع الالكترونات وهي ذات شحنة سلبية ، وعدد البروتونات الموجودة في النواة تساوي عدد الاكترونات المتوضعة في المدارات الخارجية ، وهكذا تتوازن الذرة من الناحية الكهربائية ، وأما وزن الذرة فهو يتوقف بشكل أساسي على البروتون والنترون ، حيث يوازي النترون من ناحية الوزن البروتون ويشكل معه الوزن الأساسي للذرة. ولقد وجد أن وزن البروتون هو

٢٥

١,٦×١٠ ـ٢٤ غرام ، أي أن الغرام الواحد من الناحية الوزنية يساوي مليون مليار مليار مرة ، أو بكلمة أخرى أن وزن البروتون هو جزء من مليون مليار مليار من الغرام على وجه التقريب ، والنترون ذو الشحنة الحيادية يقترب بالوزن من وزن البروتون ، ولذا يشكل مع البروتون كما ذكرنا وزن الذرة. أما الاكترون فهو أخف من البروتون بكثير وان كان يعادله من ناحية الشحنة الكهربائية ، فوزن البروتون يساوي ١٨٣٧ مرة وزن الالكترون ؛ ولذا فان الأخير ذو وزن صغير جداً إذا قيس بالبروتون ، وأما الشحنة الكهربائية للالكترون أو البروتون المتعادلين فهي تساوي ١,٦ × ١٠ ـ١٩ كولون ( وحدة من وحدات الشحنات الكهربية ) ، وأما من ناحية الأبعاد فالذرة تشبه شكلاً كروياً ، وقطرها ضئيل يعادل الانغستروم ( ١٠ ـ٨ سم ) أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، ولكن العجيب يكمن في ان قطر النواة هو من رتبة ١٠ ـ١٢ سم أي أصغر من قطر الذرة بـ ١٠ آلاف مرة ، بحيث لو اننا كبرنا على سبيل المثال ذرة الهيدرجين مليار مرة فان الذرة تصبح كرة يبلغ قطرها قدمين ، ولكن الكتلة الذرية أي النواة ستجتمع ( بروتونات ونترونات ) بشكل حبة الرمل في مركز الكرة والسبب في هذا يعود إلى الفراغ الهائل في تكوين الذرة ما بين البروتونات والالكترونات ، وهو كما ذكرنا ينوف على ١٠ آلاف مرة وهو في الحقيقة أمر يدعو إلى الدهشة والحيرة في أسرار الذرة وألغازها التي كشف القرن الحالي عنها.

ونضرب مثلاً على ذلك فنقول : لو أن عشرة ملايين ذرة اجتمع بعضها بجانب بعض ، فإنها تبلغ طولاً قدره مليمتر واحد فقط ، والغريب

٢٦

هو فيما يسمى بعدد افوغادرو أو الذرة الغرامية فما هي يا ترى أعداد الذرات في غرام واحد من الهيدروجين مثلاً؟. يقول العلماء انهم توصلوا إلى حساب عدد الذرات الموجودة في غرام واحد من الهيدرجين بطرق متعددة ومعقدة ، وكلهم اتفقوا على رقم واحد هو ٦,٢ × ١٠ ٢٣ أي إذا أردنا أن نسميه فنقول إن غراماً واحداً من الهيدرجين فيه ٦٠٠ ألف مليار مليار ذرة ، وهو عدد يجعل الرأس يدور ويعجز عن التخيل والتصديق وخاصة إذا ضربنا هذا المثل : وهو لو اننا وضعنا هذه الذرات جانب بعضها بعضاً في خط مستقيم فكم سيكون طول الخط الذي ستشكله هذه الذرات من غرام واحد فقط من الهيدرجين؟ إن هذا الخط سيكون بطول ٤٠٠ ضعف عن الطول الممتد ما بين الشمس والارض والذي هو ٩٣ مليون ميل لأن الخط هو ٦٠ مليار من الكيلومترات وهم رقم محير فعلاً ..

وأما الألكترونات ذات الشحنة السلبية والتي تتوزع في المدارات الخارجية فهي تدور حول النواة ولكن بأي شكل يا ترى ، لقد اختلف العلماء في هذا الصدد ابتداء من الذين اكتشفوا المعطيات الأولى للذرة ومن جملتهم رذرفورد وبور ، وأخيراً هايزنبرغ الالماني حيث استطاعوا أن يصلوا إلى تفسير يعتبر عجيباً في حد ذاته عن دوران الالكترون حول البروتون ، فقالوا إنه لا يمكننا بالضبط أن نعرف في لحظة معينة أين يوجد الالكترون في دورانه حول البروتون ، قد نقول إنه يحتمل في لحظة ما أن يكون احتمال وجوده أكثر في نقطة دون أخرى ، أما تعيين ذلك بالضبط فهو غير ممكن ، ولنسمع إلى طرف من أقوالهم في هذا الصدد وهو مبدأ عدم التأكد. يقول هايزنبرغ : إن معلوماتنا في

٢٧

لحظة معية عن مكان أي جسم مادي صغير وحركته ليست دقيقة تماماً ، أي أن هنالك شكاً في صحتها يزداد كلما كان الجسم أصغر ، وهذا الشك جزء من طبيعة الاشياء ، ولا علاقة له بتاتاً بخواص الجهاز المستعمل للفحص أو القياس ، وبالتالي فإنه لا يوجد أي واسطة للتخلص منه ، وهو موجود في جميع القياسات إنما يصبح واضحاً ويجب أخذه بعين الاعتبار فقط في حالة الاجسام الصغيرة جداً (١) ) ..

وهكذا يمكن القول أن الإلكترون لا يتبع مساراً معيناً محدداً في حركته حول النواة ، بل هو حر في أن يتحرك في كل الفراغ المحيط بالنواة ، وكل ما نستطيع معرفته هو احتمال (٢) وجود الالكترون في مكان معين في لحظة معينة ، ولذلك فإن سلوك الالكترون يعين كتابع احتمال باللغة الرياضية.

والعجيب يكمن في سرعة دوران الالكترون حول النواة التي لا يعادلها شيء سوى سرعة الضوء وهي فعلاً محيرة ولا يمكن تصورها بل يمكن تعقلها فقط. حيث أن سرعته ان رتبة قطر الذرة كما قلنا هو ١٠ ـ٨ سم أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، لقد وجد ان سرعة دورانه هي ١٠٠/١ من سرعة الضوء ، والمعلوم أن سرعة الضوء هي ٣٠٠ الف كم في الثانية الواحدة ، فتكون سرعة دوران الالكترون في الثانية الواحدة حول النواة هي ثلاثة آلاف كيلومتر ، وهو فعلاً رقم محير ومدهش لمن يقف

__________________

(١) عن كتاب الكيمياء العامة واللاعضوية للدكتور موفق شخاشيرو.

(٢) هذا يذكرنا بقول الله تعالى : ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) حيث عجز العلماء عن التحديد كما ترى فهو غيب مع ان الامر في قاعدة بناء الكون.

٢٨

ويتأمل أسرار الكون والحياة ، حيث يضج كله بالحياة والحركة في صورة دوران الالكترون حول النواة ، ولذا يمكن تصور الالكترون كغمامة مشحونة سلباً تختلف كثافتها من نقطة لأخرى ولكنهما تزداد في المناطق التي يكون وجود الالكترون فيها اكثر احتمالاً كما ذكرنا ..

ولقد وجد أن أبسط ذرة في الكون هي ذرة الهيدرجين ، لأن النواة تحمل بروتوناً واحداً ، والمدار الخارجي منه الكترون واحد ، وبتدرّج بناء الذرات بشكل عجيب محير ، حيث يزداد بناء الذرة بروتوناً بروتوناً ، والمثل على ذلك الهليوم حيث يوجد في النواة بروتونات ، ثم الليتيوم حيث يوجد ثلاثة ثم البريليوم حيث يوجد أربعة ثم البور خمسة ثم الفحم ستة ثم الآزوت سبعة ، اكسجين ثمانية ، فلور تسعة ، نيون عشرة ، صوديوم أحدى عشرة ، مغنزيوم اثنتا عشرة ، وهكذا يتدرج حتى يصل إلى معدن اللانتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من رقم ٥٧ ـ ٧١ أي ٥٧ بروتون ، وباضافة واحد ثم واحد تدريجياً حتى نصل إلى معدن له ٧١ بروتون. ( نحن نذكر البروتون فقط لأن الوزن لا يتعين فقط كما ذكرنا بالبروتون بل مجموع البروتونات والنترونات ذات الشحنة الحيادية ) ثم يتدرج أيضاً حتى الرقم ٨٩ في عنصرالاكتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من ٨٩ ـ ١٠٣ ، وهذا الترتيب العجيب جعل الكيماوي الروسي مندلييف يكتشف الجدول الدوري للعناصر الموجودة في الطبيعة ، وكانت نقطة تحول هامة في فهم العناصر وترتيبها فهي موجودة وفق قانون وليس خبط عشواء كما دحضنا سابقاً فكرة الصدفة ، فالذرات لمن يراها يتصور مهندساً يرتب الذرات فيضيف الى السابقة بروتوناً جديداً وعدداً معيناً من النترونات فإذا هو عنصر جديد له مواصفات جديدة وخواص

٢٩

جديدة ، فالهليوم كما ذكرنا فيها اثنان من البروتونات ويأتي بعده الليتيوم وهو عنصر معدني بينما الأول هو غاز من الغازات الخاملة ، بينما الليتيوم يعتبر من المعادن النشيطة فما الذي حدث؟ ان هذا لا يقول عنه العلم شيئاً ..

ثم نأتي لنرى كيف تلعب النترونات الدور المهم في اعطاء الوزن الذري لكل عنصر ، فنحن كما ذكرنا نجد ان وزن الهيدرجين يأتي من وزن النواة حيث يوجد فيه بروتون واحد فوزنه الذري واحد والهليوم وزنه الذري ٤ وليس ٢ لأن فيه بروتونات ٢ ونترونات ٢ ، واما الليتيوم فوزنه الذري ٦ وليس ٣ لأنه فيه ٣ بروتونات و ٣ نترونات ، وأما البريليوم فوزنه الذري ٩ لأن فيه بروتونات ٤ ونترونات ٥ ، وهاك أمثلة على ذلك : ( بور B الوزن ١٠ P= ٥ N= ٥ ، فحم = C ١٢ (N ٦+ ٦N ) ، آزوت N١٤ (N٧ + ٧P ) وهكذا ... الخ ) والعجيب في هذا التصنيف الدوري الذي اكتشفه مندلييف انه استطاع أن يحدد عناصر لم تكن مكتشفة بعد ، لأن ترتيب الجدول الذري يجعل هناك نوعاً من القفزات أو الفجوة ما بين عنصر وآخر في الوزن الذري وعدد البروتونات ، مما حدا بمندلييف أنا يتنبأ بأن هذا القانون يحتم وجود عناصر جديدة لم تكتشف بعد ، وفعلاً اكتشف بعد ذلك وهي الكانديوم والجرمانيوم والفاليوم وتكنتيوم والاستاتين والفرانسيوم والبروميتوم .. وكان هذا دليلاً كبيراً على الدقة والروعة في بناء الكون وتدرجه واحكام عناصره.

بقي علينا بعد أن أخذنا هذه الفكرة المجملة عن تركيب الذرة وعناصرها الأساسية التي هي البروتون والنترون والالكترون وكيف

٣٠

تتوزع هذه العناصر كما تعرفنا على الأوزان والشحنة الكهربية وكيف يدور الالكترون وسرعته ، بقى علينا أن نعرف كيف تتوزع الالكترونات في المدار الخارجي الذي يحيط بالنواة ..

كما ذكرنا ان عدد الالكترونات يجب أن يساوي عدد البروتونات الموجودة في النواة حتى تتزن الذرة كهربياً وذلك لتعادل الشحنات الكهربية حيث لا تؤثر النترونات على التوازن الكهربي باعتبارها حيادية وان كانت توثر الأخيرة في الوزن الذري للجوهر .. ان الالكترونات لا تتوزع في مدار واحد بل في عدة مدارات رمز لها باحرف ك. ل. م. ن. K. L. M. N ولقد وجد ان هناك قانونين يحكمان توزع الالكترونات في المدارات الخارجية ، الأول : وهو النظام الثماني حيث أن الذرة يلزم لاستقرارها الخارجي أن يكون في المدار الأخير ثمانية الكترونات ، فإذا لم يوجد هذا العدد عمدت إما إلى طرح الألكترونات الخارجية أو أخذ الكترونات حتى يكتمل الاتزان الخارجي ؛ والمثال على ذلك الفلور وهو غاز ، فالنواة فيها ٩ بروتونات و ١٠ نترونات فيكون الوزن الذري ١٩ وفي المدار الخارجي في الطبقة الاولى كـ K يوجد الكترونات وفي الطبقة الثانية يوجد ٧ الكترونات فيكون مجموع الالكترونات تسعة وهي تعادل عدد البروتونات الموجودة في النواة ، وهكذا يحصل اتزان الذرة من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد في المدار الأخير ٧ الكترونات ، ولذا فانها تحتاج إلى الكترون جديد حتى يتزن العنصر من ناحية التعامل الخارجي ، ولذا يأخذ الكترون وتصبح شحنة هذا الغاز سلبية وذلك لأن عدد الالكترونات أصبح ١٠ بينما البروتونات تسعة ولذا رجحت كفة الالكترونات بواحد

٣١

وهكذا أصبحت شحنة هذا الغاز سلبية وبقدر شحنة واحدة.

وهكذا تسير الأمور في كل الذرات .. وأما القانون الثاني فهو أن عدد الالكترونات في كل طبقه من المدارات تتوزع وفق القانون ٢ ن ٢ ٢ N ٢ حيث يرمز N إلى رقم الطبقة ، وهكذا نجد أن الطبقة الأولى فيها الكترونات ( ٢ × ١ ٢ = ٢ ) والطبقة الثانية فيها ثمانية الكترونات ( ٢ × ٢ ٢ = ٨ ) والطبقة الثالثة فيها ١٨ ( ٢ × ٣ ٢ = ١٨ ) والرابعة ٣٢ ( ٢ × ٤ ٢ = ٣٢ ) وهكذا يسير هذا القانون الذي يحكم نظام الذرة المدهشة ..

وهكذا نجد أن بناء الذرة بناء فذ مدهش يتدرج من الهيدروجين حتى اللورانسيوم ، فيكون المجموع العام للعناصر الموجودة في الكون هي ١٠٣ عنصر منها المعادن ومنها أشباه المعادن ومنها الغازات ومنها العناصر المشعة ومنها غير المشعة وهي تتدرج بشكل عجيب بإضافة بروتون الى الذي يسبقه وعدد من النترونات جديد فيتشكل عنصر جديد يختلف عن الذي يسبقه اختلافاً جوهرياً من ناحية التفاعلات والخواص مع أن الوحدة الأساسية للبناء هي البروتون والنترون والالكترون لكل العناصر الموجودة في الكون. وهنا نتساءل كما ذكرنا ، فمثلاً عنصر النيون فيه من البروتونات ١٠ والنترونات ١٠ فيكون الوزن الذري عشرين وبعده مباشر ، يأتي عنصر الصوديوم وعدد البروتونات فيه ١١ والنترونات ١٢ فيكون الوزن الذري ٢٣ فما الذي أدى ( مع هذا الفارق البسيط بين الاول والثاني ) إلى أن يكون الأول غازاً والثاني معدناً والأول غازاً خاملاً والثاني معدناً نشيطاً؟. من الذي منح الصفة

٣٢

وهذه الخاصة ليفرق الثاني عن الأول مع أن الثاني يأتي مباشرة بعد الأول ، ولا يفرق عنه إلا ببروتون واحد فقط وباثنين من النترونات؟؟ بالطبع لن يستطيع العلم أن يجيب على هذا السؤال!.

وختاماً لهذا البحث سوف نورد مثلاً ظريفاً لأخذ فكرة مبسطة عن الذرة أورده أحد العلماء هو ستورمر ، تخيل هذا العالم الكون الحالي ثم أراد أن يكبر الحجم للموجودات مع المحافظة على النسبة الكائنة بين الأبعاد وذلك لتصور القياس الذري وصعوبة إدراكنا لذلك فقال :

لنكبر الحاجيات ١٠٠ مرة في البدء يصبح الرجال مردة ، فتصل قامتهم إلى ما يعادل نصف برج إيفل ، ونصبح النحل حيوانات مخيفة لها أبعاد الثيران ، وإن الشعرة التي سمكها ١٠/١ ملم تصبح حبلاً سميكاً من رتبة ١ سم ، ثم لنتخيل أننا نستطيع تكبير هذا العالم الجديد ١٠٠ مرة أيضاً أي أن العالم الأولي يكون قد كبر ١٠,٠٠٠ مرة فيصبح بعد الرجال بعد الجبال الشاهقة التي يتراوح ارتفاعها ما بين ١٥ و ٢٠ كم متر ، كما وأن النحلة يصبح بعدها مئات الأمتار ، وتصل سماكة الشعرة إلى واحد متر كما وإن الجراثيم الصغيرة التي لم تكن أبعادها تذكر في العالم القديم نظراً لصغرها والتي هي من رتبة جزء من ألف من الميلمتر يصبح لها بعد مساو لسنتمتر واحد ، ثم لنمدد هذا العالم الحاصل ١٠٠ مرة أخرى أي يكون قد مدد العالم الأولي مليون مرة حيث يصبح قطر الشعرة مساوي إلى ١٠٠ متر وتصبح الجراثيم كائنات من رتبة متر واحد ، غير أن بعد الذرات لا يزال في هذا العالم الخيالي صغيراً جداً ولا يتجاوز عشر المليمتر ، ثم لنعمل تمديداً أخيراً بحيث أن العالم الأولي يمدد ١٠٠ مليون مرة ، عندئذ تصبح ذرة الهيدروجين واضحة وقطرها مساو لسنتمتر واحد تقريباً ، وفي ذات الوقت تصبح سماكة الشعرة مساوية

٣٣

الى ١٠ كم وتصبح الجراثيم وحوشاً هائلة من رتبة ١٠٠ متر ، وأما البشر (١)؟!!

ونختم البحث برسم توضيحي مبسط للجدول الدوري للعناصر الذي تناولناه فيما سبق حتى يكتمل البحث :

الرقم العلوي للعنصر يرمز الى عدد البروتونات الموجودة في النواة ، والرقم السفلى يشير الى الوزن الذري على وجه التقريب بدون كسور ..

__________________

(١) عن كتاب الكيمياء العامة لادوار خوري بتصرف.

٣٤

بعض اسرار الخليّة

كما أن الذرة هي أصغر جزء في المادة سواء كانت من المادة أو من تشكيلات الحياة المعقدة ، كذلك تعتبر الخلية حجر الأساس في بناء الكائن الحي بمجموعه العام ، ومن الخلية يبدأ سر الحياة المحير ، حيث نرى ظاهرة تدب في مجموعة المادة الميتة فتنبثق الحياة وتسير وتتعقد حتى تصل إلى تكوين أكرم الكائنات وأشرفها ألا وهو الانسان ، والخلية بحد ذاتها وتركيبها الخاص تبدو فيها ظاهرة الإعجاز ، ومن أسرار الخلية المحيرة تنبثق بقية أنواع الحياة وأنماطها ...

في الإنسان من مجموعة الخلايا التي تقوم بعمل واحد يتشكل النسيج ، ومن مجموعة الأنسجة التي تتضافر لتؤدي مهمة واحدة يتشكل العضو ، ومن مجموعة الأعضاء يتشكل الجهاز ، ومن مجموعة الأجهزة يتشكل الكائن الحي بإعجاز وتفرده الفذ المدهش المحير ...

تتكون الخلية على وجه العموم من حجرة يغلفها غشاء مضاعف وتملأ هذه الحجرة مادة سائلة اختلفوا على حقيقتها ، هل هي شبه غروية أم لا؟ وتستقر في هذه المادة السائلة المسماة بالسيتوبلاسما النواة وفيها يكن سر الحياة للخلية ، لأن الخلية إذا جردت من النواة لم تستطع أن تتابع سيرها في الحياة ، والنواة بناؤها أيضاً دقيق فيحيط بها أيضاً غشاء

٣٥

نووي مضاعف ويستقر داخلها أهم شيء في الخلية وهو ما يسمى بالموروثات التي يتم بواسطتها نقل صفات النوع الى ذاريه كما يستقر داخل النواة نواة لها تسمى بالنّوية بالاضافة الى شبكة كروماتينية ...

يبلغ وزن الخلية ( ويمثلها خاصة نطفة الانسان ، التي يتم بواسطتها التلقيح مع بويصة المرأة لإنشاء خلية جديدة كاملة يتم خلق الانسان منها فيما يعد ) تبلغ من الوزن ١٠ ـ٩ غرام أي جزء من مليار من الغرام وهي فيما إذا قورنت ببيضة النعامة التي تبلغ من الوزن ١٠٠ مائة غرام فان بيضة النعامة التي يتخلق منها ولد النعامة تكون أكبر من ناحية الوزن بـ ١٠٠ مليار مرة ، وإذا ما قورنت مع بيضة الضفدع فان بيضة الضفدع أكبر من ناحية الوزن من نطفة الانسان بـ ١٠٠ مليون مرة ، وهذه الأرقام توحي بمدى صغر النطفة الانسانية التي تكون الانسان ولكنها من ناحية الفعالية والنتيجة شيء مدهش للغاية ، لأن الخلية الانسانية الأولى لمجرد أن تتكون تبدأ من الانقسام بشكل سريع ودقيق وهادف حتى تنقسم ما يقرب من خمسين انقساماً ، ويكون عدد الخلايا الانسانية عند ذلك بالملايين وهي مستعدة للتخصص فيما بعد ..

يبلغ قياس أقطار الخلية بالميكرونات فالكرية الحمراء مثلاً والتي تشكل أهم خلايا الدم تبلغ وسطياً حوالي ٧ ميكرونات من ناحية قطرها ، والميكرون كما هو معروف يمثل جزء من ألف من الميلمتر أي أن قطر الكرية الحمراء يبلغ ٧ سبعة أجزاء من الألف من الميلمتر وهذا رقم صغير جداً أمام أضخم وأكبر خلية وأكبرها في الجسم والتي هي البيضة التي يقذفها المبيض عند المرأة حيث يصل قطرها الى حدود مائتي ٢٠٠ ميكرون ، ولقد استطاع المجهر العادي أن يرى الخلية بشكل حجرة ، وكان هذا حدثاً مهماً في تاريخ البشرية حيث كشف ان الكائنات الحية تتكون من مجموعة هائلة من الخلايا التي تجتمع فيما بينها لكي تؤسس

٣٦

جهازاً واحداً يقوم بوظيفة واحدة ، ومن مجموعة الأجهزة التي تتناسق أيضاً مع بعضها في العمل لكي يتكون الكائن الحي ...

وتعتبر الحمات الراشحة أيضاً من الخلايا الوحيدة وكذلك الجراثيم ، أما الجراثيم فلقد استطاعت المجاهر العادية أن تراها ، وأما الحمات الراشحة فلم تستطع المجاهر العادية رؤيتها ، وبفضل التقدم العلمي استطاع العلماء أن يصلوا إلى اختراع مجهر عظيم في تكبير الأشياء حتى يتسنى للعين البشرية رؤيتها ، فلقد أمكن بواسطة هذا المجهر الجبار تكبير الأشياء قرابة ثلاثين إلى مائة ألفمرة ويزيد ، وهكذا استطاع العلماء أن يروا ولأول مرة الحمة الراشحة التي كانت تسبب الكثير من الأمراض ووجدوا أن للحمات الراشحة أنواعاً وذراري وفصائل مختلفة منها ما يسبب مرض الجدري وشلل الاطفال والحصبة وسواه ، والمهم أنهم رأوا بأعينهم هذه الحمات التي كانوا يتهمونها بإحداث هذه الأمراض ، وحتى أن بعض النظريات التي تدرس موضوع السرطان اتهمت الفيروس أي الحمة الراشحة بإحداث مرض السرطان ولكن لم يحصل برهان قاطع يدعم آراءهم ... واستطاع المجهر الالكتروني فضلاً عن ذلك أن يرى الذرات البروتينية الكبيرة التي تبلغ في أبعادها حدود مائة ١٠٠ انغستروم وهو جزء مائة مليون من السنتمتر ، ويرمز له بالرمز ٥A وكذلك الحموض الامينية التي تبلغ حدود عشرات A o أنغستروم ، ولكن قدرة المجهر الالكتروني تقف عند أبعاد الجوهر والتي هي في حدود ٢ ـ ٤ Ao وقد يتغلب على هذا العائق اختراع المجهر البروتوني الذي سيكبر أبعاد الاشياء في حدود ٨٠٠ ألف مرة أو حتى المليون والمستقبل هو الذي سيطلعنا على هذا الشيء ...

٣٧

تخصص الخلية :

عندما تتخصص الخلية يحدث أمر على درجة كبيرة من الأهمية ، فالخلية العادية نفسها تتحول لتؤدي دوراً معيناً يختلف باختلاف المكان الذي تقبع فيه كما تختلف باختلاف الزمن الذي تمر به ، فهي الخلية العادية في الجسم تصبح على سطح الجلد متقرنة متوسفة تتساقط من على الجلد بعد أن قامت بدور حمايته وهي في العضلات مجموعة ألياف متراصة تقوم بعمل التقلص العضلي ، وهي في البانكرياس تقوم بدور الأفراز الداخلي كالانسولين والغلوكاكون وهما هورمونان ينظمان السكر في الدم وبدور الافراز الخارجي حيث تصب عصاراته عن طريق قناة ويرسونك التي تلتقي مع القناة الكبدية الجامعة حيث يصب الجميع في العقج وهي تحوي الخمائر الهضمة لمواد الطعام الثلاثة أعنى السكريات والبروتينات والشحميات ، وهي في الدرق تقوم بفرز هورمون التيروكسين الذي يلعب دوراً هاماً في أشياء كثيرة منها الحرارة والاستقلاب (١) ، كما ان الخلية في الامعاء الدقيقة تقوم بدور الامتصاص من الزغابات المعوية حيث تنفذ المواد بسرعة مدهشة إلى داخل الزغابة بفضل الخلايا التي تمتص بسرعة حيث تمر المواد بدورها الى الاوعية الدموية واللنفاوية التي تنقل المواد بالتالي إلى مركز الجمارك العام وهو الكبد.

والخلية في جهاز التنفس تلعب دوراً مهماً في جعل الجدار للسنخ الرئوي حساساً جداً لمرور الغازات وهما ائنان الأكسجين وغاز الفحم ، حتى يتصفى الدم بشكل رائع ويصبح حاملاً للأكسجين إلى الأنسجة العطشى له حتى يجري الاستقلاب والاحتراق ونشر القدرة وبث الحياة ، والخلية المتمثلة في الدم بالكرية الحمراء هي التي تحتوي المادة عظيمة

__________________

(١) هناك بعض المصطلحات الطبية العلمية سوف تشرح اثناء المرور بها بشكل مفصل.

٣٨

الفعالية وهي الهيموغلوبين الذي يقوم بجعل الاكسجين إلى الانسجة وفي طريق العودة حمل غاز الفحم ليطرح عن طريق الرثتين وبالتالي تخليص البدن من زيادة الفاسدة في الجسم ، أو أن الخلية المتمثلة في الكرية البيضاء التي تقوم بفعل المناعة في الجسم وبلع الجرائيم الداخلة إلى البدن وإحداث المعركة الضارية لصد الغزو الجراثيمي أياً كان مكانه في الدبن وذلك عن طريق إنسلال الكريات البيض من العروق الشعرية الى الخارج تحت الجلد حيث تسقط تلك الخلايا المسماة بالكريات البيض ميتة وهي تدافع ع الدبن ، وما القيح الذي نراه ـ في الحقيقة ـ إلا اشلاء تلك الكريات المدافعة عن العضوية في سبيل انقاذ الجسم ، وأما الخلية في العين فهي الحساسة بشكل رائع بالنور والمتمثلة بشكل محيط في العين بشكل المخاريط التي تتحسس للنور القوي والالوان والعصيات المتحسسة بالنور الضعيف الابيض فقد ، والخلية في الأذن هي التي تشترك في تلقي السمع ونقله بواسطة الاعصاب إلى مراكزه العليا حتى يفهم على أتم وجه ، والخلايا في العظام هي التي ترتشح بالكنسي لتجعل العظم قاسياً يتحمل الضغوط والهزات ، والخلايا في مراكز التناسل تتهيء بشكل خاص حيث سنتناولها في البحث ، وابرزها شكل النطفة حيث نري شكل النطفة مؤلفاً من رأس وعنق وذمب وحيث نرى البيضة الكبيرة التي سيلتقي بها الحيوان المنوي بشكل مدور كبير.

وأخيراً ، عندما نكلم عن الخلايا ، لننظر في الخلايا العصيبة التي تتوزع في قر الدماغ على ستة طبقات ومن هذه الطبقات تتوزع الخلايا أنواع العمل فشيء للحس وآخر لحركة وآخر للذوق وآخر للإشراف عل الأعمال البدنية ، وأما الإدراك والتفكير والتخيل ففي أي الخلايا يقع هذا العمل المدهش ، إن العلم لا يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة لأنها ليست من اختصاصه تماماً ...

٣٩

استهلاك الجسم للخلايا :

يستهلك الجسم من خلاياه حوالي ١٢٥ مليون خلية في الثانية الواحدة اي بمعدل ٧٥٠٠ مليون خلية في الدقيقة الواحدة وكمثال على ذلك فإن احد قطاعات الجسم وهو الوسط الداخلي الدموي يستهلك من الكريات الحمر في كل ثانية حوالي مليوني كرية حمراء ، أي يستهلك في الساعة الواحدة أكثر من عدد سكان العالم بحوالي خمس مرات ، وذلك لأن الدم الذي يصل حجمه الى خمس ليترات في جسم الإنسان يحتوي في الملم ٣ الواحد وسطياً خمسة ملائين كلية حمراء ، أي أن مجموع الكريات الحمر في دم الإنسان الواحد يبلغ ٢٥ مليون مليون كلية بحيث أننا لو أردنا أن نصفّ هذه الكريات جنب بعضها بعضاً على خط واحد ونحن نعرف أن متوسط قطر الكرية الواحدة يبلغ سبعة ميكرونات فإن الناتج معناً سيكون حوالي (١٧٥) كيلو متر أي أن بإمكان هذا الخط أن يطوق الكرة الارضية باكمالها ٤ ـ ٥ مرات ، وجرب أن تحسب ذلك إذا علمت أن قطر الكرة الارضية ١٢٧٥٦ كم و= ١٤ و ٣؟! ..

عمر الخلية :

يختلف عمر الكرية الحمراء التي تمثل نوعاً من أنواع الخلايا عن أعمار باقي الخلايا ، فهناك الخلايا التي لا تعيش إلا أياماً معدودة بسيطة ، وهناك الكرية الحمراء التي تعيش وسطياً حوالي شهرين ، وهناك الخلايا التي تعيش ما عاش الإنسان ، تولد بعدد محدود مقدر وتبقى كما هي لا تزيل إلا بحالة واحدة وهي النمو السرطاني الخبيث ، كما أنها لا تنقص إلا بالأفات التي تدمر الخلايا وتتلفها ، ولعلنا نريد أن نعرف ما هي هذه الخلايا؟ إنها أشرف خلايا الجسم وأندرها وأنبلها إنها خلايا الجملة العصبية المركزية التي يقدر عددها بحوالي ١٤ مليار خلية عصبية على ما

٤٠